
من الطرق اليسيرة في تحصيل الأجر الجزيل، وزيادة الأجر في الميزان عند الله تعالى، أن يلهج المؤمن بذكر الله تعالى في آناء ليله وأطراف نهاره. وذكر الله تعالى لا يكون بالتحميد والتهليل وسائر الأذكار فحسب، بل إن ما ورد من الذكر والدعاء الذي يُتقرب به مصاحباً للأعمال التي يقوم بها المؤمن في نهاره وليله، وفي تحركاته، وسائر شؤونه الكثير، وقد وردت الروايات الكثيرة التي لم تترك لنا عملاً بدون أن تشير إلى سنَّة تصاحبه.
لهذا كانت هذه المقالةالتي نتعرف من خلالها على أهمِّ ما ورد من تلك السنن الشريفة، عسى أن يوفقنا الله تعالى ويكتبنا مع الذاكرين. وهذا مختصِّ بعرض الآداب المتعلقة بالمريض، سواء كانت تتوجه إليه أو إلى من حوله من المؤمنين، تتعرض للآداب العامة للمرض، من أعمال وأذكار، نسأل الله تعالى أن يثيب بها العاملين ويخفف عن المرضى ويزيد في أجرهم وثوابهم. والحمد لله أولاً وآخراً.
1- احتساب المرض والصبر عليه
بأن يلقن المريض نفسه ما أعده الله تعالى من الأجر والثواب في الصبر على الألم، وأنَّ في مرضه هذا إما تكفيراً عن ذنوب اقترفها، أو رفعاً لمقامه ودرجته في الآخرة، وأنَّ في الصبر أجراً عظيماً وثواباً كبيراً عند الله، وليتأمل المريض فيما ورد من الأخبار عن الآل الأطهار، فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: "إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رفع رأسه إلى السماء فتبسم فسئل عن ذلك؟، قال: نعم عجبت لملكين هبطا من السماء إلى الأرض يلتمسان عبداً صالحاً مؤمناً في مصلى كان يصلي فيه ليكتبا له عمله في يومه وليلته فلم يجداه في مصلاه، فعرجا إلى السماء فقالا: ربَّنا! عبدك فلان المؤمن التمسناه في مصلاه لنكتب له عمله ليومه وليلته فلم نصبه فوجدناه في حبالك، فقال الله عزَّ وجل اكتبا لعبدي مثل ما كان يعمل في صحته من الخير في يومه وليلته ما دام في حبالي، فإنَّ عليَّ أن أكتب له أجر ما كان يعمل، إذ حبسته عنه"(1).و عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: "حمَّى ليلة تعدل عبادة سنة، وحمَّى ليلتين تعدل عبادة سنتين، وحمَّى ثلاث ليال تعدل عبادة سبعين سنة، قال الراوي: قلت: فإن لم يبلغ سبعين سنة؟ قال: فلأبيه ولامه، قلت: فإن لم يبلغا؟ فلقرابته، قال: قلت: فإن لم يبلغ قرابته؟ قال: فجيرانه"(2).
وعن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ، عن آبائه عليه السلام في وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام قال:
جهاد في سبيل الله، فإن عوفي مشى في الناس وما عليه من ذنب"(3).
وليعلم السقيم من المؤمنين، أنَّه لو أدرك ما عند الله من ثواب في الصبر على ما ابتلاه به، لتمنى أن يقضي عمره سقيماً محتسباً، فقد روي أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تبسم، فقيل له: مالك يا رسول الله تبسمت؟ فقال: "عجبت من المؤمن وجزعه من السقم، ولو يعلم ما له في السقم من الثواب لأحبَّ أن لا يزال سقيماً حتى يلقى ربَّه عزّ وجل"(4).
2- كتم المرض وترك الشكوى منه
والمراد أن يكتم مرضه ثلاث أيام عن إخوانه وترك الشكاية لهم، فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: "قال الله عز وجل: أيُّما عبد ابتليته ببليَّة فكتم ذلك عوَّاده ثلاثاً أبدلته لحماً خيراً من لحمه، ودماً خيراً من دمه، وبشراً خيراً من بشره، فإن أبقيته أبقيته ولا ذنب له، وإن مات مات إلى رحمتي"(5).وعنه عليه السلام قال: "من اشتكى ليلة فقبلها بقبولها، وأدَّى إلى الله شكرها، كانت كعبادة ستين سنة، فقيل له: ما قبولها؟ قال: يصبر عليها ولا يخبر بما كان فيها، فإذا أصبح حمد الله على ما كان"(6).
وأمَّا ترك الشكوى من المرض فالمراد به أن لا يخبر ما نزل به مستعظماً لذلك، كأن يقول: ما ذاق أحد مثل الألم الذي ذقته، أو لم يبتل امرئ بمثل ما ابتليت به، وما شاكل هذه الأقاويل، وأمَّا مجرد الإخبار بما أصابه فلا يعدُّ من الشكاية، ففي الرواية عن أبي عبد الله عليه السلام حينما سئل عن حدِّ الشكاية للمريض، فقال عليه السلام : "إن الرجل يقول: حممت اليوم وسهرت البارحة وقد صدق، وليس هذا شكاة، وإنَّما الشكوى أنَّ يقول: لقد ابتليت بما لم يبتلَ به أحد، ويقول لقد أصابني ما لم يصب أحداً، وليس الشكوى أن يقول: سهرت البارحة وحممت اليوم ونحو هذا"(7).
كما أنَّ بعض الأخبار أشارت إلى أنَّ الشكاية للمؤمن شكاية إلى الله تعالى، بمعنى إخباره بما ابتلاه به الله تعالى، لا بمعنى الشكاية المذمومة التي سبق ذكرها، وأما الشكاية للكافر فهي شكاية الله تعالى، ففي الرواية عن أبي عبد الله عليه السلام : "أيما مؤمن شكا حاجته وضره إلى كافرٍ أو إلى من يخالفه على دينه فإنَّما شكا الله عزَّ وجلّ إلى عدوٍ من أعداء الله، ثم قال: وأيّما رجلٍ مؤمنٍ شكا حاجته وضره إلى مؤمنٍ مثله كانت شكواه إلى الله عزَّ وجلّ"(8).
3- إيذان المريض إخوانه بمرضه
وذلك لكي يأتوا لزيارته وعيادته، فيكتسب بهم الأجر وصالح الدعوات، ويأنس بإهتمامهم بأمره، وينالوا هم أجر العيادة والتقرب إلى الله تعالى بمواساتهم له، ففي الرواية عن أبي عبد الله عليه السلام يقول: "ينبغي للمريض منكم أن يؤذن إخوانه بمرضه فيعودونه فيوجر فيهم ويؤجرون فيه، فقيل له: نعم فهم يؤجرون فيه بممشاهم إليه، فكيف يؤجر هو فيهم؟ فقال عليه السلام : باكتسابه لهم الحسنات فيؤجر فيهم فيكتب له بذلك عشر حسنات، ويرفع له عشردرجات. ويمحى بها عنه عشر سيئات"(9).4- أن يأذن المريض في الدخول عليه
عيادة المريض شرف يتسارع إليه المؤمنون، فيجلسون عنده ويدعون له بالشفاء، وهذا من النشاطات الاجتماعية التكافلية التي أكد عليها الإسلام وحببها، ولهذا ينبغي للمريض أن لا يحجب من سعى إليه مطمئناً سائلاً عن سلامته ففي الرواية عن الإمام الرضا عليه السلام قال: "إذا مرض أحدكم فليأذن للناس يدخلون عليه، فإنّه ليس من أحدٍ إلا وله دعوة مستجابة..." (10).فضل عيادة المريض
كثرت الأحاديث في تعداد فضل هذا العمل القليل ذي الثواب الجزيل، وسنورد هنا حديثين في فضلها:عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: "من عاد مريضاً من المسلمين وكل الله به أبداً سبعين ألفاً من الملائكة، يغشون رحله، ويسبحون فيه، ويقدسون ويهللون ويكبرون إلى يوم القيامة نصف صلاتهم لعائد المريض"(11) .
وعنه عليه السلام قال: "من عاد مريضاً شيعه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يرجع إلى منزله"(12)
1- التماس العائد دعاء المريض
فيطلب منه الدعاء له، لأنَّ قلبَ المريض يكون متعلقاً وقريباً من الله تعالى، وهذا شعور العبد حين لا يجد إلاَّ مولاه شافياً له، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام : "إذا دخل أحدكم على أخيه عائداً له فليسأله يدعو له فإنَّ دعاءه مثل دعاء الملائكة"(13) .ولأنَّ دعاء المريض مستجابٌ كما أشار لذلك الإمام الصادق عليه السلام فعنه عليه السلام : "ثلاثة دعوتهم مستجابة: الحاجُّ والغازي والمريض، فلا تغيظوهولا تضجروه"(14) .
2- الجلوس عند المريض من غير إطالة
فالمريض سريع التململ، لما يشعر به من الضيق والألم، ويضجر من الضوضاء التي حوله، ويحتاج للسكينة والمكث في الفراش والاسترخاء، لذا استُحب عدم الإطالة في العيادة، ولكن لو طلب المريض من أخيه أن يطيل مكوثه فليطل المكث لديه فعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "إنَّ من أعظم العوائد أجراً عند الله، لمن إذا عاد أخاه خفف الجلوس، إلا أن يكون المريض يحب ذلك ويريده ويسأله ذلك"(15) .3- وضع العائد يده على المريض
وفي ذلك إشعار له بالرأفة لحاله، والاهتمام بأمره، وعدم الخوف من مرضه وما شابهها من المشاعر الإنسانية الطيبة، فعن أمير المؤمنين عليه السلام : "من تمام العيادة أن يضع العائد إحدى يديه على الأخرى، أو على جبهته"(16) .وعن الإمام الصادق عليه السلام : "تمام العيادة أن تضع يدك على المريض إذا دخلت عليه"(17).
4- إحضار الهدية إلى المريض
فالمريض يأنس بما يهدى إليه، كما في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام ، فعن مولى لجعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال: "مرض بعض مواليه فخرجنا إليه نعوده ونحن عدة من موالي جعفر فاستقبلنا جعفر عليه السلام في بعض الطريق فقال لنا: أين تريدون؟ فقلنا نريد فلانا نعوده،فقال: لنا: قفوا فوقفنا، فقال مع أحدكم تفاحة أو سفرجلة،أو أترجة أو لعقة من طيب، أو قطعة من عود بخور ؟ فقلنا ما معنا شيء من هذا، فقال أما تعلمون أنَّ المريض يستريح إلى كل ما ادخل به عليه ؟!" (18)5- قضاء حاجة المريض
ففي ذلك أجر خدمته، وهو من أهداف الإسلام العظيمة كما يقول إمامنا الخميني قدس سره ، وقد كثرت الروايات التي تؤكد على هذه المسألة، وكثرت أيضا في تفصيل ما فيها من الأجر الجزيل، منها ما عن الإمام الصادق، عن آبائه عليه السلام ، عن رسول الله صلى اله عليه وآله وسلم قال: "ومن كفى ضريراً حاجته من حوائج الدنيا، ومشى له فيها حتى يقضي الله له حاجته، أعطاه الله براءةً من النفاق، وبراءةً من النار، وقضى له سبعين حاجةً من حوائج الدنيا،ولا يزال يخوض في رحمة الله حتى يرجع، ومن سعى لمريضٍ في حاجةٍ قضاها أو لم يقضها خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمُّه، فقال رجلٌ من الأنصار: "بأبي أنت وأمِّي يا رسول الله فإن كان المريض من أهل بيته، أوليس أعظم أجراً إذا سعى في حاجة أهل بيته ؟ قال نعم"(19) .6- الصدقة للمريض والصدقة عنه
وهي مستحبَّة على كل حال، وفي المرض خاصّة، فهي تدفع البلاء، وتدفع ميتة السوء، فعن أبي جعفر الباقر عن آبائه عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : داووا مرضاكم بالصدقة"(20) .بل وصفتها الرواية بالدواء، فعن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام :أنَّ رجلاً شكا إليه، أنني
في عشرة نفرٍ من العيال كلهم مريض، فقال له الإمام عليه السلام : "داوهم بالصدقة، فليس شيء أسرع إجابة من الصدقة، ولا أجدى منفعة للمريض من الصدقة"(21) .
الأذكار والأدعية للأمراض والأوجاع
جاء في الروايات الشريفة الكثير من الأذكار التي تقال في الأوجاع عامة، وفي بعض الأوجاع خاصةً، وسنشير لبعض ما جاء من هذه الأذكار، سائلين الله الرفق بنا فيما نبتلى به، إنَّه سميع مجيب.1- ما يقال عند الآلام العامة في الجسد
قال أمير المؤمنين عليه السلام:"من أصابه ألم في جسده فليعوِّذ نفسه وليقل: أعوذ بعزَّة الله وقدرته على الأشياء، أعيذ نفسي بجبَّار السماء،أعيذ نفسي بمن لا يضرُّ مع اسمه سمُّ ولا داء، أعيذ نفسي بالَّذي اسمه بركة وشفاء، فإنَّه إذا قال: ذلك لم يضره ألم ولا داء"(22) .عن الحارث الأعور قال: شكوت إلى أمير المؤمنين عليه السلام ألماً ووجعاً في جسدي ؟، فقال عليه السلام:"إذا اشتكى أحدكم فليقل: باسم الله وبالله وصلى الله على رسول الله وآله، وأعوذ بعزة الله وقدرته على ما يشاء من شر ما أجد فإنه إذا قال ذلك صرف الله عنه الداء إن شاء الله"(23) .
عن الإمام الصادق عليه السلام:"ما اشتكى أحد من المؤمنين شكايةً قط فقال بإخلاص نية ومسح موضع العلة﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا﴾(24) إلاعوفي من تلك العلة أية علة كانت، ومصداق ذلك في الآية حيث يقول: "شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ"" (25) .
2- ما يقال عند وجع الرأس الصداع
عن الإمام الباقر عليه السلام قال:"من اشتكى رأسه فليمسحه بيده وليقل: أعوذ بالله الذي سكن له ما في البر والبحر، وما في السماوات والأرض، وهو السميع العليم، سبع مرات فإنَّه يرفع عنه الوجع"(26) .عن الإمام الصادق عليه السلام قال الراوي شكوت إليه وجع رأسي وما أجد منه ليلاً ونهاراً، فقال:"ضع يدك عليه وقل: باسم الله الذي لا يضرُّ مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، اللهمَّ إنِّي أستجير بك بما استجار به محمد صلى الله عليه وآله لنفسه، سبع مرات فإنه يسكن ذلك عنه بإذن الله تعالى وحسن توفيقه"(27) .
"إنَّ جبرئيل عليه السلام نزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والنبي مصدع فقال: يا محمد عوِّذ صداعك بهذه العوذة يخفف الله عنك، وقال: يا محمد من عوِّذ بهذه العوذة سبع مرات على أي وجع يصيبه شفاه الله بإذنه، تمسح بيدك على الموضع وتقول: باسم الله ربِّنا الذي في السماء، تقدَّس ذكر ربِّنا الذي في السماء والأرض أمره نافذٌ ماضٍ، كما أنَّ أمره في السماء، اجعل رحمتك في الأرض واغفر لنا ذنوبنا وخطايانا يا ربَّ الطَّيِّبين الطاهرين، أنزل شفاءً من شفائك ورحمةً من رحمتك على فلان ابن فلانة، وتسمي اسمه"(28) .
3- ما يقال عند وجع السرة
" شكى رجل إلى أبي عبد الله الصادق عليه السلام وجع السرة فقال له: اذهب فضع يدك على الموضع الذي تشتكي وقل: "وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ" (29) ثلاثا فإنَّك تعافي بإذن الله"(30) .4- ما يقال عند وجع الظهر
عن الإمام الباقر عليه السلام قال:"شكا رجل إلى علي عليه السلام وجع الظهر وأنَّه يسهر الليل فقال: ضع يدك على الموضع الذي تشتكي منه واقرأ ثلاثاً: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ)(31) واقرأ سبع مرات: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)(32) إلى آخرها فإنَّك تعافي من العلل إن شاء الله"(33) .5- ما يقال عند ظهور الورم
عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال:"إقرأ على كل ورم آخر سورة الحشر: "لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ" (34) إلى آخرها واتفل عليها ثلاثاً فإنَّه يسكن بإذن الله"(35) .الوصية
(كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)(36) .بعد أن تحدثنا عن آداب المحتضر وما على من يحضره من السنن ، بقي علينا أن نلقي نظرة على الوصيَّة ، وهي ما يوصي الإنسان به من أعمال يقام بها من بعد وفاته.
والوصيَّة واجبة فيما لو كان على الميت حقوق، يقول الإمام الخميني قدس سره : "إذا ظهرت للإنسان أمارات الموت يجب عليه إيصال ما عنده من أموال الناس من الودائع والبضائع ونحوها إلى أربابها، وكذا أداء ما عليه خالقيَّاً، كقضاء الصلوات والصيام والكفارات وغيرها، أو خلقياً إلا الديون المؤجلة، ولو لم يتمكن من الإيصال والإتيان بنفسه يجب عليه أن يوصي بإيصال ما عنده من أموال الناس إليهم، والإشهاد عليها خصوصاً إذا خفيت على الورثة، وكذا بأداء ما عليه من الحقوق الماليَّة خلقيَّاً كالديون، والضمانات، والديَّات، وأروش الجنايات، أو خالقيَّاً كالخمس والزكاة والكفارات ونحوها، بل يجب عليه أن يوصي بأن يستأجر عنه ما عليه من الواجبات البدنية مما يصح فيها الإستيناب والاستئجار، كقضاء الصلاة والصوم إن لم يكن له وليٌّ يقضيها عنه"(37) .
ولو لم يكن عى الميت حقوق يستحب له الوصية. وسنلقي الضوء فيما يلي على آداب الوصية سائلين الله تعالى حسن الخاتمة.
فضل الوصية
إذا طالعنا الأحاديث الواردة عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله والآل الأطهار عليه السلام ، نجد أنَّها أكدت على أهميَّة الوصيَّة بشكل لافت، حتى أنَّ بعض هذه الروايات شددت على أن لا ينام المؤمن إلا والوصيَّة تحت رأسه، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله : "ما ينبغي لامرئ مسلم أن يبيت ليلة إلا ووصيَّته تحت رأسه"(38) .ومن الروايات التي تحدثت عن فضل الوصيَّة وأهميتَّها ما روي عنه صلى الله عليه وآله : "من مات على وصيَّة مات على سبيل وسنَّة، ومات على تقى وشهادة،ومات مغفوراً له"(39) .
وقد سمَّتها بعض الروايات براحة الموت ، لأنَّ المؤمن يبرئ ذمته فيموت مرتاحاً ، فعن الإمام الصادق عليه السلام : "ما من ميت تحضره الوفاة إلا رد الله عليه من سمعه وبصره وعقله للوصيَّة، أخذ الوصيَّة أوترك، وهي الراحة التي يقال لها راحة الموت، فهي حقٌّ على كلِّ مسلم"(40) .
من آداب الوصيَّة
1- الإيصاء بالثلث في أعمال الخير
فإنَّه يجوز للميت أن يوصي بثلث ماله لمن أحب وفيما أراد، يقول الإمام الخميني قدس سره :"للموصي تعيين ثلثه في عين مخصوصة من التركة، وله تفويض التعيين إلى الوصي، فيتعين فيما عيَّنه...، إنَّما يحسب الثلث بعد إخراج ما يُخرج من الأصل كالدَيْن والواجبات المالية، فإن بقي بعد ذلك شيء يخرج ثلثه"(41) .فهذا الثلث هو فرصة لكلِّ مؤمن يحب أن يبذر شيئاً لآخرته ، فيمكنه أن يقدِّمه في سبيل الله، أو صدقةً جاريةً يجري عليه أجرها بعد انتقاله إلى عالمٍ تنقطع عنه فيه الموارد ، فعن الإمام الباقر عليه السلام قال: " إنَّ الله تبارك وتعالى يقول: يا ابن آدم تطوَّلت عليك بثلاث، سترت عليك ما لو يعلم به أهلك ما واروك، وأوسعت عليك فاستقرضت منك فلم تقدم خيراً، وجعلت لك نظرة عند موتك في ثلثك فلم تقدم خيراً"(42) .
وعن الإمام الصادق عليه السلام : "ستة تلحق المؤمن بعد وفاته: ولد يستغفر له، ومصحف يخلفه، وغرس يغرسه، وبئر يحفرها، وصدقة يجريها، وسنَّة يؤخذ بها من بعده"(43) .
2- نص الوصيَّة
فمع أنَّ الوصيَّة مستحبة بشكل عام، ويصحُّ أن تقع بأي عبارة مفهومة وصريحة ودالة على ما يريد الموصي ، إلا أنَّ بعض الروايات أرشدتنا لهيئةٍ معينةٍ من الوصيَّة ، وهي الوصيَّة التي علمها جبرائيل عليه السلام للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله ، وعلمها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام ، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من لم يحسن وصيَّته عند الموت كان نقصاً في مروءته وعقله، قيل: يا رسول الله وكيف يوصي الميت ؟ قال: إذا حضرته وفاته واجتمع الناس إليه قال: " اللهُمَّ فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، اللهمَّ إنِّي أعهد إليك في دار الدنيا أنِّي أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأنَّ محمَّداً عبدك ورسولك، وأنَّ الجنة حق، والنار وأنَّ البعث حق، والحساب حق، والصراط حقٌ، والقدر والميزان حق، وأنَّ الدين كما وصفت، وأنَّ الإسلام كما شرعت، وأنَّ القول كما حدثت، وأنَّ القرآن كما أنزلت، وأنَّك أنت الله الحقُّ المبين، جزى الله محمَّداً عنَّا خير الجزاء وحيَّا الله محمداً وآلَ محمَّدٍ بالسَلام، اللهمَّ يا عدَّتي عند كربتي، ويا صاحبي عند شدَّتي، ويا وليَّ نعمتي، إلهي وإله آبائي لا تكلني إلى نفسي طرفة عينٍ، فإنَّك إن تكلني إلى نفسي أقرب من الشرِّ ، وأبعد من الخير، فآنس في القبر وحشتي، واجعل لي عهداً يوم ألقاك منشوراً ثم يوصي بحاجته. وتصديق هذه الوصيَّة في القرآن في السورة التي تذكر فيها مريم في قوله عز وجل: (لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا)(44)، فهذا عهد الميت، والوصيَّة حقٌّ على كل مسلم، وحقٌّ عليه أن يحفظ هذه الوصيَّة ويعلمها،قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وسلامه: علمنيها رسول الله صلى الله عليه وآله، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: علمنيها جبرئيل عليه السلام " (45) .3- عدم الجور في الوصيَّة
والمراد به الإجحاف بحق من يوصي لهم ، فيميِّز بعضاً ويوصي لهم بما فوق الثلث ، أو يوصي بأن يفعل في ماله الحرام والعياذ بالله ، فعن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ، عن أبيه الإمام الباقر عليه السلام قال: "من عدل في وصيِّته كان بمنزلة من تصدَّق بها في حياته، ومن جار في وصيته لقي الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة وهو عنه معرض"(46) .وفي الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام : "قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجلٍ توفي وأوصى بماله كلِّه أو أكثره، فقال له: الوصيَّة تردُّ إلى المعروف ... فمن ظلم نفسه وأتى في وصيته المنكر والحيف ،فإنها تردُّ إلى المعروف، ويترك لأهل الميراث ميراثهم..." (47) .
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله : "إنَّ الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة سبعين سنة، فيحيف في وصيَّته فيختم له بعمل أهل النار، وإنَّ الرجل ليعمل بعمل أهل النار سبعين سنة، فيعدل في وصيَّته فيختم له بعمل أهل الجنة، ثم قرأ: "ومن يتعدَّ حدود الله" وقال: تلك حدود الله"(48) .
المصادر :
1- الحر العاملي- محمد بن الحسن- وسائل الشيعة- مؤسسة أهل البيت- الطبعة الثانية 1414 ه.ق.- ج 2- ص 397
2- م.ن.- ج 2- ص 400
3- الحر العاملي- محمد بن الحسن- وسائل الشيعة- مؤسسة أهل البيت- الطبعة الثانية 1414 ه.ق.- ج 2- ص 400
4- م.ن.- ج 2- ص 402- 403
5- - الحر العاملي- محمد بن الحسن- وسائل الشيعة- مؤسسة أهل البيت- الطبعة الثانية 1414 ه.ق.- ج 2- ص 405
6- م. ن.- ج 2- ص 405- 406
7- الحر العاملي- محمد بن الحسن- وسائل الشيعة- مؤسسة أهل البيت- الطبعة الثانية 1414 ه.ق.- ج 2- ص 410
8- الحر العاملي- محمد بن الحسن- وسائل الشيعة- مؤسسة أهل البيت- الطبعة الثانية 1414 ه.ق.- ج 2- ص 411
9- الحر العاملي- محمد بن الحسن- وسائل الشيعة- مؤسسة أهل البيت- الطبعة الثانية 1414 ه.ق.- ج 2- ص 413
10- م. ن.- ج 2- ص414
11- الحر العاملي-محمد بن الحسن-وسائل الشيعة-مؤسسة أهل البيت-الطبعة الثانية 1414 ه.ق.-ج 2-ص 414-415
12- الحر العاملي-محمد بن الحسن-وسائل الشيعة-مؤسسة أهل البيت-الطبعة الثانية 1414 ه.ق.-ج 2-ص 415
13- م. ن.-ج 2-ص 420
14- م. ن.-ج 2-ص 420
15- الحر العاملي-محمد بن الحسن-وسائل الشيعة-مؤسسة أهل البيت-الطبعة الثانية 1414 ه.ق.-ج 2-ص 426
16- الحر العاملي-محمد بن الحسن-وسائل الشيعة-مؤسسة أهل البيت-الطبعة الثانية 1414 ه.ق.-ج 2-ص 426
17- م. ن.-ج 2-ص 426
18- الحر العاملي-محمد بن الحسن-وسائل الشيعة-مؤسسة أهل البيت-الطبعة الثانية 1414 ه.ق.-ج 2-ص 427
19- الحر العاملي-محمد بن الحسن-وسائل الشيعة-مؤسسة أهل البيت-الطبعة الثانية 1414 ه.ق.-ج 2-ص 427-428
20- م.ن-ج 2-ص 433
21- الحر العاملي-محمد بن الحسن-وسائل الشيعة-مؤسسة أهل البيت-الطبعة الثانية 1414 ه.ق.-ج 2-ص 433
22- الحر العاملي- محمد بن الحسن- وسائل الشيعة- مؤسسة أهل البيت- الطبعة الثانية 1414 ه.ق.- ج 2- ص 422
23- م.ن- ج 2- ص 422
24- الإسراء: 82
25- الحر العاملي- محمد بن الحسن- وسائل الشيعة- مؤسسة أهل البيت- الطبعة الثانية 1414 ه.ق.- ج 2- ص 424
26- م.ن- ج 2- ص 422
27- الحر العاملي- محمد بن الحسن- وسائل الشيعة- مؤسسة أهل البيت- الطبعة الثانية 1414 ه.ق.- ج 2- ص 423
28- م.ن- ج 2- ص 423
29- فصلت: 41- 42
30- الحر العاملي- محمد بن الحسن- وسائل الشيعة- مؤسسة أهل البيت- الطبعة الثانية 1414 ه.ق.- ج 2- ص 423
31- آل عمران: 145
32- القدر: 1
33- الحر العاملي- محمد بن الحسن- وسائل الشيعة- مؤسسة أهل البيت- الطبعة الثانية 1414 ه.ق.- ج 2- ص 424
34- الحشر: 21
35- الحر العاملي- محمد بن الحسن- وسائل الشيعة- مؤسسة أهل البيت- الطبعة الثانية 1414 ه.ق.- ج 2- ص 424
36- سورة البقرة : 180
37- الخميني - روح الله الموسوي - تحرير الوسيلة - دار الكتب العلمية - اسماعيليان - قم - ج 2 ص 93
38- الريشهري- محمد- ميزان الحكمة- دار الحديث ، الطبعة الأولى- ج 4 ص 3550
39- الريشهري- محمد- ميزان الحكمة- دار الحديث ، الطبعة الأولى- ج 4 ص 3550
40- الصدوق381هـ.- – علي ابن الحسين- من لا يحضره الفقيه - جامعة المدرسين – الطبعة الثانية 1404 هـ .- ج 4 - ص 180
41- الخميني - روح الله الموسوي - تحرير الوسيلة - دار الكتب العلمية - اسماعيليان - قم - ج 2 ص 99
42- الصدوق381هـ.- – علي ابن الحسين- من لا يحضره الفقيه - جامعة المدرسين – الطبعة الثانية 1404 هـ . - ج 4 - ص 181
43- الصدوق381هـ.- – علي ابن الحسين- من لا يحضره الفقيه - جامعة المدرسين – الطبعة الثانية 1404 هـ . - ج 4 - ص 246
44- سورة مريم : 87
45- الصدوق381ه.- – علي ابن الحسين- من لا يحضره الفقيه - جامعة المدرسين – الطبعة الثانية 1404 هـ . - - ج 4 - ص 187 - 188
46- م.ن - ج 4 - ص 184
47- الحر العاملي - محمد بن الحسن - وسائل الشيعة - مؤسسة أهل البيت عليه السلام - الطبعة الثانية 1414 ه.ق- ج 19 ص 267
48- الميرزا النوري - مستدرك الوسائل - مؤسسة آل البيت عليه السلام لإحياء التراث - بيروت - لبنان - ج 14 ص 93
/ج