التقى موسورغسكي عام 1857 مواطنه المؤلف الموسيقي بالاكيريڤ Balakirev، ودرس معه واستقال من وظيفته بعد سنة، وأصبح واحداً من «مجموعة الخمسة» الروس وهم، إضافة إليه: بالاكيريڤ، وكوي César Cui، وبورودين [ر] Borodin، وريمسكي ـ كورساكوڤ[ر]Rimsky- Korsakov، الذين تزعموا الاتجاه القومي الذي يسعى إلى تخليص الموسيقى الروسية من التأثيرات الرومنسية الغربية، وإلى إيجاد موسيقى مبنية على موسيقى «الفولكلور» الروسي وتراثه الضخم من الأغاني الشعبية والرقصات. تفرغ موسورغسكي للتأليف الموسيقي، وكانت أغانيه الأولى ومقطوعاته لآلة البيانو مؤشراً ضعيفاً لإنجازاته اللاحقة. ثم وضع عام 1864 مجموعة من الأغاني الرائعة، بدأ بعدها العمل على وضع موسيقى أوبرا «سالامبو» Salammbô، المأخوذة عن رواية فلوبير Flaubert، لكنه لم يكملها. ثم اتجه إلى إكمال الفصل الأول من أوبرا «الزواج» المأخوذة عن غوغول. في عام 1868، ألَّف موسورغسكي موسيقى رائعته أوبرا «بوريس غودونوڤ» Boris Godunov، المأخوذة عن بوشكين والتي تعدّ من الأعمال المهمة في تاريخ الأوبرا، وقد عُدِّلت مرات عدَّة، بعد أن رفضتها إدارة المسرح الامبراطوري، ولاقت عند تقديمها عام 1874 نجاحاً كبيراً. إلا أن بعض النقاد والموسيقيين لم يستحسنوها بسبب نهجها غير التقليدي وأسلوبه غير المألوف في استنباط تأثيرات لحنية نابعة من اللغة الروسية التي تتحكم أيضاً بالخطوط اللحنية.
باشر موسورغسكي في السنتين التاليتين وضع موسيقى اثنتين من الأوبرا، لكنه لم يتمكن من إنهائهما؛ إذ فقد القدرة على التركيز بسبب إدمانه الخمر، وهي عادة اكتسبها في أثناء وجوده في المدرسة الحربية. بعد وفاته، قام ريمسكي- كورساكوف وآخرون بإكمال هذين العملين وتهيئتهما للعرض.
يعدّ موسورغسكي واحداً من المؤلفين الرواد الذين خلقوا نهجاً موسيقياً جديداً، إذ ابتكر لغة انسجامية (هارمونية) أصيلة تجاوزت حدود المألوف، كما ابتكر لغة لحنية مستنبطة من اللهجة واللحن في الأغاني الروسية. كان بارعاً في التصوير الموسيقي، وقد ظهر ذلك واضحاً في مقطوعته «صور من معرض» التي استوحاها من لوحات لصديقه الفنان فيكتور هارتمانV.Hartman ، وقد فتن هذا العمل كثيراً من المؤلفين الذين قاموا بتوزيعه للأوركسترا ولآلة البيانو. ويعدّ التوزيع الموسيقي الأوركسترالي الذي وضعه المؤلف الموسيقي الفرنسي موريس رافيل [ر] Mauris Ravel من أبرزها.
أما أوبرا بوريس غودونوڤ فقد أبانت سبيلاً للتأليف خارج الأسلوب الڤاغنري (نسبة إلى المولف الموسيقي الألماني ڤاغنر [ر] Wagner، فهي عمل أوبرالي بطله الجوقة الغنائية (الكورس) التي تتمتع بأهمية تعادل أهمية الشخصيات الرئيسة في الأوبرا ذاتها. وتأتي نضارة خلفيتها الموسيقية من استخدام المادة اللحنية للأغنية الروسية التقليدية. والمشهد الذي يصور بلاط الكرملين وخلفه مقصورات القيصر مع موكب التتويج، هو من أعظم المشاهد التي يمكن تخيلها في الوسط الأوبرالي فخامة وأبهة.
تثمّن أصالة موسورغسكي وواقعيته واكتشافاته عالياً لما كان لها من أثر في تطور الموسيقى في كل من روسيا وبلدان أخرى من العالم. وقد ألَّف أيضاً أوبرا خوفانتشينا Khovanshchina ت(1873) والتي أكملها ريمسكي ـ كورساكوف عام 1886.
ومن أعماله الأوركسترالية: «ليلة على جبل الأقرع». ومن أعمال البيانو: «إنترميتزو» (1861)، و«صور من معرض» (1874) وزَّعها للأوركسترا عدد من المؤلفين. ومجموعة من الأغاني أبرزها أغاني الحضانة وأغنيات الموت ورقصاته.
أبية حمزاوي
مراجع للاستزادة:
ـ تيودر فيني، تاريخ الموسيقى العالمية، ترجمة سمحة الخولي (دار المعرفة، القاهرة 1986).
- H. STUKENSCHMIDT, La Musique du xxe siècle (Hachette, Paris 1990).
