ورد العديد من الآيات القرآنيّة التي تشير إلى حرمة القتل نورد بعضاً منها:
1- "وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا"(1).
إن الإسلام يحاسب على أقلِّ أذى ممكن أن يُلحقه الإنسانُ بالآخرين، فكيف بقضية القتل وإراقة الدماء؟! بالطبع هناك حالات ينتفي معها احترام دم الإنسان، كما لو قام بالقتل أو ما يوجب انزال العقوبة به، لذلك فإنَّ الآية بعد أن تثبت حرمة الدم كأصل، تشير للاستثناء بالقول إلا بالحق.
وفي حديث معروف عن الرسول صلى الله عليه وآله: "لا يحلُّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والزاني المحصن، والتارك لدينه المفارق للجماعة"(2).
إنَّ حرمة دم الإنسان في الإسلام لا تختصُّ بالمسلمين وحسب، بل تشمل غير المسلمين أيضاً من غير المحاربين، والّذين يعيشون مع المسلمين عيشةً مسالمةً، فإنَّ دماءهم أيضاً وأعراضهم وأرواحهم مصونة ويحرم التجاوز عليها.
تشير الآية بعد ذلك إلى حق القصاص بالمثل لوليِّ القتيل فتقول: "وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا"، ولكن في نفس الوقت ينبغي لوليِّ المقتول أن يلتزم حدَّ الإعتدال ولا يسرف في القتل.
إنَّ رعاية العدالة حتى في عقاب القاتل تعتبر مهمة إسلامية، لذلك نقرأ في وصيِّة الإمام علي عليه السلام، بعد أن اغتاله عبد الرحمن ابن ملجم المرادي قوله: "يا بني عبد المطلب، لا ألفينَّكم تخوضون دماء المسلمين، تقولون قتل أمير المؤمنين، ألا لا تقتلُنَّ بي إلا قاتلي، أنظروا إذا أنا متُّ من ضربته هذه، فاضربوه، ضربة بضربة، ولا تمثلوا بالرجل"(3)
2- "... فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ..."(4).
الإسلام وخلافاً للمسيحيَّة الكنسيَّة التي تقول: "إذا لطمك شخص على خدِّك الأيمن فأدر له الأيسر"، لا يقول بمثل هذا الحكم الّذي يبعث على جرأة المعتدي وتطاول الظالم، بل يقول: يجب التصدِّي للظالم والمعتدي، ويعطي الحق للمظلومين والمعتدى عليهم المقابلة بالمثل، فالاستسلام في منطق الإسلام يعني الموت، والمقاومة والتصدِّي هي الحياة.
وهذا طبعاً لا يتعارض مع مسألة العفو والصفح عن الإخوان والأصدقاء.
3- "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا ..."(5).
هذه الآية تقرِّر في الواقع حقيقة من الحقائق، فالمؤمن لا يسمح لنفسه اطلاقاً أن يسفك دماً بريئاً، لأنَّ المشاعر الإيمانيَّة تجعل من الجماعة المؤمنة أعضاء جسد واحد، وهل يقدم عضو في جسد على قطع عضو آخر إلاَّ خطأً. من هذه الحقيقة يتَّضح أنَّ مرتكب جريمة القتل متَّهم أوّلاً في إيمانه.
"وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا"(6).
لقد قررت الآية أربع عقوبات أخروية لمرتكب القتل العمد، والعقوبات الأخروية هي:
1- الخلود والبقاء الأبدي في نار جهنم.
2- إحاطة غضب الله وسخطه بالقاتل.
3- الحرمان من رحمة الله ولعنه.
4- العذاب العظيم الذي ينتظره في الآخرة.
والملاحظ هنا أنَّ العقاب الأخرويَّ الذي خصّصه الله للقاتل في حالة العمد، هو من أشدُّ أنواع العذاب والعقاب.
الأخبار الواردة في حرمة القتل
الأخبار الواردة في الدلالة على أنَّ قتل النفس من الكبائر كثيرة، نذكر بعضها كنموذج:1- وقال عليه السلام: "لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً".
وقال عليه السلام: "لا يوفّق قاتل المؤمن متعمداً للتوبة"(7).
2- وفي رواية عنه عليه السلام أيضاً: "أتى رسول الله صلى الله عليه وآله فقيل له: يا رسول الله قتيل في مسجد جهينة، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله يمشي حتى انتهى إلى مسجدهم، قال: وتسامع الناس فأتوه فقال صلى الله عليه وآله: من قتل ذا؟
قالوا يا رسول الله ما ندري، فقال: قتيل من المسلمين بين ظهراني المسلمين لا يُدرى مَن قتله، والله الذي بعثني بالحق لو أنَّ أهل السماوات والأرض شركوا في دم امرئٍ مسلم ورضوا به لأكبَّهم الله على مناخرهم في النار".
الاشتراك في القتل
ومن الحديث آنف الذكر يستفاد أنه لا فرق في حرمة قتل النفس بين القاتل وسائر الشركاء بأيِّ نوع اشتركوا، كما ورد عن الإمام الباقر عليه السلام: "إنَّ الرجل ليأتي يوم القيامة ومعه قدر محجمة من دم فيقول: والله ما قتلت ولا شركت في دم، فيقول تعالى: بلى ذكرت عبدي فلاناً فترقّى ذلك حتى قُتل فأصابك من دمه"(8).وأيضاً عنه عليه السلام: "لو أنّ رجلاً قُتل بالمشرق فرضي بقتله رجل بالمغرب، لكان الراضي عند الله شريك القاتل"(9).
إسقاط الجنين حرام
إنَّ قتل الجنين في رحم أمِّه يساوي في الحكم قتل الآخرين، ودية قتله كدية قتل الكبار، أيَّا كان القاتل، أبوه أو أمه. مثال ذلك أن تشرب الأم دواءاً أو تعمل عملاً يسبب اسقاط الجنين.حتى أنه في صورة موت الأم الحامل وحياة الجنين يجب فتح بطنها فوراً واخراج الجنين، والتسامح في ذلك حرام.
يقول تعالى: "وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا"(10).
وفي: آية أخرى "وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ"(11).
الانتحار حرام
لا فرق في قتل النفس الذي هو من الذنوب الكبيرة بين أن يقتل نفسه أو يقتل غيره، يقول تعالى: "وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا"12, ولا فرق بين أقسام الانتحار، سواء كان بحربة، أم بشرب السم، إم بإلقاء نفسه من شاهق، أم بالاضراب عن الطعام حتى يموت، أم بعدم المعالجة إذا كان مريضاً، أو كان يعلم بأن الغير يقصد قتله وهو قادر على الدفاع لكنه لا يدافع حتى يُقتل.روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: "إن المؤمن يموت بكل ميتة غير أنه لا يقتل نفسه فمن قدر على حقن دمه ثم خلّى عن قتله فهو قاتل نفسه"(13).
وعن الإمام الباقر عليه السلام: "إن المؤمن يبتلى بكل بلية ويموت بكل ميتة إلا أنه لا يقتل نفسه"(14).
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "من قتل نفسه متعمداً فهو في نار جهنَّم خالداً فيها"(15).
التوحُّش الغربيُّ
مع أنَّ إسقاط الجنين، وقتل النفس (الإنتحار) حرام في الشرع الإسلامي المقدس، وهو بمثابة قتل الآخرين وقتل الكبار، إلا أننا نجده إثر سراية التوحُّش الجديد في أوروبا وأمريكا، آخذاً بالازدياد، بسبب ضعف الإيمان وعدم وجود الأساس المعنويِّ وفقدان الجانب الروحيِّ.وللوقوف بوجه هذا العمل الفجيع، يوجد طريق واحد للعلاج، وهو تقوية الجهات المعنوية والروحية والدينية لدى الشباب.
أمور تساعد على جريمة القتل
1- الخمر والقتل
جاء في احصائيَّة وضعها عالم يُدعى (هوكر)، نشرها في مجلة العلوم بمناسبة عيد تأسيسها العشرين، قال فيها: إن 60% من القتل المتعمد، 75" من الضرب والجرح، و30% من الجرائم الأخلاقيَّة و20% من جرائم السرقة، سببها المشروبات الكحولية، وعن هذا العالم نفسه: إن 40% من الأطفال المجرمين قد ورثوا آثار الكحول(16)2- القمار والقتل
أثبتت الدوائر الاحصائيَّة في أمريكا أن القمار كان السبب المباشر في 30% من الجرائم(17).3- الكفر والقتل
"وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ"(18).لو راجعنا التقارير الإخبارية لتأكّد لنا أنَّ المجتمعات الكافرة، نسبة القتل فيها كبيرة جدّاً.
كذلك لو راجعنا تاريخ الأمم الكافرة لرأينا القتل عندها كشربة ماء.
4- دور الحسد في الجرائم
إنَّ الحسد هو الدافع لكثير من الجرائم في هذا العالم، فلو أننا درسنا العلل الأصلية وراء جرائم القتل والسرقة والعدوان وما شابه ذلك، لرأينا أنَّ أكثر هذه العلل تنشأ من الحسد، ولعله لهذا السبب شُبِّه الحسد بشرارة من النار يمكنها أن تهدد كيان الحاسد أو المجتمع الذي يعيش في وسطه بالخطر وتعرضه للضرر.القصاص يحد من القتل
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى"(19).شاع بين القبائل العربية انتقام قبيلة من قبيلة أخرى، ولم يكن لهذا الانتقام حدود، فقد يقتل رجل فتهدد قبيلته قتل كل رجل من قبيلة القاتل، فنزلت الآية وشرّعت القصاص ولكن ضمن الحدود الشرعية التي لا تتجاوز مرتكب الجريمة نفسه.
وهذا الحكم الإسلامي جاء ليقرر الموقف من عرفين قائمين عند العرب، عرف يرى حتميَّة القصاص، وعرف يرى حتميَّة الدية. فجاءت الآية لتقرر القصاص عند عدم موافقة أولياء المقتول على أخذ الدية، وإن وافقوا فالدية.
القصاص في الإسلام ليس انتقاماً، بل سبيلاً إلى ضمان حياة الناس.
إنَّه يضمن حياة المجتمع، إذ لو انعدم حكم القصاص، لتشجَّع القتلة القساة على تعريض أرواح الناس للخطر.
فهو من جهة يصون حياة القاتل، بعد أن يصدَّه إلى حدِّ كبير عن ارتكاب جريمته، كما أنَّه يصون المجتمع بجعله قانون المماثلة من الإنتقام والإسراف في القتل على طريقة التقاليد الجاهلية التي تبيح قتل الكثير مقابل فرد واحد! وهو بذلك يصون حياة المجتمع.
يجب الحزم في ساحة الحرب
"فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ ..."(20).بعض النَّاس يحسب أنَّ الإسلام يأمر بقتل الكفّار كيفما كان، فحيثما وجد المسلمون كافراً جاز قتله، وهذا في الحقيقة تحوير وتحريف لتعاليم الإسلام وإساءة إلى رحمته.
فالآية صريحة في الِّلقاء في ساحة الحرب وميدان القتال.
ومن البديهي أنَّ الإنسان إذا واجه عدواً شرساً في ميدان القتال، ولم يقابله بحزم ولم يكل له الضربات القاصمة ولم يذقه حرَّ سيفه وسلاحه ليهلكه، فإنه هو الذي سيهلك، وهذا القانون منطقيٌّ تماماً.
قصة وعبرة
في السنة الثامنة للهجرة، أرسل رسول الله صلى الله عليه وآله أبا قتادة الأنصاري في ثمانمائة من جند الإسلام إلى جهة (أصنم)، وفي الطريق صادفهم (عامر بن أضبط) وبدأهم بالسلام، يعني أظهر الإسلام، وكأنه معهم وليس مع الجهة المعادية، واكتفى المسلمون منه بهذا المقدار ولم يتعرضوا له، إلا أنَّ (محلم بن جثامة) لِعداوة في الجاهلية كانت بينهما، حمل إسلامه على الخوف، وحمل عليه فقتله، وأخذ بعيره وماله، فنزل قوله تعالى: "وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا" فلما رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وجثى بين يديه والتمسه أن يطلب له المغفرة، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله مغتماً عند سماعه بموقفه من عامر وقتله إياه بدون جرم فقال له: "لا رحمك الله" وخرج منه محلم باكياً، يكفكف دموعه بعباءته، ويأسف على ما بدر منه، وفارق الدنيا بعد أسبوع.ولمّا دفن قذفته الأرض فقيل لرسول الله صلى الله عليه وآله: إن الأرض لا تقبل محلّماً؟
فقال: إن الأرض قبلت من هو أسوأ من محلم، ولكن الله أراد أن يعظكم باحترام عبده المؤمن، وفي رواية أخرى: "أن يعلمكم أنّ قتل المؤمن ذنب كبير"(21).
المصادر :
1- الإسراء:33.
2- صحيح البخاري ومسلم، نقلاً عن تفسير في ظلال القرآن، ج5، ص323.
3- نهج البلاغة، مجموعة الرسائل، الرقم 47.
4- البقرة:194.
5- النساء:92.
6- النساء:93.
7- وسائل الشيعة، كتاب القصاص.
8- وسائل الشيعة، كتاب القصاص.
9- الوسائل، كتاب الأمر بالمعروف، باب 5، ص491.
10- الاسراء:31.
11- التكوير:9-10.
12- النساء:30.
13- وسائل الشيعة، كتاب القصاص، باب5.
14- ن.م.
15- ن.م.
16- ندوة الكحول، ص66، نقلاً عن التفسير الأمثل، ج4، ص144.
17- ن.م.
18- الأعراف:96.
19- البقرة: 177.
20- محمد:4.
21- الرواية بالمعنى نقلاً عن الذنوب الكبيرة لدستغيب، ج1، ص138 139.
/ج