
تنص الروايات التاريخية كلها على ان الامام علياً ولد في الكعبة سنة 30 لميلاد رسول الانسانية ، وقتل في نفس السنة التي يبتهل فيها الرسول (1) ، وهو اول مولود ولد فيها لم يسبقه بسابق ولم يأت بعده احد ، والكعبة قبلة الاسلام ومنها ينبثق نوره ، وهو سيد الفصحاء والبلغاء وامام المتقين ومولى الموحدين وابن عم الرسول وزوج البتول ووالد السبطين الحسن والحسين عليهما السلام ، اسد الاسلام الغالب الامام علي بن ابي طالب عليه السلام .
أية انسانةٍ تنال هذا الشرف العظيم غيرها ، في وسط الكعبة تضع فاطمة بنت اسد وليدها ، كيف لا يكون علي قد علا شرفاً بمولده كما علا من قبل بأصله الرفيع . ويتساءل الاولاد من ابيهم ما اسم المولود الجديد ؟ فيقول سميته ( علياً ) وقد اعجب الكل بهذا الاسم ، ولم يشغل الام الطاهرة الوليد عن الاهتمام بأم محمد ، فهي تزداد اهتماماً وعناية به وهو يوليها الاحترام والتبجيل ، حتى اذا ما شب عليُ ، وتعدى الخامسة من عمره بدأ يلازم ابن عمه محمد ملازمة الظل لصاحبه يكاد لا يفارقه ابداً . كانت فاطمة بنت اسد سعيدة جداً بملازمة ولدها علي لمحمد ، كما هو شأن ابي طالب ، ورغم ان قريش كانوا يلاحقون محمداً بالأذى ، ويتربصون به الفرصة ، فقد كان علي لابن عمه اكثر من ظل ، وكانت الوالدة المؤمنة تحث ولدها وتدفعه على ذلك (2) .
لقد عجز فصحاء العرب وبلغاؤها ان يجاوره في مضمار الفصاحة والبلاغة ، وخير ما يثبت ذلك بلاغته وفصاحته في كتاب ( نهج البلاغة ) ذلك السفر القيّم الذي لا يرقى اليه شك ولايستغني عنه العلماء الاعلام والسياسيون المحنكون والمفكرون قاطبة لما تضمن من فنون الحكمة والمعرفة واساليب السياسة وقوانين المجتمعات وحقائق الايمان ومعرفة الصانع وتهذيب النفس والحث على مكارم الاخلاق والتمسك بأهداب الفضيلة والمثل العليا . وينص التاريخ انه قتل شهيداً في المسجد عند سجوده في صلاة الصبح فخر صريعاً وهو يقول ( فزت ورب الكعبة ) فكان شهيد المحراب الاول . هذا الرجل الانساني كان انشودة الثورة في تاريخ الاسلام كله . حاز على صفات الكمال التي هي صفات العقل ، وانه مثل العقل النبوي الذي لاجله وجدت جميع الموجودات . وحسب القارئ ما روي عن الصادق سلام الله عليه : ( ان علياً انما بلغ ما بلغ به عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بصدق الحديث واداء الامانة ، كان نموذجاً للحكم وربيباً للنبي وازهد الصحابة ) (3) .
اتصف بالخلق الانساني العالي ، ليس لطاعنٍ فيه مهمز ولا لقائلٍ فيه مغمز ، اللهم إلا مكابرة ومعاندة . كان يخوض المعارك الدامية بنفسه بين يدي رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم لايهاب الموت في سبيل الحق والاسلام . قال الشاعر السيد مرتضى الوهاب : ما شاد صرح الدين الا سيفه تركته حين البأس في بأسائه بيمينـه قام البنـاء فكان في فتحمل الصدمات في اعلائـه وتنافسوا للغنـم فـي سرّائـه ابقاء صرح الدين حسن عزائه فهو الذي قلع باب خيبر وقلع الصخرة من فم القليب في طريقه الى صفين عندما عجز اصحابه عن قلعها ، وهو الذي قتل مرحباً وعمرو بن عبد ود العامري ، وما عسى ان يقول القائل بعد قول النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم فيه : ( انا مدينة العلم وعلي بابها ومن اراد الحكمة فليأتها من بابها ) وأهمية هذا الحديث يرجع الى ما فيه من التأكيد على العلم والمعرفة وسبيل الوصول اليها عن طريق النبي الكريم والوصي الامين . وقد بلغ الامام علي من زهده وعلمه منزلة عالية ونموذجاً صالحاً للامام العالم الزاهد العامل بالكتاب والسنة .
اما مؤاخاته للرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم فأبين من ان تظهر ، وقد بقي ملازماً له كالظل ، وهو حري بان يكون موضع اعتماده وكاتم سرّه ، ومن اقرب من علي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟ ويمكننا ملاحظة ذلك من اقوال الرواة ، فمن ذلك ما رواه الترمذي في صحيحة بسنده عن عبد الله بن عمر انه قال : لما آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين صحابته رضي الله عنهم جاءه علي كرم الله وجهه وعيناه تدمعان فقال : يا رسول الله آخيت بين اصحابك ولم تواخ بيني وبين احد فسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : انت اخي في الدنيا والآخرة .
ومن مناقب ضياء الدين الخوارزمي عن ابن عباس قال : لما آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين اصحابه من المهاجرين والانصار وهو انه صلى الله عليه وآله وسلم آخى بين ابي بكر وعمر وآخى بين عثمان وعبد الرحمن بن عوف وآخى بين طلحة والزبير وآخى بين ابي ذر الغفاري والمقداد رضوان الله عليهم اجمعين ولم يواخ بين علي بن ابي طالب وبين احدٍ منهم ، خرج علي مغضباً حتى اتى جدولاً من الارض وتوسد ذراعه ونام فيه تسفى الريح عليه فطلبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوجده على تلك الصفة فوكزه برجله وقال له : قم فما صلحت ان تكون الا أبا تراب ، اغضبت حين آخيت بين المهاجرين والانصار ولم اواخ بينك وبين احد منهم ، اما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا ان لا نبي بعدي الا من احبك فقد حف بالأمن والايمان ومن ابغضك اماته الله ميتة جاهلية (4)
واذا كان الرسول الكريم قد تحمل في سبيل دعوته المشاق والمصاعب ابان تلك الفترة المتأزمة ، فان وصيّه قد شاركه في تحمل القسط الاكبر من المشاق والمصاعب التي عاناها ، وفدى نفسه لاجلها . وفي آية المباهلة كان نفس المصطفى ليس غيره اياها ، من المتفق عليه ان النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم لما خرج لمباهلة نصارى نجران لم يكن معه سوى علي وفاطمة والحسن والحسين ، والآية الشريفة تصرح ان علياً نفس محمد ( فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدَ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسََآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّه عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (5) .
فهؤلاء هم اصحاب هذه الآية وليس سواهم ، فالمراد من الابناء الحسن والحسين ومن النساء السيدة فاطمة الزهراء ومن الانفس الامام علي بن ابي طالب عليه السلام . قال الرازي في تفسيره الكبير : خرج الرسول وعليه مرط من شعر اسود وقد احتضن الحسين واخذ بيد الحسن وفاطمة خلفه وعلي خلفها وهو يقول : ( اذا انا دعوت فأمنّوا ) ، وعندما رآهم اسقف نجران قال : يا معشر النصارى اني لأرى وجوهاً لو سألوا الله ان يزيل جبلاً لازاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا (6) . وفي كتاب ( الصواعق المحرقة ) : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : خير اخوتي وخير اعمامي حمزة (7) ! وقال صلى الله عليه وآله وسلم لعلي : انت اخي في الدنيا والاخرة (8) .
قال الشاعر عبد الباقي العمري : انت العلي الذي فوق العلى رفعا ببطن مكة وسط البيت إذ وضعا
والواقع الذي لا مراء فيه ان اهم الاسباب التي دعت النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم الى اختيار علي عليه السلام الى جنبه هو ما يتمتع به من مقدرة وكفاءة قتالية وقيادية نادرة اكتسبها من مقدرة وكفاءة الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، فان له دوراً مشرّفاً في حروب خاضها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الفتوحات الاسلامية ، وتصدى لمكافحة الظلم والتخلف والتأكيد على الجهاد في سبيل الله والحق حتى النصر .
اما من الناحية العلمية فان للامام علي قوة الارادة والحزم والعزم ، خير لسان مبين ، اعطى باكثر من فصاحة قس وبيان سحبان الى غير ذلك من الاحاديث الدالة على ما اوتي ابن عم الرسول وصهره وصنوه حبل الله المتين وحبه المكين أمير المؤمنين وسيد الوصيين ، وكان لها ابلغ الاثر في اذكاء النفوس والسمو بالعقول الابية الرفيعة . وهل بالأمكان ان يحيط بهذه العلوم الغزيرة لمن كان الضياء في عقله والشعاع في نفسه ، لقد كان الامام علي يدير شؤون القضاء بنفسه لا يشغله شيء غير القيادة ورعاية الضعفاء وتفقد الارامل والايتام . ( ولم يعرف التاريخ ولن يعرف انساناً ارحم من علي ) (9) .
ان جوهر قلبه خلص من غرس الطبيعة وصفا كنوز الشمس من ادرانها ، وهذا هو السرّ الذي جعله يتصف بأسمى الفضائل ، وتلك لعمري هي تضحية النفس في سبيل الله ، وقد دفعه ذلك نحو التقدم والسمو الى مدارج العلى والسؤدد . اصاب علي عليه السلام من العظمة ومن خشونة لباسه وجشوبة طعامه ومدرعته المرقعة ونعله المخصوف بيده ما لم يصبه احد سواه ، ان تمتع المرء بزينة الحياة وتنعمه بلذاتها ليس منكراً ، بل المنكر ان تخضع النفس لسلطان الهوى والشهوات . قال الازري : ذاك رأس الموحدين وحامي أي نفس لا تهتـدي بهـداه بيضة الدين من اكف عداها وهو من كل صورة مقلتاها
فليس بدعاً ان يكون الامام علي عليه السلام عباب البلاغة الذي لا يسير غوره ، ولا يدرك شطآنه ، بل وينبوع الحكمة المستمدة من الوحي الالهي والفيض النبوي ووحي القرآن وسيرة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونهجه . وللدلالة على اكرامه للضيف نسوق هذه الحكاية : ( قيل ان اعرابياً وقف عليه فقال : ان لي اليك حاجة رفعتها الى الله قبل ان ارفعها اليك ( ان انت لم تقضها حمدت الله وعذرتك) فقال الامام : ( خط حاجتك على الارض ) فكتب الرجل اني فقير ، فقال علي عليه السلام : يا قنبر ( يعني خادمه ) اعطه حليتي الفلانية ، فلما اخذها الاعرابي مثل بين يديه وقال :
كسوتني حلة تبلى محاسنـــــــــــــــها*** فسوف اكسـوك من حسـن الثـنا حـللا
ان نلت حسن الثنا قد نلت مكرمة *** وليس تبغي بما قدمته بـــــــــــــــــــــدلا
ان الثناء لحيي ذكر صاحبــــــــــــــه*** كـــــالغيث يحيي نداه السهل والجبـلا
لاتزهد الدهر في عرف بدأت بــــــه *** كل امريء سوف يجزي بالذي فعلا
فقال علي عليه السلام : يا قنبر اعطه خمسين ديناراً ثم قال : اما الحلة فلمسألتك واما الدنانير فلأدبك .
عاش سيدنا ابو الحسن عليه السلام في كنف ابن عمه الرسول الاعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو ابن ست سنوات ، وتفتحت عيناه على رسول الله ووعى مبادئه وبشر بها عن يقين ، فلم تعلق به اوضار الجاهلية ولم تعبه نفسه يوماً الى مغريات الحياة وبهارجها . ويحسن بنا ان نذكر ان الامام علياً عليه السلام كان علامة مضيئة في تاريخ الامة العريق صاغ مجدها ونشر قيمتها وسطَّر ملاحم البطولات الفذة ، وقد عرف الخاصة والعامة قول الرسول الاعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ( اقضاكم علي ) والقضاء هو جوهر الحقيقة ، وتلازم الامام علي عليه السلام صفات ومواهب هي المثل الاعلى للفضائل وينبوعها ، مستكملة كل مقوماتها ، مواهب وصفات شربت شخصية علي بن ابي طالب عليه السلام فاذا هي في وجود الانسان دعامة نشبت بها قيمة الانسان (10) .
وامير المؤمنين علي عليه السلام يكنى ابا الحسن وابا الحسين ، كما يعرف بابي تراب . جاء في ( مقاتل الطالبيين ) : كان بين علي وفاطمة شيء فجاء رسول الله عليه وآله وسلم يلتمس علياً فلم يجده ، فقال لفاطمة : أين هو ؟ قالت كان بيني وبينه شيء فخرج من عندي غضبان ، فالتمسه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوجده في المسجد راقداً وقد زال رداؤه عنه واصابه التراب ، فايقظه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجعل يمسح التراب عن ظهره وقال له : اجلس فانما انت ابو تراب وكنا نمدح علياً اذا قلنا له ابو تراب (11) .
لقد اختاره محمد صلى الله عليه وآله وسلم يتعبد بغار حراء ليكون الساعد الايمن له والربان الامين لسفينته والقائد العقائدي الذي لا تهزه الهزاهز ولا تأخذه في الحق لومة لائم . وقف يضحي في سبيل الامة الاسلامية ، يحمل لواء مسيرة الاسلام الخالد وسامً شرفٍ ثوري وعزيمة لا تقهر . قال الامام الشافعي :
يارب بالقدم التي أوطأتها من قاب قوسين المحل الاعظم...
وبحرمت القدم التي جعلت لها كتف المؤيد بالرسالة سلما...
ثبّت على متن الصراط تكرما قدمي وكن لي محسناومكرما...
واجعلهما ذخري فمن كانا له أمن العذاب ولايخاف جهنم أهل النهى...
عجزوا عن وصف حيدرة والعارفون بمعنى كنهه تاهوا
قيل امتدح لامير النحل قلت لهم مدحي ومدح الورى من بعض معناه
ماذا أقول لمن حطت له قدم في موضع وضع الرحمن يمناه
ان قلت ذا بشر العقل يمنعني وأختشي الله من قولي هو الله
فمات الشافعي وليس يدري أعليّ ربه أم ربه الله...
هنالك شواهد كثيرة ونصوص صريحة تؤكد على مكانة الامام علي المتميزة في الدولة الاسلامية ومنزلته الرفيعة في صفوف المسلمين ، فهو من دانت له الرقاب وطأطأت له الرؤوس ، ذلك هو زوج الزهراء وابو الائمة الهداة الاطهار .
استمع اليه وهو يخطب فينحدر الكلم منه كالسيل ، وتتفجر الحكمة والفصاحة من ينابيع فكره كأنها الدر المنثور ، فماذا قال :
عن امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام قوله :
فارفض الدنيا ، فان حب الدنيا يعمي ويصم ، ويذل الرقاب ، فتدارك ما بقي من عمرك ، ولا تقل غداً وبعد غد ، فانما هلك من مضى قبلك باقامتهم على الاماني والتسويف ، حتى اتاهم من الله امرهم بغتة وهو غافلون . فنقلوا على اعوادهم الى قبورهم المظلمة . . فمن رفض الدنيا ليس فيه انكسار ولا انخذال ، اعاننا الله واياك على طاعته ، ووفقنا واياك لمرضاته . قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : الدنيا دار من لا دار له ، ومال من لا مال له ، ولها يجمع من لا عقل له ، وشهواتها يطلب من لا فهم له ، وعليها يعادي من لا علم له ، وعليها يحسد من لا فقه له ، ولها يسعى من لا يقين له .
وقال امير المؤمنين علي عليه السلام : ( يا دنيا اليك عني ، ابيَ تعرضتِ ؟ ام اليَّ تشوقتِ ؟ لا حان حينك ، هيهات ! غُرّي غيري ، لا حاجة لي فيك ، قد طلقتك ثلاثاً ، لا رجعة فيها ، فعيشك قصير ، وخطرك يسير ، وأَمَلك حقير ، آه من قلة الزاد ، وطول الطريق ، وبعد السفر ، وعظيم المورد ، وخشونة المضجع ! ) .
هذا امير المؤمنين علي عليه السلام يبكي تارة من قلة الزاد وتارة يبكي لفقد الاحبة كما هو واضح من خطبته الشريفة . الى ان يصل قوله :
( ايها الناس اني قد بثثت لكم المواعظ التي وعظ بها الانبياء اممهم ، وأديت لكم ما ادت الاوصياء الى من بعدهم ، وأدبتكم بسوطي فلم تستقيموا . وحدوتكم بالزواجر فلم تستوسقوا ، لله انتم أتتوقعون اماماً غيري ، يطأ بكم الطريق ويرشدكم السبيل ؟ الا انه قد ادبر من الدنيا ما كان مقبلاً ، واقبل منها ما كان مدبراً ، وازمع الترحال عباد الله الاخيار وباعوا قليلاً من الدنيا لا يبقى بكثير من الآخرة لا يفنى ، ما ضر اخواننا الذين سفكت دماؤهم وهم بصفين الا يكونوا اليوم احياء يسيغون الغصص ويشربون الرنق ؟ قد والله لقوا الله فوفاهم اجورهم ، واحلهم دار الأمن بعد خوفهم ، اين اخواني الذين ركبوا الطريق ، ومضوا على الحق ؟ أين عمار وأين ابن التيهان ، واين ذو الشهادتين ؟ اين نظراؤهم من اخوانهم الذين تعاقدوا على المنية ؟ وابرد برؤوسهم الى الفجرة ؟ ثم ضرب بيده الشريفة على لحيته الكريمة ، فأطال البكاء . ثم قال عليه السلام :
( اوه على اخواني الذين تلوا القرآن فأحكموه ، وتدبروا الفرض فأقاموه ، احيوا السنة ، واماتوا البدعة ، دُعوا للجهاد فأجابوا ، ووثقوا بالقائد فاتبعوه . . ثم نادى باعلى صوته : الجهاد الجهاد عباد الله ، الا واني معسكر في يومي هذا ، فمن اراد الرواح الى الله فليخرج) .
لقد استشهد الامام علي بن ابي طالب عليه السلام والصلاة بين شفتيه ، مات وفي قلبه الشوق الى لقاء الله عز وجل ، مات قبل ان يبلغ العالم رسالته كاملة وافية ، غير اني اتمثله متبسماً قبل ان يغمض عينيه عن هذه الارض .
كان عليه السلام اصل علم الفقه ومصدره ، وكل فقهاء الاسلام عيال عليه ، ولا عجب فهو جماع الفضائل ، نام في فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو كالأسد الهصور في عرينه ، فلم يبال بالموت اوقع عليه ام وقع هو على الموت ؟ وكان منه صلى الله عليه وآله وسلم بمنزلة هارون من موسى ، وهو الدرع الحصين له في جميع الغزوات قبل الفتح وبعده .
وكانت ضربة علي عليه السلام ليلة الاحد لاحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان ، وشهادته في الواحد والعشرين منه سنة اربعين من الهجرة عند صلاة الصبح على يد عبد الرحمن ابن ملجم المرادي . . روى جعفر بن سليمان الضبعي عن المعلى بن زياد قال : جاء عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله الى امير المؤمنين علي عليه السلام يستحمله ، فقال : انت عبد الرحمن بن ملجم المرادي ؟ قال : نعم ، ثم قال : انت عبد الرحمن بن ملجم المرادي ؟ قال : نعم ، قال : يا غزوان احمله على الاشقر ، فجاء بفرس اشقر فركبه ابن ملجم لعنه الله واخذ بعنانه فلما ولی قال امير المؤمنين عليه اللسلام : اريد حياته ويريد قتلي**عذيرك من خليلك من مراد
قال : فلما كان من امره ما كان وضرب امير المؤمنين عليه السلام قبض عليه وقد خرج من المسجد فجيء به الى امير المؤمنين ، فقال له : فوالله لقد كنت اصنع بك ما اصنع وانا اعلم انك قاتلي ولكن كنت افعل ذلك بك لاستظهر بالله عليك (12) .
تلك هي شخصية الامام علي بن ابي طالب عليه السلام الذي استطاع بحذقه ومهارته ان يصل الى مركز مرموق في دولة الاسلام والمسلمين .
البيت الزوجي
في رواية ابن مسعود عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم : ان الله تبارك وتعالى امرني ان ازوج فاطمة من علي عليه السلام وفي رواية اخرى ينقلها لنا الخوارزمي فيقول : ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج على اصحابه ووجهه مشرق كدائرة القمر ، فسأله عبد الرحمن بن عوف ؟ فقال : بشارة اتتني من ربي في اخي وابن عمي وابنتي بان الله زوج علياً من فاطمة . . . (13) وفي حديث آخر : بان جبرئيل جاء الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : ان الله يأمرك ان تزوج فاطمة من علي (14) .
قال احمد في ( الفضائل ) حدثنا ابراهيم بن عبد الصمد البصري حدثنا ابراهيم بن يسار حدثنا سفيان عن ابن ابي نجيح عن ابيه قال اخبرني من سمع علي بن ابي طالب يقول على منبر الكوفة : لما اردت ان اخطب فاطمة الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكرت انه لا شيء لي ، ثم ذكرت عائدته وصلته فخطبها ، فقال : وهل عندك شيء ، قلت : لا ، قال : فاين درعك الحطمية ؟ فقلت : عندي ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد وهبها لي فأتيته بها فأنكحني اياها على الدرع ، فلما ان دخلت عليَّ ، قال : لا تحدثن حدثاً حتى اتيكما فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علينا وعلينا كساء او قطيفة ، قال : فتخشخشنا ، فقال : مكانكما على حالكما فدخل علينا فجلس عند رؤوسنا ودعا بماء فدعا فيه بالبركة ورشه علينا ، قال علي فقلت : يا رسول الله ايما احب اليك انا ام هي ؟ فقال : هي احب اليَّ منك وانت اعز علي منها . قال الشعبي : وكان قيمة درعه خمسة دراهم وغيره يقول خمسمائة درهم (15) .
ولعبد المطلب الشاعر المصري قصيدته العلوية وفيها يتحدث عن علي في صباه واسلامه وكيف جنب الرجس والشرك ثم تكلم عن زواجه من فاطمة الزهراء فقال : قرآنٌ زاده الاسلام يمناً وشمل زاده الحب التئاما وقال احمد في ( الفضائل ) حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن ايوب عن عكرمة عن ابي زيد المدني قال لما اهديت فاطمة الى علي عليها السلام لم تجد عنده الا رملاً مبسوطاً ووسادة وكوزاً وجرة ، فأرسل اليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تقرب زوجتك حتى آتيك ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدعا بماء فقال فيه ما شاء الله ان يقول ثم نضح به صدر علي عليه السلام ووجهه ثم دعا بفاطمة فقامت اليه في مراطها وهي تصعد عرفاً من الحياء فنضح عليها من الماء وقال لها : اما اني لم انكحك الا أحب اهلي اليَّ واعزهم علي او عندي ، ثم خرج وقال : دونك اهلك ، وما زال يدعو لنا حتى دخل الحجرة فرأى سواداً من وراء الباب ، فقال : من هذا ؟ فقالت : اسماء ، قال : بنت عميس ؟ قالت : نعم ، قال : امع بنت رسول الله جئت كرامة لرسول الله ؟ قالت : نعم ، فدعا لها . وفي رواية انه جهز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة في خميله وهي القطيفة . وفي رواية جهزها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعها قربة من ادم ووسادة من ادم حشوها ليف وجلد كبش ينامان عليه بالليل ويغلفان الناضح عليه في النهار ورحا وجرة (16) .
ومما ينبغي ان يشار اليه في هذا الصدد هو ان المرأة العفيفة المصون فاطمة ، أدارت نفسها بنفسها ، ولم تتكل على خادمتها ، فهي الممرضة لزوجها واولادها ان دعاهم داعي السقام ، تعين زوجها على تنظيم اعماله وتتميم اشغاله ، وتقوم بتدبيرها بكل ما يتكفل راحته ، وقد انجبت نسلاً جامعاً لصفات الكمال ، متحلين بحلى الفضائل . علمت أولادها حسن السلوك وربتهم على العفاف والتقوى وعزة النفس .
لقد زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابنته فاطمة من ابن عمه علي اشد الناس محبة للنبي واخلاصاً له منذ طفولته (17) ، فهي قبس من نور محمد ، ووجه جميل يشع ويضىء على العالم الاسلامي لانها بنت الاطائب ، قال الشاعر الشيخ محمد علي كمونة : فمن مبلغ عني الرسول وحيدرا وفاطمة الزهراء بنت الاطائب دخل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم دار علي مع ابنته الزهراء ، وهو يقول : اين اخي علي ادعو لي اخي علياً ، وتقول له مولاته ام ايمن : اخوك وقد زوجته ابنتك يا رسول الله ؟ نعم يا ام ايمن انه اخي وليس ذلك بمانعي ان ازوجه ابنتي ، فلقد زوجتها كفوءاً شريفاً وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين (18) .
وفي ( ذخائر العقبى ) : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانت الليلة التي زفت فيها فاطمة الى علي عليهما السلام ، كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم امامها وجبريل عن يمينها وميكائيل عن يسارها وسبعون الف ملك من خلفها يسبحون الله ويقدسونه حتى طلع الفجر (19) .
وجاء في موسوعة ( اعيان الشيعة ) ما هذا نصه : ( في كشف الغمة روي عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال : لولا ان تبارك وتعالى خلق امير المؤمنين لفاطمة ما كان لها كفؤ على وجه الارض ادم فمن دونه ، قال : وروى صاحب كتاب الفردوس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لولا علي لم يكن لفاطمة كفؤ . وفي مناقب ابن شهر اشوب قد اشتهر في الصحاح بالاسانيد عن امير المؤمنين وابن عباس وابن مسعود وجابر الانصاري وانس بن مالك والبراء بن عازب وام سلمة بالفاظ مختلفة ومعان متعففة : ان ابا بكر وعمر خطبا الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة مرة بعد اخرى فردهما .
وروى احمد في الفضائل عن بريدة : ان ابا بكر وعمر خطبا الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة فقال انها صغيرة ، وروى محمد بن سعيد كاتب الواقدي في الجزء الثامن من الطبقات الكبيرة بسنده : ان ابا بكر خطب فاطمة الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : انتظر بها القضاء . فذكر ذلك لعمر فقال له ردك ، ثم ان ابا بكر قال لعمر اخطب فاطمة الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فخطبها ، فقال : له مثل ما قال لابي بكر انتظر بها القضاء ، فأخبر ابا بكر فقال له ردك . . . الحديث . ( وبسنده ) عن بريدة انه قال نفر من الانفار لعلي : عندك فاطمة ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسلم عليه ، فقال : ما حاجة ابن ابي طالب ، قال : ذكرت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : مرحباً واهلاً لم يرده عليها ، فخرج على اولئك الرهط وهم ينتظرونه قالوا : ما وراءك ؟ قال : ما ادري غير انه قال لي : مرحباً واهلاً ، قالوا : يكفيك من رسول الله احدهما اعطاك الاهل اعطاك المرحب الحديث (20) .
وهبط على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ملك يقال له محمود مكتوب على كتفيه محمد رسول الله علي وصيه فقال : يا رسول الله ان الله بعثني ان ازوج النور من النور اعني فاطمة من علي (21) .
لكن الشيء المهم الذي يلفت الانتباه هو ان الامام امير المؤمنين علياً عليه السلام طلب يد ابنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة فأجابه النبي على طلبه دون استثناء ، فقال الامام علي : ان ليس عندي سوى سيفي ودرعي وناقتي ابيعها ، ولكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : اما السيف فلطالما جاهدت به في سبيل الله ولسوف تجاهد به ايضاً ، واما الناقة فهي تفيدك في اسفارك وغزواتك ولكن الدرع بعه ، فخرج علي وعرض درعه للبيع فاشتراه عثمان بن عفان بـ {480} درهماً وقام ابو بكر بمهمة اعداد الجهاز فذهب الى السوق وابتاع ثوبين ومقنعة وقطيفة واريكة من رخام وفراشاً واربعة وسائد من الجلد وبردة من الصوف وحصيراً وطستاً من النحاس وقربة وقدحاً من الخشب ومشربة ورحاة فبلغ ثمنها {80} درهماً (22) .
ويحسن بنا ان نشير الى ان الرسول الكريم محمداً صلى الله عليه وآله وسلم دعا اصحابه وجل القوم في المسجد وتلا خطبة العقد في ذلك الحفل حيث قال :
الحمد لله المحمود بنعته المعبود بقدرته المطاع بسلطانه المرهوب من عذابه المرغوب اليه فيما عنده النافذ امره في السماء والارض الذي خلق الخلق بقدرته وميزهم بحكمته واحكمهم بعزمه واعزهم بدينه واكرمهم بنبيه ، قد جعل المصاهرة نسباً حقاً وامراً مفترضاً نسخ به الانام واوشح بها الارحام والزمها الانام فقال عز وجل : ( وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً وكان ربك قديرا ) فأمر الله يجري قضاؤه وقضاؤه يجري الى قدره وقدره يجري الى اجله فلكل قضاء قدر ولكل اجل كتاب يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب ثم ان الله تعالى امرني ان ازوج فاطمة وعلياً وقد زوجتهما على {400} مثقال فضة .
ثم التفت الى علي وقال له : ارضيت يا علي ؟ فأجابه علي : نعم رضيت عن الله ورسوله ، فقال النبي : جمع الله شملكما واسعد بركتكما وبارك الله عليكما واخرج منكما نسلاً كثيراً طيباً . ثم غادر الحفل وتوجه نحو داره وقال لاهله : هيئوا لابنتي وابن عمي في
حجركم بيتاً ، ثم قال لعلي : بارك الله في ابنة رسول الله يا علي نعم الزوجة فاطمة ، وقال لفاطمة : نعم البعل علي .
فهيء جميع ما لزم وأعدَّ عليٌ وليمة فخرج ونادى القوم فحضروا واكلوا وكان النبي يقدم الطعام بنفسه .
وفي ليلة الزفاف ركبت فاطمة على البغلة الشهباء ( دلدل ) وكان سلمان الفارسي ماسكاً بزمامها وزوجات النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم امامها ، ونساء بني هاشم خلفها وهنَّ يقرأن بعض الاشعار ، قالت حفصة : فاطمة خير نساء البشر زوجك الله فتى فاضلاً ومن لها وجـهُ كوجـهِ القمر اعني علياً خير من في الحضر وفي رواية اخرى : فاطمـة خير نسـاء البشر فضلك الله على كل الورى زوجـك الله فتـى فاضلاً فسرن جاراتي بهـا انـها ومن لها وجـهُ كوجـه القمر بفضل من خـص بآي الزمر اعني علياً خير من في الخطر كريمـة بنت عظيم الخطر.
وقالت ام سلمة :
سرن بعـون الله جاراتي واذكرن ما انعم رب العلى فقد هدانـا بعد كفر وقـد وسرن مع خير نساء الورى يا بنت من فضَّله ذو العلى واشكرنه في كل حالات من كشف مكروه وآفات انعشنـا رب السمـاوات تفدى بعمـات وخـالات بالوحي منه والرسالات .
وقالت عائشة : يا نسـوة استـرن بالمعاجـر واذكرن رب الناس اذ يخصنا والحمـد لله علـى افضـاله سرن بها فالله اعطى ذكرهـا واذكرن ما يحسن في المحاضر بدينـه مع كـل عبد شـاكـر والشكـر لله العـزيـز القـادر وخصها منه بطهـر طاهـر .
وقالت معاذه : اقول قولاً فيـه ما فيـه محمد خيـر بنـي آدم بفضله عرفنـا رشدنـا ونحن مع بنت نبي الهدى في ذروة شامخة اصلهـا واذكر الخيـر وابديـه ما فيه من كبر ولا تيه فالله بالخيـر يجازيـه في شرف قد مكنت فيه فما أرى شيئاً يدانيه (23)
اول ما يلفت النظر في هذا البيت الزوجي الجديد هو الاطمئنان الذي راح امير المؤمنين علي عليه السلام يعمل من وحيه ، فاستكملت به سعادته التي كان يرجوها بفارغ الصبر ، لقد تم الزواج ببساطة كأنها القناعة ، كأنها الرضى ، كأنها العفة ، كأنها الاستسلام لمشيئة منتظرة ، كأنها السعادة المرجوة على ارتقاب ، وارتبطت حياة فاطمة بحياة علي بالرباط الذي يجب ان يتقاسم عليه كلا الزوجين احكام المصير ، نعيماً بنعيم وبؤساً ببؤس . وتقدمت فاطمة الى ساحة الحياة ، تحمل على منكبيها اعباء المشاركة ، برضوخ المؤمن في استجابته للمشيئة الكبرى ، وكانت المثلبة منها شهادة لها بالاصالة.
ولابد ان نذكر هنا ان اول انتاج لفاطمة سيأخذه النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ويرفعه بيديه الكريمتين هو الحسن وتبعه الحسين عليهما السلام . . ثم بقيت الام تنجب ـ من جسمها النحيل ـ لقد نزلت في البيت الفقير اختان اخذتا اسمي خالتيهما زينب وام كلثوم ، وبقيت الام تشارك بالمجهود ، تارة تسقط العبء فيمد الزوج الامين يد المساعدة ، وطوراً تنهض لمتابعة الجهاد ببطولة ما كانت تجد في الجسم الهزيل تلبية لها (24) .
ومما يذكر بهذا الصدد ان هذه البراعم الخمسة من السلسة المحمدية تمثل كل ما في دوحة الرسالة من فروع ، واختار الرسول الاعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم لكل من هذه البراعم اسماً ، وهي على التوالي : الحسن ، الحسين ، زينب ، ام كلثوم ، المحسن ، كانوا كالكواكب الزهر حسناً وضياءً ، اما اولاد أمير المؤمنين قاطبة كما تحدثنا المصادر فهم في رواية سبعة وعشرون وفي اخرى ثمانية وعشرون .
قال الشيخ المفيد عليه الرحمة في ( الارشاد ) ما يلي : فأولاد امير المؤمنين سبعة وعشرون ولداً ذكراً وانثى . 1ـ الحسن 2ـ الحسين 3ـ زينب الكبرى 4ـ زينب الصغرى المكناة ام كلثوم . امهم فاطمة البتول سيدة نساء العالمين بنت سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد النبي صلى الله عليه وآله وسلم 5ـ محمد المكنى بأبي القاسم ، أمه خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية 6ـ عمر 7ـ رقية كانا توأمين . امهما ام حبيب بنت ربيعة 8ـ العباس 9ـ جعفر 10ـ عثمان 11ـ عبد الله الشهداء مع اخيهم الحسين عليه السلام بطف كربلاء ، امهم ام البنين بنت حزام بن خالد بن ارم 12ـ محمد الاصغر المكنى بأبي بكر 13ـ عبيد الله الشهيدان مع اخيهما الحسين عليه السلام بالطف ، امهما ليلى بنت مسعود الدارمية 14ـ يحيى . امه اسماء بنت عميس الخثعمية رضي الله عنها 15ـ ام الحسن 16ـ رملة امهما أم سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي 17ـ نفيسة 18ـ زينب الصغرى 19ـ رقية 20ـ ام هاني 21ـ ام الكرام 22ـ جمانة المكناة ام جعفر 23ـ امامة 24ـ ام سلمة 25ـ ميمونة 26ـ خديجة 27ـ فاطمة رحمة الله عليهن لامهات شتى . وفي الشيعة من يذكر ان فاطمة صلوات الله عليها اسقطت بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكراً كان سماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو حمل محسناً ، فعلى قول هذه الطايفة اولاد امير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ثمانية وعشرون ولداً والله اعلم واحكم (25) .
ومما يذكر عن فضلهم وايثارهم بالطعام فان هناك روايات كثيرة تدل على كرم النبي الكريم واهل بيته الغر الكرام . قال علماء التأويل : فيهم نزل قوله تعالى : ( يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيرا ) أنبأنا ابو محمد بن ابي المكارم القزويني بدمشق سنة اثنتين وعشرين وستمائة قال أنبأنا ابو منصور محمد بن اسعد بن محمد العطاري انبأنا الحسين بن مسعود البعوي انبأنا احمد ابن ابراهيم الخوارزمي انبأنا ابو اسحاق احمد بن محمد بن ابراهيم الثعلبي انبأنا عبد الله بن حامد انبأنا ابو محمد احمد بن عبد الله المزني حدثنا محمد بن احمد بن سهيل الباهلي حدثنا عبد الرحمان ابن محمد بن هلال حدثني القاسم بن يحيى عن ابي علي العزي عن محمد بن السايب عن ابي صالح عن ابن عباس .
ورواه ايضاً مجاهد عن ابن عباس قال في قوله تعالى ( يوفون بالنذر ) الآية قال : مرض الحسن والحسين عليهما السلام فعادهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه ابو بكر وعمر وعادهما عامة العرب ، فقالوا : يا ابا الحسن لو نذرت على ولديك فكل نذر لا يكون له وفاء فليس بشيء ، فقال علي عليه السلام : عليّ لله ان برأ ولداي مما بهما صمت لله ثلاثة ايام شكراً ، وقالت فاطمة كذلك ، وقالت الجارية يقال لها فضة كذلك ، فالبس الغلامان العافية وليس عند آل محمد قليل ولا كثير ، فانطلق علي عليه السلام الى شمعون بن حانا اليهودي فاستقرض منه ثلاثة اصوع من شعير ، فجاء الى فاطمة فقامت الى صاع فطحنته وخبزته خمسة اقراص لكل واحد منهم قرص ، وصلى علي عليه السلام المغرب مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم اتى المنزل فوضع الطعام بين ايديهم ، فجاء سائل او مسكين فوقف على الباب وقال : السلام عليكم يا اهل بيت محمد مسكين من مساكين المسلمين اطعموني اطعمكم الله من موائد الجنة ، فسمعه علي عليه السلام فقال : فاطم ذات المجد واليقين اما ترين البائس المسكين يشكو الى الله ويستكيـن كل امرئ بكسبه رهيـن موعده جنـة علـييـن وللبخيل موقـف مهيـن يا بنت خير الناس اجمعين قد قام بالباب له حنـيـن يشكو الينا جائـع حزيـن وفاعل الخيرات يستبيـن حرمها الله على الضنيـن تهوي به النار الى سجين فقالت فاطمة سلام الله عليها : اطعمه ولا ابـالي السـاعة ان ألحق الاخيار والجماعة ارجو اذا اشبعت ذا مجاعة واسكن الخلد ولي شفاعـة قال : فاعطوه الطعام ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا الا الماء القراح .
ولما كان اليوم الثاني طحنت فاطمة من الشعير وصنعت منه خمسة اقراص وصلى علي عليه السلام المغرب وجاء الى المنزل ، فجاء يتيم فوقف على الباب فقال : السلام عليكم يا اهل بيت محمد يتيم من اولاد المهاجرين استشهد والدي اطعموني مما رزقكم الله اطعمكم الله من موائد الجنة ؟ فقال علي عليه السلام : فـاطم بنت السيـد الكريـم قد جاءنـا الله بـذا اليتيـم يحمل في الحشر الى الجحيم ومن يجود اليوم في النعيـم بنت نبي ليس بالـذميـم قد حرم الخلد على اللئيم شرابه الصديد والحميـم شرابه الرحيق والتسنيـم
فقالت فاطمة عليها السلام :
اني اطعمه ولا ابالي** واوثر الله على عيالي
امسوا جياعاً وهم اشبالي
فرفعوا الطعام وناولوه اياه ، ثم اصبحوا وأمسوا في اليوم الثاني كذلك كما كانوا في الاول ، فلما كان في اليوم الثالث طحنت فاطمة باقي الشعير ووضعته ، فجاء علي عليه السلام بعد المغرب فجاء اسير فوقف على الباب وقال : السلام عليكم يا اهل بيت محمد اسير محتاج تأسرونا ولا تطعمونا اطعمونا من فضل ما رزقكم الله فسمعه علي عليه السلام فقال : فاطم يا بنت النبي احمـد مني على اسيرنا المقيـد عند العلي الماجد الممجد بنـت نـبـي سـيـد مسـود من يطعـم اليوم يجده في الغـد من يزرع الخيرات سوف يحصد فقالت فاطمة عليها السلام : لم يبق عندي اليوم غير صاع ابنـاي والله مـن الجـيـاع قد مجلت كفي مع الذراع ابوهما للخير ذو اصطناع ثم رفعوا الطعام واعطوه للأسير . فلما كان اليوم الرابع دخل علي عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحمل ابنيه كالفرخين ، فلما رآهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : واين ابنتي ؟ قال : في محرابها ، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدخل عليها ولقد لصق بطنها بظهرها وغارت عيناها من شدة الجوع ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : واغوثاه بالله آل محمد يموتون جوعاً ، فهبط جبرئيل وهو يقرأ ( يوفون بالنذر ) الآية . فان قيل فقد اخرج هذا الحديث جدك في الموضوعات (26) .
هكذا تسابقت فاطمة الزهراء سلام الله عليها الى الخيرات ، بما تجود يداها من فضل وكرم ، فلا تستأثر بالثروة المفرطة ، وهي تساعد المعوزين ولا تحرم الضعفاء او تهمل الفقراء ، كل ذلك من أجل اقتطاف المنزلة الرفيعة عند الله سبحانه وتعالى .
هذا هو الشرف العظيم ، وهذا هو الجاه الكبير الذي حفظه التاريخ لهذه المرأة الجليلة سيدة نساء العالمين ، بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم وخديجة عليها السلام ووريثة الفضل والعلم والسجايا الخيرة ، واكمل النساء عقلاً واشرفهن حسباً ونسباً واحسنهن خلقاً ، وهذا هو امیر المؤمنين علي بن ابي طالب وهؤلاء اهل البيت وشجرة النبوة ، والقدوة الصالحة لكل المسلمين .
المصادر :
1- علي والقرآن / الشيخ محمد جواد مغنية / ص 9 .
2- بين يدي الرسول الاعظم / محمد بحر العلوم القسم الثاني / ص 79 .
3- فاطمة الزهراء ام ابيها / فاضل الحسيني الميلاني / ص 35 .
4- المصدر السابق / ص 22 .
5- سورة آل عمران / 61 .
6- النبأ العظيم علي بن ابي طالب / تقي المصعبي الهندي / ج 1 / ص 27 و 28 .
7- الصواعق المحرقة / ابن حجر الهيثمي / ص 124 .
8- المصدر السابق / ص 120 .
9- علي والقرآن / الشيخ محمد جواد مغنية / ص 18 .
10- الامام علي نبراس ومتراس / سليمان كناني ص 77 .
11- مقاتل الطالبيين / ابو الفرج الاصفهاني / ص 25 ـ 26 .
12- الارشاد ، للشيخ المفيد / ص 13 و 14 .
13- الصواعق المحرقة / ابن حجر الهيثمي / ص 107 و152
14- ينابيع المودة ـ للقندوزي / ج1 / ص 73 .
15- تذكرة الخواص / سبط بن الجوزي / ص 206 .
16- تذكرة الخواص / سبط بن الجوزي / ص 307 .
17- حياة محمد / محمد حسين هيكل / ص 185 .
18- امالي الطوسي / للشيخ الطوسي / ج1 / ص364 / وانظر : بحار الانوار / ج42 / ص 105 .
19- ذخائر العقبى / للطبري / ص32 .
20- اعيان الشيعة / محسن الامين العاملي / ج2 / ص 446 و 447 .
21- امالي الصدوق / ص 353 .
22- النبأ العظيم علي بن ابي طالب / تقي المصعبي الهندي / ص 30 .
23- بحار الانوار للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي / ج43 / ص 115 و116
24- فاطمة الزهراء وتر في غمد / سليمان كناني ص 138 و140
25- الارشاد / للشيخ محمد بن محمد بن النعمان العكبري الملقب بالشيخ المفيد ص 186 و 187 .
26- تذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي / ص 212ـ215 .