مومزن
تيودور
Monday, August 21, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
استوحى مومزن من كتابات فريدريش كارل فون ساڤـيني F.K.von Savigny ـ أحد مؤسسي المدرسة التاريخية لدراسة القانون ـ فكرة العلاقة المتبادلة بين التاريخ والقانون، واستخدم منهج أستاذه أوتو يان Otto Jahn في قراءة النقوش القديمة، وبدأ بدراسة «مجموعة النقوش اللاتينية» Corpus Inscriptionum Latinarum الشاملة والمرتبة وفق مبادئ منهج فقه اللغة التاريخي. انكب على عمله هذا بإشراف العالم الإيطالي بارتولوميو بورغيزي Bartolomeo Borghesi، وسرعان ما صار معلماً بارعاً في دراسة النقوش الكتابية epigraphy؛ رابطاً بين التطورات التاريخية والتطورات القانونية، بغية الوصول إلى فهم أشمل وأعمق للحياة في روما القديمة، ممهداً بذلك لمنجز حياته الأساسي «تاريخ روما» Die römische Geschichte ت(1854ـ1856)في ثلاثة مجلدات.
كانت ألمانيا في أوج ثورتها البرجوازية عام 1848 حين عودة مومزن ذي الفكر الليبرالي المناصر لحرية الأراضي الألمانية من الهيمنة الأجنبية في ظل حكومة جمهورية تحترم حقوق المواطن الفرد، وعُيِّن في العام نفسه أستاذاً للحقوق في جامعة لايبزيغ، لكنه أُعفي من مهمته بعد سنتين بسبب نشاطاته الثورية. حصل عام 1852 على كرسي القانون الروماني في جامعة زوريخ، وعلى الكرسي نفسه بعد سنتين في جامعة بريسلاو Breslau، ثم على كرسي التاريخ القديم في جامعة برلين عام 1858 حين انهمك سنوات طويلة في تحرير «مجموعة النقوش اللاتينية» وشرحها، والتي بدأ نشر مجلداتها منذ عام 1863؛ مما مكَّن المؤرخين الشباب والقراء المهتمين من فهم التاريخ القديم. وفي عام 1873 انتخب مومزن عضواً في «أكاديمية العلوم البروسية» Akademie der Wissenschaften zu Preussen، وصار نائباً في البرلمان المحلي البروسي بين عامي 1873- 1879، وفي البرلمان الألماني بين عامي 1881ـ 1884.
وما يلفت النظر في الحياة الشخصية لهذا الباحث والسياسي الألماني هو أنه في أثناء حياته الزوجية السعيدة والهادئة مع ماري رايمر Marie Reimer ـ ابنة بائع الكتب ـ قد أنجبا ستة عشر طفلاً.
تميزت بحوث مومزن بلغتها الأدبية السلسة المشرقة مع حفاظها على الدقة العلمية بعيداً عن الإنشاء، بحيث تمكن في «تاريخ روما» وفي «قانون دولة روما» Römisches Staatsrecht في ثلاثة مجلدات (1871ـ 1888) من تحقيق أسلوبين متمايزين معتمداً على موهبته الأدبية القديمة وعلى إجادته الإنكليزية والفرنسية والإيطالية. وقد ترجمت كتبه إلى كثير من اللغات وصارت مراجع أكاديمية.
إضافة إلى بحوثه الخاصة أشرف مومزن بصفته عضواً في الأكاديمية وأستاذاً جامعياً على عدد من المشروعات البحثية الضخمة مثل «صروح التاريخ الجرماني»Monumenta Germaniae Historica و«موسوعة اللغة اللاتينية» Thesaurus Linguae Latinae. وعندما وجد أن تناوله مرحلة الامبراطورية الرومانية لن يكون ببهاء كتابته وألقها عن مرحلة الجمهورية، ولكي لاتؤوَّل من قبل السلطات الألمانية على نحو خاطئ كإسقاط على الواقع الراهن تخلى عن الجزء الرابع من «تاريخ روما» وقفز إلى الجزء الخامس الذي صدر عام 1885، وتناول فيه تاريخ أقاليم روما في ظل الامبراطورية. وكان آخر إنجازاته العلمية «قانون العقوبات الروماني» Römisches Strafrecht ت(1899) . ويرى الباحثون أن المهمة العلمية التي نَذَر مومزن حياته لها وأنجزها تكاد تفوق الطاقة البشرية.
كاتَرينا مومزن (1925ـ 2006)
كاتَرينا مومزن Katharina Mommsen حفيدة تيودور. باحثة في الأدب الألماني ومحققة وناشرة. ولدت في العاصمة برلين في وسط أسروي علمي يحب الأدب ويحبذ تعلم اللغات الأجنبية. عانت تجربة الحرب العالمية الثانية، وبعد حصولها على الشهادة الثانوية بدأت تحصيلها العلمي في جامعة برلين الحرة في القسم الغربي من برلين المجزأة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي. تخصصت كاتَرينا في آثار كبير أدباء ألمانيا غوته[ر]، ثم حددت ميدان بحثها في العلاقة البالغة الأهمية في إبداعه بين فكره التنويري العقلاني المنفتح على الثقافات الأخرى بمختلف تجلياتها أدبياً ودينياً وفلسفياً واجتماعياً، وبين الدين الإسلامي والأدب العربي قبل الإسلام وبعده. ولكي تتمكن من المقارنة واستخلاص النتائج كان لابد لها من الغوص في الدراسات الإسلامية، وكان المتاح آنئذٍ هو بحوث المستشرقين الأوربيين، على اختلاف مناهج بحثهم ومشاربهم، إضافة إلى بعض الأعمال الأدبية التي تناولت جوانب من هذا الموضوع، كمسرحية ڤـولتير[ر] «محمد» التي تناولت شخصية النبيr ومسرحية لسينغ[ر] غير المكتملة بالعنوان نفسه، وغيرها كثير، ولاسيما الأعمال التي استوحت موضوعاتها وأحداثها من تجارب الحروب الصليبية[ر]، إضافة إلى الاحتكاك المباشر في إسبانيا (الأندلس) بين الفكر العربي الإسلامي وأدبه وبين أوربا أواخر القرون الوسطى، وما تمخض عنه من نتاج فكري تجديدي مهّد لعصر النهضة [ر] الأوربية. وما زاد في اندفاع مومزن في هذا الاتجاه هو أن البحوث المتعلقة بإبداع غوته أدبياً وفكرياً لم تولِ هذا الجانب كبير اهتمام، إمّا انطلاقاً من موقف المركزية الأوربية المنحاز، وإمّا بسبب الجهل بمنجزات الحضارة العربية الإسلامية. ثم صار لابد لها من تعلّم اللغة العربية ودراسة أدبها وتاريخها.
كانت مومزن شديدة الإعجاب بفكر غوته ومقتنعة بأطروحاته الإنسانية وباهتمامه بالآداب الأخرى كالهندية والفارسية والعربية، ولاسيما أنه مبتكر مصطلح «الأدب العالمي» Weltliteratur، فقادها منهج البحث العلمي إلى استقصاء تأثير «ألف ليلة وليلة»[ر] في أعمال غوته السردية. وكانت ثمرة البحث العلمي كتاب «غوته وألف ليلة وليلة» Goethe und Tausendundeine Nacht الذي صدر عام 1960 عن دار النشر الأكاديمية Akademieverlag، والذي كشفت فيه عن مدى تغلغل الروح الحكائية العربية في شخصية غوته الشهرزادية. وفي الوقت نفسه انهمكت مومزن في الجانب الشعري من أعمال غوته، ونشرت في العام نفسه وعن الدار نفسها كتاب «غوته والمعلقات» Goethe und die Moallakat، وبيَّنت فيه اشتغال غوته بالشعر العربي الجاهلي مبنى ومعنى وفسرت أسباب إعجابه بروح البداوة فيه، وتجليات ذلك في شعره. انتقلت مومزن في بحثها العلمي بعد ذلك إلى دراسة الجانب الديني في علاقة غوته بالشرق، فأصدرت في عام 1964 كتاب «غوته والإسلام» Goethe und der Islam الذي سبب في حينه انعطافاً ملحوظاً في دراسات غوته، والذي أعيدت طباعته مرات عدة، نتيجة النافذة الواسعة التي أشرعها لتضيئ نقاطاً مهمة كانت مغيَّبة في الدراسات الأدبية الألمانية: «فلولا الشرق والعالم العربي الإسلامي لما كان أكبر شعراء ألمانيا ولا نهضة الأدب الألماني في القرن الثامن عشر ما هما عليه من نضج وأهمية» في رأي مومزن. أما الصدمة (الصحوة الثانية) التي تعرضت لها الدراسات الأدبية الألمانية فكانت مع كتاب مومزن الجديد في عام 1988 «غوته والعالم العربي» Goethe und die arabische Welt؛ إذ بينت المؤلفة هنا بتفصيل مسهب وتحليل معمَّق جذور العلاقات الأدبية الفكرية الدينية بين العالم العربي وغوته وتطور تجلياتها في أدبه شعراً ومسرحاً ورواية وحكاية وتنظيراً. لم تكتف مومزن في كتابها بوثائق أرشيف غوته في مدينة ڤـايمار ولا بما قدمته دراسات الاستشراق عن العالم العربي، بل زارت بنفسها معظم البلدان العربية مرات متكررة، إضافة إلى إيران وتركيا ـ وقد انطلقت من أجل ذلك من مكان إقامتها وعملها الجديد في جامعة ستانفورد Stanford (كاليفورنيا) منذ مطلع ثمانينيات القرن العشرين حتى وفاتها ـ فاستكملت الجانب النظري بالتجربة العملية والمشاهدة العيانية لذلك الشرق الذي لابد منه لتكتمل الحضارة البشرية إنسانياً، حسب غوته في رباعيته الشهيرة، وحسب مومزن في جميع كتاباتها التي لا تندرج تحت مفهوم الاستشراق[ر] بمعناه المتداول، بل هي في صميم الدراسات الأدبية الألمانية. وقد تُرجمت أعمالها إلى كثير من اللغات، منها العربية والفارسية والتركية.
نبيــل الحفـار
الموضوعات ذات الصلة:
الاستشراق ـ الإسلام ـ ألف ليلة وليلة ـ ألمانية ـ الشعرـ غوته.
مراجع للاستزادة:
- L.WICKERT, Theodor Mommsen, eine Biographie 1-2, (Berlin 1969).
- S.WEIDNER, Goethes Orient erforscht, (Berlin 2005).
- A.KOCK, Katharina Mommsen, Goethe und der Islam, (München 2005).
ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.
آخر أعلام
الأكثر زيارة في الأسبوع
موارد بیشتر برای شما
الشعر في مشهد، العاصمة الدينية لإيران
الانهيار البطيء للنظام السعودي..بن سلمان وحيدا في القمة!
معركة فاصلة على الرئاسات الثلاث في البرلمان العراقي
امريكا تصعد هجماتها الإعلامية ضد وزيرخارجيتها السابق
كاتب بريطاني: ابن زايد يستغل جهل ابن سلمان
مفاجأة... لماذا قرر عمر البشير حل الحكومة؟
الأنواء تعلن حالة الطقس في العراق للأيام المقبلة
اليابان تجرب مصعدا إلى الفضاء!
استخدام تقنية التعرف على الوجه في مطارات الهند
روسيا تستأنف إنتاج أضخم "سفينة طائرة" في العالم
جماعة علماء العراق: حرق القنصلية الايرانية تصرف همجي!!
البرلمان العراقى يعقد جلسة استثنائية لمناقشة الأوضاع بالبصرة اليوم
قمة طهران تخطف صواب الغرب وتذهل ساسته
معلومات لم تسمعها عن "المختار الثقفي"..من أديا دوري الامام الحسين وأخيه قمر بني هاشم؟!
الأمم المتحدة تطالب الصين بالإفراج عن مليون مسلم من الأويغور