احتل الاعتقاد بالمهدي مكانة بارزة في الإسلام كدين، على صعيدي القرآن والسنة المطهرة، فقد برزت نظرية الاعتقاد بالمهدي المنتظر بصورتها الكاملة والواضحة والبعيدة عن التوهم والغموض. حيث أكد دين الإسلام حقيقة وصحة هذا الاعتقاد العالمي المتواتر، ثم أبرز كلياته وتفاصيله الدقيقة، وأزال ما لحق بهذا الاعتقاد من نقص وزيادة وتوهم واجتهاد، وأبقى على الحقائق النقية القادرة على الوقوف في كل زمان، ووضع تحت تصرف عشاق الحقائق المجردة نظرية متكاملة واضحة تغطي بالكامل كل ما يتعلق بالاعتقاد بالمهدي المنتظر، فما من سؤال في هذا المجال إلا وتجد له في الإسلام جوابا مستندا إلى القرآن الكريم أو السنة المطهرة.
وقد قدم الإسلام هذه النظرية كجزء لا يتجزأ من النظام السياسي الذي أنزله الله على عبده ومصطفاه محمد صلى الله عليه وآله وسلم. فالمهدي المنتظر عند شيعة أهل بيت النبوة هو الإمام الثاني عشر من الأئمة أو القادة الشرعيين الذين اختارهم الله سبحانه وتعالى وأعلنهم النبي كقادة للأمة، ويجمع أهل السنة (شيعة الخلفاء) على صحة وتواتر قول رسول الله بأن الأئمة أو الخلفاء أو الأمراء أو النقباء أو القادة العظام من بعده اثنا عشر، وأخالهم بالضرورة يعتبرون المهدي المنتظر أحدهم. ثم إن أهل بيت النبوة وهم أحد الثقلين ومن والاهم قد أجمعوا على أن الاعتقاد بالمهدي الموعود المنتظر هو جزء لا يتجزأ من دين الإسلام، ثم أن الخلفاء التاريخيين ومن والاهم قد أجمعوا أيضا على أن الاعتقاد بالمهدي المنتظر هو جزء من عموم المعتقدات الإسلامية المنبثقة عن القرآن الكريم والسنة المطهرة والتي أجمعت الأمة على صحتها.
فإن المنكر لهذا الاعتقاد هو بحكم المنكر لما هوثابت من الدين، وقد ألف المتقي الهندي (ت 975 ه) صاحب كتاب كنز العمال كتابا عنوانه (البرهان في علامات مهدي آخر الزمان) أورد فيه فتاوي المذاهب الأربعة في زمانهم وهم ابن حجر الهيثمي الشافعي وأحمد أبي السرور بن الصبا الحنفي، ومحمد بن محمد الخطابي المالكي، ويحيى بن محمد الحنبلي، وقال:
(إن هؤلاء هم علماء أهل مكة وفقهاء الإسلام على المذاهب الأربعة، ومن راجع فتاواهم علم علم اليقين أنهم متفقون على تواتر أحاديث المهدي، وأن منكرها يجب أن ينال جزاءه، وصرحوا بوجوب ضربه وتأديبه وإهانته حتى يرجع إلى الحق رغم أنفه، - على حد تعبيرهم - وإلا فيهدرون دمه) (1).
الاعتقاد بالمهدي المنتظر عند المسلمين
شق الاعتقاد بالمهدي المنتظر طريقه بيسر وسهولة إلى قلوب كل المسلمين وعقولهم، واعتبره المسلمون جزءا من عقيدتهم الإسلامية وحكما من أحكامها، وواحدا من تعاليمها كالتسبيح أو التهليل أو الصلاة أو الصوم أو الإيمان بالغيب.فكافة المسلمين مع اختلاف منابتهم وأصولهم وتوجهاتهم السياسية وثقافاتهم المختلفة يعتقدون بحتمية ظهور المهدي المنتظر في آخر الزمان، وأن هذا المهدي من عترة النبي، وأن عهده من أزهى العهود حيث سيملأ الأرض عدلا، وسينقذ الأمة الإسلامية والعالم كله إنقاذا شاملا، وأن الله تعالى سيرد بالمهدي الدين، ويفتتح له العالم كله، وأنه سينشر الرخاء في الأرض. وقد اعترف بهذه الحقيقة حتى المتشككين بهذا الاعتقاد. فابن خلدون مثلا أحد المتشككين ومع هذا فهو يشهد قائلا: (إعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر العصور أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين، ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلامية ويسمى المهدي.(2)
وأحمد أمين الأزهري المعروف من المتشككين أيضا بهذا الاعتقاد ومع هذا فهو يشهد قائلا: (وأما أهل السنة فقد آمنوا بها أيضا) أي آمنوا بحقيقة المهدي. (3) وبعد أن أدلى بشهادته ساق قول ابن خلدون الآنف الذكر. فإذا كانت هذه شهادة المتشككين فيعني أن شيوع هذا الاعتقاد وانتشاره بين كافة المسلمين العامة والخاصة من الحقائق الإسلامية المسلم بصحتها على مستوى المسلمين جميعا، وليس بإمكان عاقل أن يتجاهل عموم وشمول هذا الاعتقاد لكافة أتباع الملة الإسلامية.
وقد أدرك الحكام الذين استولوا على قيادة الأمة طوال التاريخ السياسي الإسلامي، خطورة هذه الفكرة على حكمهم، وقدرتها الفائقة على شق طريقها إلى قلوب المسلمين، ودور هذه الفكرة بنقد الظلم وفضح الظالمين، فسخروا كافة موارد الدولة التي استولوا على قيادتها للتشكيك بالفكرة الأساسية تمهيدا لاقتلاعها من جذورها!! ومع أن الحكام قد نجحوا نجاحا ساحقا بحل عرى الإسلام كلها عروة بعد عروة، ومع أنهم قد نجحوا بإخضاع الأمة لمشيئتهم، إلا أنهم قد فشلوا فشلا ذريعا باقتلاع الاعتقاد بالمهدي المنتظر من قلوب الناس وعقولهم، بل إن هذا الاعتقاد كان يترسخ ويتجذر طرديا كلما زاد ظلم الحكام وبطشهم، ويزداد المسلمون يقينا بحتمية ظهور المهدي!!. وتوارثت الأجيال هذا الاعتقاد، وتوارثت صلته الحميمة بالدين الإسلامي.
مصادر ومنابع الاعتقاد بالمهدي المنتظر
لقد استمد المسلمون الاعتقاد بالمهدي المنتظر واستقوه من منبع أو مصدر واحد وهو الإسلام. فالاسلام هو الذي جاء بنظرية المهدي بكل تفاصيلها وكلياتها، وهو الذي كلف أتباعه ومعتنقيه بالاعتقاد بها، والالتزام التام بهذا الاعتقاد كغيره من المعتقدات النابعة من صميم الإسلام.ويعنى الإسلام على الصعيد القانوني أو الحقوقي (الآمر والناهي والمحلل والمحرم) كل ما جاء به القرآن الكريم، وبيان النبي لهذا القرآن سواء أكان البيان بالقول أو بالفعل أو بالتقدير، ويسمى هذا البيان بالسنة المطهرة. وكل واحد من هذين المصدرين مكمل للآخر، ولا غنى لأحدهما عن الآخر، لأن أولى مهمات النبي أن يبين للناس ما نزل إليهم من ربهم بيانا قائما على الجزم واليقين.
ولأن الإسلام آخر الأديان السماوية، ولأن محمدا خاتم النبيين فقد أجاب الإسلام على كافة التساؤلات البشرية في ما مضى، وفي ما يأتي، وغطى كافة الاحتياجات الإنسانية على كل الأصعدة اللازمة لنمو الحياة الإنسانية وتطورها ورقيها، فما من شئ، على الإطلاق إلا وجاء به القرآن، وبينه النبي بالقدر الذي يستوعبه كل المكلفين وتصديق ذلك قوله تعالى في سورة النحل آية 89 (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ).
وأحكام الإسلام وتعاليمه ما شرعت لمعالجة مشكلات قومية أو إقليمية إنما هي منصبة بالأصل على معالجة مشكلات العالم كله بأرضه وسكانه، وكانت الوحدة التاريخية والدينية والسياسة للعالم هي محور عناية واهتمام الإسلام. حيث وضع الإسلام تحت تصرف العالم نظاما حقوقيا لا مثيل له ومعجز، ووضع تحت تصرف العالم أيضا قيادة سياسية وروحية لا مثيل لها. فالإمام القائد في زمانه هو الأفضل وهو الأعلم وهو الأقرب لله ولرسوله، فإذا أراد العالم أن يهتدي فعليه بموالاة القيادة الإلهية والعمل بالنظام الإلهي فهما ثقلان يتكامل أحدهما مع الآخر ويتمم أحدهما الآخر وهذا هو المقصود الشرعي من حديث الثقلين.
وشاءت حكمة الله أن يكون المهدي هو آخر جيل القيادة الإلهية المسماة، وهو الذي سيتولى توحيد العالم دينيا وسياسيا ويترجم جهد الأنبياء وخاتمهم ويحقق هدفهم بتحقيق وحدة العالم الدينية والسياسية. بحيث تكون كل أقاليم الكرة الأرضية ولايات لدولته وكل سكان المعمورة رعايا لتلك الدولة، وكل أهل القوة والأمانة من رجال العالم ونسائه بطانة له يستعين بهم لتنفيذ النظام الإلهي، فيكون عهده الزاهر عهد الرخاء الذي حلم به النبيون، وعهد العدل الذي جاهد لتحقيقه النبيون، والنموذج الرمز لوحدة الجنس البشري التي بشر بها النبيون.
ورمز انتصار الحق على الباطل على المستوى العالمي عبر الصراع الطويل بينهما وهنا يكمن سر تركيز الإسلام تركيزا خاصا على نظرية المهدي المنتظر، وتكمن عناية النبي الفائقة بإبرازها وتوضيحها والتبشير بها، بل ويكمن سر فخره بالمهدي المنتظر لأنه المؤهل إلهيا لعملية التغيير الكبرى ولأنه ابنه وقرة عينه وحفيده.
والخلاصة أن الإسلام بركنيه الكتاب والسنة هما المصدر والمنبع الوحيد للاعتقاد بالمهدي المنتظر، وعلى ذلك أجمع المسلمون..
المهدي المنتظر في القرآن الكريم
لكي نجد المهدي في القرآن ، قال تعالى وهو أصدق القائلين: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ) (4)، ومعنى هذا أنه ما من شئ على الإطلاق إلا وقد بينه الله في هذا القرآن.لكن عملية استخراج وتحديد بيان كل شئ، أو أي شئ في القرآن الكريم عملية فنية من جميع الوجوه، بمعنى أنها تحتاج إلى رجل مؤهل إلهيا، ومختص ومزود بالقدرة على معرفة مواضع بيان أي شئ في القرآن الكريم. وهنا يكمن سر التكامل والترابط العضوي الوثيق بين كتاب الله المنزل، ونبي الله المرسل، فالكتاب يحتوي بيان كل شئ، والنبي يعرف حصة كل شئ من هذا البيان معرفة يقينية وبلا زيادة ولا نقصان أي تماما على الوجه الذي أراد الله.
لذلك كانت مهمة الرسول الأساسية منصبة على بيان ما أنزل الله، قال تعالى مخاطبا نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) وقال تعالى: (وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه) (5). فلا يعرف بيان الكتاب لأي شئ على الوجه اليقيني القاطع إلا النبي، أو الشخص المؤهل إلهيا القائم مقام النبي بعد وفاته. ولأن الرسول خاتم النبيين، ولأن الإسلام آخر دين، ولأنه لا بد من بيان القرآن، فقد خصص الله سبحانه وتعالى اثني عشر إماما، أو خليفة، أو نقيبا، أو أميرا وسماهم بأسمائهم،.
وعهد إليهم ببيان القرآن خلال الفترة الواقعة بين موت النبي وقيام الساعة. فكل واحد من هؤلاء الاثني عشر مخول ومؤهل ليكون المختص الوحيد لبيان القرآن وقيادة العالم في زمانه.
فالقرآن كمعجزة بيانية باقية ببقاء الحياة الدنيا، له أسلوبه البياني الخاص، فكلمة الصلاة يعرفها جميع البشر بأنها تعني الدعاء، وقد تكررت هذه الكلمة في القرآن الكريم عشرات المرات، دون تفصيل ولا بيان محدد لما ينبغي أن يقال فيها، لقد ترك القرآن كافة هذه الأمور والتفصيلات لبيان النبي، ويعتقد كل المؤمنين أن الله تعالى هو الذي أوحى للنبي وعلمه كافة هذه الأمور. هذا حال الصلاة وهي عماد الدين، ويقال مثل ذلك عن الزكاة والحج والصوم والشهادة، وهي أركان الإسلام، وكل ما يحتج به المسلمون بهذه الأمور وأمثالها يسندونه للرسول، وقد توخى القرآن من ذلك في ما توخى إبراز التكامل والترابط العضوي الوثيق، بين ما أنزله الله وما بينه نبيه، وإبراز الخط العام المتمثل بأن النبي يوحى إليه، وهو يتبع ما يوحى إليه تماما، وأن طاعة الرسول كطاعة الله، ومعصية الرسول كمعصية الله، وموالاة الرسول كموالاة الله، واتباع أوامر الرسول تماما كاتباع أوامر الله، ومخالفة أوامر الرسول هي مخالفة لأوامر الله، وهي تهدف في ما تهدف لخلق حالة نفسية عند المسلمين تقد بتميز الرسول، أو القائم الشرعي مقامه بعد وفاته كشخص مختص بالبيان، وأن مكانته لا ترقى إليها مكانة، وأن علاقتهم به هي التجسيد العملي لعلاقتهم بالله سبحانه وتعالى، فكل قول دون قوله، وكل مكانة دون مكانته، وكل فهم دون فهمه، فمن يتجاوز قول النبي وفهمه أو أمره ونهيه، ومن يعتقد أن (اجتهاده) أو رؤيته للأمور الدنيوية، أو الأخروية هي أقرب للصواب مما بين النبي، فهو منحرف وضال كائنا من كان، صحابيا أم خليفة. ثم إن تسليم مفاتيح بيان ما أنزل من بعد النبي إلى الأئمة الأعلام من أهل بيت النبوة الذين ورثوا علمي النبوة، فيه إبراز لمكانتهم، وتقديم لقولهم وفهمهم على كل قول وفهم، لأن الواحد منهم لا يقول برأيه، فإذا حدث فإنما يحدث بحدود علمي النبوة، والكتاب، وبنفس الوقت تأكيد نفسي لاستمرار وجود النبي، لأنهم بنوه وأحفاده..
الآن يمكننا أن نتعرف على المهدي في القرآن الكريم
بعد هذه التوضيحات التي سقناها، فإننا وبحدود علمنا لا ندعي بأن مصطلح (المهدي المنتظر) أو سام (محمد بن الحسن) قد وردا في القرآن الكريم صراحة ولكن يمكننا أن نتلمس الآيات الكريمة، التي تشير إلى المهدي المنتظر في القرآن الكريم.ولن نتلمس ذلك في الآثار الواردة عن الأئمة الأعلام من أهل بيت النبوة الذين ورثوا علمي النبوة والكتاب، لأن القسم الأكبر من المسلمين تربوا تربية ثقافية خاصة أساسها التشكك بكل ما يرد عن طريق أهل بيت النبوة، والقول بأفضلية غيرهم عليهم، أو تقديم غيرهم عليهم لحكمة (شرعية).
ولكن طمعا بالشمول والاحاطة نقول أن الجزء الخامس من كتاب: (معجم أحاديث الإمام المهدي) الذي ألفته ونشرته مؤسسة المعارف الإسلامية في قم والذي أشرفت على إعداده نخبة من العلماء الأعلام، وقد اشتمل هذا الجزء الواقع في 530 صفحة كاملا على الآيات المفسرة لوجود المهدي، وجاء في الجزء توضيحا لذلك ما يلي: (أن المقصود بالآيات المفسرة في هذا المجلد الروايات التي وردت في تفسير آيات، أو تأويلها، أو تطبيقها، أو الاستشهاد بها بحيث ترتبط بقضية الإمام المهدي بعنوانه الخاص أو العام).
وقد تضمن هذا المجلد 220 آية من القرآن الكريم منبثة في 79 سورة من سوره، مشفوعة بقرابة 220 رواية مروية عن أئمة أهل البيت تثبت علاقة المهدي المنتظر بهذه الآيات، وارتباطها الوثيق بقضيته وبعصره، وقدرنا أن أذهان العامة وثقافتهم لا تحتمل تلك التأويلات ولا ترقى إليها، لأن العامة قد أشربت ثقافة التاريخ ومناهجه التربوية والتعليمية المناهضة بالضرورة لخط أهل بيت النبوة، لذلك قصرنا اهتمامنا على ما توصلت إليه العامة في هذا الموضوع.
أمثلة من القرآن الكريم
1 - قال تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) (6).قال الرازي في التفسير الكبير ج 16 ص 40: (واعلم أن ظهور الشئ على غيره قد يكون بالحجة، وقد يكون بالكثرة والوفور، وقد يكون بالغلبة والاستيلاء، ومعلوم أنه تعالى بشر بذلك ولا يجوز أن يبشر إلا بأمر مستقبل غير حاصل، وظهور هذا الدين بالحجة مقرر معلوم، فالواجب حمله على الظهور بالغلبة).
والمروي عن قتادة كما يقول السيوطي في الدر المنثور (ليظهره على الدين كله) قال: الأديان الستة: (الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا) (7) فالأديان كلها تدخل في دين الإسلام.. فإن الله قضى بما حكم وأنزل أن يظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون، وفي تفسير ابن جزي ص 252: (وإظهاره جعله أعلى الأديان وأقواها حتى يعم المشارق والمغارب) وهذا هو المروي عن أبي هريرة كما نص عليه جملة من المفسرين، (8).
وفي الدر المنثور: وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، والبيهقي في سننه عن جابر في قوله: (ليظهره على الدين كله) قال: لا يكون ذلك حتى لا يبقى يهودي ولا نصراني صاحب ملة إلا الإسلام، (9)وعن المقداد بن الأسود قال: سمعت رسول الله يقول: (لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر إلا أدخله كلمة الإسلام، إما بعز عزيز، أو بذل ذليل. إما يعزهم فيجعلهم من أهله فيعزوا به وإما يذلهم فيدينون له). (10)
لم يتم الإظهار
حتى الآن لم يظهر الإسلام على الدين كله لا من حيث كثرة الأتباع ولا من حيث الغلبة. صحيح أن الإسلام ظاهر على الدين كله من حيث الحجة، لكن الوعد الإلهي يشمل الإظهار مطلقا، وهذا ما لم يحدث حتى الآن، وبما أن وعد الله حق، وأنه لا يخلف الميعاد، فلا بد أن يأتي زمن تتولى القيادة الإسلامية المدعومة بالتوفيق الإلهي إظهار الإسلام على الدين كله، بحيث يكون الإسلام هو الدين الرسمي للعالم.
الآية دالة على ظهور المهدي المنتظر
قال الطبرسي في مجمع البيان: (ومن هنا ورد في الأثر عن الإمام الباقر بأن الآية مبشرة بظهور المهدي في آخر الزمان، وأنه بتأييد من الله تعالى سيظهر دين جده صلى الله عليه وآله وسلم على سائر الأديان، حتى لا يبقى على وجه الأرض مشرك وهذا هو قول السدي المفسر المعروف).(11)قال القرطبي في تفسيره ، والرازي في التفسير الكبير قال السدي: (ذلك عند خروج المهدي لا يبقى أحد إلا دخل الإسلام) أي أن الله سبحانه وتعالى يظهر الإسلام على الدين كله في عهد المهدي. وأهل بيت النبوة الذين ورثوا علمي النبوة والكتاب مجمعون على ذلك، ومن المستحيل أن يجمعوا بغير دليل، أو قناعة، لأنهم أحد الثقلين ولأن المهدي المنتظر هو خاتم الأئمة عندهم، وقناعتهم مطلقة بأن الله تعالى: (قد فتح بهم (أي بالنبي) ويختم بهم (أي بالمهدي).(12)
2 - قال تعالى: (ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب) (13). أخرج الطبري عن حذيفة بن اليمان أن المعنى في هذه الآية منصب على الجيش الذي سيخسف به، وقد تواترت الأحاديث بأن جيشا سيرسل للقضاء على المهدي، وأنه سيخسف بهذا الجيش، وهذا الخسف لم يحصل للآن، وحدوثه مرتهن بظهور المهدي. (14).
3 - قال تعالى: (وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم) (15)..
لقد ذكر البغوي في معالم التنزيل ج 4 ص 444 والزمخشري في الكشاف ج 4 ص 6 والرازي في التفسير الكبير ج 27، والقرطبي في تفسيره ج 16 ص 105 والنسفي بهامش تفسير الخازن ج 4 ص 108 وتفسير الخازن ج 4 ص 109 وابن كثير في تفسيره ج 4 ص 124 وتفسير أبي السعود ج 8 ص 52 بأن هذه الآية بخصوص نزول عيسى بن مريم، وقال مثل ذلك مجاهد تفسير مجاهد ج 2 ص 583 وإلى هذا أشار السيوطي في الدر المنثور ج 6 ص 20، وقال أخرجه ابن حنبل وابن أبي حاتم، والطبراني وابن مردويه وسعيد بن منصور عن ابن عباس.
وقال الكنجي الشافعي في كتابه البيان في أخبار صاحب الزمان :
(قال مقاتل بن سليمان ومن تابعه من المفسرين في تفسير قوله عز وجل: (وإنه لعلم الساعة) هو المهدي يكون في آخر الزمان وبعد خروجه يكون قيام الساعة وإماراتها).(16)
وقد ذكر القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع باب 71 الكثير من الآيات التي فسرها أئمة أهل بيت النبوة بالإمام المهدي وظهوره،. ومن يمعن النظر يجد أن في القرآن الكريم الكثير من الآيات التي حملت وعودا إلهية دنيوية، وربط تحققها بتوافر ظروف موضوعية معينة، وفق معايير خاصة لا تعرف إلا بالبيان النبوي، ومن استعراض الحادثات التاريخية واستقراء الشرع الحنيف، وما وصل إلينا من الآثار المروية عن الأئمة الأطهار من أهل بيت النبوة يتبين لنا أن الكثير من الوعود الإلهية الدنيوية مرتبط تحقيقها بعصر ظهور المهدي، وقيادة هذا المهدي. فإذا ظهر الإمام المهدي وآلت قيادة الأمة إليه تبدأ عملية ترجمة الوعود الإلهية من النظر إلى التطبيق ومن الكلمة إلى الحركة، لأن ظهور المهدي سيكون في آخر الزمان، ومن أشراط قيام الساعة، ومن المحال عقلا أن تقوم الساعة ولا ينفذ الله وعوده لأنه أصدق القائلين، ولأنه لا يخلف الميعاد. كل هذه الظروف تجعل من البيان النبوي المفتاح لكل غموض، والطريق الفرد إلى اليقين، في كل متشابه والأساس لكل المعارف الدينية التي صاغت نظرية المهدي المنتظر في الإسلام، والتي بشرت بعصر الظهور. وهذا يستدعي بالضرورة وقفة مطولة عند كل ما صدر عن الرسول حول المهدي المنتظر بالذات وحول عصر ظهوره..
المصادر :
1- البرهان على علامات مهدي آخر الزمان ص 178 - 183 والمهدي المنتظر في الفكر الإسلامي ص 41 – 42
2- تاريخ ابن خلدون ج 1 ص 555 الفصل 52
3- أحمد أمين الأزهري / المهدي والمهدية.ص 41
4- سورة النحل، آية: 89
5- سورة النحل، الآيتان 44 و 64
6- سورة التوبة، الآية: 33
7- سورة الحج، الآية: 17
8- تفسير الطبري ج 14 ص 215، والتفسير الكبير ج 16 ص 40، وتفسير القرطبي ج 8 ص 121، والدر المنثور ج 4 ص 176 / المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي ص 22
9- الدر المنثور للسيوطي ج 4 ص 175
10- مجمع البيان ج 3 ص 35
11- الطبرسي / مجمع البيان ج 5 ص 35
12- القرطبي في تفسيره ج 8 ص 121، والرازي في التفسير الكبير ج 16 ص 40
13- سورة سبأ، الآية: 51
14- تفسير الطبري ج 2 ص 72، وعقد الدرر 84 ب 4 / والحادي للفتاوي للسيوطي ج 2 ص 81، والكشاف للزمخشري ج 3 ص 467 – 468
15- سورة الزخرف، الآية: 61
16- الكنجي الشافعي / البيان في أخبار صاحب الزمان ص 528