للاطلاع علی وظائف الکبد فائدة کبيرة للاهتمام بالصحة والوقاية من الامراض التي قد تؤدة بالکبد الی التلف او عرقلة مهام ووظائف هذا الجزء المهم والحساس من الجسم والذي لايمکن تعويضه او الاستغناء عنه..
في الکبد يتحول الطعام إلى سائل من نوع خاص حتى يمتص ، وهنا تُرتَّب بطاقات سفر الغذاء حتى يمكن عبور الغشاء المخاطي ، والدخول إلى الزغابة المعوية وبالتالي إلى الدم الداخلي حتى يمكن الوصول إلى الكبد (1) ، لأن الأوردة التي تنقل محتوى الأغذية المختصة من الأمعاء تنقل بواسطة الوريد الباب ، وهذا يصل اولاً إلى الكبد ولنعبر عنه بمركز الجمارك العام.
ولنحاول تدبير جواز سفر وهو الاتفاق مع إحدى الخمائر التي تنقلنا إلى الداخل لنرى نهاية هذه الرحلة الاسطورية ، ثم لنمشي مع تيار الدم وبعد فترة قصيرة تلقي بنا عصا (2) الترحال إلى الجزيرة السحرية وهي عالم الكبد حيث نرى غدة محمرة تزن كيلوغرام ونصف ، وتعمل خلاياها (3) بنفس العمل ، إن هذه الغدة تقوم بما يصل إلى السبعين وظيفة من وظائف الجسم (4) الهامة والتي بدونها لا يعيش الجسم أكثر من ساعات محدودة معدودة ، فما هي هذه الوظائف على وجه الإجمال ؟
ندخل إلى الكبد مع الوريد الباب ، فيتفرع بنا إلى فروع أدق ، وهكذا نمشي في هذه المتاهة حتى نصل إلى التفرعات الأخيرة حيث تصل المواد إلى مراكز العمل الداخلية فما هو عملها ؟
في هذا المركز مستودعات التخزين العظيمة للسكر والبروتين والدسم والماء والدم ، والفيتامينات حيث يُختزن الفيتامين ب 12 وفيتامين C ( ث ) وفيتامين ( آ ) وغيره ، وهذا التخزين متحرك وليس بثابت ، فهو كالمحطة ركاب نازلون وركاب صاعدون والمواد في حركة دائمة وتبدل دائم.
وقصة تنظيم السكر التي تحدثنا عنها فيما سبق قصة عجيبة نضيف إليها أن الانسولين هو الهرمون الأساسي الذي ينظم عمل السكر وقد استطاع العالم سانجر أن يكتشف تركيبه بعد جهود دامت عشر سنوات ، وعُرف أنه مركَّب من سلسلتين من الأحماض الأمينية في السلسلة الأُولى ثلاثون حمضاً أمينياً ، وفي السلسلة المناظرة واحد وعشرون حمضاً أمينياً ، وبينهما جسور كبريتية مضاعفة وفيه (777) جوهراً.
وهكذا يعد الكبد من أعظم مستودعات التخزين في الجسم ، ولكن هذا المخزن لا تنقطع فيه الحركة ، كما أن فيه تحولات مدهشة ، فالسكر عندما يخزن يكثف إلى الغليكوجين ، كما ينحل إلى غلوكوز عندما يراد إطلاقه إلى الدوران ، وهذا تتولد الكريات الحمر عند الجنين بواسطة الكبد.(5)
الاختزان عجيب في تنوعه ، فالمستودعات العادية لا يمكنها أن تخزن الجوامد والسوائل وبقرب بعضها البعض ، بينما يقوم الكبد بتخزين السكر والبروتين والدسم والماء والدم والأملاح والفيتامينات وبشكل محوَّر. وقدرة الكبد في اختزان الدم تجعله احتياطياً محترماً في حالات احتياج البدن للدم ، كما تجعله يتدخل في تنظيم كتلة الدم الجوالة ، وبالتالي في ضغط الدم (ضغط الدم : يُقصد بضغط الدم باللغة الطبية مقدار الضغط داخل الشرايين الجهازية التي تشمل الأبهر وتفرعاته.أما من الناحية الوظيفية فيعني الضغط داخل تجاويف القلب الأربعة أثناء التقلص والانبساط ، إضافة إلى الشرايين والأوردة الشعرية.ويكون ضغط الدم في أعلى مستواه عند تقلص البطين الأيسر ، وعندها يرتفع الضغط داخله إلى 120 ملم زئبق ويؤدي ذلك إلى انفتاح الصمامات شبه الهلالية الواقعة في بداية الشريان الأبهر)(6)
وأما عمليات التكوين فهي أغرب ، فمن الكبد يتم تصنيع بروتينات الدم وهي الالبومين والغلوبولين والفيبرنوجين والبروترومبين والهيبارين ، والأجسام الضدية والعوامل المتدخلة في تخثر الدم) تخثر الدم : هو التجلط يقال تجلط الدم : تجمد داخل الأوعية الشعرية وخارجها.)
كالعامل الخامس والسابع. وهذه الأسماء التي أوردناها تحتاج كل كلمة إلى العديد من الصفحات لكي تشرح على الوجه الأكمل. فمثلاً موضوع تخثر الدم ـ حيث تشترك العديد من العناصر في إيجاده ـ المهم فيه هنا هو الاتزان العجيب في ميوعة الدم وتخثره ، فتخثر الدم يحدثه البروترومبين بينما يحدث ميوعته الهيبارين ، ومن اتزان هذين العنصرين ينساب الدم في العروق كأفضل ما يكون ، ينقل الغذاء والأكسجين ويعود حاملاً غاز الفحم وفضلات الاحتراق ، ولو زادت نسبة أحد هذين العنصرين بمقدار طفيف جداً لكان هذا معناه تخثر الدم أي تجلطه وانقلابه إلى أشبه ما يكون بالوحل ، كما أن العكس يجعل الدم في ميوعته كالماء (تفوق لزوجة الدم لزوجة الماء بخمس مرات.)وبهذا الاتزان البديع ينساب الدم في مجاريه محتفظاً بلزوجته ، قائماً بوظائفه.
ويعلم الكبد أن الحديد والنحاس والفيتامين ب 12 تتدخل كلها في صناعة الدم ، لذلك فهو يحتفظ بها في مستودعات التخزين لكي ترسل حسب الحاجة ، فكيف تقوم بهذه الخلايا هذه الوظائف كلها ؟
ومن هذه التفاعلات المعقدة المضطرمة تنتشر الحرارة ويعم الدفء في الأحشاء فتطمئن إلى سير العمل وروعة البناء وإحكام التكوين.
ونقف أخيراً أمام اصطياد الجراثيم (مضادات للجراثيم : وهي مواد ( مشتقة من الكائنات الحية مثل الفِطْر أو البكتيريا ) تقتل أو توقف نمو البكتيريا في الجسم ، وكل نوع منها فعال ضد نوع معين من البكتيريا ، وتأثيراتها الجانبية : هي الغثيان ، والتقيؤ ، والإسهال.أما محاذيرها فتكمن في عدم إكمال الجرعات الموصوفة دائماً مما يؤدي إلى معاودة الإصابة حيث تصبح المعالجة أكثر صعوبة بسبب مقاومة البكتيريا للمضاد)(7) والصباغات والمواد السامة ، وهي التي جعلتنا نسمي الكبد مركز الجمارك العام لأنه يفتش الدم القادم فيُبعد المشبوه ويمرر الطبيعي فإذا ما لوحظ أن هناك من يعبث بالنظام تصدى له بطرق يعجز عنها أعقل العقلاء.
هذه العملية هي ما تسمى بتعديل السموم ، فالسموم الداخلة إلى البدن يقوم الكبد بإيقاف أذاها بعدة طرق :
أولها : الاعتقال وإلقاء القبض على المجرم الضار حيث توضع في يديه الأقفال ويرسل مخفوراً إلى المراكز التي تتولى طرحه خارج البدن ، وهي ما تعرف بالازدواج الكبريتي أو الغلوكوروني ، أو الازدواج مع الحمض الأميني ، وهي طريقة كيمائية ـ حيث يرسل معه شرطي للرقابة يقوم بإيصاله إلى المركز الذي يتولى طرحه خارج البدن والشرطي هنا كماترى هو الكبريتات أو الحمض الأميني أو الحمض الغلوكوروني ، أو أن هناك طريقة آلية فيزيائية تستعمل مع الزئبق حيث يدفع إلى المنحدرات التي تتلقفه وترسله إلى المناطق التي تتولى طرحه خارج البدن وهي هنا الطرح عن طريق الأقنية الصفراوية إلى الأمعاء الدقيقة فالأمعاء الغليظة حيث ينطرح مع الغائط (8)
ولكن يحدث أن يوجد بعض المجرمين شديدي الخطر الذين يخشى من أن يتملصوا من يد الشرطي أو يفتكوا به ، أو الذين لا يجدي معهم الدفع والطرح ، فالطريقة المناسبة إذن هي السجن والاعتقال المديد ! وهكذا يحتجز المورفين والستركنين. ومن المعلوم أن السجون الإصلاحية تقوم بإرشاد المجرمين حتى إذا اطمأنت ألى عدم ضررهم في المجتمع أخرجتهم من السجون مرة أُخرى ، وهكذا يفعل الكبد مع هذه المواد حيث يطرحها بشكل بطىء بحيث إنها لم تعد تحدث الضرر في البدن.
وبالإضافة إلى هذا توجد الشبكات المنتشرة في الكبد التى تصطاد الجراثيم والأصبغة ، وهي أشبه بدوريات الشرطة التى تقف عند المفارق ، والمراكز الحساسة ، وهي ما تعرف بالشبكة الإندوتليالية ، وهكذا يتخلص البدن من أذى السموم والجراثيم والأصبغة. ولكن ما هى الحالة عندما يزداد ورود المواد السامة إلى الكبد فلا تستطيع التعديل ولا تكفيها المنفردات والزنزانات والسجون الجماعية ؟ هنا تحدث ثورة المساجين وهكذا يتدمر الكبد ويضطرب حبل النظام وتعم الفوضى ويتخرب الجسم ، هذا ما يحدث تماماً في الحالة المعروفة بتشحم الكبد أو تشمع الكبد حيث يؤدي تناول الخمر المستمر إلى تشمع الكبد ( يعد الإدمان على الخمر من أهم أسباب تشمع الكبد. حتى ان الاشتباه بهذا المرض يجعل الطبيب يسأل مريضه بشكل روتيني هل تشرب حليب السباع ، سخرية منه أي الخمر )(9). ومعنى تشمع الكبد الحكم بالإعدام البطيء على المصاب ومن هنا ندرك معنى تحريم الخمر في الإسلام ، ولماذا حرمت أمريكا الخمر على شعبها.
إن أمريكا أصرت على تحريم الخمر عام (1919) ميلادي وأصرت على التحريم أربعة عشر عاماًكاملة ، وحدث خلالها الشيء العجيب ، بليون نشرة تشرح أضرار الخمر ، (404) مليون دولار مصادرات ، (16) مليون دولار غرامات ، سجون (532335) شخص ، إعدامات رمي بالرصاص (300) شخص ، ومع كل هذا زاد عدد مصانع الخمر إلى عشرة أضعاف ، ولكن بشكل سري ! وأصبحت تجارة الخمر المحظورة تجارة مربحة ، سخرت الأساطيل والإمكانيات والقوى لصد الشعب عن هذه العين الآسنة ، ولكنه لم يرتدع لأن التكاليف لا تبنى إلا على أساس الإيمان ، وهكذا فعل الإسلام بنى العقيدة ورسخها ثم جاء بالتكاليف فحرمت الخمرة ونجحت التجربة بآيات قليلة ، وبركة تحريم الخمر سارية في بلاد الشرق حتى اليوم من أثر تلك التربية حيث لا يشكل عدد مدمني الخمر بالنسبة إلى العالم الغربي شيئاً يذكر.
ومن رحلة التخزين والتحويل والقلب والتكثيف والحل وتعديل السموم ،وادخار المواد ، وإفراز المصنوعات ، وتكوين البروتينات ، وبعد كل هذا نقف قليلاً لنوجه سؤالاً إلى الأطباء والعلماء العقلاء الذين يمرون على هذه الآيات وهم عنها معرضون ! أجيبونا على هذه الدقة العظيمة من صممها ؟ وعلى هذه الروعة الكامنة مَن هندسها ؟ وهل تقود هذه الى الخشوع والتبتل أم إلى الشرود والجفاف ؟ وهل تعمق الإيمان أم تزعزع اليقين ؟ وهل تفتح ينابيع الرحمة أم توصدها وتجعل القلب كقساوة الحجر ؟ أم تقود إلى الانكباب على المتاع الرخيص والانقياد إلى الملذات والشهوات وحب الجاه ؟ أم أن هذه المعلومات تعمق الهوة ما بين العلم والدين والأطباء والخالق الذي فطرهم ؟ ام ان الطب صومعة كفر وزاوية إلحاد أم أن الطب يقود إلى الانفلات وجم الفتات وتقليب الصفحات ؟ وتكديس أوراق البنكنوت ! اللهم لا ...
(أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ * أَلَيْسَ ذَٰلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ) (10).
المصادر :
1- قال الإمام الصادق (عليه السلام) : « كانت الكبد حدباء لتثقل المعدة وتقع جميعها عليها فتعصرها ليخرج ما فيها من بخار ». طب الإمام الصادق (عليه السلام) : ص 26 في مناظرته (عليه السلام) مع طبيب هندي / الامراض الشائعة : ص 183 يبلغ طول شرايين الإنسان مع العروق الشعرية بما يعادل 90 كيلومتراً.
2- مع رجال الفكر بالقاهرة القسم الأول : ص 139 لمّا قُتل الإمام علي عليه السلام تمثلت عائشة بقول الشاعر :فأَلقت عصاها واستقر بها النوى *** كما قرَّ عيناً بالإِياب المسافر
3- الذي يثير الدهشة العلمية : هو أن خلايا الكبد تتجدد مع الزمن./ نفحات من الإعجاز الطبي في القرآن الكريم : 89
4- للكبد دور في القوة الجنسية رغم كونها تستمد نشاطها من الغدد الجنسية غير أنها لا تعمل إلا بمساعدة الكبد. / نفحات من الإعجاز الطبي في القرآن الكريم : 88
5- نفس المصدر : 97
6- نفحات في العلم والمعرفة الطبية : ص 146 /مضادات ارتفاع ضغط الدم : وهي تخفض ضغط الدم ، وتأثيراتها الجانبية هي الدوار ، والطفح الجلدي ، والعجز الجنسي ، والكوابيس. دليل الأسرة الصحي : ج 3 ، ص 15
7- دليل الاسرة الصحي : ج 3 ، ص 14
8- الغائط : اسم فاعل ، السهل المنخفض من الأرض ، وكنوا به عن التبرز والبراز ، وهو المكان المنخفض من الأرض لقضاء الحاجة.
البراز : هو كناية عن ثفل بالثاء والفاء الغذاء ، وهو الغائط. ( مفتاح الطب : 167 ).
البراز : بكسر الباء المواد المطروحة من الأمعاء عند التبرز. ( المعجم الوسيط ).
9- الطب محراب الإيمان : 268 حاشية.
10- القيامة :36-40 / ( الطب محراب الإيمان ص 263 ـ 269 )