ملامح شخصية الإمام الهادي عليه السلام

الإمام أبو الحسن علي ابن محمد الهادي عليه السلام هو الكوكب العاشر في سماء شمس النبوة، وسليل الرسالة، الذي ملأ الدنيا علما وفقها ودراية، فهو قبس من الشعلة الوهاجة لنور الرسالة، وسيرته امتداد لسيرة آبائه الطاهرين، في تبليغ أحكام
Thursday, October 29, 2015
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
ملامح شخصية الإمام الهادي عليه السلام
ملامح شخصية الإمام الهادي عليه السلام

 






 

الإمام أبو الحسن علي ابن محمد الهادي عليه السلام هو الكوكب العاشر في سماء شمس النبوة، وسليل الرسالة، الذي ملأ الدنيا علما وفقها ودراية، فهو قبس من الشعلة الوهاجة لنور الرسالة، وسيرته امتداد لسيرة آبائه الطاهرين، في تبليغ أحكام الدين، ورسالة سيد المرسلين، التي جاء بها من رب العالمين. لقد عانى إمامنا المفدى ما عانى آباؤه الطاهرون من ظلم، وجور، وتعسف وسجن، وتحمل الصعاب، كما عانى جده الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) من ظلم طاغية زمانه هارون الرشيد.
والإمام الهادي (عليه السلام) تعرض لصنوف العنت والعذاب من قبل طاغية زمانه المتوكل العباسي، من الإرهاب السياسي، والإرعاب الفكري، ولم تأخذه في الله لومة لائم، في أداء رسالة جده، وهداية أمته، ولم تلن له قناة، وبقي يتحمل الأهوال صامدا صابرا، كالطود الشامخ في مقارعة الحكم الفاسد المنحرف عن خط الإسلام الأصيل، وطواغيت عصره. هذا ما كان من موقفه السياسي، المفروض عليه من حكام زمانه، في سامراء، وفي عهد طاغية عصره الجبار - المتوكل العباسي -. وأما سيرته الذاتية (عليه السلام) فهي واضحة كالشمس في رابعة النهار، ينتهل من علومه كل صادي، ويهرع إلى ركنه كل ضال، وعندما سنحت له الفرصة في نشر معارفه، ما ادخر وسعا في تعليم الجاهل، وإرشاد الضال، وتكريم العالم، وتشجيع العامل لتعظيم الشعائر، ونشر المعارف على كل الأصعدة، وفي كل البقاع، وهذا غيض من فيض مكارم أخلاقه، التي اخترقت حجب السجون وظلم المطامير، حتى استشهد مسموما صابرا، والتحق بالرفيق الأعلى صلوات الله عليه. ولا غرو، فإن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) مفتاح كل خير، ومنهل كل علم، ومربع كل خلق كريم، ومأوى كل ضال، سيرتهم منبع الفضائل، وروائع أفعالهم قلائد في أعناق الخلائق، فما من عالم سمى بعلمه إلا وهو عيال عليهم، وهم أساتذته أيا كان وفي أي فرع نبغ، منهم أخذ، وبهم اقتدى. حتى إن كل عالم فذ، وعبقري لوذعي، برز في علمه وفنه في أي بقعة كان من بقاع العالم، يفتخر بالانتساب إلى مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) العالية، وجامعته الرشيدة، سواء تتلمذ عليهم مباشرة أو غير ذلك، ويفتخر بالانتساب إلى أحد أفذاذ الأئمة الطاهرين من أهل البيت (عليهم السلام).
ومن أجل ذلك خافهم حكام زمانهم في كل عصر ومصر، سواء حكام الأمويين منهم أو العباسيين، فكادوا لهم الغوائل، وتفننوا في أذاهم من تعذيب نفسي وجسدي، مزعزعين بهم في إشخاصهم قهرا إلى عواصم حكمهم، في بغداد، أو خراسان، أو سامراء، وزجهم في السجون المظلمة والطوامير الرهيبة حينا، أو التظاهر بالمودة والحب والتقرب إليهم حينا، ولم يمتنع الأئمة الطاهرون رغم كل ذلك عن تبليغ رسالة الإسلام، في إرشاد الضال، وتوعية الأمة، وتعرية الحكام، وتبليغ الرسالة، في أسلوب علمي رصين ودراسة عميقة، تحكي في سلوكها ما جاء به الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) في رسالته، رغم شدة الظروف الحرجة التي مارسها حكام الظلم والجور ضد أئمة أهل البيت (عليهم السلام) حتى قضوا عليهم مشردين في بقاع الأرض.
مشردون نفوا عن عقر دارهم * كأنهم قد جنوا ما ليس يغتفر .
لعلك تجد - عزيزي القارئ - قلة الرواية عنه (عليه السلام) بالنسبة إلى ما رواه آباؤه الطاهرون، وقلة الرواة عنه مباشرة، حيث كان أصحابه يروون عنه بالمكاتبة، والسبب يعود إلى ما ذكرنا آنفا، بالإضافة إلى قصر عمره الشريف، كما أن أصحابه ورواة الحديث عنه يعبرون عنه بكنى عديدة، وألقاب شتى، خوفا وتقية، منها: أبو الحسن الهادي، وأبو الحسن الثالث، وأبو الحسن الأخير، وأبو الحسن العسكري، والرجل، والطيب، والأخير، والعالم، والدليل، والناصح، والنقي، والفقيه، والفقيه العسكري، وغيرها، كل تلك الكنى والألقاب، المقصود منها الإمام أبو الحسن علي ابن محمد الهادي (عليه السلام).
ما أدعي الاستقصاء والتوصل إلى سبر غور الإمام في ترجمته،أو التوصل إلى مكارم أخلاقه وصفاته الحميدة، وهل يعطي الشيء فاقده؟ وهل يمكن للإنسان أن يتبحر في عين الشمس في رابعة النهار إلا ويرجع خاسئا حسيرا، أمام الشعاع الباهر، والنجم الزاهر والبحر العجاج المتلاطم الأمواج، الذي لا يسبر غوره ولا يدرك ضفافه، لذلك وقفت عاجزا أمام عظمة الإمام أبي الحسن علي بن محمد الهادي (عليه السلام)، وما يحيط من سيرته وسلوكه، ولا يترك الميسور بالمعسور، وإني أترك المجال لمواصلة البحث والتحقيق للكتاب والمحققين الذين يأتون بعدي عسى أن يستطيعوا الغوص في بحار علمه واستخراج اللآلي من مكنونه.
ملامح شخصية الإمام (عليه السلام)
ولد الإمام العاشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) علي بن محمد بن علي بن موسى ابن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) بصريا (1) من المدينة للنصف من ذي الحجة سنة 212 هـ ‍(2). وقيل: سنة 214 هـ ‍في ملك المأمون (3). وقيل أيضا: أنه ولد في الثاني من رجب (4)، وقيل: في الثالث منه (5)، وقيل: في الخامس منه (6).
كنيته (عليه السلام):
يكنى أبو الحسن، ويقال له: أبو الحسن الثالث (7). واعلم أن المشهور بين المحدثين في التعبير عنهم بأبي الحسن ثلاثة، وهم: موسى الكاظم، وعلي الرضا، وعلي الهادي (عليهم السلام)، وإن شاركهم بعض باقي الأئمة (عليهم السلام) في هذه الكنية، فإذا ورد حديث عن أبي الحسن وأطلق فهو موسى الكاظم (عليه السلام) ، وإذا قيد بالثاني فهو علي الرضا (عليه السلام)، وإذا قيد بالثالث فهو علي الهادي (عليه السلام) (8).
أمه (عليه السلام):
أمه أم ولد يقال لها: سمانة (9). ويقال لها أيضا: سمانة المغربية (10). وعن ابن الخشاب: يقال أن اسمها متفرشة المغربية (11). وعن الطبري: يقال لها: السيدة. روى أبو جعفر الطبري الإمامي وغيره عن أبي المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدثني أبو النجم بدر بن عمار الطبرستاني، قال: حدثني أبو جعفر محمد بن علي، قال: روى محمد بن الفرج بن إبراهيم بن عبد الله بن جعفر، قال: دعاني أبو جعفر محمد بن علي بن موسى (عليهم السلام) فأعلمني أن قافلة قد قدمت، وفيها نخاس، معه جوار، ودفع إلي سبعين دينارا، وأمرني بابتياع جارية وصفها لي. فمضيت وعملت بما أمرني به، فكانت تلك الجارية أم أبي الحسن (عليه السلام). وروي أن اسمها سمانة، وأنها كانت مولدة. وروي أيضا عن محمد بن الفرج وعلي بن مهزيار، عن السيد (عليه السلام) أنه قال: أمي عارفة بحقي، وهي من أهل الجنة، لا يقربها شيطان مارد، ولا ينالها كيد جبار عنيد، وهي مكلوءة (أي محفوظة ومصانة)بعين الله التي لا تنام، ولا تتخلف عن أمهات الصديقين والصالحين (12). ويستفاد من هاتين الروايتين أن السيدة سمانة كانت على درجة كبيرة من الفضائل والصفات الحميدة والأخلاق العالية ومعرفة حق الإمام (عليه السلام) وغيرها من المزايا التي لا تقل درجاتها عن درجات أمهات الصديقين والصالحين.
ألقابه (عليه السلام):
ألقابه (عليه السلام) كثيرة، منها: المرتضى، والهادي، والعسكري، والعالم، والدليل، والموضح، والرشيد، والشهيد، والوفي، والنجيب، والمتقي، والمتوكل، والخالص، والناصح، والفتاح، والنقي، والفقيه، والأمين، والطيب (13). وأشهرها: الهادي، والنقي. وقيل: بل أشهرها المتوكل، لكنه (عليه السلام) كان يخفي ذلك ويأمر أصحابه أن يعرضوا عن هذا اللقب، لكونه يومئذ لقبا لجعفر المتوكل ابن المعتصم العباسي (14). ولقب (عليه السلام) بالعسكري نسبة إلى ناحية العسكر التي كان يسكنها (عليه السلام) في سامراء، قال الشيخ الصدوق (رحمه الله): سمعت مشايخنا رضي الله عنهم يقولون: إن المحلة التي يسكنها الإمامان علي بن محمد والحسن بن علي (عليهما السلام) بسر من رأى كانت تسمى العسكر، فلذلك قيل لكل واحد منهما: العسكري. وقال الفيروزآبادي: وعسكر اسم سر من رأى، وإليه نسب العسكريان أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر، وولده الحسن، وماتا بها.
بوابه (عليه السلام):
عثمان بن سعيد العمري. وعن ابن شهرآشوب: أن بوابه محمد بن عثمان العمري (14).
نقش خاتمه (عليه السلام):
قال الطبري: وكان له خاتم نقش فصه ثلاثة أسطر: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله، أستغفر الله (15). وروي أن نقش خاتمه: هو الله ربي وهو عصمني من خلقه. وفي مصباح الكفعمي: أن نقش خاتمه: حفظ العهود من أخلاق المعبود. وقال السيد تاج الدين الحسيني: ومعناه أن حفظ الأمور التي عهد الله بها إلينا من فعل أو ترك من الأخلاق التي يحبها الله (16).
ملامحه (عليه السلام):
أما ملامحه (عليه السلام) فكانت كملامح جده الإمام الرضا (عليه السلام) وأبيه الإمام الجواد (عليهما السلام). فقد كان شديد السمرة، ووصفه الرواة بأنه كان أدعج (الدعج في العين: شدة سوادها مع سعتها) العينين، شثن (الشثن: الغليظ الخشن) الكفين، عريض الصدر، أقنى الأنف، أفلج الأسنان، حسن الوجه، طيب الريح، وكان جسيم البدن - شبيها بجده الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) - ولم يكن بالقصير المتردد (القصير المتردد: المتناهي في القصر)، ولا بالطويل الممغط (الطويل الممغط: المتناهي في الطول)، بعيد المنكبين، ضخم الكراديس، معتدل القامة (17). ومن وكلائه (عليه السلام): جعفر بن سهيل الصيقل (18).
شعراؤه (عليه السلام):
العوفي، والديلمي ، ومحمد بن إسماعيل بن صالح الصيمري (19).
نساؤه (عليه السلام):
نقل في بعض التواريخ: أنه كانت له سرية لا غير (20).
أولاده (عليه السلام):
خلف من الولد أربعة، وهم: محمد أكبر ولده توفي في حياته (21)، وأبو محمد الحسن العسكري (عليه السلام)، وهو الإمام من بعده، والحسين، وجعفر المعروف بالكذاب، وهو الذي ادعى الإمامة جرأة على الله تعالى، وأضل خلقا كثيرا، وقد أخبر به الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) في زمان حياته. فقد روى الشيخ الصدوق والشيخ الطبرسي بالإسناد عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي خالد الكابلي، قال: سألت علي بن الحسين صلوات الله عليه: من الحجة والإمام بعدك؟ فقال: ابني محمد، واسمه في التوراة الباقر يبقر العلم بقرا، وهو الحجة والإمام بعدي، ومن بعد محمد ابنه جعفر، واسمه عند أهل السماء الصادق. فقلت له: يا سيدي، كيف صار اسمه الصادق، وكلكم صادقون؟ فقال: حدثني أبي، عن أبيه (عليه السلام)، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إذا ولد ابني جعفر ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فسموه الصادق، فإن الخامس من ولده الذي اسمه جعفر يدعي الإمامة اجتراء على الله وكذبا عليه، فهو عند الله جعفر الكذاب المفتري على الله، المدعي لما ليس له بأهل، المخالف على أبيه، والحاسد لأخيه، ذلك الذي يكشف سر الله عند غيبة ولي الله. ثم بكى علي بن الحسين (عليه السلام) بكاء شديدا، ثم قال: كأني بجعفر الكذاب وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر ولي الله، والمغيب في حفظ الله، والتوكيل بحرم أبيه جهلا منه بولادته، وحرصا على قتله إن ظفر به، طمعا في ميراث أبيه حتى يأخذه بغير حقه... الحديث (22). وروى الشيخ الصدوق بالإسناد عن صالح بن محمد بن عبد الله، عن أمه فاطمة بنت محمد بن الهيثم، قالت: كنت في دار أبي الحسن علي بن محمد العسكري (عليه السلام) في الوقت الذي ولد فيه جعفر، فرأيت أهل الدار قد سروا به، فصرت إلى أبي الحسن (عليه السلام) فلم أره مسرورا بذلك. فقلت له: يا سيدي، ما لي أراك غير مسرور بهذا المولود؟ فقال (عليه السلام): هون عليك أمره، إنه سيضل خلقا كثيرا (23). وله (عليه السلام) ابنة واحدة مختلف في اسمها، فقيل: حكيمة ، وقيل: علية (24)، وقيل: عائشة. وقال الطبري: إن له ابنتين هما: عائشة ودلالة. وروى عن أبي علي محمد بن همام: أنه كان له أبو محمد الحسن الإمام (عليه السلام)،وجعفر، وإبراهيم، فحسب. محمد بن الإمام الهادي (عليه السلام): وكان أبو جعفر محمد بن الإمام الهادي (عليه السلام) من سادات أهل البيت (عليهم السلام)، جليل القدر، عظيم المنزلة، مات في حياة أبيه (عليه السلام)، ودفن في الموضع الذي فيه مشهده الآن قرب بلد، من توابع سامراء، وله كرامات مشهورة، ويقصده الشيعة ومحبو أهل البيت (عليهم السلام) للتبرك والزيارة، وهو أكبر ولده. قال السيد محسن الأمين العاملي: محمد بن علي الهادي، أبو جعفر، جليل القدر، عظيم الشأن، كانت الشيعة تظن أنه الإمام بعد أبيه (عليه السلام)، فلما توفي [في حياته] نص أبوه على أخيه أبي محمد الحسن الزكي (عليه السلام) [من بعده]، وكان أبوه خلفه طفلا لما [استدعي و] أتي به إلى العراق، ثم قدم عليه إلى سامراء، ثم أراد الرجوع إلى الحجاز، فلما بلغ القرية التي يقال لها بلد على تسعة فراسخ من سامراء [من منطقة دجيل بطريق بغداد] مرض وتوفي، ودفن قريبا منها ، ومشهده هناك [شاخص و] معروف مزور، ولما توفي شق أخوه أبو محمد (عليه السلام) ثوبه، وقال في جواب من لامه على ذلك: قد شق موسى على أخيه هارون، وسعى المحدث العلامة الشيخ ميرزا حسين النوري في تشييد مشهده وتعميره، وكان له فيه اعتقاد عظيم (25)
وتوفي (رحمه الله) نحو سنة 252 ه‍، وقد ظهرت له كرامات كثيرة من مرقده الشريف، وألف المرحوم البحاثة الجليل العلامة الميرزا محمد الطهراني رسالة في كرامات السيد محمد، وألف أيضا العلامة المرحوم الشيخ محمد علي الأردوبادي كتابا سماه (سبع الدجيل) ذكر فيه كرامات عديدة للسيد محمد بن الإمام الهادي (عليه السلام). وأعقب السيد محمد أولادا، سكن بعضهم في بخارى، وبعضهم في تركيا، وبعض سلالته منتشرون في العراق، ومنهم السادة آل بعاج المعروفون.
الحسين بن الإمام الهادي (عليه السلام): نقل السيد محمد كاظم القزويني عن كتاب شجرة الأولياء: أن الحسين كان زاهدا عابدا معترفا بإمامة أخيه أبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام)،
وكان صوت الإمام المهدي (عليه السلام) يشبه صوت عمه الحسين. وكان الناس يعبرون عنه وعن أخيه الإمام الحسن العسكري بالسبطين، تشبيها لهما بالإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام). وكان له من الأولاد أربعة، وقد رحلوا بعد وفاة أبيهم عن سامراء إلى مدينة لار من بلاد فارس في إيران، فقتلوا بعد وصولهم إليها . عمره (عليه السلام): اثنتان وأربعون سنة، ثمان سنين منها مع أبيه (عليه السلام)، وأربع وثلاثون سنة منها بعده (عليه السلام)، وهي مدة إمامته، وقيل: بل عمره أربعون سنة، وقيل: إحدى وأربعون سنة وأشهر. وهذا الخلاف مبني على الاختلاف المتقدم في سنة ولادته (عليه السلام). ملوك زمانه (عليه السلام): وكان في مدة إمامته بقية ملك المعتصم بن هارون، ومات المعتصم في ربيع الأول سنة 227 ه‍، ثم تولى بعده الواثق أبو جعفر بن محمد المعتصم بن الرشيد خمس سنين وخمسة أشهر وأياما، ومات في ذي الحجة من سنة 232 ه‍، وهي السنة التي ولد فيها الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، وكان عمر الواثق 34 سنة. ثم تولى بعده المتوكل جعفر بن المعتصم، وكان شديد العداوة والبغض لآل محمد (عليهم السلام)، وبقي في الحكم 14 سنة وتسعة أشهر وأياما، ثم هلك سنة 247 ه‍. ثم تولى بعد المتوكل العباسي ابنه المنتصر ستة أشهر، وهو الذي أحدث الانقلاب على أبيه المتوكل بالاشتراك مع قواد جيشه فقطعوه إربا إربا مع وزرائه وندمائه وحاشيته وهم على مائدة الشراب والغناء، وذلك سنة 248 ه‍. ثم ملك بعده المستعين أحمد بن محمد بن المعتصم ثلاث سنين وستة أشهر، ومات سنة 251 ه‍. ثم ملك بعده المعتز أربع سنين، فكان ثلاث منها في إمامة الهادي (عليه السلام)، واستشهد ولي الله علي بن محمد (عليه السلام) في آخر ملكه، ودفن في داره بسر من رأى (26).
شهادته (عليه السلام):
قبض (عليه السلام) مسموما بسر من رأى في يوم الاثنين المصادف الثالث من رجب سنة 254 ه‍، ودفن في داره بسر من رأى، وخرج الإمام أبو محمد العسكري (عليه السلام) في جنازته وقميصه مشقوق وصلى عليه ودفنه. وقال المسعودي: سمع في جنازته جارية تقول: ماذا لقينا في يوم الاثنين قديما وحديثا (27). وقيل: يوم الاثنين الخامس والعشرون من جمادى الآخرة سنة 254 ه‍. والتأريخ الأول أشهر، حيث نص عليه أغلب أعلام الطائفة ومحدثيهم ومؤرخيهم. وممن نص على أنه (عليه السلام) مات مسموما أو نقل القول في ذلك: الشبلنجي وابن الصباغ المالكي والشيخ أبو جعفر الطبري، والشيخ إبراهيم الكفعمي في المصباح وغيرهم، ونص الأخير على أن الذي سمه هو المعتز (28).
وجاء عن ابن بابويه أنه (عليه السلام) مات مسموما ، وسمه المعتمد العباسي، وإذا صح ذلك فإنه لا بد أن يكون قد سمه المعتز بالله، لأنه مات في عهده سنة 254 ه‍، والمعتمد العباسي بويع بالخلافة سنة 256 هـ‍في النصف من رجب بعد قتل المهتدي محمد بن هارون المعتز. أو أن المعتز قد أوعز إلى المعتمد بدس السم إلى الإمام (عليه السلام)، فيكون ذلك جمعا بين قول الشيخ الصدوق والشيخ الكفعمي، والله أعلم بحقيقة الحال. إخوته (عليه السلام): له (عليه السلام) أخ واحد هو موسى المبرقع بن الإمام الجواد (عليه السلام)، وله من الأخوات: فاطمة، وأمامة، وحكيمة، وخديجة، وأم كلثوم. وقيل: زينب وأم محمد وميمونة، كما سيأتي لاحقا. أما موسى المبرقع فقد ولد بالمدينة، وأقام مع أبيه بها إلى أن استشهد أبوه (عليه السلام) ببغداد، ثم انتقل إلى الكوفة، وسكن بها مدة، وفي سنة ست وخمسين ومئتين هاجر من الكوفة، وورد قم وتوطن بها، كما سبق ذكره. قال أبو علي الحسين بن محمد بن نصر بن سالم: إن أول من ورد قما من السادات الرضوية هو موسى بن الإمام محمد الجواد (عليه السلام) ، جاء إليها من الكوفة، ثم أخرجه أهلها لأمور صدرت منه، فذهب إلى كاشان، فأكرمه أحمد بن عبد العزيز ابن أبي دلف العجلي، وخلع عليه، وقرر له في كل سنة ألف دينار، فلما ورد الحسين بن علي بن آدم وشخص آخر من الكوفة إلى قم، وبخا أهلها على إخراجه، فأرسلوا وراءه، وأرجعوه إلى قم مكرما، ثم قصد عبد العزيز بن أبي دلف، فأكرمه، وعين له وظيفة سنوية، ثم طلب أخواته زينب وأم محمد وميمونة بنات الإمام محمد ابن علي الجواد من الكوفة إلى قم، فأقمن عنده حتى توفين في قم، ودفن بقرب قبر السيدة فاطمة بنت موسى بن جعفر (عليها السلام)، وأقام موسى المبرقع في قم حتى توفي بها، فصلى عليه أميرها عباس بن عمرو الغنوي. وكان موسى يلقي على وجهه برقعا، ولذلك قيل له المبرقع لجمال وجهه الباهر، ولعل ذلك هو السبب في إخراجه من قم، لأن أهلها لم يعرفوه وكانوا في شك وريبة من أمره أولا، لكن عندما عرفوه بعدما ألقى البرقع عن وجهه أكرموه وأجزلوا له العطاء والاحترام. وقبره اليوم معروف يزوره الكثيرون، ويقع في محلة (چهل اختران) من محال قم المقدسة. ولموسى المبرقع ولدان محمد وأحمد، وعن كتاب زبر الأنساب أنه اختلف النسابون في بقاء عقب لمحمد، فاختار الدينوري أن بني الخشاب من أولاد محمد، وأكثر النسابين على خلافه، أي إنه لا عقب له، وأما بقية ذرية الإمام محمد الجواد فهم جميعا بإجماع النسابين من أحمد بن موسى المبرقع (29)، وينتهي إليه نسب السادة الرضوية، وهم من البيوتات العلوية الجليلة، ويقطنون في سائر بلدان الإسلام سيما الهند وإيران وتركستان والشام والعراق وغيرها.
المصادر :
1- صريا: قرية أسسها الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) على ثلاثة أميال من المدينة. مناقب ابن شهرآشوب 4: 382.
2- الإرشاد 2: 297، الكافي 1: 416، إعلام الورى: 355، كشف الغمة 3: 166.
3- تذكرة الخواص: 362، التتمة في تواريخ الأئمة (عليهم السلام): 135، تأريخ بغداد 12: 57.
4- مصباح الكفعمي: 523.
5- دلائل الإمامة: 409.
6- إعلام الورى: 355.
7- إعلام الورى: 355..
8- التتمة في تواريخ الأئمة (عليهم السلام): 136.
9- الإرشاد 2: 297، إعلام الورى: 355، المناقب 4: 401، نور الأبصار: 181.
10- كشف الغمة 3: 164، الفصول المهمة: 273.
11- كشف الغمة 3: 174.
12- دلائل الإمامة: 410، إثبات الوصية: 193. /دلائل الإمامة: 410، إثبات الوصية: 193.
13- الهداية الكبرى: 313، المناقب 4: 401، الفصول المهمة: 273، دلائل الإمامة: 411، إعلام الورى: 355.
14- الفصول المهمة: 274، كشف الغمة 3: 164.
15- تأريخ الأئمة: 33، الفصول المهمة: 274، نور الأبصار: 334. /المناقب 4: 403.
16- الفصول المهمة: 274، نور الأبصار: 334. / التتمة في تواريخ الأئمة (عليهم السلام): 136.
17- حياة الإمام الهادي (عليه السلام): 21، عن مآثر الكبراء في تأريخ سامراء 3: 20، وجوهرة الكلام في مدح السادة الأعلام: 151.
18- المناقب 4: 402.
19- في رحاب أئمة أهل البيت (عليهم السلام) 4: 174. (*)
20- مصباح الكفعمي: 523، التتمة في تواريخ الأئمة (عليهم السلام): 138.
21- المعروف ب‍: (سبع الدجيل)، له مقام كبير يقصده أصحاب الحوائج، ذو كرامات باهرة وفيرة في منطقة الدجيل بين بغداد وسامراء.
22- علل الشرائع: 234 / 1، الإحتجاج: 318، بحار الأنوار 50: 227 / 2.
23- كمال الدين 1: 321 / 2، كشف الغمة 3: 175، بحار الأنوار 50: 231 / 5. (3) التتمة في تواريخ الأئمة (عليهم السلام): 138.
24- إعلام الورى: 366، المناقب 4: 402.
25- دلائل الإمامة: 412. / أعيان الشيعة 10: 5.
26- جميع الأقوال في الإرشاد 2: 297، إعلام الورى: 355، المناقب 4: 401، تاج المواليد: 131، الفصول المهمة: 274 و279، كشف الغمة 3: 174 و195، إعلام الورى: 366، دلائل الإمامة: 409. (2) إعلام الورى: 355، تأريخ اليعقوبي 3: 216 - 231.
27- الأنوار البهية: 247. / مروج الذهب 4: 84، والمراد بيوم الاثنين يوم وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) وما تبعها من مؤامرة السقيفة وجملة قضاياها.
28- الكافي 1: 416، دلائل الإمامة: 409، تاج المواليد: 132، المناقب 4: 401. / نور الأبصار: 83، الفصول المهمة: 279، دلائل الإمامة: 409، بحار الأنوار 50: 117 عن مصباح الكفعمي.
29- أعيان الشيعة 10: 194- 195.


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.