السلوک الجنسي

لقد ثبت يقينًا وجود علاقة في غاية القوة بين ضعف الوازع الديني الإيماني، وبين الانحرافات الخلقية والسلوكية، خاصة فيما يتعلق بسلوك الفتيات الجنسي، فبقدر ما يضعف الإيمان في قلوبهن، ويبهت تأثيره في نفوسهن: تزداد مظاهر انحرافهن
Tuesday, September 8, 2015
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
السلوک الجنسي
 السلوک الجنسي

 






 

لقد ثبت يقينًا وجود علاقة في غاية القوة بين ضعف الوازع الديني الإيماني، وبين الانحرافات الخلقية والسلوكية، خاصة فيما يتعلق بسلوك الفتيات الجنسي، فبقدر ما يضعف الإيمان في قلوبهن، ويبهت تأثيره في نفوسهن: تزداد مظاهر انحرافهن الجنسية بصورة أكبر، وقد دلَّ البحث الميداني على أن غالب البغايا لم يكن مضطرات لهذه المهنة الخسيسة؛ مما يؤكد أن المشكلة في الأصل تكمن في اضمحلال القوى الإيمانية، التي لم تعد تقدر على مواجهة غلبة الشهوات المفرطة، والنزوات الساقطة، وقد قال الحكماء من قبل: "الشهوة رق"، يعني أنها تسترق صاحبها؛ لأن "الشهوة إذا غلبت ولم تقاومها قوة التقوى: جرت إلى اقتحام الفواحش
"، ولهذا يقول الرسول موضحًا هذه العلاقة المتضا دة بين الإيمان والانحراف الجنسي: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن…))، حيث يمتنع اجتماعهما، ولما كان الإيمان بطبيعته نزيهًا طاهرا: ينزع من صاحبه، فلا يرجع إليه إلا إذا أقلع عن فعلته المنفِّرة للإيمان؛ إذ لا يمكن بحال أن يجمع العاصي -في وقت واح د-بين كمال الإيمان الرادع، وبين الكبائر ال مردية؛ ولهذا يجد المسلم في نفسه: من وخز الضمير، ومشاعر الاحتقار، بعد ارتكابه الفاحشة مالايجده الكافر، ومن هنا كان أسلوب الاعتراف في العهدين النبوي والراشدي - مع قلَّة الانتهاكات الجنسية- هو السبيل الوحيد لإقامة الحد، ومع هذا - رغم البون الشاسع- توصي منظمة الصحة العالمية بضرورة إدخال التربية الدينية ضمن المناهج الدراسية؛ بهدف الوقاية من مشكلات الانحرافات الجنسية المتفاقمة، مما يشير بوضوح إلى الأهمية الدينية - بصورة عامة- وتأثيراتها الروحية في ضبط السلوك الجنسي، وتعديل مساره بصورة إيجابية - تمامًا- على عكس ما يراه البعض.
وقد عالج المنهج الرباني شحنة الاندفاع الشهوانية بلجام التكاليف الشرعية؛ حتى تتوازن قوى الدوافع الجامحة، مع قوى الكوابح اللاجمة، ضمن مسار الاعتدال في السلوك الجنسي، الذي يتحقق من خلاله بقاء النوع الإنساني، وفْق منظومة الأخلاق والآداب اللازمة، ومن هنا جاء الإلزام بالتكاليف، والوعد والوعيد مع قوة انبعاث الشهوة الجنسية؛ لتضبط اندفاعها، وُتهذِّب عنْفها؛ ولهذا كثيرًا ما تلْجأ الفتيات نحو الشعائر التعبدية بأنواعها المختلفة؛ ليتخفَّفن بها من شدة الغلْمة وإلحاح الشهوة، فإن النشاط الروحي في البيئة الغنية بالأعمال الصالحة يخفِّف بدرجة كبيرة من حدة التوتر الجنسي؛ ولهذا أرشد الشارع الحكيم إلى عبادة الصيام -بصفة خاصة- كوسيلة تربوية فعالة لكسر الشهوة بصورة مشروعة لا ضرر فيها.
ومن هذا المنطلق الثابت للتأثير البالغ للإيمان على سلوك الفتيات الجنسي فإن على مؤسسات التربية في المجتمع أن تلحظ ذلك منهن،فتهيئ لهن فرص السمو الروحي من خلال مناهج العبادات التي تقوي إيمانهن، وتزيد من صلتهن بالله تعالى؛ حتى يستقر في نفوسهن وسلوكهن: "أن التعفُّف عما لا يحل الاست متاع والتلذذ به إيمان، وأن التهتك خلافٌ له".
مع كون الانحراف الفكري في المفاهيم الجنسية أخطر من مجردالوقوع في خطأ السلوك الجنسي؛ إلا أن الانحراف الجنسي إذا بلغ منتهاه فإنه غالبًا ما يجمع في شخص متعاطيه بين انحراف الفكر،وقبح السلوك، فينتقل من خلال غواية المسلك إلى غواية الفهم، فيجمع بين الرذيلتين، وقبيح الغوايتين.
وأهمية تربية الفتاة من الناحية الجنسية لا تقتصر -خاصة في العصر الحاضر- على مجرد إقناع الفتاة بأحكام العلاقات الجنسية وضوابطها؛ بل تتعدى ذلك إلى حمايت ها من أضرار الفساد الجنسي بأنواعه وجوانبه المختلفة؛ إذ ليس من الطبيعي في منهج التربية الإسلامي الاقتصار على التوجيه الفكري، والإقناع العقلي دون الاهتمام الجاد ببناء البيئة الطاهرة النقية، التي تساعد على الاستقامة السلوكية، الخالية من الفتنة والافتتان.
لقد مرت البشرية عبر حقب تاريخها الطويل بمظاهر متعددة، وصور متنوعة من الانحرافات الجنسية، التي كانت من بين الأسباب الرئيسية لزوال كثير من الحضارات، وأفول كياناتها بكاملها، وضياع إنجازاتها الكبرى، وما زال العامل الجنسي -كمحور رئيس للأخلاق-يهدد الحضارات الإنس انية المعاصرة بالزوال، ويبشِّر بقيام حضارة أخرى، على أسس جديدة من القيم الخلقية، والسلوك القويم، فإن مستقبل الإنسانية مرهون -إلى حد كبي ر- بالطريقة التي يتناول بها الإنسان تصريف طاقته الجنسية، التي يقوم عليها بقاء النوع، واستمرارالنسل، والتي امتزجت باللذ ة والمتعة لضمان استمرار عطائها، مما قد يدفع الإنسان -بهدف المتع ة- إلى الانحراف بهذه الطاقة بعيدًا عن مقصد الشارع من مبدأ تركيبها، لتصبح أداة إزعاج، وتدمير للإنسانية.
لقد أصبح من المسلَّم به عند الباحثين أن التوتر الجنسي الدائم هوسمة الحضارة المعاصرة، وطاب عها العام؛ بحيث يصعب على الفرد المعاصر -ذكرًا كان أو أنث ى- حماية نفسه من زخم الإثارة الجنسية العارمة، ومثيراتها المتنوعة، الضاربة في كل جنبات الحياة الحضرية المعاصرة، والمتغلغلة في جزئياتها الصغرى، وكلياتها الكبرى، مما كان له بالغ الأثر في دفع الناس عمومًا ، والشباب على وجه الخصوص إلى مزيد من الممارسات الجنسية -مشروعة كانت أو ممنوع ة- حتى عمت الثورة الجنسية كل طبقات المجتمعات المعاصرة من الصغاروالكبار؛ بل وحتى الحيوانات لم تسلم من طغيان الثورة الجنسية؛ فقد كان بعضها موضع استمتاع لبعض الناس من الشواذ والمنح رفين جنسيًا، من الذكور والإناث حتى وصل الانحراف إلى بعض البلاد العربية.
ولم تكن سنة الله تعالى الجارية في خلْقه لتتخلف عن المفرطين والمنحرفين، حتى عمهم الله تعالى بالأمراض والأسقام التي لم تكن في أسلافهم، خاصة مرض نقص المناعة المكتسب ة: "الإيدز"، الذي ما زال يحصد ضحاياه بصورة فاجعة فريدة، لم يسبق لها مثيل في التاريخ الإنساني، مما دفع بعض المنظمات الأمريكية إلى المناداة من جديد بمحاربة الانحرافات الجنسية والأخلاقية، ودعم - في مقابل ذلك-الأسرة والاستقرار المنزلي.
إن من الضروري -والحالة هذ ه- السعي الجاد ف ي حماية المجتمع المسلم عامة، والفتاة المسلمة خاصة، من هذا الانحراف الداهم؛ فإنهن في سن الشباب أكثر عرضة للإصابة بمرض الإيدز من الذكور؛ لكونهن أسرع بلوغًا، وبالتالي هن أيضًا أسرع تبكيرًا من الذكور في ممارسة العلاقات الجنسية المحرمة، والإحصائيات العالمية الحديثة تشير إلى أن الإناث عمومًا يمثلن نصف المصابين بهذا المرض 24 سنة: - تقريبًا، ولما كان هذا المرض يفتك غالبًا بالشباب ما بين١٥ - ٣٠ % فإن الإناث يمثلن من المصابين به دون سن الخامسة والعشرين.
ومجتمع العالم اليوم يعد قرية واحدة يؤثر بعضه في بعض،ومظاهر الانحرافات الخلقية ملازمة لبناء المجتمع الحضري، في ظلِّ الوصاية الغربية ضمن مفهوم العولمة، ف لا بد أن يستقر في ذهن الفتاة المعاصرة أن العلاقة في غاية القوة بين الانحراف الجنسي بمظاهره المختلفة، وبين ما يتولَّد عنه من أضرار صحية شاملة، ومن المعلوم شرعًا أ ن: "الرضا بالشيء: رضا بما يتولد منه"، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر.
إن من أهم وسائل الصحة الجنسية بعد تقوى الله تعالى، والأخذ بسنة النكاح: تربية الفتاة على أدب الاستعفاف الجنسي الذي يعد اساس الفضائل الخلقية؛ وذلك لضرورته الإنسانية من جهة صلته المباشرة بجانب اللذة الجسدية، حيث يضبط دوافع الشهوات المختلفة بين درجتي محذرًا الشره المفرط، والجمود المفسد، ولما كانت الشهوة الجنسية عند الشباب أعنف شهواتهم الحسية،وأخطرها على انتظام حياتهم الاجتماعية: فإن بعث خلق العفة في سلوكهم الجنسي من أوجب وأهم حاجاتهم التربوية، لكونها ملكة خلقية تعصم من الفواحش الجنسية، خاصة في هذا العصر الذي زاد فيه الاحتكاك الجسدي بين الجنسين بصورة واسعة ومستمرة، حتى إنه لا يبعد في ظروف الحياة الاجتماعية والاقتصادية القاسية: أن ترتمي -رغم أنفها- على صدر شاب في حافلة مزدحمة، ثم يطالب ا لاثنان بسلوك الرهبان، فأي قدر من العفَّة هذا الذي يحتا ج إليه الشباب من الجنسين في مثل هذه الظروف الاجتماعية المثيرة؟.
ومع أن العفة الجنسية خُلق يطالب به الجنسان، إلا أنه في حق الإناث آكد، ولطبيعة دورهن أوجب من جهة حراسة النسب، فهن من مشددًا هذه الجهة مؤتمنات على فروجهن، وفي هذا يقول الرسول عليهن في هذا الشأ ن: (( أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء، ولن يدخلها الله جنته…))؛ وذلك لكونها تدخل على الأسرة من يتطلع على عورات أهلها، ويشْركهم في أموالهم بغيرحق، إلى جانب ما يلحق الأسرة عند الافتضاح من العار والشنار، وما زالت المجتمعات الإنسانية بوجه عام تعظِّم -بصورة ما- شأن العفة في الإناث، وُتطالبهن بها أكثر بكثير مما تطْلبه، وتشدد عليه في أمرالذكور؛ ولهذا تعاقب بعض القوانين على خطف الأنثى أشد من معاقبتها على خطف الذكور، "وفي المجتمع الأمريكي تدان المرأة المدمنة أكثر مما يدان الرجل المدمن"، "ودائمًا المجتمع أكثر تسامحًا إزاء مخالفات الذكور عن مخالفات الإناث"، وفي هذا الشأن يقول يزيد بن ميسر ة: "المرأة الفاجرة كألف فاجر"؛ ولهذا خصت الإناث من بنات آدم بغشاء البكارة دون سائر الخلق؛ ليكون دليلا على العفة والعذرية، ووسيلة معينة للإناث على التعفف ، فهن -دائمًا- بالفطرة أقرب في العموم إلى معاني الشرف والفضيلة من الذكور، ولا يعرف فيهن الانحراف الجنسي إلا في الوقت الذي يفقدن فيه أصول القيم الخلقية، ويتنكَّرن للآداب الاجتماعية، فعندها تسيطر الغريزة، فلا يقف في سبيل إشباع نهمتها، وقوة اندفاعها حائلٌ من رغبة أو رهبة، ولوحِيكت منافذ فروجهن بالأوتار القاسية، أو شدت عليها أحزمة العفة المحكمة، ما لم تكن العفة خُلقًا أصيلا ينبعث من داخل نفوسهن؛ فإن الأخلاق لا تسمى أخلاقًا بمجرد التلبس بها، حتى تتشرب بها النفس،وتكون سجية طبيعية لها، والعفة ليست جوهرًا من جواهر النفس، بمعنى أنها جزء من الذات، وإنما هي لو ن من ألوانها، وشرط ضروري لمروءة الإنسان، يحتاج في إيجادها وتفعيلها إلى التربية والتهذيب والمجاهدة.
ولما كانت الوسيلة إلى العفة الجنسية: ضبط الجوارح عن المستلذات المثيرة، فإن باب النظر بحاسة البصر أوسع أبواب الإثارة الجنسية، فهو كالمصيدة، يزرع في القلب ال شهوة، فمع كون الإناث في العموم أقلَّ تأثرًا بالمثيرات البصرية من الرجال، وأكثر تأثرًا بالمثيرات السمعية إلا أنهن مع ذلك يتأثرن من جهة البصر، خاصة وأن كثرة وقوع أبصارهن على ما يثيرهن من مستلذات النظر يفوق من جهة النوع والتكرار حجم ما تسمعه إحداهن -بصورة مباشرة-من العبارات المستعذبة المثيرة؛ ولهذا فإن الفتاة في باب النظر إلى المحرمات المشْتهاة كالرجل مأمورة بغض البصر، لاسيما إن هي خشيت على نفسها الفتنة، أو قصدت بنظرها التلذذ، فلا خلاف حينئذٍ في حرمة ذلك عليها.
ولعل مما يعين الفتاة على ضبط سلوكها الجنسي: أن تعرف أن العفَّة أقْصر طرق الأنثى إلى قمة الفضيلة، وأنها ما دامت عفيفة فهي محصنة؛ لأن إحكامها لرغباتها الفطرية، وإيقاعها الهزيمة بشهواتها الجسدية دليل على قوة شخصيتها؛ فإ ن: "عبد الشهوة أذل من عبد الرق"، ومن تعثَّر بالشهوات ضعف أمام الشبهات؛ فإنه "لا يقوى على ترك الشبهات إلا من ترك الشهوا ت"، والفتاة "العفيفة بها طمأنينة، وثقة في نفسها لا يخطؤها إنسا ن"، وما عَلتْ أخبار نبي الله يوسف و جريج، وصاحب الغار إلا من هذه الجهة، ثم إن العفة في الأنثى سلوك غير مستغرب؛ ففي عالم الحيوان يكون الامتناع –بصورة عامة- عن الاتصال الجنسي من جهة الأنثى، وفي بعض الحيوانات يكون من الذكر والأنثى معًا، إلا أنه لا يكون الامتناع أبدًا من جهة الذكر دون الأنثى، ولهذا السلوك الحيواني دلالته التربوية لأنثى الإنسان، حين تكون العفة فيها أصلا أصيلا في سلوكها الجنسي.
إن وجود شيء من الكبت المعتدل للدافع الجنس ي: سلوك طبيعي مستساغ في التصور الإسلامي، حيث ينعكس تأثيره بصورة إيجابية على نشاط الفتا ة: الروحي، النف سي، والعقلي، كما أنه مع هذا ميدان لتنافس الفتاة الأخروي؛ فإن حفظ الفر ج طريق الجنة والرضوان، ولا يفهم من هذا تجرد الفتاة المتدينة المنضبطة عن دوافعها الجنسية، أو أنها أقل شهوة من غير المتدينة،فإن الدوافع الجنسية بينهما متشابهة، وإنما الاختلاف بينهما في تفاوت قدرتهما على ضبط سلوكهما الجنسي.
ومع كل هذا فإن العفة الجنسية أصبحت اليوم - في ظلِّ آثار الثورة الإباحية المسعور ة- مطلبًا عالميًا محترمًا ، يحظى بالجلال العلمي، القائم على قوانين كونية صادقة لا تتخّلف، تفرض على الناس - رغمًا عنه م- احترام القيود الجنسية التي جاءت بها الأديان السماوية لمصلحة الإنسان، حتى وإن لم يتقيدوا بها،وقد ظهرت في الأوساط الاجتماعية الأمريكية - رغم انحلالها-مؤسسات دينية تدعو إلى العفة الجنسية، وحصر النشاط الجنسي في نطاق الحياة الزوجية، وقد استجاب إلى ذلك كثير من الشباب والشابات، ووقَّعوا على بطاقات يتعهدون فيها أ مام الله تعالى بالتقيد بذلك.
يعتبر الزنا من كبائر الذنوب، الموجبة لغضب الله تعالى وغيرته،والجالبة للهلاك والدمار الشامل، لما فيها من الاعتداء على حق الله تعالى، وانتهاك حرمة الفرج الحرام؛ إذ هو في الشريعة أعظم جرمًا من انتهاك حرمة الأموال.
ومع كون الزنا علاقة جنسية محرمة بين ذكر وأنثى، يستويان فيها أمام الشريعة في مبدأ المؤاخذة والمحاسبة: فإن الفتيات المنحرفات ألصق بهذه الجريمة الخلقية من غيرها من الجرائم، وأكثر تورطًا فيها من الذكور، ولهذا يعد وصف البغاء وصفًا خاصا بالمرأة الفاجرة، وقد أشار المولى في كتابه العزيز إلى هذا المعنى حين قدم ذكر الزانية على الزاني في إقامة الحد.
وقد شهدت المجتمعات المعاصرة ولاسيما غير المسلمة –بنسب مرتفعة- انتشار فاحشة الزنا بصور لم يسبق لها مثيل في التاريخ خاصة بين الفتيات، حيث تعيش ٦٠ % من الشابات مع رجال دون عقود زواج .
٧٥ % من الإناث ينجبن أطفالا خارج نطاق الزواج- وفي تقرير للمعهد الوطني الفرنسي للأبحاث الديموغرافية أن٤٠ % من نسب الولادات تتم خارج نطاق الحياة الزوجية، وقد كشفت دراسة أجريت في بعض دول أوروبا عام ١٩٩٢ م أن ٩٩ % من الإناث يفقدن بكارتهن بوصولهن سن السابعة عشر، بل إن البكر دون السادسة عشرة يندر وجودها في بعض هذه البيئات الاجتماعية المنحرفة، ومن أعجب ما يروى في هذا الشأ ن: أن طفلا "ترك اسم أبيه ناقصًا في الاستمارة المدرسية، وقد أفاد الطفل بأنه غير متأكد ممن عساه أن يكون أباه … وعندما حضرت الأم إلى المدرسة، أظهرت شدة أسفها لأنها هي أيضًا لم تكن متأكدة من اسم والد الطفل،ولم تظهر أي ارتباك في ذكر هذا الأمر".
وقد نتج عن هذا الوضع العالمي المنحر ف: توسع الفتيات الهائل في علاقاتهن وممارساتهن الجنسية لتشمل حتى المحارم من الذكور، وتصل ببعضهن الغواية الجنسية إلى حد الاحتراف، بحيث يقعن تحت سلطان شبكات الدعارة العالمية أو المحلية المنظمة، فتصبح إحداهن كالأمة المسترقة لا خلاص لها، في الوقت الذي يتَّفق فيه العالم على محاربة البغاء، وتجمع كل الدول على منع الرق بصوره المختلفة؛خاصة ما يسمى بالرقيق الأبيض، الذي تمتلك فيه الفتاة الحرة معنويًا للقوادين، يستذلُّونها جسديًا بهدف الربح المادي، كما كان الفجار في عصر الجاهلية يستخدمون الإماء، وهذا النوع من الرق المعنوي أقبح في الحقيقة- من الرق الحسي، الذي يعرفه صاحبه، ويسعى فيه لخلاص نفسه.
ولئن كانت المتاجرة بأعراض النساء أو ما يسمى بالبغاء التجاري أمرًا قديمًا فإنه في هذا العصر أوسع من ذي قبل، وأكثر شيوعًا، فقد ارتبط بالحياة الحضارية، وأصبح ظاهرة من ظواهرها المعتادة،ولاسيما في الفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، التي شهدت توجهًا عالميًا صريحًا، ومتزايداً نحو نشر المعرفة الجنسية، والتسامح في العلاقات المحرمة بين الجنسين، حتى إن ألمانيا اعترفت مؤخرًا بالبغاء، واعتبرته مهنة رسمية كسائر المهن الأخرى.
إن العالم الإسلامي المعاصر لم يكن بمنأى عن هذه الانحرافات الجنسية بصورها المختلفة: فإن ظهور الزنا نبوءةٌ صادقة، وتتبع سَننِ أهل الكتاب سبيل هذه الأمة المحتوم، فما من انحراف عندهم -أيا كان نوعه- إلا كان للأمة نصيب منه حتى زنى المحارم، وقد شهد واقع المجتمعات الإسلامية المعاصر صورًا مشابهة -بنسب مختلف ة- تطابق جميع أنواع الانحرافات الجنسية في المجتمعات الكافرة، حتى إن الأمة الإسلامية اليوم لا تنتظر من أنواع الانحرافات الجنسية المتوقَّعة في ديارها إلا التسافد في الطرق، وافتراش النساء فيها، اللذين أخبر بوقوعهما المعصوم عليه الصلاة والسلام.
وتتَّضح المشكلة بصورة أوضح با لنسبة للعالم الإسلامي حينما تسجل الإحصائيات الرسمية أن جريمة الاختلاء المحرم بين رجل وامرأة تأتي ثاني الجرائم الأخلاقية من جهة الترتيب في المملكةالعربية السعودية، التي تُعد أكثر دول العالم محافظة وأمنًا، مما ينبه إلى خطر داهم، ويشير إلى نسب في دول أخرى عربية وإسلامية تفوق هذه كمًا وكيفًا.
وقد لاحظ الباحثون أن العوامل التي تدفع الفتاة للوقوع في فاحشة الزنا بأنواعها وأساليبها المختلفة ترجع غالبًا إلى ثلاثة أنواع من العوامل:
عوامل اجتماعية: من حيث تفريط المجتمع في المبادئ والقيم الأخلاقية، من خلال إشاعة الفو احش والتحريض عليها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وتعطيل حدود الله تعالى، مما يجرئ المنحرفين على الوقوع في الفواحش، إلى جانب ضعف مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا يجد المنحرفون في المجتمع من يردعهم عن الوقوع في الانحرافات، أو على الأقل ينصحهم بترك الخطأ، والالتزام بالآداب والأحكام الشرعية.
عوامل أسرية: من حيث تحلُّل الروابط العائلية، وكثرة المنازعات الوالدية، وسوء التربية بضياع القيم الدينية والأخلاقية، والقسوة الأبوية المفرطة، مع فقدان الرقابة الأسرية الواعية على سلوك الفتيات ، إلى جانب ظروف الأسرة الاقتصادية ال مختلَّة، التي ُتلْجئ الفتاة بقسوتها -في بعض الأحيان- إلى الاتجار بجسدها في المجتمع، وتدفعها داخل الأسرة للاحتكاك الجسدي بمحارمها، إذ لا تستطيع الأسرة الفقيرة لضيق المكا ن: أن تطبق آداب الاستئذان، ومبدأ التفريق بين البالغين في المضاجع، فضلا عن تطبيقها هذا الأدب الإسلامي مع الأطفال المقاربين للبلوغ.
عوامل شخصية: من حيث طبيعة الفتاة العدوانية، ورغبتها في الاستقلال عن الأسرة، وبلوغ ح د الرشد، والاطمئنان من خلال احتكاكها بالجنس الآخر على كمال نموها الأنثوي، وقدرتها على الحمل، مع اشتداد جوعها ا لعاطفي، وافتقارها إلى الحب، ورغبتها في الاستمتاع الشهواني، إلى جانب إخفاق الحياة الزوجية، والحقد على عنصر الرجال، وضعف مستوى الإدراك العقلي، وشعور بعضعهن بالاحتقار الاجتماعي، والرغبة في مزيد من الكماليات المادية، فلئن كان هناك نسبة من محترفات البغاء سلكن ه ذا الطريق المنحرف بسبب الفقر فإن نسبة كبيرة منهن سلكنه لمجرد الرغبة في الرفاهية المادية، وتحسين وضع أسرهن الاقتصادي، والمنافسة مع القرينات، ولما يحملنه في نفوسهن من الفسق والفجور، حتى إن بعضهن يدخلنه تطوعًا بلا إكراه، ولا يرغبن العدول عنه، فتندفع إحداهن ب طيشها، وفجورها في مهاوي الرذائل والقبائح الخلقية.
إن هذه العوامل المتعددة رغم أهمية بعضها وخطورته، وضرورة إشباعها لا يمكن أن تكون عذرًا كافيًا لوقوع الفتاة في مهاوي الفاحشة والرذيلة؛ فإن الإسلام لا يجيز للفتاة المسلمة -تحت أي ظر ف- أن تمكِّن بإرادتها رجلا من نفسها، يستمتع بها بغير حق وهي قادرة على دفعه، إلا أن تغْلب على أمرها، فلا تستطيع شيئًا.
والواجب الشرعي يحتم على المجتمع والأسرة أن يقوم كلٌ بواجبه تجاه الفتاة، بما يحقق رغباتها، ويسد حاجاتها، ويحفظها من الانحراف ضمن الحدود الشرعية، وفي الجانب الآخر فإن الواجب الشرعي على الفتاة أن تلتزم بما أوجبه الله عليها من المحافظة على نفسها وعرضها، وأن تجاهد في هذا السبيل مستعينة بالله، سواء قام المجتمع والأسرة بواجباتهما تجاهها، أم لم يقوما، فإن تقصير المجتمع أو الأسرة في واجباتهما، لا يعفي الفتاة من القيام بواجبها تجاه نفسها قدر استطاعتها.
المصدر :
تحقيق راسخون

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.