الجبر والتفويض شبهات وحلول

کثر الحديث و تعددت الاراء حول مسالة الجبر والتفويض والامربين الامرين وحصل اختلاف في ذلک وطرح البعض شبهات وطروحات کثيرة حول الموضوع غير ان ثمة شبهات نذكرها تباعا مع حلولها.
Saturday, February 20, 2016
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
الجبر والتفويض شبهات وحلول
الجبر والتفويض شبهات وحلول

 






 

کثر الحديث و تعددت الاراء حول مسالة الجبر والتفويض والامربين الامرين وحصل اختلاف في ذلک وطرح البعض شبهات وطروحات کثيرة حول الموضوع غير ان ثمة شبهات نذكرها تباعا مع حلولها.

الشبهة الاولى : الارادة ليست اختيارية :

ان اخـتـيارية الفعل , بمسبوقيتها بالارادة الحاصلة في ضمن مقدمات غير انا ننقل الكلام الى نفس الارادة فـهـل اخـتياريتهابارادة ثانية فثالثة ولا ينتهي الى حد فلازمه التسلسل , او ينتهي الى ارادة غير مسبوقة بارادة اخرى وهو اما ارادة الواجب تعالى ,او ارادة نفس الانسان الحاصلة بلا سبق ارادة , فـيـصـبـح الانـسان مجبورا في فعله لان المفروض ان الارادت التي انتهت اليها سائر الارادات غير مسبوقة بارادة اخرى ؟.
وقد اجيب عن الاشكال باجوبة غير مقنعة , واليك بيانهاواحدا تلو الاخر:
الاول للسيد المحقق الداماد:
وقـد اجـاب عـنـه السيد المحقق الداماد ونقله صدر المتالهين في الاسفار وهذا لفظه : اذا انساقت الـعـلل والاسباب المترتبة المتادية بالانسان الى ان يتصور فعلا ويعتقد فيه خيرا ما, انبعث له تشوق الـيـه لا مـحالة , فاذا تاكد هيجان الشوق واستتم نصاب اجماعه , تم قوام الارادة المستوجبة اهتزاز العضلات والاعضاء الادوية , فان تلك الهيئة الارادية حالة شوقية اجمالية للنفس ,بحيث اذا ما قيست الـى الـفـعـل نـفـسه , وكان هو الملتفت اليه بالذات , كانت هي شوقا اليه وارادة له , واذا قيست الى ارادة الـفعل وكان الملتفت اليه هي نفسها لا نفس الفعل , كانت هي شوقا وارادة بالنسبة الى الارادة من غير شوق آخر وارادة اخرى جديدة , وكذلك الامر في ارادة الارادة , وارادة ارادة الارادة الى سائر الـمـراتـب التي في استطاعة العقل ان يلتفت اليها بالذات ,ويلاحظها على التفصيل , فكل من تلك الارادات المفصلة يكون بالارادة وهي باسرها مضمنة في تلك الحالة الشوقية الارادية والترتب بينها بـالـتـقـدم والتاخر عند التفصيل ليس يصادم اتحادها في تلك الحالة الاجمالية بهيئتها الوحدانية , فـان ذلـك انما يمتنع في الكمية الاتصالية والهوية الامتدادية لاغير,فلذلك بان ان المسافة الاينية تـسـتـحيل ان تنحل الى متقدمات ومتاخرات بالذات هي اجزاء تلك المسافة وابعاضها, بل انمايصح تحليلها الى اجزائها وابعاضها المتقدمة والمتاخرة بالمكان )) (1) .
يـلاحـظ عليه : ان المعلم الثالث مع ماله من العظمة والجلالة اشتبه عليه الامر, ومنشا الاشتباه هو الـخـلط بين الحقائق والاعتباريات , فان الارادة والعلم بالشي والعلم بذواتنا صفات وجودية لابد لها من علة موجدة حتى يستند كل اليها, وحينئذفالعلة التي اوجدت الارادة في انفسنا اما ارادة اخرى غـيـر مـنتهية الى حد يلزم التسلسل , او كانت منتهية الى ارادة غير مسبوقة بارادة اخرى من ارادة الـواجـب او الـمـمـكـن فـيـلـزم الاضطرار ولايمكن ان تكون علة الارادة نفسها بالضرورة ونظير ذلك ,اللزوم بين العلة والمعلول فهو امر حقيقي يقوم بعلة .
نعم اذا لاحظنا العلم بالعلم او لزوم اللزوم , بحيث صارالعلم الاول طرفا ومعلوما بهذا اللحاظ وخرج الـلزوم الاول عن الوسطية وصار موضوعا, فيعتبر علم آخر ولزوم ثان بينها وبين الموضوع وينقطع بـانـقـطـاع الاعـتـبـار, وهـذا مـا يـقـال مـن ان الـتسلسل في الامور الاعتبارية غير مضر لقوامه بالاعتباروينتفي بانتفائه , وكم له من نظير مثل موجودية الموجودوامكان الممكن وغيرها.
والـعجب انه قاس المقام بالنية مع ان الضرورة قاضية بعدم لزوم ان تكون نفس النية منوية فهي لا تحتاج الى نية اخرى , بخلاف الارادة اذ هي محتاجة الى اخرى حتى لا يلزم الاضطرار اوالالجاء.
وقد اورد عليه صدر المتالهين وجوها ثلاثة ناخذ منهاالوجه الاخير حيث قال : ان لنا ان ناخذ جميع الارادات بحيث لايشذ عنها شي منها ونطلب ان علتها اي شي هي , فان كانت ارادة اخرى لزم كون شـي واحـد خـارجـا وداخـلا بـالـنسبة الى شي واحد بعينه هو مجموع الارادات وذلك محال , وان كان شيئا آخر لزم الجبر في الارادة (2).
قلت : نظير هذا ما يقال في ابطال التسلسل من ان السلسلة غير المتناهية المترتبة على نحو الترتب الـعـلـي والـمـعـلـولي كلهاروابط ومعاني حرفية , فهذه الموجودات المتسلسلة وان كان لايمكن الاحاطة بها بالاشارة الحسية غير انه يمكن بالاشارة العقلية ولو بعنوان المشير, فنقول :
الـسـلـسلة غير المتناهية المحكوم عليها بالفقر والحاجة لا يمكن ان يدخل فرد منها في الوجود الا بـالافاضة عليه من جانب الغني بالذات , اذ الفقير الفاقد لجميع شؤونه حتى وجود ذاته لا يمكنه ان يكون معطيا ومغنيا سواء كان واحدا او كثيرا, متناهيا او غيرمتناه .
الثاني جواب صدر المتالهين :
و هـنـا جواب ثان ذكره صدر المتالهين وحاصله : ان المختارما يكون فعله بارادته لا ما يكون ارادته بـارادته والا لزم ان لاتكون ارادته سبحانه عين ذاته , والقادر ما يكون بحيث ان اراد الفعل صدر عنه الفعل والا فلا, لا ما يكون ان اراد الارادة للفعل فعل والا لم يفعل (3) .
وقـد اوضـحـه سـيـدنـا الاسـتـاذ (دام ظله ) ما هذا ملخصه : ان الارادة والعلم والحب من الصفات الحقيقية ذات الاضافة بين الانسان ومتعلقه .
ثـم ان الـمعلوم ما تعلق به العلم , والمحبوب ما تعلق به الحب لا ما تعلق بعلمه العلم وبحبه الحب , فهكذا المراد والمختار ماتعلقت به الارادة والاختيار لا ما تعلقت بارادته واختياره ,الارادة والاختيار, والـقـادر عـنـد العقلاء من اذا شاء صدر عنه الفعل واذا لم يشا او شاء عدمه لم يصدر لا ما اذا اراد ارادة الـفعل صدر عنه , ولو كان المقياس في الاختيار هو تعلق الارادة على نظيرتها لم يصدر فعل ارادي عن المريد قط حتى الواجب .
فـان قلت : ليس النزاع في التسمية والاصطلاح حتى يندفع بماهو الميزان عند العقلا في تشخيص الفعل الاختياري عن غيره , بل هو معنوي وهو ان مبدا الفعل اعني الارادة اذا لم تكن باختيار النفس وانتخابها, بل كان رهن مقدمات غير اختيارية يصير الفعل معها اضطراريا غير اختياري ومعه لا تصح العقوبة وان سمي عندهم فعلا اختياريا.
قـلـت : ان الـبـحـث يقع تارة في تشخيص الفعل الارادي عن غيره , واخرى في تنقيح مناط صحة الـعـقوبة , وما افاده (طيب اللّه رمسه ) كاف في المقام الاول , اذ لا يشك اي ذي مسكة من ان الفعل الارادي هـو مـا تعلقت به الارادة لا ما تعلقت بارادتها ارادة ثانية , في مقابل حركة المرتعش , اذ هي صادرة عنه لا بارادة متعلقة بفعله , من غير فرق بين الواجب والممكن .
واما المقام الثاني اي تشخيص مناط صحة العقوبة وعدمها,فالمرجع في ذلك هو العقلا وفطرياتهم ومـرتـكـزاتـهـم , ولاريب ان جميع العقلا يميزون بين الحركة الارادية والحركة الارتعاشية بصحة المؤاخذة على الاولى دون الثانية , وليس ذلك الا لحكمهم بان الفعل صادر عن ارادته واختياره من دون اضطرار واجبار وما ذكر من الشبهة انما هو جدل عقيم في سوق الاعتبار.
الجواب الثالث للمحقق الخراساني :
وثـمة جواب ثالث للمحقق الخراساني اشار اليه في اوائل الجز الثاني عند البحث في التجري وقال : ((ان الاختيار (يريدمن الاختيار, الارادة ) وان لم يكن بالاختيار الا بعض مباديه ,يكون غالبا بالاختيار للتمكن من عدمه بالتامل فيما يترتب على ما عزم عليه من تبعة العقوبة واللوم والمذمة (4).
يلاحظ عليه : ان الاشكال لا يحسم بما افاد: اذ لقائل ان يسال عن المبادئ التي ادعي انها بالاختيار, فهل الارادة المتعلقة بهامسبوقة بارادة اخرى او لا؟ فعلى الاول ينتهي الى ارادة غيرمسبوقة بارادة اخرى ولازمه الجبر والاضطرار, وعلى الثاني يلزم التسلسل .
الجواب الرابع للمحقق الحائري :
ان شـيـخ مـشـايـخنا العلامة الحائري قد دفع الشبهة بوجه آخروقال : ((انما يلزم التسلسل لو قلنا بانحصار سبب الارادة في الارادة ولا نقول به , بل ندعي انها قد توجد بالجهة الموجودة في المتعلق , اعـني : المراد, وقد توجد بالجهة الموجودة في نفسها فيكفي في تحققها احد الامرين , وما كان من قـبيل الاول لا يحتاج الى ارادة اخرى وما كان من قبيل الثاني حاله حال سائرالافعال التي يقصدها الـفـاعـل بـمـلاحـظة الجهة الموجودة فيها ـالى ان قال : ـ والدليل على ان الارادة قد تتحقق في مصلحة في نفسها هو الوجدان , لانا نرى امكان ان يقصد الانسان , البقاء في المكان الخاص عشرة ايام بـمـلاحـظـة ان صـحـة الصوم والصلاة التامتين تتوقف على القصد المذكور, مع العلم بعدم كون هذاالاثر مترتبا على نفس البقاء واقعا, ونظير ذلك غير عزيز (5).
يـلاحـظ عـليه : ان الاشكال بعد باق , اذ لقائل ان يسال عن تعلق الارادة على ايجاد الارادة فهل هي مسبوقة بارادة اخرى وهكذا فيتسلسل او لا؟ فيلزم الجبر.
الجواب الخامس :
ما هو المشهور بين المحصلين .
ان اخـتـيـاريـة كـل شـي بالارادة واما اختياريتها, فبذاتها اذ كل ما بالعرض لابد وان ينتهي الى ما بالذات , فكما ان كل موجودموجود بالوجود والوجود بنفسه , فهكذا الارادة .
ولا يخفى ان الاشكال بعد باق .
تـوضيحه : ان القائل خلط بين الجهات التقييدية والتعليلية ,فان مرادهم من قولهم : الوجود موجود بنفسه , هو انه لا يحتاج الى ضم حيثية تقييدية ورا وجود موضوعه نظيره حمل الابيض على البياض الـذي لا يـحـتـاج الـى ضـم ضـميمة وراوجود الموضوع , بخلاف قولنا: الجسم ابيض فان الحمل رهـن وجـود حـيـثـية تقييدية وراء الموضوع , ويسمى الاول المحمول بالصميمة والثاني المحمول بالضميمة .
وفـي الـوقـت نـفـسـه ان الـبياض وان كان مستغنيا عن الحيثية التقييدية ولكنه غير مستغن عن الـحـيـثـيـة الـتـعـلـيـلـيـة وعـلـى ضؤذلك , فحصول الارادة في صقع الذهن غير مستغن عن الـحيثية التعليلية فعندئذ فاما ان تحدث في النفس بارادة سابقة عليهااولا, وعلى الثاني تكون امرا غـيـر اخـتـيـاري لـعـدم مـسـبـوقيتهابارادة اخرى وعلى الاول , اما ان لا تنتهي سلسلة الارادات فيلزم التسلسل , واما ان تنتهي فيلزم الجبر ثم يعود الاشكال ويطرح نفسه من جديد.
الجواب السادس ما اجاب به سيدنا الاستاذ.
وحـاصـل ما افاده : ان الارادة تصدر عن النفس بلا توسط شي آخر, فانها فاعلة بالتجلي الذي يكون تصور الفاعل كافيا في الايجاد والابداع ولا يتخلف عنه , هذا من جانب , ومن جانب آخر ان النفس من الـفـواعـل الالـهـيـة وكـل فـاعـل الـهـي يـجـد كـمالات فعله في مقام الذات فاذا كان الاختيار والانـتخاب موجودا في مقام الفعل فهو موجود في مرتبة الذات على نحو الاجمال والبساطة لنفس الـقـاعـدة , فيكون معنى ذلك ان النفس واجدة في مقام ذاتها وحاق وجودها كمالات فعلها, اعني : الـعلم والاختيار والارادة , بنحو اتم واشرف , فان وجود هذه الثلاثة فى اقسام الفعل امر بديهي فلابد ان تكون موجودة في مقام الذات , لما اشرنا اليه من القاعدة .
وعـلـى ضوء ذلك فالنفس مختارة بالذات وفي ظل هذاالاختيار تصدر الارادة منها, فيكون الانسان في ارادته مختارافي ظل الاختيار الذاتي للنفس .
هذا اجمال ما افاده (دام ظله ) واليك تفصيله :
1- ان الافـعـال الـصـادرة عـن الـنـفـس تـنقسم الى : تكويني ونفسي , وان شئت قلت : الى تسبيبي ومـبـاشـري , فـالاول منهما مايصدر عنها لا بلة , كالخياطة والكتابة واحداث البنا الى غيرذلك من الامـور الـمـوجـودة خـارج لوح النفس , ففي هذه المواردكل من المقدمة وذيها, مسبوق بالتصور والـتـصـديـق والشوق المؤكد (في اغلب الموارد) فاذا تمت المقدمات يجد الانسان في ذهنه العزم والجزم والتصميم , وعند ذلك , تنقاد الاعضاوتتوجه نحو القيام بالفعل .
ان النفس في مجال هذا النوع من العمل فاعلة للحركة فبحركة العضلات تتحقق الافعال التكوينية التسبيبية من الخياطة والكتابة .
والـثـانـي مـنـهما ما يصدر عنه بلا آلة او بلة غير جسمانية , وان شئت قلت : ما يصدر عنها بخلا قية النفس وايجادها في صقعهاكصاحب ملكة علم الفقه او النحو, فاذا سئل عن عدة مسائل تاتي الاجوبة فـي الـذهن تباعا, واحدة تلو الاخرى , ونظيرهاخلق الصور البديعة الهندسية المقدارية , لمن زاول هندسة البنا وصار ذا ملكة فيها.
وهذا النوع من افعال النفس , اختيارية لها, وان لم يكن هناك تصور ولا تصديق , ولا شوق , ولا ارادة , وسيوافيك وجهه ومثلها الارادة , فانها فعل مباشري للنفس , وليست مسبوقة بمقدمات الارادة اصلا.
2- ان النفس في هذا النوع من الافعال , فاعلة بالتجلي وليست فاعلة بالعناية , والفاعل بالتجلي جامع لـكـمـالات فـعـلـه فـي مقام الذات على نحو الاجمال والايجاد, فالاجوبة العلمية والصور البديعة , والاخـتـيـار الملموس لكل انسان قبل التصميم والجزم , وحتى نفس الارادة ونظائرها موجودة في مـقـام الـذات لـكـن لا على نحو التفصيل , بل على سبيل الاجمال , فتكون النفس في مقابل الذات مـريـدة ومـخـتارة بالذات بشهادة وجودهما في مقام الفعل , ويكون هذا هو الملاك في كون القسم الـثـانـي فـعـلا اختياريا واراديا, لا سبق ارادة تفصيلية عليه فبالاختيار الذاتي تنشا الارادة والجزم والتصميم .
وتـعـلـم حـال الـنـفس اذا قيست الى الواجب عز اسمه , فانه سبحانه خلق الكون وما فيه لا بارادته الـتفصيلية والا يلزم ان تكون الذات محلا للحوادث , بل بارادة اجمالية او اختيار ذاتي , هماعين ذاته سـبـحـانه وان لم ينكشف لنا كنههما, فكما ان الملاك لكون فعله اختياريا هو كونه موجودا مختارا بالذات , باختيارهو عين ذاته , فهكذا النفس فهي مختارة في ايجاد القسم الثاني من الافعال باختيار ذاتي هو عين ذاتها.
والذي يحل العقدة , ويزيل الشبهة من راسها هو نفي كون شي واحد (مسبوقية الشي بالارادة ) ملاكا مـنـحصرا للاختيار,بل الملاك احد الامرين , اما مسبوقية الفعل بالاختيار, او كونه صادرا عن فاعل مختار ومريد بالذات , ولاجل ذلك صارت النفس مثلا للّه سبحانه وان كان سبحانه منزها عن المثل والند.

الشبهة الثانية :

قـد ثـبـت في الفن الاعلى ان ((الشي ما لم يجب لم يوجد))وهي قاعدة محكمة بنيت على اصول صحيحة , عامة لجميع الفواعل والعلل واجبا كانت او ممكنة , مختارة كانت او مضطرة .
ثـم ان جـماعة ممن لم يقفوا على مغزى القاعدة جعلوها من ادلة القول بالجبر, قائلين بان وجوب الشي عبارة عن ضرورة تحققه وامتناع عدمه وما كان كذلك يكون الفاعل موجبا(بالفتح ) ومضطرا في ايجاده وملجا في احداثه , والا لم يجب وجوده ولم يمتنع عدمه .
وثـمـة مـن رفـض القاعدة في افعال الواجب وابداعاته لئلا يلزم الجبر في افعاله , وفي الوقت نفسه اخـذوا بـهـا فـي مـقـام اثبات الصانع , مستدلين بان وجوب الشي وضرورة وجوده فرع وجود فاعل يخرجه عن الامكان الى حد الضرورة وليس هو الا الواجب سبحانه .
ومـعنى ذلك ان القاعدة خاضعة لميولهم فرفضوها في مقام لا يناسب مذاقهم واخذوا بها في مقام آخر يوافق فكرتهم وعقيدتهم , ولاجل حسم الشبهة نبحث عنها في مقامين :.
الاول : في مفاد القاعدة .
الثاني : عدم منافاتها لاختيار الفاعل .
واليك الكلام في المقام الاول .
ا ما هو مفاد القاعدة ؟.
ان تبين مفاد القاعدة رهن بيان امرين :
الاول : وصف الشي بالامكان بالنظر الى حاق ذاته :
ان تـقسيم المفهوم الى الممكن وغيره (المراد من الغير هوواجب الوجود وممتنعه ) انما هو بالنظر الـى مـفهوم الشي الممكن مع قطع النظر عن الخارج , والا فبالنظر الى خارج ذاته فهو اما ضروري الـوجـود, او مـمـتنعه , اذ لو كانت علة الوجودموجودة فيدخل في القسم الاول , ولو كانت معدومة فيدخل في الثاني .
فـلا يـمـكـن الحكم بامكان الشي اي سلب الضرورة عن الطرفين الا اذا قصر النظر على ذات الشي دون ما حوله من علل الوجود او خلافها.
وبعبارة اخرى : كل ممكن لا يخلو في نفس الامر من احدى حالتين :
فـاما ان يكون مقارنا مع علل وجوده , او مقارنا مع عدمها,ففي كل من الحالتين يحكم عليه باحدى الـضـرورتين اي ضرورة الوجود او ضرورة العدم , ففرض الامكان للماهية انماهو بتحليل من العقل وقصر النظر على صميم ذاتها, دون ملاحظتها مع الخارج .
الثاني : الاولوية غير كافية في الايجاد.
عدة اجزاء فلا تخلو العلة :
امـا ان تـسـد جـمـيع ابواب العدم عليه باجتماع الاجزاء او لا,فعلى الاول يثبت المطلوب اي يكون وجـوده واجبا وضروريا,لان المفروض ان كل ما يحتاج اليه المعلول في وجوده فهوموجود بالفرض وشي دخيل في تحقق المعلول الا وهوموجود.
وعـلـى الـثـانـي اي لا يسد جميع ابواب العدم عليه وذلك بفقدبعض الاجزا يكون ممتنع الوجود , والقول بوجوده مع نقصان العلة يرجع معناه الى وجود المعلول بلا علة وهو باطل بالضرورة .
وامـا مـا ربما يقال من كفاية الاولوية في تحقق المعلول ,وعدم لزوم وصول وجود المعلول الى حد الوجوب بل يكفي ترجح جانب الوجود على العدم , فغير تام .
لانـه ان اراد مـن الاولـويـة كـفـاية وجود بعض اجزا العلة دون بعض , لحصول الاولوية بذلك فغير صـحـيـح , لان مـعـنـى ذلـك عـدم مدخلية غير الموجود من اجزاء العلة في تحقق المعلول مع ان المفروض انه من اجزائها ومدخليته في تحققه ومرجعه الى التناقض .
وان اراد مـنـها لزوم اجتماع جميع اجزاء العلة لكن لا يشترطوصول وجود المعلول الى حد الوجوب فـقـد عـرفت بطلانه ,لانه مع ذلك الفرض يسد جميع ابواب العدم ويستحيل عروضه عليه , فيكون النقيض الاخر واجبا بلا كلام .
فاتضح بذلك امران :
1- ان وجـود الـشـي فـرع اجتماع جميع اجزاء علته حتى ينسد به ابواب العدم على المعلول وتحقق جـمـيع الاجزاء يلازم وجوب الوجود ولزومه , والا فلو افترضنا اجتماع جميع اجزاء العلة ومع ذلك لم يـكـن الـمـعـلـول مـتحققا يرجع معناه الى عدم كفاية الموجود في التحقق , والا فمع افتراضها لا وجه للانفكاك وعدم التحقق .
2- عـدم كفاية رجحان الوجود على العدم في تحققه لماعرفت من ان مرجع كفاية الرجحان اما الى الـتناقض في القول وافتراض مدخلية شي في تحقق المعلول واما عدم تحققه مع اجتماع جميع ما يتوقف عليه من اجزاء العلة .
اذا عـلـمـت هـذين الامرين , تقف على ان القاعدة لا تنفي اختيارية الفاعل في فعله اذا كان الفاعل فـاعـلا مـختارا, بل تؤكدالاختيار, لان الفاعل بارادته واختياره يوجب وجود المعلول ويحتم ثبوته , والـوجـوب والايـجـاب بـالاخـتيار لا ينافي الاختيار, وعلى ذلك فالفاعل فاعل موجب (بالكسر) لا فاعل موجب (بالفتح ).
وان شـئت قـلـت : ان مـفاد القاعدة هو ان المعلول لا يتحقق الا بسد جميع ابواب العدم عليه , ولا يـسده الا الفاعل , فهو لو كان فاعلا مضطرا يسده بالاضطرار, ولو كان فاعلا مختارا يسده كذلك , فلا صلة بين القاعدة ونفي الاختيار.
تنبيه :
وربـمـا يـتـصـور ان الـقاعدة مبنية على القول بامتناع الترجيح بلا مرجح وعدمه , فاذا قلنا بالاول فالقاعدة تامة والا فلا.
يـلاحـظ عليه : اولا: ان قاعدة امتناع الترجيح بلا مرجح , من الاوليات التي لا يشك فيها ذو مسكة , لان مل تجويزه هوجواز الترجح بلا مرجح والمعلول بلا علته وهو باطل بالضرورة .
وجـه ذلـك لو افترضنا ان بين يديك رغيفين او امام الهارب طريقين , فكما ان اصل الاكل والهرب يـحـتـاج الـى عـلة , فهكذاتخصيص احدهما دون الاخر امر وجودي لا يفارق العلة فمن قال بجواز الـترجيح بلا مرجح , فقد جوز تحقق امر وجودي وهو تخصيص احدهما دون الاخر بلا علة , وما مثل برغيفي الجائع او طريقي الهارب فثمة مرجحات خفية لا يلتفت اليهاالانسان بتفصيل , كان يختار ما يـقع في جانب اليمين على ما في جانب اليسار, او يختار اول ما تطرف اليه عيناه , الى غير ذلك من المرجحات التي ربما تخفى على الانسان الا بعد الامعان والدقة .
وثانيا: ان ترجيح احد الفعلين متقدم على تعلق ارادته بالايجاد فهو يرجح اولا ثم يريد الايجاد, فعند ذلك ياتي دورقاعدة ((الشي ما لم يجب لم يوجد)) فاختيار الفعل عن ترجيح متقدم على الارادة ثم الايجاب والوجوب , فكيف يناط وجوب المعلول وعدمه بشي لا دخل له فيه ؟.
وان شـئت قـلت : ان النفس بعد اختيارها ايجاد شي باي نحو حصل , يكون فاعلا موجبا للارادة اولا, وفـاعـلا موجبابتوسط الارادة لتحريك العضلات ثانيا, وفاعلا موجبابالمعلول الخارجي ثالثا, فجواز الترجيح بلا مرجح وعدمه المتقدم على مسالة الايجاب والوجوب لا صلة له بالقاعدة .
نـعـم ثـمة نكتة وهي : ان الاستقلال في الايجاد والايجاب فرع الاستقلال في الوجود, والعلة التامة الـمستقلة ما تسدبنفسها وبذاتها جميع الاعدام الممكنة للمعلول , ومن تلك الاعدام عدمه بانعدام فـاعـلـه ولا تـجـد لذلك مصداقا في نظام الوجود يسد بنفسه جميع الاعدام سوى الخالق المتعال (جلت قدرته ) وما سواه يمتنع عليه سد جميع ابواب العدم التي منهاعدم وجود الفاعل .

الشبهة الثالثة : تعلق علمه بافعال العبد ينافي الاختيار.

ان صـفـاتـه الـجمالية سبحانه مع كثرتها واختلافها في المفاهيم , ترجع حسب الوجود الى حقيقة بـسيطة هي صرف كل كمال وجمال وليس في مقام الذات اي كثرة وتعدد, بمعنى ان حيثية علمه في الوجود هي حيثية قدرته وارادته وبالعكس ,فالذات كلها علم , وكلها قدرة , وكلها ارادة , فصدور فـعل عن ارادته عين صدوره عن علمه , وهو عين صدوره عن ذاته الاحدية اخذا بوحدة الصفات في مقام الذات .
اذا علمت ذلك فتقرر الشبهة بالنحو التالي :
ان الـعـلم على قسمين : انفعالي وفعلي , ففي الاول , العلم يتبع المعلوم الخارجي ويستند اليه , فاذا راى ان زيـدا قـائم , يـحصل له العلم بانه كذا وكذا فليس للعلم اي تاثير في المعلوم الخارجي ,وانما الامر على العكس فالخارج , هو الذي صار مبدا لعلم الانسان بكونه قائما.
وفي الثاني الامر على العكس , فالعلم يكون سببا لحدوث المعلوم وتحققه في الخارج كما هو الحال في الفاعل العنائي والتجلي (على الفرق المقرر بينهما).
فـالـنـاظر من شاهق يتصور السقوط ويكون مبدا لسقوطه ,فالمعلوم تابع للعلم ويكون متحققا في ظله , واللّه سبحانه فاعل بالتجلي الذي يكون نفس العلم فيه مبدا ومصدرا من غيراستعانة بشي آخر, وما شانه كذلك يكون العلم متبوعاوالمعلوم تابعا, والى ذلك ينظر قول الاكابر من ان النظام الكياني تـابـع لـلـعـلم الرباني وانه المبدا لنظام الوجود من الغيب والشهود, وان ما في سلسلة الوجود من الجواهر والاعراض والمجردات والماديات تابع لعلمه الذاتي الذي هو علة لتحقق السلسلة .
وعـلـى هذا يكون علمه سبحانه مبدا لما في الكون من سلسلة الوجود على وجه لا يتخلف المعلوم عـن علمه , فعندئذيجب صدور جميع الموجودات ومنها افعال العباد, بالقضاالالهي والعلم الازلي , والا لـزم تـخـلـف الـمـعـلـوم عـن الـعـلم ,والمراد عن الارادة الممتنع في حقه عز وجل , فيصير العبادمقهورين في افعالهم وان كانوا مختارين في الظاهر.
الجواب عن الشبهة .
ان الـجـواب عـن الـشـبهة واضح بشرط الالتفات الى ما ذكرنا سابقا, وهو ان علمه تعالى لم يتعلق بـتـحـقـق الموجودات في عرض واحد حتى تسلب العلية عن سائر مراتب الوجودويستند الكل اليه سـبـحـانـه فـي درجـة واحـدة , بـل تـعلق علمه بالنظام الكياني على ترتيب الاسباب والمسببات والـعـلل والمعلولات بحيث يصدر كل مسبب عن سببه القريب حقيقة ,ولم يتعلق بتحقق الموجود فـي عرض علته او به بلا توسطسببه , والشاهد على ذلك كون الوجود معقولا بالتشكيك وتعلق كل مـرتـبـة بـمرتبة متلوة على وجه لا يكون لكل درجة من الوجود, التجافي عنها, والا يلزم الانقلاب الذاتي الممتنع ,وعلى ذلك فكل ما في الكون من وجود وتحقق فهو مرتبطبعلته القريبة وسببه .
فـالـسبب يؤثر في مسببه , والعلة في معلوله , وبه تعلق علمه الرباني وعلى ذلك يكون علمه بصدور كـل معلول عن علته مؤكدا للاختيار, لا سالبا له , اذ معناه انه تعلق علمه بصدور كل فعل عن فاعله فـلـو كـان الفاعل مضطرا تعلق علمه بصدوره عنه على وجه الاضطرار, ولو كان فاعلا مختارا تعلق عـلـمـه بـصدوره عنه كذلك , فالنظام الكياني بوجوده وصفاته , متعلق علمه , ولوصدر فعل الفاعل الاختياري عنه على وجه الاضطرار لزم تخلف علمه عن معلومه .
وان شئت قلت : ان كل ما يوجد من الكمال والجمال فهومن صقع وجوده وتجليات ذاته وان ما في دار الـوجود من النظام الاتم فهو عين علمه الفعلي الا انه لا يلازم الاضطرار, لان كل مرتبة متعلقة مـتـدلية بتمام هويتها لما فوقها, بحيث لا يمكن التجافي عنها ولا التنزل الى ما دونها ومعنى ذلك تـعـلق علمه بصدور كل مسبب عن سببه , والمعلول عن علته على النظام الخاص ولم يتعلق علمه بصدور كل معلول عن علته فقط,وانما تعلق بصدور كل معلوم عن علته على الوصف الخاص لها من اضطرار واختيار, فالقول بعلمه العنائي , وان النظام الكياني تابع للعلم الرباني مع التحفظ على نظام العلل والمعاليل يؤكد الاختيار وينفي الاضطرار.
وبـعبارة موجزة : من عرف كيفية صلة الموجودات باسبابها يعرف ان لكل جز من النظام الكياني مع كونه مظهرا لاسمائه وصفاته , اثر خاص , فالانسان فاعل مختار تحت ظل العامل المختار بالذات كاللّه سـبحانه وفاعليته ظل فاعليته تعالى (وماتشاؤون الا ان يشا اللّه ) فتعلقت ارادته بالنظام الاتم على وجه يكون الانسان فيه فاعلا مختارا والنار فاعلا مضطرا, فكون علمه العنائي منشا للنظام الكياني , لا ينافي الاختيار.
الى هنا تمت الشبهات الثلاث مع اجوبتها, اعني :.
ا : كون فعل الانسان داخلا في اطار ارادته سبحانه , ينافي الاختيار.
ب : ان تحقق كل فعل اذا كان رهن الايجاب , فهو ينافي الاختيار.
ج : ان كون علمه العنائي منشا للنظام الكياني , ينافي الاختيار وقد عرفت عقم تلك الشبهات .
بقي الكلام في شبهه اخرى وهي السعادة والشقاء الذاتيين .

الشبهة الرابعة : السعادة والشقاء الذاتيان .

ربـما يتصور ان لكل من السعادة والشقاء تاثيرا في مصيرالانسان وان السعيد بالذات يختار ما يناسبه والشقي بالذات ينتقي ما يلائمه , فالانسان يكون مجبورا ومكتوف اليدين امام مصيره .
هذه حاصل الشبهة لكن دفعها, وتحقيق معانيها يتوقف على بيان امور:
الاول : يطلق الذاتي ويراد منه معان مختلفة , ونذكر في المقام معنيين .
الاول : الذاتي ما ليس بخارج عن ذات الانسان فيكون اماجنسه او فصله او نوعه , ويطلق عليه الذاتي بالمعنى المصطلح في باب الايساغوجي .
الـثاني : ما ينتزع من ذات الشي وحاقه دون حاجة الى ضم حيثية وجودية الى منشا الانتزاع كلوازم الـمـاهية كالزوجية والامكان , وهذا ما يطلق عليه الذاتي في باب البرهان , فان افتراض الاربعة كاف فـي انـتـزاع الـزوجـيـة وكافتراض الانسان كاف في انتزاع الامكان , ويقابله العرضي مالا ينتزع من حاق الذات وانما ينتزع من حيثية وجودية منضمة الى منشا الانتزاع كانتزاع الابيض عن الجسم فلا ينتزع الا بعد انضمام حيثية وجودية ـ اعني البياض ـ اليه .
ويشير المحقق السبزواري الى ما ذكرنا بقوله :.
كذلك الذاتي بذا المكان ليس هو الذاتي بالبرهان .
بل لاحق لذات شي , من حيث هي بلا توسط لغير ذاته .
الثاني : عرف الذاتي بانه الذي لا يعلل , قال الحكيم السبزواري :.
ذاتي شي لم يكن معللا وكان ما يسبقه تعقلا.
وربما ينسبق الى الذهن بان الذاتي لا يحتاج الى علة موجدة وهو خطا محض , لان الذاتي امر ممكن , والـمـمكن لا يتحقق الا بعلة محدثة , فالذاتي بحاجة ماسة الى العلة في وجوده وتحققه ,لان نسبة الوجود الى موضوع لا يخلو عن حالات ثلاث : اما ان يكون وصفه به واجبا, او ممكنا, او ممتنعا والامر دائر بـيـن الـثـلاثـة والحصر فيه عقلي , فان كانت النسبة على النحو الاول والثالث وقلنا باستقلال الامـتناع في الجهة ولم نقل برجوعه الى جانب الوجوب , على ما هو المبين في محله كان مستغنيا عـن الـعـلـة والجعل , لان وجوب الوجوب او وجوب العدم مناطالاستغنا عن الجعل والعلة , كما ان الثاني هو مناط الاحتياج , اذالمفروض ان الممكن برزخ بينهما يصح ان يوصف به وان لايوصف , وما هو كذلك لا يوصف الا مع العلة .
وعـلـى ذلـك فـاذا قـلنا: الاربعة موجودة , فنسبة الوجود اليها يكون من قبيل الثاني , فهي في حد الاستواء لا يخرج عنه الا بسبب يضفي عليه وجوب الوجود, او وجوب العدم , وان كان يكفي في عدمه عـدم الـعـلة , ولكنه بعد تحقق الاربعة في الخارج ينتزع الزوجية من دون حاجة الى سبب آخر, بل سـبب وجودالاربعة كاف في انتزاعها عنه , لان المفروض انها لا تفارقها في وعا من الاوعية , ففرض وجود الاربعة كاف في فرض الزوجية .
هـذا كله في الذاتي في باب البرهان , ومنه يعلم حال الذاتي في باب الايساغوجي , فان نسبة الوجود الـى الانسان نسبة ممكنة فلا يخرج عن حد الاستوا الا مع العلة , ولكن بعدفرض وجوده في الخارج يـنـتزع منه الانسانية والحيوانية والناطقية بلا حاجة الى سبب خاص فان السبب المحقق للانسان , كاف في انتزاع المفاهيم الثلاثة بلا حاجة الى سبب آخر.
وعلى ذلك فالانسان , حيوان ناطق , بالضرورة , لكنه ممكن وجودا.
فظهر من ذلك ان المراد من عدم حاجة الذاتي الى العلة هواحد امرين على وجه مانعة الخلو:.
1- ان فـرض الـمـوضـوع في عالم المفاهيم كاف في حمل المحمول عليه سوا كان داخلا في الذات كالذاتي المصطلح عليه في باب الايساغوجي , او خارجا عنها لكن لازما لهاكالذاتي في باب البرهان .
2- عدم حاجته في مجال التحقق الى سبب ورا السبب الذي اوجد الموضوع , فالسبب الموجد له كاف في انتزاع جميع الذاتيات بلا فرق بين الذاتي في البرهان او باب الايساغوجي .
الثالث : الفرق بين الجهة التعليلية والتقييدية .
قـد اشـتهر في كلماتهم تقسيم الجهة الى تعليلية وتقييدية ,والمراد من الاولى هو حاجة الشي في خـروجـه عـن حدالاستوا الى علة وجودية تضفي عليه الوجود والتحقق ,والممكن بعامة اقسامه لا يستغني عن حيثية تعليلية .
وامـا الـحيثية التقييدية , فالمراد ضم حيثية وجودية الى الموضوع تصحح حمل المحمول عليه ورا حاجته الى علة موجدة للموضوع , وهذا يتجلى في المثال التالي :
اذا قلنا البياض ابيض .
او قلنا الجسم ابيض .
فالاول رهن حيثية تعليلية تخرج البياض من حد الاستواالى جانب الوجود, وهذه الحيثية كافية في حـمـل الـمـحمول على الموضوع , ولا يتوقف الحمل الى ضم حيثية تقييدية الى البياض بل وضعه يـصـحـح حـمل الابيض , وهذا بخلاف الثاني فان حمل الابيض على الجسم رهن حيثيتين : حيثية تـعـلـيلية تخرج الجسم عن الاستوا الى جانب الوجود, وحيثية تقييدية كالبياض منضمة الى جانب الجسم حتى تكون مصححا لحمل الابيض عليه .
هـذا هو حال الممكنات , فلا يستغني اي ممكن في حمل محمول عليه من حيثية تعليلية في عامة الاقسام وتقييدية في بعضها.
واما الواجب جل ذكره فبما انه واجب الوجود ولازم الثبوت , فهو في غنى عن الحيثية التعليلية .
كـمـا انـه في غنى عن الحيثية التقييدية , لان الذات عين الوجود والكمال , فلا حاجة في حمل اي كمال عليها لشي ورا الذات .
فـتـبـيـن بـذلك ان الواجب لا يحتاج الى الجهات التعليلية والتقييدية , كما ان الماهيات الممكنة بالنسبة الى اعراضهاكالجسم بالنسبة الى البياض رهن كلتا الحيثيتين .
وامـا الـوجـود المنبسط الذي بسطه اللّه سبحانه على هياكل الماهيات فبما انه صرف الوجود عين الـتـعـلـق والفقر, فهومحتاج الى حيثية تعليلية حتى يحققه ولا يحتاج في حمل الوجود عليه الى حيثية تقييدية .
وان شئت قلت : ليس في نظام الوجود شي يوصف بالوجود بلا جهات تعليلية وتقييدية سوى الواجب فهو غيرمفتقر ولا معلل , واما الموجودات الامكانية فهي بين ما يتوقف على كلتا الحيثيتين , كقولنا: الـجـسم ابيض , واخرى على حيثية واحدة , كقولنا: الوجود موجود, او البياض موجود فلوازم الوجود والماهية معللة في التحقق والثبوت غير معللة في اللزوم والايجاب .
الثالث : الوجود هو اصل الكمال ومبدؤه .
الـماهيات بما انها امور انتزاعية من حدود الموجود فلا اثرلها ولا اقتضا وانما الاثر والشرف والكمال كـلـه لـلـوجود, وهوالاصيل في عالم التحقق , اذ العلم بوجوده يكشف عن المعلوم لا بماهيته , وهو بـوجـوده ايـضـا كـمـال وجمال لا بمفهومه , ومثله القدرة والحياة والارادة فكلها شرف بالوجود لا بـمـفاهيمها,ولذلك كلما اشتد الموجود, وقلت حدوده الوجودية اشتدكماله , وكلما ضعف الوجود وكـثرت حدوده الوجودية ضعف كماله الى ان يصل الى حد ليس له حظ من الوجود سوى كونه امرا بالقوة تسمى بالهيولى .
وعـلـى ضـؤ ذلك فصرف الوجود, مبدا كل كمال وجمال ,والموجودات الامكانية لها حظ من الاثار حسب حظها من الوجود المنبسط, ولماهياتها خواص بالعرض تبع وجوداتها.
فتلخص من ذلك ان الماهية مع قطع النظر عن تنورها بنورالوجود, منعزلة عن الاثار منخلعة عن الخواص , وما ربماينسب الى الماهية من الاثار فانما هي للوجود اولا وبالذات وللماهية ثانيا وبالعرض .
فـان قلت : كيف لا اثر للماهية مع ان اللوازم تنقسم الى لوازم الماهية , ولوازم الوجود؟ فالحرارة من لوازم وجود النار ولكن الزوجية من لوازم الماهية , فماهية الاربعة مع قطع النظر عن الوجود الذهني والوجود الخارجي تلازم الزوجية , فهي ثابتة لها في وعا الماهيات .
قـلـت : ان هذا التفسير للازم الماهية تفسير خاطئ , اذ ليست الزوجية ثابتة للاربعة في حال عدمها وانـمـا تثبت لها في ظرف وجود الاربعة في احد الموطنين : اما الذهن او الخارج , ومع ذلك فليست الـزوجـيـة مـن لـوازم الوجودين : الذهني اوالخارجي , بل من لوازم الماهية ومعنى كونه من لوازم الـمـاهـيـة لامـن لوازم الوجود, ان الانسان يدرك الاربعة مع الزوجية حتى مع غفلته عن تحصلها بـالـوجـود الـذهـنـي , وهـذا دلـيـل على ان للوجود الذهني تاثيرا في ظهور الملازمة لا في نفس الـمـلازمـة ,والا فـلو كان الوجود الذهني مؤثرا في الملازمة لامتنع تلازمهمامع الغفلة عن الوجود الـمـقـترن بهما والمحصل لهما, وهذا هوالفرق بين لازم الماهية ولازم الوجود, فالوجود في الاول سبب لظهور الملازمة بخلاف الثاني فهو سبب لها.
اذا عرفت ما ذكرنا من المقدمات , فاعلم ان للسعادة والشقاءاطلاقات ثلاثة :.
الاول : مـا اصـطلح عليه اهل المعرفة والكمال من ان السعادة هي الكمال المطلق والخير المحض , وهو مساوق للوجودالذي اليه مرجع الكمالات فالوجود الاتم المطلق خير وسعيدمطلق وكلما تنزل عـن اطـلاقـه وشـدتـه وقـوتـه , اخـتـلـفت سعادته وخيريته والشقاء في مقابلها وهو الشر المحض والعدم المطلق ظلمات بعضها فوق بعض ولها عرض عريض .
الـثـانـي : ما هو المعروف لدى العرف وابنا الدنيا ان من توفرت له في هذه الدنيا الدنية وسائل اللذة والشهوة فهو سعيد,ومن ادبرت عنه وتركته في نكبة ومحنة ولا يجد ما يسد به رمقه فهو شقي .
الـثـالث : ما عليه المليون , اعني : الذين لهم عقيدة راسخة بالمبدأ اوالمعاد, والجنة ودرجتها والنار ودركـاتها, فمن نال الجنة ونعيمها فهو من السعداء, ومن دخل النار وجحيمها فهو من الاشقياء, وهذا ما يشير اليه قوله سبحانه :.
(فـاما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق * خالدين فيها مادامت السموات والارض الا ما شا ربك ان ربك فعال لما يريد * واما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها مادامت السموات والارض الا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ) (6) .
فـمـن دخـل الـجنة , فهو السعيد, وان كان في الدنيا رهين الفقروالفاقة , ومن دخل الجحيم , فهو شقي , وان كان في الدنيا حليف العيش الرغيد.
اذا وقفت على هذه المعاني الثلاثة للسعادة والشقاء, فاعلم ان المراد منهما في هذا المقام هو المعنى الثالث لخروج الاولين عما يرتئيه الحكيم او المتكلم في ذلك المقام , ولا وجه لجعل السعادة والشقاء بـالـمـعـنـى الثالث من الذاتيات غير المعللة كماعليه المحقق الخراساني وتبعه بعضهم , اذا ليستا جـنـس الانـسـان ولا فـصـلـه ولا مـن اللوازم المنتزعة من حاق الذات , بل ينتزعان من الحيثيات الوجودية التي يكتسبها العبد باختياره , والمرادمن الحيثيات الوجودية هي العقائد الحقة والاعمال الـصـالحة اونقيضها من العقائد الفاسدة والاعمال القبيحة , الى غير ذلك ممايعد مبدا لانتها مسير الانسان الى الجنة او النار.
ولو قلنا بان الثواب والعقاب يرجع الى الانسان حسب مااكتسب من ملكات الخير والشر, فهو يخلق صورا بهية وروضة غنا, يلتذ بها, او يخلق صورا قاتمة وحفرة من النيران يعذب بها ـ ولو قلنا بذلك ـ فليست السعادة والشقاء من الامور الذاتية وانما هي من لوازم الملكات التي يكتسبها العبد في طول حياته تحت ظل ممارسة الفكر والعمل .
الى هنا تمت الشبهات المطروحة حول اختيارية الانسان المتجلي عندنا في المذهب الحق اي الامر بين الامرين .
اخبار الطينة وتفسيرها.
ان مـن الاسئلة المثارة حول اختيارية الانسان مسالة خلقة الانسان من طينات مختلفة , فطينتهم امـا من عليين او من سجين , ومن الواضح ان لكل اثرا خاصا في مصير الانسان ,ومعه كيف يمكن ان يكون الانسان فاعلا مخيرا وانما يكون فاعلا مسيرا؟.
ان تحقيق الحق يتوقف على بيان امرين :
الاول : ان مـلاك الـمثوبة والعقوبة هو مخالفة البالغ العاقل التكليف الواصل اليه , فبالعقل يميز بين الحسن والقبيح , وبين اطاعة المولى ومخالفته , كما انه بالوقوف على التكليف يقف على مراد المولى مـمـا يـرضيه او يسخطه , فاذا خالف باختياره وارادته من دون ضرورة يكون هو تمام الموضوع عند العقلالصحة مؤاخذته وعقوبته بالوان العقوبات , فهذا هو ملاك العقوبات عند العقلا.
الثاني : يمتنع عليه سبحانه امساك الفيض وقبض الاحسان , لانه الفياض المطلق الذي لا يتصور فيه شائبة البخل وعلى ضؤذلك , فاذا كان الفاعل فياضا والموضوع قابلا للاخذ والموانع منتفية , فما هو الوجه عن منع الافاضة ؟.
وان شـئت قـلـت : ان واجـب الوجوب بالذات واجب من جميع الجهات والحيثيات , فلا يتصور فيه امكان ان يفعل اويترك , بل اما يجب فعله او يلزم تركه حتى لا يتطرق اليه الامكان المستلزم للمادة الـمـنزه عنها, والقول باللزوم في الفعل والترك لاينافي كونه مختارا, نظير لزوم ترك الظلم وعدم صدور القبيح الذي لا ينافي كونه مريدا قادرا مختارا في ترك الظلم والقبح .
نـعم يفاض الجود حسب قبول القابل , وعلى وفق قابلية السائل , فاذا تم الاستعداد في القوابل تفاض عليها الصور من المبادئ العالية , ويكون ما يفاض عليها اكملها وافضلها.
اذا عـرفـت ذلـك فـنقول : ان منشا اختلاف النفوس من بدء نشوئها الى ارتقائها, رهن عوامل عديدة نـشير اليها, ولاجل ذلك نرى ان بعض النفوس تسارع الى الخيرات والاعمال الصالحة وبعضها تميل الـى الـشـرور والاعـمـال الـطالحة , فكان في جوهر الاولى حب الصلاح والفلاح , وفي جوهر الثانية حب الدنيا وزخارفها, واليك بيان تلك العوامل :.
الاول : اخـتـلاف الناس في النفس المفاضة , واختلافها ناشئ عن اختلاف النطف المستعدة لقبول الصور الانسانية , واليك توضيحه :.
ان مـن الـقـوى الـكامنة في الانسان : القوة المولدة وهي عبارة عن تهيئة المواد اللازمة من جسم الانسان وجعله مبدا لانسان آخر اودعت فيه لحفظ نوعه .
وثـمـة قوة ثانية باسم القوة المغيرة وشانها تهيئة كل جز من المني في الرحم ليختص بايجاد اعضاء خاصة بان يجعل بعضه مستعدا للعظمية وبعضها الاخر للعصبية , الى غير ذلك .
ثم ان مادة المني الذي هو اثر القوة المولدة عبارة عن الاغذية , بعد عمل القوى اعمالها وعبورها عن الـهـضـم الـرابـع ,ولكن الاغذية مختلفة غاية الاختلاف في الصفا والكدرواللطافة والكثافة وبتبعه يـخـتـلـف المني , ويعبر العلماء عن اختلاف الاغذية باختلافها من حيث الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة , ويعبر عنها اليوم باشتمالها على فيتامينات وبروتينات مختلفة وغيرها.
وعـلـى ايـة حـال فـلو كانت النطفة حصيلة الاغذية اللطيفة ,يكون استعدادها لقبول الصور مغايرا لاسـتعداد النطف الحاصلة من الاغذية الكثيفة , ومهما تصاعد اختلاف الاغذية تصاعد الاختلاف في الـمـنـي صـفاء وكدرا ايضا, وقد مضى ان الافاضة حسب قابلية المواد, فكما لا يمكن منع المواد من نورالوجود, كذلك يمتنع افاضة صور قوية على المادة الضعيفة .
الـثـانـي : ان لـشـموخ الاصلاب وعلوها ونورانيتها وكذامقابلاتها, مدخلية تامة في اختلاف الفيض الـمـفـاض واسـتـعدادالمواد للنفوس الطاهرة وخلافها ولذلك وردت في زيارة الامام الحسين بن علي (عليه السلام): ((اشهد انك كنت نورا في الاصلاب الـشـامخة والارحام المطهرة )) فسميت النطفة لكمال لطافتها نورا وانها لم تختلط بقذارة الارحام ونجاستها بل اودعت في الارحام الطيبة .
الثالث : ان لمراعاة آداب النكاح والجماع والحمل ورعاية شرائط الرضاع وسلامة مزاج الزوج والزوجة وصفا روحهما,تاثيرا خاصا في صفا النفس وكدرها, وقد ورد في هذا الصددروايات .
يقول الرسول صلی الله عليه وآله وسلم : ((انظر في اي شي تضع ولدك فان العرق دساس )) (7) .
والمراد من الدساس ان اخلاق الاباء تصل الى الابناء.
ويقول الرسول صلی الله عليه وآله وسلم: ((اياكم وخضرا الدمن , قيل : يا رسول اللّه وما خضرا الدمن ؟ قال : المراة الحسنا في منبت سؤ))(8).
يقول الامام علي عليه السلام : ((حسن الاخلاق برهان كرم الاعراق ))(9) .
الـرابـع : ان عـنصر التربية من العوامل المؤثرة في تكوين شخصية الانسان وتكامله فهو يلازمه منذ نـعومة اظفاره الى بلوغه , فان دور الوالدين في تلقين الخير والشر لطفلهما امرغير خفي على احد, ويـلـيـه فـي الاهمية عنصر التعليم الذي يتلقاه الانسان في المدارس والمعاهد, الى غير ذلك من العوامل المؤثرة في النفس الانسانية .
الـخـامـس : نشوؤها في البيئات الصالحة البعيدة عن المعاصي وفساد الاخلاق التي تترك بصمات واضحة على خلق الانسان واخلاقياته , وهذا امر واضح لا يشوبه شك .
وحـصـيـلـة الـبحث : ان ثمة عوامل كثيرة مؤثرة في تكوين شخصية الانسان منذ تكون نطفته في الارحـام الى ان يصبح انسانا كاملا, ولكن هذه الاسباب خيرها وشرها ليست على حديسلب الاختيار عـن الانـسـان ويـجـعـلـه مـكتوف اليد امامها, بل كلها مقربات ومعدات لهما وفي مقابلها اختيار الانسان وانتخابه وحريته في العمل .
نـعـم مـن اجتمع له صفاء المراد وشموخ الاصلاب وعلوها وطهارة الارحام والبيئات يجد في نفسه مـيـلا نـحـو العمل الصالح , كما ان من اجتمع فيه خلافها ومقابلاتها يجد في نفسه ميلا نحو العمل الطالح , ومع ذلك كله فليس كل انسان ملجئا الى ما يميل اليه , فالعبد بعد باسط اليدين وهو مختار في فعله لدى العقلاء وان اختلفت طينته .
هـذه هي العوامل التي تختلف بها الطينة تباعا, فما ورد في الماثورات حول الطينة وخلقة الانسان فـمـا كـان مـوافـقـا لـما ذكرنافيؤخذ به , واما المخالف لما ذكرنا الدالة على الجبر فلابد من تاويله وتـفسيره او حمله على التقية , فان الامر بين الامرين من ضروريات مذهب الامامية فلا يقدم عليه الخبر الواحد.
ان ثمة ماثورات وروايات ربما تقع ذريعة للقول بالجبر مع انها لاصلة لها به وانما تشير الى المعدات التي اشرنا اليها في الدراسة السابقة , واليك بعض هذه الماثورات :
1- ((الناس معادن كمعادن الذهب والفضة )).
والحديث بصدد بيان اختلاف جوهر النفوس في الصفاوالكدر كاختلاف المعادن في الصور النوعية والاثـاروالـخـواص , والـجـمـيع من نوع واحد لكن اختلافها حسب اختلاف الامكنة وحرارة الارض وجـفـافـهـا واشـراق الـشمس وعدمها, مما لها مدخلية في تكون المعادن وصلابتهاوخلوصها عن الشوائب .
وهـكذا المواد المكونة للنطفة والظروف المحيطة بها لهاتاثير في صفاء نفس الانسان , ومع ذلك لا تسلب الاختيار عنه .
2- مـا اثـر عـن رسـول اللّه صلی الله عليه وآله وسلم قـال : ((الـشـقـي مـن شـقى في بطن امه والسعيد من سعد في بطن امه ))(10) وفي رواية اخرى :((الشقي شقي في بطن امه , والسعيد سعيد في بطن امه ))(11).
ولا دلالـة لـلـحـديـث عـلـى ما يرتئيه الجبري , وذلك لان النفس المفاضة على المادة المستعدة الـنـورانـية , طاهرة وسعيدة منذاول امرها لعدم تدنسها من ناحية العوامل المدنسة كالاباوالاجداد وغـيـرهما, ولكن النفس المفاضة على المواد الكثيفة دنسة ونجسة وشقية منذ بدوها واول نشوئها لـكـن لا طـهارة النطفة موجبة الى الخيرات والسعادات , ولا قذارة المادة وكثافتها موجبة لاختيار الشرور والشقاء, بل كل يحن الى مايناسبه من الخيرات والشرور ولكن الميل شي والالجا شي آخر.
ويمكن ان يكون الحكم بالسعادة او الشقاء باعتبار ما يؤول اليه امر الشخص فمن ينتهي مل امره الى الجنة , فهو محكوم بالسعادة منذ اوان حياته , فكني عن اوان الحياة ببطن الام , ولعله الى ذلك يشير الـحـديث الشريف الذي رواه الصدوق باسناده عن محمد بن ابي عمر, قال : سالت ابا الحسن موسى بـن جعفرعليه السلام عن معنى قول رسول اللّه صلی الله عليه وآله وسلم : ((الشقي من شقي في بطن امه والسعيد من سعد في بطن امـه )) فـقال : الشقي من علم اللّه وهو في بطن امه انه سيعمل اعمال الاشقياء, والسعيد من علم اللّه وهـو في بطن امه انه سيعمل اعمال السعدا, قلت له : ومامعنى قوله صلی الله عليه وآله وسلم : ((اعملوا فكل ميسر لما خلق له ))؟.
فقال : ((ان اللّه عز وجل خلق الجن والانسن ليعبدوه ولم يخلقهم ليعصوه وذلك قوله عز وجل : (وما خـلقت الجن والانس الا ليعبدون ) فيسر كلا لما خلق له , فالويل لمن استحب العمى على الهدى )) (12) .
فـتـرى انـه سـلام اللّه عـلـيه دفع الشبهه كلها بان العباد مختارون وان ما خلقوا لاجله من العبادة مـيـسـور لهم , وان علمه تعالى بعمل السعدا والاشقياء او اتخاذ النطف من الامور الصفوة والكدرة لا تسلب الاختيار.
هذا بعض ما يمكن ان يقال في اخبار الطينة وما يشبهها.

خاتمة المطاف :

ان لـلـعـلماء الربانيين والعرفا الشامخين من اهل الكشف واليقين هنا كلمة قيمة هي عصارة الكتب المنزلة , والماثورات الشرعية , مدعمة بالبرهان الا وهو البحث عن احكام الفطرة ,فطرة اللّه التي فطر الـنـاس عـلـيـهـا ووصفها وبيان حقيقتها ومايدور حولها من بحوث , ونحن نشير الى بعضها بنحو الاجمال والاختصار.
ان اللّه جـلت عظمته خلق العباد بقدرته , وافاض عليهم من نوروجوده وفيض علمه وسائر كمالاته مـا هـو الـلائق بـحالهم وحسب قابلية المواد القابلة من غير ضنة وبخل , تعالى عن ذلك علوا كبيرا, وفطر النفس على اختلافها في القبول والاستعدادبفطرتين طيبتين لتكونا جناحيها نحو معراجها الى فاطرها,لتطير الى وكرها وتصل الى ربها حسب معرفتهاوعرفانها.
الفطرة الاولى :
هـي الـعـشق للكمال المطلق والجمال المحض , اعني : النورالذي ليس فيه ظلمة , والعلم الذي لا يـدانيه جهل وريب ,والقدرة التي لا يشوبها عجز, ومن هو صرف كل جمال وكمال ,فنور قلب عبده بـجمال معرفته , وهو توحيده وكمال تنزيهه حتى يتوجه الى بارئه القدير, وخالقه العزيز, ويصل الى فـنائه ويستشعر بعلو جبروته وملكوته في جميع الانات والاوقات قام في محراب عبادته , اوغاروا في عـباب عصيانه فهو في جميع الحالات , شاهد لربه بفطرته , عارف خالقه بخميرته ,ناظر الى كبريائه وجـلالـه بـعين ذاته ونور حقيقته , ولا يتطرق الزوال الى هذه المعرفة الذاتية الحاصلة له من صقع فيض خالقه .
نعم ربما تقع تحت حجاب المعاصي وظلمة الكفر و الشرك , ويسدل عليها باسدال الالحاد والخروج عليها, لكنها باقية ببقاء ذاته تجيش في كيانه .
الفطرة الثانية :
هـي كـراهـة النقص وبغضه والفرار من الشر ونبذه , فيتركه ويذره على حاله ويتنفر عن جواره , كل ذلك لكي تكتمل فطرة التوحيد عنده وينتهي سيره الى ربه , ويتوجه الى غاية الغايات ونهاية المرب (الا بذكر اللّه تطمئن القلوب )(13).
اذ لا يـرى مـصداقا لها سوى ذات ربه المحفوف بالكمال ,المحجوب عن خلقه بالجمال المنزه عن العيوب .
ثم انه سبحانه لعلمه بان عبده سيحجب عن هذه الفطرة بابتلائه بالقوى الحيوانية التي لا مناص له منها في بقاء نوعه وحفظ نسله , شفع الفطرة بارسال الرسل وانزال الكتب لكي يكتمل سيره وسلوكه , بـرفـع الـحـجـب عـن طـريـق الوعد والوعيدلهم , لان مغزى شريعة ما جاء به الانبياء والرسل يعود الـى الـفـطـرة واحكامها, فاصولها عين الفطرة كالدعوة الى التوحيد واسمائه وصفاته , وفروعها مل الفطرة , فان النفس تكتسب الفضائل والكمالات بالصلاة التي هي معراجها الى ربها,وبالحج الذي هو وفود الى كعبة آمالها.
فـان الاحـكـام جـلـها بل كلها على طبق الفطرة , والهدف الاسنى والمقصود الاعلى من ورائها هو معرفته وتوحيده والفنا في جماله وجلاله .
فما جاءت به الرسل من وعد و وعيد انما هو لتطهيرالنفوس وتنزيه القلوب , فلا يزال سفرا بيت الوحي والـهـدى يداوون الارواح العليلة بهذه الادوية التي هي الطاف الهية خفية حتى تتطهر النفوس من خبث الادناس .
فامام الانسان عقبات كؤود لابد من الورود عليها اما تزحزحه عن العذاب او تقحمه في النار الموقدة التي تطلع على الافئدة .
اعـاذنـا اللّه مـن امـثـال هذا الداء كي لا نحتاج الى دواء بحق نبيه الكريم وآله صلواته وسلامه عليهم اجمعين .
المصادر :
1- الاسفار: 6 / 389.
2- صدر المتالهين : الاسفار: 6 / 390.
3- صدر المتالهين : الاسفار: 6 / 388.
4- كفاية الاصول : 2 / طبعة المشكيني .
5- درر الفوائد: 2 / 14 ـ 15.
6- هود / 106 ـ 108.
7- المستطرف : 2 / 218.
8- غرر الحكم : 379.
9- البحار 23 / 54.
10- بحار الانوار: 3 / 44.
11- تفسير روح البيان : 1 / 104.
12- التوحيد / 356.
13- الرعد / 28.

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.