الدولة الکريمة

ما هي الوسيلة التي تجعل الإنسان يتصوَّر تلك الدولة النورانية الکريمة التي يعز الله بها الاسلام واهله ويذل بها النفاق واهله فيصدِّق بها فيرغب فيها وينتظرها ويحاول تحقيقها؟
Monday, April 4, 2016
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
الدولة الکريمة
 الدولة الکريمة

 






 

ما هي الوسيلة التي تجعل الإنسان يتصوَّر تلك الدولة النورانية الکريمة التي يعز الله بها الاسلام واهله ويذل بها النفاق واهله فيصدِّق بها فيرغب فيها وينتظرها ويحاول تحقيقها؟
جواباً على هذا السؤال سوف نتحدَّث عن مفردة من أهم المفردات في الشريعة المقدَّسة ألا وهي: الذِّكر
فعند التأمُّل في التكاليف جميعها نرى بأنَّ الجامع بينها هو أمرٌ واحد وهو الذكر فالذكر هو الغاية النظرية لجميع العبادات وهو الحلُّ الوحيد للإنسان الهابط ذلك الإنسان الذي افتقد حالةً معنويةً ساميةً، حيث كان يعيش في جوار ربه عيشةً يأكل من جنته حيث شاء رغداً ويتنعم بنعيمه.
فبعد هبوطه من ذلك المقام ينبغي له (على أقلِّ التقدير) أن لا ينسى ذلك فيكون دائما في ذُكرٍ ممّا كان فيه ولا يغفل عن الله على أيِّ حال ولا تشغله الأموال والأولاد وظواهر الدنيا عن الذكر (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم و لا أولادكم عن ذكر الله و من يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون).(1)
وهذا الذكر المستمر سوف يجعله دائماً يتوقع الوصول إلى ذلك المقام ويرغب فيه و ينتظره وتبَعاً لذلك سوف يجعله يشمئز وينزجر من الدنيا وزخارفها ويفكِّر في خلاص نفسه منها وهذان الجانبان هما اللذان يُشكِّلان روح جميع المناسك والعبادات. ومن هذا المنطلق صار الذكر هو أفضل من جميع العبادات حيث أنَّه هو روح العبادة!!
ويكفي في إثبات أفضليَّته أنَّ الصلاة التي هي عمود الدين وأهم العبادات لم تشرَّع إلاّ للذكر يقول سبحانه: (إنني أنا الله لا اله إلا أنا فاعبدني و أقم الصلاة لذكرى).(2)
وقال تعالى (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون).(3)
فالنهي عن الفحشاء والمنكر ليس هو الغاية القصوى من الصلاة بل ذلك يرجع إلى ظاهر الصلاة وللصلاة روح وواقع وهو يتمثَّل في الذِكر وهو أكبر من سائر الجوانب الإيجابيَّة فيها.
والذكر لا بد وأن يصل إلى مستوى بحيث يتولَّى على جميع حركات الإنسان وسكناته ويسيطر على كافة تصرفاته لا في حال أداء الصلاة فحسب بل في جميع الحالات قال تعالى: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض و ابتغوا من فضل الله و اذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون)(4)
وقال تعالى: (فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا)(5)..
وقال تعالى: (واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين)(6)
ولا يُجدي الذكر القليل المتقطع بل لا بدَّ وأن يكون كثيراً دائماً (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا).(7)
هذا و قد بلغت أهمية الذكر عند هبوط بنى آدم إلى مستوى بحيث لا يمكن العيش في الدنيا إلا به و مع الإعراض عنه سوف يبتلى الإنسان بضنك العيشِ وعمى البصيرة (ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى).(8)
والجدير بالذكر أنَّ هذه الآية وردت بعد آيات الهبوط و قد مرَّ الحديث عنها فراجع، وفي قبال هذه المعيشة هي الحالة المعنوية التِّي يشير إليها سبحانه بقوله (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب).(9)
الذكر من أهمّ أدوار الأنبياء؟
مادام قد أثبتنا أنَّ الشريعة ليس هي إلاّ انعكاساً لِما حدث عند خلق آدم وحواء فعلى ضوء ذلك ينبغي لنا أن نفسِّرها فالأنبياء لم يأتوا بالشريعة من قِبَل الله سبحانه إلاّ للتذكير ولإرجاع الهابطين إلى تلك الجنَّة التِّي كان يعيش فيها آدم عليه السلام وهو في جوار ربِّه فليس للأنبياء دورٌ رئيسيٌ غير ذلك وهو نفس السرّ الذي من أجله خلق الإنسان وشرِّعت الشريعة كما مرَّ ذلك.

ذكر أهل البيت هو ذكر الله

من هنا نعرف أهمية ذكر من هم وجه الله الذين بهم يُعرف الله ويُعبد، فمع ذكرهم يتمكن الإنسان أن يذكر الله بل ذكرهم يساوى ذكر الله كيف وهم الذين قال الله فيهم (في بيوت أذن الله أن ترفع و يذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو و الآصال رجال لا تلهيهم تجاره و لا بيع عن ذكر الله)(10)
حيث أنَّهم عليهم السلام هم أهل الذكر وقال تعالى: (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون).(11)
(الكافي الحسين بن محمد عن المعلى عن الوشاء عن عبد الله بن عجلان عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز و جل فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم الذكر أنا والأئمة عليهم السلام أهل الذكر).(12)
وهم تلك النعمة التي يشير إليها سبحانه في قوله (واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور)(13)
والظاهر أنَّ الميثاق هو الأمانة المعروضة على السموات والأرض والجبال تلك الأمانة التِّي حملها الإنسان وعلى ضوئه كلُّ من يذكر الله عزَّ وجلَّ فهو ذاكرٌ لهم لا محالةَ وإلا فهو ليس بذاكرٍ للّه، و قد ورد في الزيارة الجامعة (ذكركم في الذاكرين).(14)
فكل ذاكر لله يذكرهم لا محالة حيث أنهم مظهر مشيئته تعالى. و قد ورد في الكافي (عن العدة عن البرقي عن أبيه عن فضالة بن أيوب عن على ابن أبي حمزة قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول شيعتنا الرحماء بينهم الذين إذا خلوا ذكروا الله انا إذا ذكرنا ذكر الله وإذا ذكر عدونا ذكر الشيطان).(15)
وقال الفرزدق في قصيدته الميميَّة: (مقدَّمٌ بعد ذكر الله ذكرُهُم…في كلِّ فرض ومختوم به الكلم إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم… أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم).

ذكرهم أجر الرسالة

ولا يخفى أن أجر الرسالة ينحصر في المودة في القربى لقوله تعالى (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودَّة في القربى)(16)
والمودَّة هي السبيل إلى الربِّ (قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا)(17)
وليس هو إلاّ الذكر (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين)(18)
(وما تسألهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين).(19)
أهمية إحياء ذكرهم عليهم السلام
ومن هنا نصل إلى سر التأكيد البالغ على ذكرهم عليهم السلام و أن من ذكرهم أو ذكروا عنده فخرج من عينه ماء و لو مثل جناح البعوضة بنى الله له بيتا في الجنة و قد ورد في الحديث:
(ما المفيد عن ابن قولوية عن القاسم بن محمد عن على بن إبراهيم عن أبيه عن جده عن عبد الله بن حماد الأنصاري عن جميل بن دراج عن معتب مولى أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول لداود بن سرحان يا داود ابلغ موالى عنى السلام و إني أقول رحم الله عبدا اجتمع مع آخر فتذاكر امرنا فان ثالثهما ملك يستغفر لهما و ما اجتمع اثنان على ذكرنا إلا باهى الله تعالى بهما الملائكة فإذا اجتمعتم فاشتغلوا بالذكر فان في اجتماعكم و مذاكرتكم أحياؤنا و خير الناس من بعدنا من ذاكر بأمرنا و دعا إلى ذكرنا).
وأنت ترى بأنَّ الإمام عليه السلام يطلق الكلمة (الذكر) من غير تقييد حيث يقول (فاشتغلوا بالذكر) ومع ذلك يُطبِّقه على ذكرهم عليهم السلام وهذا دليل على عدم انفصال ذكرهم عن ذكر الله تعالى.
ولا يخفى أنَّ ذكرهم عليهم السلام لا يعني الحديث عن سيرتهم من تاريخ ولادتهم وشهادتهم وبيان مناقبهم فحسب، بل الأحاديث تؤكِّد على ذكر أمرهم والأمر له الأهمية القصوى كما سنشرح عنه فيما بعد بالتفصيل ومن هذا المنطلق يطلق عليهم أولوا الأمر ويعبَّر عن بقيَّة الله الحجة بن الحسن عليه السلام ولي الأمر وإمام الأمر.
فذكرُهم عليهم السلام يعنى ذكر ما سيتحقق من أمرهم ودولتهم تلك الدولة المرتقبة و هي دولة المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.
وقد ورد في تفسير قوله تعالى وذكرهم بأيام الله (العطار عن سعد عن ابن يزيد عن محمد بن الحسن الميثمي عن مثنى الحناط قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول أيام الله ثلاثة يوم يقوم القائم ويوم الكره ويوم القيامة).(20)
وأيضاً قد ورد في زيارة الجامعة الكبيرة (ويردَّكم في أيّامه) وهي أيّام الله.
والحاصل: أن فلسفة جميع العبادات تكمن في أمرٍ واحدٍ و هوا لذِكر البنَّاء الذي يجعل الإنسان منتظراً لأيّام الله و مشتاقاً إليها ومتوقِّعاً حصولها والعيش في ظلِّها ومن ثمَّ رفض كلِّ ما يُشغله عن الذكر، ولا يصح إطلاق كلمة الذكر إلاّ مع فقد تلك الحالة المعنوية التِّي لا بدَّ للإنسان من إرجاعها في ذاكرته إلى أن يأتي ذلك اليوم الذي يرجع الكل فيه إلى الله تعالى (إنّا لله وإنّا إليه راجعون) وذلك حينما يعيش الإنسان مرَّةً أخرى في جنته التِّي أُخرج منها وقال عليٌّ عليه السلام بشأن تلك الجنّة (ثم اسكن سبحانه آدم داراً أرغد فيها عيشه وآمن فيها محلته وحذَّره إبليس وعداوته، فاغتره عدوُّه نفاسةً عليه بدار المُقام ومرافقةِ الأبرار فباع اليقين بشكه والعزيمةَ بوهنه واستبدل بالجدل وجلاً وبالاغترار ندما ثم بسط الله سبحانه له في توبته ولقّاه كلمة رحمتِه ووعده المردَّ إلى جنتِه فأهبطه إلى دار البليةِ وتناسل الذرِّية).(21)
يوم الوقت المعلوم
فمتى هو ذلك اليوم؟
الأحاديث في هذا المجال كثيرة وكلُّها تؤكِّد الآية المباركة على أنَّ ذلك اليوم هو قبل يوم القيامة واليوم هو يوم قيام قائم آل محمَّد الحجَّة بن الحسن المهدي عجَّل الله تعالى فرجه الشريف فهناك حديث صريح في ذلك نقلَّه المجلسي وكثير من العلماء(موسوعة المهدي).
(روى السيد على بن عبد الحميد في كتاب الأنوار المضيئة بإسناده إلى احمد بن محمد الأيادي يرفعه إلى إسحاق بن عمار قال سألته عن إنظار الله تعالى إبليس وقتا معلوما ذكره في كتابه فقال فانك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم قال الوقت المعلوم يوم قيام القائم فإذا بعثه الله كان في مسجد الكوفة وجاء إبليس حتى يجثو على ركبتيه فيقول يا ويلاه من هذا اليوم فيأخذ بناصيته فيضرب عنقه فذلك يوم الوقت المعلوم منتهى اجله).(22)
ونفس الحديث بتفصيل أوسع قد نقله وهب بن جميع مولى إسحاق: (ومنه عن وهب بن جميع مولى إسحاق بن عمار قال سالت أبا عبد الله عليه السلام عن قول إبليس رب فأنظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم قال له وهب جعلت فداك أي يوم هو قال يا وهب أَ تحسب انه يوم يبعث الله فيه الناس إن الله أنظره إلى يوم يبعث فيه قائمنا فإذا بعث الله قائمنا كان في مسجد الكوفة وجاء إبليس حتى يجثو بين يديه على ركبته فيقول يا ويله من هذا اليوم فيأخذ بناصية فيضرب عنقه فذلك يوم الوقت المعلوم).(23)
نعم هناك أحاديث أخرى تتحدَّث عن خصوص قاتل إبليس أنَّه رسول الله صلى الله عليه وآله أو أمير المؤمنين عليه السلام فراجع.(24)
والجدير بالذكر ما نقله العلامَّة المجلسي رحمه الله عن السيِّد بن طاووس رضوان الله تعالى عليه حول يوم الوقت المعلوم وهو حديثٌ طويل نذكر قسماً منه كشاهد لما نحن بصدد إثباته: (قال السيد بن طاووس في سعد السعود رأيت في صحف إدريس على نبينا وآله وعليه السلام في ذكر سؤال إبليس وجواب الله له قال رب فانظري إلى يوم يبعثون قال لا ولكنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم فإنَّه يوم قضيت و حتمت أن اطهر الأرض ذلك اليوم من الكفر و الشرك و المعاصي و انتخب لذلك الوقت عباداً لي امتحنت قلوبَهم للإيمان وحشوتها بالورع والإخلاص واليقين والتقوى والخشوع والصدق والحلم والصبر والوقار والزهد في الدنيا والرغبة فيما عندي يدينون بالحق وبه يعدلون أولئك أوليائي حقاً اخترت لهم نبيا مصطفى و أميناً مرتضى فجعلته لهم نبيا ورسولا وجعلتهم له أولياء وأنصارا تلك أمة اخترتها للنبي المصطفى وأميني المرتضى ذلك وقت حجبته في علم غيبي ولا بد انه واقع أبيدك يومئذ وخيلك ورجلك وجنودك أجمعين فاذهب فإنك من المنظرين إلي يوم الوقت المعلوم..).(25)
واللطيف أنَّه تعالى بعد أن ذكر قضيَّة خلق آدم وسجود الملائكة له وإباء إبليس عن السجود ثمَّ طرده من رحمة الله قال: (قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين إن هو إلا ذكر للعالمين ولتعلمن نبأه بعد حين).(26)
وفي تفسير هذه الآية الكريمة ورد حديث في الكافي إليك نصُّه: (عن أبي جعفر عليه السلام في قوله عز و جل قل ما أسألكم عليه من اجر و ما أنا من المتكلفين إن هو إلا ذكر للعالمين قال هو أمير المؤمنين عليه السلام ولتعلمن نباه بعد حين قال عند خروج القائم عليه السلام).(27)
الأجل المُسمَّى
قال تعالى: (وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين).(28)
وهذه الآية تضاهي الآية 213 من سورة البقرة حيث قال تعالى: (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم).(29)

فهناك نوعان من الاختلاف:

1- من حيث المعاش وهو الذي يتعلق بعالم الدنيا وعالم الكثرة فالله قد رفع هذا الاختلاف من خلال الدين والشريعة.
2- الاختلاف في نفس الدين وما تضمنه الكتاب الإلهي من المعارف الحقَّة.. هذا يرجع إلى البغي بين علماء الأديان و لا ينبغي أن يحدث مثل هذا الإختلاف.
فبالنسبة إلى هذا النوع من الاختلاف يقول تعالى: (وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم و لولا كلمة سبقت من ربك إلى اجل مسمى لقضي بينهم..).(30)
والمفروض أن يحكم الله بينهم بإظهار الحق على الباطل و هلاك المبطلين و إنجاء المحقين لكن الكلمة التِّي سبقت منه تعالى هي التِّي منعت من القضاء بينهم.

فما هي تلك الكلمة؟

والكلمة هي قوله تعالى: لما أهبط الإنسان إلى الدنيا (ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين) (يحيى بن عبد الله بن الحسن عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى و لقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين انهم لهم المنصورون قال نحن هم).(31)

النتيجة

دولة الإمام المهدي عجَّل الله تعالى فرجه هي جنَّة آدم عليه السلام
من خلال ما بيَّنّا نستنتج الأمور التالية:
1- إن الله سبحانه إنّما خلق آدم عليه السلام و أمر الملائكة جميعاً أن يسجدوا له، فلأجل أن يخرجَ من صلبه نور محمَّدٍ وأهلِ بيته عليه وعليهم الصلاة السلام و لذلك ورد في الحديث القدسي لولاك لما خلقت الأفلاك.
2- إنَّ الله أسكن آدم و حواء جنته وهي في الأرض حيث كانت تخيم عليها النورانية والمعنوية، و أراد منهما أن يبقيا فيها فيأكلا منها حيث شاءا رغداً و لا يقربا الشجرة فيكونا من الظالمين.
3- إنَّ إبليس لأنَّه عصى أمر الله أطرده سبحانه من جوار رحمته فأخذ يوسوس في آدم و زوجته و أراد منهما أن يقربا تلك الشجرة فقربا فبدأت لهما سوآتهما و زالت عنهما تلك النورانية التي كانا فيها و ابتلى آدم وذريته بالحياة المادية الخشنة حيث هبط من الجنَّة، و هبوط الإنسان من الجنَّة لا يعني إلاّ زوال تلك النورانيَّة التي كان يمتلكها عندما كان يعيش بجوار ربِّه.
4- من أجل سدِّ الثغور التي حدثت جرّاء خروج آدم من الجنَّة شرع الله سبحانه التكاليف الكثيرة و الأحكام المتنوِّعة.
5- إنَّ الغاية المنشودة من إرسال الرسل و إنزال الكتب هي رجوع بني آدم مرَّةً أخرى إلى جنَّته.
6- نجح موسى عليه السلام مرَّة أخرى حيث أرجع بني إسرائيل إلى تلك الجنَّة فكانوا يتظللون بالغمام و تنزل عليهم المن والسلوى ولكنَّهم طمعوا في البقل و القثاء وغيرها من متاع الدنيا فاهبطوا مصراً و رجعوا فيما كانوا عليه من الظلمة.
7- استمرَّ الهبوط إلى أن بعث الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلَّم فتمكَّن صلوات الله عليه من إرجاع الناس إلى جنَّة آدم إلاّ أنَّ السقيفة أفشلت جميع ذلك فاستمرَّت حالة الهبوط إلى يومنا هذا.
8- إنَّ العيش في الدنيا كمتاع ليس هو إلاّ إلى حين و الحين إنّما هو مقطعٌ من الدهر داخلٌ فيه لا خارج عنه.
9- الدهر يتعلَّق بعالم ما قبل قيام القيامَّة ذلك العالم المشتمل على الزمان والمكان الذين هما من عوارض الجسم و الجسماني.
10- إنَّ صلاحية الحاجات التِّي نفتقر إليها في حياتنا الدنيويَّة إنَّما هي إلى ذلك الحين فقط.
11- أنَّ أكثر المعاصي ناشئة من وساوس الشيطان فمع هلاكه لا يبتلي عامَّة الناس بالمعصية.
12- قوام الدنيا بالدناءة و الرذيلة والمعصية فمع قمع جذورها فلا دنيا و إن كانت هناك أرضٌ وسماءٌ.
13- إنَّ تواجد الإنسان بعد ذلك على الأرض واستقراره عليها لا يعني أنَّه يعيش الحياة الدنيا.
14- الحلُّ الوحيد للرجوع إلى الله و العيش في جواره في ظل رحمته الواسعة هو ذكر الله و ذكر رحمته التي كان الإنسان يتنعَّم بها و الذكر هو الغاية النظرية لجميع العبادات.
15- إنَّ الذكر هو العامل الرئيسي للرغبة في ما افتقده الإنسان من النورانيَّة التي كان يعيشها في الجنَّة 15-إنَّ الله وعد آدم أن يردَّه إلى جنته كما قال علي عليه السلام: (ثم بسط الله سبحانه له في توبته و لقّاه كلمة رحمته ووعده المرد إلى جنته).(32)
16-إنَّ إبليس لا يبقى حيّاً إلاّ إلى يوم الوقت المعلوم وحينئذٍ سوف يقتل.
17-إنَّ يوم الوقت المعلوم هو يوم ظهور الحجَّة عليه السلام.
وخلاصة القول أنَّ الله سوف لا بدَّ و أن يُحيي الأرض بعد موتها إحياءً بالمعنى التام للكلمة، وفي الحديث (عن أبي جعفر عليه السلام في قوله عز وجل اعلموا إنَّ الله يحيى الأرض بعد موتها يعنني بموتها كفرَ أهلِها و الكافرُ ميِّتٌ فيُحييها اللهُ بالقائم فيَعدلُ فيها فتحيى الأرض ويحيى أهلها بعد موتهم).(33)
و قد وعد الله تعالى عباده بأنَّهم (لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً)(34)
وأيضاً قال (ولو انهم أقاموا التوراة والإنجيل وما انزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم و من تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة و كثير منهم ساء ما يعملون)(35)
بعض صفات دولة المهدي عليه السلام:
ومع التأمّل في الأحاديث التِّي وردت في توصيف دولة الإمام المهدي عليه السلام نلاحظ أنَّ مواصفات تلك الدولة المباركة لا تتلاءم مع الدنيا التي نعيش فيها بل تنسجم تماماً مع الجنَّة التِّي كان يعيش فيها آدم عليه السلام، فنشير إلى بعض تلك المواصفات:وصول الإنسان إلى كماله المعنوي
وفي هذا المجال قد وردت أحاديث كثيرة نكتفي ببعضها ففي الكافي بإسناده عن (أبي جعفر الباقر عليه السلام قال إذا قام قائمُنا وضع يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولَهم و كمُلت بها أحلامُهم).(36)
ولا يخفى أنَّ وضع اليد على رؤوس العباد كناية عن النظر إليهم نظرة رحيمة بها تفيض النورانيَّة والمعنوية منه عليه السلام عليهم و ذلك بعد وصولهم إلى مستوى العبودية التي بها يتمكَّنون من قبول تلك الفيوضات الإلهيَّة، كما أنَّ اجتماع عقولهم يعني وصولهم إلى مرتبة رفيعة من الحذاقة و الحكمة بحيث يمكنهم تحمُّل ذلك الأمر كما سيأتي في بيان قولهم عليهم السلام أنَّ أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلاّ مَلَكٌ مقرَّب أو نبيٌ مُرسَلٌ أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان وفي بعضها أو مدينه حصينة وعندما يسأل الراوي عن المدينة الحصينة يجيبه الإمام الصادق عليه السلام بأنَّها القلب المجتمع وهذه الصفة التي يتصف بها أصحاب الحجَّة عليه السلام ليست من الصفات التي يتمكَّن الإنسان و هو في عالم الطبيعة وسجن الدنيا أن يكتسبها بل هي صفةٌ نورانيَّة و حالةٌ معنويَّة لا يصل إليها إلاّ من هاجر عالم الطبيعة و انتقل إلى عالم المعنى فرجع إلى الله تعالى، وهذا لا ينافى كونه على وجه الأرض لأنَّ عالم المُلك لا يتحكَّم في مثل هذا الإنسان كمّا مرَّ تفصيله.
مشاهدة المؤمنين بعضهم بعضاً:
وفي هذا المجال أيضاً وردت أحاديث كثيرة منها ما ورد في الكافي (عن أبي الربيع الشامي قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول إنَّ قائمنا إذا قام مد الله عز وجل لشيعتنا في أسماعهم و أبصارهم حتى لا يكون بينهم وبين القائم بريد يكلمهم فيسمعون وينظرون إليه وهوفي مكانه).(37)
والمستفاد من هذا الحديث أنَّ القدرة التِّي تُكتسب آن ذاك ليست هي قدرةٌ ماديَّة يصل إليها الإنسان من منطلق العلم والتكنولوجيا كما يتصوَّر من ليس له إلمام بواقع الشريعة المقدَّسة و يحاول أن يفسِّرَ كلَّ شئ من منظاره المادِّي الضيِّق فيفسِّر مثل هذه الأحاديث بانتشارأجهزة التلفزيون والإنترنت وما‍‍‍‍‍ شابه ذلك !! بل الأمر فوق مستوى هذه التخيُّلات الباطلة الزائفة إنَّها قدرةٌ إلهيَّة وقوَّةٌ ربّانية تابعة من مبدأ الكون بنحو مباشر ذلك الذي إذا أراد شيئاً يقول له كنْ فيكون ولذلك نلاحظ اختصاصها بخصوص الشيعة كما ورد في الحديث لشيعتنا فهم الذين يهمُّهم هذا الأمر فيتميَّزون بهذه الصفات حيث يسمعونه عليه السلام و ينظرون إليه و هو في مكانه من غير بريدٍ ولا يفرق ذلك بين ما إذا كانوا يعيشون في حياةً مدنيَّةً يمتلكون تلك الأجهزة أو كانوا من أهل القرى والبوادي لم يحضوا من الكهرباء فضلاً عن الأجهزة الكهربائيَّة، فالسبب لوصولهم إلى ذلك المستوى في السمع والبصر ليس هو إلاّ كونهم موالين لذلك الإمام روحي له الفداء والسائرين على نهجه القويم.
وأمّا غير الشيعة فلا يصلوا إلى ذلك المقام مهما ارتفعت مستواهم المادي وكثرت إمكانيّاتهم الظاهريَّة، فإذاً هذه الحالة المميَّزة هي حالةٌ معنوية بحتة لا دخل للمادة وعوارضها في ذلك أصلاً ولم يحدث هذا الأمر إلاّ لأنَّ العالم الذي يعيشه المؤمن آن ذاك هو أعلى مستوى من عالم الدنيا الذي هبط فيه آدم وبنوه بل هو جنَّة آدم عليه السلام التي بعث جميع الأنبياء لأجل إرجاع الناس إليها.
وفي حديث آخر عن ابن مسكان قال (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول إنَّ المؤمن في زمان القائم وهو بالمشرق ليرى أخاه الذي في المغرب وكذا الذي في المغرب يرى أخاه الذي في المشرق).(38)
و هذا الحديث أيضاً يؤكِّد أنَّ الذي سوف يكتسب تلك المواصفات إنّما هو المؤمن لا غيره من الناس و ذلك في خصوص زمان القائم عليه السلام فهو يرى أخاه فهذه الرؤية إنّما هي رؤية معنوية نابعة من إيمانه من ناحية وبلوغه ذلك الزمان من ناحيةٍ أخرى.
ثمَّ إنَّ الأخوَّة في ذلك الزمان ليس هي الأخوَّة النسبيَّة الناشئة من الولادة بل هل نوع خاص من الأخوَّة أشار إليها الإمام الصادق عليه السلام في قوله (إنَّ الله تبارك وتعالى آخى بين الأرواح في الأظلَّة قبل أن يخلق الأجساد بألفي عام فلو قد قام قائمنا أهلِ البيت ورث الأخ الذي آخى بينهما في الأظلة و لم يورث الأخ في الولادة).(39)
أقول: إنَّ عالم الأظلة هو عالم ما قبل انتقال الروح إلى الجسد وهو ذلك الحين الذي كان الإنسان شيئاً غير مذكور وغير معروف وهو العالم الذي يطلق عليه العرفاء بعالم ألست إشارة إلى قوله تعالى (ألست بربكم قالوا بلى)(40)
و في حديث أبي بصير قد ذكر الإمام عليه السلام سرَّ ما قد مرَّ فقال أبو بصير (قال أبو عبد الله عليه انه إذا تناهت الأمور إلى صاحب هذا الأمر رفع الله تبارك وتعالى له كل منخفض من الأرض وخفض له كل مرتفع حتى تكون الدنيا عنده بمنزلة راحته فأيُّكم لو كانت في راحته شعرةٌ لم يُبصرها).(41)
فمع التأمُّل في هذا الحديث نعرفُ نقاطاً كثيرة نشير إلى بعضها، فقوله إذا تناهت الأمور يدلُّ على أنَّ في بداية ظهوره ليس الأمر كذلك وبذلك يمكن تفسير الأحاديث التي ربَّما يُستشمُّ منها خلاف ما نحن بصدد إثباته فهي إنَّما تشير إلى ما قبل أن تستقرَّ الأمور ويُظهر الله الدين على الدين كلِّه، وأمّا بعد ذلك فالحالة تنعكس تماماً فيرجع المجتمع الإيماني بأكمله إلى الله سبحانه وتعالى.
ثمَّ لا تخفى عليك لطافة المناسبة بين قوله عليه السلام إذا تناهت الأمور وبين قوله إلى صاحب هذا الأمر وأمّا قوله عليه السلام رفع الله يدلُّ على أنَّ ذلك أمرٌ إلهي لا تحكمه السنن الماديَّة مضافاً إلى كلمة له في قوله عليه السلام رفع الله تبارك وتعالى له.. وأيضاً خفض له، فهي تشير إلى أنَّ ذلك يختص به عليه السلام فهو الذي يرى الأرض هكذا، وألطف من ذلك كلِّه قوله عليه السلام حتى تكون الدنيا عنده فالدنيا خاصَّة لا الأرض تكون عنده وقدَّ مرَّ تفصيل الفرق بين الدنيا والأرض، كما أنَّ الدنيا لا تكون عند غيره كذلك والحاصل أنَّ هذا الحديث أيضاً يؤكِّد على ما أثبتناه من أنَّ دولة المهدي و إن كانت في الدنيا إلاّ أنَّ الظواهر المُلكيَّة الدنيويَّة لا تأثير لها في حكومته عليه السلام.

التوسعة الزمانيَّة

ففي رواية أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام أنَّه (يمكث على ذلك سبع سنين مقدار كل سنه عشر سنين من سنيكم هذه)(42)
وفي حديث آخر عن الصادق عليه السلام (يكون سبعين سنة من سنيكم هذه).(43)
أقول: اختلاف السنة عن سنين الدنيا يدلُّ أ نَّ دولته ليست دولة دنيوية و إن كانت هي على الأرض بل المخيِّمُ على تلك الدولة هو نورٌ إلهيٌّ والمتسلِّطُ على تلك الحكومة معنويَّةٌ ربّانيَّةٌ خارجة عن أطر الزمان والمكان، فمن الواضح حينئذٍ أن تكون سنتها عشر سنين أو سبعين سنة.

ظهور الملائكة والجن للناس

وفي الحديث الطويل الذي ينقله المفضل بن عمر قال: (يا سيدي وتظهر الملائكةُ والجنُّ للناس؟ قال إي والله يا مفضَّل و يخاطبُونهم كما يكون الرجل مع حاشيته و أهله، قلت يا سيِّدي و يسيرون معه؟ قال إي والله يا مفضَّل).(44)
ومن المعلوم أنَّه ليس من شأن الملائكة و الجن أن يظهروا للناس كافَّة بما أنَّهم في الدنيا يعيشون في هذا العالم المادي لأنَّ الملائكة خُلقوا من نور لا علاقة لهم إلاّ مع من يمتلك النور المعنوي و أيضاً ليس من طبيعة الجن الانسجام مع عامَّة الناس كما هو ثابت في محلِّه.
فإذاً دولة الإمام عليه السلام ليست ضمن الدنيا بل كما أثبتنا هي دولةٌ تحيطها حالةً خاصَّة نورانيَّة خارجة عن إطار المادَّة والماديّات.

ذهاب العاهة و تقوية القلوب

نقل الشيخ الصدوق في كتابه الخصال: (عن ابن الوليد عن الصفار عن الحسن بن على بن عبد الله بن المغيرة عن العباس بن عامر عن ربيع بن محمد عن الحسن بن ثوير بن أبي فاختة عن أبيه عن على بن الحسين عليه السلام قال إذا قام قائمنا أذهب الله عز و جل عن شيعتنا العاهة و جعل قلوبهم كزبُر الحديد و جعل قوه الرجل منهم قوة أربعين رجلا و يكونون حكّام الأرض و سنامها).(45)
والملاحظ في هذا الحديث نفس ما كان في الأحاديث السابقة حيث نسب الإمام عليه السلام ذهاب العاهة إلى الله مباشرةً فقال أذهب الله عز و جل فهو أمرٌ إلهي غير خاضع للقوانين الطبيعيَّة ومن هنا اختصَّت بالشيعة فحسب عن شيعتنا وأمّا كلمة جَعَل الوارد في الحديث فالظاهر أنَّ المراد منه هو الجعل التكويني لا الجعل التشريعي، وبما أنَّهم وصلوا إلى هذا المرتبة السامية صاروا حكّاماً على الأرض.
ومثل هذا الحديث هو ما ورد في شأن لوط عليه السلام عن (ابن مسرور عن ابن عامر عن عمه عن ابن ابى عمير عن على بن أبي حمزة عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام ما كان يقول لوط عليه السلام (لو أنَّ لي بكم قوة أو آوى إلى ركنٍ شديدٍ)(46)
إلاّ تمنِّياً لقوة القائم عليه السلام و لا ذَكَر إلا شدة أصحابه فإنَّ الرجل منهم يُعطى قوة أربعين رجلاً و أنَّ قلبَه لأشدَّ من زبر الحديد و لو مروا بجبال الحديد لقطعوها لا يكفون سيوفهم حتى يرضى الله عز وجل).(47)
وقد مرَّ أنَّ أهل البيت عليهم السلام بما فيهم المهدي من ولد فاطمة عليهما السلام كانوا معروفين لدى كافة الأنبياء وكذلك دولته المباركة كانت معروفة لديهم. و أمّا الذي يعطيهم هذه القوَّة فهو الله سبحانه بحيث لو مرُّوا بجبال الحديد لقطَّعوها ومن هنا نستنتج بأنَّ الأربعين المذكورة في الحديث إنَّما هي إشارة إلى القوَّة الخارقة للعادة فحسب فهي خارجة عن إطار الجسمانيّات بل هي قوَّة روحانيَّة ملكوتيَّة و ليس الكلام فيه مبالغة أصلاً.
نزول البركات و التآلف بين الحيوانات
وفي هذا المجال وردت أحاديث كثيرة نذكر ثلاثةً منها فقد ورد في حديث (تعطى السماء قطرها والشجر ثمرها والأرض نباتها وتتزين لأهلها وتأمن الوحوش حتى ترتعي في طرق الأرض كأنعامهم)(48)
وفي حديث آخر (عن زيد بن وهب الجهني عن حسن بن على بن أبى طالب عن أبيه صلوات الله عليهما قال يبعث الله رجلا في آخر الزمان..إلى أن قال.. تصطلح في ملكه السباع و تخرج الأرض نبتها و تنزل السماء بركتها و تظهر له الكنوز يملك ما بين الخافقين أربعين عاماً فطوبى لمن أدرك أيامه و سمع كلامه)(49)
وقال أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام (ولو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها ولأخرجت الأرض نباتها و لذهبت الشحناء من قلوب العباد واصطلحت السباع و البهائم حتى تمشى المرأة بين العراق إلى الشام لا تضع قدميها إلاّ على النبات و على رأسها زبيلها لا يهيجها سبع و لا تخافه).(50)
وأنت تلاحظ في هذه الأحاديث خاصَّة الأخير كيف يسود الأمن تلك الدولة المباركة و أيضاً هناك ترابط وانسجام بين الجانب الروحي المعنوي في أصحابه عليه السلام حيث تذهب الشحناء من قلوبهم وبين الجانب المادي من نزول البركات و شمولية الخيرات، فكلُّ المشاكل والآفات التِّي نعيشها نحن منشأها ومنبتها هو الدنيا لا غير قال عليٌّ عليه السلام في خطبته المعروفة في توصيف الدنيا (دار بالبلاء محفوفة وبالغدر معروفة لا تدوم أحوالها ولا يسلم نزالها أحوالٌ مختلفة وتاراتٌ متصرِّفة، العيشُ فيها مذمومٌ والأمان منها معدوم و إنَّما أهلُها فيها أغراض مستهدفة ترميهم بسهامها و تفنيهم بحمامها)(51) فمع التخلُّص من الدنيا و الرجوع إلى الجنَّة في الأرض نتخلَّص من جميع ألوان العاهات والآفات والخوف والوحشة.
المصادر :
1- المنافقون 9.
2- طه 15.
3- العنكبوت 45.
4- الجمعة 11.
5- النساء 104.
6- الأعراف 206.
7- الأحزاب 42.
8- طه 125.
9- الرعد 28.
10- النور 37.
11- النحل 44.
12- بحار الأنوار ج 16 ص 359 رواية 55 باب 11.
13- المائدة 8.
14- بحار الأنوار ج 102 ص 129 رواية 4 باب 8.
15- بحار الأنوار ج 74 ص 258 رواية 55 باب 15.
16- الشورى 24.
17- الفرقان57.
18- الأنعام 90.
19- يوسف104.
20- بحار الأنوار ج51 ص50 رواية23 باب5.
21- بحار الأنوار ج 11 ص 122 رواية 56 باب 1.
22- بحار الأنوار ج52 ص376 رواية178 باب27.
23- بحار الأنوار ج 63 ص 254 رواية 119 باب 3.
24- بحار الأنوار ج 11 ص 154 رواية 31 باب 2، بحار الأنوار ج 52 ص 376 رواية 178 باب 27.
25- بحار الأنوار ج 11 ص 151 رواية 26 باب 2.
26- ص86-88.
27- الكافي ج 8 ص 287 رواية 432 باب 8.
28- يونس 20.
29- البقرة 213.
30- الشورى 14.
31- بحار الأنوار ج 24 ص 182 رواية 18 باب 50.
32- بحار الأنوار ج 11 ص 122 رواية 56 باب 1.
33- بحار الأنوار ج 24 ص 325 رواية 39 باب 67.
34- الجن 16.
35- المائدة 66.
36- الكافي ج1 ص 25 رواية 21.
37- الكافي ج 8 ص 240 رواية 239 باب 8.
38- بحار الأنوار ج 52 ص 391 رواية 213 باب 27.
39- الفقيه ج4 ص352 رواية5761 باب2.
40- الأعراف 172.
41- بحار الأنوار ج 52 ص 328 رواية 46 باب 27.
42- بحار الأنوار ج 52 ص 339 رواية 84 باب 27.
43- بحار الأنوار ج 52 ص 291 رواية 35 باب 26.
44- بحار الأنوار ج 53 ص 6 رواية 1 باب 28.
45- بحار الأنوار ج 52 ص 316 رواية 12 باب 27.
46- هود 80.
47- بحار الأنوار ج 52 ص 327 رواية 44 باب 27.
48- بحار الأنوار ج 53 ص 81 رواية 86 باب 29.
49- بحار الأنوار ج 52 ص 280 الرواية6 باب 26.
50- بحار الأنوار ج 52 ص 316 رواية 11 باب 27.
51- بحار الأنوار ج 73 ص 82 رواية 45 باب 122.


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.