لقد أشار الله في القرآن الكريم وأهل البيت عليهم السلام إلى آثار كثيرة للكفر والعصيان والطغيان والذنوب في الآخرة، تحذيراً لنا من مغبة الوقوع فيها، لعلنا نرشد أو نعقل، فلا نكون من أصحاب السعير، سنقتصر على ذكر أهمها :
1- الافتضاح
إن الله يستر برحمته على المذنب في الدنيا، لعله يتوب ويرجع إلى ربه، ولكن الفضيحة يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، وأمام الخلق أجمعين، سيما أمام معارفه وأقربائه، ورد في مناجاة أمير المؤمنين عليه السلام قال: "إلهي قد سترت علي ذنوباً في الدنيا وأنا أحوج إلى سترها علي منك في الآخرة، إلهي قد أحسنت إذ لم تظهرها لأحدٍ من عبادك الصالحين فلا تفضحني يوم القيامة على رؤوس الأشهاد..."(1).يقول العلامة المجلسي: وفي قوله سبحانه "وَيَوْمَ يَقوم الْأَشْهَاد" شاهد، وهم الذين يشهدون بالحق للمؤمنين وعلى المبطلين والكافرين يوم القيامة، وفي ذلك سرور للمحق وفضيحة للمبطل في ذلك الجمع العظيم ..."(2).
ولذا ينبغي على العاقل أن يخاف هذا اليوم، وأن يخاف الفضيحة أمام الله عز وجل وأمام الأنبياء والأئمة والأولياء عليهم السلام، وأمام الناس أجمعين، روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "وأما علامة الموقف فستة
أيقن بالله حقاً فآمن به.
وأيقن بأن الموت حق فحذره.
وأيقن بأن البعث حق فخاف الفضيحة.
وأيقن بأن الجنة حق فاشتاق إليها.
وأيقن بأن النار حق فظهر سعيه للنجاة منها.
وأيقن بأن الحساب حق فحاسب نفسه"(3).
2- المذلة
"ثم يَوْمَ الْقِيَامَةِ يخْزِيهِمْ وَيَقول أَيْنَ شرَكَائِيَ الذِينَ كنْتمْ تشَاقونَ فِيهِمْ قَالَ الذِينَ أوتوا الْعِلْمَ إِن الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ"(4).بدءاً من أخذ أرواحهم: "فَكَيْفَ إِذَا تَوَفتْهم الْمَلَائِكَة يَضْرِبونَ وجوهَهمْ وَأَدْبَارَهمْ"(5).
إلى الوقوف في المحشر أذلاء، سكارى غارقين في الحياء، يتصبب العرق من وجوههم، "وَوجوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ"(6)، و"تَرْهَقهَا قَتَرَةٌ"(7)، "خَاشِعَةً أَبْصَارهمْ تَرْهَقهمْ ذِلةٌ"(8).
الى دخول النار: "ذقْ إِنكَ أَنتَ الْعَزِيز الْكَرِيم"(9)، "وَلَعَذَاب الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهمْ لَا ينصَرونَ"(10).
3- الحسرة والندامة
يتحسر الظالم على الفترة والمهلة التي أعطيت له في الدنيا ولم يغتنمها، بل أعرض وتولى وكذب بآيات ربه ورسله واليوم الآخر، وها هو اليوم أيقن به عين اليقين ولات حين مناص، فيقول: "يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرطت فِي جَنبِ اللهِ"(11). "يَوْمَ يَعَض الظالِم عَلَى يَدَيْهِ يَقول يَا لَيْتَنِي اتخَذْت مَعَ الرسولِ سَبِيلًا* يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتخِذْ فلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلنِي عَنِ الذكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشيْطَان لِلْإِنسَانِ خَذولًا"(12).4- العمى
"وَنَحْشره يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَب لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كنت بَصِيرًا "(13)وبكل بساطة فإن الجواب لحاضر لقد كنت أعمى البصيرة في الدنيا، لذلك تحشر يوم القيامة على ما كنت عليه "وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَل سَبِيلاً" (14).
5- نسيان الله له
"قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تنسَى"(15)، فلم تتذكر أوامر الله ونواهيه، بل ونسيت وغفلت عن لقائه "الْيَوْمَ نَنسَاكمْ كَمَا نَسِيتمْ لِقَاء يَوْمِكمْ هَذَا وَمَأْوَاكمْ النار وَمَا لَكم من ناصِرِينَ"(16).6- عدم التشرف بلقاء الله
حيث إن الآيات والروايات تشير إلى تشرف المؤمن يوم القيامة بلقاء الله، ومحاسبة الله الرحيم بنفسه لعبده المؤمن، وأما غير المؤمنين من الكفار والعاصين، فإن الله لا ينظر إليهم ولا يزكيهم ويوكل بهم ملائكة "غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصونَ اللهَ مَا أَمَرَهمْ وَيَفْعَلونَ مَا يؤْمَرون".ومن الآثار الأخروية أيضاً: غضب الله، اللعنة، سوء الحساب، طول الوقوف في المحشر، العذاب الأليم، تجسيم الأعمال، الحشر بصور قبيحة بشعة، دخول النار، الخلود في النار، ومن تدركه في آخر المطاف رحمة الله فتأخر دخوله إليه، مضافاً إلى صور ومشاهد وحالات العذاب في جهنم التي لا يعجز عن وصفها الفكر البشري.
المحكمة الإلهية وشهود الآخرة
هناك محاكم عديدة تحاكم الإنسان في الدنيا، بدءاً من محكمة النفس أو الضمير، ثم محكمة القانون ومحكمة المجتمع، ومحكمة التاريخ، إلا أن الإنسان الطاغية والداهية الماكر باستطاعته التملص والتخلص منها جميعاً، بأساليبه الخداعة والمال والرشوة وشراء الشهود وتزوير الوقائع وإخفاء الأدلة وغير ذلك ... .لكن يقدم في الآخرة ليحاكم أمام الله سبحانه، في محكمة العدل الإلهي، حيث يكون القاضي والحاكم هو الله، والشهود كثر، والأدلة حاضرة (تجسم الأعمال(.
والحاجة إلى الشهود والأدلة والجواب عند إنكار الطغاة والعصاة، وأما المؤمن فلا يحتاج إلى ذلك؛ لأنه يعترف أمام ربه ويقر له، فيقول له ربه يا عبدي فعلت كذا. فيقول المؤمن: نعم يا رب، ويتكرر منه الاعتراف حتى يقول له الله قد غفرتها لك، وينقلب إلى أهله مسروراً.
وأما غير المؤمن فإن له سوء الحساب "وَوضِعَ الْكِتَاب فَتَرَى الْمجْرِمِينَ مشْفِقِينَ مِما فِيهِ وَيَقولونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يغَادِر صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدوا مَا عَمِلوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِم رَبكَ أَحَدًا"(17).
من هم الشهود
الشاهد الأول والأخير هو الله
"فَإِلَيْنَا مَرْجِعهمْ ثم الله شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلونَ"(18) "قلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا"(19) .يروى أن الإنسان العنيد الظلوم يحاجج الله يوم القيامة، ويكذب بكل الشهود ويقول لله عز اسمه: إن هذه الجوارح والجوانح أنت أنطقتها، وهؤلاء الأنبياء والرسل والأئمة والملائكة عليهم السلام جميعاً يأتمرون كلهم بأمرك. فيقول الله له: إني أنا الله الذي لا إله إلا أنا أشهد عليك بأنك فعلت كذا وفعلت كذا, ولات حين مناص.
وفي الخبر الشريف: "اتقوا معاصي الله في الخلوات، فإن الشاهد هو الحاكم"(20).
النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام
قال تعالى: "وَيَكونَ الرسول عَلَيْكمْ شَهِيدًا"(21). "فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كل أمةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤلاء شَهِيدًا"(22
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "نحن الشهداء على شيعتنا، وشيعتنا شهداء على الناس، وبشهادة شيعتنا يخبرون ويعاقبون"(23).
وقال عليه السلام في قوله تعالى "لِيَكونَ الرسول شَهِيدًا عَلَيْكمْ"(24): "فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الشهيد علينا بما بلغنا عن الله عز وجل، ونحن الشهداء على الناس، فمن صدق صدقناه يوم القيامة، ومن كذب كذبناه يوم القيامة"(25).
الملائكة
"إِذْ يَتَلَقى الْمتَلَقيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشمَالِ قَعِيدٌ"(26)وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "هما الملكان، وسألته عن قول الله تبارك وتعالى "هَذَا مَا لَدَي عَتِيد" قال عليه السلام: هو الملك الذي يحفظ عليه عمله..."(27).
وفي دعاء كميل "وكل سيئة أمرت بإثباتها الكرام الكاتبين، الذين وكلتهم بحفظ ما يكون مني، وجعلتهم شهوداً علي مع جوارحي، وكنت أنت الرقيب علي من ورائهم، والشاهد لما خفي عنهم ...".
الجوارح والجوانح
وهي الجلود والأيدي والأرجل والألسن، والسمع والبصر والفؤاد، قال الله تعالى: "وَيَوْمَ يحْشَر أَعْدَاء اللهِ إِلَى النارِ فَهمْ يوزَعونَ * حَتى إِذَا مَا جَاؤوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعهمْ وَأَبْصَارهمْ وَجلودهمْ بِمَا كَانوا يَعْمَلونَ"(28)."وَمَا كنتمْ تَسْتَتِرونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكمْ سَمْعكمْ وَلَا أَبْصَاركمْ وَلَا جلودكمْ وَلَكِن ظَنَنتمْ أَن اللهَ لَا يَعْلَم كَثِيرًا مما تَعْمَلونَ * وَذَلِكمْ ظَنكم الذِي ظَنَنتم بِرَبكمْ أَرْدَاكمْ فَأَصْبَحْتم منْ الْخَاسِرِينَ"(29) "وَلَهمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ* يَوْمَ تَشْهَد عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتهمْ"(30).
وعن أبي عبد الله عليه السلام في تفسير قوله تعالى: "إِن السمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفؤَادَ كل أولـئِكَ كَانَ عَنْه مَسْؤولاً"(31) قال عليه السلام: "يسأل السمع عما سمع، والبصر عما نظر إليه، والفؤاد عما عقد عليه"(32).
الأرض
تشهد للمؤمن بما قام عليها من الطاعات والصلاة، وتشهد على العاصين بما عصوا على ظهرها.عن أبي عبد الله عليه السلام في جواب من سأله: "يصلي الرجل نوافله في موضع أو يفرقها؟، قال عليه السلام: لا بل ها هنا وها هنا؛ فإنها تشهد له يوم القيامة"(33).
الأيام
وهي عمر الإنسان الذي ينقضي يوماً بعد يوم، ليلاً ونهاراً، وأيام الإنسان ثلاثة كما ورد في الرواية: يوماً مضى لن يعود، ويومٌ يأتي وقد يأتي وأنت لست فيه، ويوم أنت فيه فانظر ماذا تفعل.والإنسان مسؤول عن عمره يوم القيامة فيما أمضاه، وبالتالي فإن الأيام ستشهد عليه كما ورد الخبر الشريف عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "ما من يوم يأتي على ابن آدم إلا قال له ذلك اليوم: يا ابن آدم أنا يوم جديد، وأنا عليك شهيد، فقل في خيراً واعمل في خيراً، اشهد لك به يوم القيامة، فإنك لست تراني بعدها أبداً. قال عليه السلام وكان علي عليه السلام إذا أمسى يقول مرحباً بالليل الجديد والكاتب الشهيد، اكتبا على اسم الله، ثم يذكر الله عز وجل"(34).
المصادر :
1- مقطع من المناجاة الشعبانية
2- بحار الأنوار، ج7، ص162
3- تحف العقول، ص18
4- سورة النحل، الآية: 27
5- سورة محمد، الآية: 27
6- سورة عبس، الآية: 40
7- سورة عبس، الآية: 41
8- سورة المعارج، الآية: 44
9- سورة الدخان، الآية: 49
10- سورة فصلت، الآية: 16
11- سورة الزمر، الآية: 56
12- سورة الفرقان، الآيات: 27 ـ 29
13- سورة طه، الآيتان: 124 و125
14- سورة الإسراء، الآية: 72
15- سورة طه، الآية: 126
16- سورة الجاثية، الآية: 34
17- - سورة الكهف، الآية: 49
18- سورة يونس، الآية: 46
19- سورة الإسراء، الآية: 96
20- وسائل الشيعة، ج15، ص239
21- سورة البقرة، الآية: 143
22- سورة النساء، الآية: 41
23- بحار الأنوار، ج7، ص325
24- سورة الحج، الآية: 78
25- الكافي، ج1، ص190
26- سورة ق، الآية: 17
27- بحار الأنوار، ج5، ص323
28- سورة فصلت، الآيتان: 19 و20
29- سورة فصلت، الآيتان: 22 و23
30- سورة النور، الأيتان: 23 و24
31- سورة الإسراء، الآية: 36
32- الكافي، ج2، ص37
33- وسائل الشيعة، ج5، ص186
34- الكافي، ج2، ص523
/ج