نساء الجنة

كلنّا يبحث عن السعادة، ولكن لا توجد سعادة كاملة في الدنيا، فالدنيا زائلة، والسعادة الحقيقية في الجنّة ونعيمها... والجنّة دار جعلها اللّه تعالى مستقرّا لمن أطاعه، "إِنّ الّذِين آمنوا وعمِلوا الصّالِحاتِ لهمْ جنّاتٌ تجْرِي مِن تحْتِها الْأنْهار ذلِك الْفوْز الْكبِير"
Wednesday, January 27, 2016
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
نساء الجنة
 نساء الجنة

 






 

كلنّا يبحث عن السعادة، ولكن لا توجد سعادة كاملة في الدنيا، فالدنيا زائلة، والسعادة الحقيقية في الجنّة ونعيمها...
والجنّة دار جعلها اللّه تعالى مستقرّا لمن أطاعه، "إِنّ الّذِين آمنوا وعمِلوا الصّالِحاتِ لهمْ جنّاتٌ تجْرِي مِن تحْتِها الْأنْهار ذلِك الْفوْز الْكبِير"(1).
وهي المرحلة النهائيّة لرحلة الإنسان المؤمن، حيث هي دار القرار، ومبدأ الحياة الأبدية، التي لا زوال عنها، وهي غاية المؤمنين، ولها يعملون إذ لا نعيم يدانيها، بل كلّ نعيمٍ دونها محقور، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: "وكلّ نعيمٍ دون الجنّة محقور"(2).
وهناك آياتٌ كثيرةٌ تتحدث عن خواص الجنة وأصحابها، والنِّعم الموجودة فيها من الحدائق، والأنهار، والعيون، والأطعمة، والأشـربـة الـطـهـورة، والألبسة، والحورالعين، والولدان المخلّدين، والخدم، والإحـتـرام، والإكرام المنقطع النظير من الملائكة، وكذلك المواهب المعنويّة واللذائذ الروحية.
فما هي الجنة، وماذا أعدّ الله لأهلها، وما سبب ورودها والفوز بها؟

معنى الجنّة

أما المعنى اللغوي: فهي بمعنى البستان، والمكان الّذي فيه زرع وثمار وأشجار، تواري من سار فيها وتستره، أمّا في المصطلح الشرعي، فإنّها الدار التي أعدّها الله تعالى لثواب المؤمنين في الآخرة.

الوصف العام للجنّة

لأنّ الجنّة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ولأنّها كما قال تعالى: "فلا تعْلم نفْسٌ مّا أخْفِي لهم مِّن قرّةِ أعْينٍ جزاء بِما كانوا يعْملون"(3).
فلذلك فإنّ الله تعالى لا يصف الجنة بما هو واقعها، وإنّما يصفها على نحو التقريب فيقول عزّ وجلّ: "مّثل الْجنّةِ الّتِي وعِد الْمتّقون تجْرِي مِن تحْتِها الأنْهار أكلها دآئِمٌ وِظِلّها تِلْك عقْبى الّذِين اتّقواْ وّعقْبى الْكافِرِين النّار"(4)
ويقول في آية أخرى: "مثل الْجنّةِ الّتِي وعِد الْمتّقون فِيها أنْهارٌ مِّن مّاء غيْرِ آسِنٍ وأنْهارٌ مِن لّبنٍ لّمْ يتغيّرْ طعْمه وأنْهارٌ مِّنْ خمْرٍ لّذّةٍ لِّلشّارِبِين وأنْهارٌ مِّنْ عسلٍ مّصفّى ولهمْ فِيها مِن كلِّ الثّمراتِ ومغْفِرةٌ مِّن رّبِّهِمْ كمنْ هو خالِدٌ فِي النّارِ وسقوا ماء حمِيما فقطّع أمْعاءهمْ"(5).
فالله تعالى يضرب لنا المثل فقط، لأنّ الألفاظ التي نتخاطب بها نحن قد وضعت لمعانٍ نعرفها، وإذا كانت في الجنة أشياء لم ترها عين ولم تسمعها أذن، ولم تخطر على بال بشر، فمن الممكن أن نقول إنّه لا توجد ألفاظ عندنا تؤدي معنى ما هناك، وبهذا نعرف أنّ هناك فارقا بين "مثل الجنّة" وبين "الجنّة.
وهنا يتجلّى عجز اللغة عن أن توجد بها ألفاظٌ تعبّر عن معنى ما هو موجود في الجنة، فلا أحد فينا يعلم ما هي الأشياء الموجودة بالجنة ما دام أحد منّا لم ير الجنّة.

خصائص نعيم الجنة

إنّ الجنّة لا تفنى ولا تبيد، والدليل على هذا ظاهر في كتاب الله عزّ وجلّ، قال تعالى عن الجنة: "عطاء غيْر مجْذوذٍ"(6)، وقال سبحانه: "إِنّ هذا لرِزْقنا ما له مِن نّفادٍ"(7)، وقال عزّ وجلّ: "أكلها دائِمٌ وِظِلّها"(8)، وقال تعالى عن فاكهة الجنّة: "لا مقْطوعةٍ ولا ممْنوعة"(9).
والإقامة في الجنّة إقامةٌ دائمة لا تنتهي ولا تزول، وليست كذلك جنات الدنيا، فهب أن واحدا يتمتع في الدنيا بالدور والقصور في الحدائق والبساتين التي هي جنّة الدنيا، فهل تدوم له؟ إنّ جنات الدنيا مهما عظم نعيمها، إما أن تفوتك، وإما أن تفوتها.

نعيم محض

إنّ الجنّة نعيم محض، فلا يعتريها ما في الدنيا من الكدورة والشقاء، فالمياه في الدنيا عندما تجري، تكون حلوة ورائقة وصافية، وإن ركدت فهي تأسن وتكون عطنة. ولذلك يوضح لنا الحقّ سبحانه أنّ المياه في الجنة غير آسنة، وأنّها تكون أنهارا منزوعا من مياهها ما يكدِّرها. وكذلك فإنّ اللبن إذا بقي لمدة طويلة، يتغيّر طعمه، ولذلك يضرب لهم المثل بوجود أنهار من لبن لم يتغيّر طعمه.
وأيضا يضرب المثل بوجود أنهار من عسلٍ مصفّى، وبذلك يقدم لنا خير ما كنا نحبه من عسل الدنيا، ولكن بدون ما يكدِّره.
ويوضح سبحانه أيضا أنّ في الجنة أنهارا من خمر، ولكنّها خمرٌ تختلف عن خمرِ الدنيا، فهي لا تؤثر على التكوين العضوي للعقل، كما أنّ خمر الدنيا ليس فيها لذة للشاربين، لأنّها من كحول يكوي الفم ويلسعه. ويقول الحقّ سبحانه عن خمر أنهار الجنة:
"فِي جنّاتِ النّعِيمِ * على سررٍ مّتقابِلِين * يطاف عليْهِم بِكأْسٍ مِن مّعِينٍ * بيْضاء لذّةٍ لِّلشّارِبِين * لا فِيها غوْلٌ ولا همْ عنْها ينزفون"(10)
أي: أنّه سبحانه ينفي عن خمر أنهار الجنّة كل المكدرات التي تشوب خمر الدنيا.

أبواب الجنة

تحدثت الروايات الشريفة عن أهل البيت صلى الله عليه وآله وسلم عن أبواب الجنة، ومن ذلك ما روِي عن الإمام الصادق عليه السلام، عن أبيه، عن جده، عن أمير المؤمنين علي عليه السلام:
"إنّ للجنة ثمانية أبواب: بابٌ يدخل منه النبيّون والصدِّيقون، وبابٌ يدخل منه الشهداء والصالحون، وخمسة أبواب يدخل منها شيعتنا ومحبّونا، فلا أزال واقفا على الصِّراط أدعو، وأقول: ربّ سلّم شيعتي ومحبيّ، ومن تولاني في دار الدنيا، فإذا النداء من بطنان العرش: قد أجيبت دعوتك وشفعت في شيعتك. ويشفع كل رجل من شيعتي ومن تولاني، ونصرني، وحارب من حاربني بفعل أو قول، في سبعين ألفا من جيرانه وأقربائه. وباب يدخل سائر المسلمين ممّن يشهد أن لا إله إلاّ الله ولم يكن في قلبه مقدار ذرّة من بغضنا أهل البيت"(11).
وروِى عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: "أحسنوا الظنّ بالله، واعلموا أنّ للجنّة ثمانية أبواب، عرض كل باب منها مسيرة أربعين سنة"(12).

درجات الجنّة

للجنّة درجات بعضها فوق بعض، وأهلها متفاضلون فيها بحسب منازلهم فيها، قال الله تعالى: "ومنْ يأْتِهِ مؤْمِنا قدْ عمِل الصّالِحاتِ فأوْلئِك لهم الدّرجات الْعلى"(13).
ويقول سبحاته وتعالى في آية أخرى: "انظرْ كيْف فضّلْنا بعْضهمْ على بعْضٍ وللآخِرة أكْبر درجاتٍ وأكْبر تفْضِيلا"(14).

أنواع الجنّة

الجنّات نفسها متنوعة، فهناك جنّات الفردوس، وجنّات عدن، وجنّات نعيم.. وهناك دار الخلد، ودار السلام، وجنّة المأوى، وهناك عليِّون الذي هو أعلى وأفضل الجنّات.

غرف الجنّة

يقال (غرفة) للشيء الذي يـرفـع ويتناول ثم أطلق ذلك على القسم العلوي للبناء (الغرفة كما قيل: البناء فوق البناء فهو الدرجة العالية من البيت وهي كناية عن الدرجة العالية في الجنّة)
وللجنّة غرف فوق بعضها كما في جاء في القرآن الكريم: قال تعالى: "لكِنِ الّذِين اتّقوْا ربّهمْ لهمْ غرفٌ مِّن فوْقِها غرفٌ مّبْنِيّةٌ تجْرِي مِن تحْتِها الْأنْهار وعْد اللّهِ لا يخْلِف اللّه الْمِيعاد"(15).
وفي تفسير هذه الآية ما روِي عن الإمام الباقر عليه السلام: فيما سأل به أمير المؤمنين عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنه
"...فقال علي عليه السلام: بماذا بنيت يا رسول الله؟
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي تلك غرف بناها الله عزّ وجلّ لأوليائه بالدرِّ والياقوت والزبرجد، سقوفها الذهب، محبوكة بالفضة، لكلِّ غرفة منها ألف باب من الذهب، على كلِّ باب منها ملك موكّل به"(16).

نساء الجنة

ذكر تعالى أوصافا عديدة لنساء الجنّة، إذ يقول عزّ من قائلٍ في محكم آياته:
"كأنّهنّ الْياقوت والْمرْجان"(17)، والياقوت حجر كريم ثمين جدا، وهناك الياقوت الأبيض والأحمر والأصفر والأخضر، ومن خصائصه أنّ كثرة مسِّه ولمسه لا تعدمه بريقه وتألّقه. وأحد دواعي تشبيه الحور بالياقوت هو جانب الصفاء والتألق، أما الجانب الثاني في علّة تشبيه الحور بالياقوت فهو جانب اللون، فهن حمراوات كالياقوت، بيضاوات كالمرجان.
ويقول تعالى في وصف الحور العين: "وحورٌ عِينٌ * كأمْثالِ اللّؤْلؤِ الْمكْنونِ"(18).
(حور) جمع (حورا) و(احور)، وعلى قول الكثير من أرباب اللغة والمفسِّرين (شدة بياض العين في شدة سوادها) وهذا غاية جمال العين، ولقد فسّره البعض ببياض جميع الجسم، أمّا كـلـمـة (عـيـن) جمع (أعين)، (على وزن أفضل)، و(عيناء) في الأصل بمعنى العين الـوسـيعة، وتطلق هذه الكلمة على المرأة التي تمتلك عينين واسعتين جميلتين وجذابتين، أو الرجل كذلك.
إنّ الحور العين تتصف بجميع الصفات والمحاسن وحسن الظاهر والباطن والفضائل الجسمانية والروحانية والأخلاقية، وبذلك فيتصفن بكل ما هو حسن.
ويقول جلّ وعلا في وصفهن: "فِيهِنّ قاصِرات الطّرْفِ لمْ يطْمِثْهنّ إِنسٌ قبْلهمْ ولا جانٌّ"(19).
ويقول سبحانه وتعالى أيضا "ولهمْ فِيها أزْواجٌ مّطهّرةٌ وهمْ فِيها خالِدونٌّ"(20).
فكما يدلّ التعبير على نقائها وصفائها من كل النقائص والأقذار الجسمية والـخـلقية، كذلك يشمل أيضا نزاهتها من العيوب والأدران المعنوية والخلقية، فالزوجة في الآخرة مطهّرة من كل ما يكرهه الزوج فيها، وما لم يحبّه في الدنيا يختفي.
ومن صفاتهن ما في قوله تعالى: "إِنّا أنشأْناهنّ إِنشاء * فجعلْناهنّ أبْكارا * عربا أتْراباٌّ"(21).
أي خلقناهن عذارى، كلما آتاهن أزواجهن وجدوهن أبكارا، ويستفاد من بـعـض الـروايات وكلمات المفسرين أنّ هذه الحالة حالة دائمة لا تتغير، و(عرب) أي متحننات على أزواجهنّ متحبِّبات إليهم، وقـيـل: عـاشـقـات لأزواجهنّ، وقيل: العروب، اللعوب مع زوجها، وفسّرها البعض أيضا بمعنى الدلال.

طعام أهل الجنة وشرابهم

أما طعام أهل الجنّة، فهو فاكهة ممّا يتخيّرون، ولحم طير مما يشتهون، ولا يكون أثر الطعام هناك كأثر الطعام في الدنيا، فأهل الجنّة لا يبصقون ولا يمتخظون ولا يتغوطون ولا يبولون، وحاجة أحدهم جشاء ورشح كرشح المسك.
إنّ الجنّة تحتوي على جميع ثمار وفواكه الدنيا من حيث الشكل، ولكنّه يختلف تماما عما في الدنيا من حيث طعمه، وقد ذكر من ثمار الجنة التين - العنب -
الرمان - الطلح (الموز) والبلح (النخيل) والسدر(النبق) وجميع ما خلق الله تبارك وتعالى لأهل الدنيا من ثمار.
وفواكه الجنة وثمارها في متناول أيادي أهل الجنة، وأنّى شاءوا، فما أن يشتهي المؤمن فاكهة ما حتى يهبط إليه غصنها وتقترب الثمرة المطلوبة عند فمه، فهو لا يحتاج إلى النطق والإفصاح عن حاجته أو رغبته أبدا كما قال تعالى "وجنى الْجنّتيْنِ دانٍ"(22)، ومعنى كلمة (دان) هو قريب، وهي مشتقة من الدنو فإنّ ثمار الجنتين وفواكههما قد دنت إلى المؤمن وأضحت في متناول يده وعند رغبته.

متاع أهل الجنة وملبسهم

وأما لباس أهلها، فهو الحرير والذهب والسندس والإستبرق، قال تعالى: "ولِباسهمْ فِيها حرِيرٌ"(23)، "أوْلئِك لهمْ جنّات عدْنٍ تجْرِي مِن تحْتِهِم الْأنْهار يحلّوْن فِيها مِنْ أساوِر مِن ذهبٍ ويلْبسون ثِيابا خضْرا مِّن سندسٍ وإِسْتبْرقٍ مّتّكِئِين فِيها على الْأرائِكِ نِعْم الثّواب وحسنتْ مرْتفقا"(24).
وأما فرشها، فمن إستبرق مفروشة في أعلى الرتب، يقول سبحانه وتعالى: "متّكِئِين على فرشٍ بطائِنها مِنْ إِسْتبْرقٍ"(25)
وأما الأرائك فهي الأسرّة "فِيها سررٌ مّرْفوعةٌ* وأكْوابٌ مّوْضوعةٌ* ونمارِق مصْفوفةٌ * وزرابِيّ مبْثوثةٌ "(26).

أنهار الجنّة وعيونها

وهي مطلب لراحة النفس في الدنيا على ما فيها من مكدرات، فكيف إذا كانت ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وقد تكرر في القرآن الكريم في عدة مواضع قوله تعالى "جنّاتٍ تجْرِي مِن تحْتِها الأنْهار"(27).
وهذا يدلّ على أنّها أنهارٌ حقيقية، وأنّها جارية لا واقفة، وأنّها تحت قصورهم، وقد ذكر تعالى في آية واحدة أربعة أجناس من الأنهار قال عزّ وجلّ:
"مثل الْجنّةِ الّتِي وعِد الْمتّقون فِيها أنْهارٌ مِّن مّاء غيْرِ آسِنٍ وأنْهارٌ مِن لّبنٍ لّمْ يتغيّرْ طعْمه وأنْهارٌ مِّنْ خمْرٍ لّذّةٍ لِّلشّارِبِين وأنْهارٌ مِّنْ عسلٍ مّصفّى ولهمْ فِيها مِن كلِّ الثّمراتِ ومغْفِرةٌ مِّن رّبِّهِمْ..."(28).
وقد نفى تعالى عن كلِّ واحدٍ منها الآفة التي تعرض له في الدنيا، فآفة الماء أن يأسن من طول مكثه، وآفة اللبن أن يتغير طعمه الى الحموضة، وآفة الخمر كراهة مذاقها المنافي للذة شربها، وآفة العسل عدم تصفيته.
وللجنّة أنهار وعيون تنبع كلها من الأنهار الأربعة الخارجة من الفردوس الأعلى، وقد ورد ذكر أسماء بعضها في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة منها:

نهر الكوثر، وعين تسنيم

يصف أمير المؤمنين عليه السلام نهر الكوثر فيقول عليه السلام: "وإنّ الكوثر ليفرح بمحبِّنا إذا ورد عليه، حتى أنّه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه،... من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، ولم يستق بعدها أبدا، وهو في برد الكافور وريح المسك وطعم الزنجبيل، أحلى من العسل، وألين من الزبد، وأصفى من الدمع، وأذكى من العنبر، يخرج من تسنيم ويمر بأنهار الجنان، يجري على رضراض الدرِّ والياقوت، فيه من القدحان أكثر من عدد نجوم السماء، يوجد ريحه من مسيرة ألف عام، قدحانه من الذهب والفضّة وألوان الجوهر، يفوح في وجه الشارب منه كلّ فائحة حتى يقول الشارب منه: يا ليتني تركت هاهنا لا أبغي بهذا بدلا ولا عنه تحويلا"(29).
بالإضافة إلى أعين أخرى كعين السلسبيل، وهى شراب أهل اليمين، ويمزج لهم بالزنجبيل، والعين التي مزاجها الكافور، وهي شراب الأبرار، وجميعها أشربة لا تسكر ولا تصدع ولا تذهب العقل، بل تملأ شاربيها سرورا ونشوة لا يعرفها أهل الدنيا، يطوف عليهم بها ولدان مخلّدون كأنّهم لؤلؤ منثور، بكؤوس من ذهبٍ وقوارير من فضّة.

النعم الروحيّة

إضافة إلى كلِّ ما ذكر من الملذات الجسمانية، فهناك ملذّات ونعم روحيّة كانت في الدنيا أملا وأمنية، وهي لقاء رسول الله الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وآله الأطهار عليهم السلام، ومجاورتهم والاتصال بهم، كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ يقول لأمير المؤمنين عليه السلام: "وإنّك أول من يرد عليّ الحوض، وإنّك على الحوض خليفتي، وإنّك أول من يكسى معي، وإنّك أول داخل الجنّة من أمتي، وإنّ شيعتك على منابر من نور مبيضّة وجوههم حولي أشفع لهم، ويكونون غدا في الجنّة جيراني"(30).
والأعظم من كلِّ ما ذكر مكالمة الله سبحانه وتعالى لعبده المؤمن، يقول الله تعالى: "سلامٌ قوْلا مِن رّبٍّ رّحِيمٍ" (31).

أشعار للحكمة

أرى عمري مؤذنا بالذهاب ***تمر لياليه مر السحابِ
وتفجأني بيض أيامه ***فتسلخ مني سواد الشبابِ
فمن لي إذا حان مني الحمام ***ولم أستطع منه دفعا لما بي
ومن لي إذا قلبتني الأكف ***وجردني غاسلي من ثيابي
ومن لي إذا صرت فوق السرير ***وشيل سريري فوق الرقابِ
ومن لي إذا ما هجرت الديار ***واعتضت عنها بدار الخرابِ
ومن لي إذا آب أهل الوداد ***عني وقد يئسوا من إيابي
ومن لي إذا ما غشاني الظلام *** وأمسيت في وحشة واغترابِ
ومن لي إذا منكرٌ جدّ في ***سؤالي فأذهلني عن جوابي
عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك يا بن رسول الله شوّقني.
فقال عليه السلام: يا أبا محمّد إنّ من أدنى نعيم الجنّة يوجد ريحها من مسيرة ألف عام من مسافة الدنيا. وإنّ أدنى نعيم الجنّة منزلا لو نزل به أهل الثقلين الجن والإنس لوسعهم طعاما وشرابا ولا ينقص مما عنده شيء. وإنّ أيسر أهل الجنّة منزلا لو نزل به أهل الثقلين الجن والإنس لو سعهم طعاما وشرابا ولا ينقص مما عنده شيء. وانّ أيسر أهل الجنّة منزلة من يدخل الجنّة فيرفع له ثلاث حدائق، فإذا دخل أدناهن رأى فيها من الأزواج والخدم والأنهار والأثمار ما شاء الله مما يملأ عينه قرة، وقلبه مسرّة، فإذا شكر الله وحمده قيل له: إرفع رأسك إلى الحديقة الثانية ففيها ما ليس في الأخرى.
فيقول: يا ربِّ أعطني هذه.
فيقول الله تعالى: إن أعطيتك إيّاها، سألتني غيرها.
فيقول: ربِّ هذه، هذه.
فإذا هو دخلها شكر الله وحمده.
قال: فيقال: افتحوا له باب الجنّة، ويقال له: إرفع رأسك، فإذا قد فتح له باب من الخلد، ويرى أضعاف ما كان فيما قبل، فيقول عند تضاعف مسرّاته: ربِّ لك الحمد الذي لا يحصى إذ مننت عليّ بالجنان ونجيتني من النيران.
قال أبو بصير: فبكيت، قلت له: جعلت فداك زدني.
قال: يا أبا محمّد إنّ في الجنّة نهرا في حافته جوار نابتات إذا مرّ المؤمن
بجارية أعجبته قلعها، وأنبت الله مكانها أخرى.
قلت: جعلت فداك زدني.
قال: المؤمن يزود ثمانمائة عذراء، وأربعة آلاف ثيِّب.
قلت: جعت فداك، ثمانمائة عذراء؟!
قال: نعم ما يفرش فيهنّ شيئا وجدها كذلك.
قلت: جعلت فداك، من أيِّ شيء خلقن الحور العين؟
قال: من تربة الجنّة النورانيّة، ويرى مخ ساقيها من وراء سبعين حلّة، كبدها مرآته، وكبده مرآتها.
قلت: جعلت فداك، ألهنّ كلام يكلمنّ به أهل الجنّة؟
قال: نعم. كلام يتكلمنّ به لم يسمع الخلائق بمثله.
قلت: ما هو؟
قال: يقلن نحن الخالدات فلا نموت، ونحن الناعمات فلا نبوس، ونحن الميقات فلا نظعن، ونحن الراضيات فلا نسخط، طوبى لمن خلق لنا، وطوبى لمن خلقنا له، نحن اللواتي لو أنّ قرن أحدانا علق في جو السماء لأغشى نوره الأبصار.(32)
المصادر :
1- البروج: 11
2- نهج البلاغة - خطب الإمام علي عليه السلام- ج 4 ص 93
3- السجدة: 17
4- الرعد: 35
5- محمد: 15
6- هود: 108
7- ص: 54
8- الرعد: 35
9- الواقعة: 33
10- الصافات:43 - 47
11- بحار الأنوار- ج 8 ص 39
12- بحار الأنوار- ج 8 ص 131
13- 13- طه:75
14- الإسراء:21
15- الزمر: 20
16- الكليني-الكافي - ج 8 ص 97
17- الرحمن: 58
18- الواقعة: 22 - 23
19- الرحمن: 56 - 58
20- البقرة: 25
21- الواقعة:35 - 37
22- الرحمن: 54
23- الحج: 23
24- الكهف: 31
25- الرحمن: 54
26- الغاشية: 13-16
27- البقرة: 25
28- محمد:15
29- بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء،الطبعة الثانية المصححة - ج 8 ص 23
30- م . ن . ج 37 ص 272
31- يس: 58
32- تفسير علي بن إبراهيم ج 2 ص 82 ـ 83


نظرات کاربران
ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.