الاعتقاد بالمهدي المنتظر

شاع الاعتقاد بحتمية ظهور المنقذ (المهدي) وانتشر في كافة أرجاء المعمورة، وأخذ أشكالا مختلفة، ولكنها تتعلق بالمآل بذات الفكرة. وسلمت بفكرة ظهوره كافة التيارات الكبرى في كافة المجتمعات البشرية القديمة.
Sunday, November 22, 2015
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
الاعتقاد بالمهدي المنتظر
الاعتقاد بالمهدي المنتظر

 






 

شاع الاعتقاد بحتمية ظهور المنقذ (المهدي) وانتشر في كافة أرجاء المعمورة، وأخذ أشكالا مختلفة، ولكنها تتعلق بالمآل بذات الفكرة. وسلمت بفكرة ظهوره كافة التيارات الكبرى في كافة المجتمعات البشرية القديمة.
وأجمعت على حتمية هذا الظهور الطلائع المستنيرة من أتباع الديانات السماوية الثلاث، وعلى الأخص الديانة الإسلامية، والطلائع المستنيرة من أتباع الملل الأخرى الشائع بين الناس بأنها غير سماوية.
فعلى الرغم من اختلافهم في المنابت والأصول واختلاف عقائدهم وتوجهاتهم وأديانهم، ومصادر معارفهم، إلا أنهم قد اتفقوا على حتمية ظهور المنقذ، وأن هذا المنقذ مختلف ومميز من جميع الوجوه، وآمنوا بقدرته على الإنقاذ، واعتقدوا بأن عهده هو عهد العدل والكفاية والعزة، تلك هي الفكرة الرئيسة التي لا خلاف عليها، والتي شاعت وانتشرت على مستوى العالم، وطوال التاريخ البشري. وتوارثتها الأجيال جيلا بعد جيل.
ويتعذر على أي باحث منصف، في مجال الفكر السياسي العالمي أن يتجاهل حجم ومدى شيوع هذا الاعتقاد وانتشاره، حيث يجد له موقعا في كافة العقائد والأديان..

حقيقة هذا الاعتقاد

من العسير على أي باحث موضوعي، بل على أي إنسان سوي الفطرة أن يتصور ولو للحظة واحدة بأن هذا الإجماع العالمي على الفكرة الرئيسة، قد حدث جزافا أو أنه وليد وهم أو خرافة أو أسطورة، أو أن هذا الإجماع كان صدفة!! لأن الثابت بأن هذا الاعتقاد بالفكرة الرئيسة له منابع ومصادر دينية وعقلية وتاريخية وواقعية تؤكده وتؤيده، وتجمع عليه وتنفي بالضرورة صلة هذه الفكرة الرئيسة بالوهم أو بالأسطورة أو بالصدفة، ومن الممكن حدوث زيادة أو نقصان أو اختلاط الاجتهاد بالتفاصيل، أما الفكرة الرئيسة المتمثلة بظهور المهدي المنقذ، فهي فكرة أصيلة وصحيحة ومتواترة، ويعتقد بها أتباع الديانات السماوية الثلاث، كما يعتقد بها غيرهم من أتباع الملل الأخرى الشائع بيننا، بأنها غير سماوية، ويعتقد بها عقلاء وفلاسفة العالم، ويرسلها الجميع إرسال المسلمات، ويعتبرها أتباع كل عقيدة جزءا لا يتجزء من عقيدتهم، تقرأ معها، وتحسب عليها. تلك هي طبيعة القوة التي يتمتع بها هذا الاعتقاد.

تعدد أشكال ونماذج هذا الاعتقاد

مع أن كافة العقائد والديانات السماوي منها وغير السماوي قد أجمعت على حتمية ظهور المهدي المنقذ، وعلى تميز هذا المنقذ، وقدرته الفائقة على الإنقاذ، وأن عهده الزاهر هو المأمول، إلا أنها اختلفت في التفاصيل، وهذا الاختلاف ناتج عن وضوح فكرة الظهور أو غموضها في أذهان معتنقيها، فبعضهم يرى بأن مهمة المهدي تنحصر في إنقاذ هذا المجتمع أو ذاك فهو منقذ خاص لجماعة من الناس من حيث المبدأ! بينما يرى البعض الآخر، بأن مهمة المهدي منصبة على إنقاذ العالم كله إنقاذا شاملا، وإقامة دولة عالمية، تصبح أقاليم العالم كله ولايات لها، وأبناء الجنس البشري، بمختلف ألوانهم وأعراقهم رعايا لها، وأصحاب القوة والأمانة من رجال العلم ونسائه هم قادة تلك الدولة وأمرائها. دولة عالمية تحقق العدل المطلق، والرخاء التام، والاكتفاء الذي لا عوز معه، والسعادة لجميع أبناء الجنس البشري، ولم نر مثل هذه الرؤيا الشمولية إلا في الإسلام، ربما لأنه آخر الأديان، ولأنه المرشح بطبيعته ليكون الدين العالمي الأوحد..
وكما اختلفت العقائد والديانات، بحجم ومدى عملية الإنقاذ، اختلفت أيضا في تحديد من هو المهدي بالفعل ؟ وأين يظهر ؟ ومتى يكون زمن ظهوره ؟
ويكمن سر هذا الاختلاف في أن هذه التساؤلات من تفاصيل الفكرة الرئيسة، وأن هذه التفاصيل قد خضعت للزيادة والنقصان وللاجتهاد لدى الأغلبية من أتباع الملل الأخرى، وبالتالي تعدد منابع ومراجع المعلومات التي بنيت تلك التفاصيل على أساسها، أو لعدم وثوق بعضها. فقد اكتفت الديانة اليهودية، أو ما وصل إلى علمنا منها على الأقل، بتأكيد الفكرة الرئيسة، والإشارة العامة إلى أصول المهدي، وأنه من نسل إسماعيل، وأنه أحد اثني عشر عظيما، وأشارت أيضا إلى الظروف والمخاطر التي أحاطت بولادة هذا المنقذ العظيم، وصرحت بأن الله تعالى قد غيب هذا المنقذ ليحفظه، ثم يظهر في اللحظة المناسبة، وبالرغم من إجمال تلك المعلومات، إلا أنها على جانب كبير من الأهمية، كما سنرى. أما الديانة المسيحية فقد أشارت إلى عهد الظهور، وأبرزت من هذا العهد ظهور السيد المسيح، فركزت عليه تركيزا خاصا، وأهملت ما سواه.
أما الديانة الإسلامية، وهي أحدث وآخر الديانات السماوية، فقد غطت نظرية ظهور المهدي تغطية كاملة، فعلى الرغم من المحنة التي تعرض لها الحديث النبوي، حيث منعت كتابته وروايته مدة طويلة من الزمن، إلا أن ما وصلنا من الأحاديث النبوية قد وصف المهدي وصفا دقيقا، وحدد علامات ظهوره تحديدا واضحا، ووصفت مهمته موضوعيا كما سنرى.
وهذا الاختلاف بين العقائد والأديان على التفاصيل بعد الاتفاق على الفكرة الرئيسة أفرز نماذج وأشكالا متعددة، للاعتقاد بالمهدي المنتظر، أو المنقذ الأعظم، وسنستعرضها بما أمكن من الإيجاز طمعا باستكمال دائرة البحث.

أشكال هذا الاعتقاد

1 - عند اتباع الملل الأخرى (غير السماوية)

لقد اعتقد الزرادشتيون بفكرة الظهور، واعتقدوا أن المنقذ الذي سيظهر هو بهرام شاه. واعتقد المجوس بعودة أرشيدو، واعتقد البوذيون بعودة بوذا، واعتقد.
الاسبان بعودة ملكهم روذريق، واعتقد المغول بعودة جنكيز خان، وقد وجد مثل هذا الاعتقادات عند قدماء المصريين وفي كتب الصينيين القديمة. (1)
والملفت للانتباه أن أصحاب تلك المعتقدات الآنفة الذكر قد آمنوا بفكرة ظهور أشخاص كانوا معروفين بعد ما اختفوا في ظروف اكتنفها الغموض. لقد اتفق أصحاب تلك الاعتقادات على حالات اختفاء لرجال مشهورين جدا، ثم آمنوا بحتمية عودتهم وظهورهم لغايات الإنقاذ وتحقيق أهداف يتوقف تحقيقها على وجودهم بالذات!!

2 - عند اليهود والنصارى

لقد آمن اليهود بهذا الاعتقاد (ظهور المهدي) قال كعب الأحبار: مكتوب في أسفار الأنبياء: (المهدي ما في عمله عيب) قال سعيد أيوب الكاتب المصري الشهير في كتابه المسيح الدجال ما نصه: (وأشهد أني وجدت كذلك في كتب أهل الكتاب، لقد تتبع أهل الكتاب أخبار المهدي كما تتبعوا أخبار جده محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فأشارت أخبار سفر الرؤيا إلى امرأة يخرج منها اثنا عشر رجلا، وأشار إلى امرأة أخرى وهي تلد الأخير. وجاء في سفر الرؤيا 12 / 3 (والتنين وقف أما المرأة الأخيرة حتى تلد ليبتلع ولدها متى ولدت) وجاء في سفر الرؤيا 12 / 5 (واختطف الله ولدها وحفظه أي أن الله قد غيب هذا الطفل). وذكر سفر الرؤيا أن غيبة هذا الغلام ستكون ألفا ومائتي سنة وهي مدة لها رموزها عند أهل الكتاب، وقال باركلي عن نسل المرأة عموما: (إن التنين سيعمل حربا شرسة مع نسل المرأة)، وجاء في سفر الرؤيا 12 / 13 (فغضب التنين على المرأة وذهب ليصنع حربا مع باقي نسلها الذين يحفظون وصايا الله).
ولا تنطبق أوصاف المرأة الأولى ونسلها إلا على السيدة الزهراء ونسلها عمداء أهل بيت النبوة الأعلام، فقد طاردتهم السلطة (التنين) طوال التاريخ.
أما المرأة الثانية وطفلها فلا تنطبق أوصافهما إلا على المهدي وأمه، فالمهدي هو حفيد الزهراء، وقد ترقب العباسيون ولادته يوما بيوم حتى يقتلوه، لأنهم قد عرفوا أنه المهدي المنتظر، ولكن الله سبحانه وتعالى نجا الطفل وغيبه بالفعل ليحفظه، وليهئ الأسباب لإقامة دولته العالمية، ثم يظهره. ويؤيد ما ذهبنا إليه ما جاء بسفر التكوين 17 / 20 : (وأما إسماعيل فقد سمعت قولك فيه، وها أنا أباركه وأنميه، وأكثره جدا جدا، ويلد اثني عشر رئيسا، وأجعله أمة عظيمة)(2)
ومن المسلم به أن رسول الله محمد من نسل إسماعيل، وأن عمداء أهل بيت النبوة الاثني عشر هم ذرية النبي وعصبته، وأنهم أعلام الأمة وورثة علمي النبوة والكتاب، فإذا لم يكن هؤلاء العمداء هم الرؤساء المعنيون، فمن هم الرؤساء إذن ؟ ومن هو الأولى منهم بالنبي، أو الأقرب إليه منهم ؟ بل ومن هم ورثته غيرهم ؟ قد يقول قائل ربما كان المقصود من الاثني عشر رئيسا (الخلفاء) الذين تعاقبوا على رئاسة دولة الخلافة التاريخية، وحسب تسلسلهم الزمني! وهذا غير معقول لأن بعضهم قد هدم الكعبة، واستباح المدينة المنورة أموالا وأعراضا، وأعلن كفره جهارا ونهارا، وبعضهم قد نفذ خطة لإبادة المؤمنين الصادقين!! فهل يعقل أن يعد الله سبحانه وتعالى برئاسة مثلهم، وأن يباركهم، ويعتبر رئاستهم منة ونعمة! وقد يقال أن الاثني عشر هم الصفوة المنتقاة من الخلفاء التاريخيين!! ولكن ما هو الدليل على ذلك ؟ ومن هم المخول بانتقائهم ؟
ثم إنا لو وزنا الخلفاء التاريخيين بموازين الشرع الحنيف لما صمد منهم ربع هذا العدد! وقد يقال بأن الرئيس هو الملك فعلا! لقد كان النمرود ملكا كان إبراهيم مواطنا في مملكته! فمن هو العظيم والرئيس بالمعايير الشرعية هل هو إبراهيم أم النمرود الطاغية! لقد عاصر كل الأنبياء ملوكا بيدهم الحول والطول فهل كان الملوك هم الرؤساء العظماء، وهل كان الأنبياء عامة!! إن العبرة بالرئاسة هي الأهلية والمرجعية الشرعية فالأنبياء، والأولياء هم الرؤساء الذين اختارهم الله وفقا لموازين عدله وفضله، والملوك المتجبرون هم الذين فرضوا أنفسهم على العباد بالغلبة والقهر فخرجوا وأخرجوا الناس من دائرة الشرعية والمشروعية الإلهية.
وما يعنينا في هذا المقام هو حتمية الصلة بين الرؤساء الاثني عشر من نسل إسماعيل الذين وعد الله بهم وبين أئمة أهل بيت النبوة الكرام. ويعنينا أيضا هو النصوص الواردة بالأسفار بأن الله سبحانه وتعالى قد غيب الرئيس الثاني عشر.
ليحفظه ويوطد له، ثم يظهره، وتنطبق تلك الأوصاف انطباقا تاما على العميد الثاني عشر من عمداء بيت النبوة وهو محمد بن الحسن حفيد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وهنالك إشارة في سفر أرميا 46 / 2 - 11 تتحدث عن قائد إسلامي عظيم يقود جند الله، وينتقم من أعداء الله عند نهر الفرات وهو المكان الذي ذبحت لله فيه (ذبيحة) .
وتتبنى الديانة المسيحية بالطبع نفس الإشارات الواردة في الأسفار عن المهدي المنتظر، وتؤمن بفكرة الظهور، ومع أن ظهور المهدي يتزامن ويتكامل مع نزول السيد المسيح إلا أن اعتقاد المسيحية منصب بالدرجة الأولى والأخيرة على السيد المسيح، ويتجاهل ما سواه!! واعتقد مسيحيو الأحباش بعودة ملكهم ثيودور كمهدي في آخر الزمان.

3 - عند بعض فلاسفة اليهود والنصارى في العصر الحديث

قال الفيلسوف الانكليزي (برتراند راسل) إن العالم بانتظار مصلح يوحد العالم تحت علم واحد وشعار واحد..(3)
وقال أينشتاين صاحب النظرية النسبية المشهور (إن اليوم الذي يسود العالم كله الصلح والصفا ويكون الناس متحابين ليس ببعيد). (4)
وقد بشر به الفيلسوف الانكليزي (برنارد شو) في كتابه الإنسان والسوبرمان، وعلق عباس محمود العقاد على هذه البشرى بالقول: (يلوح لنا أن سوبرمان (شو) ليس بالمستحيل، وأن دعوته إليه لا تخلو من حقيقة ثابتة). (5)
وأنت تلاحظ أن راسل يبرز حاجة العالم للمصلح، وانتظار العالم لذلك المصلح، بينما يتحدث أينشتاين عن بعض مظاهر عهد ذلك المصلح وبشرى برنارد شو سندها العقل المستند إلى فكرة عالمية موروثة ومتواترة.
المصادر :
1- کتاب المهدية في الإسلام / سعيد محمد حسن ص 43، 44 وقائم القيامة للدكتور مصطفى غالب ص 270 والمهدي المنتظر في الفكر الإسلامي إصدار مركز الرسالة ص 8، 9.
2- كتاب المسيح الدجال / سعيد أيوب ص 370 - 380
3- کتاب المهدي للسيد الشهرستاني ص 6 والمهدي المنتظر في الفكر الإسلامي ص 9
4- کتاب المهدي الموعود ودفع الشبهات للسيد الشهرستاني ص 7
5- کتاب برنارد شو لعباس محمود العقاد ص 124 - 125



 

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.