مرض الغرور في المجتمع

المدح هو ذكر الشخص بفضيلة أو عمل يحمد عليه، بقصد تبيان فضله، ولا يعني هذا أن تكون الفضيلة موجودةً حقّاً في الشخص الممدوح، ولذا فإنّ بعض المدح مدح صادق، وبعضه الآخر مدح كاذب، وهو محرّمٌ بالطبع.
Saturday, August 1, 2015
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
مرض الغرور في المجتمع
 مرض الغرور في المجتمع

 






 

المدح هو ذكر الشخص بفضيلة أو عمل يحمد عليه، بقصد تبيان فضله، ولا يعني هذا أن تكون الفضيلة موجودةً حقّاً في الشخص الممدوح، ولذا فإنّ بعض المدح مدح صادق، وبعضه الآخر مدح كاذب، وهو محرّمٌ بالطبع.
يلاحظ في الشريعة التركيز على أن لا يترك المدح حالة نفسية في الممدوح،وأهمّ ما يُخشى أن يصاب الممدوح بمرض الغرور، فعن الإمام علي عليه السلام: "كم من مغرورٍ بحسن القول فيه، كم من مفتونٍ بالثناء عليه"(1).
يتخذ بعض الناس المدح كوسيلة للتأثير على الآخرين، فمن خلال المديح يكتسبون ودَّهم، ويمكن لهم من خلال ذلك أن يمرّروا لهم الأفكار الرديئة، أو يقبّحوا لهم صوراً حسنة. وقد حذّرنا أمير المؤمنين عليه السلام من هؤلاء الناس، فعنه عليه السلام: "أجهل الناس المغترُّ بقول مادح متملِّق، يحسِّن له القبيح، ويبغِّض إليه النصيح"(2).
ولشدّة تأثير المدح في الممدوح والخوف عليه من أن يصاب بداء الغرور أرشدنا أهل البيت عليهم السلام للإختصار في مدح الآخرين، وعدم كيل الثناء عليهم والمبالغة في ذلك، والاكتفاء بالقدر الذي يحقّق المصلحة، كالتكريم للممدوح، فعن الإمام علي عليه السلام: "إذا مدحت فاختصر، إذا ذممت فاقتصر"(3).

خطر المدح

أشرنا إلى خطورة المدح فيما يتركه على الممدوح من أثرٍ نفسي قد يودي به لمهالك أخلاقية، بل إنَّ بعض الروايات الشريفة ذكرت أنّ الشيطان يعتبر المدح من الفرص الهامَّة والتي يثِق بفاعليتها في الإفساد، فعن الإمام علي عليه السلام: "حبُّ الإطراء والمدح من أوثق فرص الشيطان"(4).
وعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "حبُّ الإطراء والثناء يعمي ويصمّ عن الدين، ويدع الديار بلاقع"(5).
والمراد من إعمائِه عن الدين أن الممدوح قد يعتبر نفسه أهمّ من أن يستمع للموعظة والحكمة، فيحرم من الهداية بتركه السماع للنداء الديني.
ولأجل هذا الخطر ورد العديد من الروايات التي توصي من يسمع المديح في وجهه بالتوجه لله تعالى بالدعاء، ومن ذلك ما ورد عن رسول الله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا أُثني عليك في وجهك فقل: اللّهم اجعلني خيراً مما يظنّون، واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون"(6).
وليتفكّر الواحد منّا حين يمدحه الآخر بوصية الإمام الكاظم عليه السلام التي تقدّمت: "لو كان في يدك جوزة وقال الناس: لؤلؤة ما كان ينفعك وأنت تعلم أنّها جوزة، ولو كان في يدك لؤلؤة وقال الناس: إنّها جوزة ما ضرَّك وأنت تعلم أنّها لؤلؤة".
فإنّ الحقيقة التي تحملها أنفسنا لا يزيفها طعن الطاعن، ولا يجليها مدح المادح، وسنقدم يوم القيامة على ربٍّ عليم بصير يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

الغرور

الغرور صفة رديئة وهو من مساوئ الأخلاق التي أفرد لها العلماء مساحات شاسعة في كتبهم الأخلاقية تحذيراً وإرشاداً وتبصيراً لسبل العلاج منها لو أصابت النفس.
كما أنّ القرآن الكريم ذمّ هذه الصفة، وتحدّث عمّن اتصف به، فمن تلك الآيات قوله تعالى: ?ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ?(7)، وقوله تعالى: ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِالله الْغَرُورُ?(8).
وجاء الكثير من الروايات الشريفة للتحذير من الغرور، فعن الإمام علي عليه السلام:
"فاتقوا الله عباد الله، تقية ذي لبٍّ شغل التفكر قلبه، وأنصب الخوف بدنه.. وسلك أقصد المسالك إلى النهج المطلوب، ولم تفتله فاتلات الغرور"(9).
وأشار بعض الروايات الأخرى لآثار الغرور على الدين وما يحبط به من عمل الإنسان، فعن الإمام زين العابدين عليه السلام: "ربّ مغرور مفتون يصبح لاهياً ضاحكاً يأكل ويشرب، وهو لا يدري لعلّه قد سبقت له من الله سخطة يصلى بها نار جهنم"(10).

أنواع الغرور

الغرور على أنواع عديدة منها ما هو أخطر من الآخر، وسنعدد ثلاثة أنواع ذاكرين ما ورد فيها من الروايات والآيات الكريمة:

1- الغرور بالله تعالى

إذ يقول الله تعالى في محكم آياته: ?يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ* الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ?(11).
والمراد بالغرور هو الأمن من العقاب الإلهيّ يوم القيامة والاغترار بما ورد من رحمته تعالى يوم القيامة، وما أعدّه من النعيم وما روي عن عفوه، غافلين عن قوله تعالى: ?نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ?(12).
وقد روي أنه ورد في الزبور: "ابن آدم! لما رزقتكم اللسان وأطلقت لكم الأوصال ورزقتكم الأموال، جعلتم الأوصال كلها عوناً على المعاصي، كأنكم بي تغترون، وبعقوبتي تتلاعبون"(13).
وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام:" الحذر الحذر أيّها المغرور، والله لقد ستر حتى كأنه قد غفر"(14).
ومن الغرور أيضاً أن يقدم الإنسان على تكرار المعصية اعتماداً منه على مغفرة الله وتسويفاً من نفسه، إذ يقول لها: غداً ستتوبين إلى الله تعالى و هو الغفار الرحيم بالعباد، فقد ورد في خصوص هذا عن الإمام علي عليه السلام: "إنّ من الغرَّة بالله أن يصرّ العبد على المعصية ويتمنى على الله المغفرة"(15).

2- الاغترار بالدنيا

وكيف يغترّ المرء بما يزول؟ بل إنّ كلّ ما فيها هو هناءُ لحظات يزول بسرعة، ويا ليت سعادة اللحظات هذه تُنال بالراحة، بل إنّها لا تكون إلا بعد الجهد والمشقة، وفوق ذلك يشوبها الكدر، فهل تنال الثمرة في الدنيا بغير تسلق الشجر، أو بذل النفيس من المال المدخر، وعند أكلها يكدرها البذر، فلا تجد في هذه الدنيا هناءً خالص، فعلام الاغترار إذاً؟!
هذا ما نبّهنا إليه أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: "اتقوا غرور الدنيا، فإنّها تسترجع أبداً ما خدعت به من المحاسن، وتزعج المطمئنّ إليها والقاطن"(16).
وعنه عليه السلام: "سكون النفس إلى الدنيا من أعظم الغرور"(17).

3- الاغترار بالنفس

وهو أيضاً من أقسام الغرور الذي نهت عنه الروايات الشريفة، ومن مصاديق هذا الغرور ما يحصل لدى المهتمّين بكمالهم الجسدي الغافلين عن كمال العقول والقلوب، فترى الواحد منهم لا يصبر حين يرى المرآة عن التباهي بعرض ما أعطاه
الله تعالى له من القوّة في البدن أمامه، فيقف ليتأمل ذلك ناسياً أن من أعطاه هذه القوة قادر على سلبه إيّاه، وأنّه مهما بلغت قواه فإنّ بعوضة قادرة على أن تذلّه وتسلبه رقاد ليله، ومنهم من يصل به الأمر لعبادة جسده فيصبح كلّ باله وهمّه في الحياة أن يرعاه ويحفظه ويقويه، فهذا النوع من الغرور نهت عنه الروايات الشريفة أيضاً، وما ذكرناه هو أحد الأمثلة التي تشير لحال المغترّين بأنفسهم وليست المثال الحصري لهم، ورد عن الإمام علي عليه السلام: "من جهل اغترّ بنفسه، وكان يومه شرّاً من أمسه"(18).
وعنه عليه السلام: "من اغترّ بنفسه أسلمته إلى المعاطب"(19).

نصيحة لأهل الغرور

أحببنا في النهاية أن نذكر هذه الكلمات المروية عن الإمام الصادق عليه السلام كموعظة لمن تسوّل له نفسه الاغترار به، وهي تأمّلات في حال الدنيا وأهلها وتصرفها بهم نسأل الله تعالى أن ينجينا من قاتلات الغرور إنّه هو الرحيم الغفور.
قال الإمام الصادق عليه السلام: "المغرور في الدنيا مسكين، وفي الآخرة مغبون، لأنّه باع الأفضل بالأدنى، ولا تعجب من نفسك، فربما اغتررت بمالك وصحّة جسمك أن لعلّك تبقى. وربما اغتررت بطول عمرك وأولادك وأصحابك لعلّك تنجو بهم. وربما اغتررت بحالك ومنيتك، وإصابتك مأمولك وهواك، وظننت أنّك صادق ومصيب. وربما اغتررت بما تري الخلق من الندم على تقصيرك في العبادة، ولعلّ الله تعالى يعلم من قلبك بخلاف ذلك. وربما أقمت نفسك على العبادة متكلّفاً والله يريد الإخلاص. وربما افتخرت بعلمك ونسبك، وأنت غافل عن مضمرات ما في غيب الله. وربما تدعو الله وأنت تدعو سواه. وربما حسبت أنّك ناصح للخلق وأنت تريدهم لنفسك أن يميلوا إليك. وربما ذممت نفسك، وأنت تمدحها على الحقيقة. واعلم أنّك لن تخرج من ظلمات الغرور والتمنّي إلا بصدق الإنابة إلى الله تعالى، والإخبات له، ومعرفة عيوب أحوالك من حيث لا يوافق العقل والعلم، ولا يحتمله الدين والشريعة وسنن القدوة وأئمّة الهدى، وإن كنت راضياً بما أنت فيه فما أحد أشقى بعمله منك وأضيع عمراً وأورث حسرةً يوم القيامة"(20).

خلاصة

المدح هو ذكر الشخص بفضيلة أو عمل يُحمد عليه، بقصد تبيان فضله.
يلاحظ في الشريعة التركيز على أن لا يترك المدح حالة نفسيّة في الممدوح، وأهمّ ما يُخشى أن يصاب الممدوح بمرض الغرور.
يتخذ بعض الناس المدح كوسيلة للتأثير على الآخرين، فمن خلال المديح يكتسبون ودَّهم، ويمكن لهم من خلال ذلك أن يمرِّروا لهم الأفكار الرديئة، أو يقبّحوا لهم صوراً حسنة.
ولشدّة تأثير المدح في الممدوح والخوف عليه من أن يصاب بداء الغرور أرشدنا أهل البيت عليهم السلام للاختصار في مدح الآخرين، وعدم كيل الثناء عليهم والمبالغة في ذلك، والاكتفاء بالقدر الذي يحقّق المصلحة، كالتكريم للممدوح.
الغرور صفة رديئة وهو من مساوئ الأخلاق التي أفرد لها العلماء مساحات شاسعة في كتبهم الأخلاقية تحذيراً وإرشاداً وتبصيراً لسبل العلاج منها لو أصابت النفس.
الغرور على أنواع عديدة منها ما هو أخطر من الآخر، وسنعدّد ثلاثة أنواع:
1- الغرور بالله تعالى: والمراد بالغرور هو الأمن من العقاب الإلهيّ يوم القيامة والاغترار بما ورد من رحمته تعالى يوم القيامة، وما أعدّه من النعيم وما روي عن عفوه.
2- الاغترار بالدنيا: وكيف يغترّ المرء بما يزول؟ بل إنّ كل ما فيها هو هناءُ لحظات يزول بسرعة، ويا ليت سعادة اللحظات هذه تُنال بالراحة، بل إنّها لا تكون إلا بعد الجهد والمشقّة، وفوق ذلك يشوبها الكدر.
3- الاغترار بالنفس: وهو أيضاً من أقسام الغرور الذي نهت عنه الروايات الشريفة، ومن مصاديق هذا الغرور ما يحصل لدى المهتمّين بكمالهم الجسدي الغافلين عن كمال العقول والقلوب، فترى الواحد منهم لا يصبر حين يرى المرآة عن التباهي بعرض ما أعطاه الله تعالى له من القوّة في البدن أمامه، فيقف ليتأمّل ذلك ناسياً أنّ من أعطاه هذه القوّة قادر على سلبه إيّاها.
قال الحسن الكوفي: قال رجل لعليان: أجننت ؟ قال: أمّا عن الغفلة فنعم وأمّا عن المعرفة فلا، قال: كيف حالك مع المولى ؟ قال: ما جفوته مذ عرفته، قال: ومذ كم عرفته ؟ قال: مذ جعل اسمي في المجانين!
قال علي بن ظبيان: مررت يوماً بالكوفة فلمّا صرت في سكك همدان إذا أنا بعليان المجنون وفي يده قصبة فارسية مثل القناة وفي رأسها كبة قطن وعليها خرقة، وإذا هو يشدّ على الصبيان، فإذا أدركهم قالوا: القصاص يا علي، ثمّ يلقي القصبة من يده، فلما رأيته تهيبت أن أمر بين يديه، فقال لي: مر يا علي فلست منهم فمررت فلما حاذيته قلت: من نوقش في الحساب عُذب، قال: كلا يا علي. ربّنا أكرم من ذلك فإنّه إذا قدر عفا، قلت له: من العاقل ؟ قال: من حاسب نفسه وخاف ربّه.
المصادر :
1- الريشهري- محمّد- ميزان الحكمة- دار الحديث، الطبعة الأولى- ج 4 ص 2861
2- الريشهري- محمّد- ميزان الحكمة- دار الحديث، الطبعة الأولى- ج 4 ص 2861
3- الريشهري- محمّد- ميزان الحكمة- دار الحديث، الطبعة الأولى- ج 4 ص 2861
4- الريشهري- محمّد- ميزان الحكمة- دار الحديث، الطبعة الأولى- ج 4 ص 2862
5- الريشهري- محمّد- ميزان الحكمة- دار الحديث، الطبعة الأولى- ج 4 ص 2862
6- الريشهري- محمّد- ميزان الحكمة- دار الحديث، الطبعة الأولى- ج 4 ص 2862
7- آل عمران:24
8- لقمان:33
9- الريشهري- محمّد- ميزان الحكمة- دار الحديث، الطبعة الأولى- ج 3 ص 2234
10- الريشهري- محمّد- ميزان الحكمة- دار الحديث، الطبعة الأولى- ج 3 ص 2234
11- الانفطار:6-7
12- الحجر:49-50
13- الريشهري- محمّد- ميزان الحكمة- دار الحديث، الطبعة الأولى- ج 3 ص 2235
14- الريشهري- محمّد- ميزان الحكمة- دار الحديث، الطبعة الأولى- ج 3 ص 2236
15- الريشهري- محمّد- ميزان الحكمة- دار الحديث، الطبعة الأولى- ج 3 ص 2236
16- الريشهري- محمّد- ميزان الحكمة- دار الحديث، الطبعة الأولى- ج 3 ص 2236
17- الريشهري- محمّد- ميزان الحكمة- دار الحديث، الطبعة الأولى- ج 3 ص 2236
18- الريشهري- محمّد- ميزان الحكمة- دار الحديث، الطبعة الأولى- ج 3 ص 2236
19- الريشهري- محمّد- ميزان الحكمة- دار الحديث، الطبعة الأولى- ج 3 ص 2236
20- الريشهري- محمّد- ميزان الحكمة- دار الحديث، الطبعة الأولى- ج 3 ص 2237

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.