![السحت والربا السحت والربا](https://rasekhoon.net/_files/thumb_images700/article_ar/A12933.jpg)
من الذنوب الكبيرة أكل السحت، أي أكل الحرام، والمراد بأكل المال الحرام مطلق التصرُّف به، سواءاً بنحو الأكل والشرب، أو بنحو اللبس والسكن وغير ذلك. وباختصار يحرم جميع التصرفات في المال الحرام.
والسبب في التعبير عن المال الحرام بـ(السُحتِ)، هو أنَّ السُّحت بمعنى الزوال والانعدام، والمال المسحوت بمعنى المال المقتلع والمقطوع من جذوره، وحيث إن المال الحرام لا بركة فيه، ولا ينتفع المتصرِّف به، لذا عبِّر عن أكل الحرام بأكل السحت.
والسحت يشمل جميع أقسام المال الحرام، بمعنى أنَّ أي مال يتصرف به الإنسان بطريق حرام غير مشروع هو من أكل السحت.
فعن الإمام الصادق عليه السلام: "كل شيء غِلّ من الإمام فهو سحت، والسحت أنواع كثيرة منها ما أصيب من أعمال الولاة الظلمة، ومنها أجور القضاة، وأجور الفواجر
وثمن الخمر والنبيذ المسكر والربا بعد وضوح حرمته وأما الرشا... في الأحكام فهو الكفر بالله العظيم وبرسوله"(1)
وعنه عليه السلام: "السحت ثمن الميتة، وثمن الكلب، وثمن الخمر، ومهر البغي، والرشوة في الحكم، وأجر الكاهن"
ومن هذه الأحاديث نعلم أنَّ كل أقسام المال الحرام سحت.
آثار أكل الحرام
أ- أكل الحرام يسلب البركة من المال، كما روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "من كسب مالاً من غير حلِّه سُلِّط عليه البناء والطين والماء"(2).ب- مانع عن قبول العبادة: كما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "العبادة مع أكل الحرام كالبناء على الرمل"
ج- اللعن: كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "إذا وقعت اللقمة من حرام في جوف العبد لعنه كلُّ ملك في السماوات والأرض"
د- عدم استجابة الدعاء: كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "من أكل لقمة حرام، ... لم تستجب له دعوة أربعين صباحاً، وكل لحم ينبته الحرام فالنار أولى به، وإنَّ اللقمة الواحدة تنبت اللحم"
هـ- يسبِّب قساوة القلب: الطعام الذي يأكله الإنسان بمنزلة البذرة التي تبذر في الأرض، وعلى هذا فإذا كان ذلك الطعام طاهراً حلالاً، ظهر أثره من الرقّة والصفاء على القلب الذي هو بمنزلة سلطان البدن، وحينئذٍ لا يصدر من جوارح البدن إلا الخير والعمل الصالح.
وأمَّا إذا كان الطعام خبيثاً حراماً أدّى إلى قساوة القلب وسواده، فلا يؤمَّل منه الخير نتيجة ذلك، ولا تنفع معه الموعظة والنصيحة، ولا تؤثّر فيه أكثر المشاهد رقّة، كما عن الإمام الحسين عليه السلام ضمن خطبته بجيش ابن سعد: "فقد ملأت بطونكم من الحرام، وطبع على قلوبكم، ويلكم ألا تنصتون؟ ألا تسمعون؟"(3).
أكل الحلال سبب لكل خير
كما أن أكل الحرام سبب لكل شر وفساد كذلك لقمة الحلال سبب للخير، ومنشأ للحسنات، وقد وردت روايات عديدة في فضل طلب الحلال منها:عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "العبادة سبعون جزءاً، أفضلها جزءاً طلب الحلال"
وعنه صلى الله عليه وآله: "من أكل الحلال قام على رأسه ملك يستغفر له حتى يفرغ من أكله"
وعنه صلى الله عليه وآله: "من بات كالاًّ من طلب الحلال بات مغفوراً"
الرزق مقسوم من اللـه تعالى
غالباً يتخيّل من لا يتورع من كسب المال الحرام أنه إذا صرف النظر عنه فإنَّ وضعه المعيشي سوف يتدهور، ويعتقد أنَّه سيكون في أشدّ الحاجة والابتلاء، لذا يجب أن ننبّه إلى هذه الملاحظة، وهي أنَّ ذلك مجرد خيال نفسي ووسوسة شيطانية، وأمّا القرآن الكريم والروايات الشريفة فهي تؤكد أنَّ الله تعالى قد ضمن لكل مخلوق رزقه، بمعنى أنَّ رزقه من طريق الحلال سوف يصل إليه إن لم يستعجل، وكان تقياً صابراً قنوعاً.يقول تعالى: "ومن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ".
ويقول سبحانه: "وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ"(4)
ويقول الرزّاق العليم: "وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ"(5)
لا يموت أحد حتى يستكمل رزقه
ولأهميَّة الرزق الحلال، خطب رسول الله صلى الله عليه وآله في خطبة الوداع قائلاً صلى الله عليه وآله: "ألا إنَّ الروح الأمين نفث في روعي أنه لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنّكم استبطاء شيء من الرزق أن تطلبوه بمعصية الله، فإن الله قسَّم الأرزاق بين خلقه حلالاً ولم يقسِّمها حراماً، فمن اتقى وصبر آتاه الله رزقه من حلِّه، ومن هتك حجاب الستر وعجَّل وأخذه من غير حلِّه قصّ به من رزقه الحلال وحوسب عليه يوم القيامة، كما نهى عنه بقوله: (ولا تتبدّلوا الخبيث بالطيب) بأن تعجّلوا الحرام قبل أن يأتيكم الرزق الحلال الذي قدّر لكم"(6)رواية ذات عبرة
ورد أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام دخل المسجد يوماً وقال لرجل: أمسك عليَّ بغلتي فأخذ الرجل لجامها ومضى وترك البغلة، فخرج أمير المؤمنين وفي يده درهمان ليكافي الرجل على امساك دابته، فوجد البغلة واقفة بغير لجام، فركبها ومضى ودفع لغلامه الدرهمين يشتري بهما لجاماً، فوجد الغلام اللجام في السوق قد باعه السارق بدرهمين، فقال عليه السلام: "إنَّ العبد ليحرم نفسه الرزق الحلال بترك الصبر، ولا يزداد على ما قدِّر له"أكل الربا
الربا من الكبائر وهو من أكل السحت، وهو على نوعين:الأول: القرض الربوي: وهو أن يعطي شخص ماله لآخر على أن يرجعه إليه بعد مدة بزيادة.
الثاني: المعاملة الربوية: فكل معاملة اشتملت على الأمرين التاليين تكون رباً وفاسدة ومحرمة.
أ- كون الثمن والمثمن من جنس واحد، وأحدهما أكثر من الآخر، كالرز بالرز، والقمح بالقمح، وعليه فإذا كانت المعاوضة بجنس آخر فلا يكون ذلك ربا.
ب- أن يكون الثمن والمثمن من المكيل أو الموزون، وعليه فإنَّ التعامل بالعدِّ فيما هو معدود، كبيض الدجاج والجوز، أو بالمتر والذراع كالقماش والأرض فإنَّه لا ربا في ذلك(7)
مفاسد وأضرار الربا
إنَّ مفاسد وأضرار أكل الربا عظيمة وكثيرة منها:1- الحرمان من آثار الخير والبركة المعنوية في التكسب والعمل والسعي في تحصيل المعاش، كما في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "العبادة سبعون جزءاً أفضلها طلب الحلال"(8).
وعنه صلى الله عليه وآله: "التاجر الصدوق يحشر مع الأنبياء ووجهه كالقمر ليلة البدر"
2- الحرمان من الأجر الكبير الذي أُعِدَّ في القرض الحسن، ذلك أنَّ الصدقة بعشر حسنات، إلا أنَّ القرض بثمان عشرة حسنة، ومن يمهل المدين بدون أن يطلب الفائدة منه يكتب له بكل يوم ثواب اعطاء ذلك المال صدقة في سبيل الله.
3- الحرمان من التوكل على الله، والتضرع واللجوء إليه، وطلب البركة منه، ذلك أنَّ كل أمل آكل الربا هو الفائدة التي يأمل أن يحصل عليها من خلال العمل الفاسد، وهو مرتبة من مراتب الشرك العملي.
4- الربا يخل بالتوازن الاقتصادي في المجتمع، ويؤدي إلى تراكم الثروة لدى فئة قليلة، لأنَّ هذه الفئة هي وحدها التي تستفيد من الأرباح بينما لا يجني الآخرون سوى الخسائر والأضرار والضغوط.
الربا يشكل اليوم أهم عوامل اتساع الهوّة المستمر بين الدول الغنية والدول الفقيرة، وما يعقب ذلك من حروب دامية.
5- الربا لون من ألوان التبادل الاقتصادي غير السليم، يضعف العلائق العاطفية، ويغرس روح الحقد في القلوب، ذلك لأنَّ الربا يقوم في الواقع على أساس أنَّ المرابي لا ينظر إلّا إلى أرباحه، ولا يهمه الضرر الذي يصيب المدين.
6- صحيح أنَّ دافع الربا يرضخ لعمله هذا نتيجة حاجة قد ألجأته إلى ذلك، ولكنه لن ينسى هذا الظلم أبداً، وقد يصل به الأمر إلى الانتقام من المرابي.
ففي مثل هذه الحالة الهائجة تتركب عشرات الجرائم المرعبة، فقد يقدم المدين على الانتحار، أو قد تدفعه حالته اليائسة إلى أن يقتل المرابي.
7- في الأحاديث الإسلامية إشارة إلى آثار الربا الأخلاقية السيئة وردت في جملة قصيرة ولكنها عميقة المعنى. فعن الإمام الصادق عليه السلام في علة تحريم الربا: "إنّما حرم الله عزَّ وجلَّ الربا لكي لا يمتنع الناس عن اصطناع المعروف".
عاقبة المربي
ولأنَّ مفاسد أكل الربا على الصعيد الفردي والاجتماعي عظيمة، جاء في القرآن الكريم وأخبار أهل البيت التحذير منه، واعتبر هذا الذنب ذنباً كبيراً وعذابه عظيم بنحو أنَّ آكل الربا إذا لم يندم على عمله، وبقي مصرّاً على هذا العمل الشنيع ولم يقبل الحكم الإلهي بالتحريم فإنه سيكون من أولئك المخلدين في عذاب جهنم.يقول تعالى: "الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ"(9).
ويقول سبحانه بعد ذلك: "يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ"(10)
ويقول تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ"(11).
جاء في تفسير منهج الصادقين في تفسير الآيتين:
الحرب مع الله هي الحرب مع رسوله صلى الله عليه وآله والمراد أنَّه يكون عدواً لله ورسوله، وهو إخبار عن أنَّ الربا من الذنوب الكبائر.
أو أنَّ المراد بحرب الله النار، وبحرب الرسول السيف، وذلك يقتضي وجوب الحرب مع آكل الربا حتى يعود إلى حكم الله، كما روي أنَّه بعد نزول هذه الآيات أمر رسول الله صلى الله عليه وآله عامله في مكة إذا لم يتب بنو المغيرة من أكل الربا فقاتلهم(12).
الربا والأحاديث الشريفة
عن علي عليه السلام: "لعن رسول الله آكل الربا وموكله وبايعه ومشتريه وكاتبه وشاهديه"وعن رسول الله صلى الله عليه وآله: "إذا أكلت أمتي الربا كانت الزلزلة والخسف"(13)
وغيرها من الأحاديث.
خطیة للرسول الاعظم صلی الله عليه وآله وسلم.خطب النبي صلى الله عليه وآله لما أراد الخروج إلى تبوك بثنية الوداع فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: أيّها الناس إنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وأوثق العرى كلمة التقوى، وخير الملل ملة إبراهيم عليه السلام، وخير السنن سنة محمد، وأشرف الحديث ذكر
الله، وأحسن القصص القرآن، وخير الأمور عزائمها، وشر الأمور محدثاتها، وأحسن الهدى هدى الأنبياء، وأشرف القتل قتل الشهداء، وأعمى العمى الضلالة بعد الهدى، وخير الأعمال ما نفع، وخير الهدى ما اتبع وشر العمى عمى القلب، واليد العليا خير من اليد السفلى، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وشر المعذرة حين يحضر الموت، وشر الندامة يوم القيامة، ومن الناس من لا يأتي الجمعة إلا نذراً، ومنهم من لا يذكر الله إلا هجراً، ومن أعظم الخطايا اللسان الكذوب، وخير الغنى غنى النفس، وخير الزاد التقوى، ورأس الحكمة مخافة الله، وخير ما ألقي في القلب اليقين، والارتياب من الكفر، والنياحة من عمل الجاهلية، والغلول من جمر جهنم، والسكر جمر النار، والشعر من إبليس، والخمر جماع الآثام، والنساء حبالات إبليس، والشباب شعبة من الجنون، وشر المكاسب كسب الربا وشر المآكل مال اليتيم، والسعيد من وعظ بغيره، والشقي من شقي في بطن أمه، وإنما يصير أحدكم إلى موضع أربعة أذرع والأمر إلى آخره، وملاك العمل خواتيمه، وأربى الربا الكذب، وكل ما هو آت قريب، وسباب المؤمن فسوق، وقتال المؤمن كفر، وأكل لحمه معصية، وحرمة ماله كحرمة دمه، ومن يبالي على الله يكذبه، ومن يعفُ يعفُ الله عنه، ومن كظم الغيظ يؤجره الله، ومن يصبر على الرزية يعوضه الله، ومن يبتغ السمعة يسمع الله به، ومن يصمّ بصره ومن يعصِ الله يعذبه الله، اللهم اغفر لي ولأمتي، اللهم اغفر لي ولأمتي استغفر الله لي ولكم(14)
المصادر :
1- الذنوب الكبيرة، دستغيب، ج1، ص394.
2- ن.م، ص398.
3- الذنوب الكبيرة، دستغيب، ج1، ص400.
4- هود: 6.
5- العنكبوت:60.
6- الذنوب الكبيرة، دستغيب، ج1، ص401.
7- تفاصيل المعاملة الربوية والقرض الربوي مبسوطة في الكتب الفقهية، فيرجع إليها.
8- الذنوب الكبيرة، دستغيب، ج1، ص196.
9- البقرة: 275.
10- البقرة: 276.
11- البقرة: 278-279.
12- الذنوب الكبيرة، دستغيب، ج1، ص198.
13- ن.م، ص203.
14- الاختصاص، الشيخ المفيد، ص342-343.