بيبرس

الملك الظاهر

Wednesday, November 19, 2014
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
الملك الظاهر

(نحو625 ـ 676هـ/ 1228 ـ 1277م) السطان الملك الظاهر ركن الدين أبو الفتح بيبرس بن عبد الله البندقداري الصالحي النجمي، تركي الأصل من القبجاق، سلطان مصر والشام وبلاد الحجاز، الرابع من سلاطين المماليك الترك (البحرية). يظن أنه ولد في صحراء القبجاق، واسمه بيبرس (بكسر الباء الأولى) ومعناه بالتركية «أمير فهد».

أَخذ بيبرس صبياً حين غزا المغول بلاده نحو سنة 639هـ، ولم يكن قد تجاوز الثالثة عشرة من العمر، وبيع فيمن بيع من قومه، وحمله أحد التجار إلى سيواس، ومنها إلى حلب فحماة، حيث اشتراه الأمير علاء الدين إيدكين البندقداري، وهو معتقل فيها نحو سنة 640 هـ فنسب إليه، وانتقل به أستاذه بعد أن أطلق سراحه إلى دمشق فالقاهرة، وبقي بيبرس عنده إلى أن صادره السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب[ر] في جملة ما صادره من الأمير علاء الدين سنة 644هـ، فأعتق بيبرس وجعله من جملة مماليكه وقدمه على طائفة الجمدارية، أي المعينين بلباس السلطان. وحضر بيبرس مع أستاذه الجديد الملك الصالح حرب الفرنجة الصليبيين في المنصورة و دمياط وأبلى فيها. وبعد وفاة الملك الصالح ومقتل ابنه الملك المعظم طوران (توران) شاه، الذي كان لبيبرس ضلع فيه، وإجماع المماليك الصالحية على تولية الأمير عز الدين أيبك[ر] منصب الأتابكية إلى جانب شجرة الدر[ر]، استقل أيبك بالملك وقتل الأمير فارس الدين أقطاي[ر] الجمدار،الذي كان من خشداشية (رفاق) بيبرس، ففارق بيبرس مصر مع عدد من رفاقه مجاهرين بالعداوة للملك المعز، والتحقوا بالملك الناصر صلاح الدين يوسف بن العزيز محمد الأيوبي صاحب دمشق وحلب، فأكرمهم أول الأمر ثم تغير عليهم، فغادره بيبرس وخشداشيته إلى الكرك حيث استقبله صاحبها الملك المغيث عمر بن الملك العادل (الثاني)، وخرج معه  بعسكره لقتال عسكر مصر، والتقى الجمعان في الصالحية فانهزم المغيث وارتد إلى الكرك، وخشي بيبرس انتقام المغيث فتركه والتحق ثانية بالملك الناصر مع بعض أصحابه فأكرمهم وأمّرهم، وداموا على تلك الحال حتى اضمحل  أمر الملك الناصر لتقاعسه في حرب المغول الذين باتوا يهددون البلاد الشامية، و يستولون عليها بلداً بعد آخر، إلى أن استولوا على حلب ثم دمشق. وكان الأمير قطز أتابك العسكر في مصر في ذلك الحين قد عزل الملك المنصور علي بن المعز عز الدين أيبك وجلس على كرسي السلطنة (في24 ذي القعدة سنة 657هـ)، فعاد بيبرس وزملاؤه من البحرية إلى مصر طائعين في شهر ربيع الأول سنة 658هـ، وتلقاهم الملك المظفر قطز بالترحاب وصاروا من عسكره، وصار بيبرس أتابك العسكر، أي قائد الجيش.

لم تطل مدة إقامة بيبرس في القاهرة، إذ تهيأ قطز لقتال المغول الذين دخلت طلائعهم أرض فلسطين حتى وصلت إلى غزة، وأمر بيبرس أن يتوجه على رأس طليعة الجيش لاستطلاع أخبار المغول، فدخل غزة وتحول منها متوغلاً نحو الشمال إلى أن اصطدم بالقوة الرئيسية للمغول عند عين جالوت[ر]، وأقام هناك إلى أن وافاه السلطان قطز بكامل عسكره، والتقى الجمعان في يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة 658هـ فدارت الدائرة على المغول وقتل قائدهم كتبغا نوين وكثير من أمرائهم، وولّى من بقي منهم منهزمين، وتكرر المشهد نفسه في سهل بيسان، فانفلت عزائم المغول وتشردوا في البلاد وفر نوابهم من دمشق ودخلها الملك المظفر في آخر شهر رمضان، ثم وجّه الأمير ركن الدين بيبرس إلى حمص لمطاردة من بقي من فلول المغول فقتل من قتل وأسر من أسر وعاد إلى دمشق.

كان لما أبداه بيبرس من ضروب الشجاعة والحنكة في مقارعة المغول أثر في رفع منزلته عند الجند مما أوغر عليه صدر الملك المظفر قطز وتوجس منه خيفة، فامتنع عن توليته نيابة حلب بعد أن كان قد وعده بها، وكان ذلك من أسباب تغير بيبرس عليه، فلما عزم الملك المظفر على العودة إلى مصر بعد أن رتب أمور الحكم في الشام، سار معه بيبرس وبقية الأمراء وقد اتفقوا على إطاحته، واغتنم بيبرس الفرصة حين اقترب موكب السلطان من الصالحية على حدود مصر، وتقدمه العسكر، وانفرد هو للصيد مع بعض خاصته، وفيهم بيبرس، فأمسك به بيبرس وعاجله بقية من معه بسيوفهم فقتلوه، واتفق الجميع على تولية بيبرس السلطنة، فتلقب بالملك الظاهر، ودخل قلعة الجبل في القاهرة في 19 ذي القعدة من السنة نفسها ودانت له مصر والشام.

واجه الملك الظاهر بيبرس في أول عهده مشكلات خطيرة، منها عصيان عدد من النواب في مصر والشام، وتمرد المماليك المعزية (مماليك الملك المعز من خشداشية قطز)، والدمار الذي لحق بالبلاد الشامية من غزوات المغول، إضافة إلى الأخطار الخارجية الممثلة بخانات المغول و نشاط عصاباتهم على تخوم البلاد، وتحالفهم مع مملكتي أرمينية وبيزنطة وسلاجقة الروم ومع الفرنجة في الشام وفلسطين. وقد تمكن بيبرس من التغلب على تلك الصعاب جميعها بالقوة حيناً وبالحنكة والسياسة حيناً آخر.

ولما استتبت الأمور لبيبرس تفرغ لتثبيت دعائم حكمه وإعمار ما تخرب من البلاد بفعل المغول، وشرع في تنظيم أمور الدولة من دون أن ينسى الأخطار التي تتهدد دولته، وفي مقدمتها الوجود الصليبي في الشام وأطماع المغول في البلاد، وقد ظل هؤلاء يهددون المناطق الشمالية من بلاد الشام من دون انقطاع مع ما لحقهم من هزائم فيها.

تمكن بيبرس بحنكته وبعد نظره من الإفادة من الفرص المواتية التي أتيحت له، فأعاد الخلافة العباسية، لإسباغ الشرعية على حكومته، بدءاً من سنة 659 في شخص الأمير أبي القاسم أحمد بن الخليفة الظاهر بن الناصر لدين الله، الذي كان قد فر من بغداد بعد أن قتل المغول ابن أخيه الخليفة المستعصم بالله والتحق بالقاهرة، فرتب له بيبرس مجلساً لإثبات نسبه، وبايعه بالخلافة باسم المستنصر بالله، و كان منصب الخلافة ببغداد شاغراً منذ نحو ثلاث سنوات ونصف، وأمر بنقش اسمه على النقود، و بالدعاء له على المنابر أولاً ثم للسلطان من بعده، وخرج بصحبته إلى دمشق ونادى السلطان بمظاهرته وإعادته إلى دار خلافته، ثم غادره الخليفة المستنصر، بعد أن أمده بيبرس بعسكر وأموال، قاصداً العراق للجهاد حيث قتل في معركة مع المغول على تخوم بغداد في مستهل سنة 660هـ. وفي شهر ربيع الآخر من تلك السنة وصل القاهرة أمير آخر من بني العباس هو أبو العباس أحمد بن الحسن من أحفاد الخليفة المسترشد بالله العباسي فتلقاه بيبرس بالتكريم وبايعه بالخلافة باسم الحاكم بأمر الله في التاسع من المحرم سنة 661هـ وأسكنه القاهرة، وهو أول الخلفاء العباسيين بمصر والخليفة التاسع والثلاثون من بني العباس.

سعى بيبرس إلى توسيع شقة الخلاف بين خانات المغول لإضعافهم وصرفهم عن بلاده فشجع الخان بركة زعيم القبيلة الذهبية في شرقي آسيا الصغرى والقفقاس على دخول الإسلام ووطد صداقته معه، وأغراه بقتال هولاكو وأبناء عمومته من خانات إيران، كما استمال إليه  سلاجقة الروم في الأناضول الذين كانوا قد خضعوا للمغول اسمياً. ولم يغب عن بال بيبرس خطورة العلاقات الودية التي كانت قائمة بين الإيلخان هولاكو وابنه أباقا من بعده من جانب وبين الإمارات الصليبية في الشام، ولاسيما الأمير بوهمند السادس أمير أنطاكية وطرابلس من جانب آخر، فعمد إلى مضايقة الإمارات الصليبية والاستيلاء على ممتلكاتها واحدة بعد أخرى بلا توقف، بدءاً من سنة661هـ/1262م حتى وفاته. وأدرك بيبرس أهمية العامل الاقتصادي في إضعاف أعدائه وإنهاكهم فحرص على تخريب ممتلكاتهم ومحاصرتهم قبل أن يبادر إلى اقتحام حصونهم، وحاول «هيو الثالث» ملك قبرس (قبرص) وبيت المقدس أن يحصل من بيبرس على هدنة سنة 670هـ مدّة عشر سنوات تكفل بقاء ممتلكاته في عكا والساحل، ومع أن بيبرس استجاب إلى طلبه فقد كانت الهدنة تخرق كلما خالف أحد من الفرنجة بنداً منها. ولم يكتف بيبرس بقتال الفرنجة براً بل أمر بإبحار سبعة عشر شينياً (سفينة حربية كبيرة بأربعة قلوع) لغزو قبرس في سنة 669هـ، لكن الغزوة أخفقت وانكسر أحد عشر شينياً منها عند مرفأ ليماسول بسبب الظلام وأسر ملاحوها. وقد زاد في هيبة الملك الظاهر وسطوته تمكنه من فرض سيطرته التامة على بلاد الدعوة الاسماعيلية واستدعاؤه زعماء الحشيشية إلى مصر واستيلاؤه على حصونها كلها، ونجاحه التام في رد غارات المغول على تخوم الشام وكذلك استيلاؤه على بلاد النوبة وبرقة. وكان آخر إنجازاته الحربية دخوله قيصرية الروم وجلوسه على عرش السلاجقة فيها سنة 676هـ ثم عودته إلى دمشق حيث توفي ودفن فيها.

كان بيبرس قائداً استراتيجياً فذاً موفقاً في حروبه مواظباً على الجهاد لم يمض عام من أعوام حكمه إلا وخرج فيه لقتال، أتقن فنون القتال وفن الحرب (التكتيك) واستعمال أسلحة عصره، كما أتقن فن المناورة والخداع والتمويه والمفاجأة في الحرب، وكانت له عناية بالاستطلاع وكشف أحوال الأعداء، وكان متيقظاً مطلعاً على أحوال أمرائه وأعيان دولته، يبث عيونه في كل مكان ويراقب قصاده ويستقصي الأخبار من مصادرها. وكان مقداماً يباشر الحرب بنفسه يتقدم العسكر ويركب في الطليعة لا يبالي من يلاقي، وكان إذا نازل حصناً عاينه بنفسه وكشف عيوبه ورتب عسكره بما يناسب ذلك، فإذا أحدث النقابون فيه نقباً كان أول من يلج فيه، وكان يعمل بيديه فيساعد في حفر الخنادق ونقل الحجارة وجر حبال المجانيق ويرصد رميها، ويرمي بنفسه ويصنع نشابه بيده. وكان إلى جانب ذلك خفيف الركاب جم النشاط لا يكاد يستقر في موضع، يركب الهجن وخيل البريد لكشف الأمور والنظر في أحوال البلاد ثم يقفل راجعاً من دون أن يعلم به إلا الخاصة. وكان جليل القدر مهيب الجانب، يخافه الأمراء ويخشاه الأعداء. عني بتنظيم الجيش وجدد في وظائف أصحاب المراتب، وكان تعداد جيشه إذا اجتمع ثلاثين ألف فارس، أما عسكره الخاص فكان اثني عشر ألفاً: ثلثهم في مصر وثلثهم في دمشق والثلث الثالث في حلب، فإذا خرج للغزو خرج معه جيش من أربعة ألاف يسمونه جيش الزحف، فإن احتاج أردفه بأربعة آلاف أخرى، فإن اشتد به الأمر استدعى إليه الثلث الثالث. وكان يحرص على أن تكون قواته في حالة جاهزية كاملة، فما إن ترد إليه الأخبار بحركة محتملة للعدو حتى يأمر العسكر بالخروج فلا يبيت فارس منهم في بيته، وإذا تحرك للغزو فلا يعرف أحد هدفه، ويناور بقواته بعد أن يقسمها أطلاباً، فيوجه كل طلب إلى ناحية، ثم يرسل إليهم أوامره فيلتقي الجميع على الهدف. كذلك كانت له عناية بالأسطول وبناء السفن في دور الصناعة، ويهتم بحماية الثغور البحرية وتحسين شروط الملاحة فيها.

أعاد بيبرس تنظيم البريد في سائر أنحاء البلاد، وخصص للبريدية محطات ونفقات، فكانت الأخبار تصل إليه من أطراف حلب وأطراف النوبة في بضعة أيام، ويخرج البريد من دمشق فيصل القاهرة في أربعة أيام.

وكان بيبرس إلى جانب ذلك محباً للعدل غيوراً على الإسلام مناصراً للشرع لا يخالف فتيا، وهو أول من جعل لكل مذهب قاضياً مستقلا فصار عدد القضاة أربعة، كما كان كريماً ينفق على العسكر ويفرق الغنائم بينهم حتى يرغبهم في القتال، مع ميله إلى جمع المال ومصادرة أرباب الأموال من أجل الجهاد. وكان مغرماً بالصيد ماهراً في رمي البندق، محباً للعمارة، جدد الكثير من العمائر في مصر والشام ولا سيما القلاع والحصون التي خربها المغول أو حررت من الفرنجة، وشيد قرية في مصر سماها «الظاهرية» وقصراً في دمشق عرف بالقصر الأبلق وأقام نصباً تذكارياً لمعركة عين جالوت في موقعها، كما شيد كثيراً من المساجد والمدارس والحمامات والقيساريات والاصطبلات والجسور والقناطر والقنوات، وأدخل على نظام الحكم في المملكة أموراً ووظائف كثيرة لم يسبقه إليها أحد. وكان شعاره (رنكه) راية عليها صورة أسد رابض إشارة إلى فروسيته وبأسه. وقد حيكت حول بيبرس روايات وقصص كثيرة أضفت عليه صفات أسطورية، وصورته بطلاً من أبطال القصص الشعبي، وهي ما تزال متداولة إلى اليوم في عدة مجلدات تحت عنوان «سيرة الملك الظاهر».

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.