طب الرضا عليه السلام

تقدم في مؤلفات الإمام الرضا (عليه السلام) أن له رسالة في الطب موسومة بالرسالة الذهبية أو الرسالة المذهبة، لأن المأمون أمر أن تكتب بماء الذهب، ولا يقتصر طب الرضا (عليه السلام) على هذه الرسالة وحسب، بل إن له (عليه السلام)
Friday, January 15, 2016
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
طب الرضا عليه السلام
طب الرضا عليه السلام

 






 

تقدم في مؤلفات الإمام الرضا (عليه السلام) أن له رسالة في الطب موسومة بالرسالة الذهبية أو الرسالة المذهبة، لأن المأمون أمر أن تكتب بماء الذهب، ولا يقتصر طب الرضا (عليه السلام) على هذه الرسالة وحسب، بل إن له (عليه السلام) نظرات في الطب والعلاجات، واستخدام الأطعمة والأشربة (1)، وما إلى ذلك مما يتعلق بهذا الموضوع، لو جمعت لكانت كتابا.
وقد ذكر لهذه الرسالة أسانيد عديدة تنتهي في بعضها إلى محمد بن جمهور، وفي بعضها إلى الحسن بن محمد النوفلي، وقد وثقه النجاشي، فقال عنه: ثقة جليل القدر، روى عن الرضا (عليه السلام) نسخة، ومن المحتمل أن يكون المقصود بها الرسالة الذهبية. ولعل شهرة الرسالة بين العلماء، والتسالم على نسبتها للإمام (عليه السلام) في شتى الأعصار، وعدم الخدشة في تلك النسبة من أحد مما يعطي الباحث اطمئنانا يقرب من القطع بأنها من عطاء الإمام الرضا نفسه (عليه السلام) (2).

تأليف الرسالة بطلب من المأمون:

ومن أشهر أسانيد هذه الرسالة هو السند الذي ينتهي إلى الحسن بن محمد بن جمهور، قال: حدثني أبي، وكان عالما بأبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، ملازما لحديثه، وكان معه حين حمل من المدينة إلى أن سار إلى خراسان، واستشهد بطوس. قال: كان المأمون بنيسابور، وفي مجلسه سيدي أبو الحسن الرضا (عليه السلام)، وجماعة من المتطببين والفلاسفة، مثل يوحنا بن ماسويه، وجبرئيل بن بختيشوع، وصالح بن بلهمة الهندي وغيرهم، من منتحلي العلوم، وذوي البحث، فجرى ذكر الطب، وما فيه صلاح الأجسام وقوامها، فأغرق المأمون ومن بحضرته في الكلام، وتغلغلوا في علم ذلك، وكيف ركب الله تعالى في هذا الجسد، وجمع فيه هذه الأشياء المتضادة من الطبائع الأربع، ومضار الأغذية ومنافعها، وما يلحق الأجسام من مضارها من العلل، وأبو الحسن (عليه السلام) ساكت لا يتكلم في شيء من ذلك.
فقال له المأمون: ما تقول يا أبا الحسن، في هذا الأمر الذي نحن فيه هذا اليوم، والذي لا بد فيه من معرفة هذه الأشياء والأغذية النافع منها والضار، وتدبير الجسد. فقال أبو الحسن (عليه السلام): عندي من ذلك ما جربته، وعرفت صحته بالأخبار ومرور الأيام، مع ما وقفني عليه من مضى من السلف مما لا يسع الإنسان جهله، ولا يعذر في تركه، فإذا أجمع ذلك مع ما يقاربه مما يحتاج إلى معرفته.
وعاجل المأمون الخروج إلى بلخ، وتخلف عنه أبو الحسن (عليه السلام)، وكتب المأمون إليه كتابا يتنجزه ما كان ذكره مما يحتاج إلى معرفته من جهته على ما سمعه وجربه من الأطعمة والأشربة، وأخذ الأدوية، والفصد والحجامة، والسواك والحمام والنورة، والتدبير في ذلك. فكتب الرضا (عليه السلام) إليه كتابا نسخته:
بسم الله الرحمن الرحيم. اعتصمت بالله، أما بعد، فإنه وصل إلي كتاب أمير المؤمنين، فيما أمرني به من توقيفه على ما يحتاج إليه مما جربته وسمعته في الأطعمة والأشربة، وأخذ الأدوية، والفصد والحجامة، والحمام والنورة والباه، وغير ذلك مما يدبر استقامة أمر الجسد، وقد فسرت له ما يحتاج إليه، وشرحت له ما يعمل عليه من تدبير مطعمه ومشربه، وأخذه الدواء، وفصده وحجامته وباهه، وغير ذلك مما يحتاج إليه من سياسة جسمه وبالله التوفيق. إعلم أن الله عز وجل لم يبتل الجسد بداء إلا جعل له دواء يعالج به، وذلك أن الأجسام الإنسانية جعلت على مثال ذلك، ثم ذكر الرسالة بتمامها (3).

تقييم المأمون للرسالة:

لقد تلقى المأمون هذه الرسالة بارتياح كبير، وأعرب عن تقديره لها بأن أمر أن تكتب بماء الذهب، وتوضع في خزانة الحكمة، ومن هنا سميت الرسالة الذهبية. ويقول المأمون في إطرائها: أما بعد، فإني نظرت في رسالة ابن عمي الأديب، والفاضل الحبيب، والمنطقي الطبيب، في إصلاح الأجسام، وتدبير الحمام، وتعديل الطعام، فرأيتها في أحسن التمام، ووجدتها في أفضل الإنعام، ودرستها متدبرا، ورددت نظري فيها متفكرا، فكلما أعدت قراءتها والنظر فيها، ظهرت لي حكمتها، ولاحت لي فائدتها، وتمكنت من قلبي منفعتها، فوعيتها حفظا، وتدبرتها فهما، إذ رأيتها من أنفس العلائق، وأعظم الذخائر، وأنفع الفوائد، فأمر أن تكتب بماء الذهب لنفاستها، وحسن موقعها، وعظم نفعها، وكثرة بركتها، وسميتها الرسالة الذهبية، وخزنتها في خزانة الحكمة، وذلك بعد أن نسخها آل هاشم فتيان الدولة... لأن بتدبير الأغذية تصلح الأبدان، وبصحة الأبدان تدفع الأمراض، وبدفع الأمراض تكون الحياة، وبالحياة تنال الحكمة، وبالحكمة تنال الجنة، وكانت أهلا للصيانة والادخار، وموضعا للتأهيل والاعتبار، وحكيما يعول عليه، ومشيرا يرجع إليه، ومن معادن العلم آمرا وناهيا ينقاد له. ولأنها خرجت من بيوت الذين يوردون حكم النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله)، وبلاغات الأنبياء، ودلائل الأوصياء، وآداب العلماء، وشفاء للصدور، والمرضى من أهل الجهل والعمى، فعرضتها على خاصتي من أهل الحكمة والطب، وأصحاب التأليف والكتب، والمعدودين في أهل الدراية، والمذكورين بالحكمة، وكل مدحها وأعلاها، ورفع قدرها وأطراها، إنصافا لمصنفها، وإذعانا لمؤلفها، وتصديقا له فيما حكاه فيها.

شروح الرسالة:

وقد تصدى لشرح هذه الرسالة وترجمتها عدد وفير من العلماء، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر:
1 - ترجمة العلوي للطب الرضوي، للسيد ضياء الدين أبي الرضا فضل الله ابن علي الراوندي، المتوفى بعد سنة 548 ه‍.
2 - ترجمة الذهبية للمولى فيض الله التستري الماهر بالطب والنجوم في عصر فتح علي خان وحكومته بتستر.
3 - ترجمة الذهبية للمولى محمد باقر المجلسي.
4 - عافية البرية في شرح الذهبية، للميرزا محمد هادي بن محمد صالح الشيرازي، ألفها في عصر السلطان حسين الصفوي.
5 - شرح طب الرضا (عليه السلام) للمولى محمد شريف الخاتون آبادي، ألفه حوالي سنة 1120 ه‍.
6 - ترجمة الذهبية للسيد شمس الدين محمد بن محمد بديع الرضوي المشهدي، فرغ من تأليفها سنة 1155 ه‍. 7 - شرح طب الرضا (عليه السلام) للسيد عبد الله شبر، المتوفى سنة 1242 ه‍.
8 - شرح طب الرضا (عليه السلام) للحاج المولى محمد بن محمد حسن المشهدي، المتوفى سنة 1257 ه‍.
9 - شرح طب الرضا (عليه السلام)، للمولى نوروز علي البسطامي.
10 - المحمودية للحاج ميرزا كاظم الموسوي الزنجاني، المتوفى سنة 1292 ه‍. وغير هؤلاء ممن تصدى لشرحها، وأبان عن كوامن أسرارها، وخفايا كنوزها. ولعل آخر من شرحها مقارنا لنظرياتها مع أحدث ما توصل إليه العلم من اكتشافات حديثة هو الدكتور عبد الصاحب زيني، في سلسلة ملتقى العصرين (4).

متن الرسالة:

وفيما يلي متن الرسالة وفقا لرواية العلامة المجلسي في البحار (5)
بسم الله الرحمن الرحيم: إعلم يا أمير المؤمنين أن الله تعالى لم يبتل العبد المؤمن ببلاء حتى جعل له دواء يعالج به، ولكل صنف من الداء صنف من الدواء وتدبير ونعت، وذلك أن الأجسام الإنسانية جعلت على مثال الملك، فملك الجسد هو القلب. والعمال العروق والأوصال والدماغ، وبيت الملك قلبه، وأرضه الجسد، والأعوان يداه ورجلاه وشفتاه وعيناه ولسانه وأذناه، وخزانته معدته وبطنه، وحجابه صدره. فاليدان عونان يقربان ويبعدان، ويعملان على ما يوحي إليهما الملك، والرجلان تنقلان الملك حيث يشاء، والعينان تدلانه على ما يغيب عنه، لأن الملك من وراء الحجاب لا يوصل إليه شيء إلا بهما، وهما سراجان أيضا.
وحصن الجسد وحرزه الأذنان، لا يدخلان على الملك إلا ما يوافقه، لأنهما لا يقدران أن يدخلا شيئا حتى يوحي الملك إليهما، فإذا أوحى الملك إليهما، أطرق الملك منصتا لهما حتى يسمع منهما، ثم يجيب بما يريد، فيترجم عنه اللسان بأدوات كثيرة، منها ريح الفؤاد، وبخار المعدة، ومعونة الشفتين. وليس للشفتين قوة إلا باللسان، وليس يستغني بعضها عن بعض، والكلام لا يحسن إلا بترجيعه في الأنف، لأن الأنف يزين الكلام كما يزين النافخ في المزمار، وكذلك المنخران، وهما ثقبتا الأنف، يدخلان على الملك مما يحب من الرياح كفايتك في إبانه (أي: في حينه)، وارفع يديك منه وبك إليه بعض القرم (القرم: شدة الشهوة إلى اللحم، ثم اتسع حتى استعمل في الشوق إلى كل شيء)، وعندك إليه ميل، فإنه أصلح لمعدتك ولبدنك، وأزكى لعقلك، وأخف لجسمك. يا أمير المؤمنين، كل البارد في الصيف، والحار في الشتاء، والمعتدل في الفصلين، على قدر قوتك وشهوتك. وابدأ في أول الطعام بأخف الأغذية التي يغتذي بها بدنك بقدر عادتك وبحسب طاقتك ونشاطك وزمانك. والذي يجب أن يكون أكلك في كل يوم عندما يمضي من النهار ثمان ساعات أكلة واحدة، أو ثلاث أكلات في يومين، تتغدى باكرا في أول يوم، ثم تتعشى، فإذا كان اليوم الثاني، فعند مضي ثمان ساعات من النهار، أكلت أكلة واحدة، ولم تحتج إلى العشاء، وكذا أمر جدي محمد (صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) في كل يوم وجبة، وفي غده وجبتين.
وليكن ذلك بقدر لا يزيد ولا ينقص. وارفع يديك من الطعام وأنت تشتهيه. وليكن شرابك على أثر طعامك من الشراب الصافي العتيق مما يحل شربه، والذي أنا واصفه فيما بعد. ونذكر الآن ما ينبغي ذكره من تدبير فصول السنة وشهورها الرومية الواقعة فيها، في كل فصل على حدة، وما يستعمل من الأطعمة والأشربة، وما يجتنب منه، وكيفية حفظ الصحة من أقاويل القدماء، ونعود إلى قول الأئمة (عليهم السلام) في صفة شراب يحل شربه، ويستعمل بعد الطعام.
ذكر فصول السنة:أما فصل الربيع فإنه روح الأزمان، وأوله آذار، وعدد أيامه ثلاثون يوما، وفيه يطيب الليل والنهار، وتلين الأرض، ويذهب سلطان البلغم، ويهيج الدم، ويستعمل فيه من الغذاء اللطيف واللحوم والبيض النيمبرشت (لفظة فارسية تعني البيض الذي لم ينضج كاملا)، ويشرب الشراب بعد تعديله بالماء، ويتقى فيه أكل البصل والثوم والحامض، ويحمد فيه شرب المسهل، ويستعمل فيه الفصد والحجامة.
نيسان: ثلاثون يوما، فيه يطول النهار، ويقوى مزاج الفصل، ويتحرك الدم، وتهب فيه الرياح الشرقية، ويستعمل فيه من المآكل المشوية، وما يعمل بالخل، ولحوم الصيد، ويعالج الجماع، والتمريخ بالدهن في الحمام، ولا يشرب الماء على الريق، ويشم الرياحين والطيب.
أيار: أحد وثلاثون يوما، تصفو فيه الرياح، وهو آخر فصل الربيع، وقد نهي فيه عن أكل الملوحات واللحوم الغليظة كالرؤوس ولحم البقر واللبن، وينفع فيه دخول الحمام أول النهار، ويكره فيه الرياضة قبل الغذاء.
حزيران: ثلاثون يوما، يذهب فيه سلطان البلغم والدم، ويقبل زمان المرة الصفراوية، ونهي فيه عن التعب، وأكل اللحم داسما، والإكثار منه، وشم المسك والعنبر، وينفع فيه أكل البقول الباردة كالهندباء وبقلة الحمقاء، وأكل الخضر، كالخيار والقثاء والشيرخشت (وهو طل يقع من السماء على شجر الخلاف بهراة، وهو حلو إلى الاعتدال، وقيل: هو أفضل أصناف المن وأكثرها نفعا لمحروري الأمزجة)، والفاكهة الرطبة، واستعمال المحمضات، ومن اللحوم لحم المعز الثني والجذع (الجذع من البهائم: صغيرها، وهو ما أتى عليه سنة ودخل في الثانية)، ومن الطيور الدجاج والطيهوج والدراج والألبان والسمك الطري.
تموز: أحد وثلاثون يوما، فيه شدة الحرارة، وتغور المياه، ويستعمل فيه شرب الماء البارد على الريق، ويؤكل فيه الأشياء الباردة الرطبة، ويكسر فيه مزاج الشراب، وتؤكل فيه الأغذية اللطيفة السريعة الهضم، كما ذكر في حزيران، ويستعمل فيه من النور (أي الزهر) والرياحين الباردة الرطبة الطيبة الرائحة.
آب: أحد وثلاثون يوما، فيه تشتد السموم، ويهيج الزكام بالليل، وتهب الشمال، ويصلح المزاج بالتبريد والترطيب، وينفع فيه شرب اللبن الرائب، ويجتنب فيه الجماع والمسهل، ويقل من الرياضة، ويشم من الرياحين الباردة.
أيلول: ثلاثون يوما، فيه يطيب الهواء، ويقوى سلطان المرة السوداء، ويصلح شرب المسهل، وينفع فيه أكل الحلاوات، وأصناف اللحوم المعتدلة كالجداء والحولي (الجداء: جمع جدي، ولد المعز، والحولي: الذي أتى عليه حول) من الضأن، ويجتنب فيه لحم البقر، والإكثار من الشواء، ودخول الحمام، ويستعمل فيه الطيب المعتدل المزاج، ويجتنب فيه أكل البطيخ والقثاء.
تشرين الأول: أحد وثلاثون يوما، فيه تهب الرياح المختلفة، ويتنفس فيه ريح الصبا، ويجتنب فيه الفصد وشرب الدواء، ويحمد فيه الجماع، وينفع فيه أكل اللحم السمين، والرمان المز، والفاكهة بعد الطعام، ويستعمل فيه أكل اللحوم بالتوابل، ويقلل فيه من شرب الماء، ويحمد فيه الرياضة.
تشرين الآخر: ثلاثون يوما، فيه يقطع المطر الوسمي (أي المطر النازل في أول الفصل، لأنه يسم الأرض بالنبات)، وينهى فيه عن شرب الماء بالليل، ويقلل فيه من دخول الحمام والجماع، ويشرب بكرة كل يوم جرعة ماء حار، ويجتنب أكل البقول كالكرفس والنعناع والجرجير.
كانون الأول: أحد وثلاثون يوما، يقوى فيه العواصف، ويشتد فيه البرد، وينفع فيه كل ما ذكرناه في تشرين الآخر، ويحذر فيه من أكل الطعام البارد، ويتقى فيه الحجامة والفصد، ويستعمل فيه الأغذية الحارة بالقوة والفعل.
كانون الآخر: أحد وثلاثون يوما، يقوى فيه غلبة البلغم، وينبغي أن يتجرع فيه الماء الحار على الريق، ويحمد فيه الجماع، وينفع الأحشاء فيه مثل البقول الحارة كالكرفس والجرجير والكراث، وينفع فيه دخول الحمام أول النهار، والتمريخ بدهن الخيري وما ناسبه، ويحذر فيه الحلو، وأكل السمك الطري واللبن.
شباط: ثمانية وعشرون يوما، تختلف فيه الرياح، وتكثر الأمطار، ويظهر فيه العشب، ويجري فيه الماء في العود، وينفع فيه أكل الثوم ولحم الطير والصيود والفاكهة اليابسة، ويقلل من أكل الحلاوة، ويحمد فيه كثرة الجماع، والحركة، والرياضة.صفة الشراب الذي يحل شربه واستعماله بعد الطعام:
وقد تقدم ذكر نفعه في ابتدائنا بالقول على فصول السنة، وما يعتمد فيها من حفظ الصحة، وصفته أن يؤخذ من الزبيب المنقى عشرة أرطال، فيغسل وينقع في ماء صاف، في غمرة وزيادة عليه أربع أصابع، ويترك في إنائه ذلك ثلاثة أيام في الشتاء، وفي الصيف يوما وليلة، ثم يجعل في قدر نظيفة، وليكن الماء ماء السماء، إن قدر عليه، وإلا فمن الماء العذب الذي ينبوعه من ناحية المشرق، ماء براقا أبيض خفيفا، وهو القابل لما يعترضه على سرعة من السخونة والبرودة، وتلك دلالة على خفة الماء. ويطبخ حتى ينتفخ الزبيب وينضج، ثم يعصر ويصفى ماؤه ويبرد، ثم يرد إلى القدر ثانيا، ويؤخذ مقداره بعود، ويغلى بنار لينة غليانا لينا رقيقا حتى يمضي ثلثاه، ويبقى ثلثه.
ثم يؤخذ من عسل النحل المصفى رطل (الرطل: يساوي حوالي 314 غراما) فيلقى عليه، ويؤخذ مقداره ومقدار الماء إلى أين كان من القدر، ويغلى حتى يذهب قدر العسل، ويعود إلى حده، ويؤخذ خرقة صفيقة (أي كثيفة النسيج)، فيجعل فيها زنجبيل وزن درهم (الدرهم: 5 / 2 غراما تقريبا)، ومن القرنفل نصف درهم، ومن الدراچيني نصف درهم، ومن الزعفران درهم، ومن سنبل الطيب 64: نصف درهم، ومن الهندباء مثله، ومن مصطكي (المصطكي: علك الروم) نصف درهم، بعد أن يسحق الجميع كل واحدة على حدة. وينخل ويجعل في الخرقة، ويشد بخيط شدا جيدا، وتلقى فيه، وتمرس الخرقة في الشراب بحيث تنزل قوى العقاقير التي فيها، ولا يزال يعاهد بالتحريك على نار لينة برفق حتى يذهب عنه مقدار العسل، ويرفع القدرويبرد، ويؤخذ مدة ثلاثة أشهر، حتى يتداخل مزاجه بعضه ببعض، وحينئذ يستعمل، ومقدار ما يشرب منه أوقية إلى أوقيتين من الماء القراح. فإذا أكلت يا أمير المؤمنين مقدار ما وصفت لك من الطعام، فاشرب من هذا الشراب مقدار ثلاثة أقداح بعد طعامك، فإذا فعلت ذلك فقد أمنت بإذن الله تعالى يومك وليلتك من الأوجاع الباردة المزمنة كالنقرس، والرياح، وغير ذلك من أوجاع العصب والدماغ والمعدة وبعض أوجاع الكبد والطحال والمعاء والأحشاء.
فإن صدقت بعد ذلك شهوة الماء، فليشرب منه مقدار النصف مما كان يشرب قبله، فإنه أصلح لبدن أمير المؤمنين، وأكثر لجماعه، وأشد لضبطه وحفظه، فإن صلاح البدن وقوامه يكون بالطعام والشراب، وفساده يكون بهما، فإن أصلحتهما صلح البدن، وإن أفسدتهما فسد البدن. واعلم يا أمير المؤمنين أن قوة النفوس تابعة لأمزجة الأبدان، وأن الأمزجة تابعة للهواء، وتتغير بحسب تغير الهواء في الأمكنة، فإذا برد الهواء مرة وسخن أخرى تغيرت بسببه أمزجة الأبدان، وأثر ذلك التغير في الصور، فإذا كان الهواء معتدلا اعتدلت أمزجة الأبدان، وصلحت تصرفات الأمزجة في الحركات الطبيعية، كالهضم والجماع والنوم والحركة وسائر الحركات. لأن الله تعالى بنى الأجسام على أربع طبائع، وهي: المرتان والدم والبلغم، وبالجملة حاران وباردان، قد خولف بينهما، فجعل الحارين لينا ويابسا، وكذلك الباردين رطبا ويابسا، ثم فرق ذلك على أربعة أجزاء من الجسد: على الرأس، والصدر، والشراسيف، وأسفل البطن.
واعلم يا أمير المؤمنين أن الرأس والأذنين والعينين والمنخرين والفم والأنف من الدم، وأن الصدر من البلغم والريح، والشراسيف من المرة الصفراء، وأن أسفل البطن من المرة السوداء. واعلم يا أمير المؤمنين أن النوم سلطان الدماغ، وهو قوام الجسد وقوته، فإذا أردت النوم، فليكن اضطجاعك أولا على شقك الأيمن، ثم انقلب على الأيسر، وكذلك فقم من مضجعك على شقك الأيمن كما بدأت به عند نومك. وعود نفسك القعود من الليل ساعتين مثل ما تنام، فإذا بقي من الليل ساعتان فادخل، وادخل الخلاء لحاجة الإنسان، والبث فيه بقدر ما تقضي حاجتك، ولا تطل فيه، فإن ذلك يورث داء الفيل.
واعلم يا أمير المؤمنين أن أجود ما استكت به ليف الأراك، فإنه يجلو الأسنان، ويطيب النكهة، ويشد اللثة ويسننها، وهو نافع من الحفر إذا كان باعتدال، والإكثار منه يرق الأسنان ويزعزعها، ويضعف أصولها، فمن أراد حفظ الأسنان، فليأخذ قرن الايل محرقا، وكزمازجا (وهو ثمر الطرفاء) وسعدا ووردا، وسنبل الطيب، وحب الأثل أجزاء سواء، وملحا أندرانيا ربع جزء، فيدق الجميع ناعما، ويستن به، فإنه يمسك الأسنان، ويحفظ أصولها من الآفات العارضة.
ومن أراد أن يبيض أسنانه، فليأخذ جزءا من ملح أندراني، ومثله زبد البحر، فيسحقهما ناعما، ويستن به. واعلم يا أمير المؤمنين، أن أحوال الإنسان التي بناه الله تعالى عليها، وجعله متصرفا بها، فإنها أربعة أحوال: الحالة الأولى: لخمس عشرة سنة، وفيها شبابه وحسنه وبهاؤه، وسلطان الدم في جسمه. ثم الحالة الثانية: من خمس وعشرين سنة إلى خمس وثلاثين سنة، وفيها سلطان المرة الصفراء وقوة غلبتها على الشخص، وهي أقوى ما يكون، ولا يزال كذلك حتى يستوفي المدة المذكورة، وهي خمس وثلاثون سنة. ثم يدخل في الحالة الثالثة إلى أن تتكامل مدة العمر ستين سنة، فيكون في سلطان المرة السوداء. وهي سن الحكمة والموعظة والمعرفة والدراية، وانتظام الأمور، وصحة النظر في العواقب، وصدق الرأي، وثبات الجأش في التصرفات.
ثم يدخل في الحالة الرابعة: وهي سلطان البلغم، وهي الحالة التي لا يتحول عنها ما بقي إلا إلى الهرم، ونكد عيش، وذبول، ونقص في القوة، وفساد في كونه، ونكتته أن كل شيء كان لا يعرفه حتى ينام عند القوة (في الرسالة الذهبية: في تكونه، واستنكر كل شيء كان يعرف من نفسه حتى ينام عند القوم)، ويسهر عند النوم، ولا يتذكر ما تقدم، وينسى ما يحدث في الأوقات، ويذبل عوده، ويتغير معهوده، ويجف ماء رونقه وبهائه، ويقل نبت شعره وأظفاره، ولا يزال جسمه في انعكاس وإدبار ما عاش، لأنه في سلطان المرة البلغم، وهو بارد وجامد، فبجموده وبرده يكون فناء كل جسم يستولي عليه في آخر القوة البلغمية.
وقد ذكرت لأمير المؤمنين جميع ما يحتاج إليه في سياسة المزاج وأحوال جسمه وعلاجه، وأنا أذكر ما يحتاج إلى تناوله من الأغذية والأدوية، وما يجب أن يفعله في أوقاته. فإذا أردت الحجامة فليكن في اثنتي عشرة ليلة من الهلال إلى خمس عشرة، فإنه أصح لبدنك، فإذا انقضى الشهر فلا تحتجم إلا أن تكون مضطرا إلى ذلك، وهو لأن الدم ينقص في نقصان الهلال، ويزيد في زيادته. ولتكن الحجامة بقدر ما يمضي من السنين، ابن عشرين سنة يحتجم في كل عشرين يوما، وابن الثلاثين في كل ثلاثين يوما مرة واحدة، وكذلك من بلغ من العمر أربعين سنة يحتجم في كل أربعين يوما، وما زاد فبحسب ذلك.
واعلم يا أمير المؤمنين أن الحجامة إنما تأخذ دمها من صغار العروق المبثوثة في اللحم، ومصداق ذلك ما أذكره أنها لا تضعف القوة كما يوجد من الضعف عند الفصد. وحجامة النقرة تنفع من ثقل الرأس، وحجامة الأخدعين تخفف عن الرأس والوجه والعينين، وهي نافعة لوجع الأضراس، وربما ناب الفصد عن جميع ذلك، وقد يحتجم تحت الذقن لعلاج القلاع في الفم، ومن فساد اللثة وغير ذلك من أوجاع الفم، وكذلك الحجامة بين الكتفين تنفع من الخفقان الذي يكون من الامتلاء والحرارة، والذي يوضع على الساقين قد ينقص من الامتلاء نقصا بينا، وينفع من الأوجاع المزمنة في الكلى والمثانة والأرحام، ويدر الطمث، غير أنها تنهك الجسد، وقد يعرض منها الغشي الشديد، إلا أنها تنفع ذوي البثور والدماميل.
والذي يخفف من ألم الحجامة تخفيف المص عند أول ما يضع المحاجم، ثم يدرج المص قليلا قليلا، والثواني أزيد في المص من الأوائل، وكذلك الثوالث فصاعدا، ويتوقف عن الشرط حتى يحمر الموضع جيدا بتكرير المحاجم عليه، ويلين المشراط على جلود لينة، ويمسح الموضع قبل شرطه بالدهن. وكذلك الفصد يمسح الموضع الذي يفصد فيه بالدهن، فإنه يقلل الألم، وكذلك يلين المشرط والمبضغ بالدهن عند الحجامة، وعند الفراغ منها يلين الموضع بالدهن، وليقطر على العروق إذا فصد شيئا من الدهن، لئلا يحتجب فيضر ذلك بالمقصود. وليعمد الفاصد أن يفصد من العروق ما كان في المواضع القليلة اللحم، لأن في قلة اللحم من العروق قلة الألم.
وأكثر العروق ألما إذا فصد حبل الذراع والقيفال (حبل الذراع: عرق في اليد. والقيفال: عرق في الكتف)، لاتصالهما بالعضل وصلابة الجلد، فأما الباسليق والأكحل (الباسليق والأكحل: من الأوردة) فإنهما في الفصد أقل ألما إذا لم يكن فوقهما لحم. والواجب تكميد موضع الفصد بالماء الحار ليظهر الدم، وخاصة في الشتاء فإنه يلين الجلد، ويقلل الألم، ويسهل الفصد، ويجب في كل ما ذكرناه من إخراج الدم اجتناب النساء قبل ذلك باثني عشرة ساعة.
ويحتجم في يوم صاح صاف لا غيم فيه ولا ريح شديدة، ويخرج من الدم بقدر ما ترى من تغيره، ولا تدخل يومك ذلك الحمام، فإنه يورث الداء، وصب على رأسك وجسدك الماء الحار، ولا تفعل ذلك من ساعتك. وإياك والحمام إذا احتجمت، فإن الحمى الدائمة تكون فيه، فإذا اغتسلت من الحجامة فخذ خرقة مرغري (في نسخة: من قز) فألقها على محاجمك، أو ثوبا لينا من قز أو غيره، وخذ قدر حمصة من الترياق الأكبر واشربه إن كان شتاء، وإن كان صيفا فاشرب السكنجبين العنصلي (العنصل: نبات معمر، له بصلة كبيرة تستعمل لأغراض طبية)، فإنك متى فعلت ذلك أمنت من اللقوة والبرص والبهق والجذام بإذن الله تعالى.
وامتص من الرمان المز (أي الحامض والحلو في آن واحد)، فإنه يقوي النفس، ويحيي الدم، ولا تأكل طعاما مالحا بعد ذلك بثلاث ساعات، فإنه يخاف أن يعرض من ذلك الجرب. وإن كان شتاء فكل من الطياهيج (الطياهيج: جمع طيهوج، وهو طائر شبيه بالحجل) إذا احتجمت، واشرب عليه من الشراب المذكى الذي ذكرته أولا، وادهن بدهن الخيري أو شيء من المسك وماء الورد، وصب منه على هامتك ساعة فراغك من الحجامة.
وأما في الصيف فإذا احتجمت فكل السكباج والهلام والمصوص (السكباج: مرق يعمل من اللحم والخل، والمصوص: طعام من لحم يطبخ وينقع في الخل، أو يكون من لحم الطير خاصة) أيضا والحامض، وصب على هامتك دهن البنفسج بماء الورد وشيء من الكافور، واشرب من ذلك الشراب الذي وصفته لك بعد طعامك، وإياك وكثرة الحركة والغضب ومجامعة النساء ليومك. واحذر يا أمير المؤمنين أن تجمع بين البيض والسمك في المعدة في وقت واحد، فإنهما متى اجتمعا في جوف الإنسان ولد عليه النقرس والقولنج (القولنج: مرض معوي مؤلم، يعسر منه خروج الثقل والريح) والبواسير ووجع الأضراس.
واللبن والنبيذ الذي يشربه أهله إذا اجتمعا ولدا النقرس والبرص، ومداومة أكل البيض يعرض منه الكلف في الوجه، وأكل الملوحة، واللحمان المملوحة، وأكل وقد طبع هذا الكتاب بتحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)، وفيه مقدمة وافية عن آراء العلماء والفقهاء في هذا الكتاب بقلم السيد جواد الشهرستاني، وصدر عن السمك المملوح بعد الفصد والحجامة يعرض منه البهق والجرب، وأكل كلية الغنم وأجواف الغنم يغير المثانة.
ودخول الحمام على البطنة يولد القولنج، والاغتسال بالماء البارد بعد أكل السمك يورث الفالج، وأكل الأترج بالليل يقلب العين ويوجب الحول، وإتيان المرأة الحائض يورث الجذام في الولد، والجماع من غير إهراق الماء على أثره يوجب الحصاة. والجماع بعد الجماع من غير فصل بينهما بغسل يورث للولد الجنون، وكثرة أكل البيض وإدمانه يورث الطحال ورياحا في رأس المعدة، والامتلاء من البيض المسلوق يورث الربو والانبهار، وأكل اللحم النئ يولد الدود في البطن.
وأكل التين يقمل منه الجسد إذا أدمن عليه، وشرب الماء البارد عقيب الشيء الحار أو الحلاوة يذهب بالأسنان، والإكثار من أكل لحوم الوحش والبقر يورث تغير العقل، وتحير الفهم، وتبلد الذهن، وكثرة النسيان. وإذا أردت دخول الحمام، وأن لا تجد في رأسك ما يؤذيك، فابدأ قبل دخولك بخمس جرع من ماء فاتر، فإنك تسلم - إن شاء الله تعالى - من وجع الرأس والشقيقة، وقيل: خمس مرات يصب الماء الحار عليه عند دخول الحمام.
واعلم يا أمير المؤمنين أن الحمام ركب على تركيب الجسد: للحمام أربعة بيوت مثل أربع طبائع الجسد: البيت الأول: بارد يابس، والثاني: بارد رطب، والثالث: حار رطب، والرابع: حار يابس. ومنفعته عظيمة، يؤدي إلى الاعتدال، وينقي الدرن، ويلين العصب والعروق، ويقوي الأعضاء الكبار، ويذيب الفضول، ويذهب العفن.
فإذا أردت أن لا يظهر في بدنك بثرة ولا غيرها فابدأ عند دخول الحمام فدهن بدنك بدهن البنفسج، وإذا أردت استعمال النورة، ولا يصيبك قروح ولا شقاق ولا سواد، فاغتسل بالماء البارد قبل أن تتنور. ومن أراد دخول الحمام للنورة، فليجتنب الجماع قبل ذلك باثنتي عشرة ساعة، وهو تمام يوم، وليطرح في النورة شيئا من الصبر والأقاقيا والحضض (الأقاقيا: شجر القرظ، تستخدم عصارته لأغراض طبية، وتستخرج بأن يدق ورقه مع ثمره وتخرج عصارتهما.
والحضض: شجرة مشوكة، لها أغصان طولها نحو من شبر، تستخدم لأغراض طبية)، أو يجمع ذلك، ويأخذ منه اليسير إذا كان مجتمعا أو متفرقا، ولا يلقي في النورة شيئا من ذلك حتى تماث النورة (أي تخلط وتذاب) بالماء الحار الذي طبخ فيه بابونج ومرزنجوش (وهو العنقر أو السمسق بالعربية، والمرزنجوش فارسي، وهو نبات كثير الأغصان ينبسط على الأرض في نباته، طيب الرائحة. ) أو ورد بنفسج يابس، أو جميع ذلك، أجزاء يسيرة، مجموعة أو متفرقة، بقدر ما يشرب الماء رائحته، وليكن الزرنيخ مثل سدس النورة. ويدلك الجسد بعد الخروج منها بشيء يقلع رائحتها كورق الخوج وثجير العصفر (ثجير العصفر: وهو الذي يرمى به من بعد أخذ تمام الصبغ منه) والحناء والورد والسنبل، مفردة أو مجتمعة.
ومن أراد أن يأمن إحراق النورة فليقلل من تقليبها، وليبادر إذا عملت في غسلها، وأن يمسح البدن بشيء من دهن الورد، فإن أحرقت البدن - والعياذ بالله - يؤخذ عدس مقشر، يسحق ناعما، ويداف في ماء ورد وخل، يطلى به الموضع الذي أثرت فيه النورة، فإنه يبرأ بإذن الله تعالى، والذي يمنع من آثار النورة في الجسد هو أن يدلك الموضع بخل العنب العنصل الثقيف (أي الشديد الحموضة) ودهن الورد دلكا جيدا. ومن أراد أن لا يشتكي مثانته، فلا يحبس البول ولو على ظهر دابته.
ومن أراد أن لا تؤذيه معدته فلا يشرب بين طعامه ماء حتى يفرغ، ومن فعل ذلك رطب بدنه،وضعفت معدته، ولم تأخذ العروق قوة الطعام، فإنه يصير في المعدة فجا (أي لم ينضج) إذا صب الماء على الطعام أولا فأولا. ومن أراد أن لا يجد الحصاة وعسر البول، فلا يحبس المني عند نزول الشهوة، ولا يطل المكث على النساء.
ومن أراد أن يأمن من وجع السفل، ولا يظهر به وجع البواسير، فليأكل كل ليلة سبع تمرات برني (البرني: نوع من التمر) بسمن البقر، ويدهن بين أنثييه بدهن زنبق خالص. ومن أراد أن يزيد في حفظه، فليأكل سبع مثاقيل زبيبا بالغداة على الريق. ومن أراد أن يقل نسيانه ويكون حافظا، فليأكل كل يوم ثلاث قطع زنجبيل مربى بالعسل، ويصطبغ بالخردل مع طعامه في كل يوم. ومن أراد أن يزيد في عقله، يتناول كل يوم ثلاث هليلجات بسكر ابلوج (الهليلج: من النباتات الطبية. والسكر الإبلوج: الذي استقصي طبخه، فجعل في أقماع صنوبرية).
ومن أراد أن لا ينشق ظفره، ولا يميل إلى الصفرة، ولا يفسد حول ظفره، فلا يقلم أظفاره إلا يوم الخميس. ومن أراد أن لا تؤلمه أذنه، فليجعل فيها عند النوم قطنة. ومن أراد ردع الزكام مدة أيام الشتاء، فليأكل كل يوم ثلاث لقم من الشهد. واعلم يا أمير المؤمنين أن للعسل دلائل يعرف بها نفعه من ضره، وذلك أن منه شيئا إذا أدركه الشم عطس، ومنه شيء يسكر، وله عند الذوق حرافة (الحرافة: الطعم الذي يلذع اللسان بحرارته) شديدة، فهذه الأنواع من العسل قاتلة. ولا يؤخر شم النرجس، فإنه يمنع الزكام في مدة أيام الشتاء، وكذلك الحبة السوداء.
وإذا خاف الإنسان الزكام في زمان الصيف، فليأكل كل يوم خيارة، وليحذر الجلوس في الشمس. ومن خشي الشقيقة والشوصة (الشوصة: وجع في البطن، أو ريح تعتقب في الأضلاع، أو ورم في حجابها من الداخل)، فلا يؤخر أكل السمك الطري صيفا وشتاء. ومن أراد أن يكون صالحا خفيف الجسم واللحم فليقلل من عشائه بالليل، ومن أراد أن لا تسقط أذناه ولهاته، فلا يأكل حلوا حتى يتغرغر بعده بخل. ومن أراد أن لا يصيبه اليرقان، فلا يدخل بيتا في الصيف أول ما يفتح بابه، ولا يخرج منه أول ما يفتح بابه في الشتاء غدوة. ومن أراد أن لا يصيبه ريح في بدنه، فليأكل الثوم كل سبعة أيام مرة.
ومن أراد أن لا تفسد أسنانه، فلا يأكل حلوا إلا بعد كسرة خبز. ومن أراد أن يستمرئ طعامه، فليتكئ بعد الأكل على شقه الأيمن، ثم ينقلب بعد ذلك على شقه الأيسر حتى ينام. ومن أراد أن يذهب البلغم من بدنه وينقصه، فليأكل كل يوم بكرة شيئا من الجوارش (الجوارش: عبارة عن الدواء الذي لم يحكم سحقه، ولم يطرح على النار، بشرط تقطيعه رقاقا) الحريف، ويكثر دخول الحمام، ومضاجعة النساء، والجلوس في الشمس، ويجتنب كل بارد من الأغذية، فإنه يذهب البلغم ويحرقه. ومن أراد أن يطفئ لهب الصفراء، فليأكل كل يوم شيئا رطبا باردا، ويروح بدنه، ويقل الحركة، ويكثر النظر إلى من يحب.
ومن أراد أن يحرق السوداء، فعليه بكثرة القئ، وفصد العروق، ومداومة النورة. ومن أراد أن يذهب بالريح الباردة فعليه بالحقنة، والأدهان اللينة على الجسد، وعليه بالتكميد بالماء الحار في الابزن (الأبزن: حوض يغتسل فيه)، ويجتنب كل بارد، ويلزم كل حار لين.
ومن أراد أن يذهب عنه البلغم فليتناول بكرة كل يوم من الاطريفل (الاطريفل: لفظة يونانية، وتعني الاهليلجات) الصغير مثقالا واحدا. واعلم يا أمير المؤمنين أن المسافر ينبغي له أن يتحرز بالحر إذا سافر وهو ممتلئ من الطعام، ولا خالي الجوف، وليكن على حد الاعتدال، وليتناول من الأغذية الباردة، مثل القريص والهلام (القريص: غذاء يطبخ من اللحوم اللطيفة كلحم السمك والفرخ مع الخل أو الحموضات. والهلام: طعام يتخذ من لحم العجل بجلده، أو مرق السكباج المبرد المصفى من الدهن) والخل والزيت وماء الحصرم، ونحو ذلك من الأطعمة الباردة.
واعلم يا أمير المؤمنين أن السير في الحر الشديد ضار بالأبدان المنهوكة، إذا كانت خالية عن الطعام، وهو نافع في الأبدان الخصبة. فأما سلاح المسافر، ودفع الأذى عنه، فهو أن لا يشرب من ماء كل منزل يرده إلا بعد أن يمزجه بماء المنزل الذي قبله، أو بشراب واحد غير مختلف يشوبه بالمياه على الأهواء على اختلافها. والواجب أن يتزود المسافر من تربة بلده وطينته التي ربي عليها، وكلما ورد إلى منزل، طرح في إنائه الذي يشرب منه الماء شيئا من الطين الذي تزوده من بلده، ويشرب الماء والطين في الآنية بالتحريك، ويؤخر قبل شربه حتى يصفو صفاء جيدا.
وخير الماء شربا لمن هو مقيم أو مسافر ما كان ينبوعه من الجهة المشرقية من الخفيف الأبيض، وأفضل المياه ما كان مخرجها من مشرق الشمس الصيفي،وأصحها وأفضلها ما كان بهذا الوصف الذي نبع منه، وكان مجراه في جبال الطين، وذلك أنها تكون في الشتاء باردة، وفي الصيف ملينة للبطن، نافعة لأصحاب الحرارات. وأما الماء المالح والمياه الثقيلة، فإنها تيبس البطن، ومياه الثلوج والجليد رديئة لسائر الأجساد، وكثيرة الضرر جدا، وأما مياه السحب فإنها خفيفة عذبة صافية نافعة للأجسام إذا لم يطل خزنها وحبسها في الأرض، وأما مياه الجب فإنها عذبة صافية نافعة، إن دام جريها، ولم يدم حبسها في الأرض. وأما البطائح والسباخ، فإنها حارة غليظة في الصيف لركودها ودوام طلوع الشمس عليها، وقد يتولد من دوام شربها المرة الصفراوية، وتعظم به أطحلتهم.
وقد وصفت لك يا أمير المؤمنين فيما تقدم من كتابي هذا ما فيه كفاية لمن أخذ به، وأنا أذكر أمر الجماع، فلا تقرب النساء من أول الليل صيفا ولا شتاء، وذلك لأن المعدة والعروق تكون ممتلئة، وهو غير محمود، ويتولد منه القولنج والفالج واللقوة والنقرس والحصاة والتقطير والفتق وضعف البصر ورقته. فإذا أردت ذلك، فليكن في آخر الليل، فإنه أصلح للبدن، وأرجى للولد، وأزكى للعقل في الولد الذي يقضي الله بينهما. ولا تجامع امرأة حتى تلاعبها، وتكثر ملاعبتها، وتغمز ثدييها، فإنك إذا فعلت ذلك غلبت شهوتها، واجتمع ماؤها، لأن ماءها يخرج من ثدييها، والشهوة تظهر من وجهها وعينيها، واشتهت منك مثل الذي تشتهيه منها، ولا تجامع النساء إلا وهي طاهرة. فإذا فعلت ذلك فلا تقم قائما، ولا تجلس جالسا، ولكن تميل على يمينك. ثم انهض للبول إذا فرغت من ساعتك شيئا، فإنك تأمن الحصاة بإذن الله تعالى، ثم اغتسل واشرب من ساعتك شيئا من الموميائي بشراب العسل، أو بعسل منزوع الرغوة، فإنه يرد من الماء مثل الذي خرج منك.
واعلم يا أمير المؤمنين أن جماعهن والقمر في برج الحمل أو الدلو من البروج أفضل، وخير من ذلك أن يكون في برج الثور، لكونه شرف القمر. ومن عمل فيما وصفت في كتابي هذا ودبر به جسده، أمن بإذن الله تعالى من كل داء، وصح جسمه بحول الله وقوته، فإن الله تعالى يعطي العافية لمن يشاء، ويمنحها إياه، والحمد لله أولا وآخرا، وظاهرا وباطنا (6).
المصادر :
1- كتاب الأطعمة والأشربة والتجمل من مسند الرضا (عليه السلام) 2: 322 - 377.
2- الإمام الرضا (عليه السلام) تأريخ ودراسة: 193. (*)
3- أعيان الشيعة 2: 26 - 27، في رحاب أئمة أهل البيت (عليه السلام) 2: 143 - 144. (*)
4- الإمام الرضا (عليه السلام) تأريخ ودراسة: 194 - 198. (*)
5- البحار 62: 309 - 327.
6- لمزيد من الإطلاع حول معاني بعض الكلمات الغامضة في هذه الرسالة راجع بحار الأنوار 62: 328 - آخر الجزء.



 

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.