الإمامة والعصمة

الإسلام دينٌ يشمل جميع شؤون الحياة البشرية، وهذا أمرٌ يشهد به واقع هذا الدين، فما من واقعة إلا ولله فيها حكم.
Thursday, February 18, 2016
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
الإمامة والعصمة
الإمامة والعصمة

 






 

الإسلام دينٌ يشمل جميع شؤون الحياة البشرية، وهذا أمرٌ يشهد به واقع هذا الدين، فما من واقعة إلا ولله فيها حكم.
و إنّ الفرصة لم تتوفر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم خلال مدّة رسالته، والتي استمرت ثلاثة وعشرين عاماً، كي يعلّم الناس الإسلام كاملاً بكلّ ما ينطوي عليه، وإن كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قد قام ببيان كلّ ما أمكنه من أحكام وتعاليم.
و إنّه من المستحيل أن يكون هذا الدين قد تُرك بيانه ناقصاً، ولذا لا بدّ من وجود شخصٍ أو مجموعة أشخاص من الصحابة تلقّت الإسلام من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كاملاً، وإستوعبته، ليكون من وظيفتها بيان هذا الدين بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.
و إنّ مثل هذا الشخص موجودٌ عند مدرسة أهل البيت عليهم السلام وغير موجود عند أتباع مدرسة الخلفاء. وهذا الإختلاف هو الذي أدّى بأهل السنّة إلى معاملة الإسلام كدينٍ ناقصٍ، ولذا لجأوا إلى القياس حين وجدوا أمامهم مسائل جديدة لا يملكون جواباً لها، واستنكر أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام القياس تبعاً لأئمتهم، كما وأدانوا الإدّعاء بأنّ الدين كان ناقصاً. ولذا ورد عن أمير المؤمنين علي عليه السلام في نهج البلاغة قوله:(أم أنزل الله ديناً ناقصاً فإستعان بهم على إتمامه)(1)
وقد ورد العديد من الروايات عن أهل البيت عليهم السلام تتحدث عن أنّ ما من شيءٍ من الحلال والحرام إلا وقد جاء به كتابٌ أو سنّةٌ.
والنتيجة التي نصل إليها في مسألة الإفتراق بين المدرستين هي: أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قام- باعتقاد مدرسة أهل البيت عليهم السلام بتعيين أشخاصٍ بعينهم، لهم جنبةٌ قدسيةٌ ليكونوا خلفاء من بعده. والدليل على ذلك هو نفس الضرورة التي دعت إلى إرسال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، بينما ترك النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم- باعتقاد مدرسة الخلفاء- الأمةَ هملاً ومضى.

بيان برهان اللطف:

ولعلّ شرح دليل اللطف بشكل أكثر وضوحاً يتمّ عبر المثال التالي: إنّ أي بلدٍ يقوم بتصنيع جهاز ما متطوّر أو معقّد، كبعض أنواع الطائرات الحربية، لا بدّ له عندما يقوم ببيع وتصدير هذا الجهاز إلى الدول الأخرى من إرسال خبيرٍ متخصصٍ يشرح كيفية عمل ذلك الجهاز. ولا شك أنّ هذا الخبير لسنا بحاجةٍ له إذا أردنا تصدير حاجة بسيطة كالقماش مثلاً. وعليه فإن ديناً كالإسلام لا يمكن أن ينظر إليه على أنه حاجةٌ بسيطةٌ كالقماش، بل لا بد من وجود شخصٍ خبيرٍ، لا يمكن أن يقع في الخطأ أو الهوى، يتحمّل مهمّة بيان هذا الدين وتوضيحه للناس. إن مثل هذا الشخص هو الإمام بحسب اعتقاد مدرسة أهل البيت عليهم السلام. والمراد من عبارة (اللطف) التي وردت في كلام الطوسي هو هذه الحاجة إلى الشخص الذي يتولى هداية الناس إلى الدين، وهي حاجة ضروريّة للبشر. وتعتبر هذه القاعدة هي أساس الدليل العقلي على الإمامة.

ضرورة النص على الإمام:

بعد أن تبيّن أنّ الإمامة لطفٌ واجبٌ من قِبَلِ الله سبحانه كالنبوّة، وأن الإمام والنبي لا بدّ أن يكونا معصومين، لأن السبب الموجب لعصمة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم هو الموجب لعصمة الإمام عليه السلام، ألا وهو انقياد الناس وطاعتهم له، يظهر أنّ الإمامة كالنبوّة. فكما أن تعيين النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يكون من الله فكذلك تعيين الإمام يكون من الله. وفي كليهما لا شأن للناس بتشخيص من هو النبيّ أو الإمام،غاية الأمر أن طريق تعيين النبيّ للناس يكون عبر المعجزة والآيات الإلهية، وأما طريق تعيين الإمام فهو يتمّ من خلال النبيّ، أي بالنصّ من قبله على ذلك.
وهنا ننتقل بالاستدلال إلى مرحلته الأخيرة، وأنّه إذا ثبت ضرورة النصّ على الإمام والخليفة من قبل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فإنّ ذلك يلازم ثبوت الإمامة لعلي عليه السلام.
وتوضيح ذلك أنّ الخلاف بين المدرستين لا ينصبّ في مسألة أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم نصّ على علي عليه السلام أو على غيره، بل لا أحد يختلف في أنه لا نصّ على غير علي عليه السلام، ولذا لم يدّعِ أحدٌ وجود نصّ على غير علي عليه السلام، حتى الخلفاء أنفسهم لم تصدر منهم دعوى النصّ على أنفسهم، بل الخلاف بين المدرستين في أن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم هل نصّ على إمامة أحدٍ- وهو ما تتبناه مدرسة أهل البيت عليهم السلام أو لم ينصّ على أحدٍ- وهو ما تتبناه مدرسة الخلفاء-؟
ومتى ما ثبت ضرورة النصّ فلا بدّ أن يكون النصّ على علي عليه السلام. وبعبارة مختصرة إنّ هناك ملازمة بين القول بضرورة النصّ على الإمام وكون المنصوص عليه هو علي عليه السلام، فمتى ثبت الأول ثبت الثاني، وبهذا يتم الدليل الكلامي على الإمامة، ويثبت لنا إمامة الإمام علي عليه السلام.
وما ذكرناه يأتي في مسألة العصمة ونكرّر فيه ما تقدم فنقول: حيث ثبت لنا ضرورة أن يكون من يقوم ببيان أحكام الدين وتعاليم الإسلام معصوماً، فهنا لا بدّ من أن يكون هو الإمام علي عليه السلام ، وذلك لأن أحداً لم يذهب إلى عصمة غيره، بل من تصدى للخلافة غير الإمام علي عليه السلام اعترف بالخطأ والإشتباه ولذا اشتهر عن أبي بكر قوله: (أيّها الناس، إنّي ولّيتكم ولستُ بخيركم، فإن أحسنتُ فأعينوني، وإن أخطأتُ فقوّموني، إنّ لي شيطانا يعتريني...)،(2).
وقول عمر بعد أن أظهرت امرأةٌ خطأه في مسألة صداق النساء: (كلّ الناس أفقه من عمر حتى ربّات الحجال، ألا تعجبون من إمام أخطأ ومن امرأة أصابت، فاضلتْ إمامكم ففضلته)،(3). وكان علي عليه السلام يصحح ما يقع فيه عمر من الخطأ حتى اشتهر قوله: (لولا علي لهلك عمر)، وهكذا تنحصر العصمة في الإمام علي عليه السلام ، ولا معصوم غيره وبنيه.
والنتيجة هي إنّ دراسة مسألة الإمامة بالنحو المتقدم، والنظر إليها كمقامٍ يقوم فيه الإمام ببيان أحكام الدين، توصل إلى أنّ أحداً لم يدّعِ لغير الإمام علي عليه السلام هذا الأمر.

الدليل على الإمامة في رواية عن الإمام الصادق عليه السلام:

ورد عن الإمام الصادق عليه السلام في جوابه للسائل الذي سأله: من أين أثبت الأنبياء والرسل؟
(قال عليه السلام: إنّا لمّا أثبتنا أن لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنّا وعن جميع ما خلق، وكان ذلك الصانع حكيماً متعالياً لم يجز أن يشاهده خلقه، ولا يلامسوه، فيباشرهم ويباشروه، ويحاجّهم ويحاجّوه، ثبت أنّ له سفراء في خلقه، يعبرون عنه إلى خلقه وعباده، ويدلّونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه والمعبرون عنه جل وعز، وهم الأنبياء عليهم السلام وصفوته من خلقه، حكماء مؤدبين بالحكمة، مبعوثين بها، غير مشاركين للناس- على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب- في شيء من أحوالهم، مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة، ثم ثبت ذلك في كل دهر وزمان مما أتت به الرسل والأنبياء من الدلائل والبراهين، لكيلا تخلو أرض الله من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقالته وجواز عدالته)(4).
إنّ هذه الرواية تثبت بوضوح أنّه لا بدّ من وجود إنسانٍ له خاصية الإتصال بالله، بنحو يتمكن من تلقّي الوحي وإبلاغه للناس. وما ذكره الإمام عليه السلام في هذه الرواية هو عبارة عن الدليل العقلي على ضرورة النبوّة، وهذا الدليل يظهر بوضوح في آخر الرواية حيث يتحدث عن ضرورة وجود هذه الوسائط في كلّ الأزمنة فيقول: (ثمّ ثبت ذلك في كلّ دهرٍ وزمانٍ...).

عصمة الإمام

إشتهر قول الشيعة بعصمة الأئمة عليهم السلام. وهذا أمرٌ إختصوا به من بين الفرق الإسلامية. ولذا يتساءل البعض عن العصمة، وهل أنّها أمرٌ اخترعه الشيعة أو لا؟ وما معنى أن يكون الإنسان معصوماً؟ فهل تعني العصمة أن لا يقع في المعصية فقط، أو أنّها تعني أيضاً عدم وقوع المعصوم في الإشتباه والخطأ؟ وإذا كان كذلك، فكيف نفسّر بعض آيات القرآن الكريم التي ظاهرها نسبة المعصية للأنبياء عليهم السلام ؟ وما وقع في التاريخ من قيام الأئمة عليهم السلام ببعض الأعمال التي تبدو للوهلة الأولى أنها معصية أو خطأً، ويعترض عليها البعض بأنه لو فعل غير ذلك لكان أفضل؟ والكثير من الحوادث من هذا القبيل والتي تحتاج إلى تفسير معقول ومقبول ينسجم مع عصمة الإمام.
وتظهر الإجابة على كلّ هذه الأسئلة من خلال شرح حقيقة العصمة وتوضيحها.

حقيقة العصمة:

إن كلّ إنسان يجد في نفسه أنّ لديه عصمةً تمنعه من إرتكاب بعض الأمور، وتلك العصمة تنشأ من الإيمان الكامل بالمخاطر المحيطة بذلك الأمر، فمثلاً لا يقدم أحدٌ منّا على رمي نفسه من شاهقٍ أو في النار، مع أنّنا نتمكّن من ذلك، ولكن علمنا بمخاطر ذلك الأمر يجعلنا لا نقدم عليه، بينما نجد أنّ الطفل الذي ليس لديه علمٌ بمخاطر النار يقدم على مدّ يده إليها.
إذاً، نحن نتيجة علمنا بالمخاطر المحيطة بمجموعة من الأمور لا نقدم على مثل شرب الخمر أو لعب القمار لما نرى فيهما من مساوئ، أو لما نشاهده من آثارٍ سلبيّة وإجتماعية تترتب على ذلك. وهذا الأمر قد يحصل حتى لغير المسلم، وكلّما إزداد إيمان الشخص بمخاطرِ الذنوب ازدادت عصمتُه عن مقاربتها.
وبهذا يظهر لنا أنّ المعصوم إنسانٌ لديه إحاطةٌ وعلمٌ وإيمانٌ بمخاطر الذنوب، بحيث تتجسّد أمامه هذه المخاطر فلا يقدم على إرتكابها. والعصمة هي الإمتناع عن إرتكاب الذنوب نتيجة هذا العلم وهذا الإيمان، فالمعصوم يعلم ويشعر وجداناً بأنّ الإساءة بالقول للآخرين هي بمثابة أن يسلّط الإنسان عقرباً على نفسه، ولذا يمتنع عن القيام بمثل هذا العمل. وقد أشار القرآن إلى حقيقة العصمة هذه في قصة يوسف عليه السلام فقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾(5).
فتدلّ الآية على أن يوسف عليه السلام هو إنسانٌ لديه غريزةٌ، وأنَّ هذه الغريزة كادت تؤدي به إلى الميل إلى تلك المرأة لولا ما لديه من برهان ربّه. لقد كان ليوسف عليه السلام من الإيمان الكامل ما يمنعه من الإقدام على مثل هذا العمل. بل لم يهمّ بالمعصية بسبب وجود هذا البرهان وهو العصمة.
وفي رواية عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: (لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً)(6). فالمخاطر المحيطة بالذنوب تتجسّد أمامه بحيث يتساوى الحاضر المشهود منها والغائب.

التفسير الخاطئ للعصمة:

ذهب بعضهم إلى تفسير العصمة بشكل خاطئ، حيث جعل العصمة نوعاً من المنع الإلهي عن ارتكاب الذنوب، أي إنّ المعصوم خاضع للرقابة الإلهية الخاصة بنحو كلّما همّ بارتكاب المعصية منعه الله من ذلك فوراً. ويتصوّر هؤلاء أنّ الله وكّل ملكاً بمنعِ المعصوم من ارتكاب الذنوب. فالمعصوم يهمّ بالمعصية ويفكّر بها ولكنّ الله يقف حائلاً أمام قيامه بارتكابها فعلاً وخارجاً.
هذا النحو من تفسير العصمة خاطئ جداً، لأنها إذا كانت كذلك، فهذا يعني أنها لا تُعدّ كمالاً للمعصوم، ولن يستحقّ عليها أي مديح، وذلك واضحٌ لكل من لاحظ المثال التالي: فإنّنا لو افترضنا أن أحدهم اعتنى بمراقبة طفلٍ معيّن، بنحو يمنعه من الوقوع في ما لا ينبغي بشكلٍ دائمٍ، فإنّ هذا الإمتناع للطفل عن الوقوع بالخطأ لن يُسجّل كمالاً له.
لو كانت العصمة كذلك فما الفرق بين المعصوم وبين الإنسان العادي. إنّ وجود رادعٍ خارجي كالملائكة لدى المعصوم لا يعتبر فضيلةً له. إنّ هذه الحالة تشبّه بأن يتهيّأ شخصٌ للسرقة ثم يمتنع عنها لوجود شرطيّ يتبعه بشكلٍ دائمٍ، من غير وجود مِنعةٍ ذاتيةٍ خاصةٍ عنده تجاه السرقة.
إنّ التفسير الصحيح للعصمة هو بما يرجع إلى وجود حالةٍ خاصةٍ لدى المعصوم تمنعه من ارتكاب الذنوب، وهذه الحالة هي محل البحث.

العصمة عن الخطأ:

إنّ ما تقدم كان شرحاً لمسألة العصمة عن الذنوب، وأما العصمة عن الخطأ فهي مسألة أخرى، حيث يسأل البعض عن الدليل على كون النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الإمام عليه السلام معصوماً عن الخطأ والإشتباه في التبليغ. فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم بيّن لنا
الأحكام ولكنه ربّما يكون قد أخطأ. فلعلّ الله أوحى له بالحكم بشكل ما وهو بيّنه لنا بشكلٍ آخر، كما قد يحصل الخطأ بالنسبة لنا نحن حين يطلب منّا شخصٌ إيصال رسالة ما، فنبلّغها بطريقةٍ أخرى.
إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم والإمام عليه السلام لا بدّ وأن يكونا معصومين في بيان الأحكام الشرعية وتعاليم الدين، والدليل على ذلك هو أنّ النبي والإمام لو لم يكونا معصومين في ذلك وكان باب الخطأ والإشتباه موجوداً في حقّهما فهذا يعني أن لا تكون لدينا ثقة بكلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الإمام عليه السلام، وهذا يتنافى مع كوننا نتلقى أحكام الدين وتعاليم الإسلام منهما.
إنّنا نستطيع أن نثبت ذلك من خلال ملاحظة الدليل العقلي على الإمامة عند مدرسة أهل البيت عليهم السلام، ووظيفة الإمام عند الشيعة، فإن الإمام هو مبلّغ للدين عن النبي، وذلك لأن أحكام الإسلام لم يتم بيانها من قبل النبي بتمامها لعامة الناس، وذلك لأن مجموعة من الأسباب منها ضيق الفترة التي عاشها النبي بعد البعثة والهجرة منعته من بيان جميع أحكام الدين، فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإبلاغ الإمام بها والذي يقوم بدوره ببيانها لسائر الناس. فإذاً، الإمامة إستمرار لوظيفة النبوّة في بيان أحكام الشريعة، وهذا أمر اختصت به مدرسة أهل البيت عليهم السلام دون مدرسة الخلفاء. إنّ هذا الدليل العقلي على مسألة الإمامة هو نفسه الدليل الذي يقودنا إلى القول بالعصمة، لأننا متى آمنا بأنّ الإمام هو الحافظ للشريعة وهو القيّم عليها الذي نرجع إليه لمعرفة الإسلام، فلا بد أن يكون معصوماً.

العصمة ضرورية في الهداية:

إننا إذا أردنا أن نلاحظ النبوّة نجد أننا إنما التزمنا بالعصمة للأنبياء عليهم السلام لأن من يبعثه الله هادياً للناس لا يجوز عليه الخطأ والمعصية، وإلا لم يتبعه الناس لأنه يخطئ، وبذلك ينتفي الغرض من بعثته. إن هذا الكلام بنفسه يأتي في مسألة الإمامة، لأنها حيث كانت هي الاستمرار للنبوة في مجال بيان الدين وكان على الناس اتباع الإمام وأخذ معالم الدين منه، كان لا بد أن يكون معصوماً من الخطأ.

طريق آخر:

كما أن العصمة يمكن أن نثبتها بطرق أخرى منها: أننا كمسلمين مأمورون بطاعة الإمام كما في قوله تعالى: ﴿وأَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾(7). فلو كان الخطأ ممكناً في حقّه لوجب الإنكار عليه من قبل الآخرين، وهذا يتنافى وبوضوح مع الأمر بطاعته.
قد يعترض البعض ويقول: لا حاجة لأن يكون الإمام معصوماً، لأننا نستغني عن ذلك بوجود شخصٍ آخر يسدد له خطأه إذا أخطأ.
ولكن هذا الاعتراض غير صحيح، لأننا نسأل المعترض عن ذلك الشخص الآخر الذي ينبغي أن يقوم بمهمة التسديد للإمام، هل هو معصوم أو يحتاج هو أيضاً إلى من يسدده؟ وهكذا يتسلسل الأمر إلى ما لا نهاية، وبذلك يظهر أنه لا بد من وجود شخصٍ معصومٍ بلا حاجة إلى وجود شخص آخر يسدده.
كيف ينسب القرآن المعصية للأنبياء عليهم السلام ؟
إنّنا نجد العديد من الآيات القرآنية تنسب المعصية إلى الأنبياء عليهم السلام، مثل قوله تعالى: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾(8). وقوله تعالى: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً﴾(9).
فكيف تنسجم هاتان الآيتان وغيرهما من الآيات التي تتعرض لما يظهر منه معصية للأنبياء عليهم السلام مع الإلتزام بعصمتهم؟
إتضح بما تقدم من تفسير العصمة أنها تكون تابعةً لدرجة الإيمان لدى الشخص المعصوم. وحيث كان الإيمان على درجات، فالعصمة أيضاً على درجات. والمعصومون لا يمكن أن يقدموا على ما نقدم عليه نحن من الذنوب أحياناً، بل هم معصومون أمامها. ولكن للمعصومين أنفسهم مراحل ومراتب وليسوا سواء، فقد لا يملك بعضهم العصمة في كل المراتب، وما يعدّ ذنباً بالنسبة إليهم هو من الحسنات بالنسبة إلينا، لأننا لم نبلغ تلك المرتبة ولذا قيل (حسنات الأبرار سيئات المقربين)، أي إن الأمر خاضع لدرجات القرب من الله.
وبهذا يتمّ تفسير منطق القرآن في نسبة المعصية للأنبياء عليهم السلام. فالسيئات التي يتحدث عنها القرآن هي عبارة عمّا نعتبره نحن من الحسنات، وليس هو من المعاصي التي تدخل في الآثام.
كيف نفسّر بعض أفعال المعصومين عليهم السلام ؟
ومن الأسئلة التي تثار حول العصمة هو السؤال عن بعض ما صدر عن الإمام علي عليه السلام من تعيين عبد الله بن عباس والياً على البصرة مع قيامه بسرقة بيت المال واللجوء إلى معاوية، وقد يصل الأمر بالبعض إلى اعتبار ذلك من الأخطاء التي صدرت عن الإمام عليه السلام، وأن الإمام عيّن هذا الشخص مع وجود أشخاص آخرين يمكن أن يقوموا بهذه المهمة.
والجواب:
أولاً: إنّ أول ما ينبغي أن نلفت النظر إليه هو أن إصدار أحكام سريعة على أحداث جرت قبل مئات السنين ودون إحاطة تامة هو خطأ في حد نفسه. إنّنا لا نستطيع أن نحكم على ممارسة شخصٍ عاش قبل خمسمائة سنة بالقول: إنه لو فعل كذا لكان أفضل أو نحو ذلك.
ثانياً: إنّ الإمام عليه السلام عاش الوقائع بنفسه، وهو يعرف عبد الله بن عباس تمام المعرفة. والآن هل يستطيع أحد أن يثبت وجود أشخاص أكفاء ومؤهلين وتركهم الإمام ولم يعتمد عليهم؟ إن الجواب هو بالنفي.
ثالثاً: ثمّ إنّنا لا بد من ملاحظة الظروف والمرحلة التي كان يعيشها الإمام علي عليه السلام، فإنّنا نجد الإمام يصرّح بأنه لا يجد أفراداً مؤهلين وأن الوقت ليس مناسباً لخلافته. لقد كان الإمام يرى نفسه هو الأحق بالخلافة من بداية الأمر، وهذا أمر يعترف به الفريقان، ولكننا نجده يقول لمن جاء يريد مبايعته: (دعوني والتسموا غيري، فإنّا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان... وإنّ الآفاق قد أغمّت والحجة قد تنكّرت).
ثم يقول الإمام (لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر...)(10). فالإمام إنما قام بتولي شؤون الخلافة لأنه لم يعد لديه من عذرٍ في الابتعاد، مع أنّ الفرصة للقيام بعملية تغيير تامة لم تكن مؤاتية، ولم يكن يملك من الأفراد من يعينه في مهمته هذه.
المصادر :
1- من كلام للامام علي عليه السلام يذمّ فيه اختلاف العلماء في الفتيا، رقم 18.
2- الإمامة والسياسة، ابن قتيبة، ج 1 ص 2
3- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 3 ص 113
4- الكافي ج 1، كتاب الحجة، ص 168.
5- يوسف: 24.
6- سفينة البحار ج 2 ص 734.
7- النساء: 59.
8- طـه: 121.
9- الفتح: 2.
10- بحار الأنوار، ج29 ص499، دار الرضا- بيروت.

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.