الدنيا وجمال الطبيعة

عجبا عجبت لغفلة الإنسان **** قطع الحياة بذلة و هوان فكرت في الدنيا فكانت منزلا ***عندي كبعض منازل الركبان
Saturday, April 4, 2015
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
الدنيا وجمال الطبيعة
الدنيا وجمال الطبيعة

 






 

عجبا عجبت لغفلة الإنسان **** قطع الحياة بذلة و هوان
فكرت في الدنيا فكانت منزلا ***عندي كبعض منازل الركبان
مجرى جميع الخلق فيها واحد *** فكثيرها و قليلها سيان
أبغي الكثير إلى الكثير مضاعفا *** و لو اقتصرت على القليل كفاني
لله در الوارثين كأنني *** * بأخصهم متبرم بمكاني
قلقا يجهزني إلى دار البلا *** متحفزا لكرامتي بهوان
متبرئا حتى إذا نشر الثرى *** فوفى طوى كشحا على هجراني

و قال

نل ما بدا لك إن تنـ *** ـال فإنما تعطي و تسلب
و اعلم بأنك غافل *** في الغافلين و أنت تطلب
و المشكلات كثيرة *** و الوقف عند الشك أصوب
يبغي المهذب في الأمور *** جميعها و من المهذب
و روي أنه وجد على باب مدينة يا ابن آدم غافص الفرصة عند إمكانها و كل الأمور إلى مدبرها و لا تحمل على نفسك هم يوم لم يأتك فإنه إن لم يكن من أجلك يأتي الله فيه برزقك و لا تكن عبرة للناظرين و أسوة بالمغرورين في جمع المال على المال فكم من جامع لبعل حليلته و تقتير المرء على نفسه توفير لخزانة غيره .
و قال الخليل إنما يجمع المرء المال لأحد ثلاثة كلهم أعداؤه إما زوج امرأته أو زوجة ابنه أو زوج بنته فمال المرء لهؤلاء إن تركه فالعاقل الناصح لنفسه الذي يأخذه معه زادا لآخرته و لا يؤثر هؤلاء على نفسه .
يا جامعا لاهيا و الدهر يرمقه *** مفكرا أي باب عنه يغلقه
جمعت مالا فقل لي هل جمعت له *** يا غافل القلب أياما تفرقه

و لأبي العتاهية :

أصبحت و الله في مضيق *** هل من دليل إلى الطريق
أف لدنيا تلاعبت بي بي *** تلاعب الموج بالغريق

و قال أيضا

نظرت إلى الدنيا بعين مريضة *** و فكرة مغرور و تدبير جاهل
فقلت هي الدنيا التي ليس مثلها *** و نافست منها في غرور باطل
و ضيمت أحقابا أمامي طويلة *** بلذات أيام ق:صار قلائل

و قال :

و من امرئ دنياه أكبر همه *** لمستمسك منها بحبل غرور

و قال آخر :

طلبتك يا دنيا فأعذرت في الطلب *** و ما نلت إلا الهم و الغم و النصب
و أسرعت في ذنبي و لم أقض حسرتي *** هربت بذنبي منك إن نفع الهرب
و لم أر حظا كالقنوع لأهله *** و إن يحمل الإنسان ما عاش في الطلب
و قال رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)لا تخالفوا على الله في أمره فقالوا و ما ذاك يا رسول الله قال تسعون في عمران دار قد قضى الله خرابها و كان علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)يتمثل بهذه و يقول :
و من يصحب الدنيا يكن مثل قابض *** على الماء خانته فروج الأصابع
و قال النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)إن الله تعالى جعل الدنيا دار بلوى و الآخرة دار عقبى فجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سببا و ثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضا فيأخذ ليعطي و يبتلي ليجزي و أنها سريعة الزوال وشيكة الانتقال فاحذروا حلاوة رضاعها لمرارة فطامها و اهجروا لذيذ عاجلها لكربة آجلها و لا تواصلوها و قد قضى الله اجتنابها و لا تسعوا في عمرانها و قد قضى الله خرابها فتكونوا لسخطه متعرضين و لعقوبته مستحقين و قال شعرا :
الدار دار نوائب و مصائب *** و فجيعة بأحبة و حبائب
ما ينقضي رزئي بفرقة صاحب *** إلا أصبت بفرقة من صاحب
فإذا مضى آلاف عنك لظنه *** و المونسون فأنت أول ذاهب

ترك الدنيا

روي عن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)إنه قال:
إن الناس في الدنيا ضيف و ما في أيديهم عارية و إن الضيف راحل و إن العارية مردودة ألا و إن الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر و الفاجر و الآخرة وعد صادق يحكم فيه ملك عادل قاهر فرحم الله من نظر لنفسه و مهد لرمسه و حبله على عاتقه ملقى قبل أن ينفذ أجله و ينقطع أمله و لا ينفع الندم .
و قال الامام الحسن (عليه السلام)من أحب الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه و من ازداد حرصا على الدنيا لم يزدد منها إلا بعدا و ازداد هو من الله بغضا و الحريص الجاهد و الزاهد القانع كلاهما مستوف أكله غير منقوص من رزقه شيئا فعلام التهافت في النار و الخير كله في صبر ساعة واحدة تورث راحة طويلة و سعادة كثيرة و الناس طالبان طالب يطلب الدنيا حتى إذا أدركها هلك و طالب يطلب الآخرة حتى إذا أدركها فهو ناج فائز و اعلم أيها الرجل أنه لا يضرك ما فاتك من الدنيا و أصابك من شدائدها إذا ظفرت بالآخرة و ما ينفعك ما أصبت من الدنيا إذا حرمت الآخرة .
و كتب عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري عظني فكتب له أن رأس ما يصلحك هو الزهد في الدنيا و الزهد باليقين و اليقين بالفكر و الفكر هو الاعتبار فإذا فكرت في الدنيا لم تجدها أهلا أن تنفع نفسك بجميعها فكيف ببعضها و وجدت نفسك أهلا أن تكرمها بهوان الدنيا و اذكر قول الله عز و جل وَ كُلَّ إِنسان أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً فلقد عدل عليك من جعلك حسيبا على نفسك و لقوله تعالى اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً و قال لقد صحبت في الدنيا أقواما كانوا و الله قرة عين و كلامهم شفاء الصدور و كانوا و الله في الحلال أزهد منكم في الحرام و كانوا على النوافل أشد محافظة منكم على الفرائض و كانوا و الله من حسناتهم و من أعمالهم الحسنة ترد عليهم أكثر وجلا من أعمالكم السيئة أن تعذبوا بها و كانوا و الله يخافون من حسناتهم أن تظهر أشد خوفا منكم من سيئاتكم أن تشهر و كانوا و الله يستترون حسناتهم كما تستترون أنتم سيئاتكم و كانوا محسنين فهم مع ذلك يبكون و أنتم تسيئون و تضحكون فإنا لله و إنا إليه راجعون ظهر المخالفون و قلت العلماء و عفت السنة و هجر الكتاب و شاعت البدعة و تعامل الناس بالمداهنة و تقارضوا الثناء و ذهب الناس و بقي حثالة من الناس و يوشك أن تدعوا فلا تجابوا و يظهروا عليكم أيدي المشركين فلا تغاثوا فأعدوا الجواب فإنكم مسئولون و الله لو تكاشفتم ما تدافنتم فاتقوا الله و قدموا فضلكم فإن من كان قبلكم كانوا يأخذون من الدنيا بلاغهم و يأثرون بفضل ذلك إخوانهم المؤمنين و مساكينهم و أيتامهم و أراملهم فانتبهوا من رقدتكم فإن الموت فضح الدنيا و لم نجعل لذي عقل فسحا و اعلموا أنه من عرف ربه أحبه فأطاعه و من عرف عداوة الشيطان عصاه و من عرف الدنيا و غدرها بأهلها زهد فيها و أن المؤمن ليس بذي لهو و لا غفلة و إنما همته التفكر و الاعتبار و شعاره الذكر قائما و قاعدا و على كل حال نطقه ذكر و صمته فكر و نظره اعتبار لأنه يعلم أنه يصبح و يمسي بين أخطار ثلاثة إما ببلية نازلة أو نعمة زائلة أو منية قاضية و لقد كدر ذكر الموت عيش كل عاقل فعجبا لقوم نودي فيهم بالرحيل و هم غافلون عن التزود و لقد علموا أن لكل سفر زاد لا بد منه حبس أولهم عن آخرهم و هم لاهون ساهون .
و روي في قوله تعالى وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا عن يحيى (عليه السلام)أنه كان له سبع سنين فقال له الصبيان امض معنا نلعب فقال ليس للعب خلقنا .
و قال أمير المؤمنين (عليه السلام)في قوله تعالى وَ لا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا قال لا تنس صحتك و قوتك و شبابك و غناك و نشاطك أن تطلب الآخرة.
و قال آخرون هو الكفن من جميع ما تملك لا تنس أنه هو نصيبك من الدنيا كلها لو ملكتها .
و قال علي بن الحسين (عليه السلام)أعظم الناس قدرا من لم يبال بالدنيا في يد من كانت و قال محمد بن الحنفية من كرمت نفسه عليه هانت الدنيا عنده .
و قال رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)لا يزداد الزمان إلا شدة و العمر إلا نقصانا و الرزق إلا قلة و العلم إلا ذهابا و الخلق إلا ضعفا و الدنيا إلا إدبارا و الناس إلا شحا و الساعة إلا قربا يقوم على الأشرار من الناس و قال كان الكنز الذي تحت الجدار عجبا لمن أيقن بالموت كيف يفرح و عجبا لمن أيقن بالرزق كيف يحزن و عجبا لمن أيقن بالنار كيف يذنب و عجبا لمن عرف الدنيا و تقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها .
و قال رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)إذا أحب الله عبدا ابتلاه و إذا أحبه الحب البالغ افتناه فقالوا و ما معنى الافتناء قال لا يترك له مالا و لا ولدا و أن الله تعالى يتعهد عبده المؤمن في نفسه و ماله بالبلاء كما تتعهد الوالدة ولدها باللبن و أنه ليحمي عبده المؤمن من الدنيا كما يحمي الطبيب المريض من الطعام .
و كان أمير المؤمنين (عليه السلام)يقول اللهم إني أسألك سلوا عن الدنيا و مقتا لها فإن خيرها زهيد و شرها عتيد و صفوها يتكدر و جديدها يخلق و ما فات فيها لم يرجع و ما نيل فيها فتنة إلا من أصابته منك عصمة و شملته منك رحمة فلا تجعلني ممن رضي بها و اطمأن إليها و وثق بها فإن من اطمأن إليها خانته و من وثق بها غرته و لقد أحسن من وصفها بقوله :
رب ريح لأناس عصفت *** ثم ما إن لبثت أن سكتت
و كذا الدهر في أطواره *** قدم زلت و أخرى ثبتت
و كذا الأيام من عاداتها *** إنها مفسدة ما أصلحت

و قال غيره :

لا تحرصن على الدنيا و من فيها *** و احزن على صالح لم يكتسب فيها

و قال آخر :

و اذكر ذنوبا عظاما منك قد سلف *** نسيت كثرتها و الله محصيها
و في قوله تعالى كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنّات وَ عُيُون وَ زُرُوع وَ مَقام كَرِيم وَ نَعْمَة كانُوا فِيها فاكِهِينَ كَذلِكَ وَ أَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ.
و قال بعضهم مررت بخربة فأدخلت رأسي فيها و قلت شعرا :
ناد رب الدار ذا المال الذي *** جمع الدنيا بحرص ما فعل

فأجابه هاتف من الخربة :

كان في دار سواها داره *** عللته بالمنى حتى انتقل
و قال قتادة في قوله تعالى وَ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ قال وقائع القرون الماضية و ما حل بهم من خراب الديار و تعفية الآثار و مر الحسين (عليه السلام)بقصر أوس فقال لمن هذا فقالوا لأوس فقال ود أوس أن له في الآخرة بدله رغيفا و قال أبو العتاهية شعرا :
جمعوا فما أكلوا الذي جمعوا *** و بنوا مساكنهم فما سكنوا
و كأنهم كانوا بها ظعنا **** فما استراحوا ساعة ظعنوا
و قال مسروق ما امتلأت دار حبرة إلا امتلأت عبرة و أنشد :
كم ببطن الأرض ثاو من وزير و أمير *** و صغير الشأن عبد خامل الذكر حقير
لو تأملت قبور القوم في يوم قصير **** لم تميزهم و لم تعرف غنيا من فقير
و روي أن سعد بن أبي وقاص لما ولى العراق دعا حرقة ابنة النعمان فجاءت في لمة من جوارها فقال لهن أيكن حرقة قالوا هذه فقالت نعم فما استبداؤك إياي يا سعد فو الله ما طلعت الشمس و ما شيء يدب تحت الخورنق إلا و هو تحت أيدينا فغربت شمسنا و قد رحمنا جميع من كان يحسدنا و ما من بيت دخلته حيرة إلا و عقبته عبرة ثم أنشأت تقول :
فبنينا نسوق الناس و الأمر أمرنا *** إذا نحن فيهم سوقة نتنصف
فأف لدينا لا يدوم سرورها *** تقلبنا ثاراتها و تصرف
هم الناس ما ساروا يسيرون حولنا *** و إن نحن أومينا إلى الناس أوقفوا
ثم قالت الدنيا دار فناء و زوال لا تدوم على حال تنتقل بأهلها انتقالا و تعقبهم بعد حال حالا و لقد كنا ملوك هذا القصر يطيعنا أهله و يحبوا إلينا دخله فأدبر الأمر و صاح بنا الدهر فصدع عصانا و شتت شملنا و كذا الدهر لا يدوم لأحد ثم بكت و بكى لبكائها و أنشد شعرا :
إن للدهر صولة فاحذريها *** لا تقولين قد أمنت الدهورا
قد يبيت الفتى معافا فيؤدى *** و لقد كان آمنا مسرورا
فقال لها اذكري حاجتك فقالت بنو النعمان أجرهم على عوائدهم فقال لها اذكري حاجتك لنفسك خاصة فقالت يد الأمير بالعطية أطلق من لساني بالمسألة فأعطاهم و أعطاها و أجزل فقالت شكرتك يد افتقرت بعد غنى و لا ملكتك يدا استغنت بعد فقر و أصاب الله بمعروفك مواضعه و لا جعل الله لك إلى اللئيم حاجة و لا أخلا الله من كريم نعمة إلا و جعلك السبب في ردها إليه فقال سعد اكتبوه في ديوان الحكمة فلما خرجت من عنده سألها نساؤها فقلن ما فعل معك الأمير فقالت حاط لله ذمتي و أكرم وجهي إنما يكرم الكريم الكريما و لقد أحسن من قال شعرا :
و ما الدهر و الأيام إلا كما ترى *** رزية مال أو فراق حبيب
و إن امرأ قد جرب الدهر لم يخف *** تقلب يوميه لغير أريب
و قال آخر :
هو الموت لا ينجى من الموت و الذي *** أحاذر بعد الموت أدهى و أفظع

و قال آخر :

إذ الرجال كثرت أولادها *** و جعلت أوصابها تعتادها
و اضطربت من كبر أعضادها *** فهي زروع قد دنا حصادها
و قال بعضهم اجتزت بدار جبار كان معجبا بنفسه و ملكه فسمعت هاتفا ينشد و يقول:
و ما سالم عما قليل بسالم *** و إن كثرت أحراسه و مواكبه
و من يك ذا باب شديد و حاجب *** فعما قليل يهجر الباب حاجبه
و يصبح في لحد من الأرض ضيق *** يفارقه أجناده و مواكبه
و ما كان إلا الموت حتى تفرقت *** إلى غيره أحراسه و كتائبه
و أصبح مسرورا به كل كاشح *** و أسلمه أحبابه و حبائبه
بنفسك فاكسبها السعادة جاهدا *** فكل امرئ رهن بما هو كاسبه
و كان بعضهم إذا نظر في المرآة إلى جماله أنشد شعرا :
يا حسان الوجوه سوف تموتون *** و تبلى الوجوه تحت التراب
يا ذوي الأوجه الحسان المصونات *** و أجسامها الغضاض الرطاب
أكثروا من نعيمها و أقلوا *** سوف تهدونها لعقر التراب
قد نعتك الأيام نعيا صحيحا *** بفراق الأقران و الأصحاب

و قال غيره :

تذكر و لا تنسى المعاد و لا تكن كأنك في الدنيا مخلى و مخرج
فلا بد من بيت انقطاع و وحشة و إن غرك البيت الأنيق المدبج
و وجد على بعض القبور مكتوبة هذه الأبيات:
تزود من الدنيا فإنك لا تبقى *** و خذ صفوها لما صفوت و دع الزلقا
و لا تأمنن الدهر إني أمنته *** فلم يبق لي خلا و لم يرع لي حقا
قتلت صناديد الملوك فلم أدع **** عدوا و لم أهمل على ظنه خلقا
و أخليت دار الملك من كل بارع *** فشردتهم غربا و مزقتهم شرقا
فلما بلغت النجم عزا و رفعة *** و صارت رقاب الخلق أجمع لي رقا
رماني الردى رميا فأخمد حمرتي *** فها أنا ذا في حفرتي مفردا ملقى
فأفسدت دنياي و ديني جهالة *** فما ذا الذي مني بمصرعه أشقى
و قال بعضهم يا أيها الإنسان لا تتعظم فليس بعظيم من خلق من التراب و إليه يعود و كيف يتكبر من أوله نطفة قذرة و آخره جيفة قذرة و هو يحمل بين جنبيه العذرة و اعلم أنه ليس بعظيم من تصرعه الأسقام و تفجعه الآلام و تخدعه الأيام لا يأمن الدهر أن يسلبه شبابه و ملكه و ينزل من علو سريره إلى ضيق قبره و إنما الملك هو العاري من هذه المعايب ثم أنشد شعرا :
أين الملوك و أبناء الملوك و من *** قاد الجيوش ألا يا بئس ما عملوا
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم *** غلب الرجال فلم ينفعهم القلل
فأنزلوا بعد عز عن معاقلهم *** و أسكنوا حفرة يا بئس ما نزلوا
ناداهم صارخ من بعد ما دفنوا *** أين الأسرة و التيجان و الكلل
أين الوجوه التي كانت منعمة *** من دونها تضرب الأستار و الحجل
فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم *** تلك الوجوه عليها الدود تنتقل
قد طال ما أكلوا دهرا و ما شربوا *** فأصبحوا بعد طيب الأكل قد أكلوا
سالت عيونهم فوق الخدود و لو *** رأيتهم ما هناك العيش يا رجل
و قال الامام الحسين (عليه السلام) يا ابن آدم تفكر و قل أين ملوك الدنيا و أربابها الذين عمروا و احتفروا أنهارها و غرسوا أشجارها و مدنوا مدائنها فارقوها و هم كارهون و ورثها قوم آخرون و نحن بهم عما قليل لاحقون يا ابن آدم اذكر مصرعك و في قبرك مضجعك و موقفك بين يدي الله تشهد جوارحك عليك يوم تزل فيه الأقدام و تبلغ القلوب الحناجر و تبيض وجوه و تسود وجوه و تبدو السرائر و يوضع الميزان القسط يا ابن آدم اذكر مصارع آبائك و أبنائك كيف كانوا و حيث حلوا و كأنك عن قليل قد حللت محلهم و صرت عبرة للمعتبر و أنشد شعرا :
أين الملوك التي عن حفظها غفلت *** حتى سقاها بكأس الموت ساقيها
تلك المدائن في الآفاق خالية *** عادت خرابا و ذاق الموت بانيها
أموالنا لذوي الوراث نجمعها *** و دورنا لخراب الدهر نبنيها
ما عبر أحد عن الدنيا كما عبر أمير المؤمنين (عليه السلام)بقوله دار بالبلاء محفوفة و بالغدر معروفة لا تدوم أحوالها و لا تسلم نزالها أحوالها مختلفة و تارات متصرفة و العيش فيها مذموم و الأمان فيها معدوم و إنما أهلها فيها أغراض مستهدفة ترميهم بسهامها و تفنيهم بحمامها و اعلموا عباد الله أنكم و ما أنتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من كان قبلكم ممن كان أطول منكم أعمارا و أعمر ديارا و أبعد آثارا أصبحت أصواتهم خامدة و رياحهم راكدة و أجسادهم بالية و ديارهم خاوية و آثارهم عافية فاستبدلوا بالقصور المشيدة و النمارق الممهدة و الصخور و الأحجار المسندة و القبور اللاطئة الملحدة التي قد بني على الخراب فناؤها و شيد بالتراب بناؤها فمحلها مقترب و ساكنها مغترب بين أهل محله موحشين و أهل فراغ متشاغلين لا يستأنسون بالأوطان و لا يتواصلون تواصل الجيران على ما بينهم من قرب الجوار و دنو الدار فكيف يكون بينهم تواصل و قد طحنهم بكلكله البلاء و أكلهم الجنادل الثرى و كأنكم قد صرتم إلى ما صاروا إليه و ارتهنكم ذلك المضجع و ضمكم ذلك المستودع فكيف بكم إذا تناهت بكم الأمور و بعثرت القبور و هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت و ردوا إلى الله مولاهم الحق و ضل عنهم ما كانوا يفترون .
المصدر :
ارشاد القلوب ص22 – 31 / الشيخ ابو محمد الحسن الديلمي



 

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.