قال الله تعالى لنبيه وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُق عَظِيم مادحا له بذلك و كفى بذلك مدحا له و قيل سبب نزول هذه الآية أنه قد كان (صلی الله عليه وآله وسلم) قد لبس بردا نجرانيا ذا حاشية قوية فبينما هو يمشي إذ جذبه أعرابي من خلفه فجرت في عنقه فقال له أعطني عطائي يا محمد فالتفت إليه مبتسما و أمر له بعطائه فنزل قوله تعالى :(وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُق عَظِيم).
فمدحه الله بهذه مدحة لم يمدح بها أحد من خلقه و سئل النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)أي المؤمنين أفضلهم إيمانا فقال أحسنهم خلقا و قال الصادق (عليه السلام)أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا
و قال إن الصبر و الصدق و الحلم و حسن الخلق من أخلاق الأنبياء و ما يوضع في ميزان امرئ يوم القيامة شيء أفضل من حسن الخلق .
و قال رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)إن الخلق الحسن يذيب الخطيئة كما تذيب الشمس الجليد و إن الخلق السيئ يفسد العمل كما يفسد الخل العسل و قال إن حسن الخلق يثبت المودة و حسن البشر يذهب بالسخيمة و من أيقن بالخلف سخت نفسه بالنفقة فاستنزلوا الرزق بالصدقة و إياكم أن يمنع أحدكم من ذي حق حقه فينفق مثله في معصيته .
و قال إن حسن الخلق يبلغ درجة الصائم و القائم و قال (عليه السلام)إن الله يعطي العبد على حسن خلقه من الثواب كما يعطي المجاهد في سبيل الله و قال الرفيق يمن و الخرق شؤم و قال أقربكم مني غدا في الموقف أصدقكم للحديث و أداكم للأمانة و أوفاكم بالعهد و أحسنكم خلقا و قال يا بني عبد المطلب أفشوا السلام و صلوا الأرحام و أطعموا الطعام و أطيبوا الكلام تدخلوا الجنة بسلام و قال أبو حمزة الثمالي قال علي بن الحسين إن أحبكم إلى الله أحسنكم خلقا و أعظمكم عملا و أشدكم فيما عند الله رغبة و أبعدكم من عذاب الله أشدكم حشمة و أكرمكم عند الله أتقاكم .
و قال الصادق (عليه السلام)لجراح المدائني أ لا أحدثكم بمكارم الأخلاق قال بلى فقال الصفح عن الناس و مواساة الرجل أخاه في الله و ذكر الله كثيرا و قال رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)أحلم الناس الذين إذا غضبوا عفوا و أصبرهم أكظمهم للغيظ و أغناهم أرضاهم بما قسم الله و أحبهم إلى الله أكثرهم ذكرا و أعدلهم من أعطى الحق من نفسه و أحب للمسلمين ما تحب لنفسك و اكره لهم ما تكره لنفسك و قال الحسن بن عطية قال أبو الحسن عليه السلام مكارم الأخلاق عشرة فإن استطعت أن تكون فيك فلتكن فإنها تكون في الرجل و لا تكون في ولده و تكون في ولده و لا تكون فيه تكون في العبد و لا تكون في الحر صدق الحديث و أداء الأمانة و صلة الرحم و إقراء الضيف و إعطاء السائل و المكافأة على الصنائع و التذمم للجار و الصاحب و رأسهن الحياء و كثرة الذكر و قال أبو عبد الله (عليه السلام)من صدق لسانه زكى عمله و من حسنت نيته زيد في رزقه و من حسن بره في أهل بيته مد في عمره .
و قال (عليه السلام)لا تغروا بصلاتهم و صيامهم فإن الرجل ربما لهج بالصلاة و الصيام حتى لو تركهما استوحش لذلك و لكن اختبروهم عند صدق الحديث و أداء الأمانة و صلة الأرحام و البر بالإخوان و قيل للأحنف بن قيس ممن تعلمت الحلم فقال من قيس بن عاصم المنقري قال كان عنده ضيف فجاءت جاريته بشواء في سفود فوقع على ابن له فمات من ساعته فدهشت الجارية فقال لها لا روع و لا خوف و لا جزع عليك و أنت حرة لوجه الله و قال النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم ببسط الوجه و حسن الخلق .
و عنه (عليه السلام)ثلاثة لا تعرف إلا في ثلاثة لا يعرف الحليم إلا في الغضب و لا الشجاع إلا في الحرب و لا الأخ إلا عند الحاجة و تبع الأحنف رجل يشتمه في طريقه فلما قرب من داره قال له يا هذا إن كان بقي في نفسك شيء فقله قبل أن يسمعك خدمي و قومي فيقتلوك و دعا علي بن الحسين (عليه السلام)عبدا له فلم يجبه مرات فقال له ما منعك من جوابي فقال أمنت عقوبتك فقال امض فأنت حر لوجه الله تعالى .
و من حسن الخلق أن العبد يعطي الناس من نفسه ما يحبه أن يعطوه من أنفسهم و هو أيضا احتمال ما يقع من جفاء الناس و احتمالهم من غير ضجر و لا حرد و قال موسى (عليه السلام)في مناجاته أسألك يا رب أن لا يقال في ما ليس في فقال يا موسى ما فعلت هذا لنفسي فكيف لك و الخلق الحسن احتمال المكروه مع بسط الوجه و تبسم السن و سئل رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)عن الشؤم فقال سوء الخلق و قيل له يا رسول الله ادع الله على المشركين ليهلكهم الله فقال إنما بعثت رحمة لا عذابا .
و قال رجل للرضا (عليه السلام)ما حد حسن الخلق فقال إن تعطي الناس من نفسك ما تحب أن يعطوك مثله فقال ما حد التوكل فقال إن لا تخاف مع الله أحدا فقال أحب أن أعرف كيف أنا عندك فقال انظر كيف أنا عندك و قال المتوكل لعلي بن محمد الهادي (عليه السلام)كلاما يعاتبه و يلومه فيه فقال له لا تطلب الصفو ممن كدرت عليه و لا الوفاء ممن صرفت سوء ظنك إليه فإنما قلب غيرك لك كقلبك له و قال (عليه السلام)لا يكمل المؤمن إيمانه حتى تكون فيه ثلاث خصال خصلة من ربه و خصلة من نبيه و خصلة من إمامه فأما التي من ربه فكتمان السر فإنه قال تعالى فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُول و أما التي من نبيه فإنه قال له خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ و أما التي من إمامه فالصبر في البأساء و الضراء فإن الله تعالى يقول وَ الصّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَ الضَّرّاءِ .
و من حسن الخلق أن يكون الرجل كثير الحياء قليل الأذى صدوق اللسان قليل الكذب كثير العمل قليل الزلل وقورا صبورا رضيا شكورا رفيقا عفيفا شفيقا لا نمام و لا غياب و لا مغتاب و لا عجول و لا حسود و لا بخيل يحب في الله و يبغض في الله و يعطي في الله و يمنع في الله و يرضى في الله و يسخط في الله و يحسن و يبكي كما أن المنافق يسيء و يضحك.
و قال النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)إن أقرب الناس إلى الله تعالى يوم القيامة من طال جوعه و عطشه و حزنه في الدنيا فهم الأتقياء الأنقياء الأحفياء الذين إذا شهدوا لم يعرفوا و إذا غابوا لم يفقدوا تعرفهم بقاع الأرض و تحف بهم ملائكة السماء تنعم الناس بالدنيا و تنعموا بذكر الله افترش الناس الفرش و افترشوا هم الجباة و الركب و سعوا الناس بأخلاقهم تبكي الأرض عليهم لفقدهم و يسخط الله على بلد ليس فيها منهم أحد لم يتكالبوا على الدنيا تكالب الكلاب على الجيف شعثا غبرا يراهم الناس فيظنون أن بهم داء أو قد خولطوا أو ذهبت عقولهم و ما ذهبت بل نظروا إلى أهوال الآخرة فزال حب الدنيا عن قلوبهم عقلوا حيث ذهبت عقول الناس فكونوا أمثالهم و قال أبو عبد الله (عليه السلام)مكارم الدنيا و الآخرة أن تصل من قطعك و تعطي من حرمك و تعفو عمن ظلمك .
السخاء و الجود
قال الله تعالى وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ و قال سبحانه وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً ،فمدح سبحانه أهل الإيثار و إن كان بهم خصاصة و المطعمين الطعام على حبه قيل على حب الطعام و قيل على حب الله و يجوز أن يكون على حبهما معا و هذه الآية نزلت في علي و فاطمة و الحسن و الحسين (عليه السلام)بلا خلاف و قال النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)السخي قريب من الله قريب من الناس قريب من الجنة بعيد من النار .
و البخيل بعيد من الله بعيد من الناس بعيد من الجنة قريب من النار و الجاهل السخي أحب إلى الله من العابد البخيل و لا فرق بين الجود و السخاء و لا يسمى الله تعالى بالسخاء لعدم التوقيف على ذلك من كلامه و كلام رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)و جل كلام العلماء .
و قال علي بن الحسين (عليه السلام)إني لأبادر إلى قضاء حاجة عدوي خوفا أن يقضيها له غيري أو أن يستغني و قال آخر ما أحب أن أرد أحدا عن حاجة إما أن يكون كريما فأصون عرضه أو لئيما فأصون عرضي و قال رجل لرجل من أين أنت فقال أنا من المدينة فقال له لقد أغنانا رجل منكم سكن عندنا و ذكره له فقال له إنه أتاكم و لا مال له فقال له ما أغنى بماله و لكن علمنا الكرم فجاد بعضنا على بعض و روي أن أمير المؤمنين (عليه السلام)إذا أتاه طالب في حاجته فقال له اكتبها على الأرض فإني أكره أن أرى ذل السؤال في وجه السائل.
و جاء رجل إلى الرضا (عليه السلام)فقال يا ابن رسول الله لقد فقدت نفقتي و لم يبق معي ما يوصلني إلى أهلي فاقرضني و أنا أتصدق به عنك فدخل داره و أخرج يده من الباب و قال خذ هذه الصرة و كان فيها مائتي دينار و قال له لا حاجة لنا إلى صدقتك فقال له يا ابن رسول الله لم لا تخرج وجهك فقال نحن أهل بيت لا نرى ذل السؤال في وجه السائل .
و سأل رجل الحسن بن علي (عليه السلام)شيئا فأعطاه خمسين ألف درهم و أعطى الجمال طيلسانه كراه و قال تمام المروءة إعطاء الأجرة لحمل الصدقة و قيل إن أمير المؤمنين (عليه السلام)بكى يوما فسألوه عن سبب بكائه فقال مضت لنا سبعة أيام لم يأتنا ضيف و ما كانوا يبنون منزلا إلا و فيه موضع للضيافة و ضيف الكريم كريم أربعة أشياء لا ينبغي للرجل أن يأنف منها قيام الرجل في مجلسه لأبيه و إجلاسه فيه و خدمة الرجل لضيفه و خدمة العالم لمن يتعلم منه و السؤال عما لا يعلم و كانوا (عليهم السلام)يخدمون الضيف فإذا أراد الرحيل لم يعينوه على رحيله كراهة لرحلته .
و أعظم الجود الإيثار مع الضرورة الشديدة كما آثر آل محمد (علیهم السلام)بالقرص عند حضور إفطارهم و باتوا مطوين فمدحهم الله سبحانه بسورة هل أتى .
ينبغي للعبد أن يكون الغالب عليه الإيثار و السخاء و الرحمة للخلق و الإحسان إليهم فإن هذه أخلاق الأولياء و هو أصل من أصول النجاة و القرب من الله تعالى فقد قال النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)السخاء شجرة من أشجار الجنة من تعلق بغصن منها فقد نجا و قال جبرائيل (عليه السلام)قال الله تعالى هذا دين أرتضيه لنفسي و لا يصلحه إلا السخاء و حسن الخلق فالزموهما ما استطعتم .
و قال (صلی الله عليه وآله وسلم)جبل الله أولياءه على السخاء قالوا يا رسول الله أي الأعمال أفضل فقال السخاء و حسن الخلق فالزموهما تفوزوا و قال (صلی الله عليه وآله وسلم)الرزق إلى السخي أسرع من السكين إلى ذروة البعير إن الله تعالى يباهي بمطعم الطعام الملائكة و قال خلقان يحبهما الله السخاء و حسن الخلق و خلقان يبغضهما الله البخل و سوء الخلق و لقد جمع الله تعالى ذلك في قوله وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ و روي أن بني عبد الله بن جعفر بن أبي طالب لاموه في كثرة عطائه فقال يا بني إن الله عودني أن يمدني و عودته أن أجود به على خلقه فأخاف أن أقطع العادة فتنقطع المادة .
و روي أنه دخل ذات يوم إلى حائط له و فيه عبد لجاره و بين يديه ثلاثة أقراص فدخل إليه كلب فرمى له بواحد ثم الآخر ثم الآخر فقال له هلا أكلت منها و أطعمته فقال إنه غريب جائع فآثرته على نفسي فقال عبد الله يلومني على السخاء و هذا أسخى مني ثم اشتراه و أعتقه و ملكه هذا الحائط و العجب لمن يبخل بالدنيا و هي مقبلة فإن الجود لا يفنيها أو هي مدبرة فإن البخل لا يبقيها و لقد أحسن من قال شعرا :
إذا جادت الدنيا عليك فجد بها *** على الناس طرا قبل أن تتفلت
فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت *** و لا البخل يبقيها إذا هي ولت
و روي أن أمير المؤمنين (عليه السلام)قال لكميل بن زياد يا كميل مر أهلك أن يروحوا في المكارم و يدلجوا في حاجة من هو نائم فو الذي وسع سمعه الأصوات ما من أحد أودع قلبا سرورا إلا خلق الله من ذلك السرور لطفا إذا ثابته نائبة انحدر عليها كالسيل في انحداره فيطردها كما يطرد غرائب الإبل .
و قال (عليه السلام)تنفسوا إلى المكارم و سارعوا إلى الغنائم و اعلموا أن حوائج الناس إليكم من نعمته تعالى عليكم و أجود الناس من يعطي من لا يرجوه و من نفس عن مؤمن كربة نفس الله عنه اثنتين و سبعين كربة من كرب الدنيا و اثنتين و سبعين كربة من كرب الآخرة و من أحسن أحسن الله إليه و الله يحب المحسنين .
و قال (عليه السلام)من تيقن أن الله مخلف ما ينفقه لم يمسك عن الإنفاق و روي أن الشمس كل يوم تطلع على قرني ملك ينادي اللهم عجل لكل منفق خلقا و لكل ممسك تلفا و قال رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)من أكرم الضيف فقد أكرم سبعين نبيا و من أنفق على الضيف درهما فكأنما أنفق ألف ألف دينار في سبيل الله تعالى و قال أبو عبد الله (عليه السلام)أ تدري ما الشحيح قلت هو البخيل قال الشحيح هو أشد من البخيل لأن البخيل يبخل بما في يديه و الشحيح على ما في أيدي الناس و على ما في يديه حتى لا يرى في يدي الناس شيئا إلا تمنى أن يكون له بالحلال و الحرام و لا يشبع و لا يقنع بما رزقه الله و للبخيل ثلاث علامات يخاف من الجوع و يخاف من سائل يأتيه و يرحب باللسان مع إخوان الخير و للسخي ثلاث علامات العفو بعد القدرة و إخراج الزكاة و حب الصدقات.
و قال النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)لما خلق الله الجنة قالت يا رب لمن خلقتني قال لكل سخي تقي قالت رضيت يا رب و قيل إن رجلا سأل الصادق (عليه السلام)فقال يا ابن رسول الله ما حد التدبير و التبذير و التقتير فقال التبذير أن تتصدق بجميع مالك و التدبير أن تنفق بعضه و التقتير أن لا تنفق من مالك شيئا فقال زدني بيانا يا ابن رسول الله قال فقبض رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)قبضة من الأرض و فرق أصابعه ثم فتح كفه فلم يبق في يده شيء فقال هذا التبذير ثم قبض قبضة أخرى و فرق أصابعه فنزل البعض و بقي البعض فقال هذا التدبير ثم قبض قبضة أخرى و ضم كفه حتى لم ينزل منه شيء فقال هذا التقتير .
و قال (عليه السلام)المؤمن من كان بماله متبرعا و عن مال غيره متورعا و قال (عليه السلام)السخاء اسم شجرة في الجنة ترفع يوم القيامة كل سخي إلى الجنة بأغصانها و البخل شجرة في النار تقود بأغصانها كل بخيل إلى النار و قال (عليه السلام)رأيت على باب الجنة مكتوب أنت محرمة على كل بخيل و مرائي و عاق و نمام .
المصدر : الشیخ ابو محمد الحسن بن محمد الدیلمی/ ارشاد القلوب / ص133 - 140