عن محمد بن أبي عمير، قال: دخلت على سيدي موسى ابن جعفر (عليهما السلام)، فقلت له: يا ابن رسول الله علّمني التوحيد فقال: «يا أبا أحمد لا تتجاوز في التوحيد ما ذكره الله تعالى ذكره في كتابه فتهلك.
واعلم أن الله تعالى واحد، أحدٌ ،صمدٌ، لم يلد فيورث، ولم يولد فيشارك، ولم يتخذ صاحبة ولا ولداً ولا شريكاً، وانه الحي الذي لا يموت ، والقادر الذي لا يعجز، والقاهر الذي لا يغلب، والحليم الذي لا يعجل، والدائم الذي لا يبيد، والباقي الذي لا يفنى، والثابت الذي لا يزول، والغني الذي لا يفتقر، والعزيز الذي لا يذل. والعالم الذي لا يجهل، والعدل الذي لا يجور، والجواد الذي لا يبخل، وانه لا تقدره العقول، ولا تقع عليه الأوهام، ولا تحيط به الاقطار، ولا يحويه مكان، ولا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير .
(ما يكون من نجوى ثلاثة إلاّ هو رابعهم ولا خمسة إلاّ هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلاّ هو معهم اينما كانوا ) وهو الأوّل الذي لا شيء قبله ، والآخر الذي لا شيء بعده ، وهو القديم وما سواه مخلوق محدث ، تعالى عن صفات المخلوقين علوّاً كبيراً»(1) .
عن زكريا بن عمران، عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام)، قال: «لا يكون شيء في السماوات ولا في الأرض إلاّ بسبع: بقضاء وقدر وارادة ومشيئة وكتاب وأجل وإذن، فمن زعم غير هذافقد كذب على الله أو ردّ على الله عزّ وجلّ»(2).
عن محمد بن حكيم قال: كتب أبو الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) الى أبي : «أن الله أعلا وأجل وأعظم من أن يبلغ كنه صفته. فصفوه بما وصف به نفسه، وكفّوا عما سوى ذلك»(3).
وقال(عليه السلام): «إنّ الله تعالى لا يشبهه شيء، أي فحش أو خنى أعظم من قول من يصف خالق الأشياء بجسم أو صورة أو بخلقة أو بتحديد وأعضاء، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً»(4).
من سيرة الرّسول (صلى الله عليه وآله) وتاريخ حياته :
1 ـ روى ابن طاووس في كتاب الطرف نقلاً من كتاب الوصية للشيخ عيسى بن المستفاد الضرير عن موسى بن جعفر، عن أبيه(عليهما السلام) قال: «لمّا حضرت رسول الله(صلى الله عليه وآله) الوفاة دعا الأنصار وقال: يا معشر الأنصار! قد حان الفراق، وقد دعيت وأنا مجيب الداعي، وقد جاورتم فأحسنتم الجوار، ونصرتم فأحسنتم النصرة، وواسيتم في الأموال، ووسعتم في المسلمين، وبذلتم لله مهج النفوس والله يجزيكم بما فعلتم الجزاء الأوفى، وقد بقيت واحدة وهي تمام الأمر وخاتمة العمل العمل معها مقرون إني أرى أن لا أفترق بينهما جميعاً لو قيس بينهما بشعرة ما انقاست، من أتى بواحدة وترك الاُخرى كان جاحداً للاُولى ولا يقبل الله منه صرفاً و لا عدلا قالوا: يا رسول الله فأين لنا بمعرفتها، فلا تمسك عنها فنضل ونرتد عن الإسلام، والنعمة من الله ومن رسوله علينا، فقد أنقذنا الله بك من الهلكة يا رسول الله، وقد بلّغت ونصحت وأديت وكنت بنا رؤوفاً رحيماً شفيقاً.فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): « كتاب الله وأهل بيتي فإن الكتاب هو القرآن وفيه الحجّة والنور والبرهان، كلام الله جديد غض طري شاهد ومحكم عادل ولنا قائد بحلاله وحرامه وأحكامه يقوم غداً فيحاج أقواماً فيزل الله به أقدامهم عن الصراط، واحفظوني معاشر الأنصار في أهل بيتي، فإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، ألا وان الإسلام سقف تحته دعامة، لا يقوم السقف إلاّ بها.
فلو أن أحدكم أتى بذلك السقف ممدوداً لا دعامة تحته فأوشك أن يخرّ عليه سقفه فيهوي في النار، أيها الناس! الدعامة: دعامة الإسلام ، وذلك قوله تعالى :( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) فالعمل الصالح طاعة الإمام وليّ الأمر والتمسّك بحبله ، أيّها الناس! أفهمتم ؟ الله الله في أهل بيتي! مصابيح الظلم، ومعادن العلم، وينابيع الحكم ، ومستقر الملائكة.
منهم وصيّي وأميني ووارثي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى ألا هل بلغت معاشر الأنصار؟ ألا فاسمعوا ومن حضر، ألا إنّ فاطمة بابها بابي وبيتها بيتي، فمن هتكه فقد هتك حجاب الله.
قال عيسى : فبكى أبو الحسن(عليه السلام) طويلا، وقطع بقية كلامه، وقال: هتك والله حجاب الله، هتك والله حجاب الله، هتك والله حجاب الله...
ثم قال(عليه السلام): أخبرني أبي، عن جدي محمد بن علي قال: قد جمع رسول الله(صلى الله عليه وآله) المهاجرين فقال لهم: « أيها الناس إني قد دعيت، وإني مجيب دعوة الداعي، قد اشتقت الى لقاء ربي واللحوق باخواني من الأنبياء وإني أعلمكم أني قد أوصيت الى وصيي، ولم أهملكم إهمال البهائم، ولم أترك من أموركم شيئاً » فقام إليه عمر بن الخطاب فقال: يارسول الله! أوصيت بماأوصى به الأنبياء من قبلك؟ قال: نعم، فقال له: فبأمر من الله أوصيت أم بأمرك؟!
قال له: «اجلس يا عمر، أوصيت بأمر الله ،وأمره طاعته، وأوصيت بأمري وأمري طاعة الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن عصى وصيّي فقد عصاني، ومن أطاع وصيّي فقد أطاعني، ومن أطاعني فقد أطاع الله لا ما تريد أنت وصاحبك» ثم التفت الى الناس وهو مغضب فقال: «أيها الناس! اسمعوا وصيّتي، من آمن بي وصدّقني بالنبوة وأني رسول الله فأوصيه بولاية علي بن أبي طالب وطاعته والتصديق له. فإن ولايته ولايتي، وولاية ربّي، قد أبلغتكم فليبلغ الشاهد الغائب إن علي بن أبي طالب هو العلم، فمن قصّر دون العلم فقد ضلّ، ومن تقدّمه تقدّم الى النار، ومن تأخّر عن العلم يميناً هلك، ومن أخذ يساراً غوى وما توفيقي إلاّ بالله، فهل سمعتم ؟ » قالوا : نعم .
2 ـ وعن الإمام الكاظم(عليه السلام) أنه قال : «قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) لعلي(عليه السلام) حين دفع إليه الوصية : اتخذ لها جواباً غداً بين يدي الله تبارك وتعالى ربّ العرش. فاني محاجّك يوم القيامة بكتاب الله حلاله وحرامه، ومحكمه ومتشابهه على ما أنزل الله، وعلى ما أمرتك، وعلى فرائض الله كما أنزلت وعلى الاحكام من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجتنابه، مع اقامة حدودالله وشروطه، والاُمور كلها ، واقام الصلاة لوقتها، وايتاء الزكاة لأهلها، وحجّ البيت، والجهاد في سبيل الله، فما أنت قائل يا علي ؟ فقال علي(عليه السلام): بأبي أنت وأمي أرجو بكرامة الله لك ومنزلتك عنده ونعمته عليك أن يعينني ربّي، ويثبتني فلا ألقاك بين يدي الله مقصراً ولا متوانياً ولا مفرطاً، ولا أمعز وجهك وقاه وجهي ووجوه آبائي وأمهاتي بل تجدني بأبي أنت وأمي مستمراً متّبعاً لوصيتك ومنهاجك وطريقك مادمت حياً حتى أقدم بها عليك، ثم الأول فالأول من ولدي لا مقصرين ولا مفرطين.
قال علي(عليه السلام): ثم انكببت على وجهه وعلى صدره وأنا أقول: واوحشتاه بعدك، بأبي أنت وأمي، ووحشة ابنتك وبنيك بل واطول غمّي بعدك يا أخي، انقطعت من منزلي أخبار السماء، وفقدت بعدك جبرئيل وميكائيل، فلا أحسّ أثراً ولا أسمع حسّاً، فأغمي عليه طويلا ثم أفاق(صلى الله عليه وآله).
قال أبو الحسن(عليه السلام) فقلت لأبي: فما كان بعد افاقته ؟ قال : دخل عليه النساء يبكين وارتفعت الأصوات وضجّ الناس بالباب من المهاجرين والأنصار، فبيناهم كذلك اذ نودي: أين علي؟ فأقبل حتى دخل عليه، قال علي(عليه السلام): فانكببت عليه فقال: يا أخي افهم فهمك الله وسدّدك وأرشدك ووفقك وأعانك وغفر ذنبك ورفع ذكرك.
اعلم يا أخي أنّ القوم سيشغلهم عنّي ما يشغلهم، فإنّما مثلك في الاُمة مثل الكعبة، نصبها الله للناس علماً، وإنما تؤتى من كلّ فجّ عميق، ونأي سحيق ولا تأتي، وإنما أنت علم الهدى، ونور الدين، وهو نور الله يا أخي، والذي بعثني بالحق لقد قدمت إليهم بالوعيد بعد أن أخبرتهم رجلا رجلا ما افترض الله عليهم من حقّك، وألزمهم من طاعتك ، وكلّ أجاب وسلم إليك الأمر، وإنّي لأعلم خلاف قولهم.
فإذا قبضت وفرغت من جميع ما أوصيك به وغيبتني في قبري فالزم بيتك، واجمع القرآن على تأليفه، والفرائض والأحكام على تنزيله ثم امضِ على غير لائمة على ما أمرتك به، وعليك بالصبر على ما ينزل بك منهم حتى تقدم عليّ»(5).
3 ـ قال عيسى الضرير: ... فسألت موسى)يعني الكاظم(عليه السلام) ( وقلت: إنّ الناس قد أكثروا في أن النبي(صلى الله عليه وآله) أمر أبا بكر أن يصلي بالناس، ثم عمر، فأطرق عني طويلا، ثم قال: «ليس كما ذكروا، ولكنك يا عيسى كثير البحث عن الاُمور، ولا ترضى عنها إلاّ بكشفها، فقلت: بأبي أنت وأمي إنما أسأل عما أنتفع به في ديني وأتفقّه مخافة أن أضل، وأنا لا أدري، ولكن متى أجد مثلك يكشفها لي.
فقال(عليه السلام): إنّ النبي(صلى الله عليه وآله) لمّا ثقل في مرضه دعا علياً فوضع رأسه في حجره، وأُغمي عليه وحضرت الصلاة فأوذن بها، فخرجت عائشة، فقالت: يا عمر اخرج فصلّ بالناس فقال: أبوك أولى بها، فقالت: صدقت، ولكنه رجل ليّن، وأكره أن يواثبه القوم فصلّ أنت .
فقال لها عمر: بل يصلي هو وأنا أكفيه إن وثب واثب أو تحرك متحرك، مع أن محمداً(صلى الله عليه وآله) مغمى عليه لا أراه يفيق منها، والرجل مشغول به لايقدر أن يفارقه، يريد علياً(عليه السلام) فبادره بالصلاة قبل أن يفيق، فإنه إن أفاق خفت أن يأمر علياً بالصلاة، فقد سمعت مناجاته منذ الليلة، وفي آخر كلامه: الصلاة الصلاة قال: فخرج أبو بكر ليصلي بالناس فأنكرالقوم ذلك.
ثم ظنوا أنه بأمر رسول الله(صلى الله عليه وآله) فلم يكبّر حتى أفاق(صلى الله عليه وآله) وقال: ادعوا لي العباس، فدعي فحمله هو وعلي، فأخرجاه حتى صلّى بالناس، وانه لقاعد، ثم حمل فوضع على منبره، فلم يجلس بعد ذلك على المنبر، واجتمع له جميع أهل المدينة من المهاجرين والانصار حتى برزت العواتق من خدورهنّ، فبين باك وصائح وصارخ ومسترجع والنبي(صلى الله عليه وآله) يخطب ساعة، ويسكت ساعة، وكان مما ذكر في خطبته أن قال:
يا معشر المهاجرين والأنصار ومن حضرني في يومي هذا وفي ساعتي هذه من الجن والإنس فليبلغ شاهدكم الغائب، ألا قد خلّفت فيكم كتاب الله، فيه النور والهدى والبيان، ما فرّط الله فيه من شيء، حجة الله لى عليكم، وخلّفت فيكم العلم الأكبر علم الدين ونور الهدى وصيي علي بن أبي طالب، ألا هو حبل الله فاعتصموا به جميعاً ولا تفرّقوا عنه، واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته اخواناً.
أيها الناس هذا علي بن أبي طالب كنز الله اليوم وما بعد اليوم، من أحبه وتولاه اليوم وما بعد اليوم فقد أوفى بما عاهد عليه الله، وأدى ما وجب عليه، ومن عاداه اليوم وما بعد اليوم جاء يوم القيامة أعمى وأصم، لا حجة له عند الله، أيّها الناس لا تأتوني غداً بالدنيا تزفونها زفاً،ويأتي أهل بيتي شعثاً غبراً مقهورين مظلومين، تسيل دماؤهم أمامكم وبيعات الضلالة والشورى للجهالة.
ألا وإن هذا الأمر له أصحاب وآيات قد سمّاهم الله في كتابه، وعرّفتكم وبلّغتكم ما أُرسلت به إليكم ولكني أراكم قوماً تجهلون، لاترجعنّ بعدي كفاراً مرتدين متأولين للكتاب على غير معرفة، وتبتدعون السنة بالهوى، لأن كلّ سنّة وحدث وكلام خالف القرآن فهو ردّ وباطل.
القرآن إمام هدى، وله قائد يهدي إليه ويدعو إليه بالحكمة والموعظة الحسنة وليّ الأمر بعدي وليه، ووارث علمي وحكمتي وسري وعلانيتي، وما ورثه النبيّيون من قبلي، وأنا وارث ومورّث فلا تكذبنكم أنفسكم، أيها الناس! الله الله في أهل بيتي، فإنهم أركان الدين، ومصابيح الظلم، ومعدن العلم ، عليّ أخي ووارثي، ووزيري وأميني والقائم بأمري والموفي بعهدي على سنتي .
أول الناس بي ايماناً، وآخرهم عهداً عند الموت، وأوسطهم لي لقاء يوم القيامة، فليبلغ شاهدكم غائبكم، ألا ومن أمّ قوماً امامة عمياء وفي الاُمّة من هو أعلم منه فقد كفر، أيّها الناس ومن كانت له قبلي تبعة فها أنا، ومن كانت له عدة فليأت فيها علي ابن أبي طالب، فانه ضامن لذلك كله حتى لا يبقى لاحد عليّ تباعة»(6).
المصادر:
1- بحار الأنوار: 75/296 ـ 319 ، التوحيد : 76 .
2- اُصول الكافي : 1 / 149 والخصال : 359.
3- اُصول الكافي : 1 / 102 .
4- اُصول الكافي : 1 / 105.
5- خصائص الأئمة للشريف الرضي: 72، 73 وعنه في الطُرف لابن طاووس: 25 ـ 27 وعنه في بحار الأنوار: 22 / 482 ـ 484 /رسالة الوصية لعيسى بن المستفاد أبي موسى الضرير البجلي البغدادي المضعّف في النجاشي: 297 برقم 809 .
6- خصائص الأئمة للشريف الرضي: 73 ـ 75 وعنه في الطُرف: 29 ـ 34 وعنه في بحار الأنوار : 22 / 484 ـ 487 . رسالة الوصية لعيسى بن المستفاد أبي موسى الضرير البجلي البغدادي المضعّف في النجاشي: 297 برقم 809 .