
(وَ اعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيء فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتَامَى وَ الْمَسَاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَ مَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيء قَدِيرٌ)(1)
بما أنّ الخمس هو أحد الحقوق المالية في الإسلام فلا بأس بالبحث إجمالاً في أصناف الأموال التي تتولاّها أئمة المسلمين، والتي تعدّ عماداً للحكومة الإسلامية وسنادها، وقد وردت أُصولها في الكتاب العزيز و السنّة الشريفة وفصّلها فقهاؤنا في كتبهم ـ رضوان اللّه عليهم ـ نذكرها في المقام ، وردّاً على من يزعم أنّ الشريعة الإسلامية تعتمد في إدارة البلاد على مجرّد الخمس والزكاة، ولا يمكن لأيّ حكومة أن تسدّ نفقاتها الهائلة بالفريضتين المحدودتين.(2)
والإشكال نابع من عدم الاطّلاع على المنابع المالية للحكومة الإسلامية، وفيما يأتي عرض موجز لقائمة المنابع المالية للدولة الإسلامية.
المنابع المالية للحكومة الإسلامية
إنّ المنابع المالية للحكومة الإسلامية التي بها تستطيع القيام بالوظائف الملقاة على عاتقها عدّة أُمور:
1. الأنفال
وهي كلّ أرض ملكت بغير قتال، والموات، ورؤوس الجبال، وبطون الأودية، والآجام والغابات (إذا لم تكن لمالك خاصّ تبعاً للأرض ولو بالإحياء)، وميراث من لا وارث له، وما يغنمه المقاتلون بغير إذن الإمام ـ عليه السَّلام ـ ، و المياه، والأحراش الطبيعية، والمراتع التي ليست حريماً لأحد، وقطائع الملوك، وضياعهم غير المغصوبة، فذلك كلّه أمره بيد الإمام ـ عليه السَّلام ـ ، وفي غيبته بيد المجتهد الجامع للشرائط إذا كان مبسوط اليد أو مطلقاً، فيتصرّف فيها في إطار المصالح العامّة،وتصرف عوائدها في مصالح المسلمين وشؤونهم، وقد وردت في هذا الصدد آيات وروايات عديدة، ولإيقاف القارئ على مقدار ما تشكّل هذه المصادر الطبيعية من ثروة، نقول: إنّ إيران وحدها تمتلك 19 ميليون هكتاراً من الغابات الغنيّة بالأخشاب التي قدرت بـ300ميليون متر مكعب من الخشب ذي النوعية العالية، هذا مضافاً إلى ما تعطيه أشجار الغابات من الثمار والمواد الخام التصنيعية والكيماوية التي تشكّل ثروة طبيعية هائلة ومورداً ماليّاً ضخماً.
هذا ويكفي أن نعلم أنّ العالم الإسلامي ينتج 66% من مجموع ما أنتجه العالم من الزيت الخام (النفط) وحده، وينتج 70% ممّا ينتجه العالم من المطاط(3) الطبيعي، و40% ممّا ينتجه العالم من الجوت الطبيعي، و 56% من زيت النخيل، ويوجد لدى المسلمين معادن عظيمة للحديد والنحاس، حتى اليورانيوم الذي أصبح ثميناً للغاية.(4)
2. الزكاة
وهي ضريبة تجب في تسعة أشياء: الأنعام، وهي: الإبل والبقر والغنم; والنقدين، وهما: الذهب والفضة; والغلاّت، وهي: الحنطة والشعير والتمر والزبيب.(5)
3. زكاة الفطرة
وتسمّى بزكاة الأبدان، وهي: التي تجب على كلّ مسلم في عيد الفطر، ومقدارها مذكور في كتب الفقه.
4. الخراج والمقاسمة
وهما ضريبتان مضروبتان على من يعمل في الأراضي التي فتحها المسلمون بالقتال، وسبب ذلك أنّ هذه الأراضي ليست للمقاتلين، بل هي ملك للمسلمين إلى يوم القيامة، فتصرف عوائدها في مصالحهم بعد أن يكون للعامل فيها حصّة إزاء عمله.
فالخراج، عبارة عن الضريبة المالية النقدية على الأرض، مثل أن يدفع العامل عليها عشرة دنانير سنوياً على كلّ جريب.
والمقاسمة، عبارة عن: الشركة في حاصل الأرض الخراجية بالكسر المشاع، كأن يكون عُشر حاصلاتها للدولة.
5. الجزية
وهي الضريبة العادلة المفروضة على أهل الذمّة على رؤوسهم أو أراضيهم إذا قاموا بشرائط الذمّة المقرّرة في موضعها.
6. الخمس
ويجب في سبعة أشياء أو أكثر.
الأوّل: الغنائم المأخوذة من أهل الحرب قهراً بالمقاتلة.
الثاني: المعادن من الفضّة والرصاص والصفر والحديد والياقوت والزبرجد وغيرها، إلى غير ذلك من الموارد.
7. المظالم
وهي ما يتعلّق بذمّة الإنسان بتعدّ أو تفريط أو إتلاف في مال الغير إذا لميعرف صاحبها، فتحوزها الحكومة الإسلامية وتصرفها في المصارف المقرّرة لها.
8. الكفّارات
مثل كفّارة قتل العمد، والخطأ، ومخالفة النذر، والعهد، و اليمين،وما يتعلّق بذمّة الإنسان في الحجّ; فللحاكم الإسلامي أن يتولّـى أمرها بدلاً عن صاحب الكفارة تصرفها في محالّها ويسدّ بذلك حاجة المسلمين.
9. اللقطة
وهي الضالّة من الأشياء ولم يعرف لها صاحب، فيجوز للحاكم الإسلامي التصرّف فيها حسب الشروط المقرّرة.
10. الأوقاف ونظائرها الأوقاف، والوصايا، والنذور العامة، والقرابين التي يذبحها الحجاج في منى، فيجوز للحكومة الإسلامية التصرّف فيها وصرفها في مصالح المسلمين مطابقاً لنيّة الواقف والموصي والناذر.
11. الضرائب الموكولة إلى نظر الحاكم
هناك ضرائب ليس لها حدّ معيّن ولا زمان خاص، بل هي موكولة إلى نظر الحاكم الإسلامي يفترضها عند الحاجة، من عمران البلاد، أو جهاد في سبيل اللّه، أو سدّ عيلة الفقراء، أو غير ذلك، ممّا يحتاج إليه قوام العباد، والبلاد.
وهذا هو الذكر الحكيم يصف صاحب الرسالة والممثل الشرعي للحكومة بقوله:(النَّبِيُّ أَولى بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)(6) فهو أولى بهم من أموالهم يتصرّف فيها كيفما اقتضت المصلحة، وهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ عليه السَّلام ـ يقول في عهده إلى مالك الأشتر حين ولاّه مصر: «وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأنّ ذلك لا يدرك إلاّ بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد ـ إلى أن قال: ـ فربّما حدث من الأُمور ما إذا عوّلت فيه عليهم من بعد، احتملوه طيبة أنفسهم به، فإنّ العُمران محتمل ما حمّلته، وإنّما يؤتى خراب الأرض من إعواز أهلها».(7)
فلو كان للخراج حدّ معيّن غير متجاوز عنه لما كان لقوله ـ عليه السَّلام ـ : «احتملوه طيبة أنفسهم» وجه، فانّ معناه: إنّهم قبلوا ما طلبته من الناس بطيب خاطرهم فيعطونك كذلك، وأمّا المقدار اللازم فيجب عليهم دفعه سواء طابت أنفسهم أم لا.
أضف إلى ذلك قوله ـ عليه السَّلام ـ : «فانّ العمران محتمل ما حمّلته» فإنّه يدل على أنّ الوالي إذا عمّر البلاد وصارت عامرة وخصبه وغارقه في الخيرات والنعم، يمكن له أن يفرض عليهم الخراج إزاء ما عمّر.
روى محمّد بن مسلم وزرارة بن أعين، عن الباقر والصادق ـ عليهما السَّلام ـ قالا: «وضع أمير المؤمنين ـ عليه السَّلام ـ على الخيل العتاق الراعية في كلّ فرس في كلّ عام دينارين، وجعل على البراذين ديناراً».(8)
وفيما رواه الشيخ الأقدم محمّد بن الحسن الصفار (المتوفّى عام 290هـ) بإسناده عن علي بن مهزيار، دلالة على أنّ للإمام الصلاحية في تخفيف الضرائب الإسلامية أو تصعيدها، وبما أنّ الرواية طويلة يُرجى من القارئ الكريم الرجوع إلى مصدرها.(9)
وهذه وأمثالها من النصوص تدلّ على أنّ هناك قسماً من الضرائب التي ليس لها حدّ معيّن ، بل موكولة إلى نظر الحاكم.
12. توظيف الأموال في المجالات الاقتصادية
وللحكومة الإسلامية أن لا تكتفي بما يحصل لها من هذه الطرق بل يجوز لها باستخدام الصناعات الأُم والتجارات والتأمين والشركات الزراعية، وتوفير الطاقة، وإدارة شبكات الري، والمواصلات الجوّية والبحرية والبرّية، وغير ذلك من الخدمات، وهذه العوائد تكفي لميزانية الدولة الإسلامية في مختلف العصور والأجيال.
هذه نبذة موجزة من فهرس المنابع المالية للحكومة الإسلامية ذكرتها ردّاً لزعم بعض الجُدد من أنّ الحكومة الإسلامية لا تمتلك منابع مالية لإدارة المجتمع سوى زكاة الإبل والبقر والغنم أو خمس الغنائم والأرباح، أعاذنا اللّه من الكلام بغير علم، و الاستهزاء بالدين، ولنعطف عنان البحث إلى ما ذكره السيد الطباطبائي رحمه اللّه في العروة الوثقى من كتاب الخمس فنقول:
المصادر :
1- الأنفال: 41
2- مفاهيم القرآن: 2/569 ـ 588.
3- هو المادة المرنة المعروفة بالكاو تشوك.
4- كتاب الأنفال والثروات العامة.
5- وهناك آراء ومذاهب أُخر فيما تتعلّق به الزكاة. لاحظ الفقه على المذاهب الخمسة.
6- الأحزاب:6.
7- نهج البلاغة: قسم الرسائل، الرسالة 53.
8- الوسائل: الجزء 6، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه، الباب 16، الحديث 1
9- الوسائل: الجزء 6، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8 ، الحديث 5.
/ج