دعم الأولاد مالياً

لا شك أن على الوالدين واجباً مالياً تجاه أولادهما ، وهو وجوب الانفاق على معيشتهم ، وتوفير حوائجهم الحيويّة من طعام ولباس وسكن وما إلى ذلك ، والشريعة تعتبر الاقربين أولى بالمعروف ، والدينار الذي يُنفق على الأهل أعظم أجراً من
Sunday, February 21, 2016
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
دعم الأولاد مالياً
دعم الأولاد مالياً

 






 

لا شك أن على الوالدين واجباً مالياً تجاه أولادهما ، وهو وجوب الانفاق على معيشتهم ، وتوفير حوائجهم الحيويّة من طعام ولباس وسكن وما إلى ذلك ، والشريعة تعتبر الاقربين أولى بالمعروف ، والدينار الذي يُنفق على الأهل أعظم أجراً من الذي ينفق في موارد خيرية أُخرى.
كما أن الأولاد يرثون من الوالدين ، فلا يُجوّز الشرع المقدس حرمان الأولاد من نيل حقوقهم المفروضة لهم ـ كطبقة أُولى من طبقات الارث ـ إلاّ في موارد نادرة كالارتداد ، أو قتل الوالدين. وحول ميراث الأولاد ، قال عزّ من قائل ( يوصيكُمُ اللهُ في أولادكُم للذّكر مثلُ حظِّ الاَنثيين ... ) (1)
( ولكم نصفُ ما تركَ أزواجُكُم إن لَّم يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فإن كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ ممَّا تَرَكنَ مِن بَعدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَآ أو دَينٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكتُم إن لَّم يَكُن لَّكُم وَلَدٌ فإن كانَ لَكُم وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكتُم مِن بَعدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَآ أو دَينٍ .. ) (2)
ورب سائل يسأل ويقول : ذكرتم في الفقرة السابقة عن حق الأولاد في العدالة والمساواة ، وعدم التفرقة بين الاولاد في العطاء ، فلماذا يعطي القرآن يا ترى للذكر مثل حظ الانثيين ؟
لقد طُرح هذا السؤال قديماً على الأئمة : وكان جوابهم واحداً .. عن اسحاق بن محمّد النَّخَعي قال : سأل الفهفكي أبا محمد عليه السلام : ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهماً واحداً ، ويأخذ الرّجل سهمين ؟ فقال أبو محمد عليه السلام : « إن المرأة ليس عليها جهاد ، ولا نفقة ، ولا عليها معقُلة ، إنما ذلك على الرّجال ».
فقلت في نفسي قد كان قيل لي : إنّ ابن أبي العوجاء سأل أبا عبدالله عليه السلام عن هذه المسألة فأجابه بهذا الجواب ، فأقبل أبو محمد عليه السلام عليَّ فقال : « نعم ، هذه المسألة مسألة ابن أبي العوجاء ـ وكان زنديقاً ـ والجواب منّا واحد » ) (3)
وهناك تحليلات أُخرى للاَئمة : صفوة القول فيها : إنّ الرّجل يُعطي للمرأة الصَّداق ، وهو حق جعله الله تعالى لها وحدها ، زد على ذلك ، أنّ الرّجل هو المعيل للمرأة ، وليس عليها إعالته. وعليه فإن هذا الاختلاف بين الأولاد الذكر والانثى في الميراث هو عين العدالة. والقرآن يصرح بأنّ أولاد الأنبياء قد ورثوا من آبائهم : ( وورث سليمان داوود ) (4).
حتى إن الإمام علياً عليه السلام استشهد بهذه الآية المباركة على حق فاطمة الزهراء سلام الله عليها بوراثة أبيها محمد صلی الله عليه وآله وسلم قائلاً : « هذا كتاب الله ينطق » فسكتوا وانصرفوا (5) .
وقد منع أبو بكر فاطمة إرث أبيها بدعوى ان النبي محمد صلی الله عليه وآله وسلم قال : « نحن معاشر الانبياء لا نورث ما تركناه صدقة » ، وهذا القول كما لا يخفى يخالف صريح القرآن ، وقد ولَّد صدمةً نفسية حادّة لبنت المصطفى ، لإحساسها العميق بالغبن ، وعدم قدرتها على نيل حقوقها ، الأمر الذي اسهم بقسط في وفاتها.
بقي علينا أنْ نشير إلى أنّ الأنبياء والأوصياء والصالحين ، قد الزموا أنفسهم بحق الوصية لابنائهم ، والقرآن الكريم قد نقل لنا وصية إبراهيم عليه السلام لبنيه :
( ووصّى بها إبراهيمُ بنيه ويعقوبُ يا بنيَّ إنَّ الله اصطفى لكُمُ الدّين فلا تموتُنَّ إلاّ وأنتم مسلمون * أم كنتم شهداء إذ حضَر يعقوب الموتُ إذ قال لبنيه ما تعبدُونَ من بعدي قالوا نعبُدُ إلهك وإله آبائِكَ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحنُ له مسلمون )(6)
وتنقل لنا النصوص الإسلامية وصية قديمة وقيّمة هي وصية آدم عليه السلام إلى ابنه شيت نقتبس منها : « .. إذا نفرت قلوبكم من شيء فاجتنبوه ، فإني حين دنوت من الشّجرة لأتناول منها نفر قلبي ، فلو كنت امتنعت من الأكل ، ما أصابني ما أصابني » (7)
وقد استخدم الأئمة : الوصية أداة تنويرية ، وكأسلوب لايصال أفكارهم النيّرة ، وإرشاداتهم الخيّرة للاجيال التالية ، فمن خلال الوصية يُطلعون أبناءهم على ثوابتهم العقائدية ، وعلى خلاصة تجربتهم الحياتية.
إقرأ بتمعن هذه الفقرات المنتخبة من وصايا الإمام علي عليه السلام لفلذة كبده الحسن عليه السلام وسوف تدرك ـ بلا شك ـ صفاء بصيرته ، وطهارة وجدانه ، وعمق إنسانيته :
« أُوصيك بتقوى الله أي بنيّ ولزوم أمره ، وعمارة قلبك بذكره ، والاعتصام بحبله. وأيُّ سبب أوثق من سبب بينك وبين الله إن أنت أخذت به ! أحي قلبك بالموعظة ، وأمته بالزّهادة ، وقوّه باليقين ، ونوّره بالحكمة ، وذلّله بذكر الموت .. واعلم يا بنيَّ أنَّ أحبّ ما أنت آخذ به إليَّ من وصيتي ، تقوى الله ، والاقتصار على ما فرضه الله عليك ، والأخذُ بما مضى عليه الأولون من آبائك ، والصّالحون من أهل بيتك .. » (8)
وأيضاً اقرأ هذا المقطع من وصيته عليه السلام لولده الحسين عليه السلام ، يضمّنه أسمى المعاني وأجمل المشاعر : « يا بنيَّ أوصيك بتقوى الله في الغنى والفقر ، وكلمة الحقّ في الرّضا والغضب ، والقصد في الغنى والفقر ، وبالعدل على الصّديق والعدوّ ، وبالعمل في النّشاط والكسل ، والرّضى عن الله في الشدّة والرّخاء .. » (9)
وقد سلك بقية العترة الطاهرة هذا المسلك ، يوصي السابق منهم اللاحق ، ولا يتّسع المجال لذكر جميع وصاياهم : ، وفيما أوردناه كفاية لما أردناه.
وفي نهاية هذا المطلب ، يبدو من الضروري بمكان ، ان نلخّص ما توصلنا إليه من نقاط البحث بالقول : ان للولد على أبيه حقوقاً عديدة منها : ما يسبق ولادته ، كحقه في الوجود وحق اختيار والدته.

ومنها ما يُوجب له بعد ولادته :

كحقه في الحياة ، فلا يجوز إطفاء شمعة حياته بالوأد والقتل ، وكحقه بانتحال الاسم الحَسِن ، وتعهده بالتأديب والتربية الصالحة ، وتعليمه العلوم والمعارف الضرورية والنافعة ، ومعاملة الأولاد بالعدل والمساواة ، والاِنفاق عليهم بسخاء ، وعدم مصادرة حقوقهم المالية الواجبة ، وعدم البخل عليهم بالوصايا النافعة للدنيا والآخرة.
وعلى هذا الصعيد لابدَّ من الاستشهاد في نهاية المطاف برسالة الحقوق للإمام زين العابدين عليه السلام الذي استلهم بنودها من معدن الرسالة ومعين النبوة ، وما أروع الصورة البيانية التي يرسمها الإمام السجاد عليه السلام لحقوق الأولاد عندما يقول :
« .. وحق ولدِكَ أن تعلم أنه منك، ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره ، وانك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عزّ وجلّ ، والمعونة على طاعته. فاعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه ، معاقب على الإساءة إليه » (10)
المصادر :
1- النساء 4 : 11
2- النساء 4 : 12
3- بحار الأنوار 104 : 328.
4- النمل 27 : 16
5- كنز العمال 5 : 625 / 14101 ، عن طبقات ابن سعد.
6- البقرة 2 : 132 ـ 133 ).
7- بحار الأنوار 78 : 453.
8- نهج البلاغة ـ ضبط صبحي الصالح ـ كتاب 31.
9- تحف العقول 88.
10- شرح رسالة الحقوق حسن القبانجي 1 : 581.

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.