
عن ابن عباس، قال: لما انصرف أمير المؤمنين عليه السلام من صفين قام إليه شيخ ممن شهد معه الواقعة فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن مسيرنا هذا أبقضاء من الله وقدر؟ وذكر الحديث مثله سواء، إلا أنه زاد فيه: فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين فما القضاء والقدر اللذان ساقانا وما هبطنا واديا ولا علونا تلعة إلا بهما؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: الأمر من الله والحكم ثم تلا هذه الآية: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا)(1) أي أمر ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا.
حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين ابن يزيد النوفلي، عن علي بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سألته عن الرقي أتدفع من القدر شيئا؟ فقال: هي من القدر، وقال عليه السلام: إن القدرية مجوس هذه الأمة وهم الذين أرادوا أن يصفوا الله بعدله فأخرجوه من سلطانه، وفيهم نزلت هذه الآية: (يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر * إنا كل شئ خلقناه بقدر).(2)
حدثنا أبو الحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي العزائمي، قال: حدثني أبو سعيد أحمد بن محمد بن رميح النسوي، قال: حدثنا عبد العزيز بن يحيى التميمي بالبصرة، وأحمد بن إبراهيم بن معلى بن أسد العمي، قالا: حدثنا محمد بن زكريا الغلابي قال: حدثنا أحمد بن عيسى بن زيد قال: حدثنا عبد الله بن موسى بن عبد الله بن حسن، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسن بن علي ابن أبي طالب عليهما السلام، أنه سئل عن قول الله عز وجل: (إنا كل شئ خلقناه بقدر)، فقال: يقول عز وجل: إنا كل شئ خلقناه لأهل النار بقدر أعمالهم حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا علي بن الحسن الكوفي، عن أبيه الحسن بن علي بن عبد الله الكوفي، عن جده عبد الله بن المغيرة عن إسماعيل بن مسلم أنه سئل الصادق عليه السلام عن الصلاة خلف من يكذب بقدر الله عز وجل، قال:
فليعد كل صلاة صلاها خلفه.
حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا علي بن الحسين السعدآبادي، قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن زياد بن المنذر، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباته، قال:قال أمير المؤمنين عليه السلام في القدر: ألا إن القدر سر من سر الله، وستر من ستر الله، وحرز من حرز الله، مرفوع في حجاب الله، مطوي عن خلق الله، مختوم بخاتم الله، سابق في علم الله، وضع الله العباد عن علمه ورفعه فوق شهاداتهم ومبلغ عقولهم لأنهم لا ينالونه بحقيقة الربانية ولا بقدرة الصمدانية ولا بعظمة النورانية ولا بعزة الوحدانية، لأنه بحر زاخر خالص لله تعالى، عمقه ما بين السماء و الأرض، عرضه ما بين المشرق والمغرب، أسود كالليل الدامس، كثير الحيات و الحيتان، يعلو مرة ويسفل أخرى، في قعره شمس تضيئ، لا ينبغي أن يطلع إليها إلا الله الواحد الفرد، فمن تطلع إليها فقد ضاد الله عز وجل في حكمه ونازعه في سلطانه، وكشف عن ستره وسره، وباء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير.
قال الشیخ الصدوق: إن الله تبارك وتعالى قد قضى جميع أعمال العباد وقدرها وجميع ما يكون في العالم من خير وشر، والقضاء قد يكون بمعنى الأعلام كما قال الله عز وجل: (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب)(3) يريد أعلمناهم، وكما قال الله عز وجل: (وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين)(4) يريد أخبرناه وأعلمناه، فلا ينكر أن يكون الله عز وجل يقضي أعمال العباد و سائر ما يكون من خير وشر على هذا المعنى لأن الله عز وجل عالم بها أجمع. ويصح أن يعلمها عباده ويخبرهم عنها، وقد يكون القدر أيضا في معنى الكتاب والإخبار كما قال الله عز وجل: (إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين))(5) يعني كتبنا وأخبرنا، وقال العجاج:
واعلم بأن ذا الجلال قد قدر في الصحف الأولى التي كان سطر و (قدر) معناه كتب.
وقد يكون القضاء بمعنى الحكم والالزام، قال الله عز وجل (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا)(6) يريد حكم بذلك وألزمه خلقه، فقد يجوز أن يقال: إن الله عز وجل قد قضى من أعمال العباد على هذا المعنى ما قد ألزمه عباده وحكم به عليهم وهي الفرائض دون غيرها، وقد يجوز أيضا أن يقدر الله أعمال العباد بأن يبين مقاديرها وأحوالها من حسن وقبح وفرض و نافلة وغير ذلك، ويفعل من الأدلة على ذلك ما يعرف به هذه الأحوال لهذه الأفعال فيكون عز وجل مقدرا لها في الحقيقة، وليس يقدرها ليعرف مقدارها، ولكن ليبين لغيره ممن لا يعرف ذلك حال ما قدره بتقديره إياه، وهذا أظهر من أن يخفى، وأبين من أن يحتاج إلى الاستشهاد عليه، ألا ترى أنا قد نرجع إلى أهل المعرفة بالصناعات في تقديرها لنا فلا يمنعهم علمهم بمقاديرها من أن يقدروها لنا ليبينوا لنا مقاديرها، وإنما أنكرنا أن يكون الله عز وجل حكم بها على عباده ومنعهم من الانصراف عنها، أو أن يكون فعلها وكونها، فأما أن يكون الله عز وجل خلقها خلق تقدير فلا ننكره.
وسمعت بعض أهل العلم يقول: إن القضاء على عشرة أوجه: فأول وجه منها العلم وهو قول الله عز وجل: (إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها)(7) يعني علمها.
والثاني الإعلام وهو قوله عز وجل: (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب) وقوله عز وجل: (وقضينا إليه ذلك الأمر) أي أعلمناه.
والثالث الحكم وهو قوله عز وجل. (والله يقضي بالحق)(8) أي يحكم بالحق.
والرابع القول وهو قوله عز وجل: (والله يقضي بالحق)(9) أي يقول الحق.
والخامس الحتم وهو قوله عز وجل: (فلما قضينا عليه الموت)(10) يعني حتمنا، فهو القضاء الحتم.
والسادس الأمر وهو قوله عز وجل: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) يعني أمر ربك.
والسابع الخلق وهو قوله عز وجل: (فقضيهن سبع سماوات في يومين)(11)
يعني خلقهن.
والثامن الفعل وهو قوله عز وجل: (فاقض ما أنت قاض)(12) أي افعل ما أنت فاعل.والتاسع الاتمام وهو قوله عز وجل: (فلما قضى موسى الأجل) وقوله عز وجل حكاية عن موسى: (أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل)(13) أي أتممت.
والعاشر الفراغ من الشئ وهو قوله عز وجل: (قضي الأمر الذي فيه تستفتيان)(14) يعني فرغ لكما منه، وقوله القائل: قد قضيت لك حاجتك، يعني فرغت لك منها، فيجوز أن يقال: إن الأشياء كلها بقضاء الله وقدره تبارك وتعال بمعنى أن الله عز وجل قد علمها وعلم مقاديرها، وله عز وجل في جميعها حكم من خير أو شر، فما كان من خير فقد قضاه بمعنى أنه أمر به وحتمه وجعله حقا وعلم مبلغة ومقداره، وما كان من شر فلم يأمر به ولم يرضه ولكنه عز وجل قد قضاه وقدره بمعنى أنه علمه بمقداره ومبلغه وحكم فيه بحكمه.
والفتنة على عشرة أوجه فوجه منها الضلال.
والثاني الاختبار وهو قول الله عز وجل: (وفتناك فتونا)(15) يعني اختبرناك اختبارا، وقوله عز وجل: (ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون)(16) أي لا يختبرون.والثالث الحجة وهو قوله عز وجل: (ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين)(17).
والرابع الشرك وهو قوله عز وجل: (والفتنة أشد من القتل)(18).
والخامس الكفر وهو قوله عز وجل: (ألا في الفتنة سقطوا)(19) يعني في الكفر.
والسادس الاحراق بالنار وهو قوله عز وجل: (إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات - الآية)(20) يعني أحرقوا.
والسابع وهو قوله عز وجل: (يوم هم على النار يفتنون)(21) يعني يعذبون، وقوله عز وجل: (ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تكذبون)(22) يعني عذابكم، وقوله عز وجل: (ومن يرد الله فتنته (يعني عذابه) فلن تملك له من الله شيئا)(23).
والثامن القتل وهو قوله عز وجل: (إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا)(25) يعني إن خفتم أن يقتلوكم، وقوله عز وجل: (فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملأهم أن يفتنهم)(26) يعني أن يقتلهم.
والتاسع الصد وهو قوله عز وجل: (وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك)(27) يعني ليصدونك.
والعاشر شدة المحنة وهو قوله عز وجل: (ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا)(28) وقوله عز وجل: (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) أي محنة فيفتنوا بذلك ويقولوا في أنفسهم: لم يقتلهم إلا دينهم الباطل وديننا الحق فيكون ذلك داعيا لهم إلى النار على ما هم عليه من الكفر والظلم.
قد زاد علي بن إبراهيم بن هاشم على هذه الوجوه العشرة وجها آخر فقال:
من وجوه الفتنة ما هو المحبة وهو قوله عز وجل: (أنما أموالكم وأولادكم فتنة)(29) أي محبة، والذي عندي في ذلك أن وجوه الفتنة عشرة وأن الفتنة في هذا الموضع أيضا المحنة - بالنون - لا المحبة - بالباء -.
وتصديق ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (الولد مجهلة محنة مبخلة) وقد أخرجت هذا الحديث مسندا في كتاب مقتل الحسين بن علي صلى الله عليهما.
حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن غياث بن إبراهيم، عن جعفر بن محمد بن، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، قال: مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمحتكرين فأمر بحكرتهم أن يخرج إلى بطون الأسواق وحيث تنظر الأبصار إليها، فقيل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لو قومت عليهم، فغضب عليه السلام حتى عرف الغضب في وجهه وقال: أنا أقوم عليهم؟!
إنما السعر إلى الله عز وجل يرفعه إذا شاء ويخفضه إذا شاء. وقيل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لو أسعرت لنا سعرا فإن الأسعار تزيد وتنقص، فقال عليه السلام: ما كنت لألقى الله عز وجل ببدعة لم يحدث لي فيها شيئا فدعوا عباد الله يأكل بعضهم من بعض.
حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أيوب بن نوح، عن محمد بن أبي عمير، عن أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين عليهما السلام، قال: إن الله تبارك وتعالى وكل بالسعر ملكا يدبره بأمره، وقال أبو حمزة الثمالي: ذكر عند علي بن الحسين عليهما السلام، غلاء السعر فقال:
وما علي من غلائه، إن غلا فهو عليه، وإن رخص فهو عليه.
قال الشيخ الصدوق رضي الله عنه: الغلاء هو الزيادة في أسعار الأشياء حتى يباع الشئ بأكثر مما كان يباع في ذلك الموضع، والرخص هو النقصان في ذلك، فما كان من الرخص والغلاء عن سعة الأشياء وقلتها فإن ذلك من الله عز وجل ويجب الرضا بذلك والتسليم له، وما كان من الغلاء والرخص بما يؤخذ الناس به لغير قلة الأشياء وكثرتها من غير رضى منهم به أو كان من جهة شراء واحد من الناس جميع طعام بلد فيغلو الطعام لذلك فذلك من المسعر والمتعدي بشرى طعام المصر كله كما فعله حيكم بن حزام، كان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كله فمر عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا حكيم بن حزام إياك أن تحتكر.حدثنا بذلك أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد عن صفوان بن يحيى، عن سلمة الحناط، عن أبي عبد الله عليه السلام متى كان في المصر طعام غير ما يشتريه الواحد من الناس فجائز له أن يلتمس بسلعته الفضل لأنه إذا كان في المصر طعام غيره يسع الناس لم يغل الطعام لأجله، وإنما يغلو إذا اشترى الواحد من الناس جميع ما يدخل المدينة.
حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد وعبد الله ابني محمد بن عيسى، عن محمد بن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن عبد الله بن علي الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن الحكرة فقال: إنما الحكرة أن تشتري طعاما
وليس في المصر غيره فتحتكره، فإن كان في المصر طعام أو متاع غيره فلا بأس أن تلتمس لسلعتك الفضل. ولو كان الغلاء في هذا الموضع من الله عز وجل لما استحق المشتري لجميع طعام المدينة الذم لأنه الله عز وجل لا يذم العبد على ما يفعله ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الجالب مرزوق والمحتكر ملعون) ولو كان منه عز وجل لوجب الرضى به والتسليم له، كما يجب إذا كان عن قلة الأشياء أو قلة الريع لأنه من الله عز وجل، وما كان من الله عز وجل أو من الناس فهو سابق في علم الله تعالى ذكره مثل خلق الخلق وهو بقضائه وقدره على ما بينته من معنى القضاء والقدر.
المصادر :
بتصرف / التوحيد للشيخ الصدوق ص382-390
1- الإسراء: 23
2- القمر: 49
3- الإسراء: 4
4- الحجر: 66
5- الحجر: 60
6- الإسراء: 23
7- يوسف: 68
8- في البحار: (ويقضي ربك بالحق) فالمناسب للوجه الثالث قوله تعالى في سورة النمل: (إن ربك يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم)
9- المؤمن: 20
10- سبأ: 14
11- فصلت: 12
12- طه: 72
13- القصص: 28
14- يوسف: 41
15- طه: 40
16- العنكبوت: 2
17- الأنعام: 23
18- البقرة 191
19- التوبة: 49
20- البروج: 10
21- الذاريات: 13
22- الذاريات: 14. وفي المصحف (به تستعجلون)
23- المائدة: 41.
24- النساء: 101
25- يونس: 83
26- الإسراء: 73
27- الممتحنة: 5
28- يونس: 85
29- الأنفال: 28، والتغابن: 15
/ج