وقف الدولة العثمانية

لما تولى العثمانيون مقاليد السلطة في معظم البلاد العربية، اتسع نطاق الوقف، لإقبال السلاطين وولاة الأمر في الدولة العثمانية عليه، وصارت له تشكيلات إدارية تعنى بالإشراف عليه، وصدرت قوانين وأنظمة متعددة لتنظيم شؤونه وبيان أنواعه،
Tuesday, April 21, 2015
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
وقف الدولة العثمانية
 وقف الدولة العثمانية

 






 

لما تولى العثمانيون مقاليد السلطة في معظم البلاد العربية، اتسع نطاق الوقف، لإقبال السلاطين وولاة الأمر في الدولة العثمانية عليه، وصارت له تشكيلات إدارية تعنى بالإشراف عليه، وصدرت قوانين وأنظمة متعددة لتنظيم شؤونه وبيان أنواعه، ولا زال الكثير من هذه الأنظمة معمولاً بها في بعض الدول العربية(1).
غير أنه لما جاء عصر محمد علي باشا – حاكم مصر – استولى على الأوقاف كلها، وتعسف بالشعب، وطالبهم بإبراز الوثائق التي تثبت ملكيتهم لتلك الأوقاف، والتي لا يملكها إلا القليل، ولم يكن في عهد محمد علي باشا من العلماء أمثال النووي، والعز بن عبدالسلام، ومن هذا الباب، ولج محمد علي، ونفَّذ مآربه فألغى الأوقاف كلها، وأصبحت ملكاً له(2).
وقد سلك محمد علي مسلكاً خطيراً في القضاء على الأوقاف، يحسن بنا أن نشير إليه هنا، وذلك أنه يُعد من المؤيدين لحركة حزب الإصلاح في تركيا، الذي ألغى الأوقاف في تركيا، فأراد محمد علي أن يحذو حذو هذا الحزب، وينهي الأوقاف في مصر، وهذا ليس بالأمر السهل، إذ ليس من العقل أن يحدث حدثاً بدون مستند شرعي؛
لذلك عمد إلى مفتي الحنفية بالإسكندرية محمد محمود الجزايرلي، يسأله عما إذا كان لولي الأمر أن يمنع وقف الأماكن المملوكة لأهلها سداً لذريعة ما غلب على العامة من التوسل به لأغراض فاسدة من حرمان بعض الورثة، والمماطلة بالديون في الحياة، وتعريضها للتلف بعد الممات، فأفتاه المفتي بأنه يجوز ذلك لولي الأمر سداً للذريعة؛ ولأنه مما تقتضيه السياسة الشرعية، فأصدر أمره في التاسع من رجب سنة (1262هـ) بمنع الأوقاف، إبقاء على عمارة الملك ووقاية له من الأضرار، وسداً للذرائع، ورداً لأغراض المبطلين الذين يحاولون من طريق، وقف أموالهم وعقاراتهم، الفرار من أداء ما عليها من الديون وحرمان الورثة(3).
وانتهى عهد محمد علي وجاء من بعده الوالي سعيد، الذي اتجه إلى الإصلاح وأصدر أمره في سنه (1891) بإعطاء الملكية التامة للمجتمع، فأصبح الوقف مباحاً للجميع، وأقدم الناس على الوقف، وتحققت رغباتهم، ولكنهم أساءوا الاستعمال، فعمدوا إلى حرمان بعض الورثة، مما جعل أبناء الأسرة الواحدة يتفاوتون يساراً وإعساراً، أو كان لهذا الفعل المجافي للشرع عاقبته الوخيمة التي لا بد منها، فانصرف الأولاد الذين اختصهم آباؤهم بأوفر نصيب وبأكثر مما جعل الله لهم إلى ملاذهم ومتعهم، ونفد ما بأيديهم، وبالتالي لا يمكنهم العيش دون مستواهم السابق، فاقترضوا بالربا الفاحش، وسّلط على هذه الأوقاف نظاراً يأكلون غلاتها أكلاً لمّاً، وبذلك أصبح أولئك المحظوظون نهباً للنظار والمرابين(4).
ومجتمع هذا حاله لا بد وأن تعمه الفوضى والظلم وينقسم إلى غالب ومغلوب، ونتيجة لذلك ارتفع ضجيج صاخب، ينادي بالشكوى من الوقف الأهلي، وكان هناك خصوم للوقف يثيرون ذلك الضجيج، واتخذوا منه وسيلة للبرهنة على أن الوقف شر مستطير، ونظام فاسد، وقد شعر بهذا الشر بعض العلماء والقضاة، وحاولوا حث الناس على إصلاح أمور الأوقاف، والقضاء على الشروط التعسفية لدى الواقفين ولكن محاولاتهم باءت بالفشل، ولذلك أستغل خصوم الوقف هذه الفرصة واستعانوا بها في بث دعايتهم ضد الأوقاف الأهلية(5).

حال الوقف فـي العصر الحديث

مع إطلالة القرن الرابع عشر الهجري، بدأ أفول كثير من الأوقاف الإسلامية، في العالم الإسلامي، ويعزو شكيب أرسلان ذلك، إلى انحطاط القوى السياسية في العالم الإسلامي، وتلاعب النظار بالأوقاف واستبداد بعض الحكومات بأوقاف المسلمين، وغلبة الدول الإستعمارية المعاصرة على القسم الأكبر من العالم الإسلامي، وفي ذلك يقول شكيب أرسلان أيضاً:
ولما غلبت الدول المستعمرة على القسم الأكبر من العالم الإسلامي، ووجدت من صنيع الحكومات الإسلامية التي ورثتها ما وجدته في الأوقاف عموماً، وأوقاف الحرمين خصوصاً غب هذه المفسدة، واتخذت منها حجة تستظهر بها في طمس الأوقاف الإسلامية، وإخفاء معالمها.. ويقول كذلك:
وإن الإفرنج عندما غلبوا على بلاد المسلمين، استولوا على كثير من هذه الأوقاف ووهبوها إلى الكنائس، وإلى جمعيات المبشرين، وإلى الرهبان، ورأوا بذلك الجمع بين غرضين مهمين:

أما الغرض الاول:

فهو طمس هذه الأوقاف من أصلها؛ لأن الإفرنج لا يكرهون في الدنيا شيئاً كرههم للأوقاف الإسلامية، ولا يخافون في مستعمراتهم من شيء كمخافتهم منها؛ لأنهم يعتقدون أن المسلمين إذا أحسنوا إدارتها، وضبط حاصلاتها، كان لهم منبع إمداد عظيم في أمورهم السياسية، فلذلك تراهم يسعون بقدر طاقتهم في محو رسومها.

وأما الغرض الثاني:

فهو إمداد المبشرين والرهبان وتوطيد أقدامهم في بلاد الإسلام، ليتمكنوا من بث دعايتهم بين المسلمين، فبدلا من أن هذه الحكومات المستعمرة تشتري لهؤلاء المبشرين والدعاة عقارات، وأراضي من مالها، تجد الأقصد والأوفق أن تصرفهم في أوقاف المسلمين، فتكون أغنتهم من كيس غيرها، وتكون جمعت بين دفع ما تعتقده ضرراً، وجر ما تعتقده منفعة.
ثم يقول أيضاً: وإذا رجعنا إلى أصل البليّة، وجدناها من المسلمين أنفسهم، لأن حكوماتهم لما كانت غير مستقلة؛ ولأن حكوماتهم المستقلة الباقية إلى اليوم، تصرفت بالأوقاف تصرفاً سيئاً مخالفاً للشريعة، منافياً للأمانة، فمهدت للدول المستعمرة العذر في طمسها لهذه الأوقاف أصلاً، إذاً فالتلاعب بالأوقاف والحبوس كان مبدؤه من المسلمين أنفسهم. (6).
ومن أسباب اضمحلال الأوقاف الإسلامية في العصر الحديث كذلك:
تأميم الأوقاف، ومصادرتها، وإلغاؤها بنصوص تشريعية أحياناً، وبتوجيه الممتلكات الوقفية من غير مراعاة للأحكام الشرعية أحياناً، وهذا يحصل في كثير من البلاد الإسلامية.
المصادر:
1- أحكام الأوقاف د/ الكبيسي.
2- الوقف لأبي زهرة ص27.
3- مجموعة القوانين المصرية، للسنهوري 1/ 3 و 4.
4- الوقف لأبي زهرة ص30 وما بعدها.
5- بتصرف من كتاب مجموعة القوانين المصرية للسنهوري 1/3 و 4.
6- الإرتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف. تأليف: شكيب أرسلان، الطبعة الأولى. 1350هـ.



 

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.