أ- في ظلال الحديث
ينهانا رسول الإسلام صلى الله عليه وآله عن التشبّه وأخذ العادات والمظاهر من اليهود والنصارى، من دون تفريق بين كون تلك العادات والأنماط جوهرية أو شكلية، فإن اتباعهم وتقليدهم فيما درجوا عليه ليس من الإسلام في شيء، سواء كان في اللباس أو إحياء المناسبات أو تربية الأبناء، أو المعاملة مع الآخرين كما يتعاملون هم فيما بينهم بحيث لا يراعى الموقف الشرعي من الاختلاط بين الذكور والإناث وإن في التشبّه بهم ترويجاً عملياً، وإن لم يكن قولياً لما يحبّونه ويرفضه الإسلام.في الحديث:"ليس منّا من تشبّه بغيرنا، لا تتشبّهوا باليهود والنصارى..."(1).
وليس معنى ترك التشبّه هو اجتناب الأساليب المتطورة كتنظيم الجامعات والمدارس أو إدارة المؤسسات أو المحافظة على الترتيب بشكل فني متقدم، فإن الإسلام لا يرفض ذلك.
بل معنى التشبّه هو اتباع والتزام ما هو من مختصاتهم ومعالمهم وليس من معالم الإسلام ولنأخذ مثالاً يرتبط باللباس حيث تلبس النساء السروال وهو لباس رجالي لا يجوز للمرأة أن تخرج به وأساسه تشبّه النساء بالرجال من جهة، واستيراد هذا المظهر من العالم الغربي ... من جهة ثانية وقد تعارف ارتداء النساء له بشكل طبيعي عندهم وهكذا إذا نظرنا إلى الشباب فإنا نرى البعض منهم يحلو له أن يطيل شعره إلى حد التشبّه بالمرأة من هذه الناحية وما ذلك إلاّ عادة أخذوها من الغرب، مع أن النبي صلى الله عليه وآله يقول: "لعن الله المتشبّهين من الرجال بالنساء، والمتشبّهات من النساء بالرجال"(2).
ويقول مولانا الصادق عليه السلام: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله يزجر الرجل أن يتشبّه بالنساء، وينهى المرأة أن تتشبّه بالرجال في لباسها"(3).
وقد حذَّر أهل البيت عليهم السلام من التشبه بأعداء اللّه تعالى والاّ يعدّون منهم.
فعن مولى المتقين علي عليه السلام: "قل من تشبّه بقوم إلا أوشك أن يكون منهم"(4).
ومما قاله مولانا الصادق عليه السلام: "أوحى الله إلى نبي من الأنبياء أن قل لقومك، لا تلبسوا لباس أعدائي، ولا تشاكلوا بما شاكل أعدائي فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي"(5).
ب- مظاهر التشبّه بغير المسلمين
يمكننا من خلال ما تقدم في الدرس معرفة بعض المظاهر الموجودة في بلداننا الإسلامية والتي تعتبر مظاهر غير إسلامية يتشبّه بعض المسلمين من خلالها بغيرهم، وقد وصلت إلى درجة عدم الاستهجان والاستغراب منها، بل على العكس إن البعض يستهجنون من كونها مرفوضة وما ذلك إلا للغزو الثقافي المغرض الذي أوصل مجموعة من الناس إلى هذه المشكلة.ومن تلك المظاهر:
أولاً: استقبال النساء للرجال في مراسم الاحتفالات، والمصافحة بالأيدي.ويقول سماحة السيد القائد دام ظله اتجاه هذا المظهر السيىء "لا وجه لدعوة النساء للمشاركة في مراسم الاستقبال والترحيب بالوفود الأجنبية ولا يجوز ذلك إذا كان موجباً للمفاسد ونشر الثقافة غير الإسلامية المعادية للمسلمين"(6).
ثانياً: لبس ربطة العنق وهو حرام كما جاء في أجوبة سماحة السيد القائد دام ظله حيث يقول: "لبس ربطة العنق وشبهها مما يكون من لباس وزي غير المسلمين بحيث يؤدي إلى نشر الثقافة الغربية المعادية ولا يختص الحكم بمواطني الدولة الإسلامية"(7).
ثالثاً: تقليد أعداء الإسلام والتشبّه بهم في قصّ الشعر.
سُئل سماحة السيد القائد دام ظله: ما هو حكم تقليد الغرب في قصّ الشعر؟
فأجاب: "المناط في حرمة ما كان من هذا القبيل كونه تشبهاً بأعداء الإسلام وترويجاً لثقافتهم، وهذا يختلف باختلاف البلاد والأزمنة والأشخاص وليس للغرب خصوصية في ذلك"(8).
وهناك مظاهر عديدة غير ما ذكرناه نسأل الله تعالى أن يريح المسلمين منها.
من فقه الإسلام
س: هل يجوز ارتداء اللباس المطبوع عليه أحرف وصور أجنبية؟ وهل يعدّ هذا اللباس نشراً للثقافة الغربية؟
ج: لا مانع منه في نفسه ما لم تترتب عليه مفاسد اجتماعية، وأما كونه نشراً للثقافة الغربية المعارضة للثقافة الإسلامية فموكول إلى نظر العرف.
س: شاع في الآونة الأخيرة استيراد الألبسة الأجنبية وبيعها وشراؤها واستعمالها داخل البلد فما هو حكم ذلك مع الالتفات إلى تصاعد الهجوم الثقافي الغربي على الثورة الإسلامية؟
ج: لا مانع من استيراد وبيع وشراء واستعمال الألبسة لمجرد كونها مستوردة من البلاد غير الإسلامية، وأما ما كان منها ينافي ارتداؤه للعفة والأخلاق الإسلامية أو كان ارتداؤه يعد إشاعة للثقافة الغربية المعادية فلا يجوز استيرادها ولا بيعها وشراؤها ولبسها، ولا بدّ من المراجعة بشأنها إلى المسؤولين المختصين بذلك حتى يمنعوها.
س: ما هو حكم ارتداء اللباس الأمريكي؟
ج: ارتداء اللباس المصنوع في الدول الاستعمارية لا بأس فيه في نفسه من ناحية كونه مصنوعاً من قبل أعداء الإسلام، ولكن لو استلزم ذلك ترويج الثقافة غير الإسلامية المعادية أو كان فيه تقوية لاقتصادهم المستخدم في استعمار واستثمار البلاد الإسلامية، أو كان ممّا يؤدي إلى الحاق الضرر باقتصاد الدولة الإسلامية ففيه إشكال، بل لا يجوز على بعض التقادير.
س: ما هو حكم بيع الصور والكتب والمجلات التي لا تحتوي صراحة على أمور قبيحة ومبتذلة ولكن تحاول تلميحاً ايجاد جوٍّ ثقافي فاسد وغير إسلامي خصوصاً بين الشباب؟
ج: لا يجوز شراء وبيع وترويج مثل ذلك مما يهدف إلى انحراف الشباب وافسادهم ويسبّب أجواء ثقافية فاسدة، ويجب التحرزة والاجتناب عنها.
س: لمواجهة الغزو الثقافي على مجتمعنا الإسلامي ما هو واجب المرأة في الوقت الحاضر؟
ج: أهم واجباتها هو الاحتفاظ بالحجاب الإسلامي والتحرز عن الملابس التي تعدّ تقليداً للثقافة المعادية(9).
قال تعالى: (كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ)(10)
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "قلّ من تشبّه بقوم إلا أوشك أن يكون منهم"(11).
لا ألبس ثوباً نظر إليه أجنبي!!
ينقل أن أحد الحكام العباسيين كان يأخذ الضرائب الكثيرة من الناس ومنهم أهل بلخ في أفغانستان وبسبب الفقر الشديد الذي كان يعاني منه أهل بلخ لم يدفعوا للحاكم الضرائب فأرسل لهم والياً وأوصاه أن يضيّق عليهم ويهددهم ولا يرحمهم حتى يدفعوا الضرائب.
فكر أهل البلد أن يذهبوا إلى زوجة الوالي ويستعطفونها حيث أنها كانت إنسانة متدينة رقيقة القلب وحينما طلبوا منها التوسط لتخفيف الأمر عليهم وافقت وقالت لهم سوف أرتب هذا الأمر وأخبرت زوجها الوالي وقالت له أنا أدفع لك ثوبي المرصع بالجواهر بدلاً من الضرائب. رضي الوالي وأخذ الثوب وذهب للحاكم العباسي ووضع الثوب أمامه فقال له الخليفة لمن هذا الثوب قال الوالي هذا ثوب زوجتي هنا تأثر الحاكم العباسي وقال للوالي لا تأخذ من أهل بلخ شيئاً وأرجع الثوب إلى زوجتك. أخذ الوالي الثوب وشرح ما جرى لزوجته فقالت: وهل نظرت عين الحاكم إلى هذا الثوب قال نعم.
فقالت: لا ألبس ثوباً نظر إليه أجنبي وقالت: خذوه وبيعوه وابنوا بثمنه مسجداً.
ينقل الرحالة ابن بطوطة أن المسجد الموجود الآن ببلخ هو مبني من ثمن ذلك الثوب وزادت منه بقية أوقفوه لشؤون المسجد.
المصادر :
1- مستدرك سفينة البحار، ج5، ص346.
2- البحار، ج79، ص64.
3- مكارم الأخلاق، ص256.
4- نهج البلاغة، الحكمة 207.
5- وسائل الشيعة، ج11، ص111، حديث 1.
6- أجوبة الاستفتاءات، ج2، ص103.
7- م.ن. ص104.
8- م.ن. ص102.
9- أجوبة الاستفتاءات، ج2، ص104 103 102.
10- البقرة: 257.
11- نهج البلاغة، الحكمة 207.