من الجدير ذكره أن موراندي لم يغادر وطنه، باستثناء زيارة سريعة وخاطفة إلى سويسرا في أواخر حياته، ولكنه بعيداً عن المعلمين الإيطاليين كان سيزان[ر] Cézanne وشاردان[ر] Chardin من أكثر الفنانين قرباً إلى نفسه المنكمشة والتي تميل إلى التفكير والتأمل.
عاش موراندي في بولونيا Bologna، حيث قام بتصوير بعض المناظر الطبيعية والأزهار، غير أن معظم أعماله تتركز على ترتيبات بسيطة لمجموعة من القوارير، التي عالجها بدرجات Tones بنية كالحة قريبة من التلوين بلون وحيد monochrome. ومع ذلك فإن هذا التقشف اللوني في أعماله أضفى على أعماله وقعاً خاصاً محبباً، تميزت به أعماله. استثمر موراندي مجموعة من الموضوعات المختارة بدقة متناهية مقتصرة على الجوهر وتعود إلى أشكال نموذجية أولية كالأسطوانة والمخروط والكرة يحيط بها فراغ مجرد من أي عنصر وصفي، وعلى الرغم من التجريد الحاضر أبداً فإن تلك العناصر تحافظ على هويتها دوماً، فالمناظر والطبيعة الصامتة مغمورة بمحيط حميمي وشاعري إلى أقصى حد؛ ما يجعل أعماله مغلفة بسحر بيِّن لا يمكن إخفاؤه.
جورجيو موراندي: "طبيعة صامتة، مزهرية وقوارير" (1950)
تعلم موراندي من التكعيبية درساً نافعاً يتناسب ومزاجه المتعطش إلى الثبات والكون والنظام، واطلع على أعمال الفنان الإيطالي جورجيو دي كيريكو De Chirico الميتافيزيقية، وتأثر بها كثيراً، ولا سيما بميزاتها التطهيرية، وخلوها من التنميق المجانيّ. كان موراندي أيضاً حفّاراً مشهوراً، إذ أنجز نحو تسعين لوحة (محفورة) يعود أغلبها إلى الفترة ما بين 1921- 1924 ثم ما بين 1927- 1933.
تحقق أسلوب موراندي الخاص به مع بلوغه الثلاثين من العمر، فزجاجاته وقواريره وأوانيه ومزهرياته ومناظره الريفية وقراه كانت تشكل موضوعات لعالم مألوف. وقد سمحت له عزلته وانزواؤه في مرسم داره بالتفرغ الكلي لذلك النطاق المحدود من العالم المرئي الذي صوره، وكان يقضي كل وقته في مرسمه ولا يخرج إلا لماماً؛ ويبدو أن موراندي كان مهتماً دوماً بعامل الخلوة أو الحرية البيئية في حياته. وقد كان هذا الفنان قبل كل شيء مصوّر ذلك النوع من تكوينات الطبيعة الصامتة التي تبعث في النفس إحساساً بالسكينة والهدوء والعزلة عن عالم الآخرين. لم يكن له طريقة واحدة في صنع الصورة، وكأنه كان يختبر حدود الموضوع الفني وطريقة تقديمه، وفي الحقيقة، كلما أمعن المشاهد النظر في فنّ موراندي واقترب منه أكثر، وكلما تفحص عدداً أكبر من أعمالـه الفنية بدت كل لوحة من لوحاته مستقلة عن غيرها ومتميزة وفريدة.
في معرض Quadriennale العالمي (الذي يقام كل أربع سنوات)، والذي أقيم في روما عام 1939، خُصص لأعمال موراندي معرض خاص ضم نحو خمسين عملاً من أعماله. وفي أثناء الحرب العالمية الثانية انزوى موراندي في مدينة غريتسانا Grezzana لينجز مجموعة من مناظر الريف رأى فيها النقاد شبهاً بمناظر كورو[ر] Corot الطبيعية الإيطالية (منظر طبيعي، 1941. كاراكاس مجموعة خاصة).
أقام معرضه الكبير الأول عام 1945، وقدمه للجمهور ر. لونغي R.Longhi في صالة فيوره في فلورنسا، وقد سلط الضوء في هذا المعرض على السمات الرئيسة في أعماله وعلى خصائص أسلوبه. كما أقيم لأعماله معارض استرجاعية عدة في كل من البندقية وبولونيا الإيطالية وباريس وروما وموسكو.
تتوزع أعمال موراندي في المتاحف: دوسلدورف وهمبورغ ولاهاي ولينغراد ولندن (Tate) ومونيخ ونيويورك وباريس وتورين، وغيرها من متاحف العالم.
كمال محي الدين حسين
مراجع للاستزادة:
ـ نعيم عطية، حصاد الألوان (الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1979).
- P.MURRAY and L. MURRAY, Dictionary of Art and Artists (Penguin 1986).
- MICHEL LACLOTTE, Petit Larousse de la peinture (Librairie Larousse 1979).
