المرأة و التنمية الاقتصادية

يرتبط مفهوم الاقتصاد بحسن إصلاح المال، وتدبير الثروات الفردية والاجتماعية بين مذمَّتي الإسراف والتقتير من جهة: الإنفاق، والادخار، والتنمية، والتوزيع، فقانونه العام هو التوازن بين الدخل والإنفاق، وهو عند الفرد مرتبط- إلى حد كبير-
Monday, July 27, 2015
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
المرأة و التنمية الاقتصادية
 المرأة و التنمية الاقتصادية

 






 

يرتبط مفهوم الاقتصاد بحسن إصلاح المال، وتدبير الثروات الفردية والاجتماعية بين مذمَّتي الإسراف والتقتير من جهة: الإنفاق، والادخار، والتنمية، والتوزيع، فقانونه العام هو التوازن بين الدخل والإنفاق، وهو عند الفرد مرتبط- إلى حد كبير- برشده العقلي وحسن أدائه؛ "بمعنى أن يتصرف لتحقيق أكبر قدر من منفعته الشخصية في حدود ظروفه الاقتصادية المتاحة، ويُعتبر هذا الفرض هو الأساس الأول الذي يُبنى عليه علم الاقتصاد بجميع اتجاهاته الفكرية"، ولهذا جُعل الاقتصاد في الأمور القولية والفعلية جزءاً من النبوة، وعلامة دالة على رجاحة العقل، وكمال الفهم، ووسيلة حسنة لدفع الفقر، وفي الخبر: "ما عال من اقتصد"، والمراجع للسنة النبوية يجدها حافلة بالتوجيهات الكثيرة الرامية للتدبير والاقتصاد والاعتدال، ففي "الوقت الذي يعتبر الإسلام الاستهلاك عبادة شرعية فإنه يسعى - في الوقت نفسه - إلى تنظيمه ضمن ضابط الوسط، ويربط بينه وبين ظروف المجتمع، ويحدد نوع السلع والخدمات التي يجوز استخدامها، ليصل في النهاية إلى السلوك الراشد، الذي يشكِّل الزهد جانباً كبيراً من مضمونه".
وقد شهد التاريخ الإسلامي مصداق ذلك من واقع الحياة العملية فقد كان التبذير المالي على أيدي النساء سبب هلاك كثير من الأسر الغنية، وذهاب ثرواتها، كما أن ضبطهن المالي وحسن تدبيرهن كان - في الجانب الآخر- لبعض الأسر عصمة من الفقر وذل الحاجة، وفي هذا يقول المولى عز وجل منبِّهاً إلى الاعتدال: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا} (1)
ومن هذا المنطلق المهم تظهر أهمية تربية الفتاة على حسن التدبير المالي، وتهذيب نفسها بآداب التخلية والإمساك خاصة إذا عُلم أن (85%) من الدخل القومي العالمي يصرف عبر أيدي ربات البيوت؛ ولهذا أخذ عليهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يغششن أزواجهن بسوء تصرفهن المالي، ومع ذلك فقد كان نساء ذلك الزمن - في العموم- ممن يُعوَّل عليهن في ضبط الاقتصاد المنزلي، وحسن التدبير المالي، في حين خفَّ الضبط كثيراً في نساء وفتيات الأزمنة المتأخرة والمعاصرة من حيث مظاهر الترف: في الملابس، والزينة، والحفلات، وسوء التدبير العام، حتى أصبحت العلاقة واضحة بين زيادة دخل الفرد، وبين إنفاقه على الكماليات، حيث طغت العوامل النفسية بمظاهرها الفنية والاستعراضية على حاجات الفرد الفسيولوجية الفعلية، وأصبح السلوك الاستهلاكي طابعاً عاماً له، ولاسيما في سلوك المرأة العاملة، التي كثيراً ما تستهلك ما تنتجه بصورة كبيرة في الكماليات الزائدة غير الضرورية، حيث يبلغ تأثير النساء قمته فيما يتعلق بقرارات الاستهلاك الأسرية، وينخفض إلى أقل درجة فيما يتعلق بالشؤون العامة، فليست لغالب النساء قضية أو اهتمام إلا ما كان متعلقاً بمتعهن وملذاتهن الاستهلاكية.
إن ميدان الإسراف في الزينة بمظاهرها المختلفة أعظم ميادين الصراع التربوي، وأشد مواقع انهزام النساء، فما زال الإفراط في الزينة منذ القديم باباً واسعاً للتبذير، ومجالاً اقتصادياً رحباً للاتجار؛ فإن "أروج تجارة في العالم هي تلك التي تتصل بكل ما تلبسه المرأة وتتزين به وتتجمَّل في مختلف أطوار حياتها"، حيث يشنُّ المنتجون الاستغلاليون حملاتهم الدعائية المسعورة على المستهلكين عبر وسائل الإعلام المختلفة، مستخدمين في ذلك المشاهير من النجوم؛ لإقناعهم بحاجتهم المستمرة للشراء، منطلقين في ذلك من شهوات الإنسان، لاسيما شهوتي الفرج والبطن، فيفتنونهم بالصورة الحسنة، والمعروضات الجميلة المنمَّقة، ويصبح الشباب -في كل ذلك- أكثر فئات المجتمع تأثرًا وانصياعاً لهذه الإعلانات الدعائية، حيث تكوِّن في نفوسهم مواقف إيجابية تجاه السلع المعلن عنها، وتكون الموضة، والعلامة التجارية، وأسلوب العرض، والألوان أكثر المتغيرات تأثيرا في الإناث، وأبلغها استهواءً لهن، ومن ثمَّ تقوم أنظمة البنوك الحديثة من خلال بطاقات الائتمان بمسايرة المستهلكين المفتونين في تحقيق رغباتهم الاستهلاكية بصورة مستمرة ومباشرة؛ لذا فإن أعظم ساحة للإعلان التجاري هي تلك الساحة التي تتصل باستهواء الفتيات، واستغلال جوعهن إلى الزينة، كما أن أشد ما يرهق ميزانية الأسرة، ويثير المشكلات هي تلك المصروفات المتصلة بالزينة، وحتى الفتاة العاملة التي لا تعتمد على أسرتها أو زوجها في نفقات زينتها؛ فإن عملها لا يزيدها إلا استهلاكاً للملابس، والحلي، ومستحضرات التجميل.
إن من الضروري -والحالة هذه- أن تتربى الفتاة المسلمة المعاصرة على أن الإنفاق نوعان أحدهما مشروع والآخر ممنوع، كما أن الكسب فيه ما هو مباح، وفيه ما هو محرم، فلا يكفي الفتاة عذراً أن تكون منتجة فتستهلك وتنفق كيفما تشاء، كما أنه لا يُعفيها أن تكون غنية فتتصرف في ملكها دون حساب؛ إذ إن الثروة في التصور الإسلامي - مع ما فيها من الاستمتاع- ابتلاء رباني، ومسؤولية اقتصادية من جهة الكسب ومن جهة الإنفاق، وضابط الفتاة في كل هذا ليس حجم الإنفاق -قليلاً أو كثيراً- وإنما موقعه من الحق أو الباطل، بحيث يصبح في حسها أن كل إنفاق -مهما كان حقيراً - في غير وجهه فهو ممقوت، ولا يكون ضابطها أيضاً العادة المُستحكمة التي تفرض نفسها عليها لا لكونها حاجة تتأذى بنقصها، ولكن لمجرد كونها عادة اعتادت الإنفاق عليها.
ولما كان عامل "الادخار هو الفرق بين الدخل والاستهلاك"، فإن من الضروري إحياء القيمة التنموية لهذا العامل، لما تعكسه هذه القيمة من آثار إيجابية على اقتصاديات الفتاة وأسرتها، بحيث تصبح هذه القيمة جزءاً أصيلاً من تكوين شخصية الفتاة: من جهة القناعة الفكرية، ومن جهة السلوك الاستهلاكي، فتعرف وتراعي مراتب الأحكام الخمسة في استخدامها المالي: الواجب، والمستحب، والمباح، والمكروه، والمحرم، فلا يكون إنفاقها إلا في منفعة ومصلحة، وما بقي فللادخار والاستثمار.
إن تربية الفتاة على هذا النمط الاقتصادي المنضبط هو حجر الزاوية في التنمية الاقتصادية العائلية، فقد أثبتت التجربة براعة الفتيات الحاذقات في إدارة الاقتصاد الأسري، وفي الجانب الآخر، فإن إهمال تربيتها على الضبط المالي وحسن تدبير الثروة ينعكس سلباً على اقتصاديات الفتاة وأسرتها، فتصبح أداة تخريب اقتصادي، وتدمير عائلي، وبالتالي تصبح أسرتها معول هدم لاقتصاد البلاد العام.

ضرورة تربية الفتاة على القناعة الاقتصادية

إذا تربَّت الفتاة على أن تكون منتجة نافعة، ومنضبطة في إنفاقها المالي، مهتمة بالادخار: فإن هذا لا يعني بالضرورة أن تكون في سعة اقتصادية، فإن قضاء الله غالب، وقدره نافذ، بل قد تكون الفتاة مُخفقة في إنتاجها، ومبذرة في إنفاقها ومع ذلك فقد تبقى في بحبوحة من العيش، فليس للفتاة المسلمة المنتجة المنضبطة سوى الرضا والقناعة بمكانتها الاقتصادية، دون الالتفات إلى الوسط الاجتماعي الذي غالباً ما يقدر الناس على حسب منازلهم من الثروات المالية؛ فإن هذا يَلْزَمُ منه العنت، وقلِّة الشكر، والشكوى الدائمة، والتذمر من حالها، وربما اندفعت إلى الحسد والغيرة من قريناتها، أو انساقت تحت وطأة بهرج الحياة الدنيا وزينتها نحو الفواحش فتبيع جسدها، أو تمدُّ يدها لما لا يحلُّ لها من أموال الناس، رغبة في مزيد من الإشباع، وأقل ما يمكن أن تعمله الفتاة غير الراضية عن وضعها الاقتصادي أن تعكِّر على أفراد أسرتها صفو حياتهم بتكرار نقدها، وإظهار سخطها، وكثرة تذمُّرها؛ ولهذا يحثُّ الرسول صلى الله عليه وسلم على الزهد، والرضا بالكفاف، والقناعة بذلك فيقول:(طوبى لمن هُديَ إلى الإسلام، وكان عيشُهُ كفافاً، وقنَّعَهُ الله به).
ولقد انصبغت الحياة الحضارية المعاصرة بالصبغة المادية الصرفة، وأصبح إنسان اليوم - في كثير من الأحيان- إنساناً برجماتياً مادياً، لا يعرف من السلوك إلا ما يحقق مصلحته المادية، فقد فرِّغت أفعاله من أي قيمة دينية أو خلقية، وإنما همُّه ما يترتب على سلوكه من أرباح مادية، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم حين يقول:(ألا إن الدينار والدرهم أهلكا من كان قبلكم، وهما مُهلكاكُم).
إن من الضروري أن تتربى الفتاة على الزهد والقناعة الاقتصادية فترضى بالقليل، وتكف نفسها عما لا يحل لها، حتى يدخلها الحرج من مجرَّد مسِّ الثوب الذي لا تملك، ويصبح معيار الامتياز الاجتماعي في حسِّها للجهد والعمل وليس لحجم الملكيات والثروات؛ فإن المال -كما هو المفروض- لا يعطي الإنسان مكانته الاجتماعية؛ فإن المكانة للعلم والأخلاق والتقوى، مع قناعتها التامة بأن رزقها المقدَّر في وقته وحجمه لن يفوتها مهما كانت قسوة ظروفها الاقتصادية والاجتماعية، فلا يعطِّل ذلك استمرار عطائها الأسري، واستثمار جهدها الاقتصادي داخل نطاق العائلة حتى وإن لم يتحقق للأسرة درجة الغنى؛ فإن من الصعوبة بمكان -في ظروف الحياة الاقتصادية المعاصرة- أن يتحقق الغنى لكل أسرة في المجتمع، فما زال هناك فقراء في كل بلاد الدنيا حتى الغنية منها والمتقدمة.
ولعل مما يُعين الفتاة على ذلك علْمها بأن القناعة بالمكانة الاقتصادية ضرورة تربوية لكل أحد غنياً كان أو فقيراً؛ فإن النفس الإنسانية إذا لم تتهذب بآداب الشرع، ولم تترق في درجات الكمال: لا يشبعها شيء من ثروات الدنيا مهما كان عظيماً؛ لأن الغنى الحقيقي هو غنى النفس، وقد جاء في التوراة: "من قنع شبع"، وما زال الناس بالفطرة يسعون منذ القدم في تلبية حاجاتهم الاقتصادية المختلفة، وإنما الاختلاف بينهم يقع في درجة الإشباع وأسلوبه، وليس في حجم الوفرة الاقتصادية، مما يجعل المشكلة تنحصر في الإنسان ذاته الذي يحتاج دائماً إلى تهذيب وتربية ليرقى إلى درجات القناعة الاقتصادية، فعلى الرغم من أن قلَّة الموارد الاقتصادية تزعج الإنسان، وتثير لديه المشكلات: إلا أن حدَّتها تقل وتضعف بحسب قوة صلته بالله تعالى، وقد أشار كثير من علماء النفس المعاصرين إلى أن السعادة التي يتطلع إليها الفرد إنما تنبع من ذاته، وليست تتأتى من كثرة الأشياء والممتلكات، كما أشارت العديد من الدراسات الحديثة إلى وجود علاقة بين الترف الحضاري وبين التوتر النفسي؛ ولهذا يُلحظ في حال السلف رضوان الله عليهم الاستقرار النفسي في حال الشدة والرخاء على حد سواء، حتى إن أحدهم قد يتلذذ بالفقر كما يتلذذ الناس اليوم بالغنى.
ومما ينبغي أن تعرفه الفتاة أيضاً: أن الوفرة الاقتصادية لا تأتي بالخير بصورة دائمة فقد يكون فيها كثير من الشر على الأسرة والمجتمع، وأقل ما تسببه الوفرة المالية - رغم ما تحمله من الخير- أن تعرض الشخص للحرام حين يتوسع في المباحات، فإن "من استوعب الحلال: تاقت نفسه إلى الحرام"؛ لذا فإن المترفين في "العادة أكثر الناس استغراقاً في المتاع، وأقربهم إلى الانحراف، وأبعدهم عن التفكير في المصير؛ لأن كثرة المال تدعو إلى السيادة في الدنيا، والخلود إلى المتعة والراحة، وتهوِّن على النفس عمل الفسق، فترتع فيه، وتستهتر بالقيم فلا تبالي بها، وتتعاظم بمالها، على حقوق الآخرين، حتى إن الإنسان قد يكون في أصل الأمر صالحاً في نفسه إلا أن كثرة المال والجاه تعميه عن الحقيقة"؛ ولهذا خشيَ أبو الدرداء رضي الله عنه على ابنته من فتنة الدنيا حين أعرض عن تزويجها من الأمير يزيد بن معاوية، وزوجها من رجل صالح فقير، ثم قال معللاً فعله هذا: "إني نظرت للدرداء، ما ظنكم بالدرداء إذا قامت على رأسها الخصيان، ونظرت في بيوت يلتمع فيها بصرها، أين دينها منها يومئذ؟".

تدريب الفتاة على العمل الحِرَفي المُنتج

المقصود بالعمل المنتج هو العمل الصالح بمعناه العام أياً كان معنوياً أو مادياً، بحيث تنتج الفتاة في هذا الرصيد الصالح بقدر ما تستهلك على الأقل، فلا يفوتها ضمن زمن التكليف والقدرة ساعة في غير إنتاج إيجابي جاد: فالذكر، والكلمة الطيبة، والتفكر الناضج، والنية الصادقة كلُّها عمل صالح مثمر، كما أن الحرفة والمهنة من وسائل الإنتاج الصالحة.
ورغم سعة الإنتاج الإيجابي في الميدانين المعنوي والمادي فإن صفتي الفتور والغفلة كثيراً ما تكتنفهما فتطبع الميدان المعنوي بالذهول، وتطبع الميدان المادي بالكسل، فرغم وضوح القيمة الإنتاجية الصالحة للعمل المعنوي في المجتمع المسلم؛ فإن قبول العمل اليدوي المُنتج يكتنفه الغموض والشك في كونه قيمة إنتاجية صالحة تستجلب الثواب الرباني، وتستحق التقدير الاجتماعي، حتى إن الهروب منه، والترفع عنه يكاد يصبح صفة اجتماعية عامة للشباب عموماً، وللفتيات خصوصاً، وذلك رغم الحث الدولي العام للدول النامية نحو العمل الفني بشعبه المختلفة، والتشجيع المستمر من الجهات المحلية المختصة.
إن مما لاشك فيه أن للنظام التعليمي في البلاد الإسلامية دوراً كبيراً في إضعاف مكانة العمل اليدوي في نفوس الشباب والفتيات، كما أن الطبيعة الاستهلاكية التي أفرزتها الحضارة الصناعية المعاصرة أسهمت هي الأخرى في إضعاف دور المنزل كوحدة إنتاج واستهلاك اقتصادي في وقت واحد، إلا أن أهم من هذا كلِّه الذهول الاجتماعي عن مكانة اليد الصانعة المنتجة في التصور الإسلامي، حيث يغفل المجتمع عن الإجلال الكبير الذي يوليه الإسلام للصُّنَّاع عموماً على اختلاف مراتبهم، ابتداء من مهارات المنزل اليدوية السهلة كالطبخ ونحوه، وانتهاء بأعلى مهارات الإنتاج الصناعي والحرفي المُتقن.
إن المجتمع الإسلامي الفاعل، الذي يعيش الفكرة الإسلامية يحارب البطالة في كل صورها، ويعتبر "العمل من أهم طرق الكسب وتحقيق الثروة"، ويجعل من الحرفة الشريفة درعاً للكرامة والعزة الإنسانية، وعلامة صادقة على كمال المروءة والعفة، .
ومن هنا يبرز دور التربية الإسلامية في إعداد المناخ الاجتماعي والاقتصادي الملائم لعملية التنمية من خلال "توفير الجو الإيماني الذي ينمو فيه الأفراد متمسكين بقيم الإسلام في العمل والإنتاج والاستهلاك"، بحيث تنشأ الفتاة منذ الطفولة على أن تكون شخصية إنسانية منتجة، وعضواً اجتماعياً نافعاً، ابتداء من مهارات الخدمة الأسرية، وانتهاء بجميع الحرف المنزلية، فلا تبلغ الفتاة سن المحيض إلا وقد استوعبت صناعات أهلها، وعرفت جلَّ حرف محَلَّتها، فلا يبقى عليها بعد ضرب الحجاب إلا التدريب العملي المكثف على إتقان هذه المهارات، ورفع مستوى كفاءتها الإنتاجية؛ فإن بلوغها درجة الصنعة لا يحصل لها إلا باجتماع العلم والممارسة.
ولا يُشترط للإنتاج في مثل هذه المهارات - خاصة في الدول النامية- التكلفة الباهظة، ولا التقنية العالية؛ بل إنها تقوم عادة على أقل مما يُتخيل من المواد والمعارف، فقد تتعلم الفتاة الراغبة بعض المهارات الحرفية بغير مُعلِّم مباشر، وتُنتج اقتصادياً بأسهل الوسائل، ولا ينبغي أن يُستنكر هذا؛ فإن الفتاة في الأسرة الجادة منتجة منذ الطفولة.

دور المرأة في التنمية الاقتصادية

تشهد المجتمعات الإنسانية المعاصرة توسعاً مذهلاً لم يسبق له مثيل في استغلال جهود النساء في تنفيذ الخطط التنموية الشاملة، فما أن تبلغ إحداهن سن العمل المسموح به حتى تتأهل للنزول إلى سوق العمل، والانضمام إلى القوى العاملة، ضمن أفواج هائلة من النساء والفتيات، ما بين عاملة، أو باحثة عن عمل، شأنهن في ذلك يشبه - إلى حد كبير- شأن الرجال والفتيان المكلفين شرعاً بالكسب والإنفاق، حتى إنه لم يعد هناك فروق في حثِّ كثير من الناس في أهمية توفير العمل للذكور والإناث على حدٍ سواء.
وعلى الرغم من المنافع المتبادلة التي يمكن أن تنتج عن تشغيل النساء: فإن قدراً كبيراً من السلبيات والأضرار نجمت، وتنجم عن مثل هذه الأنشطة الاقتصادية غير المنضبطة، ربما تفوق في حجمها حجم الإيجابيات.
إن التشابه في أصل الخلْقة بين الرجال والنساء لا يعني التشابه في نوع المهمات والمسؤوليات المناطة بكل منهما؛ فإنه بقدر ما بين الجنسين من التشابه : بقدر ما بينهما من التميُّز والاختلاف والتنوع، الذي يفرض على كل جنس - بالشرع والفطرة - مهمات ومسؤوليات تختلف في كثير من الأحيان ولا تتشابه.
إن المهمة العبادية التي كُلِّف الإنسان - ذكراً كان أو أنثى - القيام بها، وما خُلق - في أصل الأمر إلا من أجلها : لا يمكن أن تتحقق على الوجه الصحيح إلا بشرطين ضروريين:

الشرط الأول:

وجود الإنسان على الأرض بصورة دائمة، يخلف بعضهم بعضاً من خلال التناسل والتكاثر، وهي مهمة أنثوية بالدرجة الأولى تكاد تكون خاصة بهن لولا الدور القصير الذي يُناط بالذكور في العملية التناسلية، وها هي المكتشفات العلمية، والتجارب الميدانية تكاد تُزيح الذكور حتى عن دورهم هذا بالكلية من خلال عملية الاستنساخ وما سبقها من وسائل حفظ مياه الرجال، في الوقت الذي أثبتت فيه هذه المكتشفات العلمية أصالة المرأة ومركزيتها بالفطرة، وضرورة وجودها باعتبارها عنصراً أساساً، لا يُتصوَّر الاستغناء عنه في العملية التناسلية، فقد هُيِّئت نفسياً وبدنياً بالأجهزة والمشاعر اللازمة لهذه المهمة، فانفردت وحدها بهذه المسؤولية الإنسانية الكبرى عن كل الذكور مهما علت مراتبهم، وفي مقابل تفرغها لهذه المهمة، وما يتعلق بها : يجنِّد المجتمع طاقاته لخدمتها، ورعاية شؤونها فلا تحتاج في قضاء حاجاتها، وتأمين متطلباتها إلى كدِّ العمل، وتكلُّف الكسب، فالأنوثة تُعفيها من كل ذلك بالشرع.

الشرط الثاني:

قيام العمارة التي لا بد منها لإصلاح حال الإنسان في مأكله ومسكنه وعلاجه ومواصلاته، وكل ما من شأنه تسهيل مهمته في الحياة، وذلك من خلال مهمة الضرب في الأرض وإثارتها، وكشف كنوزها، والوقوف على نظام سننها، وهذه مهمة ذكورية بالدرجة الأولى، قد تهيأ الرجال لها في طبائعهم وميولهم واتجاهاتهم، إلا أنه لا توجد عند الرجال أجهزة جسمية محددة تؤهلهم وحدهم لهذه المهمة، كحال أجهزة النساء التي خصَّتهن وحدهن دون الرجال بمهمة الإنجاب ورعاية النسل، وهذا الوضع الطبيعي والفطري في الجنسين من شأنه أن يسمح بتسرُّب الإناث إلى ميدان الذكور، ولا يسمح - بصورة قطعية- للذكور بالتسرب إلى ميدان الإناث، فيبقى ميدان المرأة - بصورة دائمة - شاغراً لها، لا منافس لها فيه، في الوقت الذي تستطيع فيه المرأة أن تشارك الرجال في ميدانهم، وتنافسهم في إنجازاتهم، ومن خلال هذا التداخل يحصل الصراع والتنافس بين الجنسين، ويكثر الاستغلال والاستبداد من الرجال للنساء.
إن مهمة المرأة في أنشطة العمارة العامة تشبه - إن صحَّ التشبيه - في حجمها وقِصَرِها وسرعتها مهمة الرجل القصيرة والمحدودة في عملية التكاثر، ورعاية النسل، فهذه المحدودية الطبيعية لكل من الرجال في المسألة التناسلية، وللنساء في المسألة التنموية لا تشين أحداً منهما، ولا تسِمُهُ بالقصور، حين ينهض كل جنس بما أُنيط به فطرياً وشرعياً.
ولا تصح المقابلة بين مهمة الذكور في العمارة ومهمة الإناث في التناسل من جهة الأهمية، فكلاهما مهم، فإن كان ولابد من هذه المقابلة بينهما : فإن مهمة الإنجاب ورعاية النسل المناطة بالنساء أهم وأعظم من مهمة الرجال في العمارة، فهي صناعة الإنسان، وليس شيء أجلَّ من ذلك، فلو قُدِّر امتناعهن عن هذه المهمة، أو تعطُّلهن عنها : كان الانقراض مصير الإنسان، في حين لو قُدِّر امتناع الرجال عن مهمة العمارة كان الضيق والحرج والإزعاج أقصى ما يصيب الإنسان، ولهذا جاءت الشريعة الإسلامية بالمحافظة على الإناث من مواقع الهلكة ومظان الموت؛ لأن خدمة النوع الإنساني تتوقف بالدرجة الأولى على وفرة العنصر النسائي بصورة خاصة.
إن الملل من تكرار عملية الإنجاب ورعاية الطفولة، وما يتبع ذلك من المعاناة المكرورة: هي السبب - في كثير من الأحيان - وراء تذمُّر بعض النساء من هذه المسؤولية، في حين تجد إحداهن في ميدان الرجال ساحات واسعة ومتنوعة من الأنشطة المختلفة المتجددة المحفوظة من صور التكرار، فتتشوَّف إحداهن لذلك، وترغب في التجديد، ولاسيما إذا حازت إحداهن على شيء من المعرفة والمهارات التي تؤهلها لميادين التنمية الاقتصادية العامة، تاركة وراءها مهمة الإنجاب ورعاية النسل، أو مؤجِّلة لها لمستقبل قادم، وربما جمعت إحداهن بين المسؤوليَّتين فتعاني من جرَّاء ذلك صراع الأدوار الاجتماعية، والمعاناة النفسية، والإجهاد الجسمي، إضافة إلى درجات مختلفة من انخفاض مستوى خصوبتها؛ إذ يُعد عمل المرأة خارج المنزل أفضل وسيلة لتحديد النسل، والتقليل من الذرية، في حين لا تتعرض المرأة لغالب هذه الأزمات عندما تعمل وتنتج في محيط أسرتها، ضمن أنشطة العائلة الاقتصادية، وما يمكن أن تقوم به من الوظائف العامة من داخل بيتها، وحتى معدلات خصوبتها، فإنها لا تتأثر كحال المرأة العاملة خارج المنزل، فقد دلَّت بعض الدراسات الميدانية أن معدلات خصوبة المرأة العاملة داخل المنزل تشبه معدلات خصوبة المرأة الريفية التي تعمل وتنتج بطبيعتها، ولا تعرف أساليب تحديد النسل، إضافة إلى أنها لا تعرف صراع الأدوار الاجتماعية، ولا تعاني من أزمة تأنيب الضمير في بعدها عن أولادها.
إن لفت المرأة نحو العمل المنزلي، والإنجاب، ورعاية النسل يأتي موافقاً للفطرة الأنثوية، متسقاً مع الشرع، فلو أراد المولى عز وجل من الرجال والنساء مهمة واحدة في هذه الحياة لما خلقهما جنسين مختلفين، ولاشك أن في هذا الاختلاف من التنوع والتكامل ما يثري الحياة الإنسانية وينميها، ويشغل جميع مجالاتها.
وقد أثبتت بعض الدراسات الاقتصادية أن عمل المرأة المنزلي يصل في بعض الدول الأجنبية إلى ما بين 20% - 25% من الدخل القومي، ومع ذلك لا يدخل ضمن حسابات المعدلات العامة للدخل القومي، بحجة أنه عمل غير مأجور، في الوقت الذي يحسب فيه عمل الراقصة، والمغنية، وخادمة الملهى، ونحوهن ضمن معدلات الدخل القومي، بحجة أنهن يتقاضين مدخولاً مالياً، وكأن المدخول المالي - أياً كان مصدره- يعطي لمثل هذه الأعمال الساقطة مشروعية اجتماعية واقتصادية، في مقابل إقصاء مجهودات المرأة في العمل المنزلي عن معدلات الدخل القومي رغم أنها مجهودات لا تقدر بثمن، وإلا فما هي قيمة أعظم منتج يمكن أن ينتجه الرجل في ميادين التنمية الاقتصادية العامة يضاهي صناعة الإنسان ؟.
إن مجالات التفوق بين الجنسين تختلف، ففي الوقت الذي يبلغ فيه الرجل لأن يكون متوافقاً نفسياً، ومقبولاً اجتماعياً يحتاج إلى جمع من المهارات والمعارف والعلوم والوثائق التي تؤهله لذلك، مضافاً إليها تمتعه بأصول الإيمان والأخلاق، في حين لا تحتاج المرأة لبلوغ القمة لأكثر من أصول الإيمان والأخلاق مع سلامة الإنجاب ورعاية النسل، حتى وإن فاتها كثير من العلم والمعرفة والمهارات، فطريقها إلى القمة قصيرة؛ ولهذا لا يُؤثر عن النساء الأربعة اللاتي ذكرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكمال شيء من العلم، وإنما تفوقن في كمال الإيمان وعظيم الأخلاق مع سلامة الإنجاب ورعاية النسل، في الوقت الذي لم تتأهل فيه السيدة عائشة رضي الله عنها لأن تكون منهن، رغم أنها حازت من العلم والمعرفة ورجاحة العقل ما فاقت به غالب رجال عصرها، فدلَّ هذا على أن مجال تفوق المرأة يختلف عن مجال تفوق الرجل، وأن مجرد تفوق المرأة العلمي، وحصولها على شيء من المهارات الفنية والإدارية، وبلوغها بعض المناصب الاجتماعية، ليس شرطاً لبلوغها القمة، في الوقت الذي تعتبر فيه هذه المتغيرات الاجتماعية والمهارية والعلمية شرطاً ضرورياً لمجرد قبول الرجل اجتماعياً، فضلاً عن بلوغه القمة في وسطه الاجتماعي.
المصادر : قسم تربية الفتاة المسلمة

1- الإسراء:29


 

 



نظرات کاربران
ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.