اهمية الامامة

لقد أعد الله سبحانه وتعالى رسوله محمدا وأهله للنبوة والإمامة أو الرئاسة العامة للمسلمين واختاره لهذه المراتب لأنه الأفضل والأعلم والأفهم والأنقى والأقرب إلى الله، والأقدر على القيادة في تلك المرحلة، وتلك مواصفات ومؤهلات لا يعلمها علم
Tuesday, November 3, 2015
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
اهمية الامامة
 اهمية الامامة

 






 

1 - على صعيد الإمامة أو رئاسة الدولة:
لقد أعد الله سبحانه وتعالى رسوله محمدا وأهله للنبوة والإمامة أو الرئاسة العامة للمسلمين واختاره لهذه المراتب لأنه الأفضل والأعلم والأفهم والأنقى والأقرب إلى الله، والأقدر على القيادة في تلك المرحلة، وتلك مواصفات ومؤهلات لا يعلمها علم اليقين إلا الله، وكلها مؤهلات ضرورية لتكون القدوة المثالية، وليتمكن من قيادة الأمة وفض ما يشجر بينها من مشكلات وفق الحكم الإلهي. ومن المفترض بعد وفاة النبي أن تنتقل الإمامة والرئاسة العامة لمن أعده الله ورسوله واختاره لهذه المهمة ليتابع طريق النبوة ويتم ما لم يتحقق من برامجها!! هذا هو التنظير الديني للرئاسة، وهذا هو حكم الدين. أما على صعيد الواقع فالأمر مختلف جدا فأبرز مؤهلات الذين خلفوا النبي برئاسة الدولة طوال التاريخ السياسي الإسلامي هو التغلب والقهر فأي شخص يغلب على الأمر أو الخلافة يتقلدها ويتنعم هو والذين أوصلوه لهذا المنصب بامتيازات الخلافة.
فالمتغلب شخص عادي من جميع الوجوه فلم يدع أحد من الخلفاء التاريخيين أنه الأفضل أو الأعلم أو الأفهم أو الأتقى أو الأقرب إلى الله ورسوله بل وصرح أول الخلفاء بما يلي: (إني قد وليت عليكم ولست بخيركم)... فالخليفة الأول صادق في ما يقول، ويعترف صراحة وضمنا بأن بين المخاطبين المحكومين من هو خير منه، ومن هو أفضل منه، ومع هذا فقد ولي الخلافة رسميا وأصبح خليفة النبي والقائم مقامه واقعيا وعلى الأمة أن تسلم بذلك شاءت أم أبت، وأن تبايعه راضية أو كارهة لأنه لا بد للجماعة المؤمنة من رئاسة.
وهنا تقع المشكلات الكبرى فالسلطة الفعلية والأمر والنهي بيد الخليفة والقائم مقام النبي واقعيا أما الإمام الشرعي المؤهل والمختار إلهيا فهو مجرد مواطن عادي لا حول بيده ولا قوة، ويمكن للخليفة بإشارة من يده أن يطيح برأس الإمام الشرعي قبل أن يرتد إليه طرفه. بهذه الحالة، فإن الخليفة لا يعرف الحكم الشرعي ولا المقاصد الشرعية، ولا برامج النبوة، ولا معنى كل آية معرفة يقينية، هو يعرف ولكن ظنا وتخمينا، والخليفة ليس محيطا بالبيان النبوي ولا معدا أصلا ليكون خليفة وليس لديه علم يقيني لا بالماضي ولا بالحاضر ولا بالمستقبل لأنه أصلا غير معد لهذه الأمور.
لقد جلس مجلسا ليس له وادعى أمرا فوق طاقته، وعلى الخليفة أن يدير أمور الدولة، فإذا رجع الخليفة للإمام الشرعي فإنه مضطر أن يرجع إليه في كل الأمور وفي ذلك حط من مقام الخليفة، واعتراف ضمني بعدم أهليته للحكم، واعتراف بأن الإمام الشرعي هو المؤهل الوحيد في زمانه لتولي الأمور. لكن الخليفة وأعوانه لن يستسلموا ولن يعترفوا بذلك فأول خطواتهم كانت تجاهل الإمام الشرعي تجاهلا كاملا والحط من مكانته، والتعتيم الكامل على مؤهلاته. ثم تسيير شؤون الحكم بالرأي لا بالشرع، فهم لا يعرفون الشرع، ولكنهم يعرفون الرأي، لذلك تركوا شرع الله الذي لا يعرفونه ولا يجيدون الحكم وفق أحكامه واجتهدوا أو اخترعوا أحكاما من آرائهم الشخصية لحل المشكلات التي كانت تواجه الخلفاء، وكان يصدف أن يطرح سؤال على الخليفة أو تعرض عليه مشكلة والإمام الشرعي موجود فيجيب الإمام الشرعي، ويقدم الحل للمشكلة أما الخليفة الساكت فيتبنى الخليفة جواب الإمام أو الحكم الشرعي الذي أعلنه الإمام إذا كان هذا الجواب أو الحكم لا يتعارض مع نظام الخليفة أو يمس بوجوده ووجود أعوانه. وكثيرا ما كان العامة ينتقدون آراء الخليفة وأحكامه، وكثيرا ما كان يصدر حكما أو رأيا اليوم وينقضه غدا ليتبنى رأيا وحكما آخر، لأنه لا يعرف الصواب على وجه اليقين ولا يعرف الأحكام الشرعية لذلك يبقى حبيس آرائه الشخصية واجتهاداته ليجد الحل أي حل لمشكلات الناس التي تعرض عليه.
والخلاصة أنه وحسب أحكام الدين فإن الإمام أو الرئيس من بعد النبي يتمتع بمؤهلات خاصة تجعله ملاذا للناس بمميزاته وقدراته التي تؤهله للإجابة على كل سؤال مطروح في العالم جوابا شرعيا يقينيا، وتجعله مثلا أعلى وقدوة للمحكومين ولأبناء الجنس البشري تماما كما كان النبي إلا أن الإمام ليس نبيا ولا يوحى إليه إنما هو وارث لعلمي النبوة والكتاب، ومسدد، وموفق إلهيا لأنه المكلف بتنفيذ البرامج الإلهية لهداية العالم كله، ولأنه مكلف ببيان وتنفيذ الحكم الشرعي على صعيد الأمة الإسلامية. هذا هو الإمام القائم مقام النبي شرعا وكما هو في الحق والحقيقة، وقد وجد مثل هذا الرجل المؤهل دائما، ولكن أئمة الضلالة حالوا بينه وبين ممارسة حقه الشرعي بالإمامة..
أما من الناحية الواقعية فالخليفة المتغلب الذي استولى على منصب الخلافة بالقوة والقهر والغلبة وكثرة الأتباع فليست له صفات ومؤهلات تميزه عن غيره من الناس، فهو رجل عادي من جميع الوجوه، ومؤهله الوحيد يكمن في القوة والتغلب، حتى إذا ما استولى على منصب الخلافة سخر إمكانياتها ومواردها لتجميل صورته، واختلاق مميزات خاصة له وإقناع الناس بالترغيب والترهيب أنه بالذات الشخص المناسب ليقوم مقام النبي وخلفائه.
والخليفة المتغلب يقر علنا بأنه ليس الأفضل ولا الأعلم ولا الأقرب لله ولرسوله، وأنه مجرد شخص عادي ليست له مميزات خاصة، ويقر أيضا بأن الأفضل والأعلم والأقرب للرسول موجود بالفعل ويقر أعوانه بكل ذلك تبعا لإقراره! ولكنهم يدعون بأن المسلمين قد قدموا المفضول وهو الخليفة على الأفضل وهو الإمام الشرعي لمصلحة قدروها في ذلك! والمقصود بالمسلمين هم الفئة التي جاءت بالخليفة المتغلب ودعمته حتى جعلته خليفة! أما المسلمون الذين يعارضون هذا الخليفة فلا يعتد برأيهم، ولا يقام له وزن لأنه يفرق الأمة بعد توحدها!!
2 - الله سبحانه وتعالى شهد لأهل بيت النبوة بالطهارة،
واعتبرهم أحد الثقلين فالقرآن الثقل الأكبر وأهل البيت هم الثقل الأصغر، والهدى لا يدرك إلا بالثقلين معا، والضلالة لا يمكن تجنبها إلا بالثقلين معا، والأمة تشهد أن الهاشميين هم الذين احتضنوا النبي وحموه وحموا دعوته طوال مدة ال‍ 15 سنة التي سبقت الهجرة، وأن بطون قريش مجتمعة قد حاصرت الهاشميين وقاطعتهم ولولا الهاشميين لقتلت بطون قريش رسول الله وبعد الهجرة وعندما جيشت بطون قريش الجيوش وحاربت الرسول كان الهاشميون هم أركان حرب الرسول وهم أول من قاتل ومنهم أول من قتل وبقي الهاشميون إلى جانب الرسول حتى استسلمت بطون قريش واضطرت مكرهة أن تعلن إسلامها، لهذه الأسباب مجتمعة ومنفردة ولأسباب تتعلق بحكمة الله وفضله جعل الله الصلاة على آل محمد ركنا من أركان الصلوات المفروضة على المسلمين.
وفرض مودتهم على الناس، وفرض محبتهم. بعد موت النبي قالت بطون قريش أنها أولى بالنبي من آل محمد ومن أهل بيته ومن بني هاشم! وأن هذه البطون هي الوارثة الوحيدة لأموال النبي وسلطانه لأنه من قريش أما آل محمد وأهل بيته وبنو هاشم فليست لهم أية حقوق أو امتيازات خاصة، ولا يجوز لهم أن يتولوا الخلافة لأن محمدا من بني هاشم وقد أخذ الهاشميون النبوة ولا ينبغي لهم أن يجمعوا مع النبوة الخلافة فينالوا الشرفين، ويذهبوا بالفخرين، ويحرموا بطون قريش كذلك لا يجوز للهاشميين عامة ولا لأهل بيت النبوة وآل محمد خاصة أن يتولوا الوظائف العامة لأنهم سيستغلون هذه الوظائف للوصول إلى منصب الخلافة .
وقد وثقنا ذلك في كتابينا: (نظرية عدالة الصحابة) والمواجهة مع رسول الله وآله وفوق ذلك وحتى لا يستغل آل محمد قرابتهم للنبي، وحتى لا يستميلوا القلوب ويؤلفوها من حولهم قرر الخلفاء أن يبقوا آل محمد في حالة عوز وحالة تبعية اقتصادية تامة، فحرموهم من تركة النبي، وصادروا الإقطاعات التي أقطعها لهم النبي حال حياته، وحرموهم من إرث النبي، ومنعوهم سهم ذوي القربى المخصص لهم بآية محكمة، وأعلن الخليفة الأول أنه على استعداد لتقديم المأكل والمشرب لآل محمد لا يزيدون عليه! وهكذا كان حصار الخلفاء لآل محمد رسول الله ولأهل بيته حصارا محكما وشاملا لكل نواحي الحياة! ولم يكتف الخلفاء بذلك لأنهم اعتبروا وجود آل محمد وأهل بيته خطرا على منصب الخلافة وقنبلة موقوتة لا يدري الخلفاء متى تنفجر لذلك طردوهم وشردوهم وقتلوهم تقتيلا .
وإن جادل القوم بآل محمد وأهل بيته فلن يجادلوا أبدا بأن عليا بن أبي طالب وفاطمة الزهراء والحسن والحسين هم من آل محمد بل هم رأس وعماد آل محمد، ومع هذا فقد هددوا عليا بالقتل إن لم يبايع ثم قتلوه، وشرعوا بحرق بيت فاطمة بنت محمد على من فيه وفيه الحسن والحسين وذلك في اليوم الثاني لوفاة أبيها رسول الله، وعندما كبر الحسن قتلوه بالسم. وبقي الحسين وحيدا يضم تحت جناحيه آل محمد، ثم أخرجه الخلفاء ومن والاه من آل محمد، وقادوهم إلى حمراء لا ظل فيها ولا ماء، وحالوا بين آل محمد وبين ماء الفرات حتى لا يشربوا منه ويموتوا عطشا، ثم جهز الخليفة جيشا قوامه مائة ألف مقاتل أو ثلاثين ألف مقاتل بأقل الروايات وشن هذا الجيش هجوما ساحقا على الحسين ومن معه من آل محمد وأحفاده وأبناء عمومته وتمكن الجيش من إبادة كل من حضر من آل محمد، ولم يبق إلا الحسين، وكان بإمكان جيش الخليفة أن يأسر الحسين لأنه رجل واحد، ولكن هذا الجيش شن هجوما شاملا على ابن النبي وقتله شر قتلة وقطعه تقطيعا ونهب رحله، وساق بنات النبي، وبنات عمومته حفارى أسارى وبعد أن انتهت المعركة بانتصار جيش الخليفة، صلوا الفرائض ولم ينسوا أبدا بأن يصلوا على محمد وآل محمد، هم نظريا يصلون على محمد ويقتلون ابنه وأحفاده وأولاد عمومته! وهم يصلون على آل محمد، ويقتلونهم!
يصلون عليهم وبعد الانتهاء من الصلاة يستعدون لقتلهم ثم يقتلونهم، وبعد الانتهاء من القتل يصلون عليهم وهم يعتقدون أنه لا تناقض بين صلاتهم على النبي وقتلهم لابنه وأحفاده، ولا تناقض بين صلاتهم على آل النبي وقتلهم لأولئك الآل!. وقد وقع في هذا التناقض حتى الخلفاء الراشدون، فقد أمر الخليفة الأول بحرق بيت فاطمة بنت الرسول على من فيه وفيه الحسن والحسين ابنا رسول الله، وقاد السرية التي تولت مهمة الشروع بحرق بيت فاطمة ولي عهد الأول والذي أصبح الخليفة الثاني وجمع الحطب تحت إشرافه، وأشعلت فيه النيران بأمره، وسمع بأذنه فاطمة بنت الرسول وهي تنادي بأعلى صوتها: (يا أبتي يا رسول الله) ولم يرمش له جفن حتى حقق ما أراد تماما، بعد ذلك عاد ولي عهد الأول والخليفة الثاني ومعه أركان دولة الخلافة فصلوا على محمد وآل محمد، مع أنهم قبل قليل قد شرعوا بحرق بيت بنت الرسول عليها وعلى ابنيه الصغيرين وهم أحب الناس إليه وصفوة آل محمد! واعتقد الخليفة وولي عهده وأركان دولته أنه لا تناقض يذكر بين أفعالهم وبين حبهم للنبي وصلاتهم على محمد وعلى آل محمد!
وقد تقتضي مصلحة الخلفاء أو أوهام فيها مصلحة أن يسبوا ويشتموا ويلعنوا آل محمد، ويلزموا كل فرد من رعاياهم أن يلعن الآل الكرام أو يلعن عميدهم، وأن يقطعوا عطاء من يحبهم، أو يحكموا بالموت على من يواليهم كما فعل الخلفاء الأمويون، وخلال هذه المحنة الرهيبة كان الخلفاء الأمويون وأتباعهم يصلون على النبي وآل النبي، وكانوا يعتقدون أنه لا تناقض يذكر بين أفعالهم بآل محمد وصلاتهم على محمد وآله!.
3 - المؤمنون الصادقون الذين والوا رسول الله، وآله،
ورافقوه في عسره ويسره وبذله له ولدينه النفس والنفيس، وجاهدوا في الله حق جهاده حتى نصر الله نبيه، وأعز دينه، وقامت دولة النبوة على أكتافهم، هؤلاء المؤمنون الصادقون قد استبعدوا تماما بعد موت النبي، وحرموا من تولي الوظائف العامة، ومن نشر علوم النبوة، وعزلوا عزلا تاما عند الناس وأصبحوا موضع شبهة، وصاروا غرباء بالوطن الذي بنوه حجرا فوق حجر، وأعداء بمقاييس الدولة الجديدة التي بنوا أساسها بالعرق والدم بحجة موالاتهم لآل محمد!
أما الذين قاوموا الرسول، وعادوه قبل الهجرة، وتآمروا على قتله وحصروا الهاشميين وقاطعوهم، ثم جندوا الجيوش وحاربوا النبي بعد الهجرة، وقادوا جبهة الشرك، ورموا النبي بكل سهم في كناناتهم حتى أحيط بهم فاستسلموا واضطروا مكرهين لإعلان إسلامهم، وأخفوا تركة الصراع الهائل والمرير والطويل الذي دار بينهم وبين رسول الله!
بعد موت النبي مباشرة صاروا هم أركان دولة الخلافة وهم الأمراء، وهم الأساتذة، وهم أصحاب الأمر والنهي، ومن بيدهم السلطة الفعلية يتصرفون بالجاه والأموال والنفوذ على الوجه الذي يريدون بلا حسيب ولا رقيب، ويمكنون لأنفسهم في الأرض تحت سمع وبصر الخليفة الغالب، والمغلوب على أمره، ولكنه لا يريد الاعتراف بالحقيقة، كان كل واحد من قادة جبهة الشرك السابقين يتصرف بولايته تصرف المالك بملكه، ويضع البرامج والمناهج التربوية والتعليمية التي يراها مناسبة، لإحداث التبديل والتغيير، بما يخدمه ويرغم أنوف خصومه وهم أهل بيت النبوة، وقدامى محاربي الإسلام! ورموزه وأعلامه الذين حرموا من تولي الوظائف العامة، واستبعدوا بالكامل!
وعندما سئل الخليفة الثاني عن هول ما جرى، وعن سر استخدامه للمنافقين والفجار، وتركه لأولياء الله ورسوله ؟ قال: (إننا نستعين بقوتهم وإثمهم على أنفسهم وقد وثقنا ذلك! فالمنافقون والفجار هم العناصر الوحيدة التي تملك القوة والقادرة على إدارة ملك الخليفة! أما أهل بيت النبوة، والسابقون في الإيمان، وقدامى المحاربين الذين هزموا بطون قريش وركعوا العرب كلهم فليست لديهم القوة لإدارة هذا الملك!
أمثلة حية على هذا الانقلاب
لا خلاف بين اثنين بأن أبا سفيان وأولاده هم الذين قادوا جبهة الشرك وحروبها العدوانية ضد رسول الله وضد دينه الإسلام، وأن أبا سفيان وأولاده قاوموا رسول الله بكل وسائل المقاومة، وحاربوه بكل فنون القتال، ويوم فتح مكة أحيط بهم، فاستسلموا واضطروا لإعلان إسلامهم فصاروا طلقاء، بعد موت النبي مباشرة تولى يزيد بن أبي سفيان قيادة الجيش الزاحف لفتح الشام، ولما مات يزيد خلفه أخوه معاوية، وترك معاوية واليا لبلاد الشام وهي أخطر ولايات دولة الخلافة مدة عشرين سنة يحكم كأنه ملك بلا رقيب ولا حسيب ويوطد لنفسه، ثم أصبح خليفة، وعهد بالخلافة لابنه يزيد، وجاء بعده حفيده معاوية الثاني. فكان التوطيد لأعداء الله مكافأة سخية على عداوتهم وحربهم لرسول الله!
والحكم بن العاص كان من ألد أعداء رسول الله، لعنه رسول الله. (1) وكان هذا معروفا للعامة والخاصة. قال الهيثمي في مجمع الزوائد أن عبد الرحمن بن أبي بكر قال لمروان: (إن رسول الله لعن أباك). وقال ابن عساكر والحاكم في مستدركه أن عبد الله بن الزبير قال وهو يطوف بالكعبة، ورب هذا البيت الحرام والبلد الحرام أن الحكم بن العاص وولده ملعونين على لسان محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وفي الدر المنثور قال: أخرج ابن مردويه عن عائشة أنها قالت لمروان: (سمعت رسول الله يقول لأبيك وجدك أنكم الشجرة الملعونة في القرآن).(2) لقد نفاه رسول الله لأنه من المرجفين. ومع هذا آلت الخلافة لذرية هذا الملعون يتوارثونها بينهم، مع أن رسول الله قد حذر المسلمين منه ومن ولده، ومن جملة تحذيرات الرسول أنه قد قال: (إن هذا، يعني الحكم، سيخالف كتاب الله وسنة نبيه وسيخرج من صلبه فتن يبلغ دخانها السماء، وبعضكم يومئذ شيعته)، رواه الدارقطني (3).
وقد تواترت الأنباء عن رسول الله التي تؤكد بأن أشد العرب بغضا لرسول الله وآله هم بنو أمية، ووقائع التاريخ تؤكد صحة هذه الأنباء فقد ساد الأمويون أعداء الله، وقاد الهاشميون أولياء الله، ونتيجة الحروب الطاحنة، جرى القتل وتكونت الأحقاد الأموية. وربما لهذا السبب صار الأمويون بطانة الخلفاء الأول ثم أصبحوا خلفاء!! فكراهية آل محمد هي الوسيلة العملية للتقدم والوصول إلى السلطة، وموالاة آل محمد هي معيار وسبب الغربة والعزلة! إن هذا لأمر عجاب!
هذا على مستوى الخلافة، أما على مستوى ولايات الأعمال والأقاليم فنأخذ مثلا عبد الله بن أبي سرح فهو الذي افترى على الله الكذب، وهو عدو الله وعدو رسوله، لقد أمر الرسول بقتله ولو تعلق بأستار الكعبة، ويوم فتح مكة أمر الرسول بالبحث عنه وقتله، فلجأ ابن أبي سرح إلى أخيه في الرضاعة عثمان بن عفان، فغيبه عثمان وأخفاه، وفي يوم من الأيام بعد الفتح بفترة جاء به عثمان إلى رسول الله فاستاء منه، فصمت رسول الله طويلا، ثم قال نعم فلما انصرف عثمان قال النبي لمن حوله: ما صمت إلا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه! فقال رجل فهلا أومأت إلي يا رسول الله ؟ فقال النبي: إن النبي لا ينبغي أن تكون له خائنة أعين. (4).
وأصبح ابن أبي سرح طليقا ومن المؤلفة قلوبهم، الذين كان يعطى لهم سهم من الصدقات لأنهم منافقون وضعاف إيمان وحتى يصرفوا وبعد موت الرسول مباشرة صار عبد الله بن أبي سرح من أصفياء الخلفاء كما وثقنا، ومن أهل الحل والعقد، وأسندت إليه إمارة ولاية مصر وهي تاج الولايات الإسلامية، ومر حين من الدهر كان فيه ابن أبي سرح الرجل الثالث في الدولة الإسلامية، مع أنه الأظلم بنص القرآن، ومفتر على الله بنص القرآن ومع أنه عدو لله ولرسوله!
هذا هو فريق القيادة، وهذه هي الكوادر الفنية التي حلت عرى الإسلام وأسست ورسمت معالم عصر ما بعد النبوة، فوضعت مناهجها التربوية والتعليمية، وفرضتها على المسلمين قرابة قرن من الزمان، خلطوا خلاله الأوراق.خلطا عجيبا فبدلوا وعدلوا، ولم يبق من الإسلام إلا كتاب الله وأهل بيت النبوة، لمواجهة برامج تربوية وتعليمية قد استقرت في النفوس، فألغت دور كتاب الله وما وصل إلينا من السنة النبوية وعملت على تجميل أفعال تلك الكوادر، وإضفاء طابع الشرعية والمشروعية على وقائع التاريخ، لقد اختلط الحابل بالنابل فلا تدري أيا من أي! (فلم يبق من القرآن إلا رسمه، ولا من الإسلام إلا اسمه، يسمون به وهم أبعد الناس عنه، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى، فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت السماء، منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود).
هذا هو وصف رسول الله لواقع الأمة بعد أن حلت عرى الإسلام كلها.(5)
وهكذا حدث كما أخبر به رسول الله، واقترفت تلك الكوادر كافة ما حذر منه! فقال: قال الرسول يوما لأصحابه: (إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء، رواه مسلم وابن ماجة والطبراني. قال النووي: أي أن الإسلام بدأ في آحاد من الناس وقلة، ثم انتشر وظهر ثم سيلحقه النقض والاخلال حتى لا يبقى إلا في قلة وآحاد أيضا...(6)
المصادر :

1- مجمع الزوائد للهيثمي ج 5 ص 241 وقال رواه أحمد بن حنبل والبزار والطبراني
2- الهيثمي في مجمع الزوائد ج 5 ص 241 / كنز العمال ج 11 ص 358 والحاكم في مستدركه ج 4 ص 481.
3- كنز العمال ج 11 ص 166 وابن عساكر ج 11 ص 36،.والطبراني ج 11 ص 167
4- ترجمة ابن أبي سرح في الاستيعاب لابن عبد البر ج 4 ص 378 والإصابة لابن حجر ج 2 ص 309، وأسد الغابة ج 3 ص 173
5- ثواب الأعمال وعقابها ج 4 ص 301، وجامع الأخبار ص 129 فقرة 88 والبحار ج 52 ص 190، ومنتخب الأثر للرازي ص 472 ف 6 ب 2 ومعجم الإمام المهدي ج 1 ص 44 – 44.
6- كنز العمال ج 2 ص 177/ صحيح مسلم بشرح النووي ج 2 ص 177

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.