
قال قال رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)لما أسري بي إلى السماء إلى سدرة المنتهى وقفت بين يدي الله عز و جل فقال يا محمد فقلت لبيك و سعديك قال قد بلوت خلقي فأيهم رأيت أطوع لك قلت رب عليا قال صدقت يا محمد فهل اتخذت لنفسك خليفة يؤدي عنك و يعلم عبادي من كتابي ما لا يعلمون قال قلت رب اختر لي إن خيرتك خيرتي قال قد اخترت لك عليا فاتخذه لنفسك خليفة و وصيا و نحلته علمي و حلمي و هو أمير المؤمنين حقا لم يبلغها أحد قبله و ليست لأحد بعده.
يا محمد علي راية الهدى و إمام من أطاعني و نور أوليائي و هو الكلمة التي ألزمتها المتقين من أحبه فقد أحبني و من أبغضه فقد أبغضني لو لا علي لم يعرف حزبي و لا أوليائي .
و من فضائله (عليه السلام)أنه كان قوي البأس رابط الجأش سيف الله و كاشف الكرب عن وجه رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)تعجبت الملائكة من حملاته على المشركين و ابتلي بجهاد الكفار و المنافقين و المارقين و القاسطين و الناكثين.
و روى أحمد بن حنبل في مسنده فقال كان رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)يبعثه بالراية جبرئيل عن يمينه و ميكائيل عن شماله لا ينصرف حتى يفتح له.
و نقل الواقدي قال إن عليا (عليه السلام)و العباس و طلحة افتخروا فقال طلحة أنا صاحب البيت بيدي مفتاحه و قال العباس أنا صاحب السقاية و القائم عليها فقال علي لا أدري ما تقولان لقد صليت أنا ستة أشهر قبل الناس و أنا صاحب الجهاد فأنزل الله تعالى أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْ آخِرِ وَ جاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللّهِ إلى قوله أَجْرٌ عَظِيمٌ فصدق الله تعالى عليا (عليه السلام)في دعواه و شهد له بالإيمان و المهاجرة و الجهاد و الزكاة و رفع قدره بما نزل فيه و أعلاه و كم له من المزايا التي لم يبلغها أحد سواه.
و أما مواقف جهاده و مواطن جده و اجتهاده فمنها ما كان مع رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)و منها ما تولاه على انفراده.
أما الأول و هي حروب الجهاد التي كانت أيام رسول الله فكثير يطول بذكرها المقام و لنذكر منها خمس معارک من أشهرها و أعلاها و من أعظمها و أقواها.
الأولى غزوة بدر
و بدر اسم موضع بين مكة و المدينة و كانت الوقعة عنده و هذه الغزوة هي الداهية العظمى التي هدت قوى الشرك و قذفت طواغيته في قليب الهلكة و دوخت مردة الكفار و سقتهم كأسات البوار و هي أول حرب كان بها الامتحان و أراد فريق من المسلمين التأخر عن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)لخوفهم منها و كراهيتهم لها على ما نطق به القرآن حيث يقول جل اسمه كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَ هُمْ يَنْظُرُونَ فيومها اليوم الذي لم يأت الدهر بمثله و كان فضل الله فيه من أحسن فضله إذ أنزل فيه الملائكة الكرام لنصر رسول الله ص تفضيلا له على جميع رسله.و علي (عليه السلام) فارس تلك الملحمة فما يعدل الأسد الغضاب بشسع نعله في تلك الحرب العوان ينصب على الأعداء انصباب السحاب بوابله و نار سطوته تسعر النار في دقيق الغضا و جزله.
و هذه الغزوة كانت على رأس ثمانية عشر شهرا من قدومه (صلی الله عليه وآله وسلم)و عمر علي (عليه السلام)سبع و عشرون سنة و كان من جملة خبرها أن المشركين حضروا بدرا مصرين على القتال مشهرين بكثرة الأموال و الأبطال و العدد و الرجال و المسلمون إذ ذاك نفر يسير ضعيف كما قال الله تعالى وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْر وَ أَنْتُمْ أَذِلَّةٌ قال بعضهم سمعت عليا (عليه السلام)يقول لقد حضرنا بدرا و ما فينا فارس إلا المقداد بن الأسود الكندي و لقد كنا ليلة بدر و ما فينا إلا من نام سوى رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم) إنه كان في أصل شجرة يدعو و يصلي إلى الصباح .
و روي أنه لما أصبح الناس يوم بدر اصطفت قريش أمامها عتبة بن ربيعة و أخوه شيبة و ابنه الوليد فنادى عتبة رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)يا محمد أخرج لنا أكفاءنا من قريش فبدر إليهم ثلاثة من شبان الأنصار فمنعهم النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)و قال لهم إن القوم دعوا الأكفاء منهم ثم أمر عليا (عليه السلام) بالبراز إليهم و بعث معه حمزة بن عبد المطلب و عبيدة بن الحرث رحمهما الله فلما اصطفوا قال مشركو قريش من أنتم فانتسبوا لهم و نشبت بينهم الحرب فوقف علي للمبارزة فبارزه الوليد بن عتبة و كان شجاعا جريئا فاختلفت بينهما ضربتان فأخطأت ضربة الوليد و اتقى بيده اليسرى فضربه أمير المؤمنين (عليه السلام)فأبانها.
ثم بارزه العاص بن سعيد بن العاص بعد أن أحجم عنه الناس لأنه كان عظيما فقتله فقال عمر بن الخطاب مررت بالعاص بن سعيد يوم بدر فرأيته يبحث برجله للقتال كما يبحث الثور بقرنه و إذا شدقاه قد أزبدا فهبته و زغت عنه فقال لي إلى أين يا ابن الخطاب فقال له علي (عليه السلام) دعه و خذني إليك يا ابن العاص قال عمر فاختلفا ضربا فما برحت من مكاني حتى قتله علي و قد قيل
إذا انسكبت دموع في خدود *** تبين من بكى ممن تباكى
ثم برز إليه حنظلة بن أبي سفيان فلما دنا منه ضربه أمير المؤمنين (عليه السلام) ضربة بالسيف أسالت عينيه و لزم الأرض قتيلا ثم برز إليه طعيمة بن عدي فقتله. ثم برز إليه نوفل بن خويلد و كان من شياطين قريش و كانت تعظمه و تقدمه و تطيعه و كان قد قيدا أبا بكر و طلحة قبل الهجرة بمكة في قرن واحد و أوثقهما بحبل و عذبهما يوما إلى الليل حتى سئل في أمرهما فقال رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)لما علم بحضور نوفل بدرا اللهم اكفني نوفلا فقصده أمير المؤمنين (عليه السلام)ثم ضربه بالسيف فنشب في بيضته فانتزعت ثم ضرب به ساقه و كانت درعه مشمرة فقطعها ثم أجهز عليه فقتله فلما عاد إلى النبي سمعه يقول من له علم بنوفل فقال علي أنا قتلته يا رسول الله فكبر النبي صلی الله عليه وآله وسلم و قال الحمد لله الذي أجاب دعوتي فيه.
و لم يزل علي (عليه السلام)يقتل واحدا بعد واحد من أبطال المشركين حتى قتل بمفرده نصف المقتولين و قتل المسلمون كافة و ثلاثة آلاف من الملائكة مسومين النصف الآخر و شاركهم علي فيه أيضا ثم رمى رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)باقي القوم بكف من الحصار و قال شاهت الوجوه فانهزموا جميعا. فهذه الغزوة العظمى على ما شرحناه و كانت عبارة عنه (عليه السلام)و ما أحقه بقول القائل في ذلك :
لك حالتان مسالما و محاربا *** بالعدل منك و سيفك المخضوب
فرقت ما بين الذوائب و الطلى *** و جمعت ما بين الطلا و الذيب
الثانية غزوة أحد
و كانت في شوال و لم يبلغ عمر أمير المؤمنين (عليه السلام)إلا تسع و عشرون سنة. و أحد جبل عظيم قريب من المدينة و كانت هذه الغزوة عنده و سببها أن قريشا لما كسروا يوم بدر و قتل بعضهم و أسر البعض الآخر جزعوا لقتل رؤسائهم فتجمعوا و بذلوا الأموال و جيشوا الجيوش و تولى ذلك أبو سفيانو قصدوا النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)و أمير المؤمنين (عليه السلام)بالمدينة فخرج النبي بالمسلمين و دخل النفاق و الشك و الريب بين جماعة منهم فرجع قريب من ثلثهم إلى المدينة و بقي النبي في سبعمائة من المسلمين كما حكاه الله تعالى في قوله وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ الآية.و صف النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)المسلمين صفا طويلا و جعل على الشعب خمسين رجلا من الأنصار و أمر عليهم رجلا منهم و قال لهم لا تبرحوا من مكانكم و إن قتلنا عن آخرنا فإنما نؤتى من موضعكم و اشتدت الحرب و دارت رحاها و لواء المسلمين بيد أمير المؤمنين و هو قدام رسول الله يضربهم بسيفه بين يديه و لواء الكفار بيد طلحة بن أبي طلحة العبدي من بني عبد الدار و كان يسمى كبش الكتيبة فتلاقى هو و علي و تقاربا و اختلف بينهما ضربتان فضربه علي على مقدم رأسه فبدرت عينه و صاح صيحة عظيمة و سقط اللواء من يده فأخذه آخر من بني عبد الدار فقتله و لم يزل علي (عليه السلام) يقتل واحدا بعد واحد حتى قتل سبعة ثم أخذ اللواء عبد لهم اسمه صواب و كان أشد الناس بأسا فضرب علي يده اليمنى فقطعها فأخذ اللواء بيده اليسرى فضربه فقطعها فأخذ اللواء على صدره و جمع ساعديه عليه و يداه مقطوعتان فضربه علي على رأسه فسقط صريعا و انهزم القوم و أكب المسلمون على الغنائم.
و رأى أصحاب الشعب الناس يغتنمون فخافوا فوات الغنيمة فاستأذنوا رئيسهم في أخذ الغنائم فقال إن رسول الله أمرني أن لا أبرح من مكاني هذا فقالوا إنما قال لك ذلك و هو لا يدري أن الأمر يبلغ ما ترى و مالوا إلى الغنائم و تركوه فحمل عليه خالد بن الوليد فقتله و جاء من ظهر النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)فنظر إليه و قد حف به أصحابه فقال لمن معه دونكم هذا الذي تطلبون فحملوا عليه حملة رجل واحد ضربا بالسيوف و طعنا بالرماح و رميا بالنبال و رضخا بالحجارة و جعل أصحاب رسول الله يقاتلون عنه حتى قتل منهم سبعون رجلا و انهزم الباقون و بقي النبي صلیالله عليه وآله وسلم وحده و ما زال من موضعه شبرا واحدا باشر القتال بنفسه و رمى حتى فنيت نباله و كان تارة يرمي عن قوسه و تارة بالحجارة و أصابه عتبة بن أبي وقاص بشفتيه و رباعيته و ضربه ابن قمية على كريمته الشريفة فلم يصنع سيفه شيئا و هم الضربة بثقل السيف ثم وقع (صلی الله عليه وآله وسلم)في حفرة مغشيا عليه و حجب الله أبصار المشركين عنه.
و صاح صائح بالمدينة قتل رسول الله فانخلعت القلوب و خرجت فاطمة (عليها السلام)صارخة.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لما انهزم الناس عن رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم) لحقني من الجزع عليه ما لم أملك نفسي و كنت أمامه أضرب بسيفي المشركين و رجعت أطلبه فلم أره فقلت ما كان رسول الله ليفر و ما رأيته في القتلى فأظنه رفع من بيننا إلى السماء فكسرت جفن سيفي و قلت لأقاتلن به حتى أقتل و حملت على القوم فأفرجوا و إذا أنا برسول الله قد وقع مغشيا عليه فنظر إلي و قال ما فعل الناس يا علي فقلت كفروا يا رسول الله و ولوا الدبر و أسلموك إلى عدوك فنظر إلى كتيبة قد أقبلت فقال ردهم عني فحملت عليهم أضربهم يمينا و شمالا حتى قتلت منهم هشام بن أمية المخزومي و انهزم الباقون.
و أقبلت كتيبة ثانية فقال لي (صلی الله عليه وآله وسلم)احمل على هذه فحملت و قتلت منهم عمرو بن عبد الله الجمحي و انهزموا أيضا.
و جاءت أخرى فحملت عليها و قتلت منها بشر بن مالك العامري و انهزموا.
و لم يزل (عليه السلام)يقاتل في ذلك اليوم و يفرق جموع القوم عن رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)حتى أصابه في رأسه و وجهه و بدنه سبعون جرحا و هو قائم وحده بين يدي النبي لا يغفل عنه طرفة عين فقال (صلی الله عليه وآله وسلم) يا علي أ ما تسمع مديحك في السماء إن ملكا اسمه رضوان ينادي بين الملائكة لا سيف إلا ذو الفقار و لا فتى إلا علي .
و رجع الناس إلى النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)و كان جبرئيل (عليه السلام) يعرج إلى السماء في ذلك اليوم و هو يقول لا سيف إلا ذو الفقار و لا فتى إلا علي و سمعه الناس كلهم و قال جبرئيل يا رسول الله قد عجبت الملائكة من حسن مواساة أمير المؤمنين علي لك بنفسه فقال رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم) و ما يمنعه من ذلك و هو مني و أنا منه فقال جبرئيل و أنا منكما .
و ذكر أهل السير قتلى أحد من المشركين فكان جل جمهورهم مقتولين بسيف أمير المؤمنين (عليه السلام)و كان الفتح له و سلامة رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم) من المشركين بسبب سيفه و رجوع الناس إلى النبي بمقامه و ثباته يذب عنه بسيفه دونهم و يبذل نفسه العزيزة في سبيل نصرته و توجه العتاب من الله تعالى إلى جميعهم لموضع الهزيمة و الملائكة في السماء مشغولون بمدحه متعجبون من مقامه و ثباته و سطوته و صلى الله على مجهول القدر.
الثالثة غزوة الأحزاب
و هي غزوة الخندق و بيانها أن جماعة من اليهود جاءوا إلى أبي سفيان لعلمهم بعداوته للنبي (صلی الله عليه وآله وسلم)و سألوه المعونة فأجابهم و جمع لهم قريشا و أتباعهم من كنانة و تهامة و غطفان و أتباعها من أهل نجد و اتفق المشركون مع اليهود و أقبلوا بجمع عظيم و نزلوا من فوق المسلمين و من أسفلهم كما قال الله تعالى إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ فاشتد الأمر على المسلمين.و كان سلمان رضي الله عنه قد أشار بحفر الخندق فحفر و خرج النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)بالمسلمين و هم ثلاثة آلاف و المشركون مع اليهود يزيدون على عشرة آلاف و جعلوا الخندق بينهم و بين المسلمين و ركب عمرو بن عبد ود و معه فوارس من قريش و أقبلوا حتى وقفوا على أضيق مكان في الخندق ثم ضربوا خيلهم فاقتحمت و صاروا بين الخندق و المسلمين فخرج إليهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال عمرو هل من مبارز فقال علي أنا فقال له النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)إنه عمرو فسكت و نادى عمرو هل من مبارز فقال علي أنا له يا رسول الله فقال إنه عمرو فسكت و نادى عمرو ثالثا فقال علي أنا له يا رسول الله فقال إنه عمرو و كل ذلك يقوم علي فيأمره النبي بالثبات انتظارا لحركة غيره من المسلمين و كان على رءوسهم الطير لخوفهم من عمرو.
و طال نداء عمرو و هو يطلب المبارزة و تتابع قيام أمير المؤمنين (عليه السلام)فلما لم يقدم أحد من الصحابة قال النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)لعلي ادن مني يا علي فدنا منه فنزع عمامته عن رأسه و عممه بها و أعطاه سيفه و قال امض لشأنك و دعا له ثم قال برز الإيمان كله إلى الشرك كله.
فسعى علي (عليه السلام) نحو عمرو حتى انتهى إليه فقال له يا عمرو إنك كنت تقول لا يدعوني أحد إلى ثلاث إلا قبلتها أو واحدة منها قال عمرو أجل قال علي إني أدعوك إلى شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و أن تسلم لرب العالمين قال عمرو أخر هذه عني فقال علي أما إنها خير لك لو أخذتها ثم قال (عليه السلام)هاهنا أخرى قال و ما بقي قال ترجع من حيث أتيت قال لا تتحدث نساء قريش عني بذلك أبدا قال علي فهاهنا أخرى قال و ما هي قال أبارزك أو تبارزني فضحك عمرو و قال إن هذه الخصلة ما كنت أظن أحدا من العرب يطلبها مني و أنا أكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك و قد كان أبوك نديما لي فقال علي و أنا كذلك لكني أحب أن أقتلك ما دمت أبيا للحق فحمى عمرو و نزل عن فرسه و ضرب وجهه حتى نفر و أقبل على أمير المؤمنين مسلطا سيفه و بادره بضربة فلبث السيف في ترس علي و ضربه أمير المؤمنين (عليه السلام)قال جابر الأنصاري رحمه الله فتجاولا و ثارت بينهما فترة و بقيا ساعة طويلة لم نرهما و لا سمعنا لهما صوتا ثم سمعنا التكبير فعلمنا أن عليا قد قتل عمرا.
و سر النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)سرورا عظيما لما سمع صوت أمير المؤمنين (عليه السلام)بالتكبير و كبر و سجد لله تعالى شكرا و انكشف الغبار و عبر أصحاب عمرو الخندق و انهزم عكرمة بن أبي جهل و باقي المشركين و كانوا كما قال الله سبحانه و تعالى وَ رَدَّ اللّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً.
و لما قتل علي (عليه السلام)عمرا احتز رأسه و أقبل نحو النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) و وجهه يتهلل فألقى الرأس بين يدي النبي و قبل النبي رأس أمير المؤمنين و وجهه و قام أكابرالصحابة فقبلوا أقدامه (عليه السلام) فقال له عمر بن الخطاب هلا سلبته درعه فما لأحد درع مثله فقال إني استحيت أن أكشف سوءة ابن عمي و كان ابن مسعود يقرأ و كفى الله المؤمنين القتال بعلي و كان الله قويا عزيزا .
و قال النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) ذلك اليوم في مبارزة علي (عليه السلام) لعمرو بن ود العامري أفضل من عبادة أمتي إلى يوم القيامة .
و قال ربيعة السعدي أتيت حذيفة اليمان فقلت يا أبا عبد الله إنا لنتحدث عن علي (عليه السلام) فيقول لنا أهل البصرة إنكم تفرطون في علي فهل أنت تحدثني بحديث فقال حذيفة يا ربيعة و ما تسألني عن علي و الذي نفسي بيده لو وضع جميع أعمال أصحاب محمد (صلی الله عليه وآله وسلم) في كفة ميزان منذ بعث محمد إلى يوم يقوم الناس و وضع عمل علي (عليه السلام) في الكفة الثانية لرجح عمل علي على جميع أعمالهم فقال ربيعة هذا الذي لا يقام له و لا يقعد له فقال حذيفة يا لكع و كيف لا يحمل و أين كان أبو بكر و عمر و حذيفة و جميع أصحاب رسول الله يوم دعا عمرو بن عبد ود للمبارزة فأحجم الناس كلهم ما عدا علي (عليه السلام) فإنه برز إليه و قتله و الذي نفس حذيفة بيده لعمله في ذلك اليوم أعظم أجرا من عمل أصحاب محمد إلى يوم القيامة .
و قالت أخت عمرو و قد نعي إليها أخوها من ذا الذي اجترأ عليه فقالوا علي بن أبي طالب فقالت لم يعد موته إلا على يد كفو كريم لا رقأت دمعتي إن أهرقتها عليه قتل الأبطال و بارز الأقران و كانت منيته على يد كريم قومه و ما سمعت أفخر من هذا يا بني عامر ثم أنشدت قائلة :
لو كان قاتل عمرو غير قاتله *** لكنت أبكي عليه دائم الأبد
لكن قاتله من لا نظير له *** و كان يدعى قديما بيضة البلد
الرابعة غزوة خيبر
كان الفتح فيها بأمير المؤمنين (عليه السلام)أيضا لأن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)حاصر اليهود بخيبر بضعا و عشرين ليلة ففي بعض الأيام فتحوا الباب و كانوا قد خندقوا على أنفسهم خندقا و خرج مرحب بأصحابه يتعرض للحرب فدعا النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)أبا بكر و أعطاه الراية في جمع من المسلمين و المهاجرين فانهزم و لما كان من الغد أعطاها لعمر فسار بها غير بعيد ثم انهزم فقال النبي ائتوني بعلي فقيل له إنه أرمد العين فقال أرونيه ترون رجلا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله كرارا غير فرار فجاء علي (عليه السلام) فقال له النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) ما تشتكي يا علي قال رمدا ما أبصر معه و صداعا برأسي فقال اجلس و ضع رأسك على فخذي ثم تفل النبي في يده و مسحها على عينيه و رأسه و دعا له فانفتحت عيناه و سكن الصداع من جبينه و أعطاه الراية و كانت بيضاء و قال امض بها فجبرائيل معك و النصر أمامك فمضى علي حتى أتى الحصن فخرج مرحب و عليه درع و مغفر و حجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه فاختلفا بضربتين فضربه علي فقد الحجر و المغفر و رأسه حتى وقع السيف على أضراسه و خر صريعا و انهزم من كان مع مرحب و أغلقوا باب الحصن و عالجه جماعة كثيرة من المسلمين فلم يتمكنوا من فتحه فجاء أمير المؤمنين فقلعه و اتخذه جسرا على الخندق حتى عبر المسلمون عليه و ظفروا بالحصن وكان باب قلعة خيبر يغلقه عشرون رجلا و رام المسلمون حمله فلم يستطع قلبه إلا سبعون رجلا و قال (عليه السلام) و الله ما قعلت باب خيبر بقوة جسمانية و لكن بقوة ربانية.الخامسة غزوة ذات السلسلة
و خبر هذه الغزوة أنه جاء أعرابي إلى النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) فقال يا رسول الله إن جماعة من العرب اجتمعوا بوادي الرمل على أن يبيتوك بالمدينة فأمره بالصلاة جامعة فاجتمعوا و عرفهم و قال من لهم فابتدرت جماعة من أهل الصفة و غيرهم و عدتهم ثمانون و قالوا نحن أمر علينا من شئت فاستدعى أبا بكر و قال امض فمضى فأتبعهم القوم فهزموهم و قتلوا جماعة كثيرة من المسلمين و انهزم أبو بكر و جاء إلى رسول الله فبعث عمر فهزموه مرة ثانية فساء النبي ذلك فقال عمرو بن العاص ابعثني يا رسول الله فإن الحرب خدعة و لعلي أخدعهم فأنفذه مع جماعة فلما صاروا إلى الوادي خرجوا إليه فهزموه و قتلوا جماعة من أصحابه.عند ذلك دعا النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)أمير المؤمنين (عليه السلام)و بعثه إليهم و دعا له و خرج معه مشيعا له إلى مسجد الأحزاب و أنفذ معه جماعة منهم أبو بكر و عمرو بن العاص فسار بهم نحو العراق منكبا عن الطريق حتى ظنوا أنه يريد بهم غير ذلك الوجه ثم اتجه بهم إلى طريق غامضة و استقبل الوادي من فمه و كان (عليه السلام) يسير الليل و يكمن النهار فلما قرب من الوادي أمر أصحابه أن يخففوا أصواتهم و أوقفهم مكانا و تقدم أمامهم ناحية.
فلما رأى عمرو بن العاص فعله لم يشك في كون الفتح له فخوف أبا بكر و قال له إن هذه أرض ضباع و ذئاب كثيرة الحجارة و هي أشد علينا من بني سليم و المصلحة أن نعلو الوادي و أراد بذلك فساد الحال على أمير المؤمنين (عليه السلام)حسدا له و بغضا فأمره أن يقول ذلك لأمير المؤمنين فقال له أبو بكر فلم يجبه أمير المؤمنين بحرف واحد فرجع أبو بكر و قال و الله ما أجابني بحرف واحد فقال عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب امض أنت إليه فخاطبه ففعل فلم يجب أمير المؤمنين بشيء فقال عمر أ نضيع أنفسنا انطلقوا بنا نعلو الوادي فقال المسلمون إن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)أمرنا أن لا نخالف عليا فكيف نخالفه و نسمع قولك و ما زالوا حتى طلع الفجر فكبس القوم و هم غافلون و أمكنهم الله منهم.
و نزل جبرائيل (عليه السلام)على النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) بسورة وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً فَالْمُورِياتِ قَدْحاً فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً قسما منه تعالى بخيل أمير المؤمنين (عليه السلام)و عرفه بالحال ففرح النبي و بشر أصحابه بالفتح و أمرهم باستقبال أمير المؤمنين فخرجوا و ترجل النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)و نزل عن فرسه فوقف بين يديه و قال له لو لا أنني أشفق أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في المسيح لقلت فيك اليوم مقالا لا تمر بملإ منهم إلا أخذوا التراب من تحت قدميك للبركة فإن الله و رسوله عنك راضيان .
و سميت هذه الغزوة ذات السلاسل لأن أمير المؤمنين (عليه السلام) قتل و أسر منهم و أتى بالأسرى مكتفين بالحبال كأنهم في السلاسل.
و أما الثاني و هو مواطن جهاده (عليه السلام)بعد رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)فإنه ابتلي و امتحن بحرب الناكثين و القاسطين و المارقين كما أخبره النبي بذلك.
و بيان هذه الحروب على سبيل الاختصار أنه بعد أن آل الأمر إليه (عليه السلام) و بايعه المسلمون نهض طلحة و الزبير و نكثا بيعته و انحازا إلى عائشة و اجتمعوا على قتاله و توجهوا إلى البصرة و انضم إليهم منها خلق كثير و خرجوا ليحاربوه و خرج علي (عليه السلام)و ردعهم فلم يرتدعوا و وعظهم فلم يتعظوا و أصروا على قتاله فقاتلهم حينئذ حتى قتل منهم ستة عشر ألفا و سبعمائة و تسعين و كانوا ثلاثين ألفا و قتل من أصحابه ألف و سبعون رجلا و كانوا عشرين ألفا و هذه الوقعة تسمى وقعة الجمل و هي حربه للناكثين و بعد ذلك اشتغل بوقعة صفين و حربه مع معاوية و هي جهاده القاسطين.
و هذه الحروب من الوقائع العظام التي يكاد أن يضطرب لها فؤاد الجنين و يشيب منها رأس الوليد و بقي (عليه السلام)يكابد هذه الوقعة ثمانية عشر شهرا و قتل فيها من الفريقين على أقل الروايات مائة ألف و خمسة و سبعون ألفا من الشام و خمسة و عشرون ألفا من أهل العراق و في ليلة الهرير من هذه الوقعة و هي أشد أوقاتها قتل من الفريقين ستة و ثلاثون ألفا و قتل (عليه السلام)بمفرده في هذه الليلة خمسمائة و ثلاثة و عشرين فارسا لأنه كان كلما قتل فارسا أعلن بالتكبير فأحصيت تكبيراته في تلك الليلة فكانت خمسمائة و ثلاثا و عشرين تكبير بخمس مائة و ثلاثة و عشرين فارسا قتيلا و عرفوا قتلاه نهارا بضرباته التي كانت على وتيرة واحدة إن ضرب طولا قد و إن ضرب عرضا قط و كانت كأنها مكواة.
و في صبيحة هذه الليلة انتظم أمر أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)و لاحت لهم أمارات الظفر و لاحت علامات النصر و زحف مالك الأشتر حتى ألجأهم إلى معسكرهم و لم يبق إلا أخذهم و قبض معاوية.
فلما رأى عمرو بن العاص الحال على هذا قال لمعاوية نرفع المصاحف و ندعوهم إلى كتاب الله تعالى فقال أصبت فرفعوها فرجع القراء من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)عن القتال و أقبلوا إليه و هم أربعة آلاف فارس كأنهم السد من الحديد و قالوا ابعث الأشتر عن قتال هؤلاء فقال لهم إنها خديعة ابن العاص و شيطنته هؤلاء ليسوا من رجال القرآن فلم يقبلوا و قالوا لا بد أن ترد الأشتر و إلا قتلناك أو سلمناك إليهم فأنفذ علي (عليه السلام)يطلب الأشتر فقال قد أشرفت على الفتح و ليس هذا وقت طلبي فعرفه اختلال أصحابه فرجع و عنف القراء و سبهم و سبوه و ضرب وجوه دوابهم فلم يرجعوا و وضعت الحرب أوزارها. عند ذلك بعث إليهم أمير المؤمنين (عليه السلام)و قال لهم لما ذا رفعتم المصاحف قالوا للدعاء إلى العمل بمضمونها و أن نقيم حكما و تقيموا حكما ينظران في هذا الأمر و يقران الحق مقره فتبسم أمير المؤمنين تعجبا و قال يا ابن أبي سفيان أنت تدعوني إلى العمل بكتاب الله و أنا كتابه الناطق إن هذا لهو العجب العجيب و الأمر الغريب.
ثم قال لأولئك القراء إنها حيلة و خديعة فعلها ابن العاص لمعاوية فلم يسمعوا و ألزموه بالتحكيم فعين معاوية عمرو بن العاص و عين أمير المؤمنين (عليه السلام)عبد الله بن العباس فلم يوافقوا قال فالأشتر فأبوا و اختاروا أبا موسى الأشعري فقال علي (عليه السلام)إن أبا موسى الأشعري ضعيف العقل و هواه مع غيرنا فقالوا لا بد منه و حكموه فخدع عمرو أبا موسى و حمله على خلع أمير المؤمنين و أنه يخلع معاوية و أمره بالتقدم حيث هو أكبر سنا فصعد أبو موسى المنبر و خطب و نزع أمير المؤمنين من الخلافة ثم قال قم يا عمرو فافعل كذلك فقام و صعد المنبر و خطب و أقر الخلافة في معاوية فشتمه أبو موسى و تلاعنا.
فقال علي (عليه السلام)لأصحابه القراء العباد الذين غلبوا على رأيه بالتحكيم أ لم أ قل لكم إنها حيلة فلا تنخدعوا بها فلم تقبلوا قالوا لعنهم الله ما كان ينبغي لك أن تقبل منا فأنت قد عصيت الله و رسوله بقبولك منا و لا طاعة لمن عصى الله.
و خرجوا من الكوفة مصرين على قتاله (عليه السلام)و أمروا عليهم عبد الله بن وهب و ذا الثدية و قالوا ما نريد بقتالك إلا وجه الله و الدار الآخرة فقرأ (عليه السلام)
هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً.
ثم التحم القتال و حمل عليهم أمير المؤمنين (عليه السلام)حملة واحدة فلم تمض إلا ساعة حتى قتلوا بأجمعهم سوى تسعة أنفس فإنهم هربوا و قتل من أصحاب علي تسعة عدد من سلم من الخوارج و كان (عليه السلام)قد أخبر من قبل القتال بأنا نقتلهم و لا يقتل منا عشرة و لا يسلم منهم عشرة.
فهذه وقعة النهروان و هو قتاله (عليه السلام)للخوارج المارقين الذين قال النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)في حقهم إنهم شر الخلق و الخليقة يقتلهم خير الخلق و الخليقة و أعظمهم يوم القيامة عند الله وسيلة .
و من فضائله (عليه السلام)التي انفرد بها من المشاركة فيها أنه جمع بين الفضائل المتضادات و ألف بين الكمالات المتباينات فإنه كان يصوم النهار و يقوم الليل مع هذه المجاهدات التي ذكرناها و يفطر على اليسير من جريش الشعير بغير إدام كما قلنا في صفة زهده و من يكون بهذه الحالة يكون ضعيف القوة و أمير المؤمنين (عليه السلام)كان مع ذلك أشد الناس قوة و أنه خلع باب خيبر و قد عجز عن حمله سبعون نفرا من المسلمين و رمى به أذرعا كثيرة ثم أعاده إلى مكانه بعد أن وضعه جسرا على الخندق.
و كان أكثر الوقت في الحروب مباشرا قتلى النفوس و من هذا حاله يكون شديد اللقاء عبوس الوجه و أمير المؤمنين (عليه السلام)كان مع ذلك رحيما رقيق القلب حسن الأخلاق طلق الوجه حتى نسبه بعض المنافقين إلى الدعابة لشرف أخلاقه (عليه السلام).
و هذه الفضائل قد وردت من طريق الخصم و لم يمكنه إخفاؤها لشهرتها من طريقهم و طريقنا و جميعها تدل على إمامته فكيف من طريق أهل البيت (عليه السلام).
إن علماء الشيعة رضوان الله عليهم قد ألفوا في فضائله و الأدلة على إمامته كتبا كثيرة لا تحصى من جملتها كتاب واحد من جملة تصانيف المولى الشيخ الإمام الأعظم و البحر الخضم ينبوع الفضائل و الحكم جمال الإسلام و المسلمين الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي قدس الله روحه الزكية سماه كتاب الألفين فيه ألف دليل من الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد كما قال سبحانه و تعالى و ألف دليل من سنة النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)على إمامة علي بن أبي طالب (عليه السلام).
و لو لم يكن من الدلائل على إمامته (عليه السلام)سوى العصمة و النص من النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)لكان كافيا و ذلك لأن الإمام إذا لم يكن معصوما لجاز عليه الخطأ فيحتاج إلى إمام آخر يرده عن خطئه و يلزم التسلسل و هو محال لأن السبب المحوج إلى الإمام جواز الخطإ على الأمة فلا يجوز أن يكون الإمام كذلك و إلا لانتفت الفائدة عن إمامته و لأن الإمام حافظ للشرع فلو لم يكن معصوما لجاز عليه الإخلال بشيء من الشرع و الزيادة فيه فلا يكون الشرع محفوظا و لأن الإمام مع جواز المعصية عليه إما أن يتبع أو لا فإن اتبع لزم التعاون على الإثم المنفي لقوله تعالى وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ أو لا يتبع فلا يكون إماما لعدم الفائدة.
و مع هذا فالإمامة لطف من الله و الله تعالى حكيم فلا يختار إلا المعصوم فحينئذ يجب أن يكون الإمام بعد النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)بلا فصل علي بن أبي طالب (عليه السلام)للإجماع على عصمته دون غيره.
و أما النص فكثير تواترت به الشيعة خلفا بعد سلف أن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)نص عليه بالخلافة نصا جليا كقوله أنت الخليفة من بعديو سلموا عليه بإمرة المؤمنين و اسمعوا له و أطيعوا إلى غير ذلك من الأحاديث.
أما الدلائل على إمامته قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ أي المعلوم منهم الصدق و لا يعلم الصدق إلا من المعصوم و لا معصوم ممن قيل بإمامته إلا هو فتعين للإمامة.
و منها أن أبا بكر و العباس كانا كافرين فلا يصلحان للإمامة لقوله تعالى لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ لتعين هو لها.
و منها أن غيره ظالم لكونه كافرا و الركون إلى الظالم منهي عنه لقوله تعالى وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فتعين هو لها.
و منها قوله تعالى إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ و الولي هو الأولى بالتصرف كقولهم لا نكاح إلا بولي و السلطان ولي من لا ولي له فلا يخلو إما أن يكون المراد بالذين آمنوا الجميع أو البعض و الأول باطل و إلا لكان الولي و المولى عليه واحد و لأنه قيده بإيتاء الزكاة حال الركوع و هو وصف له لا يحصل للكل فتعين أن يكون المراد البعض و حينئذ يكون عليا (عليه السلام)لأن كل من قال المراد بالآية البعض قال إنه علي فلو قيل غيره مع أن المراد البعض كان خرقا للإجماع و لأن عليا (عليه السلام)مراد بالإجماع أما على قول من يقول المراد به الجمع فدخوله ظاهر لأنه سيدهم و أما على القول الآخر فظاهر.
و منها خبر الغدير المشهور و سيأتي و منها قوله تعالى أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ و ليس المراد بذلك الجميع و إلا لكان المطاع و المطيع واحدا فتعين أن يكون البعض و هو المعصوم لاستحالة الترجيح من غير مرجح و لا معصوم سواه فيكون هو المطاع.
و من أعجب الأشياء أن عليا (عليه السلام)ما زال في زمن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)أميرا واليا مستخلفا مطاعا و ولاه المدينة و استقضاه على اليمن و أعطاه الراية و اللواء في جميع الحروب و لم يكن في عسكر غاب النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)عنه إلا كان هو الأمير عليه و استخلفه حين هاجر من مكة في قضاء ديونه و رد ودائعه و حمل نسائه و أهله و بات على فراشه في بذل نفسه وقاية له (صلی الله عليه وآله وسلم) مع أن غيره لم يستصلح لشيء من ذلك في حياة النبي مع كونه ظهيرا له و عزل عن تبليغ براءة و لم يستصلح لها و لما استخلفته عائشة في الصلاة سأل من المصلي فقال له أبو بكر فخرج متكئا على علي و الفضل بن العباس فزحزحه و صلى و كان أسامة أميرا عليه و على عمر و لم يكن علي فيه فليت شعري كيف يفوض إليه أمر الإمامة مع أنه لم يصلح لتفويض بعض اليسير و يترك من استحصله (عليه السلام)لأكثر الأمور و شدائد الوقائع إن هذا لشيء عجاب أعاذنا الله و إياكم ممن اتبع الهوى و الاغترار بالأباطيل و المنى بمحمد و آله الطاهرين .
المصدر : ارشاد القلوب /الشیخ ابو محمد الحسن بن محمد الدیلمی /الجزء الثاني ص 237 - 253