اختلاف التفسير في أوجه الإعراب

من أدعياء الإسلام من بات يوجه الافتراءات إلي المفسرين جميعا دون تفريق بين المحققين منهم وحاطبي الليالي : الذين يجمعون وينقلون دون تمييز بين الغث والسمين ، بين الصحيح والسقيم ولا بين مفسري أهل السنة والجماعة ومفسري الفرق
Saturday, January 17, 2015
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
اختلاف التفسير في أوجه الإعراب
 اختلاف التفسير في أوجه الإعراب

 






 

من أدعياء الإسلام من بات يوجه الافتراءات إلي المفسرين جميعا دون تفريق بين المحققين منهم وحاطبي الليالي : الذين يجمعون وينقلون دون تمييز بين الغث والسمين ، بين الصحيح والسقيم ولا بين مفسري أهل السنة والجماعة ومفسري الفرق الضالة الذين حمّلوا النصوص ما لا تحتمل ، يلوون الكلم عن مواضعه بكل تعسف وتكلف وإعراض وعناد وإصرار واستكبار ، قاتلهم الله أنى يؤفكون .
•من ذلك : في تفسيرهم لقوله تعالى (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)(1)
حيث جاءت كلمة ( الصابئون) في الآية مرفوعة وما قبلها منصوب ،والتقدير إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئون كذلك قال ابن كثير :" لما طال الفصل حسن العطف بالرفع " وقال النسفي : وفائدة التقديم التنبيه على أن الصابئين وهم أبين هؤلاء المعدودين ضلالا وأشدهم غيا يتاب عليهم إن صح منهم الإيمان فما الظن بغيرهم .
وقيل (والصابئون ) معطوف على محل إن واسمها ،ومحلها الرفع والتقدير إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى حكمهم كذا ، والصابئون كذلك وعلى هذا قول الشاعر
وإلا فاعلموا أنا وأنتم*** بغاة ما بقينا في اختلاف

اختلافهم في أسباب النزول :

•مثال ذلك : اختلافهم في سبب نزول قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ *قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَي بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ * إِن تَتُوبَا إِلَي اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ * عَسَي رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا )(2)
حيث نزلت هذه الآيات الكريمة تعقيبا علي ما حدث في بيت النبوة ، حين حرم رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم علی نفسه شيئا أحله الله له وأسر بذلك إلي إحدي زوجاته وهي حفصة فنبأت به عائشة فنزل القرآن الكريم بآيات بينات فيها عتاب لرسول الله صلی الله عليه وآله وسلم علی وتوجيه لأمهات المؤمنين رضي الله عنهن .
وفيما يلي نذكر ما ورد في سبب نزولها .

1- ما جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم كان يمكث عند زينب ابنة جحش ويشرب عندها عسلا فتواصيت أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليها النبي صلی الله علیه و آله و سلم فلتقل إني لأجد منك ريح مغافير . فدخل علي إحداهما فقالت له ذلك فقال لا بأس شربت عسلا عند زينب ابنة جحش ولن أعود فنزلت ( يأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ) إلي ( إن تتوبا إلي الله فقد صغت قلوبكما ) لعائشة وحفصة ( وإذ أسر النبي إلي بعض أزواجه حديثا ) لقوله : بل شربت عسلا )
2- وأخرج النسائي في السنن والحاكم في المستدرك بسنديهما عن أنس بن مالك ( أن رسول الله ) كانت له أمة يطؤها ، فلم تزل به عائشة وحفصة حتى جعلها علي نفسه حراما فأنزل الله تعالى ( يأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم ...) الآيات .
3- وروي البزار في مسنده والطبراني : في تفسير قوله تعالى ( يأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ) عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية في سريته "
4- وذكر الإمام ابن كثير في تفسيره رواية أوردها الهيثم بن كليب في مسنده بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم علی لحفصة لا تخبري أحدا أن أم إبراهيم علي حرام فلم يقربها حتى أخبرت عائشة فأنزل الله تعالى ( قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم )

وقال ابن كثير بعد إيراد هذه الرواية التي عزاها إلي الهيثم بن كليب في مسنده [ وهذا إسناد صحيح ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة وقد اختاره الحافظ الضياء المقدسي في كتابه المستخرج وهذه الرواية ذكرها السيوطي في أسباب النزول وعزاها إلي الضياء في المختارة .
قال ابن حجر ووقع عند سعيد بن منصور بإسناد صحيح إلي مسروق قال : حلف رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم علی لحفصة لا يقرب أمته وقال هي علي حرام ، فنزلت الكفارة ليمينه وأمر أن لا يحرم ما أحل الله ...
وأخرج الضياء في المختارة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال : قال رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم علی لحفصة لا تخبري أحدا أن أم إبراهيم حرام علي قال فلم يقربها حتى أخبرت عائشة فأنزل الله ( قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم )
وأخرج الطبراني في عشرة النساء وابن مردويه من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال دخل رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم علی بمارية في بيت حفصة ، فجاءت فوجدتها معه فقالت يا رسول الله في بيتي تفعل هذا معي دون نسائك ؟ " فذكر نحوه .
وللطبراني من طريق الضحاك عن ابن عباس قال دخلت حفصة بيتها فوجدته صلی الله عليه وآله وسلم علی مع مارية فعاتبته ، فذكر نحوه . وهذه طرق يقوي بعضها بعضا .
مما سبق يتضح لنا :
*أن هناك روايات متعددة في أسباب نزول صدر سورة التحريم ورد في بعضها أن الآيات نزلت في قصة تحريم الرسول صلی الله عليه وآله وسلم علی شرب العسل علي نفسه وبعضها في قصة تحريمه أم إبراهيم " مارية القبطية " رضي الله عنها علي نفسه
*يقول الإمام الشوكاني بعد أن أورد قصة تحريم العسل وقصة تحريم مارية القبطية:
(فهذان السببان صحيحان لنزول الآية ، والجمع ممكن بوقوع القضيتين قصة العسل وقصة مارية وأن القرآن نزل فيهما جميعا وفي كل واحد منهما أنه أسر إلي بعض أزواجه ... )
ويقول الإمام ابن حجر في الفتح بعد أن أورد الروايات التي وردت في تحريم مارية :[ وهذه طرق يقوي بعضها بعضا فيحتمل أن تكون الآية نزلت في السببين معا ] .
(وقصاري ما يمكن أن يقال يحتمل أن يكون النبي صلی الله عليه وآله وسلم علی قد شرب عسلا عند زينب ، وجاء إلي حفصة فقالت له ما قالت فحرم العسل واتفق له صلی الله عليه وآله وسلم علی قبيل ذلك أو بعيده أن وطئ جاريته مارية في بيتها في يومها علي فراشها فحرم مارية وقال لحفصة ما قال تطييبا لخاطرها واستكتمها ذلك فكان منها ما كان ، ونزلت الآية بعد القضيتين فاقتصر بعض الرواة علي إحداهما ، والبعض الآخر علي نقل الأخري وقال كل : فأنزل الله تعالى ( يا أيها النبي.... ) إليآخر الآيات.
وهو كلام صادق إذ ليس فيه دعوي كلّ حصر علة النزول فيما نقله فإن صح هذا هان أمر الاختلاف وإلا فاطلب لك غيره . والله تعالى أعلم .
*وقال الإمام الطبري في جامع البيان بعد أن ذكر الروايات الواردة في تحريم العسل ، وفي تحريم مارية [ والصواب أن يقال كان الذي حرمه النبي صلی الله عليه وآله وسلم علی علي نفسه شيئا كان الله قد أحله له ، وجائز أن يكون ذلك جاريته ، وجائز أن يكون ذلك شرابا من الأشربة ، وجائز أن يكون غير ذلك ، غير أنه أي ذلك كان فإنه كان تحريم شئ كان له حلال وعاتبه الله علي تحريمه علي نفسه ما كان له قد أحله ، وبين له تحلة يمينه ] .
*وقال الشيخ الصابوني في كتابه قبس من نور القرآن الكريم بعد أن ذكر الروايات الواردة في تحريم مارية ، والواردة في تحريم شرب العسل . وهذه خلاصة للرواية الثانية - ويقصد رواية تحريم شرب العسل - وهي مروية في الصحيحين بأوسع من هذا وهي أصح إسنادا من الرواية الأولي . - يقصد رواية تحريم مارية - ولكن كونها سببا للنزول مستبعد والذي يرجح الرواية الأولي وأنها سبب للنزول . أمور نجملها فيما يلي :
الأول ، أن مثل تحريم بعض النساء مما يبتغي به مرضاة بعض الأزواج ، لا شرب العسل أو عدمه ، الثاني : أن الاهتمام بنزول سورة فيها الوعيد والتهديد لأزواج رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم علی بالطلاق واستبدالهن بنساء خير منهن ، وأن الله وملائكته والمؤمنين سند وعون لرسول الله يدل علي وجود تنافس بينهن وغيرة ، وذلك إنما يكون في تحريم بعض النساء عليه لا في شرب العسل ونحوه .
الثالث أن هذه الحادثة من إفشاء السر ، كادت تؤدي إلي طلاق زوجات الرسول صلی الله عليه وآله وسلم علی حتى اعتزلهن شهرا ، نظرا لدقة الموضوع وشدة حساسيته مما أغضب الرسول صلی الله عليه وآله وسلم علی حتى حلف عليهن ، وذلك إنما يكون في أمر مهم ، مثل تحريمه لبعض النساء ، وحلفه ألا يقرب " مارية القبطية " إرضاء لأزواجه واستكتم البعض منهن في هذا الأمر ، فأفشت السر فهذا ما يرجح الرواية الأولي .
أقول : والراجح في سبب نزول هذه الآيات هو ما ورد عن تحريم مارية رضي الله عنها وذلك لموافقة هذه القصة لسياق الآيات الكريمة ، وأما قضية تحريم العسل ، وقول بعض السلف نزلت فيه فالمراد منه أن الآيات تشمل قضية بعمومها علي ما عرف من عادة السلف في قولهم نزلت في كذا . والله أعلم
قواعد مهمة في أسباب النزول
من المعلوم أن أسباب النزول تنقسم باعتبار الثبوت إلى قسمين
صحيح ، وضعيف ، وعلى هذا فلا بد من مراعاة الصحة عند الترجيح بين الروايات الواردة في أسباب النزول ،فيقدم الصحيح علي الضعيف ، فإذا صحت الروايات جميعا فيراعى درجات الصحة ، علي سبيل المثال نقدم ما رواه الشيخان علي ما رواه أحدهما وما رواه أحدهما علي ما رواه غيرهما ، وهكذا تراعي درجات الصحة .
•كما تنقسم من حيث دلالتها إلي قسمين :
صريح وهو ما صرح فيه الراوي بسبب النزول مثل قوله : سبب نزول هذه الآية كذا أو حدث كذا أو سئل النبي صلي الله عليه وسلم عن كذا فأنزل الله تعالى قوله كذا ، أو فأوحي الله إلى نبيه كذا .
وغير الصريح مثل أن يقول نزلت هذه الآية في كذا ونحو ذلك ، فهذا يحتمل كونه سبب نزول أو تفسيرا للآية وبيانا لما ينطبق عليه الحكم . والصريح إذا صح إسناده مقدم على غير الصريح حتى ولو كان أصح منه .
•ولا يطلب لكل آية سبب نزول فليست جميع الآية منزلة علي سبب.
•وقد يتعدد السبب والنازل واحد ، أو العكس : يتعدد النازل علي سبب واحد .
•والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
•يراعي الاتساق بين السبب وبين سياق الآيات .
•هذه بعض القواعد المهمة المتعلقة بأسباب النزول ، والتي من خلالها نتعامل مع اختلاف المفسرين فنجمع بينها إن أمكن أو نرجح بينها إذا لم يمكن الجمع .

مراعاة السياق

وفي ذلك يقول الإمام العز بن عبد السلام :"إذا احتمل الكلام معنيين وكان حمله على أحدهما أوضح وأشد موافقة للسياق كان الحمل عليه أولى " .
وقال الزركشي في البحر المحيط : "... والسياق يرشد إلى تبيين المجملات وترجيح المحتملات وتقرير الواضحات وكل ذلك يعرف بالاستعمال " .
وذكر ابن جزي في مقدمة تفسيره أن من قواعد الترجيح أن يشهد بصحة القول سياق الكلام ويدل عليه ما قبله أو ما بعده ".
وقال الزركشي في البرهان :" ... من الأمور التي تعين على المعنى عند الإشكال دلالة السياق فإنها ترشد إلى تبيين المجمل والقطع بعدم احتمال غير المراد وتخصيص العام وتقييد المطلق وتنوع الدلالة وهو من أعظم القرائن الدالة علي مراد المتكلم فمن أهمله غلط في نظيره وغالط في مناظراته "
وقال الزركشي : " والذي ينبغي في كل آية أن يبحث أول كل شيء عن كونها مكملة لما قبلها أو مستقلة ثم المستقلة ما وجه مناسبتها لما قبلها ففي ذلك علم جم وهكذا في السور يطلب وجه اتصالها بما قبلها وما سيقت له "
وقال الإمام السيوطي في الإتقان : "الأمر الكلي المفيد لعرفان مناسبات الأيات في جميع القرآن هو أنك تنظر للغرض الذي سيقت له السورة ،وتنظر ما يحتاجه ذلك الغرض من مقدمات ،وتنظر في مراتب تلك المقدمات قربا وبعدا من المطلوب ، وتنظر عند انجرار الكلام في المقدمات إلي ما يستتبعه من استشراف نفس السامع إلي الأحكام واللوازم التابعة له التي تقتضي البلاغة شفاء العليل بدفع عناء الاستشراف إلي الوقوف عليها ،وبهذا يتبين لك وجه النظم مفصلا بين كل آية وآية في كل سورة " .
من هنا " ؛ فلا بد من النظرة الكلية الشاملة والتأمل في مقاصد السورة وتعيين المحور العام الذي تدور حوله ، وتقسيم الآيات إلي مقاطع كل مقطع يمثل وحدة موضوعية واحدة مترابطة ومستمسكة ومتناسقة مع سابقها ولاحقها " .
•نموذج من التفسير : من ذلك ما ذكره المفسرون في تفسير قوله تعالى (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَي التَّهْلُكَة )(3)
فإن هذه الجملة الكريمة لا يمكن فهمها مجردة من سياقها ، وفي ذلك يقول الشيخ سعيد حوي رحمه الله :"وأما النهي عن إهلاك النفس فإذا نظرنا إلي النص مجردا كان له معنى وإذا نظرنا إليه من خلال الآية التي هو فيها أعطانا معنى آخر وإذا نظرنا إليه أنه جزء من السياق أعطانا معنى جديدا وكل هذه المعاني مرادة وكلها قد ذكرها أئمة التفسير عند شرح الآية فإذا نظرنا إلي النص مجردا فهمنا منه أنه نهي عن قتل أنفسنا ، أي لا تقتلوا أنفسكم بأيديكم كما يقال أهلك فلان نفسه بيده إذا تسبب في هلاكها ،وهل يدخل في ذلك ما لو أمر إنسان بمعروف أو نهي عن منكر فقتل ؟ الجواب لا ؛ بل هو مأجور ، ويدخل في ذلك ما إذا هاجم الكفارَ وألقى بنفسه عليهم فقتل ؟ قالت الحنفية إذا كان بفعله هذا ينكي فيهم ويلقي الرعب في قلوبهم . "
وإذا نظرنا إلي هذا الأمر ووروده بعد الأمر بالإنفاق فهمنا منه أنه نهي عن ترك الإنفاق في سبيل الله ، لأنه سبب للإهلاك ويؤيد ذلك ما رواه البخاري عن حذيفة في الآية قال نزلت في الإنفاق " .
وأورد الشيخ سعيد أقوالا أخرى عن ابن عباس وعن الضحاك وعن سعيد بن جبير وعن الحسن البصري تؤيد ذلك ، ثم أتبعها بقوله :" وإذا نظرنا إلي هذا النهي من خلال وروده بعد آيات القتال فهمنا منه أنه نهي عن ترك الجهاد وأورد الشيخ سعيد قصة أبي أيوب الأنصاري ، وعقب ذلك بقوله :" وقد لاحظنا أن هذه الاتجاهات الثلاثة الرئيسية في فهم هذا النص ، سببها ملاحظة النص مجردا ، أو السياق القريب ،أو السياق العام وهذا من أبرز الأمثلة الدالة علي أن القرآن لا تتناهي معانيه
قال الإمام الطبري رحمه الله : " اختلف أهل التأويل في تأويل هذه الآية، ومن عني بقوله: {ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة} فقال بعضهم: عني بذلك: {وأنفقوا في سبيل الله} وسبيل الله: طريقه الذي أمر أن يسلك فيه إلى عدوه من المشركين لجهادهم وحربهم، {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} يقول: ولا تتركوا النفقة في سبيل الله، فإن الله يعوضكم منها أجرا ويرزقكم عاجلا. ثم ذكر من قال ذلك:فأورد بسنده عن حذيفة: {ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة} قال: يعني في ترك النفقة .
وروى بسنده أقوالا لابن عباس منها : {ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة} قال: ليس التهلكة أن يقتل الرجل في سبيل الله، ولكن الإمساك عن النفقة في سبيل الله.
وبسنده عن عكرمة وقتادة ومجاهد والسدي وغيرهم نحوه .
وقال آخرون: بل معناه أنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم فيما أصبتم من الآثام إلي التهلكة، فتيأسوا من رحمة الله، ولكن ارجوا رحمته واعملوا الخيرات، ثم ذكر من قال ذلك فأورد أقوالا عن البراء بن عازب وعبيدة السلماني .
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وأنفقوا في سبيل الله ولا تتركوا الجهاد في سبيله ، ثم ذكر من قال ذلك ، فأورد روايات منها : بسنده عن أسلم أبي عمران، قال: غزونا من المدينة نريد القسطنطينية وعلي أهل مصر عقبة بن عامر، وعلي الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد. قال: فصففنا صفين لم أر صفين قط أعرض ولا أطول منهما، والروم ملصقون ظهورهم بحائط المدينة، قال: فحمل رجل منا على العدو، فقال الناس: مه ! لا إله إلا الله، يلقي بيده إلي التهلكة ! قال أبو أيوب الأنصاري: إنما تتأولون هذه الآية هكذا أن حمل رجل يقاتل يلتمس الشهادة أو يبلي من نفسه ! إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار. إنا لما نصر الله نبيه، وأظهر الإسلام، قلنا فيما بيننا : إنا قد كنا تركنا أهلنا وأموالنا أن نقيم فيها ونصلحها حتى نصر الله نبيه، هلم نقيم في أموالنا ونصلحها ! فأنزل الله الخبر من السماء: {وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة} الآية، فالإلقاء بالأيدي إلي التهلكة: أن نقيم في أموالنا ونصلحها، وندع الجهاد. قال أبو عمران: فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية.
ثم عقب ذلك بقوله : " والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله جل ثناؤه أمر بالإنفاق في سبيله بقوله: {وأنفقوا في سبيل الله} وسبيله: طريقه الذي شرعه لعباده وأوضحه لهم.
ومعنى ذلك: وأنفقوا في إعزاز ديني الذي شرعته لكم بجهاد عدوكم الناصبين لكم الحرب ونهاهم أن يلقوا بأيديهم إلى التهلكة، فقال: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} ... فمعنى قوله: {ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة} ولا تستسلموا للهلكة فتعطوها أزمتكم فتهلكوا والتارك النفقة في سبيل الله عند وجوب ذلك عليه مستسلم للهلكة بتركه أداء فرض الله عليه في ماله. وذلك أن الله جل ثناؤه جعل أحد سهام الصدقات المفروضات الثمانية في سبيله، فقال: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} إلي قوله: {وفي سبيل الله وابن السبيل} (4)فمن ترك إنفاق ما لزمه من ذلك في سبيل الله على ما لزمه كان للهلكة مستسلما وبيديه للتهلكة ملقيا. وكذلك الآيس من رحمة الله لذنب سلف منه، ملق بيديه إلي التهلكة، لأن الله قد نهى عن ذلك فقال: {ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون}(5)وكذلك التارك غزو المشركين وجهادهم في حال وجوب ذلك عليه في حال حاجة المسلمين إليه، مضيع فرضا، ملق بيده إلى التهلكة.
فإذا كانت هذه المعاني كلها يحتملها قوله: {ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة} ولم يكن الله عز وجل خص منها شيئا دون شيء، فالصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله نهي عن الإلقاء بأيدينا لما فيه هلاكنا، والاستسلام للهلكة، وهي العذاب، بترك ما لزمنا من فرائضه، فغير جائز لأحد منا الدخول في شيء يكره الله منا مما نستوجب بدخولنا فيه عذابه. غير أن الأمر وإن كان كذلك، فإن الأغلب من تأويل الآية: وأنفقوا أيها المؤمنون في سبيل الله، ولا تتركوا النفقة فيها فتهلكوا باستحقاقكم بترككم ذلك عذابي... "

اختلافهم بسبب حمل الكلام علي التقديم والتأخير :

المراد بالتقديم والتأخير : "جعل اللفظ في رتبة قبل رتبته الأصلية أو بعدها لعارض اختصاص أو أهمية أو ضرورة " . وللتقديم والتأخير في القرآن الكريم أسباب عديدة منها إفادة القصر والاختصاص ، ومنها الاهتمام بالمقدم والتشويق للمؤخر ، ومنها مراعاة الترتيب حسب الأسبقية أو حسب الأفضلية ، ومنها عودة الضمير علي مذكور سابق ، وغير ذلك .
وأقول إن الأصل بقاء الكلام علي ترتيبه المتبادر من ظاهر النص ، فلا نقول بالتقديم والتأخير إلا بقرينة تقرر ذلك .
• مثال لهذا النوع من الاختلاف : قوله تعالى في سورة البقرة (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ )(6) هل هو سابق لقوله تعالى (وَإِذْ قَالَ مُوسَي لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ )
قيل : هو مقدم في التلاوة ، مؤخر في المعنى على قوله تعالى( وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ) لأن أمر موسي لقومه بأن يذبحوا بقرة كان في الترتيب الزمني بعد قصة القتل المذكورة في الآية الثانية.
قال الشوكاني رحمه الله : ويجوز أن يكون ترتيب نزولها على حسب تلاوتها ، فكأن الله أمرهم بذبح البقرة حتى ذبحوها ، ثم وقع ما وقع من أمر القتل فأمروه أن يضربوه ببعضها ، ثم علق بقوله: هذا على فرض أن الواو تقتضي الترتيب ، وقد تقرر في علم العربية أنها لمجرد الجمع من دون ترتيب ولا معية.
وقال القرطبي رحمه الله :" قوله تعالى: "إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة" مقدم في التلاوة وقوله "وإذ قتلتم نفسا" مقدم في المعنى على جميع ما ابتدأ به من شأن البقرة. ويجوز أن يكون قوله: "قتلتم" في النزول مقدما، والأمر بالذبح مؤخرا. ويجوز أن يكون ترتيب نزولها على حسب تلاوتها، فكأن الله أمرهم بذبح البقرة حتى ذبحوها ثم وقع ما وقع في أمر القتل، فأمروا أن يضربوه ببعضها، ويكون "وإذ قتلتم" مقدما في المعنى علي القول الأول حسب ما ذكرنا، لأن الواو لا توجب الترتيب. ونظيره في التنزيل في قصة نوح بعد ذكر الطوفان وانقضائه في قوله: "حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين" إلي قوله "وما آمن معه إلا قليل" فذكر إهلاك من هلك منهم ثم عطف عليه بقوله: "وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها"(7). فذكر الركوب متأخرا في الخطاب، ومعلوم أن ركوبهم كان قبل الهلاك."
أقول والأولى حمل الكلام على ترتيبه والله أعلم بمراده .
•ومنه أيضاً قوله تعالى ( إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَي يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)(8)، اختلف فيه على أقوال:
وفي ذلك يقول الإمام القرطبي : " قوله تعالى: "إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك" ... وقال جماعة من أهل المعاني منهم الضحاك والفراء في قوله تعالى: "إني متوفيك ورافعك إلي" على التقديم والتأخير؛ لأن الواو لا توجب الرتبة. والمعنى: إني رافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ومتوفيك بعد أن تنزل من السماء ؛ كقوله: "ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمي" (9)؛ والتقدير ولولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمي لكان لزاما. قال الشاعر:
ألا يا نخلة من ذات عرق***عليك ورحمة الله السلام
أي عليك السلام ورحمة الله.
وقال الحسن وابن جريح: معنى متوفيك قابضك ورافعك إلى السماء من غير موت؛ مثل توفيت مالي من فلان أي قبضته. وقال وهب بن منبه: توفى الله عيسى عليه السلام ثلاث ساعات من نهار ثم رفعه إلي السماء. وهذا فيه بعد؛ فإنه صح في الأخبار عن النبي صلي الله عليه وسلم نزوله وقتله الدجال علي ما بيناه في كتاب التذكرة ، وفي هذا الكتاب حسب ما تقدم ويأتي.
وقال ابن زيد: متوفيك قابضك، ومتوفيك ورافعك واحد ولم يمت بعد... والصحيح أن الله تعالى رفعه إلى السماء من غير وفاة ولا نوم كما قال الحسن وابن زيد، وهو اختيار الطبري، وهو الصحيح عن ابن عباس، وقاله الضحاك. " .

تنوع ثقافة كل مفسر

كذلك من أسباب اختلاف المفسرين : تنوع ثقافة كل مفسر وما لديه من علوم ومعطيات وما يستجد في عصره من قضايا ، ففي عصرنا هذا عصر التقدم العلمي والتطور التقني انكشفت الكثير من الحقائق العلمية الثابتة في عالم الأنفس والآفاق وظهرت الكثير من المخترعات التي لم تخطر على بال السابقين أصلا كما فرض علي العالم الإسلامي الكثير من التحديات التي لم تكن في الحسبان منها الاستعمار الصهيوني لفلسطين ، ومن كان يظن أن اليهود ستكون لهم قوة وسطوة ويصبح لهم كيان ! وتقام لهم دولة ! يهاجرون إليها من كل حدب وصوب !
والمتأمل في آيات القرآن الكريم يجد إشارات صريحة إلي هذا الواقع المرير الذي نعيشه فضلا عن اشتماله على جوانب متعددة من الإعجاز العلمي الذي يسبق به كل عصر ، ولا عجب فهو المعجزة الخالدة والعطاء المتجدد والنهر المتدفق الذي لا ينقطع إمداده ولا تنقضي عجائبه وصدق المولى عز وجل إذ يقول (قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا )(10)
•ولنتأمل علي سبيل المثال ما ذكره القرطبي في تفسير قوله تعالى في سورة الإسراء والتي تسمي أيضا سورة بني إسرائيل ( وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُواْ الأَرْضَ فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا )(11)
قال رحمه الله "وقلنا من بعده لبني إسرائيل" أي من بعد إغراق فرعون "اسكنوا الأرض" أي أرض الشام ومصر. "فإذا جاء وعد الآخرة" أي القيامة. "جئنا بكم لفيفا" أي من قبوركم مختلطين من كل موضع، قد اختلط المؤمن بالكافر لا يتعارفون ولا ينحاز أحد منكم إلى قبيلته وحيّه. وقال ابن عباس وقتادة: جئنا بكم جميعا من جهات شتى. والمعنى واحد. قال الجوهري: واللفيف ما اجتمع من الناس من قبائل شتى ؛ يقال: جاء القوم بلفهم ولفيفهم، أي وأخلاطهم. وقوله تعالى "جئنا بكم لفيفا" أي مجتمعين مختلطين. وطعام لفيف إذا كان مخلوطا من جنسين فصاعدا. وفلان لفيف فلان أي صديقه. قال الأصمعي: اللفيف جمع وليس له واحد، وهو مثل الجميع. والمعنى: أنهم يخرجون وقت الحشر من القبور كالجراد المنتشر، مختلطين لا يتعارفون. وقال الكلبي: "فإذا جاء وعد الآخرة" يعني مجيء عيسى عليه السلام من السماء "
و ها نحن نري الآن الهجرة الجماعية لليهود إلي إسرائيل وعملية اغتصاب أراضي إخواننا الفلسطينيين وتحويلها إلي مستوطنات لليهود ! أليس لهذا الواقع اعتباره حين نمر علي هذه الآيات ونفسرها في ضوء واقعنا المعاصر ؟ أليس هذا من إعجاز القرآن الكريم حيث أخبرنا عن حاضرنا ومستقبلنا ؟ فهو رسالة صالحة لكل زمان ومكان .
ثم تعالوا بنا لنتأمل في جانب آخر من جوانب الإعجاز القرآني في إثباته لحقائق علمية لم تظهر إلى في زماننا هذا
•ففي نهاية سنة 1998م سمعت في إذاعة لندن [القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية ] خبرا هاما وهو عن أهم اكتشاف في هذا العام حيث توصل علماء الفلك إلي أن الكون يزداد ويتسع فتوارد إلى ذهني قول الله تعالى في سورة الذاريات ( وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)(12)
ولكن هل فطن المفسرون المتقدمون إلي ذلك ؟
لنرجع سويا إلي ما كتبه الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية حيث قال : " قوله تعالى: "والسماء بنيناها بأيد" لما بين هذه الآيات قال: وفي السماء آيات وعبر تدل علي أن الصانع قادر علي الكمال، فعطف أمر السماء علي قصة قوم نوح لأنهما آيتان. ومعنى "بأيد" أي بقوة وقدرة. عن ابن عباس وغيره. "وإنا لموسعون" قال ابن عباس: لقادرون. وقيل: أي وإنا لذو سعة، وبخلقها وخلق غيرها لا يضيق علينا شيء نريده. وقيل: أي وإنا لموسعون الرزق علي خلقنا. عن ابن عباس أيضا. الحسن: وإنا لمطيقون. وعنه أيضا: وإنا لموسعون الرزق بالمطر. وقال الضحاك: أغنيناكم؛ دليله: "على الموسع قدره". وقال القتبي: ذو سعه على خلقنا. والمعنى متقارب. وقيل: جعلنا بينهما وبين الأرض سعة. الجوهري: وأوسع الرجل أي صار ذا سعة وغني، ومنه قوله تعالى: "والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون" أي أغنياء قادرون. فشمل جميع الأقوال. "
•ولما تحدث القرآن الكريم عن وسائل المواصلات التي هيأها المولى عز وجل لنا لم تتوقف الآيات عند حد الوسائل القديمة التقليدية ولكنها حلقت بنا في أجواء أخرى أمام وسائل أخرى أسفر عنها زماننا ولا يزال الباب مفتوحا والتحدي قائما والقرآن سابقا لكل عصر قال تعالى(وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ )(13)
•ومما يحسب للمتقدمين من المفسرين أنهم تجاوزوا حدود هذه الدنيا الفانية ليحدثونا عن نعيم الجنة وما فيه من مراكب عجيبة خلقها الله عز وجل ليستمتع بها أهل الجنة :
•قال الطبري رحمه الله " وقوله: {ويخلق ما لا تعلمون} يقول تعالى ذكره: ويخلق ربكم مع خلقه هذه الأشياء التي ذكرها لكم ما لا تعلمون مما أعد في الجنة لأهلها وفي النار لأهلها مما لم تره عين ولا سمعته أذن ولا خطر علي قلب بشر." .
•وقال القرطبي رحمه الله :" ... وقيل : ويخلق ما لا تعلمون" مما أعد الله في الجنة لأهلها وفي النار لأهلها، مما لم تره عين ولم تسمع به أذن ولا خطر علي قلب بشر "
•من هنا فإن يجب علي المفسر أن يكون ملما بثقافة عصره مطّلعا علي الحقائق العلمية التي اكتشفت حديثا معنيا بإبراز جوانب الإعجاز القرآني وبيان الهداية القرآنية في كل القضايا والأزمات التي تمر بها الأمة .
قواعد مهمة في التعامل مع اختلاف المفسرين :
•ينبغي على المفسر في تعامله مع هذا النوع من الاختلاف أن يعتمد علي قواعد الترجيح ، والتي منها : مراعاة النظرة الكلية الشاملة للآيات ، ومراعاة السياق ، وأن الأصل عودة الضمير علي أقرب مذكور سابق ، وأن الأصل هو الأخذ بظاهر النص فالأصل هو إجراء الكلام علي معناه الظاهر ، فلا نلجأ إلي القول بالمجاز إلا بقرينة تمنع من استعمال المعنى الحقيقي ،وأن الأصل بقاء العام علي عمومه ما لم يرد ما يخصصه ، وبقاء المطلق علي إطلاقه ما لم يرد ما يقيده ، وأن إعمال النص خير من إهماله وعليه فلا نلجأ للنسخ إلا عند التعارض الشديد ، وأن الأصل بقاء النظم القرآني على نسقه وترتيبه ، والاستفادة من تنوع القراءات المتواترة في إثراء المعنى فلا نرجح قراءة متواترة علي قراءة أخري متواترة ، ولا يجوز رد القراءة المتواترة ، ولا تضعيفها ، وينبغي أن يجتهد المفسر في التوفيق بين الأقوال حيث لا تعارض بينها ، وأن يراعي في تفسيره مقتضيات العصر ومستجداته ومعطياته العلمية .
•أما ما ورد من أقوال مختلفة في التفسير لا يمكن الجمع بينها بوجه من الوجوه : فسبيلنا فيها : أن ننظر في صحة تلك الآراء المتناقضة فنقدم الصحيح علي الضعيف ، ويقدم تفسير الصحابة علي تفسير التابعين ، فإن كان الخلاف في تفسير الصحابة ينظر في الأمر : فإن كان للصحابي الواحد قولان متناقضان ينظر في المتأخر منهما فيعتمد لأنه يدل علي تراجعه عن رأيه القديم ، فقد يرى رأيا ثم يثبت له بعد ذلك ضعفه ، وإن خالف الصحابي الواحد سائر الصحابة يقدم رأي جمهور الصحابة علي رأي الواحد منهم ، وإن خالف رأيُ صحابي رأيَ صحابي آخر يقدم رأي أرسخهما قدما في التفسير كابن عباس رضي الله عنهما وهذا ما ذهب إليه الزركشي لأن الرسول صلی الله عليه وآله وسلم دعا لابن عباس فقال " اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل " .
•أما إذا تعارض التفسير بالرأي مع التفسير النبوي ولم يمكن التوفيق بينهما : فيقدم التفسير النبوي لأنه لا اجتهاد مع نص ، وكذا إذا تعارض التفسير بالرأي مع ما ثبت من أقوال الصحابة " لأن ما يصح نسبته إلى الصحابة في التفسير النفس إليه أميل ؛ لاحتمال سماعه من الرسول صلی الله عليه وآله و سلم ، ولما امتازوا به من الفهم الصحيح والعمل الصالح ولما اختصوا به من معاينة أسباب التنزيل ، لكن إذا تعارض التفسير بالرأي مع تفسير التابعي ينظر في المسألة فإن كان التابعي مما لم يعرف بالأخذ عن أهل الكتاب أو كان التفسير في ما فيه مجال للرأي فحينئذ نلجأ للترجيح بين التفسير بالرأي وقول التابعي إلا إذا كان إجماعا للتابعين فإنه يقدم علي التفسير بالرأي وذلك كله بشرط وجود التعارض الحقيقي أما إذا تيسر الجمع بين المعقول والمنقول فلا نلجأ إلي الترجيح .
•ومن الأمور التي ينبغي على المفسر تجنبها : ومن الأمور المهمة التي لا غنى للمفسر عنها تجنبا للوقوع في الخلاف المذموم
•سلامة الاعتقاد : بأن يلزم منهج أهل السنة والجماعة ويستمسك بالكتاب والسنة ، وأن يكون على بصيرة من أمره ، فقد ينقل بحسن نية من تفاسير الفرق الضالة فيقع فيما وقعوا فيه من أخطاء ، فإن أصحاب الفرق الضالة خاضوا غمار التفسير لمناصرة أهوائهم ، فتأولوا النصوص وأنكروا الأحاديث الصحيحة التي تخالف معتقداتهم .
التجرد من الهوى : فينبغي للمفسر أن ينشد الحق وأن يسعى إلى بيانه ، ودعوة الناس إليه ، ولا يركن إلى أهل البدع والأهواء ، وإنما ينصر الحق ويؤيده ، وأن يتجنب تفسيرات الفرق الضالة وأن يكون منها على حذر ، وأن يكشف عما فيها من زيف وضلال ،
•معرفة الدخيل في التفسير لتجنبه كالإسرائيليات والموضوعات وبدع المفسرين وأخطاء بعضهم وآراء أهل الفرق الضالة .
•تفويض العلم إلى الله تعالى وأن لا يجتهد فيما فيه نص ، وأن لا يرجح بدون دليل ، وأن لا يخوض فيما استأثر الله بعلمه ، ولا فيما لا مجال فيه للرأي .
•تحري الصدق والدقة في النقل: فلا بد من التثبت في الرواية والتحري في النقل والدقة في الكتابة حتى لا يقع في التصحيف أو اللحن ، أو ينقل الروايات الواهية بدون تعقيب عليها وأن يقدر الأمانة ويستشعر المسئولية .
وما من كاتب إلا سيفنى***ويبقي الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بخطك غير شيء*** يسرك في القيامة أن تراه .
وأسأل الله تعالى في ختام بحثي هذا أن يوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه ، وأن يرزقنا القبول والتوفيق في معاشنا ومعادنا
" اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي وتجمع بها شملي وتلم بها شعثي وترد بها الفتن عني وتصلح بها ديني وتحفظ بها غائبي وترفع بها شاهدي وتزكي بها عملي وتبيض بها وجهي وتلهمني بها رشدي وتعصمني بها من كل سوء "
المصادر :
1- المائدة / 69
2- التحريم / 1- 5
3- سورة البقرة /195
4- التوبة / 6.
5- يوسف / 87
6- البقره /72
7- هود/ 41
8- سورة آل عمران /55
9- طه / 129
10- سورة الكهف /1.9
11- بني اسرائیل /1.4
12- الذاريات /47
13- سورة النحل /8



 

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.