عظمة وشموخ السيدة زينب

من اشراقات عظمة السيدة زينب أن تتنافس البقاع والبلدان على ادعاء شرف احتضان مرقدها ومثواها . ففي أكثر من بلد تقام الأضرحة وتشمخ القباب والمنائر بإسم السيدة زينب .
Sunday, February 14, 2016
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
عظمة وشموخ السيدة زينب
عظمة وشموخ السيدة زينب

 






 

من اشراقات عظمة السيدة زينب أن تتنافس البقاع والبلدان على ادعاء شرف احتضان مرقدها ومثواها . ففي أكثر من بلد تقام الأضرحة وتشمخ القباب والمنائر بإسم السيدة زينب .
لقد اختلف المؤرخون في مكان وفاة السيدة زينب ومحل قبرها ، وشاء الله ( تعالى ) أن يكون ذلك سبباً لأظهار عظمتها وابراز شأنها ومجدها .
ونتحدث في السطور التالية عن أبرز المقامات المشادة باسم السيدة زينب ( عليها السلام ) .

في دمشق الشام

تشير بعض الروايات الى أن عبدالله بن جعفر رحل عن المدينة وأنتقل مع السيدة زينب زوجته الى ضيعة كان يمتلكها قرب دمشق في قرية يقال لها « راوية » وقد توفيت السيدة زينب في هذه القرية ودفنت في المرقد المعروف بإسمها .
وتختلف الروايات في سبب هجرة عبدالله بن جعفرالى هذه القرية وفي تاريخ تلك الهجرة ووفاة السيدة زينب ، لكن العديد من المؤلفين ذكروا أن ذلك بسبب مجاعة حصلت في المدينة وإن ذلك كان في سنة ( 65 هـ ) وبعضهم قال إن ذلك في سنة ( 62 هـ ) .
يقول العلامة الشيخ فرج العمران ـ خلال بحث له عن الموضوع ـ : فالأرجح عندي أنها ( عليها السلام ) توفيت في الشام في النصف من شهر رجب من العام الخامس والستين من الهجرة وهو عام المجاعة ، وذلك بمحضر زوجها الجواد عبدالله بن جعفر ، ودفنت في احدى قراه المعروفة براوية من غوطة دمشق المشتهرة الآن بقرية الست (1) .
ويقع مقام السيدة زينب في الجهة الشرقية الجنوبية على بعد سبعة كيلو مترات من دمشق ، وقد أصبحت المنطقة تعرف كلها باسم « السيدة زينب » .
وتبلغ مساحة المقام وملحقاته حوالي الـ ( 15000 متر مربع ) ، ويتسع لخمسة آلاف شخص .
وقد زار هذا المشهد الرحالة الشهير ابن جبير المتوفى سنة ( 614 هـ ) ، وقال عنه في رحلته المعروفة عند ذكر المزارات عند ذكر المزارات الشامية : « ومن مشاهد أهل البيت مشهد أم كلثوم بنت علي ويقال لها زينب الصغرى وأم كلثوم كنية أوقعها عليها النبي لشبهها بابنته أم كلثوم ومشهدها الكريم قبلي البلد يعرف براوية على مقدار فرسخ وعليه مسجد كبير وخارجه أوقاف وأهل هذه الجهات يعرفونه بقبر الست ومشينا اليه وبتنا به وتبركنا برؤيته (2) .
كما زار هذا المشهد الرحالة ابن بطوطة المتوفى ( 770 هـ ) ، وقال عند ذكر مزارات دمشق : بقرية القبلي وعلى فرسخ منها مشهد أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب من فاطمة ، ويقال أن اسمها زينب وكناها رسول الله لشبهها بخالتها أم كلثوم بنت رسول الله وعليه مسجد كبير وله مساكن وله أوقاف ويسميه أهل دمشق قبر الست أم كلثوم (3) .
وذكر هذا المشهد الباحث الدمشقي عثمان بن أحمد السويدي الحوراني المتوفى سنة ( 970 هـ ـ أو 1003 هـ ) في كتابه:
( الأشارات الى أماكان الزيارات ) قال : ومنها قرية يقال لها « راوية » بها السيدة زينب أم كلثوم ابنة علي بن أبي طالب توفيت بغوطة دمشق عقيب محنة أخيها الحسين ، ودفنت في هذه القرية ثم سميت القرية باسمها وهي الآن معروفة بـ « قبر الست » (4) .
وقال العلامة السيد محسن الأمين العاملي : يوجد في قرية تسمى « راوية » على نحو فرسخ من دمشق الى جهة الشرق قبر ومشهد يسمى «قبر الست » ووجد على هذا القبر صخرة رأيتها وقرأتها كتب عليها : هذا قبر السيدة زينب المكناة بأم كلثوم بنت سيدنا علي ( رضي الله عنه ) وليس فيها تاريخ وصورة خطها تدل على أنها كتبت بعد الستمائة من الهجرة » (5) .
وإن كان السيد الأمين يرجّح أن القبر لزينب الصغرى أخت السيدة زينب الكبرى .
وورد أن السيدة نفيسة صاحبة المقام المعروف في القاهرة بنت حسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن بن علي بن أبي طالب قد زارت هذا المشهد في قرية « راوية » سنة ( 193 هـ ) (6) .
وقرب سنة (500 هـ ) شيد رجل قرقوبي من أهل حلب بمشهدها جامعاً كبيراً من أشهر جوامع دمشق (7) .
وزار هذا المشهد الرحالة أبو بكر الهروي المتوفى ( 611 هـ ) وذكره في كتابه المعروف بـ ( الأشارات الى معرفة الزيارات ) (8) .
وفي سنة ( 768 هـ ) أوقف على هذا المشهد ـ باعتباره مرقداً للسيدة زينب الكبرى ـ نقيب الأشراف السيد حسين الموسوي من كبار أعلام دمشق في زمانه جميع ما كان يملكه من البساتين والأراضي وكتب صكاً طويلاً عليه شهادات سبعة من قضاة دمشق الكبار في زمانهم ، ونسخة هذا الصك محفوظة عند سدنة المقام ومذكور نصه في بعض المؤلفات (9) .
وقد جدد السيد حسين الموسوي عمارة هذا المشهد سنة ( 768 هـ ) وفي سنة ( 1302 هـ ) جدد القبة الكريمة السلطان عبد العزيز خان العثماني باعانة التجار والأثرياء . وفي سنة ( 1354 هـ ) أنشأ سادة آل نظام غرفاً كثيرة حول المقام لاراحة الزائرين وجددوا المدخل الشريف بنفقتهم .
وفي سنة ( 1370 هـ ) شكل الإمام السيد محسن الأمين العاملي لجنة من خيار التجار وأهل الثروة لتعميرالحرم والصحن والأروقة برئاسته ( رحمه الله ) (10) .
وكان للحاج محمد مهدي البهبهاني ( رحمه الله ) دور أساسي في هذه العمارة والتجديد .
وفي سنة ( 1370 هـ ) أهدى التاجر الباكستاني محمد علي حبيب مؤسس المصرف المعروف باسمه « حبيب بنك » أهدى قفصاً ثميناً وزنه اثنا عشر طنا لينصب على قبرها لأن الله قد شفا ولده الوحيد من الشلل بعد أن عجز عنه الأطباء ببركة السيدة زينب ، وقد نصب هذا القفص الفضي المذهب المحلى بالجواهر الكريمة النادرة في احتفال رسمي وشعبي .
وأرخه الخطيب الشيخ علي البازي النجفي بقوله :
هـذا ضريح زيـنب قف عنـده *** واستغفـر الله لـكل مذنب
ترى الملا طراً وأملاك السما *** ارخ « وقوفاً في ضريح زينب »
( 1370 هـ ) (11) .
وفي سنة ( 1373 هـ ) أهدى جماعة من التجار الأيرانيين صندوقاً ثميناً من أورع أمثلة الصناعة الأيرانية المعروفة ، ومن صنع الفنان الأيراني الحاج محمد سميع ، والذي بقي في صنع هذا الصندوق ثلاثين شهراً ، وقدر ثمنه بمآءتي ألف ليرة سورية آنذاك ، وعليه غطاء من البلور أحضرته بعثة ايرانية برئاسة ضابط ايراني كبير ، وأقيم يوم وصوله ونصبه على قبرالسيدة زينب احتفال مهيب ترأسه السيد صبري العسلي رئيس وزارة سوريا .
وارخه الشاعر النجفي السيد محمد الحلي بقوله :
صندوق زينب قد بدت *** للفن فيه علائم
صنعته أيدي المخلصين *** فحار فيه العالم
حيث احتوى جثمانها *** ارّخت راق الخاتم
(1373 هـ ) (12) .
وأهدى بعض تجار ايران سنة ( 1380 هـ ) لمشهدها باباً ذهبياً رائعاً (13) .
وللمقام مئذنتان شامختان بارتفاع ( 54 متراً ) .
وفي عام ( 1380 هـ ) أهدي للحرم باب ذهبي للمدخل الغربي وبابان مذهبان بالميناء للمدخل الشمالي والقبلي كما تم في هذا العام ( 1413 هـ ) اكساء قبة المقام من الخارج بالذهب .
المشهد الزينبي في القاهرة
بناءً على الرواية التي تقول بأن السيدة زينب حينما غادرت المدينة المنورة بضغط من والي المدينة الأموي عمرو بن سعيد الأشدق فإنها توجهت الى مصر واستقبلها الوالي مسلمة بن مخلد وأنزلها داره بالحمراء في القاهرة ، وبعد احدى عشر شهراً وخمسة عشر يوماً توفيت في ( 15 ـ رجب ـ سنة 62 هـ ) ، وصلى عليها الوالي مسلمة بن مخلد ، ودفنها بمخدعها من الدار حسب وصيتها (14) .
وعلى هذا يقع ضريح السيدة زينب في الجهة البحرية من دار مسلمة بن مخلد الأنصاري ، وبمرور السنين والعهود على هذه الدار اندثر جزء كبير منها الا ما كان من الضريح الطاهر فإنه كان معظماً مقصوداً بالزيارة ، وموضع تبجيل وأحترام الخاصة والعامة من الناس ، الذين كانوا يتعاهدونه بالتعمير والأصلاح ، ويتناوب على خدمة هذا المشهد أناس أنقطعوا لهذا العمل ويصرف عليهم من وجوه الخير ومن ريع الأعيان والممتلكات التي أوقفت على هذا الضريح الطاهر .
وفي زمن دولة أحمد بن طولون ( 254 ـ 293 هـ ) ( 868 ـ 905 م ) اُجري على هذا المشهد الطاهر ما اُجري على المشاهد الأخرى من عمارة وترميم .
فلما جاءت الدولة الفاطمية ( 358 ـ 567 هـ ) ( 969 ـ 1171 م ) كان أول من بنى عمارة جليلة عظيمة على هذا المشهد من خلفاء الفاطميين ، أبو تميم معد نزاز بن المعز ، وذلك في سنة ( 369 هـ ) .
وقد ذكر الرحالة الأديب ، أبو عبدالله الكوهيني الفاسي الأندلسي ، انه دخل القاهرة في ( 14 ـ محرم ـ 369 هـ ) وأنه دخل مشهد السيدة زينب بنت علي ، فوجده داخل دار كبيرة وهو في طرفها البحري ، يشرف على الخليج ، قال : وعاينّا الضريح ، وشممنا منه رائحة طيبة ، ورأينا بأعلاه قبة من الجص ، وفي صدر الحجرة ثلاثة محاريب ، وعلى كل ذلك نقوش في غاية الأتقان ، وعلى باب الحجرة مكتوب :
« هذا ما أمر به عبدالله ووليه أبو تميم أمير المؤمنين . . . أمر بعمارة هذا المشهد على مقام السيدة الطاهرة بنت البتول زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب ( صلوات الله تعالى عليها وعلى آبائها الطاهرين وأبنائها المكرمين ) .
وفي أيام الحاكم بأمرالله أوقف على المشهد الزينبي عدة ضياع وأسواق ومحال تجارية ليصرف ريعها على خدمات المشهد .
وفي القرن السادس الهجري أيام المللك سيف الدين أبي بكر بن أيوب اجرى الشريف فخر الدين ثعلب الجعفري أمير القاهرة ونقيب الأشراف الزينبيين بها عمارة واصلاحاً على هذا المشهد .
واهتم الأمير علي باشا الوزير والي مصر من قبل السلطان سليمان خان بن السلطان سليم الفاتح بتعمير المشهد وتشييده وجعل له مسجداً يتصل به وذلك في سنة ( 956 هـ ) .
وفي سنة ( 1174 هـ ) أعاد الأمير عبد الرحمن كتخدا القازدوغلي بناء المسجد وتشييد أركانه وأنشأ به ساقية وحوضاً للطهارة والوضوء ، وبنى مقام السيد محمد العتريس المتوفى أواخر القرن السابع والذي كان ملازماً لخدمة المشهد الزينبي .
وفي سنة (1210 هـ ) جددت المقصورة الشريفة التي تحيط بالتابوت الطاهر المقام فوق القبر ، وصنعت من النحاس الأصفر ، ووضع فوق بابها لوحة نحاسية كتب عليها .
« يا سيدة زينب يا بنت فاطمة الزهراء مددكِ 1210 هـ » . وما زالت اللوحة على الضريح الشريف حتى اليوم .
وحدث في سنة ( 1212 هـ ) أن تصدعت جدران المسجد ، فانتدبت حكومة المماليك ، عثمان بك المرادي لتجديده واعادة بنائه ، الا ان العمل توقف بسبب الحملة الفرنسية على مصر ، وبعدها استؤنف العمل الا انه لم يتم فأكمله بعد ذلك يوسف باشا الوزير سنة ( 1216 هـ ) وأرخ ذلك بأبيات من الشعر خطت على لوح من الرخام نصها :
نور بنت النبي زينب يعلو *** مسجداً فيه قبرها والمزار
قد بناه الوزير صدر المعالي *** يوسف وهو للعلى مختار
زاد اجلـاله كـما قلت وأرخ *** مـسجد مشرق به أنوار
وبعد ذلك أصبح هذا المشهد محل رعاية الحكام مصر من أسرة محمد علي ، ففي سنة ( 1270 هـ ) شرع الخديوي عباس باشا الأول في اصلاحه ووضع حجر الأساس ولكن الموت عاجله ، فقام الخديوي محمد سعيد باشا في سنة ( 1276 هـ ) بأتمام ما بدأه سلفه وكتب على باب المقام الزينبي هذا البيت من الشعر :
يا زائريها قفوا بالباب وابتهلوا *** بنت الرسول لهذا القطر مصباح
وفي سنة ( 1291 هـ ) أمر الخديوي اسماعيل بتحديد الباب المقابل لباب القبة وجعله من الرخام . . وفي هذه المناسبة قال السيد علي أبو النصر مؤرخاً تجديد هذا الباب :
مقام به بنت الإمـام كأنما *** هو الروضة الفيحاء باليـمن مونقه
على بـابها لاح القبول لزائر *** ونور الهـدى أهـدى سنـاه ورونقه
بأمر الخديوي جددته يد العلا *** فكانت بأسـبـاب الرضــا متوثقه
وفي حلية التجديد قلت مؤرخاً *** شمموس الحلى في باب زينب مشرقه
وفي نفس العام ( 1294 هـ ) جدد الباب المقابل لباب الضريح على الهيئة الموجودة الآن .
أما المسجد القائم حالياً فقد تم انشاؤه على مراحل ثلاث . فبني الجزء الأول منه وهو المطل على الميدان المعروف باسم ميدان السيدة زينب في عهد الخديوي توفيق سنة ( 1302هـ ) ، وكتب على أبواب القبة الشريفة التي تضم الضريح أبياتاً من الشعر :
قف توسل بـباب بنت علي ***بخضوع وسل آلـه الـسماء
تحظ بالعز والـقبول وأرخ *** باب أخت الحسين باب العلاء
رفعوا لزينب بنـت طه قبة *** علياء مـحكمة الـبناء مشيدة
نور القبول يقول في *** باب الرضا والعدل باب السيدة
باب لبنت المصطـفى صفوته *** يدخل مـن يـشاء في رحمته
كماله بزينب أرخـه تـوفيق *** بـانـي الـعز فـي دولتـه
وظل المسجد على تلك الحال حتى تمت توسعته من الجهة القبلية بمساحة ( 1500 متر مربع ) تقريباً في عهد الملك فاروق الأول وافتتح للصلاة في يوم الجمعة ( 19 ـ ذي الحجة ـ 1360 هـ = 1942 م ) .
ولما رأت حكومة الرئيس جمال عبد الناصر زيادة اقبال الناس على هذا المسجد حتى ضاق عن أن يتسع للآلاف منهم خاصة في أيام الجمع والأعياد أمرت باجراء توسعة عظيمة بلغت حوالي ( 2500 ) متر مربع من الجهة القبلية . . وبذلك اتصل المسجد الزينبي بمسجد الزعفراني المجاور له ، كما أقيمت به دورة مياه كبيرة للطهارة والوضوء ، ومكتبة ضخمة تضم عشرات الآلاف من المجلدات وألحق بها قاعة فسيحة للمطالعة ، وأكتملت هذه التوسعة سنة ( 1389 هـ ـ 1969 م ) ، فأصبحت مساحة المشهد الزينبي وملحقاته تزيد على ( 7000 آلاف متراً متربعاً مربعاً ) .
أما المئذنة التي تعتبر فريدة في نوعها لما تتحلى به من نقوش وزخارف عربية جميلة فان ارتفاعها يقرب من ( 45 متراً ) (15) .

في سنجار شمال العراق

سنجار مدينة معروفة في شمال العراق تقع جنوب نصيبين عن يمين الطريق الى الموصل ، اشتهرت بكونها مدينة الطرق والقوافل منذ القديم لأنها سيطرت على الطريق بين العراق وسورية ، وتقع فيها جبال سنجار التي يبلغ ارتفاعها نحو ( 4800 قدم ) .
واشتهر في سنجار الكثير من المراقد والأضرحة المنسوبة لآل البيت والتي عمرها الفاطميون والبويهيون والحمدانيون والعقيليون .
وتخضع هذه المقامات الآن لنفوذ اليزيديين ، وهؤلاء لهم ديانة معروفة خاصة بهم لكنهم يعظمون ويحترمون هذه المقامات وأصحابها .
ومن تلك المشاهد المرقد المنسوب للسيدة زينب الكبرى بنت علي على أساس أنها توفيت في هذه المنطقة عند مرور السبايا بعد واقعة الطف .
ويقع الضريح المنسوب للسيدة زينب على ربوة عالية في مدخل المدينة . وهو فناء واسع ، وفيه غرفة مستطيلة الشكل في وسطها القبر المشيد من الحجر والجص ، وفي الغرفة محراب صغير ، وتغطيها قبة مظهرها الخارجي مضلع مخروطي الشكل .
وتدل الكلمات المنقوشة على مدخل الرواق الى يسار غرفة القبر على أن هذا البناء من قبل الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ أيام ملكه لبلاد سنجر ( 637 ـ 657 هـ ، 1239 ـ 1259 م ) ، وتاريخ البناء الأصلى هو سنة ( 644 هـ ) .
وعند زحف التتار واستيلائهم على سنجار سنة ( 660 هـ ) « أصابه الخراب ، لكنه جدد فيما بعد ومن قبل نائب التتر وهو من العجم يقال قوام الدين محمد اليزدي .
وجدد مرة أخرى كما يتضح من نصٍ مكتوب على لوحة رخامية موجودة على جدار غرفة الضريح من خارج البناء تقول : « جدد مزار الست زينب بنت علي العبد الفقير سيدي باشا بن خداد . . ثمان عشر شهر ربيع الأخر سنة 1105 هـ » .
وتعلو المشهد قبتان احداهما نصف كروية تغطي غرفة من غرف الضريح المتعددة ، والقبة محارية الشكل . أما القبة الثانية فهي قبة غرفة الضريح وتبدو من الخارج مضلعة مخروطية الشكل .
وفي المشهد عدة محاريب تعلوها كتابات لآيات قرآنية (16) .

شيء من التحقيق

لقد بذل العديد من العلماء والباحثين جهودهم ، وخاضوا غمار البحث والتحقيق ، لمحاكمة الروايات والنقول التاريخية حول قبر السيدة زينب الكبرى .
واذا كان المقام المنسوب لها في سنجار شمال العراق لا تسنده رواية تاريخية فيما يتوفر من مصادر الا ما يتداول ويتوارث على ألسنة أهالي تلك المنطقة فإن الأراء التي ناقشها العلماء والباحثون تنحصر في ثلاثة احتمالات :
1 ـ المدينة المنورة .
2 ـ مصر .
3 ـ دمشق .

أولاً ـ المدينة المنورة

دافع العلامة السيد محسن الأمين العاملي عن هذا الرأي باعتبار أن المدينة هي موطن السيدة زينب وأن من الثابت عودتها الى المدينة بعد واقعة كربلاء ، فاستصحاباً نحكم بأن وفاتها وقبرها في المدينة المنورة مالم يثبت العكس ، وقال نصه :
يجب ان يكون قبرها في المدينة المنورة فانه لم يثبت أنها بعد رجوعها للمدينة خرجت منها ، وان كان تاريخ وفاتها ومحل قبرها بالمدينة مجهولين ، ويجب أن يكون قبرها بالبقيع وكم من أهل البيت أمثالها من جهل محل قبره وتاريخ وفاته خصوصاً النساء (17) .
وناقش هذا القول البحاثة الشيخ محمد حسنين السابقي بما يلي : نحن لا ننكر أن يكون مدفنها الطاهر في البقيع في المدينة المنورة إذ هي وطنها الكريم وبها قبور اخوتها وشيوخ قومها وجدها وأمها ولكن بشرط أن يقوم عليه دليل قاطع أو نصٍ تاريخي .
لأن قبور البقيع ذكرها المؤرخون قديماً وحديثاً يذكرها ابن النجار في ( تاريخه ) ، والسمهودي في تاريخه الحافل ( وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى ) في باب مخصوص لذكر مزارات أهل البيت والصحابة ولا نجد فيها قبر العقيلة زينب لا في القبور المعمورة ولا المطموسة .
ولكان لمرقدها ذكر ولو في القرون الأولى كما بقي لمن دونها في الرتبة من بني هاشم بل ولمن يمت اليهم بالولاء أيضاً .
على أن الذين ذهبوا الى هذا القول انما مستندهم الأستصحاب الأصولي وهو أنه ثبت أن العقيلة زينب دخلت المدينة بعد محنة أخيها ورجوعها من الشام وكانت بالمدينة في قيد الحياة ثم شككنا هل ماتت في الشام أم لا ؟ فالاستصحاب يقول : الأصل عدم موتها بالشام بل بالمدينة حتى يحصل لنا شيء يزيل هذا الشك ويثبت لنا باليقين أنها ماتت بالشام .
وهذا الدليل لا غبار عليه في نفسه ولكن لا يستدل بمثله في القضايا التاريخية ، ولو قلنا به فثبت ما أزال هذا الشك بما رواه ابن طولون الدمشقي من ذهابها الى الشام وموتها بها وعليه أكثر الفقهاء المجتهدين الأصولين (18) .

ثانياً : بين القاهرة ودمشق

وإذا لم يكن هناك أثر نقلي يتحدّث عن قبر للسيدة زينب كبرى في المدينة المنورة ولا يوجد مقام ظاهر ينسب لها هناك ، فإنّ الأمر ليس كذلك فيما يرتبط بمصر والشام ، حيث توجد روايات ونصوص تاريخية يستدلّ بها أنصار كلّ من الرأيين ، كما يتعالى في سماء القاهرة ودمشق مقامان شامخان ينسبان للسيدة زينب ، وتؤمّهما جماهير المؤمنين ويقصدهما الزائرون .
لكنّ المطالعة الدقيقة والبحث الموضوعي في أدلّة الطرفين يرجّح كفّة الأطمئنان إلى أنّ مشهد الراوية في دمشق هو الأقرب إلى الصحّة والواقع .
وذلك لتظافر الأدّلة في كتب المؤرخين والرحّالة والسّائحين منذ القرون السابقة وإلى الآن .
ولضعف مستند القائلين بسفر السيدة زينب الكبرى إلى مصر وموتها فيها ، وللإحتمال الكبير في أن يكون المقام في مصر لزينب أخرى من أهل البيت .
وقد أفرد بعض العلماء كتباً ورسائل لتحقيق هذا الموضوع ، ومن أبرزهم العلامة المرحوم الشيخ فرج العمران القطيفي ( 1321 هـ ) والذي ألّف رسالة تحت عنوان ( المرقد الزينبي ) سنة ( 1377 هـ ) وطبعها في النجف الأشرف ـ العراف ) وكانت نتيجة البحث التي انتهى إليها في رسالته هو ترجيح المقام الزينبي في مشق ، وأنّه للسيدة زينب الكبرى .
والبحث الآخر والأعمق هو للبحّاثة الباكستاني الشيخ محمد حسنين السّابقي ، ويقع في أكثر من (240 صفحة ) وقد طبع في بيروت سنة ( 1399 هـ 1979 م ) .
ونقتبس منه الفقرات التالية بشيء من التصرّف والاختصار إنّ رحلة السيدة العقلية إلى مصر واقامتها هناك وتليبتها لداعي حماها وحديث مدفنها بها قضية من أهمّ القضايا التي لا يفوت ذكرها كلّ مؤرخ يقظان .
ولا أقلّ من أن يذكره والمؤرّخين الذين نشأوا في مصر خان ولكنهم بأجمعهم لم يشيروا اليه أدنى اشارة .
وتتجلى هذه الحقيقة بعدما نرى اهتمام المصريين باحاطة الأخبار وضبط الحوادث المتعلقة ببلادهم .
فأول مدوّن لتاريخ مصر في الإسلام هو عبد الرحمن بن عبد الحكم المصري المتوفى ( 257 هـ ) له في تاريخ مصر كتاب حافل سماه « منهج السالك في أخبار مصر والقرى والممالك » ذكر فيه تراجم كثير من الصحابة ممن دخل مصر .
وتبعه أبو عمرو محمد بن يوسف الكندي المتوفى ( 354 هـ ) وله عدة تأليفات في تاريخ مصر .
ثم برع في تدوين أخبار مصر والأحاطة بحوادثها أبو محمد حسن بن إبراهيم بن ذولاق الليثي المصري المتوفى ( 387 هـ ) .
ثم تلاه في هذا الموضوع عز الملك محمد بن عبدالله بن أحمد الحراني المسبحي المتوفى سنة ( 420 هـ ) .
ثم المؤرخ المتتبع القاضي أبو عبدالله محمد بن سلامة القضاعي الشافعي المتوفى ( 453 هـ ) ولم يقصر همه على ضبط الحوادث التاريخية فقط بل ألف في المزارات المقصودة للزيارة والتبرك التي تشد اليها الرحال وله في هذا الموضوع كتاب ( اُنس الزائرين ) ترجم فيه للسيدة نفيسة وعين مدفنها وليس فيه لقبر زينب الكبرى عين ولا أثر .
ثم اعطف الى المقريزي والسيوطي والقلقشندي وغيرهم لم نجد أحداً من هؤلاء أنه ذكر دخول السيدة زينب الكبرى في مصر ومدفنها بها .
على أن هناك جماعة من مؤرخي مصر ممن أفرد تأليفه في تحقيق المزارات والقبور والمساجد كابن يونس والهتناني والقرشي صاحب ( المزارات المصرية ) وابن سعد النسابة صاحب ( مزارات الأشراف ) وابن عطايا والحموي الذي ذكر جملة من مزارات مصر ، وموفق الدين صاحب ( مرشد الزوّار ) ترى هؤلاء الإعلام يترجمون أصحاب القبور ويميزون بين المزارات الصحيحة والمزورة من العلويين وغيرهم في مصر .
ولم يذكر أحد من هؤلاء أن العقيلة زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين مدفونة في مصر (19) .
إن كبار المؤرخين المطلعين على تاريخ مصر بدقة وتحقيق لم يصح لديهم دخول أي ولد لأمير المؤمنين لصلبه في مصر .
قال الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي المتوفى ( 576 هـ ) : ـ لم يمت له ـ أي لعلي ـ ولد لصلبه في مصر .
قال الحافظ المؤرخ أبو محمد حسن بن إبراهيم بن زولاق الليثي المصري المتوفى ( 387 هـ ) :
أول من دخل مصر من ولد علي سكينة بنت علي بن الحسين .
وبه قال السخاوي .
وفي لفظ آخر للسخاوي : إن المنقول عن السلف انه لم يمت أحد من أولاد علي لصلبه في مصر .
فكيف من المعقول ان تدخل العقيلة زينب مصر وتقيم هناك زهاء السنة ثم تقبر على مرأى من المحاشد الجمة ومسمع ، ولا يعرف أمرها أحد من المؤرخين الذين عهدهم قريب بتلك الحادثة المهمة .
والإمام الشافعي كان يتجاهر بالولاء لأهل البيت ، وقد ورد في سيرته أنه كان يزور السيدة نفيسة لكن لم يرد أنه زار السيدة زينب هناك (20) .
كما دخل مصر جملة من الرحالين كابن جبير وابن بطوطة وابن شاهين وذكروا ما شاهدوا من القبور المعروفة المقصودة للزيارة في عهدهم ولكن لا تجد أحداً منهم يذكر قبر السيدة زينب الكبرى في مصر . . اللهم الا الرحالة الكوهيني الفاسي الاندلسي الذي دخل القاهرة في ( 14 ـ محرم 369 هـ ) (21) .
إن الاشتباه بوجود قبر العقيلة زينب نشأ لتعدد المسميات بزينب من العلويات وغيرهم المدفونات بمصر ، والذهن أسرع تبادراً عند سماع الإسم الى أشهر الأفراد وأكملها .
ومن المعلوم أن عادة العامة والخاصة جرت أنهم ينسبون العلويين الى رسول الله وأمير المؤمنين بلا واسطة (22) .
والظاهر أن المشهد الزينبي المعروف في القاهرة هو للسيدة زينب بنت يحيى المتوج بن الحسن الأنور بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب (23) .
والمصدر الأساس لدعوى هجرة السيدة زينب الكبرى الى مصر وموتها ودفنها فيها رسالة ( أخبار الزينبيات ) للنسابة العبيدلي ، وحول هذه الرسالة ومؤلفها ورواتها وبالخصوص الرواية المتعلقة بهذا الموضوع حولها كلام عند أهل التحقيق سنداً ومتناً (24) .
المصادر :
1- ( وفاة زينب الكبرى ) الشيخ فرج العمران ص 65 .
2- ( مرقد العقيلة زينب ) محمد حسنين السابقي ص 109 ، نقلاً عن رحلة ابن جبير ص 269 .
3- المصدر السابق ص 110 عن ( رحلة ابن بطوطة ) ج 1 ص 61 .
4- المصدر السابق ، نقلاً عن ( الأشارات ) ص 18 طبع دمشق : ( 1302 هـ ) .
5- ( أعيان الشيعة ) محسن الأمين ج 7 ص 136 .
6- ( مرقد العقيلة زينب ) السابقي ص 141 ث .
7- المصدر السابق .
8- المصدر السابق .
9- المصدر السابق ص 145 .
10- المصدر السابق ص 227 .
11- ( أدب الطف ) جواد شبر ج 1 ص 251 .
12- ( مرقد العقيلة ) السابقي ص 231 .
13- المصدر السابق .
14- ( أخبار الزينبات ) الصبيدلي ، مجلة ( الموسم ) عدد : 4 .
15- علي أحمد الشلبي رئيس مجلس ادارة المسجد الزينبي بالقاهرة في مقاله له في مجلة ( الموسم ) العدد : 4 ( من صفحة 865 الى صفحة 880 ) . نقلنا عنه بتصرف واختصار .
16- بحث الدكتور حسن كامل شميساني في مجلة ( الموسم ) العدد : 4 ص 924 ، نقلنا عنه باختصار وتصرف .
17- ( أعيان الشيعة ) محسن الأمين ج 7 ص 140 .
18- ( مرقد العقيلة زينب ) السابقي ص 102 .
19- المصدر السابق ص 29 ـ 31 .
20- المصدر السابق ص 32 ـ 33 .
21- المصدر السابق ص 33 .
22- المصدر السابق ص 54 .
23- المصدر السابق ص 59 .
24- المصدر السابق ص 75 ـ 101 .



 

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.