لو أن القيم الأخلاقية أو المفاهيم الاعتقادية رسخت في عدد من الأفراد حق الرسوخ ولكن لم تتجسد تلك المفاهيم في الأمة الإسلامية كأمة فهل يجدى ذلك نفعا للأمة؟ وهل يرتفع الضرر عن الأمة؟
والمتأمل في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة سوف يذعن بما قلناه. ولا بأس بذكر مثال واحد فنقول:
مثلا قوله تعالى في سورة الشعراء في ثمان آيات عن لسان الأنبياء (فاتقوا الله و أطيعون)(1)
وكذلك في سورة الزخرف(2)، هو خطاب للمجتمع الذي كانوا يعيشونه، ذلك المجتمع المبتعد عن واقع الدين. وليس الخطاب متوجِّهٌ إلى الأفراد خاصَّةً.
من الواضح أن ذلك لا يجلب منفعة للأمَّة كما أنه سوف لا يدفع شراً عنها بل المصيبة سوف تشمل الأفراد أيضا مهما كانوا يتحلَّون بالصلاح والخير قال تعالى:
(فلما نسُوا ما ذكّروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون)(3)
(واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصّة واعلموا أنَّ الله شديد العقاب).(4)
وذلك حيث لا استثناء في القانون الإلهي الذي يتعلَّق بالأمَّة.
بل لو دققنا النظر وتعمقنا في الأمر لوصلنا إلى حقيقة أخرى قد استترت عن الكثير وهي: أنه من الصعب أن نحكم بصلاح فرد وهو يعيش في أمة فاسدة ذلك الفرد الذي لم يوصل نفسَه إلى مستوى القيادة والإشراف على أمَّته أو لم يهجرهم هجراً جميلاً كي يسلم من آفاتهم!!
وربما نستلهم هذا الأمر من الآتيين السابقتين:
فبالنسبة إلى الآية الأولي نلاحظ أنَّ الذين نجَوا هم الذين (ينهون عن السوء) وأمّا الذين ظلموا الذين هم الفسّاق سواء المظهر فسقه أو الساكت عن الجريمة فإنَّ الله قد أهلكهم.
وبالنسبة إلى الآية الثانية نشاهد أنَّ غير الظالمين أيضاً قد شملتهم الفتنة حيث أنَّ استسلامهم للظلم هو ظلمٌ في القاموس الإلهي.
صفات المنتظِر
صفاته الاجتماعيةالأحاديث الشريفة قد ذكرت صفات للمنتظر وهي (الحزن -التسليم-اليأس-وطول السجود وقيام الليل واجتناب المحارم - والدعوة إلى دين الله سراً و جهراً-وحسن العزاء وكرم الصحبة-وحسن الجوار وبذل المعروف وكف الأذى وبسط الوجه و النصيحة والرحمة للمؤمنين وأداء الأمانة إلى البر والفاجر)
ولكن:
على ضوء ما شرحنا ينبغي أن نعرف بأن صفات المنتظر ليست هي صفات فرديَّة فحسب بل ينبغي أن ينطلق الفرد منها في بادئ الأمر لتستوعب كافَّة زوايا المجتمع الذي يعيشه وتتفاعل به الأمَّة حتى تعمُّ فائدتها، فالانتظار وما يترتب عليه من الصبر والحزن وحسن العزاء واليأس ووو.. كلها لا بد أن تتجسد في المجتمع ولا تنحصر في الفرد ومع تجسُّدها في المجتمع سوف يقترب الفرج وينكشف الضرّ إنشاء الله.
الرفض الاجتماعي
وهاهنا وبصريح العبارة نقول:أنَّ التكليف الرئيسي الذي يُمثِّل أهم التكاليف في عصر الغيبة هو ما أشرنا إليه سابقاً وهو الرفض ولكن هذا التكليف ليس هو تكليفاً فردياً فحسب بل هو تكليفٌ اجتماعي فيلزم على المؤمن أن يكون رفضُه رفضاً ينطلق من منطلق شرعي الهي حتى يتقرب به إلى الله فيكون عبادةً من نمط العبادات الاجتماعية التي تخيِّم على جميع العبادات الفردية.
ولأجل أن يتَّسم الرافض للمجتمع الفاسد بوسامٍ إلهي ينبغي له أن يمارس الأمور التالية:
الأول: البناء الفردي وأعني به السعي للتقرب إلى الله بالتلبس بلباس التقوى الذي هو خير لباسٍ حتَّى يرتفع مستوى رفضه هذا من السلب المطلق الذِّي هو (لا) إلى سلبٍ يتضمَّن إيجاباً. وعندئذ سوف يكون رفضُه رفضاً مقدَّساً له معنى ومفهوم رسالي عميق فليست كلُّ لاءٍ هي بالفعل لاء، بل هذا النمط من اللاء أفضل من ملايين نعم إن صحَّ القياس بينهما.
فهذا الرفض ليس من السكوت المذموم الذي هو حالةٌ سلبيةٌ جوفاءُ تُعرقل الإنسان والمجتمع. كلاّ! بل هو حالةُ صراخٍ ليس مثلها صراخ (ويكفيك نموذجاً سكوت عليٍّ عليه السلام طوال خمسة وعشرين سنة) وهذه الحالة هي الحالة التكاملية التِّي تبني الإنسان وترفع من مستواه إلى الأعلى وتجعله يتكامل شيئاً فشيئاً من دون الوقوف عند حدٍّ.. وكذلك تُنمِّي المجتمع وترفع مستواه وتجعله يعيش عيشة عزيزة لا يتسرب إليها ذلٌّ وهوان ولا تعتريها آفةٌ وخذلان. فلِمَ لا تكون هذه الحالة أفضل العبادة؟ ولِمَ لا يكون أفضل الجهاد؟ ولم لا يصل هذا الإنسان المتحلِّي به إلى مستوى المتشحط بدمه في سبيل الله؟
الأول: الصبر
وهذه الصفة هي أهم تلك الصفات لأنَّها في الواقع الضمان لتلك الحالة، والصبر هاهنا يختلف عن الصبر في المواطن الأخرى بل الصبر الحقيقي الذي هو كالأم لسائر المصاديق هو هذا النوع من الصبر حيث اشتماله على جميع أنواع الصبر التي نطقت بها أحاديثنا الشريفة وهي ثلاثة كما في الحديث الذي نقله المحدِّث الكليني قدِّس سرُّه:
(بإسناده عن على عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم الصبر ثلاثة: صبرٌ عند المصيبة، وصبرٌ على الطاعة، وصبرٌ عن المعصية...).(5)
وقد ذكرت هذه الرواية درجاتٍ أخروية لكلٍّ من تلك الأصناف الثلاثة
ولكنَّ الصبر الملازم للانتظار قد استوعب هذه المراحل الثلاثة وذلك لأنَّه:
*هناك أعظم مصيبة ابتلى بها المؤمن المنتظر وهي مصيبة فقدان قائده الروحي وإمامه الثاني عشر الحجَّة بن الحسن المهدي عجَّل الله تعالى فرجه الشريف، فهو يعيش حالة اليتم وهذه المعضلة العظمى بطبيعتها تتطلَّب الصبر.
*هناك طاعة تتجسد في التبري من كل ما و من هو يزاحم هذه الروحيَّة(أعني روحيَّة الانتظار) (فإنهم عدولي إلاّ ربّ العالمين).
*وهناك معاصي محيطة بهذا الإنسان المؤمن إحاطة كاملة، تلك الأمور التي تقصم الظهر من المُغريات المادِّية والتسويلات الشيطانية المنتشرة على مستوى وسيع بحيث لا يلتفت الإنسان يميناً أو يساراً إلاّ وهي بارزة أمامَه خصوصاً في عصرنا الحالي حيث الأقمار الصناعية وحيث الشبكات الدوليَّة مثل الإنترنت والأجهزة الإعلاميّة التّي مهمَّتُها الرئيسي نقل الفساد إلى العالم الثالث.
فالمنتظر للدولة المباركة سوف يعيش كلَّ تلك المغريات طوال حياته فيشاهد بأمّ عينيه أنَّه يسير إلى جهة والعالم بأجمعه يسير إلى جهة أخرى مضادَّة له تماماً ومن ناحية أخرى يشاهد أنَّ جنود الشيطان وأهل الدنيا يمثِّلون السواد الأعظم فهم الملأ الذين يملئون الأعيُن.
ومن المؤسف جدّاً أنَّ أرباب الدنيا ربَّما ينطلقون من منطلق النصيحة والإصلاح والحب في مسيرتهم الباطلة حيث يُترائى أنهّا حركة إصلاحية بل إسلامية يتقرب بها إلى الله، ومن الصعب أن يقتنعوا بخطأهم أو يحتملوا ذلك، ومن الواضح أنَّ هذا الأمر سوف يجعل المؤمن المنتظر الصابر يعيش حالة صعبة أخرى وهي حالة: (الغربة) ولا تتلخَّص هذه الغربة في الغربة الاجتماعية بل هناك غربة أصعب من ذلك ألا وهي الغربة الفكرية والأيديولوجية التي تؤكد عليها الأحاديث الشريفة وتجعلها من صفات وعلائم المنتظر الحقيقي كالحديث التالي:
(..على بن موسى الرضا عليه السلام… قال بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء قيل يا رسول الله ثم يكون ما ذا قال ثم يرجع الحق إلى أهله).(6)
الثاني: التصابر
فماذا يفعل إذاً هذا الصابر كي يستمرَّ في صبره ولا يهون؟ لابدّ وأن ينتقل من مرحلة الصبر إلى مرحلة أرقى وهي التصابر كي يخلق الصبر في الآخرين حتَّى ينسجموا معه فيستمرَّ في مسيرته ويصمد في مواقفه حتى تحقق تلك الدولة العالميَّة المباركة،وسورة العصر هي التِّي ترسم الطريق للمؤمنين المنتظرين قال تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم والعَصر) أي قسماً بالعصر وربَّما يكون المقصود من العصر في هذه السورة هو عصر الحجَّة عجلّ الله تعالى فرجه الشريف.
أو ما ذكره الإمام قدِّس سرُّه حيث قال: (يقال:أن العصر هو الإنسان الكامل، وهو إمام الزمان سلام الله عليه أي عصارة جميع الموجودات أي قسماً بعصارة جميع الموجودات قسما بالإنسان الكامل) ولا منافاة بين التفسيرين.
(إنَّ الإنسان لفي خُسر) هذا الإنسان الذي قد حُكم عليه بالخسران المطلق هو الإنسان الذي يعيش خارج العصر أي يعيش حالة الغيبة.
والإنسان المذكور هنا يشمل جميعهم (إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) والاستثناء بطبيعته يدلُّ على النُدورة والغربة فالنادر من الناس والقليل منهم يتَّسمون بهذه السمات الأربعة المتوالية والتِّي ترجع بالأخير إلى صفة فاردة وهي (انتظار الفرج) على ضوء ما قدمنا.
إلى متى والجدير بالذكر أنَّ التواصي بالحق والتواصي بالصبر هي حالة ثابتة للمؤمن مادام هو مؤمن.
فمن الأحرى أن يُسأل إلى متى هذا التواصي؟ وفي آخر المطاف هل لمجتمع أن يعيش الراحة والطمأنينة والهدوء؟ وإن كان الجواب سلبياً فأين حكمة الله البالغة وأين لطفه الشامل وأين كرمه الجميل؟
أقول: لابدَّ من وصول الإنسان المؤمن المتَّسم بتلك الصفات إلى مرحلة نهائية وهي مرحلة الكمال، وهي مرحلة العيش في العصر لا خارجه على ما تدلُّ عليه السورة المباركة.
الثاني: إنَّ هذا الرفض لا يمكن أن يستقرَّ في ضمير الإنسان إلا بعد تعزيزه بخصال حميدة أخرى وهي:
الانتظار والرجاء
قلنا أنَّ هناك بُعدين للانتظار أحدها الرفض والثاني الرجاء وفصَّلنا الحديث في البعد الأوَّل وحان الآن التحدُّث عن البعد الثاني فنقول:
هناك أحاديث تؤكِّد على أنَّ أمر الأئمَّة عليهم السلام هو الشيء المُنتَظَر.
فهل هناك طريقٌ يوصلنا إلى أمرهِم عليهم السلام؟
وهل من السهل أن نعرفَ أمرَهُم؟
أمرُهم صعبٌ مُستَصعَبٌ وردت أحاديث كثيرة جدّاً تؤَّكِّد: (إنَّ أمرَنا صعبٌ مستصعبٌ لا يَحتمله إلا مَلَكٌ مقرَّب أو نبيٌّ مُرسلٌ أو عبدٌ امتَحَن اللهُ قلبَه للإيمان) فلا بدَّ إذاً من التعمُّق في مثل هذه الأحاديث حتَّى نعرف المقصود منها ثمَّ نعرِف كيفيَّة تسهيل هذا الأمر المُستصعب؟
فنقول: الكلام حول هذه الأحاديث يتلخَّص في جانبين:
الأوَّل: من ناحية الصدور:
ويشتمل على:
ألف- مصادر الأحاديث.
ب- المعصومون الذين نقلت عنهم تلك الأحاديث.
ألف- المصادر
نقل الحديث كلٌّ من:
1- الكليني رحمة الله عليه في كتابه الكافي وقد جعل لذلك باباً مستقلاً وهو باب (فيما جاءَ أنَّ حديثَهم صعبٌ مستصعبٌ).(7)
2- الشيخ المفيد في إرشاده واختصاصه.
3- الصدوق في توحيده وخصاله وأماليه وكتابه معاني الأخبار.
4- وأيضاً في كتاب بصائر الدرجات ورجال الكشى.
وكُتبٍ أخرى ذكرها العلامَّة المجلسي في بحاره من أراد الإطلاّع عليها فليراجع.
ب- عمَّن نُقلت
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وكلٍّ من أمير المؤمنين على بن أبي طالب عليه السلام والإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام والإمام أبي جعفر الباقي عليه السلام والإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام.
الثاني: من ناحية الدلالة
ويشتمل على: (عبارات الحديث المختلفة والجمع بينها)
وينبغي لنا أن نَذكر كافة العبارات التِّي صدرت عنهم عليهم السلام في هذا المجال كي نفهم المراد الصحيح من كلامهم بالجمع بينها فنقول:
ألف: أمّا بالنسبة إلى الشيء الذي هو صعبٌ مستصعب:
وردت العبارات التالية:
(قال رسول الله صلى الله عليه وآله إنَّ حديثَ آل محمد صعب مستصعب) وعن الأئمَّة عليهم السلام (إنَّ أمرَنا..)(إنَّ حديثنا...)(إنَّ علم العالم...)(إنَّ كلامي...)
ب:الأوصاف المختلفة:
وأيضاً بالنسبة إلى أوصاف ذلك الأمر فقد وردت بِصُوَرٍ مختلفةٍ:
أهمُّها:
(عن أبي جعفر عليه السلام قال إنَّ حديثنا صعبٌ أجردٌ ذكوانٌ وَعِرٌ شريفٌ كريمٌ) (..عن الاصبغ بن نباته عن أمير المؤمنين عليه السلام قال سمعته يقول إنَّ حديثنا صعبٌ مستصعبٌ خَشِن مخشوشن)
وفي حديث أبي جعفر عليه السلام يخاطب جابر بن يزيد: (يا جابر حديثنا صعب مستصعب أمرد ذكوان وعِر أَجرد) وأيضاً في حديث أبي الجارود عن الإمام الباقر عليه السلام: (سمعته يقول ان حديث آل محمد صعب مستصعب ثقيل مقنع اجرد ذكوان..) وفي حديثٍ آخر قال الراوي: (قلت فسر لى جعلت فداك قال ذكوان ذكيٌ أبداً قلت أجرد قال طريٌ أبَداً قلت مقنَّع قال مستور) وفي خصوص الكلمة الأخيرة ورد حديث في الكافي: (عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد بن عيسى عن على بن الحكم عن خالد بن نجيح عن أبي عبد الله عليه السلام قال إنَّ أمرَنا مستور مُقَنَّعٌ بالميثاق فمن هتك علينا أذلَّه الله) ويمكن تقسيم هذه الصفات إلى قسمين رئيسيين:
ألف: صعبٌ مستصعبٌ وعِر خَشِن مخشوشن. ثقيل.
ب: اجرد ذكوان ذكيٌ قال (طري أبداً)
ج: مقنَّع قال مستور.
د: لا يعرفه إلاّ؟
ومن هو الذِّي يَعرِفُ أمرَهم و يُقرُّ به و يُؤمنُ به ويَعيه ويَصبر عليه ويعمل به ويحتمله ويعقله على حسب الروايات؟؟
الأحاديث في هذا المجال تؤَّكِّد على أنَّهم ثلاثة وهم: (مَلَكٌ مقرَّب أو نبيٌ مُرسَلٌ أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان).
ولكن هناك حديث أضاف إلى هذه الثلاثة أمراً رابعاً وهو "مدينة حصينة". وفي بعضها "مؤمن ممتحن" وورد في بعضها "إلاّ من كتب الله في قلبه الإيمان" ووردت صُوَر أخرى وهي: (إلا صدور منيرة أو قلوب سليمة و أخلاق حسنه)(إلا صدور مشرقة وقلوب منيرة وأفئدة سليمة وأخلاق حسنة)(ولا تعي حديثَنا إلا صدور أمينة وأحلام رزينة)(لا يعي حديثنا إلا حصون حصينة أو صدور أمينة أو أحلام رزينة)(لا يعمل به ولا يصبر عليه إلا ممتحن قلبه للإيمان) وفي حديث عمرو بن اليسع عن شعيب الحداد بعد ما نقل ذكر الصادق عليه السلام الصفات الثلاثة وأضاف (أو مدينه حصينة) قال عمرو فقلت لشعيب يا أبا الحسن (وأي شئ المدينة الحصينة قال فقال سالت الصادق عليه السلام عنها فقال لي القلب المجتمع) أقول: ومن خلال الأحاديث السابقة نستنتج النتائج التالية:
1- إن المعرفة و العمل متلازمتان لا تنفكان أبدا.
2- إن هناك تسلسل طولي بين كل من الأمرين:
الف: الإيمان و المعرفة و الوعى و التعقل.
ب: الاحتمال (أي التحمُّل) والعمل والصبر على ذلك.
فلا يمكن للإنسان أن يحتمل الصعب المستصعب إلا بعد أن أذعن به وتعرَّف عليه حق المعرفة.
3- إن أمرهم عليهم السلام هو شئ مجرد صافٍ نوراني خارج عن عالم الكثرة و المادة (ذكوان أجرد) وبطبيعته يكون(مقنعا) أي مستوراً.
4- إن الأمور النورانية مهما كثرت فهي واحدة لتجرُّدها و بساطتها.. فلا تناقض و لا تخالف بين (الحديث والكلام والأمر) مادام كلها تنطلق من ذلك النور بل في الواقع كلُّها ترجع إلى شيءٍ واحد وهو الأمر.
وهناك نتيجة خامسة وهي:
دولة المهدي دولة النور:
إن الصفات المذكورة في الأحاديث للمؤمن الذي يحتمل أمرهم كلَّها صفاتٌ تنبئ عن واقع نوراني قد استولى على ذلك الإنسان المتَّصف بتلك الصفات ككونه ملك مقرب أو نبيٌّ مُرسل أو عبد ممتحن أو صدور منيرة أو قلوب سليمة... الخ وهذا إن دلَّ على شئ فإنما يدل على أن الواقع الذي سوف يحققه ولى الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف هو واقع يختلف تماماً عمّا نعيشه نحن في عصرنا الحالي من العيشة المادية الصرفة التي لا تتحلى بالمعنوية والنورانية أصلاً.. وقد مَلئَت هذه الدنيا أفكارَنا وأذهاننا بحيث لم تسمح لنا أن نتصور تلك الدولة تصوراً صحيحاً ناهيك عن التصديق بها كما هي وبالفعل صار هذا الأمر أمراً صعباً مستصعباً علينا.
وعليه:
يتأكد علينا أن نجدد نظرنا في فهم و معرفة دولة المهدي كي نرغب فيها وننتظرها..
وفي زيارة الجامعة الكبيرة:
(عارف بحقكم مقر بفضلكم محتمل لعلمكم محتجب بذمتكم معترف بكم مؤمن بإيابكم مصدق برجعتكم منتظر لأمركم مرتقب لدولتكم)
وفي زيارة أخرى:
(السلام عليكم يا أئمة الهدى السلام عليكم يا أعلام التقى السلام عليكم يا أولاد رسول الله أنا عارف بحقكم مستبصر بشأنكم موقن بإيابكم مصدق برجعتكم منتظر لأيامكم مرتقب لدولتكم).
المصادر:
1- الشعراء 108،110،126،131،144،150،163،179.
2- الزخرف 63.
3- الأعراف165.
4- الأنفال 25.
5- الكافي ج 2 ص 91 رواية 15.
6- بحار الأنوار ج 25 ص 134 رواية 6 باب 4.
7- الكافي ج 1 ص 400.