
يروى عن الصادق عليه السلام: "ما خسر والله من أتى بحقيقة السجود ولو كان في العمر مرّة واحدة وما أفلح من خلا بربه في مثل ذلك الحال تشبيها بمخادع نفسه غافلا لاهيا عمّا أعده الله للساجدين من أنس العاجل وراحة الآجل. ولا بعد عن الله أبدا من أحسن تقرّبه في السجود ولا قرب إليه أبد من أساء أدبه وضيّع حرمته بتعلق قلبه بسواه في حال سجوده فاسجد سجود متواضع لله تعالى ذليل علم أنه خلق من تراب يطؤه الخلق وأنه اتخذك من نطفة يستقذرها كل أحد وكوّن ولم يكن وقد جعل الله معنى السجود سبب التقرب إليه بالقلب والسر والروح فمن قرب منه بعد من غيره، إلا ترى في الظاهر أنه لا يستوي حال السجدة إلا بالتواري عن جميع الأشياء والاحتجاب عن كل ما تراه العيون، كذلك أمر الباطن فمن كان قلبه متعلقا في صلاته بشيء دون الله تعالى فهو قريب من ذلك الشيء بعيد عن حقيقة ما أراد الله منه في صلاته، قال عزّ وجلّ: "مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ"(1).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "قال الله تعالى: لا اطلع على قلب عبد فاعلم فيه حب الاخلاص لطاعتي لوجهي وابتغاء مرضاتي إلا توليت تقويمه وسياسته ومن اشتغل بغيري فهو من المستهزئين بنفسه ومكتوب اسمه في ديوان الخاسرين"(2).
سرّ السجود:
ترك النفس وغمض العين عمّا سوى الحق تعالى، وفي وضع الرأس على التراب إشارة إلى أن عظمة الله لا ترى وجماله لا يرى إلا إذا عرف الإنسان قدر فقره وذلّته فتواضع لله، فبذلك يرى عزّ الربوبية وجمالها وجلالها...وأدب وضع الرأس على التراس إسقاط أعلى مقامات نفسه عن عينه ورؤيتها أقل من التراب.
فالسجود تذكير للأنسان أصله وهو التراب، وبتذكره لأصله يأمل منه أن يترك الاستكبار والعجب.
ووضع رؤساء الاعضاء الظاهرة (الرأس بما يحويه –اليدان- الرجلان) – على أرض الذلة والمسكنة – وتلك الأعضاء هي محال الإدراك، وظهور التحريك والقدرة – علامة التسليم التام وتقديم جميع القوى، فإذا قوي تذكر هذه المعاني في القلب فينفعل القلب بها تدريجيا فتحصل حالة هي حالة الفرار من بالنفس وترك رؤية النفس، وتنيجة هذه الحال حصول حالة الأنس بالله تعالى عبادته.
آداب التشهّد:
الصلاة تبتدأ بالشهادة وتنتهي بالشهادة، فهي تعني أولية الحق جلّ وعلا وأخريته "هُوَ الأوَّلُ وَالآَخِرُ"، وفيها سرّ عظيم وهو أن سفر السالك من الله وإلى الله كما بدأكم تعودون.والتشهد في آخر الصلاة يعني تذكر العبد السالك أن حقيقة الصلاة حصول التوحيد الحقيقي.
وفي الشهادة بالرسالة لعلّها إشارة إلى أن مساعدة النبي الخاتم في السلوك إلى الله تعالى لا بدّ منها ليتوفق الإنسان للوصول إلى الله تعالى.
وهنا نذكر ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام في آداب التشهد: "التشهّد ثناء على الله فكن عبدا له في السر خاضعا له في الفعل كما أنك عبد له بالقول والدعوى وصل صدق لسانك بصفاء سرّك فإنه خلقك عبدا وأمرك أن تعبده بقلبك ولسانك وجوارحك وأن تحقق عبوديتك فه بربوبيته لك وتعلم أن نواصي الخلق بيده فليس لهم نفس ولا لحظ إلا بقدرته ومشيئته وهم عاجزون عن أتيان أقل شيء في مملكته إلا بإذنه وإرادته، قال عزّ وجلّ: "وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ"(3).
فكن عبدا شاكراً بالفعل كما إنك عبد ذاكر بالقول والدعوى وصل صدق لسانك بصفاء سّرك فإنه خلقك فعزّ وجلّ أن تكون إرادة ومشيئة لأحد إلا بسابق إرادته ومشيئته فاستعمل العبودية في الرضا بحكمه وبالعبادة في أداء أوامره، وقد أمرك بالصلاة على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فأوصل صلاته بصلاته وطاعته بطاعته وشهاته بشهادته، وانظر لا يفوتك بركات معرفة حرمته فتحرم فائدة صلاته وأمره بالاستغفار لك والشفاعة فيك إن أتيت بالواجب في الأمر والنهي والسنن والآداب وتعلم جليل مرتبته عند الله عزّ وجلّ"(4).
آداب السلام:
وهنا نذكر ما روي عن الصادق عليه السلام في آداب السلام: "معنى السلام في دبر كل صلاة الأمان أي من أدّى أمر الله وسنّة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم خاشعا منه قلبه فله الأمان من بلاء الدنيا وبراءة من عذاب الآخرة. والسلام اسم من أسماء الله تعالى أودعه خلقه ليستعملوا معناه في المعاملات والأمانات...وتصديق مصاحبتهم فيما بينهم وصحة معاشرتهم، وإذا أردت أن تضع السلام موضعه وتؤدي معناه فلتتق الله وليسلم منك دينك وقلبك وعقلك ولا تدنسها بظلمة المعاصي ولتسلم حفظتك من ألا تبرمهم ولا تملهم وتوحشهم منك بسوء معاملتك معهم ثم صديقك ثم عدوك فإن من لم يسلم منه من هو الأقرب إليه فالأبعد أولى، ومن لا يضع السلام مواضعه هذه فلا سلام ولا تسليم وكان كاذبا في سلامه وإن أفشاه في الخلق"(5).
اعلم أن الأدب القلبي للسلام مرتبط بالأدب في جميع الصلاة وإذا لم يحصل له في هذه الصلاة قرب من الله وعروج ولم يخرج من هوى نفسه فلا سلام له، وأيضا إذا لم يخلص من تصرفات الشيطان وتصرفات النفس الأمارة فلا سلام له.
التعقيب:
وهو من المستحبات المؤّكدة، والتعقيبات الواردة كثيرة، منها التكبيرات الثلاثة الاختتامية.ورفع اليد في التكبيرات هذه لعلّه إشارة إلى طرد صلاته وعباداته لئلا يتطرق العجب ورؤية النفس إلى قلبه.
ومن التعقيبات الشريفة، التسبيحات للصديقة الطاهرة سلام الله عليها التي علّمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لتلك المعظمة وهي أفضل التعقيبات.
وفي الحديث: "إنه لو كان شيء أفضل منه لنحله رسول الله فاطمة عليها السلام".
والمعروف في ترتيبها التكبير أربعاً وثلاثين مرة والتحميد ثلاثا وثلاثين مرة والتسبيح ثلاثاً ثلاثين مرة.
والتعقيبات المروية كثيرة مذكورة في كتب الأدعية فلينتخب كل إنسان ما يناسب حاله.
من فقه الاسلام
س: ما هو حكم السجود والتيمم على الإسمنت أوالبلاط (الموزاييك)؟ج: لا إشكال في السجود عليهما والتيمم بهما وإن كان الأحوط ترك التيمم بهما.
س: امرأة كانت تسجد على التربة وجبهتها مغطاة بالحجاب، خاصة موضع السجود, فهل يجب عليها إعادة تلك الصلوات؟
ج: لا يجب الإعادة إذا لم تكن حين السجود ملتفتة إلى وجود حائل.
س: ما هو حكم السجود على حجر المرمر الذي يغطي أرض المشاهد الشريفة؟
ج: السجود على حجر المرمر لا إشكال فيه.
س: ما هو حكم وضع بعض أصابع الرجل بالإضافة إلى الإبهام على الأرض عند السجود؟
ج: لا إشكال فيه.
س: ما هو أفضل ذكر بعد قراءة الذكر الواجب في السجود والركوع؟
ج: تكرار نفس الذكر الواجب على أن يختم بالفرد، ويستحب في السجود وبالإضافة إلى ذلك ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والدعاء لطلب الحاجات الدنيوية والآخروية،
س: ما هو التكليف الشرعي عند سماع آيات السجدة فيما إذا لم يكن القارىء حاضرا وكان الاستماع بواسطة الإذاعة أو جهاز التسجيل؟
ج: يجب السجود في الفرض المذكور(6).
س: لو لم يقدر المقاتل المتواجد في الجبهة على قراءة الفاتحة أو السجود أو الركوع لشدّة الاشتباكات فكيف يأتي بصلاته هناك؟
ج: يصلي بالنحو المتيسّر له، وإذا لم يتمكن من الركوع والسجود اكتفى بالايماء والإشارة إليهما(7).
أسرار صلاة الجنازة:
أما الجنازة فأحضر عند مشاهدتها ووضعها بين يديك ما قد خلقته من الأهل والأولاد، وتركته من الأموال، وقدمت على الله تعالى صفر اليدين من الجميع، لم يصحبها إلا الأعمال الصالحة، وما تاجرته من أعمال الآخرة الرابحة، وتأمّل بهجته كيف قد ذهبت، وجلدته كيف تحوّلت، وعن قريب يمحو التراب صورته، وتأكل الأرض بهجته، وما قد حصل له من يتم أولاده، وترمّل نسائه، وتضييع أمواله، وخلوّ مسجده و مجلسه، وانقطاع آثاره بعد طول أمله وكثرة حيله، وانخداعه...وغفلته عن الدخول في هذا التراب، والقدوم على ما سطر عليه في الكتاب، وركونه إلى القوّة والشباب، واشتغاله عمّا بين يديه من الموت الذريع، والهلاك السريع، وكيف كان يتردد ويشيّع غيره من الأموات،والآن قد تهدّمت رجلاه ومفاصله، وكيف كان ينطق وقد فسد لسانه، وكيف كان يضحك وقد تغيّرت أسنانه، وكيف كان يدبّر لنفسه ما لا يحتاج إليه إلى عشر سنين في وقت لم يكن بينه وبن الموت إلا شهرا أو أقل، وهو غافل عما يراد به، حتى جاءه الموت فجأة في وقت لم يحتسبه فيه.
فقرع سمعه نداء الجبّار إما الجنة أو النار، ولينظر في نفسه أنه الآن مثله في غفلته، وستكون عاقبته كعاقبته، فلينهض حينئذ إلى الاستعداد، وليشتغل باكثارالزاد، فإن المسافة بعيدة، والعقبة كؤود (شاقة)، والخطر شديد، والندامة بعد الموت غير نافعة، فهذا الفكر وأمثاله يحصّل قصر الأمل, والاستعداد بصالح العمل... (8)
المصادر :
1- الأحزاب:4.
2- مصباح الشريعة، باب 41، في السجود، ص91.
3- القصص:68.
4- مصباح الشريعة، باب 41، في التشهد، ص93.
5- مصباح الشريعة، باب 43، في السلام، ص95.
6- أجوبة الاستفتاءات، م.س، ص142 وما بعدها.
7- میزان الحکمة، ص212.
8- أسرار الصلاة، الشهيد الثاني، ص211.
/ج