موعدنا مع البرزخ اولاً

عندما یفارق الانسان الحياة ويترک هذه الدنيا وضجيجها فانه سوف لن يرتاح وتنتهي المشاکل حيث انه سيضع رجله في سلّم حركته من لدن موته حتىٰ لقائه ببارئه و يرتقي عدة مرتقيات صعبة ، ويمرّ في عقبات مهولة ، تبلغ من الشدّة والفظاعة بحيث لو
Tuesday, April 12, 2016
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
موعدنا مع البرزخ اولاً
 موعدنا مع البرزخ اولاً

 






 

عندما یفارق الانسان الحياة ويترک هذه الدنيا وضجيجها فانه سوف لن يرتاح وتنتهي المشاکل حيث انه سيضع رجله في سلّم حركته من لدن موته حتىٰ لقائه ببارئه و يرتقي عدة مرتقيات صعبة ، ويمرّ في عقبات مهولة ، تبلغ من الشدّة والفظاعة بحيث لو قيست بالموت مع شدّة غمراته ، لكان إزاءها أمراً هيّناً يسيراً.
قال الإمام الصادق عليه‌السلام : « إنّ بين الدنيا والآخرة ألف عقبةٍ ، أهونها وأيسرها الموت » (1).
وفيما يلي نبيّن بايجاز المنازل التي يقطعها الانسان في طريقه إلى المعاد ضمن خمسة مباحث :

الموت وغمراته

الموت هو أول منازل الطريق إلى المعاد ، وأول مشاهد النشأة الآخرة ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الموت القيامة ، إذا مات أحدكم فقد قامت قيامته ، يرى ما له من خيرٍ وشرّ » (2). وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « الموت باب الآخرة » (3).
ويراد به قبض الروح وقطع تعلّقها بالبدن ، أو الانتقال من نشأة الحياة الدنيا إلى نشأة الحياة الآخرة ، وهو من فعل الله تعالى ، قال تعالى : ( هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ )
وقد أوكل تعالى مهمّة قبض الأرواح إلى ملك الموت ، فهو يقبضها بأمره سبحانه ( قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ
تُرْجَعُونَ ) .
واصطفى له أعواناً من الملائكة يصدرون عن أمره ، وجعل فعلهم فعله ( حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ )
والله تعالى يتوفىّ الأنفس من ملك الموت ( اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا )
وإلى ذلك أشار الإمام الصادق عليه‌السلام في حديث قال : « إنّ لله جعل لملك الموت أعواناً من الملائكة ، يقبضون الأرواح ، بمنزلة صاحب الشرطة له أعوان من الإنس ، يبعثهم في حوائجه ، فتتوفّاهم الملائكة ، ويتوّفاهم ملك الموت من الملائكة مع مايقبض هو ، ويتوفاها الله تعالى من ملك الموت » (4).
غمرات الموت : الموت صورة مرعبة تجسّد نهاية مسيرة الكائن الإنساني في الحياة الدنيا ، وتعبّر عن مصيره المحتوم الذي لا بدّ من لقائه ( قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ).
وقد جاء في وصف الموت وما يحيطه من أهوالٍ وما يكتنفه من غمراتٍ الكثير من الآيات والأحاديث ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « وإنّ للموت لغمرات هي أفظع من أن تُستغرق بصفة ، أو تعتدل على عقول أهل الدنيا » (5). وفيما يلي نورد وصفاً لبعض تلك الغمرات على ضوء آيات الذكر الحكيم والأحاديث الشريفة :
1 ـ الاحتضار : ويراد به حضور ملك الموت أو أعوانه من ملائكة الرحمة أو العذاب ، لانتزاع روح المحتضر ، وهو من الأهوال المرعبة ، لما يدخل من الروع والخوف على قلب المحتضر حين مشاهدة الملائكة ، قال الامام زين العابدين عليه‌السلام : « أشدّ ساعات ابن آدم ثلاث ساعات : الساعة التي يعاين فيها ملك الموت ، والساعة التي يقوم فيها من قبره ، والساعة التي يقف فيها بين يدي الله تبارك وتعالى ، فإما إلى الجنّة ، وإمّا إلى النّار » (6).
وأهوال الاحتضار ليست هي بدرجة واحدة لكلّ المحتضرين ، بل تتفاوت شدّة ورفقاً بحسب سلوك الانسان وعمله ، فالمتّقون لهم مناخ نفسي مريح تتلقّاهم به ملائكة الرحمة بالبشارة العظمى ، وهي الفوز بنعيم الأبد ، قال تعالى : ( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) فليس بين وفاتهم والبشارة فاصل زمني ، لعدم العاطف بين الجملتين فهو موت عنده البشارة.وتتحدّث آيات اُخرى عمّا يعانيه الكافرون والظالمون من غمرات مفزعة وأهوال مرعبة ، فتُصوّر الضغط النفسي بسبب الوعيد القاتل وهول العذاب النازل ، قال تعالى : ( وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ )
2 ـ سكرات الموت : قال تعالى : ( وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ ) والمراد بسكرة الموت : الكرب الذي يتغشّى المحتضر عند الموت من هول المطلع ، وهي غصص الموت ، وغمرات الآلام ، وطوارق الأوجاع والأسقام ، وما يصحبها من « أنّةٍ موجعةٍ ، وجذبةٍ مكربةٍ ، وسوقة متعبةٍ » (7).
قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أدنى جَبَذات الموت بمنزلة مائة ضربةٍ بالسيف » (8). وتتجلّى آثار تلك السكرات الملهثة والغمرات الكارثة في احتباس لسان المحتضر ، وشخوص بصره ، وترشّح جبينه ، وتقلّص شفتيه ، وارتفاع أضلاعه ، وعلو نَفَسه ، واصفرار لونه ، وموت أعضائه بالتدريج حيث تبرد قدماه ، ثم فخذاه ، وهكذا سكرة بعد سكرة ، وكربة بعد كربة ، حتى تبلغ الحلقوم ، فينقطع نظره عن الدنيا انقطاعاً لا رجعة فيه ( فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) ، هذا مع ما يعاني المحتضر في أول احتضاره من حالات مدهشة.
يقول أمير المؤمنين عليه‌السلام في وصف تلك اللحظات : « اجتمعت عليهم سكرة الموت ، وحسرة الفوت ، ففترت لها أطرافهم ، وتغيّرت لها ألوانهم ، ثم ازداد الموت فيهم ولوجاً ، فحيل بين أحدهم وبين منطقه ، وإنه لبين أهله ، ينظر ببصره ، ويسمع باُذنه ، على صحّةٍ من عقله ، وبقاءٍ من لُبّه ، يفكّر فيم أفنى عمره ، فيم أذهب دهره ... فهو يعضّ يده ندامةً على ما أصحر له عند الموت من أمره ، ويزهد فيما كان يرغب فيه أيام عمره ... فلم يزل الموت يبالغ في جسده ، حتى خالط لسانه وسمعه ، فصار بين أهله لا ينطق بلسانه ، ولا يسمع بسمعه ، يردّد طرفه بالنظر في وجوههم ، يرى حركات ألسنتهم ، ولا يسمع رجع كلامهم ، ثم ازداد الموت التياطاً به ، فقُبِض بصره كما قُبض سمعه ، وخرجت الروح من جسده ، فصار جيفةً بين أهله ، قد أوحشوا من جانبه ، وتباعدوا من قُربه ، لا يُسعِدُ باكياً ، ولا يُجيب داعياً ، ثمّ حملوه إلى مخطّ في الأرض ، فأسلموه إلى عمله ، وانقطعوا عن زورته » (9).
وممّا يهوّن تلك السكرات بعض الاعمال الصالحة مثل صلة الأرحام وبرّ الوالدين ، لما ورد عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه قال : « من أحبّ أن يخفّف الله عزَّوجلَّ عنه سكرات الموت ، فليكن لقرابته وصولاً ، وبوالديه باراً .. » (10).
3 ـ انتزاع الروح : ورد في الحديث أن انتزاع الروح يتفاوت من حيث الشدة والرفق بحسب سلوك المرء وعمله ، فالمؤمنون الذين ترسّخ الإيمان في صدورهم ، وكفّوا جوارحهم عن السوء ، واستبشروا بلقاء ربّهم ، تقبض أرواحهم ملائكة الرحمة بكلّ تأنٍ ويُسر ، والكافرون الذين خدعتهم الدنيا بغرورها ، فغرقوا في خضمّ الفجور والإعراض عن لقاء الله سبحانه ، فتنتزع ملائكة العذاب أرواحهم بشدّة.
قال الإمام أبو جعفر الباقر عليه‌السلام : « إنّ آية المؤمن إذا حضره الموت أن يبيضّ وجهه أشدّ من بياض لونه ، ويرشح جبينه ، ويسيل من عينيه كهيئة الدموع ، فيكون ذلك آية خروج روحه ، وإن الكافر تخرج روحه سلّاً من شدقه كزبد البعير ... » (11).
ويبدو من الأخبار أنّ ذلك ليس قاعدة مطردة ، فليس كل ما كان من شدة النزع فهو عقوبة ، ولا كل ما كان من سهولة ورفق فهو ثواب ومكرمة ، إذ قد تكون الشدّة على المؤمن تمحيصاً لذنوبه ، وقد يكون الرفق بالكافر استيفاءً لأجر حسناته (12) ، وقد سئل الإمام الصادق عليه‌السلام : ما بالنا نرى كافراً يسهل عليه النزع ، فينطفئ وهو يتحدث ويضحك ويتكلم ، وفي المؤمنين من يكون أيضاً كذلك ، وفي المؤمنين والكافرين من يقاسي عند سكرات الموت هذه الشدائد ؟ فقال عليه‌السلام : « ما كان من راحةٍ للمؤمن هناك فهو عاجل ثوابه ، وما كان من شدّة فهو تمحيصه من ذنوبه ، ليرد الآخرة نقياً نظيفاً ، مستحقاً لثواب الأبد ، لا مانع له دونه ، وما كان من سهولة هناك على الكافر فليوفي أجر حسناته في الدنيا ، ليرد الآخرة وليس له إلّا ما يوجب عليه العذاب ، وما كان من شدّةٍ على الكافر هناك فهو ابتداء عذاب الله له بعد نفاد حسناته ، ذلك بأنّ الله عدلٌ لا يجور » (13).
4 ـ الدخول في النشأة الآخرة : حينما يتناول المسجّىٰ كأس الموت غصّةً بعد غصّة ، وتستسلم الروح للخروج ، ينكشف له بالموت ما لم يكن مكشوفاً في الحياة ، كما ينكشف للمتيقظ ما لم يكن مكشوفاً في حال النوم ، و « الناس نيام ، فإذا ماتوا انتبهوا » فيرون ما لم يره الحاضرون ، قال تعالى : ( لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) ، ومن جملة الأمور التي يعاينها الإنسان عند الموت على ما ورد في الأخبار ما يلي :
ألف ـ منزلته من الجنة أو النار : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا مات أحدكم عُرض عليه مقعده بالغداة والعشي ، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ، ويقال : هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة » (14).
وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام في كتابه لمحمد بن أبي بكر لما ولاه مصر : « ليس أحد من الناس تفارق روحه جسده حتى يعلم أي المنزلتين يصل ؛ إلى الجنة ، أم إلى النار ، أعدوٌ هو لله أم وليّ ، فإن كان ولياً لله فُتِحت له أبواب الجنة ، وشرعت له طرقها ، ورأى ما أعدّ الله له فيها ، ففرغ من كلّ شغل ، ووضع عنه كلّ ثقل ، وإن كان عدوّاً لله فُتِحت له أبواب النار ، وشرعت له طرقها ، ونظر إلى ما أعدّ الله له فيها ، فاستقبل كل مكروه ، وترك كلّ سرور ، كلّ هذا يكون عند الموت ، وعنده يكون اليقين » (15).
ب ـ تجسّد المال والولد والعمل : عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : « إنّ العبد إذا كان في آخر يومٍ من الدنيا ، وأول يومٍ من الآخرة ، مُثّل له ماله وولده وعمله ، فيلتفت إلى ماله ويقول : والله إني كنت عليك حريصاً شحيحاً ، فما لي عندك ؟ فيقول : خُذ منّي كفنك. قال : فيلتفت إلى ولده ، فيقول : والله إنّي كنت لكم محبّاً ، وإنّي كنت عليكم محامياً ، فماذا لي عندكم ؟ فيقولون :
نؤديك إلى حفرتك ونواريك فيها. فيلتفت إلى عمله فيقول : والله إنك كنت عليّ لثقيلاً ، وإنّي كنت فيك لزاهداً ، فماذا عندك ؟ فيقول : أنا قرينك في قبرك ، ويوم نشرك حتى اُعرض أنا وأنت على ربك » (16).
ج ـ معاينة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام : قال الشيخ المفيد رحمه‌الله : هذا باب قد أجمع عليه أهل الإمامة ، وتواتر الخبر به عن الصادقين من الأئمة عليه‌السلام (17)
وجاء عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال للحارث الهمداني رحمه‌الله :
يا حارِ همدان من يمُت يرني *** من مؤمنٍ أو منافقٍ قبلا
يعرفني طرفه وأعرفه *** بعينه واسمه وما فعلا
في أبياتٍ مشهورةٍ. (18)
وأورد أبن أبي الحديد ستة أبيات منها عند قول أميرالمؤمنين عليه‌السلام :
« فإنكم لو قد عاينتم ما قد عاين من مات منكم ، لجزعتم ووهلتم ، وسمعتم وأطعتم ، ولكن محجوبٌ عنكم ما قد عاينوا ، وقريب ما يُطرَح الحجاب ».
قال ابن أبي الحديد : ويمكن أن يعني به ما كان عليه‌السلام يقوله عن نفسه إنه لا يموت ميت حتى يشاهده عليه‌السلام حاضراً عنده.ثم استدلّ على صحّة ذلك بقوله : وليس هذا بمنكر ، إن صحّ أنه عليه‌السلام قاله عن نفسه ، ففي الكتاب العزيز ما يدلّ على أن أهل الكتاب لا يموت منهم ميت حتى يصدّق بعيسى بن مريم عليه‌السلام ، وذلك قوله : ( وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ) قال كثير من المفسرين : معنى ذلك أنّ كلّ ميت من اليهود وغيرهم من أهل الكتب السالفة ، إذا احتُضِر رأى المسيح عنده ، فيصدّق به من لم يكن في أوقات التكليف مصدّقاً به (19).
أمّا كيفية الرؤية ، فلا يلزمنا معرفتها والتحقيق فيها ، بل يكفي فيها وفي أمثالها من اُمور الغيب ، التصديق بمجملها ، والإيمان بعمومها ، لورودها في النصوص الصحيحة الصادرة عنهم عليهم‌السلام.

البرزخ وعذابه

قال تعالى : ( وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) ، والآية ظاهرة الدلالة على أن هناك حياة متوسطة بين حياتهم الدنيوية وحياتهم بعد البعث.
وقال الإمام الصادق عليه‌السلام في تفسيرها : « البرزخ : القبر ، وفيه الثواب والعقاب بين الدنيا والآخرة » (20).
أهوال البرزخ : عرفنا أن الحياة في عالم الآخرة تبدأ من الموت ، فبالموت يولد الانسان في عالم الآخرة ، وبعد غمرات الموت يواجه أهوال القبر ، وهي كما يلي :
1 ـ وحشة القبر وظلمته : القبر منزل موحش من منازل الطريق إلى المعاد ، حيث يودع الميت في حفرةٍ مظلمة ضيقة من غير أنيس إلّا ملائكة الرحمة أو العذاب ، ومن غير قرين إلّا العمل.
قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في كتابه إلى أهل مصر : « يا عباد الله ، ما بعد الموت لمن لا يُغْفَر له أشدّ من الموت القبر فاحذروا ضيقه وضنكه وظلمته وغربته ، إنّ القبر يقول كلّ يومٍ : أنا بيت الغربة ، أنا بيت التراب ، أنا بيت الوحشة ، أنا بيت الدود والهوامّ ... » (21).
وهناك يستبدل الإنسان بظهر الأرض بطناً ، وبالأهل غربةً ، وبالنور ظلمةً ، وبسعة العيش ورفاهيته ضيق القبر ووحشته ، فينقطع الأثر ، ويُمحى الذكر ، وتتغير الصور ، وتبلى الأجساد ، وتنقطع الأوصال.
يقول أمير المؤمنين عليه‌السلام : « فكم أكلت الأرض من عزيز جسدٍ ، وأنيق لونٍ ، كان في الدنيا غذيَّ تَرَفٍ ، وربيبَ شرفٍ ، يتعلّل بالسرور في ساعة حزنه ، ويفزع الى السلوة إن مصيبةٌ نزلت به ، ضنّاً بغضارة عيشه ، وشحاحةً بلهوه ولعبه .. » (22).
2 ـ ضغطة القبر أو ضمّته : ورد في الأخبار أنّ الميت يتعرّض إلى ضغطة القبر ، أو ضمّة الأرض ، إلى الحدّ الذي تُفري لحمه ، وتطحن دماغه ، وتذيب دهونه ، وتخلط أضلاعه ، وتكون بسبب النميمة وسوء الخلق مع الأهل ، وكثرة الكلام ، والتهاون في أمر الطهارة ، وقلّما يسلم منها أحد ، إلّا من استوفى شرط الإيمان ، وبلغ درجات الكمال.
قال أبو بصير : قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : أيفلت من ضغطة القبر أحد ؟
فقال : « نعوذ بالله منها ، ما أقلّ من يفلت من ضغطة القبر ..! » (23).
وتعرّض لضغطة القبر الصحابي الجليل سعد بن معاذ رضي‌الله‌عنه ( ت 5 ه‍ ) حيث جاء في الروايات أنه لمّا حُمِل على سريره شيعته الملائكة ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد تبعه بلا حذاء ولا رداء ، حتى لحّده وسوّى اللبن عليه ، فقالت أمّ سعد : يا سعد ، هنيئاً لك الجنة. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :
« يا أُمّ سعد مَه ، لا تجزمي على ربك ، فإنّ سعداً قد أصابته ضمّة » وحينما سُئل عن ذلك قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنه كان في خُلقه مع أهله سوء » (24).
وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ضغطة القبر للمؤمن كفّارة لما كان منه من تضييع النعم » (25).
3 ـ سؤال منكر ونكير : وفي عالم البرزخ ينزل الله سبحانه على الميت وهو في قبره ملكين ، وهما منكر ونكير ، فيقعدانه ويسألانه عن ربه الذي كان يعبده ، ودينه الذي كان يدين به ، ونبيه الذي أُرسل إليه ، وكتابه الذي كان يتلوه ، وإمامه الذي كان يتولّاه ، وعمره فيما أفناه ، وماله من أين اكتسبه ، وفيما أنفقه ، فإن أجاب بالحقّ استقبلته الملائكة بالروح والريحان ، وبشرته بالجنة والرضوان وفسحت له في قبره مدّ البصر ، وإن تلجلج لسانه وعيي عن الجواب ، أو أجاب بغير الحقّ ، أو لم يدرِ ما يقول ، استقبلته الملائكة بنُزلٍ من حميم وتصلية جحيم ، وبشّرته بالنار.
وقد تظافرت بذلك الأخبار الصحيحة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل البيت عليهم‌السلام واتفق عليه المسلمون (26) ، فهو ممّا يجري مجرى الضرورة من الدين.
قال الإمام الصادق عليه‌السلام : « من أنكر ثلاثة أشياء ، فليس من شيعتنا : المعراج ، والمُساءلة في القبر ، والشفاعة » (27).
4 ـ عذاب القبر وثوابه : وهو العذاب أو الثواب الحاصل في عالم البرزخ ، وهو واقع لا محالة ، لإمكانه ، ولتواتر السمع بوقوعه بدلالة القرآن الكريم والأخبار الصحيحة عن نبي الهدى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته المعصومين عليهم‌السلام ، ولانعقاد الإجماع عليه ، واتفاق الاُمّة سلفاً وخلفاً على القول به (28).
أدلته القرآنية : الآيات القرآنية التي أشارت إلى عذاب القبر وثوابه وأرشدت إليهما أو فُسّرت بهما كثيرة ، ذكرنا بعضها في أدلة التجرد ، وفيما يلي نذكر اثنتين منها :
1 ـ قوله تعالى في آل فرعون : ( وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ) وهي نصّ في الباب ، لأنّ العطف بالواو يقتضي المغايرة لما قبله ، فقد ذكر أولاً أنهم يعرضون على النار غدوّاً وعشيّاً ، ثم عطف بعده بذكر ما يأتي يوم تقوم الساعة ، ولهذا عبّر عن الأول بالعرض ، وعن الثاني بالادخال (29).
وروي عن الإمام الصادق عليه‌السلام في تفسيرها أنه قال : « إن كانوا يعذّبون في النار غدوّاً وعشياً ، ففيما بين ذلك هم من السعداء. لا ولكن هذا في البرزخ قبل يوم القيامة ، ألم تسمع قوله عزَّ وجلَّ : ( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ) »
2 ـ قوله تعالى : ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ ) قال كثير من المفسّرين : إنّ المراد بالمعيشة الضنك عذاب القبر وشقاء الحياة البرزخية ، بقرينة ذكر الحشر بعدها معطوفاً بالواو الذي يقتضي المغايرة ، ولا يجوز أن يراد به سوء الحال في الدنيا ، لأن كثيراً من الكفار في الدنيا هم أحسن حالاً من المؤمنين ، وفي معيشة طيبة لا ضنك فيها (30).
قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « واعلموا أن المعيشة الضنك التي قالها تعالى : ( فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ) هي عذاب القبر » (31).
أدلته من السنة : تكاثرت الروايات الدالة على عذاب القبر وثوابه من طرق الفريقين (32) ، وتوسعت في بيان تفاصيله ، وقد ذكرنا بعضها في أدلة تجرد الروح ، ونقتصر هنا على ذكر ثلاث منها :
1 ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « القبر إما حفرة من حفر النيران ، أو روضة من رياض الجنة » (33).
2 ـ قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « يسلّط على الكافر في قبره تسعة وتسعين تِنِّيناً ، فينهشن لحمه ، ويكسرن عظمه ، ويتردّدن عليه كذلك إلى يوم يبعث ، لو أنّ تنِّيناً منها نفخ في الأرض لم تنبت زرعاً أبداً ... » (34).
3 ـ وعن علي بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام في قوله تعالى : ( وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) قال : « هو القبر ، وإن لهم فيه لمعيشة ضنكاً ، والله إن القبر لروضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النيران » (35).
إثارات : هناك بعض الاثارات والشبهات حول عذاب القبر وثوابه ، وأغلبها يتعلّق ببيان كيفية العذاب أو الثواب ، والخوض في تفاصيلهما ، وهو أمر لم نكلّف به ، ولا يلزمنا إلّا التصديق به على الجملة ، والاعتقاد بوجوده ، لإمكانه ، وثبوته عن طريق السمع من المعصوم ، وهذا شأن جميع اُمور الغيب ، لأنّها من عالم الملكوت الذي لا تدركه عقولنا ولا تبلغه حواسنا .. وفيما يلي نذكر أهمّ الشبهات المتعلقة بالحياة البرزخية ، ونجيب عنها على ضوء الآيات والأخبار :
1 ـ إذا كان البدن هو وسيلة وصول العذاب إلى الروح ، فكيف تعذّب الروح أو تُثاب وقد فارقت البدن ، وتعرّض هو للانحلال والبلى ؟
الجواب : دلّت الأخبار على أن الله تعالى يحيي العبد بعد موته للمساءلة ويديم حياته لنعيم إن كان يستحقه ، أو لعذاب إن كان يستحقه ، وذلك إمّا بإحياء بدنه الدنيوي ، أو بالحاق روحه في بدن مثالي ، وفيما يلي نبين كلا الأمرين مع أدلتهما من الحديث.
أولاً : إحياء البدن الدنيوي : أي أن الله تعالى يعيد الروح إلى بدن الميت في قبره ، كما تدلّ عليه ظواهر كثير من الأخبار ، منها ما روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ في حديث ـ قال : « تعاد روحه في جسده ، ويأتيه ملكان فيجلسانه » (36).
وعن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام : « فإذا دخل حفرته ، رُدّت الروح في جسده ، وجاءه ملكا القبر فامتحناه » (37).
وعن أبي عبدالله الصادق عليه‌السلام : « ثم يدخل ملكا القبر ، وهما قعيدا القبر منكر ونكير ، فيقعدانه ويلقيان فيه الروح إلى حقويه » (38).
ومن هنا قيل : إن الحياة في القبر حياة برزخية ناقصة ، ليس معها من آثار الحياة سوى الاحساس بالألم واللذة ، أي إن تعلّق الروح بالبدن تعلّقٌ ضعيف ، لأنّ الله سبحانه يعيد إلى الميت في القبر نوع حياة قدرما يتألم ويلتذّ (39).
ثانياً : التعلّق بالجسد المثالي : ورد في الأخبار أن الله سبحانه يسكن الروح جسداً مثالياً لطيفاً في عالم البرزخ ، يشبه جسد الدنيا ، للمساءلة والثواب والعقاب ، فتتنعّم به أو تتألم إلى أن تقوم الساعة ، فتعود عند ذلك إلى بدنها كما كانت عليه (40).
عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن أرواح المؤمنين. فقال : « في الجنة على صور أبدانهم ، لو رأيته لقلت فلان » (41).
وعن يونس بن ظبيان ، قال : كنت عند أبي عبدالله عليه‌السلام جالساً فقال : « ما يقول الناس في أرواح المؤمنين ؟ » قلت : يقولون تكون في حواصل طيور خضر في قناديل تحت العرش. فقال أبو عبدالله عليه‌السلام : « سبحان الله !
المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير. يا يونس ، المؤمن إذا قبضه الله تعالى صيّر روحه في قالب كقالبه في الدنيا ، فيأكلون ويشربون ، فإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدنيا » (42).
وفي حديث آخر عنه عليه‌السلام : « المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير ، ولكن في أبدانٍ كأبدانهم » (43) ، وهناك أحاديث اُخرى تدلّ على ما ذكرناه (44).
وعلى ضوء ما تقدّم ، فإنّ المراد بحياة القبر في أكثر الأخبار هو النشأة الثانية للإنسان في عالم البرزخ ، والذي تتعلّق فيه الروح ببدنها المثالي ، وبذلك يستقيم فهم جميع ماورد في آيات وأخبار دالة على تجرّد الروح وعلى ثواب القبر وعذابه ، واتساعه وضيقه وحركة الروح وطيرانها ، وزيارة الأموات لأهلهم وغيرها.
العلم يؤيد وجود الجسد المثالي : وتقرر تجارب علماء استحضار الأرواح حقيقة الأجسام المثالية ، حيث يقول أشياع هذا المذهب : إن الموت في حدّ ذاته ليس إلّا انتقالاً من حال مادي جسدي إلى حال مادي آخر ولكن أرقّ منه وألطف كثيراً ، وأنهم يعتقدون أن للروح جسماً مادياً شفافاً لطيفاً ألطف من هذه المادة جداً ، ولذلك لا تسري عليه قوانينها (45).
هل إن ذلك من التناسخ الباطل ؟
وقد يتوهّم أن القول بتعلق الأرواح بعد مفارقة أبدانها بأشباح اُخر هو ضرب من التناسخ الباطل ، وهو غير صحيح ، لأنّ العمدة في نفي التناسخ ضرورة الدين وإجماع المسلمين ، وقد قال بالأبدان المثالية كثير من المسلمين من المتكلمين والمحدثين ، ودلّت عليه أخبار الأئمة الطاهرين عليهم‌السلام ، والتناسخية إنما كفروا بانكارهم المعاد والثواب والعقاب ، وقولهم بقدم النفوس وتردّدها في أجسام هذا العالم ، وإنكارهم النشأة الاُخرى ، وإنكارهم الصانع والأنبياء ، وسقوط التكاليف ، ونحو ذلك من أقوالهم السخيفة (46).
2 ـ والشبهة الثانية في هذا المقام ، هي كيف يكون عذاب القبر وثوابه وليس ثمّة جنة أو نار ؟
الجواب : دلت الآيات والأخبار التي ذكرناها في أدلة عذاب القبر على وجود الجنة والنار وكونهما مخلوقتين ، ويدلّ على ذلك أيضاً ما روي عن الإمام الصادق عليه‌السلام وقد سئل عن أرواح المؤمنين ، فقال « في حجرات في الجنة ، يأكلون من طعامها ، ويشربون من شرابها » (47).
وقال عليه‌السلام : « إن أرواح الكفار في نار جهنم ، يُعرَضون عليها » (48).
وقال الشيخ الصدوق رحمه‌الله : اعتقادنا في الجنة والنار أنهما مخلوقتان ، وأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد دخل الجنة ، ورأى النار حين عُرج به ، وأنه لا يخرج أحد من الدنيا حتى يرى مكانه من الجنة أو النار (49).
وقال النصير الطوسي : والسمع دلّ على أنّ الجنّة والنار مخلوقتان الآن ، والمعارضات متأولة. وبيّن العلامة في شرحه موضع الخلاف في ذلك حيث قال : اختلف الناس في أنّ الجنّة والنار هل هما مخلوقتان الآن أم لا ، فذهب جماعة إلى الأول ، وهو قول أبي علي ، وذهب أبو هاشم والقاضي إلى أنهما غير مخلوقتين.
احتجّ الأولون بقوله تعالى : ( أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) و ( أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ) و ( يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ) و ( عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ ) وجنة المأوى هي دار الثواب ، فدلّ على أنها مخلوقة الآن في السماء.
واحتج أبو هاشم بقوله تعالى : ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) فلو كانت الجنة مخلوقة الآن ، لوجب هلاكها ، والتالي باطل ، لقوله تعالى :
( أُكُلُهَا دَائِمٌ ).
وأجاب العلّامة عن ذلك بقوله : إن دوام الأُكل إشارة إلى دوام المأكول بالنوع ، بمعنى دوام خلق أمثاله ، وأُكل الجنة يفنى بالأكل ، إلّا أنه تعالى يخلق مثله ، والهلاك هو الخروج عن الانتفاع ، ولا ريب أنّ مع فناء المكلفين تخرج الجنة عن حدّ الانتفاع ، فتبقى هالكة بهذا المعنى (50).

أشراط الساعة

قال تعالى : ( فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ) ، وهذه الآية تدلّ على
اثنتين من خصال القيامة :
الاُولى : أنّها تأتي بَغْتةً ، أي فَجأةً ، كما في قوله تعالى : ( لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ) وهو يدلّ على أنّ وقت حدوثها مختص به تعالى ( قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ )
الثانية : إذا بدأت مقدمات القيامة وظهرت أشراطها لا تنفع عندها الذكرى ، كما قال تعالى : ( يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ) فلا تُقبل عند حدوثها التوبة ، ولا ينفع الإيمان والطاعة لزوال التكليف.
أنواعها : على ضوء ما ورد في القرآن الكريم والسنة الشريفة ، يمكن تقسيم أشراط الساعة إلى قسمين :
الأول : ما يخصّ سلوك الناس في آخر الزمان ، وما يتّصل بذلك من فتن وحروب ، وقد أسهبت الأحاديث في وصف ذلك الزمان سواء على صعيد وصف تعامل الناس ، أم الأحداث التي تُلمّ بهم.
منها ما رواه ابن عباس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « من أشراط الساعة : إضاعة الصلوات ، واتباع الشهوات ، والميل إلى الأهواء ، وتعظيم أصحاب المال ، وبيع الدين بالدنيا ، فعندها يُذاب قلب المؤمن في جوفه ،
كما يُذاب الملح بالماء ، ممّا يرى من المنكر فلا يستطيع أن يغيّره » (51).
وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا عملت أمتي خمس عشرة خصلة حلّ بها البلاء »
قيل : يا رسول الله وما هي ؟ قال : « إذا كانت المغانم دولاً ، والأمانة مغنماً ، والزكاة مغرماً ، وأطاع الرجل زوجته وعقّ اُمّه ، وبرّ صديقه ، وكان زعيم القوم أرذلهم ، وأكرمه القوم مخافة شرّه ، وارتفعت الأصوات في المساجد ، ولبسوا الحرير ، واتخذوا القينات ، وضربوا بالمعازف ، ولعن آخر هذه الاُمة أولها ، فليرتقب عند ذلك الريح الحمراء أو الخسف أو المسخ » (52).
الثاني : ما يكون على شكل حوادث في الأرض والكواكب المحيطة بها ، وهي كما يلي :
1 ـ إخراج الدابة ، قال تعالى : ( وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ )
2 ـ ظهور الإمام المهدي عليه‌السلام ، وفي قطعية ظهوره قبل قيام الساعة أحاديث يصعب حصرها ، من أشهرها قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من عترتي ( أو قال من أهل بيتي ) يملؤها قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وعدواناً » (53).
3 ـ نزول عيسى بن مريم عليه‌السلام (54) وفُسّر به قوله تعالى : ( وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ) فقد صرح الكثير من المفسّرين أن الآية بخصوص نزول عيسى بن مريم عليه‌السلام في آخر الزمان (55).
4 ـ خروج يأجوج ومأجوج (56) ، قال تعالى : ( حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا
هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا ).
5 ـ الدخان المبين ، قال تعالى : ( فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ) وجاء في الآثار أنه يملأ ما بين المشرق والمغرب ، ويمكث أربعين يوماً وليلة (57).
6 ـ وهناك علامات اُخرى كثيرة ورد ذكرها في الحديث ، منها : نارٌ تخرج من قعر عدن ، تسوق الناس إلى المحشر ، ولا تدع خلفها أحداً ، تنزل معهم إذا نزلوا ، وتقيل معهم إذا قالوا ، وطلوع الشمس من مغربها ، وثلاثة خسوف في الأرض : خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ، وظهور الدجال ، وأن يفشو الفالج وموت الفجأة ويطلع الكوكب المذنب ، ويكون المطر في غير أوانه ، وتظهر الريح السوداء
المصادر :
1- من لا يحضره الفقيه / الصدوق 1 : 80 / 362 ـ دار الكتب الإسلامية ـ طهران.
2- كنز العمال / المتقي الهندي 15 : 548 / 42123.
3- غرر الحكم / الآمدي 1 : 23 / 371.
4- من لا يحضره الفقيه / الصدوق 1 : 82 / 371.
5- نهج البلاغة / صبحي الصالح : 341 ـ الخطبة (221).
6- الخصال / الصدوق : 119 / 108 ، بحار الأنوار 6 : 159 / 19.
7- نهج البلاغة / صبحي الصالح : 113 ـ الخطبة (83).
8- كنز العمال / المتقي الهندي 15 : 569 / 42208.
9- نهج البلاغة / صبحي الصالح : 160 ـ الخطبة (107).
10- أمالي الطوسي : 432 / 967.
11- من لا يحضره الفقيه / الصدوق 1 : 81 / 366 ، الكافي / الكليني 3 : 134 / 11.
12- تصحيح الاعتقاد / الشيخ المفيد : 95.
13- معاني الأخبار / الصدوق : 287 / 1 ، علل الشرائع / الصدوق 1 : 298 ـ باب (235) / ح 2 ، العقائد / الصدوق : 54.
14- مسند أحمد 2 : 51 ـ / الغزالي 5 : 316 ـ دار الوعي ـ حلب ، كنز العمال / المتقي الهندي 15 : 641 / 42529.
15- الأمالي / المفيد : 263 ـ 264.
16- من لا يحضره الفقيه / الصدوق 1 : 82 ـ 83 / 373 ، الكافي / الكليني 3 : 231 / 1 .
17- الأخبار في : الكافي / الكليني 3 : 128 ـ 135 ـ بحار الأنوار / المجلسي 6 : 173 ـ 202 باب (7).
18- أوائل المقالات / الشيخ المفيد : 73 ـ 74 ـ نشر مؤتمر الشيخ المفيد ـ قم.
19- شرح ابن أبي الحديد 1 : 299 ـ 300 ( الخطبة رقم 20 ).
20- تفسير القمي 1 : 19 ، بحار الأنوار / المجلسي 6 : 218 / 12.
21- أمالي الطوسي : 28 / 31 ، بحار الأنوار 6 : 218 / 13.
22- نهج البلاغة / صبحي الصالح : 340 / الخطبة (221).
23- الكافي / الكليني 3 : 236 / 6.
24- علل الشرائع : 309 / 4 ، أمالي الصدوق : 468 / 623 ، أمالي الطوسي : 427 / 955.
25- ثواب الأعمال / الصدوق : 197 ـ / الصدوق : 309 / 3 ، أمالي الصدوق : 632 / 845.
26- الكافي / الكليني 3 : 232 / 1 و 236 / 7 و 238 / 10 و 11 و 239 / 12 ،
27- أمالي الصدوق : 370 / 464.
28- كشف المراد / العلّامة الحلي : 452 ، المسائل السروية / المفيد : 62 ـ مسألة (5) ، الأربعين / البهائي : 283 و 487 ، حق اليقين / عبدالله شبّر 2 : 68.
29- تفسير الميزان / الطباطبائي 17 : 335.
30- الأربعين / البهائي : 488.
31- شرح ابن أبي الحديد 6 : 69 ـ دار إحياء الكتب العربية ـ مصر ، أمالي الطوسي : 28 / 31.
32- الكافي / الكليني 3 : 231 ـ 239 ، 244 ـ 245 و 253 / 10 ، المحاسن / البرقي : 174 ـ 178 .
33- سنن الترمذي 4 : 640 / 2460 ـ / الغزالي 5 : 316.
34- أمالي الطوسي : 28 / 31.
35- الخصال / الصدوق : 120 / 108.
36- الدر المنثور / السيوطي 5 : 28.
37- الكافي / الكليني 3 : 234 / 3.
38- الكافي / الكليني 3 : 239 / 12.
39- الأربعين / البهائي : 492.
40- أوائل المقالات / المفيد : 77 ، تصحيح الاعتقاد / المفيد : 88 ـ 89 ، المسائل السروية / المفيد : 63 ـ 64 ـ المسألة (5) ، الأربعين / البهائي : 504.
41- التهذيب / الطوسي 1 : 466 / 172.
42- التهذيب / الطوسي 1 : 466 / 171 ، الكافي / الكليني 3 : 245 / 6.
43- الكافي / الكليني 3 : 244 / 1.
44- الكافي / الكليني 3 : 244 / 3 ، و 245 / 7.
45- دائرة معارف القرن العشرين / وجدي 4 : 375.
46- حق اليقين / عبدالله شبر 2 : 50 ، الأربعين / البهائي : 505 ، بحار الأنوار 6 : 271 و 278.
47- الكافي / الكليني 3 : 244 / 4.
48- الكافي / الكليني 3 : 245 / 2.
49- الاعتقادات / الصدوق : 79.
50- كشف المراد / العلامة الحلي : 453 ، وراجع شرح المواقف / الجرجاني 8 : 301 ـ 303.
51- تفسير القمي 2 : 303 ، بحار الأنوار 6 : 306 / 6.
52- الخصال / الصدوق : 500 / 1 و 2.
53- مسند أحمد 3 : 36 ، صحيح ابن حبان 8 : 290 / 6284 ، المستدرك على الصحيحين 4 : 557.
54- الخصال / الصدوق : 449 / 52 ، جامع الاُصول / ابن الاثير 11 : 87 ـ / البغوي 5 : 105
55- تفسير الرازي 27 : 222 ، تفسير القرطبي 16 : 105 ، تفسير أبي السعود 8 : 52 ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
56- الخصال / الصدوق : 431 / 13 ، الدر المنثور / السيوطي 6 : 380.
57- تفسير الطبري 25 : 68 ـ دار المعرفة ـ بيروت.


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.