حصول اليقين في احاديث المنتظر

أن أحاديث المهدي المنتظر، قد رواها أهل بيت النبوة عن رسول الله، وقد شهدوا أنهم قد سمعوا رسول الله يحدث بها، ويبشر المؤمنين بالمهدي المنتظر، وعلى ذلك قد أجمعوا، وتناقل أهل بيت النبوة عليهم السلام هذا الإجماع جيلا بعد جيل. فلو
Monday, November 16, 2015
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
حصول اليقين في احاديث المنتظر
حصول اليقين في  احاديث المنتظر

 






 

أن أحاديث المهدي المنتظر، قد رواها أهل بيت النبوة عن رسول الله، وقد شهدوا أنهم قد سمعوا رسول الله يحدث بها، ويبشر المؤمنين بالمهدي المنتظر، وعلى ذلك قد أجمعوا، وتناقل أهل بيت النبوة عليهم السلام هذا الإجماع جيلا بعد جيل. فلو لم يرويها من الأمة غيرهم لكانت رواية أهل بيت النبوة كافية، ولكانت شهادتهم صادقة، ولكان إجماعهم حجة على المسلمين أجمعين، لأنهم الأبناء والنساء والأنفس المنوه عنهم بآية المباهلة، ولأن الله قد شهد لهم بالطهارة، ولأن الصلاة عليهم ركن من أركان الصلاة المفروضة على العباد، ثم لأنهم أحد الثقلين.
وبعد مائة سنة من منع كتابة ورواية الأحاديث النبوية، والتزام دولة الخلافة ورعاياها بهذا القانون العجيب اكتشفوا خطورة هذا القانون وكم ضيعوا في جنب الله، فانطلقوا يروون ويكتبون أحاديث نبيهم بعد مائة عام من صدورها، وأوجدوا موازين الرواية والدراية وتوصلوا وفق هذه الموازين إلى نتيجة مفادها أن أكثر من خمسين صحابيا قد سمعوا رسول الله يحدث بأحاديث المهدي المنتظر، ويبشر المؤمنين به.
وكان الأخوان الذين سبقونا بالإيمان قد سمعوا رسول الله يحدث بها، ويبشر بالمهدي فنقلوا ما سمعوه لأبنائهم، وصدق الناس لأن هذه من أنباء الغيب التي لا مجال للاجتهاد فيها.
وتضافر إجماع أهل بيت النبوة، مع شهادة الخمسين صحابيا مع القناعة العامة التي تولدت عند المسلمين وتوارثوها جيلا بعد جيل، فصار الاعتقاد بالمهدي المنتظر وعلامات ظهوره، وملامح عهد الظهور عقيدة عند المسلمين تقرأ تماما مع عقيدتهم الدينية.
وعلى هذا الأساس وبعد التحري والاثبات قام علماء الحديث الأعلام بإخراج أحاديث المهدي المنتظر، وحكموا بصحتها وفق الموازين العامة التي أوجدوها، وقالوا بتواترها، وأخرجها المؤرخون وعلماء التفسير وأصحاب السير، وأفرد لها رجال الفكر والسياسة بحوثا خاصة، وتكونت لدى المسلمين مع اختلاف منابتهم وأصولهم ومذاهبهم وتوجهاتهم عقيدة الاعتقاد بالمهدي المنتظر الواحدة. وهكذا تحقق اليقين بكل صوره وتصوراته القطعية.

أوهام الشك بعد حصول اليقين

بعد أن حصل اليقين بعقيدة المهدي المنتظر، وبعد أن عرف المسلمون إجماع أهل بيت النبوة على صحة هذا الاعتقاد، وبعد أن أدلى خمسون صحابيا بشهادتهم على أنهم سمعوا الرسول يبشر بالمهدي المنتظر ويحدث بأحاديثه، وبعد أن أخرج العلماء الأعلام هذه الأحاديث وحكموا بصحتها وتواترها كما أسلفنا، وبعد أن صار الاعتقاد بالمهدي المنتظر عقيدة لكل المسلمين، وصار انتظاره فرجا ومخرجا وعبادة، بدأت أوهام الشك تتجدد بعد حصول اليقين تراود أذهان البعض، ثم صرحوا بها مع علمهم بكل ما أسلفنا، وأخذوا يشككون بصحة الاعتقاد بالمهدي المنتظر.

الأسباب المعلنة للشك بعد اليقين والرد عليها

الذين أبدوا شكوكهم بفكرة الاعتقاد بالمهدي المنتظر، وبالأحاديث النبوية الواردة فيه، أعلنوا بأن شكوكهم لم تنطلق من فراغ، ولا هي من قبيل التشهي بل تستند إلى أسباب معقولة منها:
1 – السبب الاول : أن البخاري ومسلم لم يرويا أي حديث صريح بالمهدي المنتظر
الرد على هذا السبب:
أ - لم يقل أحد من علماء الحديث أن كل ما لم يروه البخاري ومسلم غير صحيح.
ب - صحيحا البخاري ومسلم لم يشتملا على كافة الأحاديث الصحيحة بدليل قول البخاري عن كتابه الصحيح: (أخرجت هذا الكتاب من مائة ألف حديث صحيح، أو من مائتي ألف حديث صحيح، فما أعلن البخاري صحته يزيد عما أخرجه في صحيحه بعشرات الأضعاف).
ج - إن البخاري ومسلم قد كتبا صحيحيهما بتاريخ ولادة المهدي المنتظر وكان مجرد ذكر المهدي المنتظر يثير الرعب في أوصال أركان الدولة العباسية، فكانت مخابراتها وعيونها تتحرى عن كل المواليد في ذلك التاريخ، فمن غير المعقول بهذه الظروف أن يخاطر الشيخان بذكر لفظ المهدي المنتظر، فلو فعلا ذلك لواجها دولة لا طاقة لهما بمواجهتها والاهم أن الدولة يمكن أن تتلف صحيحيهما.
ومع هذا فقد تطرق الشيخان إلى الأحاديث الواردة بخروج الدجال، وأحاديث نزول عيسى، وإمامة أمير المسلمين لعيسى، فهما يعبران عن وجود الإمام المهدي: (بكلمة أمير) أو الإمام مطلقا ثم إن شراح صحيح البخاري متفقون على أن البخاري قد قصد بلفظ الإمام: (الإمام المهدي). (1).
ذ - أما مسلم فقد ذكر حديث عن خليفة يحثي المال حثيا ولا يعده عدا، وذكر حديث الخسف، وهذه أوصاف وأحداث لا تنطبق إلا على الإمام المهدي وعلامات ظهوره.
ر - ثم إن الأحاديث التي أخرجها أصحاب الصحاح الأخرى تتكامل إلى درجة التطابق مع ما ذكره البخاري ومسلم، مما يؤكد تحاشي الشيخين المتعمد لإغفال الإمام المهدي خشية سطوة الدولة التي كانت معبأة بالكامل ضد شبح المهدي، وخوفا على كتابيهما.
ز - لقد تعارف علماء دولة الخلافة على أن كتب الأحاديث المشهورة عندهم هي ستة كتب، وسموها بالصحاح ومنها صحيح البخاري ومسلم، والكتب الأربعة الأخرى التي تحمل صفة الصحاح أخرجت أحاديث المهدي المنتظر بمعنى أن اثنين من أصحاب الصحاح قد أخرجا أحاديث المهدي المنتظر بالوصف دون أن يصرحا باسمه، بينما أخرج أربعة من أصحاب الصحاح أحاديث المهدي المنتظر وصرحوا باسمه ووصفه معا.
س - ثم إن البخاري ومسلم لم يخرجا كل الأحاديث المتفقة مع الشروط التي وضعاها فطالما كرر الحاكم النيسابوري جملة: (هذا الحديث صحيح على شروط الشيخين ولم يخرجاه).
ش - لم يرد في القرآن ولا في السنة، ولا أجمع المسلمون بأن البخاري ومسلم معصومان، وأن قولهما هو القول الفصل، فقد عاش المسلمون قرابة قرنين ونصف بدون البخاري ومسلم وتدبروا أمورهم!!
ص - ثم ما هي قيمة قولي البخاري ومسلم أمام إجماع أهل بيت النبوة أعدال الكتاب والمشهور لهم بالطهارة إلهيا، والمفروضة مودتهم على العباد!!
ض - ثم إن البخاري ومسلم ليسوا أكثر من عالمين فاضلين من علماء الحديث من جملة مئات علماء الحديث الذين تألقوا في سماء العالم الإسلامي، ولهما شيوخ وأساتذة، كلهم أخرجوا أحاديث المهدي المنتظر وقالوا بصحتها وتواترها.
ط - ثم إنه ليس منطقيا أن نوقف أو أن نتجاهل حركة الأحداث الربانية لأن صحيحي البخاري ومسلم لم يشتملا عليها!
ظ - من المؤكد أن البخاري ومسلم لم يخرجا في صحيحيهما بأن الشمس تطلع من المشرق، وتغيب من المغرب، فهل نتجاهل هذين الحدثين وننكرهما أو نتنكر لهما بحجة أن البخاري ومسلم لم يتطرقا إلى هذه الناحية! ما لكم كيف تحكمون!
2 - السبب الثاني: أن ابن خلدون ضعف بعض الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر!
الرد على هذا السبب:
أ - ملخص الموضوع وحصر تضعيفات ابن خلدون: تناول ابن خلدون 23 حديثا من الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر فأخضع هذه الأحاديث للنقد والدراسة فضعف 19 عشر حديثا ولم يحكم بالضعف على الأربعة المتبقية مما يعني أنها صحيحة في نظره، فجاء المتشككون، وطاروا بتضعيفات ابن خلدون كل مطار، وأشاعوا أن ابن خلدون لا يعتقد بالمهدي المنتظر، ويضعف على الإطلاق الأحاديث الواردة فيه مطلقا. وهكذا تاجر المشككون بشهرة الرجل، وسخروا هذه الشهرة لخدمة هواهم.
ب - شهادة خطية لابن خلدون: قال ابن خلدون في تاريخه ما نصه حرفيا: (إعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين، ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلامية ويسمى المهدي) انتهى كلام ابن خلدون.
ح‍ - لم يذكر ابن خلدون من الذين أخرجوا أحاديث المهدي المنتظر غير سبعة وهم الترمذي، وأبو داود والبزار، وابن ماجة، والحاكم، والطبراني، وأبو يعلى الموصلي، (2). وهذا يعني أنه ترك 48 عالم حديث ممن أخرجوا أحاديث المهدي المنتظر أولهم ابن سعد في طبقاته ت 230 ه‍، وآخرهم نور الدين الهيثمي ت 807 ه‍، وحتى يكون الحاكم سليما يجب أن يطلع على ما أخرجه علماء الحديث، لأن الأحاديث في كل موضوع يكشف بعضها غموض بعض، ويؤيد بعضها بعضا.
قال الشيخ أحمد شاكر: (إن ابن خلدون قد قفا ما ليس له به علم وأقحم قحما لم يكن من رجالها... إنه لم يحسن فهم قول المحدثين، ولو اطلع على أقوالهم وفقههم ما قال شيئا مما قال). مقال في مجلة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة ، وجاء في هذا العدد أيضا عن الشيخ العباد أنه قال: (ابن خلدون مؤرخ وليس من رجال الحديث، فلا يعتد به في التصحيح والتضعيف وإنما الاعتماد بذلك على مثل: البيهقي، والعقيلي، والخطابي، والذهبي، وابن القيم وغيرهم من أهل الرواية والدراية الذين قالوا بصحة الكثير من أحاديث المهدي).(3)
خ - لقد سكت ابن خلدون عما رواه الحاكم، ولم ينتقده بحرف لوثاقة جميع رجاله عند أهل السنة قاطبة،
وقال ابن خلدون عن حديث آخر: (هذا صحيح الإسناد) وقال عن ثالث وهذا إسناد صحيح، ، وقال عن رابع: (ورجاله رجال الصحيح لا مطعن فيهم ولا مغمز) فأنت ترى أن ابن خلدون نفسه يصحح أربعة أحاديث من الأحاديث الواردة في المهدي! (4)
خ - لقد توفي ابن خلدون عام 808 ه‍، ودونت أحاديث المهدي المنتظر سنة 230 بمعنى أنه بين تدوينها وتناول ابن خلدون لها قرابة 600 عام، فكيف يتمكن من دراستها والحكم عليها وهو يتناول 7 / 55 ممن أخرجوها.
ذ - ثم لنفترض أن ابن خلدون أنكر وضعف ال‍ 23 حديثا التي تناولها بالدراسة كلها فما معنى هذا العدد مع وجود 1941 حديثا! ولنفترض أنه ضعف أو أنكر كافة الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر، فما هي القيمة العلمية لإنكاره!
ولماذا اختاره المتشككون قدوة لهم لينقضوا كافة الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر ؟ ولم يختاروا عالما من ال‍ 55 عالما الذين أخرجوا أحاديث المهدي المنتظر وحكموا بصحتها وتواترها!
- ثم ما هي قيمة معارضة ابن خلدون أمام قول وإجماع أهل بيت النبوة ؟!.

جرأة ابن خلدون وتطاوله ومبلغه من العلم

قال ابن خلدون في مقدمته بالفصل الذي عقده لعلم النفقة ما يلي وبالحرف: وشذ أهل بيت النبوة بمذاهب ابتدعوها، وفقه انفردوا به بنوه على مذهبهم في تناول بعض الصحابة بالقدح، وعلى قولهم بعصمة الأئمة، ورفع الخلاف عن أقوالهم، وهي كلها أصول واهية، وشك بمثل ذلك الخوارج، ولم يحفل الجمهور بمذاهبهم، بل أوسعوها جانب الإنكار والقدح، فلا نعرف شيئا من مذاهبهم، ولا نروي كتبهم، ولا أثر لشئ منها في مواطنهم، فهو يعتبر أهل بيت النبوة: مبتدعة، شذاذ، ويرى أن الأصول التي سار عليها أهل البيت أصول واهية!
ويكشف عن حقيقة شعوره وما في نفسه، فيعبر عن ألمه وحزنه لأن فقه أهل السنة قد انقرض في مصر، وحل محله فقه أهل البيت! وتلاشى من سواهم، ثم يرقص الرجل فرحا ويهلل عندما زالت دولة العبيديين وحل فقه الشافعي محل فقه أهل بيت النبوة.
فماذا تتوقع من رجل هذه حقيقة مشاعره عن أهل بيت النبوة!! ربما كان سر شهرته يكمن في طبيعة هذه المشاعر، وربما كره اعتقاد المسلمين بالمهدي المنتظر وتصديقهم للأحاديث النوبة الواردة فيه، وحاول أن يوهن اعتقاد المسلمين بالمهدي، وأن يكذب الأحاديث الواردة فيه لأن المهدي المنتظر من أهل بيت النبوة!! فأراد بمحاولاته تلك الحصول على مزيد من الشهرة، والتألق!
والذي لا أعرفه بالفعل هو هل تلا ابن خلدون آية التطهير وآية المودة في القربى، وآية المباهلة، وآية الصلاة على النبي ؟ وعلى عرف معاني هذه الآيات واطلع على تفسيرها ؟ وهل مر عليه حديث الثقلين، وحديث السفينة، وحديث النجوم ؟ أكبر الظن - وبعض الظن إثم - أنه لم يتل هذه الآيات، ولم يقف على تفاسيرها، ولم تمر عليه تلك الأحاديث!!
لكن ابن خلدون مؤرخ وذكي ولا بد أنه قد أطلع بحكم دراساته التاريخية على كليات وتفاصيل الصراع الذي دار بين الشرك والإيمان، وعرف أن الذين قادوا جبهة الشرك والعداوة ضد رسول الله حتى أحيط بهم هم أنفسهم الذين سلمهم ابن خلدون رايات السنة، وأن أهل بيت النبوة الذين قادوا جبهة الإيمان وجاهدوا في الله حق جهاده، هم الذين وصفهم ابن خلدون بالشذاذ والمبتدعة، وأهل الأحوال الواهية!! إن هذا هو جهد البلاء حقا!
3- السبب الثالث
والسبب الثالث الذي شكك المتشككين بعقيدة المهدي وبالأحاديث النبوية الواردة فيه، أن أحد علماء الحديث قد روى حديثا نبويا يخص عيسى ابن مريم بالمهدية وينفيها عن سواه، ونص الحديث كما يلي: (لا يزداد الأمر إلا شدة ولا الدنيا إلا إدبارا، ولا الناس إلا شحا، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس ولا مهدي إلا عيسى ابن مريم). (5). ولأن المتشككين حريصون على سنة رسول الله فقد تمسكوا بهذا الحديث الوحيد ليبطلوا به اعتقاد المسلمين بالمهدي المنتظر، وليكذبوا به 1941 حديثا واردة بالمهدي!
الرد على هذا السبب
1 - نفس ابن ماجة الذي روى هذه الحديث الوحيد كان قد روى أحاديث عن المهدي المنتظر منها حديث: (المهدي حق وهو من ولد فاطمة) ج 2 ص 1368 حديث 4086 وقد صححه وحكم بتواتره جمع من أهل السنة. فلماذا يهمل المتشككون حديث المهدي حق.... ويتمسكون بحديث لا مهدي إلا عيسى!
ولماذا يتجاهلون بالكامل 1941 حديثا، أو يكذبون ويركزون كل اهتمامهم على حديث واحد ويصدقونه!!
2 - ثم لماذا وضع علم الرجال وفق الدراية، قال ابن القيم في المنار المنيف 129 حديث 324 وص 130 حديث 325 أن الأبري ت 363 قد قال: (محمد بن خالد الجندي هذا غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل، وقال البيهقي تفرد به محمد بن خالد هذا، وقال الحاكم مجهول، وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب(6): قدح أبو عمرو وأبو الفتح الأزدي بمحمد بن خالد، وقال الذهبي في ميزان الاعتدال قال الأزدي منكر الحديث، وقال أبو عبد الله الحاكم مجهول، وحديث: (لا مهدي إلا عيسى خبر منكر أخرجه ابن ماجة. وقال القرطبي في التذكرة: (حديث لا مهدي إلا عيسى يعارض أحاديث هذا الباب، ثم نقل كلمات من طعن بمحمد بن خالد وأنكر عليه حديثه) ثم قال: (والأحاديث عن النبي في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة وهي أصح من هذا الحديث فالحكم لها دونه).(7)
وقال ابن حجر في الصواعق المحرقة: (وصرح النسائي بأنه منكر، وجزم غيره من الحفاظ بأن الأحاديث التي قبله أي الناصة على أن المهدي من ولد فاطمة أصح إسنادا).
ووصف أبو نعيم في حلية الأولياء ج 9 ص 61 هذا الحديث بالغرابة وقال: لم نكتبه إلا من حديث الشافعي.
وقال ابن تيمية والحديث الذي فيه لا مهدي إلا عيسى رواه ابن ماجة وهو حديث ضعيف، رواه عن يونس، عن الشافعي، عن شيخ مجهول من أهل اليمن:(محمد بن خالد) لا تقوم بإسناده حجة. وقال عن حديث محمد بن خالد الجندي: (وهذا تدليس يدل على توهينه، ومن الناس من يقول بأن الشافعي لم يروه). (8).
(ولكثرة ما طعن به محمد بن خالد حاول بعض أنصار الشافعي أن يدرأ عن الشافعي رواية هذا الحديث وادعى أنه رأى الشافعي في المنام وهو يقول كذب علي يونس بن عبد الأعلى ليس هذا من حديثي). (9).
3 - ثم إن الناصبة وأركان دولة الخلافة لن يقبلوا أبدا أن يكون المهدي المنتظر من عترة النبي أهل بيته، وقد هالهم أن يخص الله آل محمد بهذا الشرف الجديد، فليس من المستبعد أن يحرك الناصبة، وأركان دولة الخلافة أعوانهم وعيونهم لتنحية هذا الشرف عن آل محمد، أو تشكيك المسلمين بصحة الأخبار التي بدأت تفيض حول المهدي المنتظر، لكن علم الرجال والدراية لهما المقدرة على كشف الكثير من هذه العناصر بموضوعية وبدون مواجهة. وليس في ذلك.
عجب فقد حسدت بطون قريش النبي نفسه وحاولت وبكل أساليبها الفاشلة أن تصرف النبوة عنه، وأن تشكك بكل ما جاء به وصولا إلى غايتها المتمثلة بصرف النوبة عن بني هاشم حتى لا ينالوا هذا الشرف من دون البطون.
4 - السبب الرابع
يقول المتشككون بعقيدة المهدي المنتظر، وبالأحاديث النوبة الواردة فيه بأن الادعاءات بالمهدية لم تتوقف طوال التاريخ، وقد ثبت بالدليل القاطع عدم صحة هذه الادعاءات، وهذا سبب وجيه للشك بعقيدة المهدي، وبالأحاديث النبوية الواردة فيه ككل!
الرد على هذا السبب
يعرف المتشككون أن هنالك من ادعى النبوة قبل ظهور النبي الحقيقي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهنالك من ادعى النبوة بعد ما أعلن رسول الله محمد أنباء النبوة، وبعد موت النبي محمد ادعى بعضهم النبوة وثبت لنا واقعيا وبالدليل القاطع عدم صحة ادعاءات الذين ادعوا النبوة قبل ظهور النبي وبعد ظهوره، وبعد موته.
فهل ادعاءات المدعين بالنبوة تبطل نبوة محمد! أو تبرر الشك فيها! أو توجب عدم الاعتقاد بنبوة محمد، أو بالأدلة والبراهين الدالة عليها!
أن العكس هو الصحيح فطالما أنه قد ثبت لنا بالدليل القاطع عدم صحة ادعاءات المدعين بالنبوة قبل نبوة محمد وبعد ظهوره، وبعد موته فهذا من البراهين التي تثبت صحة نبوة محمد وبطلان نبوات الأدعياء! ثم إنكم تحملون المعلومات الإسلامية، والأنباء التي أعلنها رسول الله، وفكرة الاعتقاد بالمهدي المنتظر وزر كذب الكاذبين أو ادعاءات المدعين، وهذا هو الظلم بعينه الذي لا نرضاه لا لنا ولا لكم.
5 - السبب الخامس
وهنالك من يقول في زماننا أن رئاسة الدولة الإسلامية شأن يخص المسلمين وحدهم: (لأنهم الأعلم بشؤون دنياهم) وهم أصحاب الاختصاص باختيار الرئيس أو الخليفة أو الإمام أو الأمير، ويستشهدون على صحة هذا التصور بما فعل الخلفاء الثلاثة الأول وأولياؤهم بعد موت النبي، حيث أنهم لم يعيروا أي انتباه لتولية رسول الله لعلي بن أبي طالب، ولا للمكانة المميزة التي خص الله بها أهل بيت نبيه، إذ اعتبرها الخلفاء الثلاثة وأولياؤهم من قبيل المديح لا من قبيل الأحكام الشرعية الملزمة!! ثم إن تقديم المهدي المنتظر كرئيس للدولة الإسلامية المرتجاة هو إخلال بمبدأ الشورى، وبما فعله الخلفاء الثلاثة، ومجافاة لروح الديمقراطية السائدة في العالم الآن!! هذه الروح التي استقرت نهائيا!! فالمهدي كما تدل الأحاديث النبوية رجل قد اختاره الله تعالى، وأعلن النبي هذا الاختيار!
وهكذا يحرم المسلمون من المشاركة باختيار حاكمهم! لقد سمعت هذا السبب من بعض المتشككين بعقيدة المهدي وبالأحاديث الواردة فيه! ومن المفجع حقا أن هذا البعض يحتل مراكز قيادية في أحزاب تدعو إلى عودة الإسلام، وإعادة نظام الخلافة التاريخي! ومن المخجل أيضا أن هذه القيادات ما زالت تعتقد وتتيقن أن نظام الخلافة التاريخي هو نظام الإسلام، وأنه لا يوجد في الإسلام نظام غيره!
فإذا سألتهم ماذا تعني الخلافة ؟ اتهموك بالبلاهة وأجابوك على الفور إنها خلافة النبي! فإذا قلت لهم إذا كان نظام الخلافة التاريخي هو النظام الإسلامي، فما هو النظام الذي كان يطبقه النبي قبل أن ينتقل إلى جوار ربه ؟ لماذا تهملون بالكامل عصر النبوة ونظامه، وتتمسكون بكل قواكم بعصر ما بعد النبوة ونظامه ؟ أليس عصر النبوة هو الأصل، وعصر ما بعد النبوة هو الفرع ؟ فمن يلجأ إلى الفرع ويترك الأصل ؟! عندئذ تضيق صدورهم، وتحمر وجوههم، وتنتفخ أوداجهم، ويصرخون بضيق ظاهر، هكذا فعل الصحابة الكرام! وهذا ما اتفقوا عليه! فإن قلت لهم: إن الصحابة الكرام بعيوننا رضي الله عنهم، ولكن أرأيتم إن أمر الرسول بأمر وفعل فعلا، وأمر الصحابة الكرام بأمر آخر وفعلوا فعلا فبمن نقتدي، وأي أمر نتبع ؟ هل نتبع أمر الصحابة ونقتدي بما فعلوا ؟ أم نتبع أمر الرسول ونقتدي بما فعل ؟! ما لكم كيف تحكمون! إن لكم لما تخيرون!
الرد على هذا السبب حول قولهم بأن الرئاسة أو الإمارة أو الإمامة أو الخلافة شأن خاص بالمسلمين، وأنهم أصحاب الاختصاص باختيار الإمام أو الخليفة أو الأمير ضمن قواعد الشورى.
أ - هذا القول ليس صحيحا لأن الرئاسة الإسلامية ليست شأنا خاصا بالمسلمين وحدهم بل تخص الله ورسوله والعالم كله ومستقبل البشرية، إنها تخص الشرعية الإلهية بكل مقوماتها، لأن مهمة الإمام في الإسلام أن يقود المسلمين والعالم وفق إطار الشرعية الإلهية، وأن يحكم بالحكم الإلهي بلا زيادة ولا نقصان، وهذا يستدعي أن يكون الإمام هو الأعلم والأفهم على وجه الجزم واليقين، والمسلمون لا يعرفون من يتصف بهذه الصفة حتى يختاروه. لذلك اختص الله سبحانه وتعالى باختيار الإمام لأنه يعرف على وجه اليقين من هو الأعلم والأفهم والأفضل والأقرب إليه.
ب - لا يماري أي واحد من المتشككين بأن الرسول كان نبيا وكان إماما أو رئيسا للمسلمين، فهل اختاره المسلمون إماما أو رئيسا لهم، أم أن الله سبحانه وتعالى هو الذي اختاره وقدمه للناس وقاد عملية إقناعهم بأنه الأعلم والأفهم والأنسب لرئاستهم! وهل اختار الناس النبي سليمان رئيسا لهم، وهل اختاروا داود أو طالوت! لأن مهمة الرئيس الإيماني، أو الإمام ليست الجلوس على كرسي الحكم وإصدار الأوامر والنواهي، إنما هي منصبة على تنفيذ برامج إلهية لإنقاذ العالم وترشيد خطاه على طريق الهداية الإلهية، والناس لا يعرفون من هو المؤهل للقيام بهذه المهمة. وهذا هو سر إعلان النبي لإمامة علي بن أبي طالب والإحدى عشر إماما من أحفاده الطاهرين، لأن الله تعالى أحكم وأرحم من أن يكل الناس لأنفسهم، وأن يتركهم بعد وفاة النبي وفي مرحلة حرجة دون رعاة شرعيين وقادة مؤهلين. وقد ركزنا على هذه الناحية في كل مؤلفاتنا ويمكنك مراجعة كتابنا (المواجهة مع رسول الله وآله) لتقف على تفصيل ذلك وتوثيقه.
ثم إنه لم يصدف طوال تاريخ الخلافة التاريخية أن اختار المسلمون خليفتهم وفق قواعد الشورى، لقد كانت الخلافة لمن غلب طوال التاريخ، فمن يغلب.
بالقوة أو كثرة الأتباع يصبح خليفة، ويقتصر دور المسلمين على إعطائه البيعة، ومن يمتنع عن البيعة يعتبر شاقا للطاعة، ومفارقا للجماعة حتى لو كان عليا بن أبي طالب أو الحسين ابن النبي، فيستتاب ويخير بين البيعة أو القتل، فلا نجاة للمتخلف عن بيعة الغالب، فلو اختبأ هذا المتخلف ببيت فاطمة بنت رسول الله فإن الخليفة الغالب سيحرق بيت فاطمة بنت محمد على من فيه حتى يخرج المتخلف ويعطي البيعة أو يموت حريقا هو ومن آواه، وقد حدث هذا بالفعل حتى في أزهى عصور الخلافة، ولا يجرؤ عاقل واحد من المتشككين على نفي ذلك.
ولو أن أهل مدينة رسول الله قد امتنعوا عن بيعة الخليفة الغالب ليقينهم بأنه كافر، أو فاسق يجاهر بالعصيان فإن الخليفة الغالب سيرسل لهذه المدينة جيشه ويأمره بالتنكيل بها حتى تبايع، وبناء على أوامر الخليفة الغالب يقتل الجيش عشرة آلاف من أهل المدينة بيوم واحد، وينهب أموالها، ويهتك أعراضها، فتحمل ألف عذراء من غير زوج، ويأخذ البيعة ممن تبقى من سكانها على أنهم عبيد وخول للخليفة يتصرف بهم تصرف المالك بأشيائه وعبيده! وقد حدث هذا بالفعل ومجنون من ينفي ذلك.
ولو احتمى من تخلف عن البيعة بالكعبة، فإن الخليفة الغالب سيرسل جيشه ومعه أوامر بالحصول على بيعة من تخلف، فإن أبى تهدم الكعبة نفسها على رؤوس المتخلفين عن البيعة! وقد حدث هذا بالفعل، راجع كتابنا (كربلاء الثورة والمأساة) وكتابنا (المواجهة مع رسول الله وآله) تجد التفصيل والتوثيق معا!
وكان الغالب يعهد بالخلافة لمن يريد، ويتكرر العهد من الغالبين حتى يظهر متغلب جديد! فتبدأ دورة العهد وإعطاء المسلمين البيعة للغالب وهم صاغرون!
فأين هي الشورى، وأين هو الاختيار، وأين هو الاختصاص الذي يدعيه المتشككون.
أما قول المتشككين بأن تولية المهدي المنتظر قيادة الأمة بهذه الطريقة التي حملتها الأحاديث المتعلقة بالمهدي لا تتفق مع الطريقة التي تولى فيها الخلفاء الثلاثة الأول الخلافة، لأن خلافتهم هي مقياس الشرعية والمشروعية على اعتبار أنها قد تمت تحت أسماع الصحابة وأبصارهم!.
الرد على هذا القول
أ - إنكم تحشرون الجمل في سم الخياط، وتتقولون على الله ورسوله وعلى الحقيقة الشرعية بما لم ينزل به الله سلطانا، فليس صحيحا أن فعل الخلفاء هو مقياس الشرعية والمشروعية، فهم في أحسن الأوصاف من أتباع صاحب الرسالة، ولم يدع أحد فيهم بأنه نبي، أو يوحى إليه أو معصوم عن الخطأ، ولم يدع أحد منهم بأنه الأعلم أو الأتقى أو الأفضل أو الأقرب لله ولرسوله. وأول تصريح قد صدر عن الخليفة الأول هو قوله: (إني قد وليت عليكم ولست بخيركم..) وتواترت تصريحات الخليفة الثاني التي جاء فيها: (كل الناس أعلم من عمر، وجهل عمر وعرفت المرأة، اللهم إني أعوذ بك من معضلة ليس فيها أبو الحسن...) وحسب مقاييسكم التاريخية فإن الذي جاء بعدهما أقل منهما فضلا، وأدنى مرتبة، فكيف تجاهلتم صاحب الرسالة تجاهلا تاما وجعلتم من أفعال الخلفاء الثلاثة الأول هي المقياس الأوحد للشرعية والمشروعية!
ب - إن مقياس الشرعية والمشروعية الإلهية ليس قول ولا فعل الخلفاء الثلاثة، أو غيرهم من الخلفاء التاريخيين، ولكنه قول وفعل صاحب الرسالة صلى الله عليه وآله وسلم، ومكانة أي فرد من المسلمين كائنا من كان تتحدد بحجم التزامه بأوامر رسول الله، وتقديم خيرة الله على خيرته وأمر الله ورسوله على اجتهاده وما تهوى نفسه.
ج - إن الله تعالى الذي اختار رسوله لقيادة مرحلة التأسيس والرسالة والذي اختار الأنبياء الكرام والأئمة الطاهرين هو نفسه الذي اختار محمد بن الحسن ليكون خاتما للأئمة، وقائدا لفترة آخر الزمان، والفرق أن محمدا نبي ورسول، والمهدي إمام وليس نبيا ولا رسول. وأن محمدا هو الوالد، والمهدي هو الابن والحفيد وهو الوارث الشرعي لعلمي النبوة والكتاب، وهو المؤهل الوحيد لقيادة المرحلة التي اختاره الله لقيادتها. فإذا أردتم القياس فقيسوا على صاحب الرسالة لا على غيره. ومهمة المهدي قيادة العالم في آخر الزمان، وإصلاح البشرية بعد فسادها، وإنقاذها بعد أن أوشكت على الغرق، وهدايتها إلى الطريق القويم، ثم إن المهدي مسلح بآيات بينات ظاهرات في السماء والأرض.
د - إذا كان الله تعالى قد اختار الأنبياء وخاتمهم محمد رسول الله واختار الأئمة وخاتمهم المهدي المنتظر لتحقيق غايات عالمية محددة فإن بطون قريش هي التي اختارت الخلفاء الثلاثة، وكان سبب الاختيار وهدفه منصبا بالدرجة الأولى والأخيرة على إرغام أنوف آل محمد وحرمانهم من الجمع بين النبوة والملك.
وهي نفس البطون التي قاومت النبي وعادته واستعدت عليه العرب وحاربته طوال 23 عاما، حتى أحيط بها فأسلمت أو تظاهرت بالإسلام طمعا بالملك الذي تمخضت عنه النبوة، فاختيار بطون قريش قبلي من جميع الوجوه، وغايته بدائية ومحدودة من جميع الوجوه، بينما جاء اختيار المهدي إلهيا ولغايات ومقاصد إلهية مختلفة تماما عن غايات ومقاصد بطون قريش. إنكم تصرون على إدخال الكبير بالصغير، وإيلاج الجمل في سم الخياط، وهذا محال عقلا!!
ه‍ - ثم إن كل واحد من الخلفاء الثلاثة قد آلت إليه الخلافة بطريقة تختلف تماما عن طريقة سلفه، فالأول فلتة، والثاني بعهد من الأول، والثالث واحد من ستة اختارهم الثاني، ثم ما هو وجه المقارنة بين المهدي وبين الثلاثة، وأين هي وحدة العلة حتى تتحقق شروط قياسكم!!
و - أما قولكم بأن الاختيار قد تم تحت أسماع الصحابة وأبصارهم فأعظم الصحابة على الإطلاق آل محمد الذين تذكرونهم في صلواتكم وأهل بيته الذين شهد الله تعالى بطهرهم، فهل تدلوني مشكورين على خليفة واحد من الخلفاء التاريخيين قد تولى الخلافة برضاهم وموافقتهم!!
فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا إلا مكابرة مردودة فقد آن الأوان لتتقوا الله في تمحكاتكم، واختلافاتكم، ولترك التقليد الأعمى، وللتبرع بتمثيل دور حراس الشرعية التاريخية ولفك أغلالكم عن عقول المسلمين، ولو سمع الخلفاء الثلاثة اختلافاتكم التي لا علم لهم بها لقرفوا منكم ولشعروا بالخجل لأنكم من شيعتهم.
لهذه الأسباب المعلنة التي سقناها مجتمعة ومنفردة يتشكك المتشككون بصواب فكرة الاعتقاد بالمهدي المنتظر ويشكون بصحة الأحاديث الواردة فيه على الرغم من إجماع أهل بيت النبوة على صحة الاعتقاد، وعلى الرغم من شهادة خمسين صحابيا، ومن إخراج علماء الأمة الأعلام لهذه الأحاديث وإجماعهم على صواب الاعتقاد بالمهدي المنتظر، وعلى الرغم من إجماع الأمة الإسلامية على اختلاف مذاهبها بصواب الاعتقاد بالمهدي، واعتقادها الفعلي فيه.
السبب الحقيقي الذي يدفع المتشككين للتشكيك بالمهدي المنتظر وبالأحاديث الواردة فيه
الأسباب التي يوردها المتشككون للشك بالمهدي المنتظر وبالأحاديث الواردة فيه والتي سقناها وردينا عليها في البحث السابق هي أسباب ظاهرية يلج من خلالها المتشككون إلى دائرة الحوار طمعا بهز اعتقاد الأمة، وتشكيكها بالواضحات المسلمات.
أما السبب الحقيقي الذي يدفع المتشككين للتشكيك فهو كراهيتهم المطلقة لولاية آل محمد، ولقيادة أهل بيت النبوة!! وولاؤهم المطلق للواقع التاريخي والخلافة التاريخية. لأن المتشككين قد أشربوا في قلوبهم الثقافة التاريخية التي فرضت أصلا بسطوة الدولة التاريخية ونفوذها وأحوالها، ثم تحولت إلى برامج تربوية وتعليمية ثابتة يتناقلها المسلمون جيلا بعد جيل، فاستقرت بحكم العادة والتكرار، وصار الناس يعتقدون بصوابها، ثم تمادى هذا الاعتقاد، فألقى بروعهم أنها جزء لا يتجزأ من الدين، بل هي الجانب السياسي من الدين فتصبروا بها وحرصوا عليها حرصهم على الإسلام الذي اختلط عمليا هذا الاعتقاد فيه.
هذه الثقافة التاريخية التي تحولت إلى قناعة دينية، قائمة أصلا وأولا وآخرا على استبعاد أهل بيت النبوة استبعادا كاملا عن مركز قيادة الأمة، وتسليم هذه القيادة للبطل الغالب الذي يجبر الأمة على الاستسلام له، والانقياد لطاعته، وهذه الثقافة أيضا قائمة على التقليل من أهمية أهل بيت النبوة، واعتبارهم في أحسن الظروف مجرد أفراد من مجتمع أكثر أفراده صحابة، وإن وجدت أهمية لأهل البيت فهي مقصورة على المباركة وعلى شهادة الخليفة الغالب، ومن قبيل الدعاية له. فمثلا عندما يبدأ الخليفة الثاني بآل محمد بالعطاء، فهذا لا يعني أن آل محمد خير منه حتى يقدمهم عليه بالعطاء، ولو أنه عنى ذلك لقدمهم عليه بالخلافة، ولكن تقديمه لهم عليه بالعطاء، يرمز لعدله، وعظمته وليس لمكانة آل محمد، فالرجل من العدل بحيث أنه يقدم آل محمد عليه مع أنه الخليفة وأمير المؤمنين،.
وعلى هذا قس كل مظاهر تقديم آل محمد.
ثم إن الأمة قد أجمعت طوال تاريخها الطويل على استبعاد أهل بيت النبوة عن القيادة، فعندما يأتي المهدي وهو ابن محمد وعميد أهل بيت النبوة، وتنقاد له الأمة وينقاد له العالم كله، فإن في ذلك نقض لإجماع الأكثرية الساحقة رغبة أو رهبة على استبعاد آل محمد عن قيادة الأمة!! ثم إن في ذلك تعييب على الصحابة الكرام وخاصة الخلفاء الثلاثة الأول لأنه وفق هذه الثقافة صارت لهم مكانة عملية في قلوب العامة أعظم من مكانة النبيين!! فمن الجائز أن يخطئ الرسول (حاشاه) حسب مقاييس العامة لأنه بشر، ولكن من غير المعقول أن يخطئ الخليفة الأول أو الثاني لأنهما خليفتا رسول رب العالمين!!! وكثيرا ما روى البخاري ومسلم أحاديث تعطي لعمر دور البطولة حتى على رسول الله نفسه!! فتراه يأمر النبي، وينهاه، أو يعتبر ما رضي به النبي (دنية) في الدين كما حدث بصلح الحديبية!!
وتحولت كل هذه الأمور وأمثالها مع الأيام إلى دين حقيقي يقرأ مع الدين الإسلامي.
فإذا جاء المهدي - حسب اعتقاد المشككين، فإنه سينشر قضية أهل بيت النبوة على مستوى العالم كله، ويفضح فصول الظلم التي لحقت بهم، ومن خلال عدله سيطلع العالم على منهاج أهل بيت النبوة بالحكم، وسيبهر العالم، بما يفعله ويقوله، وفي ذلك إدانة للخلافة التاريخية والثقافة التاريخية، وتطال الإدانة المتشككين أنفسهم.
ومن جهة أخرى فإن المتشككين والأكثرية الساحقة من العامة مسكونة نفسيا بالرعب، وبالخوف من قطع العطاء فهي تتصور أن السيف الأموي ما زال مصلتا فوق الأعناق، وأن الرعب الأموي ما زال ماثلا، هذه هي حالة اللاشعور التي يحيونها في الحقيقة والواقع، ويتصرفون على هداها، وتنعكس على كافة أقوالهم وأفعالهم. هذه هي الدوافع والأسباب الحقيقية الكامنة وراء تشكيك المتشككين بالاعتقاد بالمهدي المنتظر وبالأحاديث النبوية الواردة فيه، وما الأسباب الظاهرة التي أعلنوها إلا غطاء مكشوفا للدوافع والأسباب الحقيقية التي وضحناها.
المصادر :
1- عمدة القاري بشرح صحيح البخاري ج 16 ص 39 - 40 المجلد الثامن. وفتح الباري ج 6 ص 383 - 385، وإرشاد الساري ج 5 ص 419
2- تاريخ ابن خلدون ج 1 ص 555 فصل 52
3- مقال في مجلة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة ج 1 سنة 12 رقم 46 سنة 1400
4- تاريخ ابن خلدون ج 1 ص 564 فصل 52.و 565 وص 568
5- سنن ابن ماجة ج 2 ص 340 حديث 4039
6- ابن حجر في تهذيب التهذيب ج 9 ص 125 و 202
7- الذهبي في ميزان الاعتدال ج 3 ص 535 ح 479
8- منهاج السنة ج 4 ص 101 – 102
9- الفتن والملاحم لابن كثير ص 32

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.