الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

وقد ورد الحثّ على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- وهو نوع من التبليغ - في الكتاب والسنّة، قال تعالى: ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ
Saturday, February 7, 2015
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

 






 

وقد ورد الحثّ على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- وهو نوع من التبليغ - في الكتاب والسنّة، قال تعالى: ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾(1). وقال تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾(2).
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "ألا وإنّي أُجدّد القول: ألا فأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر. ألا وإنّ رأس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تنتهوا إلى قولي، وتُبلّغوه من لم يحضر، وتأمروه بقبوله، وتنهوه عن مخالفته، فإنّه أمرٌ من الله عزّ وجل ومنّي"(3).
وروي عن الإمام عليّعليه السلام أنّه قال: "لمّا وجّهني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن قال: يا عليّ، لا تُقاتل أحداً حتّى تدعوه إلى الإسلام؛ وأيمُ الله، لأن يهدي الله على يديك رجلاً خيرٌ لك مما طلعت عليه الشمس وغربت، ولك ولاؤُه يا عليّ"(4).
وقد بيّن الفقهاء أنّ فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسمى الفرائض وأشرفها، وبها تُقام الفرائض، ووجوبها من ضروريّات الدِّين، ومنكرها مع الالتفات يعدُّ كافراً.(5)
واتفقوا على أنّ الأمر والنهي واجبان إجماعاً على نحو الوجوب الكفائي، فإذا تصدّى للأمر أو النهي من به الكفاية لإنجاز المهمّة وتحقيق الواجب سقط التكليف عن الباقين، غير أنّ وجوبه مستمرّ في عموم حالات المنكر ما دام المنكر موجوداً والمعروف متروكاً.

أ - معنى المعروف والمنكر:

المراد بالمعروف كلّ فعل حسن أوجبَتْه الشريعة المقدّسة أو ندبت إليه، فإن كان واجباً كان الأمر به واجباً، وإن كان مستحبّاً كان الأمر به مستحبّاً. والمراد بالمنكر كلّ فعل كرهته الشريعة فحرّمت فعله أو حثّت على التنزّه عنه وتركه، فإن كان المنكر حراماً كان النهي عنه واجباً، وإن كان مكروهاً كان النهي عنه مستحبّاً وراجحاً.
والمراد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو قيام المكلَّف بواجب التصدّي لتارك المعروف أو لفاعل المنكر، لحثّه على فعل المعروف وترك المنكر، بواحد من الأساليب الّتي وضعتها الشريعة لذلك، قال الله تعالى: ﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ﴾(6).والظاهر أنّ الخطاب للمسلمين. والمراد بالناس جميع الناس من المسلمين وغيرهم، فيكون المراد - والله العالم - أنّ المسلمين بما هم مسلمون خير أمّة خُلقت وأُخرجت لنفع المجتمعات البشرية، وملاك خيريّتهم بسطهم للمعروف وردعهم عن المنكرات وإصلاح المجتمعات(7). فيجب الأمر والنهي على كلّ من تتوفَّر فيه الشرائط من العلماء وغيرهم من الرجال والنساء وحتّى الفسّاق، قال الله تعالى: ﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾(8).

ب - فلسفة تشريعهما:

واعتُبر الأمرُ والنهي طريقاً إلى حفظ النظام، وأماناً من الفرقة والنزاع، فروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "لا تزال أمّتي بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البرّ، فإذا لم يفعلوا ذلك نُزعت منهم البركات، وسُلِّط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء"(9).
وروي عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إذا أمّتي تواكلت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فليأذنوا بوقاع من الله"(10).
وعندما نتأمّل في معنى المعروف والمنكر وكيفيّتهما نجد أنّ فلسفة تشريعهما تدور بين الحرص على هداية البشر إلى طاعة الله تعالى، ودعوتهم إلى الخير؛ واحترام أفراد المجتمع وحفظ حقوقه، وردع الناس عن ارتكاب المخالفات والتعدّي على الآخرين مادّياً أو معنويّاً.
ولأنّ الأمر بالمعروف فريضة إصلاحية تهدف إلى التربية والإصلاح فالأصل أن يكون الأمر والنهي برفق ولين وهدوء، وينبغي عدم الإفراط في الأمر والنهي ما يستلزم الإثقال على المأمور وتزهيده في الدِّين وتنفيره منه وانقلاب الأمر إلى ضده. فقد روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قوله لعلي عليه السلام: "يا عليّ إنّ هذا الدِّين متين فأوغل فيه برفق"(11).
وقال الله تعالى: ﴿ ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾.
و﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾(12).
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام: "يا عمر لا تحملوا على شيعتنا وارفقوا بهم فإنّ الناس لا يحتملون ما تحتملون"(13). وعن الإمام الرضا عليه السلام "لا تبذل لإخوانك من نفسك ما ضرّه عليك أكثر من نفعه لهم"(14).
وهذا لا يعني عدم إمكانية الانتقال إلى مراتب أخرى، تُستعمل فيها الشدّة والقسوة لاقتلاع المنكر، وفق شروط وضوابط فُصّلت في الكتب الفقهية.

ج - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نظام لتبليغ الدِّين:

يمكن للمتأمّل في ما ورد حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الكتاب والسنّة، أن يدرك بسهولة أنّهما نظام لجهة مكلّفة بتبليغ الدِّين الإسلاميّ وتطبيق أحكامه، وحفظ مقدّساته، وتعزيز الإيمان بالله، واحترام القيم والمقدّسات الدِّينيّة، وحماية المجتمع الإسلاميّ من الانحرافات الأخلاقية، والاجتماعية، ومنع ثقافة الابتذال والخواء واللغو.
ولهذا فإنّ الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عمل إنسانيّ يهدف إلى إصلاح الآخرين، فلا عجب أن يختلف باختلاف الأشخاص وأنواع الانحراف فيمكن للمكلّف مع توّفر الشرائط، مهما كان موقعه في المجتمع، أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويواجه العصاة والمنحرفين والمتمرّدين، بأساليب ثلاثة على نحو الترتيب ابتداءاً من القيام بعمل يظهر منه الانزجار القلبيّ عن المنكر، إلى الأمر والنهي باللسان، وصولاً إلى الإنكار باليد، بمعنى إعمال القدرة مراعياً للأيسر فالأيسر، وفق شروط وتراتبية خاصّة في كلّ مرتبة (15)، بمعنى أنّه لا يجوز التعدّي عن مرتبة إلى الأخرى مع إمكانيّة حصول المطلوب من المرتبة الدانية، عن الإمام الباقر عليه السلام: "فأنكروا بقلوبكم والفظوا بألسنتكم وصكّوا بها جباههم ولا تخافوا في الله لومة لائم"(16).
خلاصة
التبليغ موجود على مرّ العصور، وهو لغةً يعني الإيصال، واصطلاحاً يعني إيصال تعاليم الإسلام إلى الناس. وقد استخدم القرآن مصطلحات مختلفة تصبّ في معنى التبليغ مثل: الدعوة والإرشاد والتبشير.
لقد استفاضت الآيات والروايات في أهميّة وفضل التبليغ والمبلِّغين، منها ما ورد عن رسول الله ص: "رحم الله خلفائي، فقيل: يا رسول الله، من خلفاؤك؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: الذين يحيون سنّتي ويعلّمونها عباد الله".
إنّ فضل العلم والعلماء مشروط بالحركة التبليغيّة.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسمى الفرائض. والأصل أن يكون الأمر والنهي برفق ولين، وينبغي الحكمة في اختيار الأسلوب الأمثل فيهما.

جدوى كلّ شي‏ء يجب أن يكون باسم الله

أنتم الآن أيها السّادة على ما قالوا عازمون على الذهاب إلى القرى والمدن لترويج الدِّين والهداية إليه. انتبهوا، فكلّ خطوة تخطونها على خلاف الموازين وخلاف رضا الله جُرم لا تستطيعون التخلّص منه سريعاً. فأنتم الّذين تذهبون للناس باسم الهداية وضعكم غير وضع عامّة الناس. فأنتم إذ تذهبون للهداية رسلٌ مِن الإسلام، أنتم رسلُ رسول الله، فيجب أن تفقهوا ما الّذي يجب عمله في هذه الرسالة. هل هذه الأعمال الّتي تمارسونها باسم الله؟ هل تهدون الناس وتعرّفونهم الإسلام - ولو على قدر ما تعلمون - من أوَّله إلى آخره باسم الله؟ يبدأ باسم الله، أو - لا سمح الله - للنفس فيه دخل؟ "أعدى عدوِّك نفسُك الّتي بين جنبيك"(17). هذه هي أعدى الأعداء، وكلّ عداوات العالم تأتي منها، فهي الّتي تقتل الإنسان، وتقهره. وتلك الّتي "بين جنبيك" هي نفس الإنسان الأمّارة، وهي غير هذه الّتي تقتله، تقتل الإنسانية. كلّ العالم يجتمع ليقتل إنسانيتك، فلا يستطيع ما لم تتغيّر هذه النفس الّتي بين جنبيك، فهي "أعدى عدوِّك". فانظروا الآن وأنتم تمضون وتريدون أن تهدوا الناس هل تهدونهم باسم الله، أو باسم النفس الّذي هو باسم الشيطان؟(18)

حكم التبليغ وأهدافه

التبليغ مسؤوليّة عامّة، كما أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسؤوليّة عامّة أيضاً، تجب على كلّ مسلم ولا اختصاص لها بطائفة دون أخرى، إلّا أنّ هذه المسؤوليّة العامّة يُمكن أن يُحقِّقها بعض الناس وبذلك سوف تنتهي المهمّة المطلوبة وتسقط عن باقي الناس.
وهذا هو ما يصطلح عليه الفقهاء بـالواجب الكفائيّ في مقابل الواجب العينيّ، الّذي يتعيّن على كلّ فرد الإتيان به مثل الصلاة والصوم. فإنّ ما هو المطلوب إيجاده في موضوع التبليغ هو إيصال صوت الحقّ، وإيضاح معالم الرسالة، وبيان أحكامها، فإذا تقدّمت فئة من الناس وحقّقت ذلك تكون المهمّة المطلوبة قد أُنجزت وسقطت عن الباقي.
إلّا أنّ هذه العمومية في وجوب التبليغ لم تمنع الشريعة الإسلاميّة من الدعوة إلى "التخصّص" في العمل التبليغيّ، على غرار سائر التخصّصات العلميّة والعمليّة. ومن هنا فقد كان المطلوب في منهج الدعوة والتبليغ أن يتفرّغ مجموعة
من الناس لتكون هذه هي مهمّتهم، في الوقت الّذي لا يسقط فيه التكليف عن الباقين إلّا حين تؤدّى المهمّة كاملة ودونما نقص.

موضوع التبليغ

من المهمّ أن نعرف أنّ المجتمع الإنساني كلّه موضوع في دائرة التبليغ. ذلك أنّ الرسالة الإسلاميّة عامّة لجميع العباد، وسوف لا تنقطع المهمّة التبليغيّة ولا تنتهي ما دام هناك أرض وشعب في العالَم لم يصله صوت الرسالة الإلهية. ومن هنا نُدرك سعة الدائرة الّتي يجب استيعابها في العمل التبليغيّ، وفي ضوئها يجب وضع الحساب فيما إذا كان الوجوب الكفائيّ قد أُنجز كاملاً حتّى يسقط عن الباقين أم لا.
إنّنا نأسف حينما نجد تعاملاً ضيّقاً مع هذه المسؤوليّة الكبرى، حينما يُفكِّر بعضنا بأنّها ساقطة عنه لمجرّد تصدّي آخرين، في الوقت الّذي لا يستطيع فيه هؤلاء المتصدّون أن يملأوا كلّ الفراغات ويستوعبوا كلّ الساحات.
فإنَّ مسؤوليّة التبليغ والدعوة إلى الإسلام وبيان الشريعة ليست خاصّة بالأهل أو العشيرة أو أبناء الوطن، ولا هي خاصّة بالأمّة الإسلاميّة، بل هي واسعة سعة الرسالة الإلهية، وممتدّة بامتداد النبوّة المحمّدية.
المصادر :
1- سورة التوبة، الآية: 112.
2- سورة آل عمران، الآية: 104.
3- الاحتجاج، الشيخ الطبرسي، ج 1، ص 157.
4- الكافي، الشيخ الكليني،ج 5، ص 36.
5- تحرير الوسيلة، الإمام الخميني، ج 1، ص 434.
6- سورة آل عمران، الآية: 110.
7- ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلاميّة، المنتظري، ج2، ص226.
8- سورة آل عمران، الآية: 104.
9- وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج16،ص123،باب وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحريم تركهما.
10- وسائل الشيعة،الحرّ العاملي، ص 118.
11- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص 87 .
12- سورة طه، الآية: 43.
13- الكافي، الشيخ الكليني، ج5، ص156، باب تأديب النساء.
14- م.ن. ج4، ص23، باب في آداب المعروف.
15- تحرير الوسيلة، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
16- وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج16، ص131، باب وجوب الأمر والنهي بالقلب.
17- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج67، ص64 .
18- صحيفة الإمام، ترجمة عربية، ج‏8، ص: 257

 



 

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.