
الدروز فرقة باطنيّة متستّرة على معتقداتها حتّى عن معظم أتباعها، ويرجع ذلك كما يقول بعض مؤلِّفيهم إلى الاضطهاد والخوف التاريخي الّذي وقعوا تحت تأثيره، بدءاً من انشقاقهم عن الإسماعيليّة بعد موت الحاكم بأمر الله واستلام ابنه الإمامة وهو الظاهر لدين الله، حيث نكَّل بهم أشدّ تنكيل(1).
هذه التقيّة والتستُّر المبالغ فيه أضرّ بهذه الفرقة وبأتباعها، حيث جمدت عقيدتهم (على بعض أقوال لا تمتُّ إلى التوحيد بصلة)، وحرمت غالبيّة الدروز من معرفة حقائق مذهبهم. كما أدّى التستُّر إلى الانتقاد والاتهام من مخالفيهم كما ورد في الموسوعة الإسلاميّة: "إنّ الدروز قليلو الدين، يزعمون أنّهم مسلمون ولا يصلّون، ويقولون بتقمّص الأرواح في الكلاب، ويسمحون بزواج الأخوات أحياناً".
ومثله قول الموسوعة الإنكليزيّة: "إنّ الدروز يعتقدون بتقمّص أرواح الأشرار منهم في الكلاب والجمال" حتّى أنّ البعض اتهمهم بعبادة العجل!(2)
وقد اعترف بعض مؤلّفيهم بوجود شواذ في كتبهم يقول نجيب العسراوي: "نُحبُّ أنْ نُعلن شكرنا لتلك الفئة الدرزيّة الكريمة الّتي حافظت وتُحافظ دائماً على كتمان كتبنا الدينيّة؛ لأنّ بإعلانها ضرراً وعيباً أدبيّاً واجتماعيّاً، وإساءة شاملة للعشيرة. لأنّ في كتب المذهب أشياء لا يصحُّ أنْ يعرفها الغير لما فيها من التحامل والتهكّم على الأديان.... ولما فيها من الشواذ العقليّ، والغلوّ بالإنسان ذاك الّذي ينقض التوحيد...."(3).
الحدود والإصلاح
عَمِل الحدودُ الخمسة ـ وهم علماء دروز ـ على تنقية تحريفات وشواذ الكتب الدرزيّة، وهم1 ـ كبير الحدود حمزة بن عليّ بن أحمد الزوزني، ولد سنة 375هـ، وكان مختلفاً مع نشتكين الدرزي(4) الّذي خالف دعوة التوحيد.
2 ـ أبو إبراهيم إسماعيل بن محمّد بن حامد التميميّ.
3 ـ أبو عبد الله محمّد بن وهب القرشيّ.
4 ـ أبو الخير سلامة بن عبد الوهّاب السامريّ.
5 ـ أبو الحسن عليّ بن أحمد السّموقيّ(5).
ولكنْ بقيت رسائل الدروز على ما فيها من التحريف والإضافات غير التوحيديّة حتّى زمن عبد الله التنّوخي (6)، فاكتشف التحريف ونادى بحذفه إجابة لأوامر الحدود الخمسة، فقامت عليه قيامة العامّة، فهاجر إلى سوريا إثني عشر عاماً، إلى أنْ تمّ الاتفاق على عودته بشرطين.
الأوّل: أنْ يتعلّم الجميع القرآن ويحفظوه.
الثاني: أنْ تتعلّم البنات القراءة والكتابة.
حتّى جاء الأمير شكيب أرسلان (7)فنظر التحريف الّذي ينقض التوحيد، وأراد إصلاحه جملة، فعرض على الدروز إعادة المذهب إلى إسلاميّته التوحيديّة فرفضوا فتركهم، وغيره من المتعلّمين الدروز أدركوا التحريف وسكتوا عنه خشيةً من اللوم أو عدم مبالاة (8).
من عقائدهم الظاهرة
ونحن هنا ذاكرون لكم بعض اعتقاداتهم الظاهرة من خلال أحد كتّابهم وهو أمين طليع، حيث قدّم لكتابه شيخ عقل الدروز في حينه محمّد أبو شقرا (9)1 ـ جوهر الدين
جوهر الدين هو، أنْ يكون الإنسان ذا ضمير نقيّ، من العبث والحرام، أنْ يُقدّم القرابين ويتلو الصلاة وهو غارق في الإثم....2 ـ الله
الله خالق كلِّ شيء، لا شريك له.... جلّ ذكره عن وصف الواصفين، لا يُدرَك، رحيم شفوق.للمعبود لاهوت وناسوت. أمّا الحقيقة اللاهوتيّة فهي لا تُدرك بالحواس والقياس. أي أنّ لاهوت المعبود ليس له مكان ولا يخلو منه مكان.
أمّا الناسوت فهو في العقيدة أنّ المعبود يتّخذ له من حين إلى آخر مقامات ناسوتيّة لتذكير مخلوقاته بوجوب طاعته، ثُمّ تجلّى ناسوته في كلِّ دور من الأدوار فيضاً من نوره الإلهي، لتكون له على المخلوقات الحجّة، وانبعث هذا النور في أنبيائه، وفيمن أكملوا الرسالة من الأئمّة المعصومين (10).
3 ـ الأنبياء
إنّ الله أنطق بالحقّ والهدى آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد. فجاء كلٌّ منهم بتعاليمه ودينه متمّماً للآخر، إذ إنّ الأديان تتعاقب وتتطوّر ويُكمل بعضها الآخر، فيؤيّد ما سبقه.4 ـ العقل
بأمر الله خُلق العقل، فكان أوّل من ظهر من أمره، وهو جوهر بسيط روحانيّ.5 ـ التناسخ والتقمّص
اعتقد قدماء المصريّين بالنسخ والفسخ والرسخ، أي أنّ النفس الصالحة تنتقل من جسم بشريّ بعد موته، إلى جسم بشريّ آخر وهذا ما يُسمّى بالنسخ أو التناسخ. أمّا النفس الأقلّ صلاحاً فإنّها تنفسخ عن جسم إنسان لتحلّ في جسم حيوان وهذا ما يُسمّى بالفسخ، أمّا النفس الشرّيرة فإنّها تنتقل إلى جماد فترسخ فيه وتموت وهذا ما يُسمّى بالرسخ.غير أنّ الفلسفة الهنديّة أنكرت الرسخ، أمّا الدروز فإنّهم لا يأخذون إلّا بالنسخ فقط. ومرجع ذلك اعتقادهم أنّ النفس لا تموت، بل يموت الجسم فقط. ولا تنتقل إلى حيوان، لأنّ انتقالها إلى جسم حيوان ظلمٌ لها، لأنّ العقاب مرجأ إلى يوم الدين، فإذا رجحت حسناتها كان لها الثواب وإذا رجحت سيئاتها كان لها العقاب.
6 ـ في التخيير والإجبار
الإنسان مسيَّر ومخيَّر في آن واحد، فهو مخيَّر فيما يحدّه عقله ويصل إليه ادراكه، ومسيَّر في الأمور الّتي لا قِبَل له بها إذ لا يحدّها العقل ولا يصل إليها الإدراك.فالأجل مكتوب والمقدّر كائن لا يُمحى، ولا مهرب منه ولا مناص.
7 ـ في الزواج
تعدُّد الزوجات ممنوع.8 ـ الطلاق
إذا طلّق الزوج دون أسباب موجبة فلزوجته نصف ما يملك، أمّا إذا كانت المرأة هي المسبِّبة للطلاق فله نصف ما تملك.وإذا طلّق لا يجوز الزواج منها مرّةً ثانية.
بعض ما قيل في الدروز في دائرة المعارف البستانيّة
"إيمان الدروز، أنّ الله واحد، أحد، لا بداءة له ولا نهاية، وأنّ النفوس مخلّدة تتقمّص بالأجساد البشريّة (التناسخ) ولا بدّ لها من ثواب وعقاب يوم المعاد بحسب أفعالها، وأنّ الدنيا تكوّنت بقوله تعالى كوني فكانت، والأعمار مقدّرة بقوله: }وَ لَنْ يُؤَخِّرَ الله نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها{، وأنّ الله عارف بكلِّ شيء، وهم يكرمون الأنبياء المذكورين في الكتب المنزلة، ويؤمنون بالسيّد المسيح ولكنّهم ينفون عنه الإلوهيّة والصلب، وأسماء بعض الأنبياء عندهم كأسمائهم في تلك الكتب، ولبعضهم أسماء أُخرى كالقدّيس جرجس، فإنّه عندهم الخضر، وأسماء أنبيائهم شعيب وسليمان وسلمان الفارسي ولقمان ويحيى، وعندهم انّه لابُدّ من العرض والحساب يوم الحشر والنشر.
وتنقسم هذه الطائفة إلى: عقّال وجهّال. فالعقّال هم عمدة الطائفة، ولهم رئيسان دينيّان يُسمّيان بشيخي العقّال، والأحكام الدينيّة مفوّضة إليهم.
وعندهم للوصيّة نفوذ تام، فإنّ الإنسان مختار أنْ يوصي قبل موته بأملاكه لمن يشاء، قريباً كان أم غريباً.
وقد أمر عقّالهم بتجنّب الشكّ، والشرك، والكذب، والقتل، والفسق، والزنى، والسرقة، والكبرياء، والرياء، والغشّ، والغضب، والحقد، والنميمة، والفساد، والخبث، والحسد، وشرب الخمور، والطمع، والغيبة، وجميع الشهوات والمحرّمات والشبهات، ورفض كلّ منكر من المآكل والمشارب، ومجانبة التدخين، والهزل والمساخر والهزء والمضحكات، وجميع الأفعال المغايرة لإرادته تعالى، وترك الحلف بالله صدقاً أو كذباً، والسبّ، و القذف، والدعاء بما فيه ضرر الناس.
وعندهم أنّه على كلّ مؤمن التحلّي بالعفاف، و الطهارة، والفعل الجميل، والكرم بالعلم، والمال، وخوف الله وطاعته، والرصانة، وصيانة العرض، وصدق اللسان، وصونه من الإفك والإثمّ والزور والبهتان مع استمرار ذكر الله وتسبيحه وتقديمه، وتقديم الصلوات والتضرّعات والتوسّلات لعزّته تعالى.ولا يجوز لعاقل أنْ يخلو بامرأة، ولا أنْ يردّ تحيّتها ما لم يكن بينهما ثالث.
وشأنهم التهذيب وكره الزيف والتّرف. وكلّ عاقل ارتكب القتل أو الزنى أو السرقة أو غيرها من الآثام يُطرد من مجلس العقّال الّذين يجلسون فيه للقيام بالفروض الدينيّة ويبقى مطروداً إلى أنْ تتحقّق ندامته وتوبته.
ومن شأن الدروز إكرام الضيف، و الشجاعة، والاقتصاد بالمعيشة(11).
وقد تناولت دائرة المعارف الإسلاميّة ما قيل في اعتقادهم بإلوهيّة الحاكم، ما هذا نصّه:
وقد قام مذهب الدروز على فكرة أنّ الله قد تجسّد في الإنسان في جميع الأزمان وهم يتصوّرون أنّ الله ذاته أو على الأقل القوّة الخالقة تتكوّن من مبادئ متكثّرة يصدر الواحد منها عن الآخر ويتجسّد مبدأ من هذه المبادئ في الإنسان.
فالخليفة الحاكم وفقاً لهذه العقيدة يُمثّل الله في وحدانيّته وهذا هو السبب في أنّ حمزة قد أطلق على مذهبه اسم مذهب "التوحيد" وهم يعبدون الحاكم ويسمّونه "ربّنا" ويفسِّرون متناقضاته وقسوته تفسيراً رمزيّاً، فهو آخِر من تجسّد فيهم الله. وهم يُنكرون وفاته ويقولون إنّه إنّما استتر وسيظهر في يوم ما وفقاً للعقيدة المهدويّة(12).
المصادر :
1- انظر:المذهب التوحيدي الدرزي، العسراوي، نجيب، ط3، 1990، ص59.
2- م.ن، ص 8 ـ 9.
3- م. س، ص12
4- يُتهم نشتكين الدرزي أنّه هو الّذي قام بتحريف كتب المذهب، بالإضافة إلى سُكين والبرذعي، انظر: م. ن، ص 76 و101 و114.
5- انظر:م.ن، ص66 ـ 68.
6- ولد سنة 820هـ وتوفي 884.
7- ولد سنة 1869م ـ وتوفي سنة 1946.
8- انظر:م. ن، ص 111- 112.
9- طليع، أمين، أصل الموحدين الدروز وأصولهم، معرض الشوف الدائم، ط3، 2001.
10- المراد أئمّة الدروز الّذين يعتقدون بهم.
11- دائرة المعارف، البستاني، ج7، ص 675- 677.
12- دائرة المعارف الإسلامية، ج9، ص 217- 218. الملل والنحل، جعفر السبحاني، ج8، ص: 345 و349.
/ج