
لقد ثبت یقینًا، وعلى جمیع المستویات أن الزواج هو أعظم وسیلة لحمایة المجتمعات من الا نحرافات الخلقیة والنفسیة، وأن العزوبة فی الرجال والنساء سبب أكثر الانحرافات الخلقیة المعاصرة .
إن حصر النشاط الجنسی فی نظام الزواج، وتحریم العلاقات الجنسیة خارجه من أعظم ما سِاعد به الإنسانیة، وارتقت به عبرعصورها المختلفة، إلا أن تغیرًا عظیمًا طرأ فی هذا العصر على طبیعة هذا النظام، هدد الحیاة الجنسیة، وأنْذر بخطر جلیل فقد تأخرسن الزواج لیوافق طبیعة الظروف الاقتصادیة المتردیة، وظهر نظام التعلیم الحدیث، وظهر معه التوسع فی تشغیل الفتیات، كل ذلك یقف فی وجه قیام الحیاة الزوجیة فی وقت مبكر بصورة طبیعیة، فأفرز هذا الوضع الاجتماعی المضطرب جمعًا من المسالك الجنسیة المنحرفة خارج حدود الحیاة الزوجیة ؛ إذ إن طبیعة الدافع الجنسی عند الإنسان تحتاج إلى الإشباع بصورة كافیة ودائمة، ولا تتحمل - فی كثیر من الأحیان- التأجیل، فإما أن یتم هذا الإشباع بطریق مشروع، أو یحصل بطریق غیر مشروع، فإ ذا لم تنصرف الطاقة الشهویة بشیء من ذلك - بصورة كافیة- ظهرت مشكلات التوافق الاجتماعی والنفسی،والأمراض العصابیة القاهرة، التی تعانی منها المجتمعات الحضاریة المتقدمة، فی الوق ت الذ ی سلمتْ منها المجتمعات الریفیة البسیطة التی لا تعرف نظام العزوبة، ومن المعلوم أن الإفراط فی كبت الطاقة الجنسیة، مع توافر دواعی الإثارة یضعف جانبًا من قوى الإنسان العقلیة المدركة، ویخلُّ بجانب كبیر من كوابحه الخلقیة الضابطة؛ ولهذا توسع الإسلام فی باب النكاح والتَّسری كأوسع ما یكون، وربما إلى درجة الوجوب أحیانًا؛ حتى لا یبقى شیء من مادة الطاقة الجنسیة كوقود للانحرافات الخلقیة، أو النفسیة.
وقد عالج البریطانیون فی القرن الثامن عشر المیلادی مشكلةالانحرافات الجنسیة التی تفاقمت عندهم آنذاك بتشجیع نظام زواج الفتیات المبكر، منذ الثانیة عشرة من أعمارهن، وهی السن التی تنبعث فیها میول الفتیات الجنسیة بصورة واضحة، فهن بعد البلوغ فی حاجة إلى الإحصان الذی یتحقق لهن بالزواج، كما أن بلوغ الفتیات سنًا معینة لیست شرطًا فی صحة عقد الزواج، وما زال العقلاء فی كل عصر یوصون بتعجیل النكاح، وتخفیف مؤونته كحل جذری للمشكلة الجنسیة، وللحفاظ على المجتمع من ضلال شبابه وفتیاته بطاقاتهم الجنسیة، حتى إن بعضهم یقترح التوسع فی تزویج الشباب من الجنسین، مع تأجیل الإنجاب، أو التحكم فیه حسب ظروف الزوجین فی أول حیاتهما.
ونظام الإسلام الاجتماعی یحمل الأسرة المفرطة فی التبكیربتزویج أبنائها من الذكور والإناث قسطًا من المسؤولیة الشرعیة تجاه انحرافاتهم الجنسیة، فإن عدم وجود القدرة على التناسل عند المراهقین المقاربین للبلوغ لا یعنی عدم قدرتهم على الجماع ومقدماته، كما أن ابتداء الحیض عند الفتاة لا یعنی - بصورة مطلق ة- قدرتها على التناسل؛ فإن قدرتها على تحمل الوطء تسبق ق درتها على التناسل بسنوات، وبناء على هذا الواقع الطبیعی لا بد من التوسع بصورة كبیرة فی مبدأ التزویج إذا حضر الكفء، دون النظر - بصورةمفرطة- إلى السن، أو المع وقات الاقتصادیة والاجتماعیة، بل لا بد من العمل الجاد لتجاوزها بما یخدم صحة الشباب الجنسیة، ویحفظ المجتمع من أسباب الفساد والانحراف الخلقی.
تعتمد الأمم منذ القدیم فی قوتها على أعداد أفرادها البشریة العاملة والمنتجة، فالعامل البشری فی التنمیة الاقتصادیة أهم بكثیر من الموارد المادیة الطبیعیة؛ لأن الإنسان هو ا لأساس فی النهضة الاجتماعیة،والدعامة الأولى للنمو الحضاری، والازدهار الاقتصادی؛ فهو الوسیلة التی یمكن من خلالها إحداث التنمیة وتطویرها، وهو أیضًا غایة التنمیة، فی تحقیق رفاهیته وسعادته، فالإنسان هو الوسیلة والغایة فی الوقت نفسه؛ ولهذا یعتبر نقص الموالید فی الیابان مشكلة وتحدیًا یواجه المجتمع الیابانی خلال القرن الواحد والعشرین المیلادی، كما جاء ذلك مصرحًا به فی تقریر لجنة الوزراء بالیابان .
وقد أدركت الشعوب منذ القدم هذا الفهم، فالأمم الیهودیة والنصرانیة، رغم فهمها الأعوج للزواج؛ حیث طفحت كتبهم المنحرفة التی یقدسونها بالتحذیر منه والترغیب فی العزوبة والتبتل، ومع ذلك تدعو بكل قوة إلى التناسل والتكاثر وتحسین النوع، وإنزال أقسى أنواع العقوبات بكل من یقتل أبناءه، أو یجهض الحوامل، حتى إن الكنیسة فی القرون الوسطى كانت ُتح رم جمیع وسائل منع الحمل.
واستمر عندهم هذا المسلك السیاسی الاجتماعی مع شیء من التطور فی العصور الحدیثة التی أعطت للأفراد مزیدًا من الحریة فی الإجهاض، وترك الإنجاب، ورغم ذلك فإن الدول الغربیة لا تزال من خلال التشجیع، والحوافز تدفع بشعوبها نحو التكاثر – بصورة مشروعة أو غیر مشروعة - خاصة بعد أن ق لَّت أعداد الموالید عندهم بصورة مفزعة، وفی الوقت نفس ه - وبصورة مزدوجة - سعوا إلى إضعاف التناسل السكانی عند الشعوب المنافسة، خاصة الشعوب الإسلامیة التی ترى من دینها أن التكاثر سنة الأنبیاء علیهم الصلاة والسلام، وأن الأرض لن تضیق یومًا بكفایة أهلها .
فجدوا فی إقناع الشعوب - بوسائل مختلفة - بضرورة ضبط الإنجاب، وأوصوا من خلال بعض المؤتمرات السكانیة بنقل التقنیة الخاصة بإنتاج وسائل منع الحمل إلى الدول النامیة؛ لتحقیق ا لاكتفاء الذاتی منها، فی الوقت الذی لا یجد كثیر من هذه الشعوب فی الدول الفقیرة الماء النَّقی الذی یصلح للتَّناول .
فدل على أن هذه الدعوة تهدف إلى القضاء على قوة المسلمین السكانیة، حیث یخافون من زیادة نسبتهم، وتفوقهم العددی،معتبرین ذلك تهدیدًا لمصالحهم الحیویة؛ ولهذا أفتى علماء الإسلام المعاصرون بحرمة تحدید النسل مطلقًا إلا فی حالات فردیة خاصة، تدعو إلیها الضرورة، معتبرین هذه الدعوة تآمرًا على قوى المسلمین البشریة، وإیقافًا لها عند حد القلة والضعف أمام الشعوب الأخرى .
وقد دلَّت العدید من الإحصاءات الحدیثة على تفوق الدول العربیة والإسلامیة - فی الجملة - فی معدلات النمو السكانی والخصوبة على الدول ال صناعیة بأكثر من الضعفین للخصوبة، وأكثر من أربعة أضعاف للنمو السكانی، وهذا لا شك یزید من توتر القوى المعادیة للإسلام والمسلمین، مما یدفعهم إلى مزید من الأنشطة الرامیة إلى الحد من تنامی قوى المسلمین العددیة .
ومن هذا المنطلق تدرك الفتاة دورها المهم أمام هذا المخطط الغربی، وتقتنع بضرورة قیامها من خلال الزواج الإسلامی بتحقیق الحاثِّ على التناسل، هدف تكثیر الأمة المسلمة، امتثا ً لا لأمر النبی فی وتجنبًا من مشابهة طبیعة المرأة العاقر التی لم یرغِّب رسول الله الزواج منها، وتعرف أن أهم ثمار النكاح التناسل فهو المقصد الأسمى والأعظم من مشروعیة الزواج ، بحیث لا یمنعها من الزواج،ولا یصرفها عنه - إذا حضر الكفء - إلا ضرورة مانعة .
لقد ثبت یقینًا، وعلى جمیع المستویات أن الزواج هو أعظم وسیلة لحمایة المجتمعات من الا نحرافات الخلقیة والنفسیة، وأن العزوبة فی الرجال والنساء سبب أكثر الانحرافات الخلقیة المعاصرة .
وقد أشار إلى هذا المعنى الحدیث الوارد عن رسول الله الی خطر العزوبة على الأخلاق حیث یقول فیه (( … ما للشیطان من سلاح أبلغ فی الصالحین من النساء، إلا المتزوجون أولئك المطهرون المبرؤن من الخنا ))، فالمتزوجون فی الغالب بریئون من الفواحش،وكبائر المعاصی، ولا سیما المتعلقة منها بالناحیة الجنسیة، فی حین یكون العزاب أقرب إلیها، وأدعى للوقوع فیها؛ ولهذا فإن المتزوج الصالح قد سلم له نصف دینه، وقد دلَّت الدراسات على أن العزاب فی العموم أكثر الناس إجرامًا وفسادًا على المستویین الاجتماعی والسیاسی، وأكث ر فئات المجتمع معاناة للأمراض والآلام النفسیة من القلق، وتقلب المزاج، والأوهام والخرافات، والهوس .
فی حین یلاحظ أن الفتاة الریفیة ضمن نظام الزواج المبكر لا تعرف هذه المشكلات الخلقیة والأزمات النفسیة، وفی هذا یقول المفكر الغربی مولییر "الزواج دواء یشفی كل أدواء سن المراهقة " .وعلى الرغم من خطر العزوبة الذی یهدد المجتمع الدولی عمومًا والمجتمع المسلم خصوصًا، واستمرار وسائل ا لإعلام المختلفة فی تشویه الرابطة الزوجیة، ووسمها بالقیود والأغلال، مقابل الحریة والانطلاق فی حیاة العزوبة فإن الإحصاءات الكثیرة تشیر إلى تزاید عدد الفتیات العازبات، وإلى تناقصٍ حادٍ فی أعداد عقود النكاح فی جمیع المجتمعات المعاصرة، وأن زیادة أعداد عقود النكاح فی بعض البلاد ترافقها زیادة عكسیة فی أعداد صكوك الطلاق، مما نتج عنه انحرافات خلقیة عظیمة تفوق حد الوصف، وكان نصیب الفتیات منهافی الغالب انحرافات جنسیة .
فی حین لم یكن یخطر ببال الفتاة المسلمة إلى عهد قریب أن تقع فی الفاحشة، لولا إلحاح الرغبة العارمة فی ظل نظام العزوبة المعاصر، الذی فرضه الواقع الحدیث، یقول المفكر الغربی " لایتز " الذی عاش أكثر من نصف قرن من الزمان بین المسلمین حتى نهایة عام ١٩٠٢ م " وتكاد لا ترى امرأة غیر متزوجة … ولیس فی الإسلام محلات للفاجرات، ولا قانون یبیح انتشار المومسات".
إن على المربین أن یدركوا أن المیول الجنسیة، والحاجة إلى إشباعها لا یمكن أن یؤجلها شیء من أمور الحیاة، مهما بلغت الفتاة من التعلیم والثقافة والوعی؛ فإن " اللقاء لا بد أن یتم - بحكم الفطرة -بین الرجل والمرأة، ولیس هناك إلا طریقان اثنان لهذا اللقاء، مهما تعددت صوره إما لقاء مشروع فی صورة زواج، وإما لقا ء غیرمشروع فی أیة صورة من الصور "، فإذا حصلت الإثارة الجنسیة ضعفت عندها القوى العقلیة المدركة لعواقب الأمور، وحصل من جراء ذلك المكروه، یقول التابعی الجلیل أبو مسلم الخولانی رحمه الله ناصحًا قومه، ومشیرًا إلى هذه القضیة الجنسیة الخطیرة " یا معشرخولان ز وجوا نساءكم وإماءكم، فإن النَّعظ أمر عارم، فأعدوا له عدة،واعلموا أنه لیس لمنعظ أذن "، یعنی ضعف إدراكه تحت الإثارة العارمة، فلا یقبل النصح، ولا یستوعبه .
إن إدراك المربی ن فی العموم والفتاة على الخصوص لهذه المفاهیم یدفع الجمیع نحو الجدیة فی طلب النكا ح، والسعی لتسهیل سبله، بهدف حمایة المجتمع من الانحرافات، فلا یقف ضده تعلیم، أوعمل، أو فكرة مهما كانت حمیدة؛ فإن الزواج هو الحصن الحصین من غوائل الشهوة، ودوافع الرغبة العارمة التی یستخدمها الشیطان للفساد الخلقی والانحراف .
للزواج جاذبیة خاصة، لا تقوى الفتاة على مقاومتها، حتى وإن أظهرت خلاف ذلك، فإن فی قرارة نفسها رغبة خالصة للاقتران بالرجل، فما أن تدخل الفتاة مرحلة الدراسة المتوسطة حتى تبدأ تفكرفی الفتى الذی سوف تقترن به، وما إن تصل المرحلة الثانویة حتى تصبح أمور الزواج من أسباب قلقها، وانشغال ذهنها، حتى إن غالبهن یرسمن خططهن للمستقبل على أساس الزواج عقب انتهائهن من مرحلة التعلیم الثانوی "، ومن التحقت منهن بالجامعة قبل أن تتزوج فإن رغبتها نحو الزواج أكبر بكثیر من مجرد حصولها على وظیفة،بل وحتى اللاتی كن یعملن من الفتیات فی زمن الثورة الصناعیة فی أمریكا ما كانت تزید أمنیة إحداهن على أن تتزوج فی سن مبكرة من رجل صالح یناسبها، فالفتاة البالغة بفطرتها لیس شیء أحب إلیها من الزواج، وتكوین الأسرة .
إن الحاجة النفسیة والعاطفیة فی طبع الفتاة نحو الرجل ملحة،وتكاد تكون أب لغ من حاجته فیها، فهی أقرب إلى الغریزة منه، وأكثر انغماسًا فی طبیعتها الجنسیة من الرجل، حیث تستوعب هذه الطبیعةغالب كیانها، ویصبح نموها وسلوكها فی خطر ما لم تشبع حاجتها الغریزیة من الجنس الآخر، وتكون هویتها الجنسیة فی غموض ما لم تتأكَّد، وتظهر على ید فحل من الشباب، كما أن صفة الیتْم لا تزال عالقة بالبكر ما لم تتزوج، ورشدها العقلی لا یبلغ تمامه إلا بالرجل الزوج تضمه إلیها ضمن نظام الاجتماع العام وقوانینه .
إن الرجل یمثل للمرأة حاجة فطریة أصیلة فی عمق كیانهاالأنثوی، بحیث لا یمكن أن تكتمل إلا به، فی حین یمكنه أن یكتمل هو بدونها، فقد مر زمن ما على الرجل الأول بغیر أنثى، ولم یسبق قطُّ أن مرت على الأنثى برهة بغیر الرجل، فهو یمثل لها الوطن الذی تحن إلیه، وترغب فیه، فهی بالفطرة مهیأة منذ الطفولة لتفارق أهلها،وتنضم إلیه، ویعبر العقاد عن هذه العلاقة العمیقة بین الجنسین فیقو ل المرأة ما خَلقت فیما مضى ولن تخْلق بعد الیوم قانونًا خلقیًا، أو نخوة أدبیة تدین بها وتصبر علیها، غیر ذلك القانون الذی تتلقاه من الرجل،وتلك النخوة التی تسری إلیها من عقیدته.
إن هذا الإلحاح الأنثوی الغامر، والمتشعب فی طبیعة الفتاة،والذی ینبعث لیشمل كیانها بشقیه الرئیسین الروحی والجسمی، ویبلغ تأثیره حتى على طبیعة موضوعا ت أحلامها، حیث یشغل الجنس الآخر، وموضوعاته العاطفیة حیزًا كبیرًا من مضامین رؤاها، بل حتى حین یكون الاختیار بیدها، فإنها تتحدث عن الرجل أكثر بكثیر من حدیثها عن نفسها، أو عن بنات جنسها .
إن هذا الإلحاح المتدفق والممتلئ بالحیویة، والمفعم بالعواطف إذا لم تجد له الفتاة متنفسًا طبیعیًا عند الرجل الزوج، فإن من الصعوبة علیها إخفاء آثاره، أو محاولة كبته بالكلیة؛ لهذا تستعین الفتاة تلقائیًا على ضبطه بوسیلتین إحداهما النشاط الروحی والتسامی بالعبادة، والأخرى التوجه العاطفی نحوبنات جنسها، ممن ترى فیهن مثا ً لا لها، بحیث یغمرها تجاه إحداهن حب عمیق قد یصل إلى درجة الهیام والغرام، والغیرة الشدیدة، والخوف من فقدانها .
وهذا الحب الغامر، الذی تتبعثر شحنته بترك الزواج، أو تأخیره بصورة مفرطة هو القاعدة العاطفیة الطبیعیة، التی ُتبنى علیها علاقة الفتاة بشخص من الجنس الآ خر، وهو الذی یدفع الفتاة لترك أهلهاوأحبائها من أجل اقترانها برجل غریب عنها، حیث تشبع من خلال علاقتها به هذه الخلَّة النفسیة العاطفیة عندها، وتك ون معه أعظم وأهنأ وأغلظ رباط یمكن أن یعقد بین اثنین من الخلق، بحیث تجد الفتاة فی الطرف الآخر من الجهة الروحیة ما یشكل معها وحدة روحیة واحدة،ومن الجهة الجسمیة ما یحقق الغرض من اللباس، حیث الامتزاج الكامل بین الشریكین، وتلبس كل واحد منهما بالآخر، فتلتقی مظاهرالأبدان وبواطنها، وبروزاتها وتجاویفها لتؤلف شخصًا واحدًا فی بقوله ا لمحكم ( هن لِباس لَّكم وأَنُتم لِباس َلهن)( البقرة ١٨٧) كیانین ممتزجین، كما وصفها المولى ومن هنا تتبین أهمیة الرجل الزوج بالنسبة للفتاة، وضرورته لها،وأن فی حرمانها من الزواج، أو الإفراط فی تأخیره تعطی ً لا لهذه المشاعر والعواطف، وبثَّها فی غیر محلها الطبیعی الذی أباحه المولى .
یستحب للمسلم إذا دخل على زوجته لیلة الزفاف أن یدعو الله ویسأله من خیرها وخیر ما جبلت علیه، ویضع یده على رأسها،ویصلی معها ركعتین، وعلیه أن یلاطفها، ویمازحها ویداعبها حتى تنهض شهوتها، فإذا أراد إتیانها قال " بسم ا لله، اللهم جنبنی الشیطان وجنب الشیطان ما رزقتنا "، فإذا انقضت حاجته وفرغ فإنه لا ینزع حتى تفرغ هی أیضًا وتنقضی حاجتها، ومراعاة ذلك من أعظم أسباب الألفة بین الزوجین .
ولیس من الغریب على دین الإسلام الذی یعلم المسلم آداب قضاء الحاجة فی الخلاء، أن یهتم بهذه الجوانب من العلاقات الخاصة بین الرجل والمرأة، ویضع لها آدابها، ونظامها الذی یكفل للأزواج دوام الألفة والسعادة، فلیس من الغریب أن یهتم الدین بهذه الناحیة التی ربما ظن البعض أن العقلاء یترفعون عن الحدیث فیها فضلا عن الله ورسوله، ولكن الذی ثبت علمیًا أن هذه العلاقة الجنسیة بین الأزواج علاقة مهمة جدًا، فقد أفادت بعض البحوث والدراسات المتعلقة بالوراثة وعلم الأجنة " أن المعایب الخلقیة التی تصاحب قضاء الناحیة الجنسیة بین الزوجین تنتقل إلى أولادهما .. ومتى تم الإخصاب فی ظروف ملائمة، كان جدیرًا بأن یكون ذلك بشیر خیر لإنسان جدید.
"فإذا كان الوالدان أو أحدهما فاقدًا الوعی تحت تأثیر مخدر أو خمرأو نحو ذلك، وحدث إخصاب بینهما فی ذلك الوقت، كان المولود فی الغالب ضعیفًا من الناحیة العقلیة، أو مصروعًا، أو مجنونًا .
لهذا فإن العلاقة الجنسیة بین الزوجین علاقة هامة ومصیریة؛ إ ذ یترتب علیها طبیعة وكیان المولود الجدید، وبناء على ذلك شرع الذكر والبسملة عند الإیلاج، مما یوحی ویشعر بقداسة هذه العلاقة ونظافتها فی التصور الإسلامی.
ولا شك أن العلاقة بین الرجل وزوجته أكبر من مج رد علاقة جنسیة، حیث إن هذه العلاقة لا تعدو أن تكون جانبًا من جوانب الحیاة الزوجیة، إلا أنها عامل مهم، وضروری لدوام الحیاة الزوجیة وازدهارها .
لقد خص الله أنثى الإنسان بغشاء البكارة دون سائر ولقد اختص المولى إناث باقی الحیوانات؛ لیمیز بین البكر والثیب، حیث یتصدر هذا الغشاء فتحة الفرج، إلا أنه لم یثبت طبیًا أ ی فائدة صحیة له، إلا كونه شاهدًا مادیًا للفتاة العفیفة على براءتها من الفاحشة أمام من یتهمها، مما یدل على ارتباطه الوثیق بجانب الأخلاق والشرف، وعلاقته القویة بضبط النسب، وحق الزوج .
وقد كان تعظیم شأن البكارة معروفًا عند كثیر من الأمم، حتى أهل الكنیسة فی العصور الوسطى، حیث ُتطالب الفتاة بالعفة قبل الزواج، وربما مارست بعض القبائل طقوسًا دینیة حول الفتاة الصغیرة للمحافظة على بكارتها، وكذلك العرب فی جاهلیتهم كانوا یفخرون بسلامة نسائهم من الفواحش، فیعرضون دم البكارة على الناس بعد لیلة البناء بهن .
وما زالت هذه العوائد تمارس عند بعض المسلمین فی المجتمعات الإسلامیة المعاصرة، فلا تزال بعض القبائل تمارس عادة التجمع لانتظار خروج القمیص من غرفة نوم العروس ملطخًا بدم البكارة، فیبتهجون لذلك، وربما صاحوا وغنَّوا، فإذا لم یتم ذلك كانت مشكلة ومأساة اجتماعیة، إلا أن هذه العادات آخذ ةٌ فی الزوال، أو الضعف على أقل تقدیر؛ بسبب تطور المجتمعات الحدیثة، والا نطلاقة التحرریة فی سلوك الفتیات الخلقی، حیث لم تعد للبكارة قیمتها المعنویة التی كانت علیها فی السابق فی المجتمع المسلم، وأصبح كثیرمن الفتیات ینتهكن حرمتها بدافع المغامرة، أو التجربة، أو التقلید للفتاة الغربیة .
وأخذت بعض البلاد العربیة تسن الأنظمة والقوانین التی تخفف من وطأة تأثیر زوالها المعنوی، ما دامت الفتاة راغبة فی التخلص منها، وأما من بقی متعلقًا بأهمیتها فإن الجراحة الطبیة یمكن أن ُتعیدها صناعیة تشبه ما كانت علیه، فلم تعد البكا رة - فی كثیر من المجتمعات المعاصرة - دلیلا كافیًا على شرف الفتاة وطهارتها، مما یجعل من الضروری إعادة المفاهیم الإسلامیة الصحیحة المتعلقة بالشرف والفضیلة إلى أذهان الفتیات، والتأكید على أهمیة العفَّة والطهارة حفاظًا على حق الله تعالى، وحق الزوج فی الاطمئنا ن إلى شرف زوجته، وسلامة نسله .
ورغم حق الزوج الشرعی والطبیعی فی فض البكارة، والمطالبة به؛ فإن بعض المجتمعات بعوائدها الاجتماعیة المنحرفة فی القدیم والحدیث تسلبه الحق لتعطیه لسید القبیلة، أو لرجل الدین، أو لطاغوت من الطواغیت الجبابرة، أو لأحد الأقرباء، أو للزوج نفسه لیفضها بأصبعه، أو من خلال الجراحة الطبیة، وكل هذه طرق مخالفة للشرع والفطرة .
فأما مخالفتها للشرع فإن للبكارة شرفها، فمن أزال بكارة أنثى ولوبغیر قصد فإنه یضمن مالیًا ویغرم، ومن حق الزوج أن یعلم ذلك ابتداء قبل العقد ما دام یخطب الفتاة على أ نها بكر .
ولا یجوز فی ذلك رتق الغشاء مطلقًا، حتى وإن حصل فضه عفویًا بالوثبة، أو الحیضة، أو حمل الشیء الثقیل أو نحو ذلك، فهذه الأمور العفویة لا تخرج الفتاة عن كونها بكرًا، وفی الوقت نفسه لا تسمح لأحد فی الطَّعن فی شرفها وعفَّتها؛ فقد أجمع العلماء على أن ا لزنا لا یثبت على الفتاة البكر بمجرد اكتشاف زوال بكارتها، وإنما یثبت بالإقرار، أوالشهادة، أوالحبل. .
وأما مخالفة هذه العادات والتقالید من جهة الفطرة فإن الزوجین فی حاجة نفسیة لممارسة فض البكارة بصورة طبیعیة دون تدخل أی عنصر آخر، وذلك للطبیعة العدوانیة ال متضمنة للرغبة فی الإخضاع عند الذكور، والتی تحمل طابع السادیة، وما یقابلها فی طبائع الإناث من الرغبات المازوشیة، المتضمنة لشیء من المیول السالبة، والرغبة فی الخضوع وا لاستسلام، بحیث لو تمت عملیة إزالة البكارة بصورةغیر طبیعیة أثر ذلك على نفسیة الفتى ضعفا وانهزامیة، وخیم على الفتاة شعور تجاه زوجها بالاحتقار، مع ما تزیده هذه الطرق غیرالطبیعیة فی نفس الفتاة من التوتر والاضطراب، بل إن مجرد زوال البكارة بطریقة عفویة، من جراء وثبة عنیفة، أو حیضة شدیدة، مع تمام العفة والطهارة یزعج الزوج، ویقلقه؛ لكونه لم یمارس ذلك بنفسه، فی حین یعتبر النجاح فی هذه العملیة إنجازًا سعیدًا، وخبرة حسنة، ومؤشرًا لحیاة زوجیة مستقرة، خاصة عند الفتاة فإن للرجل الأول فی حیاتها مكانة خاصة ثابتة فی ذاكرتها، لا یمكن أن تزول حتى وإن ُ طلقت، فی حین لا تجد المطلقة قبل الدخول بها شیئًا من ذلك تجاه مطلقها، وفی هذا المعنى یقول علی بن أبی طالب علیه السلام لما سئل عن الشیء الذی لا ینسى ؟ قال " المرأة لا تنسى أبا عذرها ... "، یعنى زوجها الأول الذی دخل بها، فإذا ُفضت البكارة بغیرالطریقة الطبیعیة فات الفتاة على الخصوص هذه الخبرة والمتعة الخاصة، و حرمت لذَّتها النفسیة والمادیة إلى الأبد، فی حین لا یحصل هذا الأثر النفسی بعمقه عند الشاب ما دام قادرًا على تكرار تجربة الزواج من جدید .
إن هاجس البكارة، والخوف من فضها شغلٌ یقلق فی الغالب الفتاة العروس، ویعكِّر حماسها للحیاة الزوجیة فیؤثر علیها نفسیًا فتشعر بالتعاسة والبؤس - حتى على مستوى الرؤى والأحلام – وربما یصل تأثیر ذلك إلى بعض قوى جسمها حین یقترب منها زوجها،فتتقلص عضلات الفخذین والمهبل - بصورة إرادیة أو غیر إرادیة -حتى یصبح الجماع عسیرًا، أو مستحیلا .
وأقل ما یمكن أن تحدثه الفتاة الحائرة القلقة التَّمنُّع الشدید، الذی قد یصل إلى حد انكسارشهوة الرجل، أو عداونه علیها، فلیس كل الأسویاء من الرجال یستطیع أن یصبر، ویراعی ذلك من الزوجة إلا النادر منهم .
وأما تمنُّع الاستحیاء من الفتاة العذراء، الضابطة لمشاعرها العاطفیة، والتی لم تعرف الرجل قطُّ فهو من السلوك الطبیعی، الذی لا یلبث طوی ً لا حتى یزول .
فمن النادر أن " یدخلن فراش الزوجیة بنفس تلك الحماسة الطیبة التی یدخل بها الرجال "، إلا أن المقیاس النموذجی لأقصى مدة یمكن ان یستهلكها الزوجان الطبیعیان - دون عوائق طبیعیة مانعة -أسبوع واحد، حتى تستأنس الزوجة، وتذهب وحشتها، وتتحقق الألفة،فقد ُ خصت البكر بسبعة أیام لحاجتها لذلك، ولتمكین الزوج من معالجتها، والتلطُّف بها؛ لما جبلت علیه من النفرة من الرجال؛ إذ لم تعرفهم، ولم تباشرهم، كحال الثیب التی ُ خصت بثلاثة أیام، ولیس عندها من النفرة ما عند البكر المستوحشة، بحیث لو زادت المدة المخصصة للبكر عن أسبوع - ولو بقناعة الرجل - ُتعد خللا فی العلاقة بینهما، یحتاج إلى علاج .
إن مما یساعد الفتاة على تجاوز هذه القضیة أن تعلم أن البكارة لیست شؤمًا على الفتاة؛ بل هی من النعم الربانیة، فلو كانت من المساوئ لما خص الله بها نساء أهل الجنة، فإن البكارة لا تنفك عن إحداهن، كلما أتاها زوجها عادت بكرًا كما كانت.
ومما یساعد على ذلك أیضًا أن تدرك ال فتاة دورها بصفتها أنثى،فإن هناك علاقة قویة بین شعورها بأنوثتها، وبین سهولة إقبالها على فض البكارة بصورة طبیعیة دون معاناة كبیرة، وبقدر تنكُّبها للمسلك الأنثوی فی أخلاقها، ومیلها نحو الاسترجال بقدر ما تبغض دورهاالأنثوی، وتستنكف عن قبول صورة الاختراق الج سمی والنفسی اللذین تتطلبهما هذه العملیة الطبیعیة الفطریة .
ومن المستحسن أیضًا أن ترافق الفتاة العروس لیلة الدخول بها امرأة عاقلة مجربة، تصحبها إلى بیتها الجدید، وترشدها حتى ُتسلمها إلى زوجها لیختلی بها كما هی السنة والعرف فی القدیم والحدیث .
وأما ما یجب على المجتمع تجاه العروسین فهو تجنیبهما الخبرات النفسیة المؤلمة المتعلقة بهذه القضیة الخاصة، والتی یثیرونها عادة من خلال العادات والتقالید الخاطئة، ومراسیم لیلة الزفاف، حتى إن الشاب - فی أول الأمر - یكون فی غایة اللیاقة البدنیة والنفسیة، فإذا خلا بزوجته تحت هذه الظروف الاجتماعیة المحرجة كان فی غایة الضعف والخور، فلا بد من كفِّ المجتمع عن مثل هذه العادات القبیحة، ولا سیما إذا علم أنه لا یجوز لأحد أن یسأل الرجل بعد دخوله بزوجته " هل وجدتها بكرًا أو لا ؟ لأن فی هذا هتكًا لستر المسلمین، كما أنه لیس من الواجب على الفتاة العفیفة حین تفقد بكارتها بطریقةعفویة كالحادث ونحوه أن تخبر زوجها بذلك قبل الخطوبة، ثم إن هناك بعض الفتیات الأبكار قد تصل نسبتهن إلى ( ١٥ %) من الإناث یدخل بإحداهن الزوج فلا یتمزق غشاء بكارتها، بل ربما ُتخلق إحداهن بلا غشاء من أصل الأمر، وكل هؤلاء یعتبرن من الأبكار قطعًا، لا تضرهن هذه الأحوال فی شیء .
وعلى الرغم من اهتزاز مفهوم البكارة فی هذا العصر عند كثیرمن الناس، وضعف الشعور بأ همیتها، وما رافق ذلك من هبوط أخلاقی عام فإن نسبة كبیرة من الناس فی المجتمعات الإسلامیة لا تزال تعطی البكارة فی الفتاة حقها ومكانتها، وتربطها بالعفة والشرف، حتى إن الفتاة البكر حین تسقط وتغفل فتقع فی الفاحشة تفضل الموت على أن تعیش بهذا العار فی وسطها ا لاجتماعی، فقد سجلت بعض البلاد حالات انتحار لبعض الفتیات بسبب فقدهن بكارتهن، وربما استغل بعض الأطباء ظروف بعضهن الاجتماعیة المحرجة فیجری لهن عملیة رتق البكارة مقابل مبالغ كبیرة، ولعل هذا الوضع الاجتماعی كان وراء اتجاه بعض الفقهاء المعاصرین نحو الفتوى بجو از رتق البكارة مطلقًا،لكل من ابتلیت بذلك، سواء كان ذلك بإرادتها، أو بغیر إرادتها، إلا من كانت مشهورة بالزنى، معروفة به، أو دخل بها زوجها دخولا صحیحًا، وذلك لما فی هذ ا الإجراء من الستر، وعدم تعریض الفتاة لمعاناة نفسیة فی المجتمع، قد تؤدی بها إلى الهلاك .
المصدر: ملف التربیة الجنسیة