تحريفات مقصودة

إنّ أُطروحة كون حقيقة الأذان مناميّة وليست سماويّة هي اُطروحة أموية طُرحت بعد صلح الإمام الحسن عليه السلام مع معاو ية للاستنقاص من الرسول ومن آله الكرام ، لأنّ أوّل نصّ وصلنا في ذلك هو لسفيان بن الليل ، إذ قال :
Thursday, March 3, 2016
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
تحريفات مقصودة
 تحريفات مقصودة

 






 

إنّ أُطروحة كون حقيقة الأذان مناميّة وليست سماويّة هي اُطروحة أموية طُرحت بعد صلح الإمام الحسن عليه السلام مع معاو ية للاستنقاص من الرسول ومن آله الكرام ، لأنّ أوّل نصّ وصلنا في ذلك هو لسفيان بن الليل ، إذ قال :
لمّا كان من أمر الحسن بن علي ومعاو ية ما كان ، قدمتُ عليه المدينة وهو جالس في أصحابه ... فتذاكرنا عنده الأذان ، فقال بعضنا : إنّما كان بدء الأذان برؤ يا عبداللّه‏ بن زيد ، فقال له الحسن بن علي : إنّ شأن الأذان أعظمُ من ذلك ، أذَّن جبرائيل في السماء مثنى مثنى وعلَّمَهُ رسول اللّه‏ ... الخبر (1).
وجاء عن الإمام الحسين عليه السلام أنّه سئل عن هذا الأمر كذلك ، فقال : الوحيُ يتنزّل على نبيّكم وتزعمون أنّه أخذ الأذان عن عبداللّه‏ بن زيد؟! والأذان وَجْهُ دينكم (2).
وجاء عن أبي العلاء قال : قلت لمحمّد بن الحنفية : إنّا لنتحدث أنّ بدء هذا الأذان كان من رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه.
قال : ففزع لذلك محمد بن الحنفية فزعا شديدا ، وقال : عمدتم إلى ما هو الأصل في شرائع الإسلام ومعالم دينكم ، فزعمتم أنّه إنّما كان من رؤ يا رآها رجل من الأنصار في منامه ، تحتمل الصدق والكذب ، وقد تكون أضغاث أحلام؟
قال : فقلت [ له ] : هذا الحديث قد استفاض في الناس!
قال : هذا واللّه‏ هو الباطل ، ثم قال : وإنما أخبرني أبي : أنّ جبريل ... الخبر (3).
إذا الأمر يتعلّق بالأمويين وأنّهم يريدون أن يشكّكوا في قوله تعالى ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِيآ أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ ) (4) وفي منام الرسول الأكرم الّذي شاهد فيه بني أمية ينزون على منبره الشريف نزو القردة (5) ، وربط هذا المنام بخبر الإسراء والمعراج ، والذي جاء في صدر هذه السورة المباركة.
فأبو سفيان ، ومعاو ية ، ويزيد كانوا يريدون طمس ذكر محمّد ، فكيف بذكر عليّ وآل محمّد ، والذي مرَّ عليك كلامهم.
وحكى الأبشيهي في ( المستطرف في كلّ فنّ مستظرف ) عن الإمام [ علي بن ] الحسين أنّه دخل يوما على يزيد بن معاو ية ، فجعل يزيد يفتخر ويقول : نحن ونحن ، ولنا من الفخر والشرف كذا وكذا ، و [ علي ابن ] الحسين ساكت ، فأذّن المؤذّن ، فلمّا قال : أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه‏ ، قال [ علي بن ] الحسين : يا يزيد جَدُّ من هذا؟ فخجل يزيد ولم يردَّ جوابا (6).
وروى صاحب الأغاني بسنده إلى يحيى بن سليمان بن الحسين العلوي ، قال : كانت سكينة في مأتم فيه بنتٌ لعثمان ، فقالت بنتُ عثمان : أنا بنت الشهيد ، فسكتت سكينة ، فلمّا قال المؤذّن : أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه‏ ، قالت سكينة : هذا أبي أو أبوكِ؟
فقالت العثمانية : لا جَرَمَ ، لا أفخر عليكم أبدا (7).
وهذا معناه أنّ القرشيين كانوا يتحينون الفرص للحطّ من شأن قربى الرسول وأهل بيته علاوة على أمير المؤمنين علي الذي هو على رأس هذا البيت المقدس ، وهذا يوقفنا على أنّ الشهادة بالولاية لعلي مع افتراض تشريعها أو محبوبية ذكرها أو جواز ذكرها من باب التفسير سيعارض الاتّجاه القرشي أقوى معارضة ، ولهذا وأدلّة أخرى احتملنا أنّ الشهادة بالولاية لعلي في الأذان لم ينشرها النبيّ بنحو الجزئية خوفا على الأ مّة من التقهقر ؛ إذ بالنظر لمجموع الأدلة في الشهادة الثالثة ـ علاوةً على اعتراف الشيخ الطوسي بوجود أخبار شاذّة فيها ، وأنّ الشاذّ ـ كما عرفه المجلسي ـ هو الصحيح غير المعمول به ، وذهاب طائفة عظيمة من فقهاء الأصحاب إلى محبوبيّتها ـ يمكن احتمال أنْ يكون ملاك التشريع موجودا فيها لكنّ المانعَ أيضا موجود آنذاك.
ومما يدل على ان القوم كانوا بصدد اخماد ذكر محمد صلی الله عليه وآله وسلم هو ما جاء في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : أن فاطمة الزهراء لامت الإمام عليّا على قعوده ، وأطالت عتابَهُ ، وهو ساكت حتى أذّن المؤذّن ، فلمّا بلغ إلى قوله : « أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه‏ » قال لها : أتحبّين أن تزول هذه الدعوة من الدنيا؟
قالت : لا.
قال : فهو ما أقول لك (8).
وفي نص آخر : قد روي عن عليّ أنّ فاطمة حرّضته يوما على النهوض والوثوب ، فسمع صوت المؤذّن « أشهد أن محمدا رسول اللّه‏ » فقال لها : أيسرك زوال هذا النداء من الأرض؟
قالت : لا.
قال : فإنّه ما أقول لك (9).
فقريش كانت لا تريد الجهر باسم الرسول الأكرم ، فكيف ترضى الجهر باسم وصيّه وخليفته من بعده؟! وحسبك أنّ أبا محذورة المؤذن خفض صوته بالشهادة الثانية استحياءً من أهل مكة ، لأ نّهم لم يعهدوا ذكر اسم رسول اللّه‏ بينهم جهرا ، ففرك رسول اللّه‏ أذُنه وقال : ارفع صوتك (10). فماذا يمكن أن نتوقّع لو ذكر اسم علي في الأذان على سبيل الجزئية كل يوم؟!
بلى ان بلالاً كان لا يستحي من قريش ولا يداهن فكان يجهر ويصيح بأعلى صوته : « أشهد أنّ محمدا رسول اللّه‏ » من على بيت أبي طلحة (11).
ونقل الواقدي قصة فتح مكة ، وفيه : إنّ رسول اللّه‏ أمر بلالاً أن يؤذّن فوق ظهر الكعبة ... فلمّا أذّن وبلغ إلى قوله « أشهد أن محمّدا رسول اللّه‏ » رفع صوته كأشدّ ما يكون ، فقالت جو يرية بنت أبي جهل : قد لعمري « رفع لك ذكرك » ... وقال خالد بن سعيد بن العاص : الحمد للّه‏ الذي اكرم أبي فلم يدرك هذا اليوم.
وقال الحارث بن هشام : واثكلاه ، ليتني مت قبل هذا اليوم ، قبل ان اسمع بلالاً ينهق فوق الكعبة!(12).
وغيرها من النصوص الكثيره الدالة على وجود مجموعتين إحداهما تحرص على إعلاء ذكر محمد ، والأُخرى تسعى لإخماده ، وهذا هو الذي كان يدعو آل البيت لأن يشيدوا بهذه المفخره أمامَ من ينكرونها.
ولأجل هذا وغيره نرى النصوص الحديثية تؤكّد على لزوم رفع الصوت بالصلاة على محمّد وآل محمد ؛ وأنّه يبعد النفس عن النفاق (13).
ومن خلال كلما مضى تعرف أنّ سمات الولاية يجب أن تظهر ملامحها بصورتها الكنائية في الأذان وهو المعنى في كلام الفقهاء بالشعارية وان تاكيدهم على القول بالشهادة الثالثة جاء من هذا الباب.
أذان النبي يتضمّن ولاية علي
لقد أكّد الإمام علي بن الحسين عليه السلام على أنّ « حي على خير العمل » كانت في الأذان الأوّل (14) ، ويعني بكلامه أنّه قد شُرّع في الإسراء والمعراج ، وأنّ جبرئيل قد أذّن بها هناك ، وهذه الحقيقة قد وضّحها الإمام الباقر كذلك بقوله :
إنّ رسول اللّه‏ لما أُسري به إلى السماء نزل إليه جبرئيل ومعه محملة من محامل الرب عزّ وجلّ ، فحمل عليها رسول اللّه‏ إلى السماء ، فأذّن جبرئيل فقال : اللّه‏ اكبر ، اللّه‏ أكبر ، اللّه‏ أكبر ، اللّه‏ أكبر ، أشهد أن ... ـ إلى أن قال ـ حيّ على خير العمل ، حيّ على خير العمل ... (15).
ولا شكَّ أنّ الإمام عليا بكلامه السابق كان يشير إلى الجاحدين لرسالة الرسول والمنكرين لوصايته ، خصوصا بملاحظة سياق الرواية ، حيث إنّه كان يقول عند سماعه الشهادتين : « وأشهد أنّ محمّدا رسول اللّه‏ وأنّ الّذين جحدوا محمّدا هم الكاذبون » ، وعند سماعه الحيعلة الثالثة : « مرحبا بالقائلين عـدلاً » ، كلّ ذلك تعريضا بمن جحدوها ورفعوها بغضا وعنادا.
فعلي بن أبي طالب هو خير العمل كما نصّت عليه حسنة ابن أبي عمير عن الكاظم عليه السلام الآنفة ، وهي مؤ يدَّة بعشرات الأدلّة التي منها أنّ ضربةً واحدةً منه يوم الخندق عدلت عبادة الثقلين (16) ، فكيف بمن كان كلّ وجوده عدلاً وعملاً صالحا ، وهو خيّر البرية وخير البشر بعد الرسول بلا منازع.
وعن حذيفة ، عن رسول اللّه‏ أنّه قال : لو علم الناس متى سُمّي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله ، تسمّى أميرَ المؤمنين وآدمُ بين الروح والجسد ؛ قال اللّه‏ تعالى ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيء آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ )؟ قالت الملائكة : بلى ، فقال : أنا ربكم ، محمّد نبيّكم ، عليّ أميركم (17).
إن أئمة النهج الحاكم قد عرفوا مغزى « خير العمل » ، وأنَّ اللّه‏ قد أنزل أكثر من ثلاثمائة آية في علي وأهل بيته ، منها آية التطهير ، والمباهلة ، وسورة الدهر ، وقوله ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ ) (18) ، و ( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولِ وَأُوْلي الاْءَ مْرِ مِنكُمْ ) (19) و ( فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ) (20) ، و ( فَسْـئَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) (21) و ( إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (22) ، و ( وَالَّذِي جَآءَ بِالصِّدقِ وَصَدَّقَ بِهِ ) (23) ، و ( رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىْ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ) (24) ، و ( وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ) (25) و ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيما فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ ) (26) ، وغيرها من النصوص النبو ية المتواترة فيه وفي عترته الطاهرين ، فأرادوا الحدّ من نشر فضائل علي عليه السلام كي لا يقف المسلمونَ على كُنْهِ مكانته ، بل جدّوا لِسَبِّه (27) ، وحذفوا الصلاة على النبي محمد من الخطبة بدعوى أنّ للرسول أبناء سوء يشمخون بأُنوفهم عند سماعهم أسم جدّهم يعلو على المنابر ، فكيف بهم لو سمعوا بذكر علي؟!
فالقوم وبقولهم أنّ الأذانَ مناميٌّ جدّوا لتحريف الحقائق ، وأنكروا أن يكون تشريعه في الإسراء والمعراج ـ الدال على أنّه سماوي ـ لأنّ القول بذلك يستتبع ذكر أُمور اُخرى ؛ كوجود اسم الإمام علي على ساق العرش ، وأن مثاله موجود في الجنة ، وأنّ النّبي نودي وكُلِّم بصوت عليّ ، وغيرها من الأمور.
ولمّا صرّح النّبي محمد صلی الله عليه وآله وسلم بذلك وشاع وذاع حاولوا معارضة تلك المنازل المعراجية بمنازل مختلقة لآخرين ، فذكروا أن لبلال خشخشة في الجنة ، ولم يذكروا وجود اسم الإمام في الجنة ، لا حبا ببلال ، بل كرها للإمام علي ، وقالوا أن اسم أبا بكر كان على ساق العرش بدل اسم الإمام علي.

اقتران ذكر علي بالنبيّ في الإسراء

روى القاسم بن معاوية ، قال : قلت لأبي عبداللّه‏ الصادق :
هؤلاء يروون حديثا في معراجهم أنّه لمّا أُسرى برسول اللّه‏ رأى على العرش مكتوبا : « لا إله إلاّ اللّه‏ ، محمد رسول اللّه‏ ، أبو بكر الصدّيق ».
فقال : سبحان اللّه‏!! غيّروا كلَّ شيء ، حتّى هذا!!
قلت : نعم.
فقال الصادق ـ ما ملخّصه ـ : إنّ اللّه‏ تعالى لمّا خلق العرش ، والماء ، والكرسي
واللوح ، وإسرافيل ، وجبرائيل ، والسماوات والأرضين ، والجبال ، والشمس ، والقمر ، كتب على كل منها : « لا إله إلاّ اللّه‏ ، محمّد رسول اللّه‏ ، عليّ أمير المؤمنين » ، ثمّ قال عليه السلام : فإذا قال أحدكم « لا إله إلاّ اللّه‏ ، محمد رسول اللّه‏ » فليقل « علي أمير المؤمنين » (28).
ويؤيّد المروي عن الإمام الصادق بما جاء عن أنس بن مالك ، قال : قال النبيّ محمد صلی الله عليه وآله وسلم : لمّا عُرِجَ بي رأيت على ساق العرش مكتوبا : « لا إله إلاّ اللّه‏ ، محمّد رسول اللّه‏ ، أيّدته بعليّ ، نصرته بعليّ » (29).
وجاء في العلل لمحمّد بن علي بن إبراهيم بن هاشم أنه قال : علّة الأذان أن تكبّر اللّه‏ وتعظّمه ، وتقرّ بتوحيد اللّه‏ وبالنبوّة والرسالة ، وتدعو إلى الصلاة ، وتحثّ على الزكاة.
ومعنى الأذان : الإعلام ؛ لقوله تعالى ( وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسولِهِ إِلَى النَّاسِ ) أي إعلام ، وقال أمير المؤمنين : كنت أنا الأذان في الناس بالحجّ ، وقوله : ( وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ) أي أعلمهم وادْعُهُمْ (30).
وروى الصدوق في « كمال الدين » بسند متّصل إلى ابن أبي حمزة الثمالي ، عن الصادق ، عن أبيه ، عن آبائه ، قال : قال رسول اللّه‏ : حدّثني جبرئيل عن رب العزة جل جلاله أنّه قال : « من علم أن لا إله إلاّ أنا وحدي ، وأنّ محمدا عبدي ورسولي ، وأنّ علي بن أبي طالب خليفتي ، وأنّ الأئمة من ولده حُججي » أدخلته الجنّة برحمتي ، ونجّيته من النار بعفوي ، ومَن لم يشهد أن لا إله إلاّ أنا وحدي أو شهد بذلك ولم يشهد أنّ محمّدا عبدي ورسولي أو شهد بذلك ولم يشهد أنّ الأئمّة من ولده حججي فقد جحد نعمتي وصغّر عظمتي وكفر بآياتي ... (31).
فإذا كان اللّه‏ قد أمر ملكا بأن ينادي بهذه الشهادات الثلاث ، فهو يعني محبوبيتها وكمال الحسن في الإتيان بها عنده ، لأنّ اللّه‏ لا يأمر بشيء عبثا إلاّ وفيه مصلحة ، فكيف يُشكَل على العامل بها في الحياة الدنيا ، لا على أنّها أمر من اللّه‏ سبحانه واجبٌ في خصوص الأذان ، بل لأ نّها محبوبة عنده سبحانه وتعالى بنحو مطلق ، أي من دون اعتقاد الجزئية.
فإِذَنْ مضمون الشهادة بالولاية في الأذان لم يكن منافيا للشريعة حتّى يقال بحرمة الإجهار بها ، بل هو جاء ضمن السياق المأمور به في الشريعة.
فلو ثبت جواز ذكرها ـ فضلاً عن استحبابها قاصداً بعمله امتثال امر الباري ـ فكيف يجوز نسبة الحرمة إلى اللّه‏.
الم يكن ذلك تحريما للحلال ، وهو الداخل ضمن قوله تعالى : ( آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ).
إن البدعة هو ادخال في الدين ما ليس منه تحليلاً وتحريما ، فكما ان تحليل الحرام غير جائز. فتحريم الحلال هو حرام بإجماع المسلمين.
ان الإتيان بذكر علي من الذكر الجائز ، وقيل انه مستحب لمجيئه في شواذ الاخبار ، فلو كان جائزا فلا يجوز منعه خصوصا بعد علمنا بأن القوم منعوا من الجهر بالبسملة ، والمُتعتين ، وحيّ على خير العمل ، وغيرها من المسائل الخلافية إخماداً لسنّة رسول اللّه‏ وبغضاً لعلي ، والذي وضّحناها في كتابنا « منع تدوين الحديث » وان اعمالهم تلك هي اماتة للدين وتحريف للشريعة وهو مصداق لقوله تعالى ( وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ ألْسِنَتُكُمُ ألْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ ألْكَذِبَ إِنَّ ألَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ ألْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ ).
وعلى ضوء ما سبق نقول : إنّ اللّه‏ ورسوله قد أعلنا عن ولاية علي في كتابه وسنته تصريحا وتلميحا ، وإنّ الأذان المشرّع في الإسراء والمعراج كان فيه : « حي على خير العمل » الدالة على الولاية ، ونحن ناتي بتفسيرها معها لا على أنّها جزءُ بل لمحبوبيتها عند رب العالمين ، ولمعرفتنا بأن القوم غيروا اسم الإمام علي الذي كان مكتوبا على ساق العرش إلى أبي بكر ، وشكّكوا في كون الإسراء جسمانيا ، إذ ذهب كُلٌّ من عائشة ومعاو ية إلى القول بأنّ الإسراء كان مناميّا ، وذلك مثل ما قالوه في الأذان وأنه مناميّ ، كل ذلك للحدّ من تناقل فضائل الإمام علي الظاهرة في السماوات والأرض ، في حين قد عرفت أنّ آل البيت كانوا يرفضون فكرة تشريع الأذان في المنام وما اتى به القوم من تحريفات.
إذن التحريف والزيادة والنقصان في الدين جاءت من قِبَلِهِم وكانت هي سجيَّتهم ، وقد طالبوا الرسول أن يحرّف الكتاب العزيز فأبى النبي محمد صلی الله عليه وآله وسلم أن يغيّر ( فأبوا ) إلى ( فأتوا ) ، لكنّ عثمان ما رأى بأسا في أن يزيد الأذان الثالث يوم الجمعة (32) ، وعمر ما رأى ضيرا في أن ينقص الحيعلة الثالثة من أصل الأذان ويضيف : « الصلاة خير من النوم » في أذان صلاة الصبح (33).
كل ذلك وهم يتهموننا بالزيادة في الدين وأني في كتابي « وضوء النبي » وضحت بأنهم زادوا في الوضوء على ما فرض اللّه‏ على عباده ، فغيروا صريح الآية من المسح إلى الغسل.
وعليه لا وجه للترابط بين المنع من المتعتين ورفع الحيعلة الثالثة من قبل عمر ، إلا أن نقول أنهما مرتبطتان بالولاية والخلافة ، لان الرواية في فضائل علي يعني لزوم الاتباع له ، أي ان لتلك الروايات الطريقية للاخذ عن علي. لان نقل الفضائل هو مقدمة لاخذ الدين عنه ، وبما أنّ الطالبيّين كانوا يتبنون فكر ومنهج الإمام علي وخصوصا في هذه المفردات الثلاث ـ تبعا له عليه السلام ـ ، ولهذا ترى التخالف قائم بين المدرستين في هذه المفردات إلى يومنا هذا ولا يمكن تصوّر شيء آخر غير هذا؟
وإلاّ فما هو سّر حذف الحيعلة الثالثة واستبدالها في أذان الصبح بالتثويب؟ وهل هما يرتبطان بموضوع الخلافة والإمامة كذلك؟ انه تساءل يمكن أن تقف على جوابه في كتابنا « الصـلاة خير من النوم شرعة أم بدعة ».
وبعد كلّ هذا نقول : يمكننا أن نستدلّ على رجحان الشهادة بالولاية من خلال وجود الحيعلة الثالثة في الأذان الأوّل ، كما يمكننا أن نستدلّ على رجحانها أيضا من خلال أمر الإمام الكاظم عليه السلام بالحث عليها مطلقا ، مضافا إلى الاستدلال على رجحانها بأخبار الاقتران المعتبرة حين العروج برسول اللّه‏ إلى السماء ، وأنّها كانت تعني الإمامة والولاية لعلي ، كما جاء في روايات أهل البيت ، وتمّ التوصّل إليه خلال الصفحات السابقة ، لكن من دون اعتقاد الجزئية.
لكن هنا سؤال يطرح نفسه ، وهو : كيف تكون الحيعلة الثالثة حثا على الولاية ودعوة إليها ، في حين نعلم أنّ جملة « حيَّ على خير العمل » ليس لها ظهور في الولاية ، بل ظاهرها يشمل كلّ عمل صالح من صلاة وغيرها.
الجواب :
إنّا لو ألقينا نظرة سريعة إلى أسباب النزول لاتّضح لنا جواب هذا السؤال وغيره ، إذ من المعلوم أنّ الصحابة كانت لهم مصاحف وقراءات مختلفة ، والبعض منهم كان يدرج شأن النزول مع الآية ، والآخر يذكر تفسيرها ـ من المعصوم ـ معها ، وثالث يأتي بها بصورة ثالثة ، فمثلاً جاء عن جابر بن عبداللّه‏ الأنصاري ، قال : سمعت رسول اللّه‏ قرأ ( فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ ) ، فقال : بعلي بن أبي طالب (34).
وعن شقيق ، قال : قرأتُ في مصحف عبداللّه‏ بن مسعود ( إِنَّ اللَّهَ أصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحا وَءَالَ إِبْرَاهِيمَ وَءَالَ عِمْرَانَ ) وآل محمد ( عَلَى ألْعَالَمِينَ ) (35).
وعن زبيد اليامي ، عن مرّة ، قال : كان عبداللّه‏ بن مسعود يقرأ ( وَكَفَى اللَّهُ ألْمُؤْمِنِينَ ألْقِتَالَ ) بعليّ ( وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّا عَزِيزا ) (36).
وكان عمر بن الخطاب قد منع هذا النوع من التفسير والبيان مع القرآن ، بدعوى اختلاطه مع القرآن (37) ؛ كما أنّه منع من الأخذ بالقرآن الذي جمعه وفسّره علي بن أبي طالب عن رسول اللّه‏ لأ نّه وجد فيه الكثير من التفسير السياقي والبياني والذي يكشف فيه فضائحهم ، ويبيّن منزلة المطّهرين من آل البيت (38) ، ويكشف جهل الخلفاء بالأحكام الشرّعية وعلوم السماء.
قال سليم الكوفي : فلمّا رأى عليٌّ غـدرهم لزم بيته وأقبل على القرآن يؤلفه ويجمعه فلم يخرج من بيته حتى جمعه ... ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول اللّه‏ ، فنادى عليٌّ بأعلى صوته :
يا أيّها الناس ، إنّي لم أزل منذ قبض رسـول اللّه‏ محمد صلی الله عليه وآله وسلم مشغولاً بغسله ، ثم بالقرآن حتى جمعته كلّه في هذا الثوب الواحد ، فلم ينزل اللّه‏ تعالى على رسول اللّه‏ آية إلاّ وقد جمعتها ، وليست منه آية إلاّ وقد أقرأنيها رسول اللّه‏ صلی الله عليه وآله وسلم وعلّمني تأو يلها ... ثم قال لهم علي عليه السلام : لئلاّ تقولوا يوم القيامة أنّي لم أدعكم إلى نصرتي ولم أُذُكّركم حقّي ، ولم أدعكم إلى كتاب اللّه‏ من فاتحته إلى خاتمته.
فقال عمر : ما أغنانا بما معنا من القرآن عمّا تدعونا إليه (39).
ومما تجب الإشارة إليه هنا هو استظهار بعض الأفاضل بأنّ ذكر عليّ في الأذان راجحٌ للاقتران في الواجبات ، فالاقتران ملاحظ في التشهّد والخطبة في صلاة الجمعة وغيرها ؛ وبما أنّ الموردين الاخيرين ( أي التشهد والخطبة ) عليهما روايات كثيرة في كتبنا ، يبقى الأذان هو الذي يجب الانتصار له ، وطبق قاعدة الاقتران العقليّ والشرعيّ قد يسوّغ القول برجحان الإتيان بالشهادة الثالثة فيه ، وهذا ما أراد البعض الذهاب إليه في بحوثه ، إذ من المناسب أن تكون النصوص الشرعية التي تجيز ذكر الإمام عليّ في التشهّد والخطبة تنطوي على ملاك ذكره في الأذان بحسب أصول تنقيح المناط العقلية ، وهذا الكلام وإن كنّا قد لا نقبله على عمومه ، لكنّه رأي كان علينا ذكره.
وقد جاء في كتاب الاحتجاج عن عبداللّه‏ بن الصامت ، قال : رأيت أبا ذر الغفاري آخذا بحلقة باب الكعبة مقبلاً على الناس بوجهه وهو يقول : أيّها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فسأنبئه باسمي ، أنا جُندَب بن [ جنادة بن ] السكن بن عبداللّه‏ ، أنا أبو ذر الغفاري ، أنا رابع أربعة ممّن أسلم مع رسول اللّه‏ صلی الله عليه وآله وسلم ... إلى أن قال : أيَّتُها الأ مّة المتحيّرة بعد نبيّها ، لو قدّمتم من قدّمه اللّه‏ ، وأخّرتم من أخّره اللّه‏ ، وجعلتم الولاية حيث جعلها اللّه‏ ، لما عال وليّ اللّه‏ ، ولما ضاع فرض من فرائض اللّه‏. ولا اختلف اثنان في حكم من أحكام اللّه ‏(40).
وقد تمخّض البحث إلى الآن عن أنّ الحيعلة الثالثة ليس لها ظهور في الولاية إلاّ بضميمة نصوص أُخرى دالّة عليها وهي نصوص الاقتران المارة ، والنصوص المفسِّرة لها على نحو التفسير السياقي ، كلّ هذا يضاف إلى أنّ خُلّص الشيعة في حلب وحمص وبغداد والقاهرة وفي القرون الثلاثة الأُولى ـ الثالث والرابع والخامس بالتحديد ـ كانوا يأتون بالشهادة الثالثة ، لأنّ الأئمة قد أجازوا لهم ذلك ، مضافا إلى محكيّة تأذين أبي ذرّ أو سلمان بها في زمان رسول اللّه‏ صلی الله عليه وآله وسلم وأنّ مثله في الأحكام مثل الآيات المقروءة مع شأن نزولها في مصاحف الصحابة ، وأنّهم كانوا يقرؤونها لا اعتقادا منهم بأنّها من القرآن ، بل لإثبات الحقائق ، وكذلك حال الأذان ، فالصحابة والتابعون وأمثالهم كانوا يأتون بها لا على نحو الشرّطيّة والجزئيّة ، بل يأتون بها أوّلاً لأ نّها جملةٌ تفسير يّة مباح الإتيان بها ، بل محثوثٌ على الإتيان بها ، وثانيا لمحبوبيّتها الذاتيّة ورجحانها النفسيّ ، أو لإحقاق حقوق الأئمّة ، والوقوف أمام مطامع الحكّام والسلاطين ، شريطة أن يأمنوا من مكر السلطان وبطشه.
المصادر :
1- نصب الراية 1 : 261 ، المستدرك للحاكم 3 : 187 / ح 4798 ، كتاب معرفة الصحابة.
2- دعائم الإسلام 1 : 142 ، مستدرك الوسائل 4 : 17 / ح 4061.
3- أحكام القرآن للجصاص 4 : 103 ، السيرة الحلبية 2 : 300 ـ 301 ، أمالي أحمد بن عيسى بن زيد 1 : 90
4- سورة الاسراء : 60.
5- مسند أبي يعلى 11 : 348 / ح 6461 ، المطالب العالية 18 : 279 ، مجمع الزوائد 5 : 244 ، تاريخ الخلفاء 1 : 13 .
6- المستطرف في كل فنّ مستظرف 1 : 289 / باب في الفخر والمفاخرة.
7- الأغاني 16 : 150.
8- شرح النهج 20 : 326 / الرقم 735.
9- شرح النهج 11 : 113.
10- المبسوط للسرخسي 1 : 128 ـ 129.
11- أخبار مكة للازرقي 1 : 275 ، شرح النهج 17 : 284 ، إمتاع الإسماع 1 : 396 ، سبل الهدى والرشاد 5 : 249.
12- شرح النهج 17 : 284 ، إمتناع الإسماع 1 : 396 ، و 13 : 385 ، السيرة الحلبية 3 : 54.
13- الكافي 2 : 394 / ح 13 ، ثواب الاعمال : 59 .
14- سنن البيهقي الكبرى 1 : 425 / ح 1844 ، المسترشد : 517 ، نيل الاوطار 2 : 19 / باب صفة الأذان.
15- الكافي 8 : 121/ ح 93 ، وتهذيب الاحكام 2 : 60 / ح 210 ، والاستبصار 1:305 / ح 1134 ، ووسائل الشيعة 5 : 414 / ح 6964.
16- عوالي اللآلي 4 : 86 / ح 102 ، الفردوس بمأثور الخطاب 3 : 455 / ح 5406 ، والمستدرك على الصحيحين 3 : 34 / 4327 ، شرح المقاصد في علم الكلام 2 : 301.
17- الفردوس بمأثور الخطاب 3 : 354 / ح 5066 ، اليقين لابن طاووس : 231 ، 284
18- المائدة : 55.
19- النساء : 59.
20- الانفال : 41.
21- النحل : 43 ، الأنبياء : 7.
22- الرعد : 7.
23- الزمر : 33.
24- الاحزاب : 23.
25- التوبة : 119.
26- الأنعام : 153.
27- مسند أحمد 6 : 323 / ح 26791 ،مسند أبي يعلى 2 : 114 / ح 777 ، المستدرك على الصحيحين 1 : 541 / ح 1419 ، مسند سعد : 189 / ح 112 ، مجمع الزوائد 9 : 130 ، الكامل في التاريخ 3 : 278 ، و 4 : 439 ، بغية الطلب 7 : 3033
28- الاحتجاج 1 : 231 ، بحار الأنوار 38 : 318 / ح 26 ، و 81 : 112 / ح 7.
29- كفاية الأثر : 74 ، شواهد التنزيل 1 : 293 ؛ الدر المنثور 5 : 219 ، الخصائص للسيوطي 1 : 13 ، كنز العمال 11 : 287 / ح 33042 رواه عن جابر الأنصاري.
30- مستدرك الوسائل 4 : 74 / ح 4193.
31- اكمال الدين : 258 / ح 3 ، من الباب 24 ، كفاية الأثر : 144 / الاحتجاج للطبرسي 1 : 87.
32- صحيح البخاري 1 : 309 / ح 870 من باب الأذان يوم الجمعة.
33- سنن الدراقطني 1 : 243 / ح 40 ، سنن البيهقي الكبرى 1 : 423 / ح 1838 ، من باب التثويب في أذان الصبح.
34- المحرر الوجيز 5 : 56. وانظر تفسير النيسابوري 6 : 93 ، من سورة الزخرف : الآية : 41.
35- العمدة : 55/ ح 55 ، شواهد التنزيل 1 : 152 / ح 165 و 153 / ح 166 ، من سورة آل عمران : الآية 33.
36- شواهد التنزيل 2 : 7 / ح 630 ، 631 ، 632 ، 633 ، الدر المنثور 6 : 590 ، تاريخ دمشق 42 : 360 ، الاكمال 7 : 53 ، سورة الاحزاب : الآية 25.
37- مصنف عبدالرزاق 11 : 257 / ح 20484 ، تقييد العلم : 49 ، 50 ، 51 ، المدخل إلى السنن الكبرى 1 : 407 / ح 731.
38- الكافي 2 : 633 / ح 23 / باب النوادر.
39- بحار الأنوار 28 : 256 / ح 45 / الباب الرابع ، و 89 : 41 / اصول الكافي 2 : 633 .
40- الاحتجاج 1 : 158. وانظر معاني الاخبار : 178 .

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.