النفس الامارة

وإن كان الشيطان هو العدوُّ المبين ولكن النفس الأمارة هي أعدى عدوّ الإنسان كما ورد في الرواية:(أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك).
Monday, April 18, 2016
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
النفس الامارة
النفس الامارة

 






 

وإن كان الشيطان هو العدوُّ المبين ولكن النفس الأمارة هي أعدى عدوّ الإنسان كما ورد في الرواية:(أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك).(1)
وذلك لأنَّ وساوس الشيطان لها حدٌّ خاصٌ دون الأميال النفسانية فهي خطيرة جداً بل هي مُستمسك قويٌ للشيطان بل الشيطان هو الذي يُغوي النفس ومن خلالها يتسلط على الإنسان.. فالشيطان إذاً لا يُجبِر الإنسان على الشرّ ولا يُحمِّل عليه ذلك بل يتصرف في عقل الإنسان بأساليب مختلفة أهمُّها هذه الأساليب الخمسة:
1- لأغوينهم.
2- لأمنينهم.
3- لأزينن لهم في الأرض.
4- لآمرنهم.
5- لأضلَّنهم.
متاع إلى حين!!
ثمَّ إنَّ القرآن الكريم حينما يتحدَّث عن الهبوط يقول:
(وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين).(2)
فالاستقرار في الأرض كمتاع ليس هو طوال الدهر بل هو إلى حين منه والحين هو مقطع من الدهر والدهر يتعلَّق بالعالم الذي قبل قيام القيامَّة الذي يشتمل على الزمان والمكان وكلُّ ذلك من عوارض الجسم فلولا الجسم وحدوده وأبعاده لما كان يتحقق مفهوم المكان ولولا المكان لما كان هناك زمانٌ في البين ولهذا نشاهد أنَّ الله سبحانه وتعالى يقول:
(هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا).(3)
وقد شرحنا ذلك بالتفصيل في تفسيرنا لسورة الإنسان فراجع وأيضاً ينقل سبحانه عقيدةَ الدهريين بقولهم:
(وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون).(4)
وإن كانت هذه العقيدة باطلة من بنيانها.
ومن هنا نشاهد أنَّه تعالى عندما يتحدَّث عن الحاجات التِّي نفتقر إليها في حياتنا الدنيويَّة يحدِّد صلاحيتها إلى حين
(وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولاهم ينقذون إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين).(5)
(والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها و أوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين).(6)
وقد وضَّحنا السر في ذلك(عند شرح معنى الهبوط) وسوف يتَّضح لك في ما بعد إنشاء الله.
فإذاً إلى حين لا يعني إلى يوم القيامة بل يعني إلى يوم ما قبل القيامة لأنَّه عند قيام القيامة كلُّ شيء يتغيَّر فالشمس تتكور والكواكب تنتثر والبحار تتفجَّر.
فهاهنا سؤال يطرح نفسَه وهو متى يتحقق ذلك الحين؟ وهل هناك سبيل للوصول إلى ذلك؟
أقول: نعم هناك سبيل واضح للوصول إلى الجواب وهو الرجوع إلى أمر إبليس بعد إغوائه لآدم وزوجته وذلك لأنَّ حقيقة الدنيا متقوِّمة بإبليس وجنوده فلولاه لما كانت هذه البسيطة التِّي نعيش عليها هي الدنيا بل كانت الجنَّة بعينها كما كانت قبل عصيان آدم عليه السلام وقد وأمّا إبليس فيطلب من الله أن يبقيه إلى يوم يوعدون:
(قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون)(7)
(قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتني إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا).(8)
فكان إبليس عليه لعائن الله يريد البقاء إلى يوم القيامة وهل قبل الله هذا الطلب؟ كلا!! حيث أنَّه تعالى أجابه:
(قال فإنك من المنظرين)
ولكن إلى متى؟؟
(إلى يوم الوقت المعلوم)
فهناك يومٌ موقوت محدَّد لا يُنظر الشيطان بعده ولم تقم القيامة حينئذٍ بعدُ فمادام لم يتواجد الشيطان فلا إغواء يعتري الإنسان نعم هذا لا يعني سلب الاختيار عن الإنسان تماماً بل هناك بعض من الناس الذين لا يزالون يعيشون الكفر والعصيان قطعاً ولكنَّهم غير ممكَّنين في الأرض،فهناك أرضٌ وسماءٌ ولكنَّه لا يُطلَق عليها الدنيا وهو ذلك اليوم الذي وعد الله آدم ليرجعه إلى جنَّته كما في خطبة أمير المؤمنين الآتية وفي هذا اليوم سوف ينتقم الله من جميع الظالمين بالحجَّة عليه السلام وقد ورد في تفسير قوله تعالى:
(أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين).(9)
وفي الحديث:
(كنز العمّال روى الحسن بن أبي الحسن الديلمي بإسناده إلى محمد بن على عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عز و جل ا فمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه قال الموعود على بن أبي طالب وعده الله أن ينتقم له من أعدائه في الدنيا و وعده الجنة له و لأوليائه في الآخرة).(10)
فهناك وعدٌ إلهي سوف يلاقيه الإنسان المؤمن وهو ليس من الحياة الدنيا ولا يتعلَّق بالقيامة فمتى هو إذاً؟
سوف يتضح لك ذلك الزمان الذي يُحقق الله فيه وعده فانتظر.

علل الأحكام و التكاليف الإلهيَّة

إنَّ بني آدم وبعد خروجهم من ذلك النعيم المعنوي افتقروا إلى تكاليف ذات أبعاد مختلفة وجوانب شتَّى لكي تعالج جميع الثغرات التي حصلت لهم جراء تلك المشكلة أعنى الهبوط فالله سبحانه بحكمته ولطفه لم يترك آدم وبنوه بحالهم بعد الهبوط بل مادام قد تاب آدم ورجع فلا بد من التفضل عليه وعلى بنيه بالتكاليف المتنوعة من الصلاة والصوم والحج والجهاد ووو..
كي ينجوا أنفسهم من الهبوط في دار الدنيا ويرجعوا إلى دار كرامته، فإذاً الحل الوحيد لمثل هذا الإنسان الهابط هو العمل بالتكاليف الإلهية وإن كان الإنسان الهادي لا يفتقر إلى التكاليف للوصول إلى جوار الرب حيث أنه يعيش الجنة ولكن حيث إن التكاليف هي قوانين شاملة ومستوعبة فلا يجوز فيها الاستثناء أصلا فلا بد للكل أن يعملوا بها الهابطون والهداة من غير فرق بينهم.
والجدير بالذكر إن هناك علاقة بين الأكل من الشجرة المنهيَّة التي أدَّت إلى الهبوط وبين التكاليف الإلهيَّة، وهذه العلاقة قد وصلت إلى مستوى العليَّة والمعلوليَّة، وفي علم المعقول هناك أصل ثابت يقول: أنَّ العلَّة والمعلول بينهما سنخيَّة وانسجام كامل بحيث أنَّ المعلول هو الذي يعكس العلَّة تماماً وهو الذي يُظهره عيناً ومن هنا يقال للمعلول المَظهر.

علل الشرائع و الأحكام

وعلى هذا الأساس نتمكَّن من معرفة الفلسفة العملية للأحكام والتكاليف المتنوِّعة فكُلُّ الأحكام والتكاليف ترجع إلى ما حدث في تلك الجنَّة (أعني جنَّة آدم)، تلك الحوادث التِّي أدَّت إلى خروج آدم منها ومن ثمَّ ابتلائه بعالم الكثرة كما مرَّ، كما أنَّ العمل بتلك التكاليف هي التِّي تضمن رجوع الإنسان إلى جوار ربِّه.
وقد اعتمد الإمام قدّس سرّه على هذا الأمر اعتماداً أساسياً وتحدَّث عنه في كتبه المختلفة قال إمامنا قدِّس سرُّه في كتاب الآداب المعنوية للصلاة بعد أن نقل الحديث التالي:
(عن معاوية بن عمار عن الحسن بن عبد الله عن أبيه عن جده الحسن بن على بن أبي طالب عليه السلام قال جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا محمد أنت الذي تزعم انك رسول الله وإنك الذي يوحى إليك كما أوحى إلى موسى بن عمران فسكت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ساعة ثم قال صدقت يا محمد فأخبرني لأي شئ توضأ هذه الجوارح الأربع وهي أنظف المواضع في الجسد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أن وسوس الشيطان إلى آدم ودنا آدم من الشجرة ونظر إليها ذهب ماء وجهه ثم قام وهو أول قدم مشت إلى الخطيئة ثم تناول بيده ثم مسها فأكل منها فطار الحلى والحلل عن جسده ثم وضع يده على أم رأسه وبكى فلما تاب الله عز وجل عليه فرض الله عز وجل عليه وعلى ذريته الوضوء على هذه الجوارح الأربع وأمره أن يغسل الوجه لما نظر إلى الشجرة وأمره بغسل الساعدين إلى المرفقين لما تناول منها وأمره بمسح الرأس لما وضع يده على رأسه وأمره بمسح القدمين لما مشى إلى الخطيئة).(11)
(عن معاوية بن عمار عن الحسن بن عبد الله عن آبائه عن جده الحسن بن على بن أبي طالب عليه السلام قال جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسأله أعلمهم عن مسائل فكان فيما سأله أن قال لأي شئ فرض الله عز وجل الصوم على أمتك بالنهار ثلاثين يوما وفرض على الأمم السالفة اكثر من ذلك فقال النبي صلى الله عليه وآله أن آدم لما أكل من الشجرة بقى في بطنه ثلاثين يوما ففرض الله على ذريته ثلاثين يوما الجوع والعطش والذي يأكلونه تفضل من الله عز وجل عليهم.. قال اليهودي صدقت يا محمد).(12)
قال الإمام قدس سرُّه:
فمن هذه الأحاديث لأهل الإشارات و أصحاب القلوب استفادات منها إن خطيئة آدم عليه السلام مع أنها ما كانت من قبيل خطايا غيره بل لعلها كانت خطيئة طبيعية أو أنها كانت خطيئة التوجه إلى الكثرة التي هي شجرة الطبيعة أو كانت خطيئة التوجه إلى الكثرة الأسمائية، بعد جاذبة الفناء الذاتي ولكنها ما كانت متوقعة من مثل آدم عليه السلام الذي كان صفيّ الله والمخصوص بالقرب والفناء الذاتي ولهذا أعلن الذات المقدسة وأذاع بمقتضى الغيرة الحبِّية عصيانَه وغوايته في جميع العوالم وعلى لسان الأنبياء عليهم السلام، وقال تعالى: وعصى آدم ربه فغوى.
ومع ذلك، لابد من التطهير والتنبيه بهذه المثابة له ولذريته التي كانت مستكنة في صلبه ومشتركة في خطيئته بل اشتركوا في الخطيئة بعد الخروج من صلبه أيضا فكما أن لخطيئة آدم وأبنائه مراتب ومظاهر فأول مرتبتها التوجه إلى الكثرات الاسمائية و آخر مظهرها الأكل من الشجرة المنهية التي صورتها الملكوتية شجرة فيها أنواع الثمار والفواكه وصورتها الملكية هي الطبيعة و شؤونها، و إن حب الدنيا و النفس اللذين هما موجودين باستمرار في الذرية لمن شؤون هذا الميل إلى الشجرة والأكل منها كذلك لتطهيرهم وتنزيههم و طهارتهم و صلاتهم و صيامهم للخروج من خطيئة الأب الذي كان هو الأصل أيضا مراتب كثيرة مطابقة لمراتب الخطيئة. وقد علم من هذا البيان إن جميع أنواع المعاصي القالبية لابن آدم هي من شؤون أكل الشجرة، و تطهيرها على نحو خاص: وإن جميع أنواع المعاصي القلبية لهم أيضا من شؤون تلك الشجرة و تطهيرها بطور آخر.(13)
وفي موضعٍ آخر نقل الحديث التالي:
(قال اليهودي صدقت يا محمد فأخبرني عن الخامسة لأي شئ أمر الله بالاغتسال من الجنابة و لم يأمر من البول و الغائط قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن آدم لما أكل من الشجرة دب ذلك في عروقه و شعره و بشره فإذا جامع الرجل أهله خرج الماء من كل عرق وشعره فأوجب الله على ذريته الاغتسال من الجنابة إلى يوم القيامة).
ثمّ قال:
وظاهر هذه الأحاديث و إن كان عند أهل الظاهر هو أن النطفة لما كانت تخرج من جميع البدن فوجب غسل جميعه. و هذا مطابق لرأي جمع من الأطباء و الحكماء الطبيعيين ولكن تعليله عليه السلام بأكل الشجرة كما في الحديث الأول ونسبة الجنابة إلى النفس كما في الحديث الثاني يفتح طريقا إلى المعارف لأهل المعرفة والإشارة لان قضية الشجرة وأكل آدم منها من أسرار علوم القرآن وأهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام، وكثير من المعارف مرموز فيها، ولذا جعلوا عليهم السلام في الأحاديث الشريفة قضية آدم، و الأكل من الشجرة علة لتشريع كثير من العبادات ومن جملتها باب الوضوء والصلاة والغسل وصوم شهر رمضان وكونه ثلاثين يوما وكثير من مناسك الحج، وفي نيتي منذ سنين أن أفرد رسالة في هذا الباب ولكن الانشغالات الأخر منعتني عن ذلك، وأسأل الله تعالى التوفيق والسعادة لذلك.
أقول: إنَّ الشجرة هي الأساس في التكاليف إلاّ أنَّ هناك كثير منها يرتبط بما حدث بعد الأكل أو حين الأكل فهناك أحاديث كثيرة تبيِّن أسرار العبادات تُربط هذه العبادات بتلك الحوادث فقد وردت في أسرار الحج أيضا أحاديث كثيرة تدلُّ على ذلك نذكر واحدة منها:
(عن عبد الله ابن سنان قال بينا نحن في الطواف إذ مر رجل من آل عمر فأخذ بيده رجل فاستلم الحجر فانتهره واغلظ له وقال له بطل حجك إن الذي تستلمه حجر لا يضر ولا ينفع فقلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك أما سمعت قول العمرى لهذا الذي استلم الحجر فأصابه ما أصابه فقال وما الذي قال قلت له قال يا عبد الله بطل حجك إنما هو حجر لا يضر ولا ينفع فقال أبو عبد الله عليه السلام كذب ثم كذب ثم كذب أن للحجر لسانا ذلقا يوم القيامة يشهد لمن وافاه بالموافاة ثم قال إن الله تبارك وتعالى لما خلق السماوات والأرض خلق بحرين بحرا عذبا وبحرا أجاجا فخلق تربه آدم من البحر العذب وشن عليها من البحر الأجاج ثم جبل آدم فعرك عرك الأديم فتركه ما شاء الله فلما أراد أن ينفخ فيه الروح أقامه شبحا فقبض قبضه من كتفه الأيمن فخرجوا كالذر فقال هؤلاء إلى الجنَّة وقبض قبضه من كتفه الأيسر وقال هؤلاء إلى النار فأنطق الله عز وجل أصحاب اليمين وأصحاب اليسار فقال أهل اليسار يا رب لما خلقت لنا النار ولم تبين لنا ولم تبعث إلينا رسولا فقال الله عز وجل لهم ذلك لعلمي بما أنتم صائرون إليه وإني سأبتليكم فأمر الله عز وجل النار فأسعرت ثم قال لهم تقحموا جميعا في النار فإني اجعلها عليكم بردا وسلاما فقالوا يا رب إنما سألناك لأي شئ جعلتها لنا هربا منها ولو أمرت أصحاب اليمين ما دخلوا فأمر الله عز و جل النار فأسعرت ثم قال لأصحاب اليمين تقحموا جميعا في النار فتقحموا جميعا فكانت عليهم بردا وسلاما فقال لهم ألست بربكم قال أصحاب اليمين بلى طوعاً وقال أصحاب الشمال بلى كرهاً فأخذ منهم جميعا ميثاقهم وأشهدهم على أنفسهم قال وكان الحجر في الجنَّة فأخرجه الله عز وجل فالتقم الميثاق من الخلق كلهم فذلك قوله عز وجل وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه ترجعون فلما أسكن الله عز وجل آدم الجنَّة وعصى أهبط الله عز وجل الحجر وجعله في ركن بيته وأهبط آدم عليه السلام على الصفا فمكث ما شاء الله ثم رآه في البيت فعرفه وعرف ميثاقه وذكره فجاء إليه مسرعا فأكب عليه وبكى عليه أربعين صباحا تائبا من خطيئة ونادما على نقضه ميثاقه قال فمن أجل ذلك أمرتم أن تقولوا إذا استلمتم الحجر أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة يوم القيامة..).(14)
وقد ورد في خصوص فلسفة الطواف حول البيت حديثٌ يُربط هذا التكليف بموضوع خلق آدم إليك نصُّه:
(في علل ابن سنان عن الرضا عليه السلام عله الطواف بالبيت أن الله تبارك وتعالى قال للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أ تجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء فردوا على الله تبارك وتعالى هذا الجواب فعلموا أنهم أذنبوا فندموا فلاذوا بالعرش واستغفروا فأحب الله عز وجل أن يتعبد بمثل ذلك العباد فوضع في السماء الرابعة بيتا بحذاء العرش فسمى الضراح ثم وضع في السماء الدنيا بيتا يسمى المعمور بحذاء الضراح ثم وضع البيت بحذاء البيت المعمور ثم أمر آدم عليه السلام فطاف به فتاب الله عليه وجرى ذلك في ولده إلى يوم القيامة).(15)
واللطيف ما ورد في سهم الميراث وأنَّ للذكر مثل حظ الأنثيين:
(عن الرضا عن آبائه عن الحسين بن على عليه السلام...وسأله لم صار الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين فقال من قبل السنبلة كان عليها ثلاث حبات فبادرت إليها حواء فأكلت منها حبه و أطعمت آدم حبتين فمن اجل ذلك ورث الذكر مثل حظ الانثيين).(16)
(على بن محمد عن صالح بن أبي حماد عن الحسين بن يزيد عن على بن أبي حمزه عن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن الله عز وجل لما أهبط آدم عليه السلام أمره بالحرث والزرع وطرح إليه غرسا من غروس الجنَّة فأعطاه النخل والعنب والزيتون والرمان فغرسها ليكون لعقبه وذريته فأكل هو من ثمارها فقال له إبليس لعنه الله يا آدم ما هذا الغرس الذي لم أكن أعرفه في الأرض وقد كنت فيها قبلك ائذن لي آكل منها شيئا فأبى آدم عليه السلام أن يدعه فجاء إبليس عند آخر عمر آدم عليه السلام وقال لحواء انه قد أجهدني الجوع والعطش فقالت له حواء فما الذي تريد قال أريد أن تذيقيني من هذه الثمار فقالت حواء إن آدم عليه السلام عهد إلي أن لا أطعمك شيئا من هذا الغرس لأنَّه من الجنَّة ولا ينبغي لك أن تأكل منه شيئا فقال لها فاعصري في كفى شيئا منه فأبت عليه فقال ذرينى أمصه ولا آكله فأخذت عنقودا من عنب فأعطته فمصه ولم يأكل منه لما كانت حواء قد أكدت عليه فلما ذهب يعض عليه جذبته حواء من فيه فأوحى الله تبارك وتعالى إلى آدم عليه السلام أن العنب قد مصه عدوى وعدوك إبليس وقد حرمت عليك من عصيره الخمر ما خالطه نفس إبليس فحرمت الخمر لأن عدو الله إبليس مكر بحواء حتى مص العنب ولو أكلها لحرمت الكرمة من أولها إلى آخرها وجميع ثمرها وما يخرج منها ثم إنه قال لحواء فلو أمصصتني شيئا من هذا التمر كما أمصصتنى من العنب فأعطته تمره فمصها وكانت العنب والتمرة أشد رائحة وأزكى من المسك الأذفر وأحلى من العسل فلما مصهما عدو الله إبليس لعنه الله ذهبت رائحتهما وانتقصت حلاوتهما قال أبو عبد الله عليه السلام ثم إن إبليس لعنه الله ذهب بعد وفاه آدم عليه السلام فبال في أصل الكرمة والنخلة فجرى الماء على عروقهما من بول عدو الله فمن ثم يختمر العنب والتمر فحرم الله عز وجل على ذريه آدم عليه السلام كل مسكر لأن الماء جرى ببول عدو الله في النخلة والعنب وصار كل مختمر خمرا لأن الماء اختمر في النخلة والكرمة من رائحة بول عدو الله إبليس لعنه الله).(17)

فلسفة بعث الرّسل

ولم يكتف سبحانه بالتكاليف بل أرسل الأنبياء وبعث الرسل بالهدى ودين الحق كي يرشدوا الناس إلى الله ويحكموا بين الناس فيما اختلفوا فيه، قال تعالى:
(كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم).(18)
إلى أن انتهى أمر الرسالة إلى نبيِّنا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلَم فرسول الله كان ذلك النور في عالم الأنوار فمنَّ الله علينا به وجعله في بيت النبوّة وذلك لأجل هداية البشريّة وإخراجهم من الظلمات إلى النور وإرجاعهم إلى الجنَّة التي اخرجوا منه وهو الرجوع إلى الله سبحانه المشار إليه في قوله تعالى:
(إنا لله وإنّا اليه راجعون).(19)
وهو في الواقع الغاية من الخلق؟
قد صرَّح القرآن الكريم في موارد كثيرة أنَّ الموجودات الأخر من الجمادات والنباتات والحيوانات وحتَّى الملائكة لم تخلق إلاّ لأجل الإنسان، والقرآن مليء بالآيات الدالَّة على ذلك(20) نكتفي هاهنا ببعض النماذج فقط:
قال تعالى: (الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم)(21)
(هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا..)(22)
(فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون)(23)
(وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون)(24)
(والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون)(25)
(وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون)(26)
(الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فاخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار)(27)
(وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حليه تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون).(28)

خلق الإنسان

وأمّا بخصوص الإنسان هناك حديث بين المتكلمين:
فقال المعتزلة أنَّ الغاية في إيجاد العباد هو إيصال النفع إليهم وهذا باطلٌ لأنَّه يعني أنَّ الله قد استفاد بفعله واستكمل وهو الكامل فتعالى عن ذلك.
وأمّا الأشاعرة فقد أنكروا الغاية بالمرة وهذا يعني أنَّ الله ليس بحكيم في فعله كيف وكل فعل لا غاية له يكون ناقصا معطَّلا وعبثاً والله سبحانه أجلُّ من أن يصدر منه فعلٌ بلا حكمة.
وأمّا الحكماء الإلهيين يقولون أنَّه لا بدّ من غاية في صنعه تعالى ولكن لا غاية في صنعه وفعله وراء ذاته وذلك لأنَّه هو أجمل من كلِّ جميل وأجل من كل جليل وكل جمال وجلال وكمال ليس هو إلاّ انعكاس من بهاء جماله وظلّ من شمس جلاله ورشحة من بحر كماله فمنظوره ومعشوقه لا يكون إلا ذاته تعالى ولذلك قالوا: العالي لا يلتفت إلى السافل بالذات إلا بالعرض.
ونعم ما قال الشيخ الرئيس أبو على بن سينا:
(لو إن إنسانا عرف الكمال الذي هو واجب الوجود الذي هو فوق التمام ثم فرض أنه منظم العوالم على مثاله، كان غرضه الواجب الوجود فإذا كان الواجب هو الفاعل فهو الغرض لذاته في فعله).
شرحه:
لو أنَّ الإنسان عرف الله سبحانه وتعالى بأنَّه هو الكمال المطلق الذي ليس فيه نقصٌ أصلاً والجمال الحقيقي الذي ليس فيه عيبٌ مطلقاً وكذا سائر الصفات فمن الطبيعي أنَّه لا يطلب غيرَه ولا يرغب إلاّ إليه حيث أنَّ الإنسان يعشق الأكمل والأجمل.
وهذا الكلام بعينه يجري بالنسبة إلى الله تبارك وتعالى فهو الفاعل لجميع الأشياء فماذا ترى يكون الغرض من فعله؟ ليس هناك أي غرضٍ وغاية وراء فعله إلاّ ذاته المُقدَّسة فغايته نفسُه لا شيء خارج عن نفسه تأمَّل.
من هذا المنطلق يمكننا أن نصل إلى فلسفة الخلق فلم يخلق الله الإنسان إلاّ لنفسه لا لشيء آخر لأنَّه مهما تصورنا من غايات فهي ناقصة لا يمكن أن يتوجَّه إليها الله أصلاً فكيف تكون هي غاية لفعله يستكمل بها نفسه!!
وهناك شواهدُ كثيرةٌ من القرآن الكريم كذلك الأحاديث الشريفة تدلُّ على ذلك نكتفي هاهنا على سورة الانشقاق الآيات 6-8 ومن ثمَّ نشير إلى بعض النماذج الأخر من الآيات والروايات لنعطي هذا البحث المهم حقَّه إنشاء الله تعالى:

الرجوع إلى الربّ

القرآن الكريم في هذه السورة يؤكِّد على أنَّ الإنسان سوف يرجع إلى الله قطعاً لأنَّه خلق للبقاء ورجوعه هذا يتحقق بسعي وسرعة فيقول:
(يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا)وهذا الخطاب عام يستوعب كافَّة الناس على مختلف أديانهم ومذاهبهم حيث أنَّ الكدح إلى الربّ من مقتضيات إنسانية الإنسان لا غير فلم يقل يا أيُّها الذين آمنوا بل قال يا أيُّها الإنسان وهذا الكدح ينطلق من العشق إلى الكمال
المطلق الكامن في وجود أيّ إنسان كان، والكمال المطلق يعني الله سبحانه كما أشرنا إليه وشرحناه في مقالاتنا الأخرى.(29)
ومن ناحية أخرى الكلُّ بلا استثناء سوف يصل إلى الغاية والمقصد (فملاقيه) فالنتيجة والغاية واضحة وهي لقاء الرب.
ومن هذا المنطلق نعرف السرّ في خلق الإنسان حيث أنَّه خلق لأجل الوصول إلى أسمى مرتبة وأعلى مستوى وهو الوصول إلى الله والرجوع إليه، وأيَّةُ غاية أخرى غير الرجوع إلى الله مهما كانت فهي غير هادفة ويكون الخلق حينئذٍ عبثاً لا حكمة فيه يقول تعالى:
(أفحسبتم أنمَّا خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون).(30)
فعدم الرجوع إليه تعالى يعني العبث وتعالى الله عن ذلك فهو المبدأ وهو المنتهى:
(وهو الأول والآخر والظاهر والباطن)(31)
(..الأول بلا ابتداء والآخر بلا انتهاء أول كل شئ ومصيره ومبدأ كل شئ ومعيده..).(32)

ملاقاة الجمال وملاقاة الجلال

ثمَّ إنَّ هناك تمايزا رئيسيا بين الملاقِين ربَّهم وذلك التمايز يرجَع إلى كيفيَّة اللقاء فالموحد المؤمن يلاقي ربَّه سبحانه بجماله ورحمته ورأفته وحنانه ولطفه وعفوه وصفحه كما قال تعالى:
(فأما من أوتي كتابه بيمينه*فسوف يحاسب حسابا يسيرا*وينقلب إلى أهله مسرورا)
فيصل في البداية إلى الجنات التي تجري من تحتها الأنهار ثمَّ يترقى إلى جنّات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً رضي الله عنهم ورضوا عنه وبالأخير يصل إلى الجنَّة التي جاء ذكرها في أواخر سورة الفجر قال سبحانه:
(يا أيتها النفس المطمئنة*ارجعي إلى ربك راضية مرضية*فادخلي في عبادي*وادخلي جنتي)
وهذه الجنَّة التّي أضافها سبحانه وتعالى إلى نفسه هي جنّة لقاء الله على حدّ تعبير الإمام قدس سرُّه.
وأمّا الكافر والمُلحد والمنافق فهو يلاقي ربَّه أيضاً ولكن بجلاله وعذابه وسخطه وغضبه وانتقامه لا بعفوه وصفحه كما قال سبحانه وتعالى:
(وأما من أوتي كتابه وراء ظهره*فسوف يدعو ثبورا*ويصلى سعيراً)
فهم يلاقون ربهم حيث يقرُّون بذلك كما قال تعالى:
(ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون)
فهم يرون جهنَّم ويرون النار الملتهبة وهم في محضر جلال الله وغضبه وانتقامه كما قال:
(ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون)
فالنتيجة أنَّ الغاية ترجع إلى الربِّ لا غيره.
(ألا إلى الله تصير الأمور)(33)
(إنا لله وإنّا اليه راجعون)(34)
(وإنَّ إلى ربك المنتهى).(35)
ومن هنا نشاهد أنَّه تعالى يقول لموسى
(واصطنعتك لنفسي).(36)
ولو مررنا على الأدعية المأثورة لأذعنّا بهذه الحقيقة فإليك بعض النماذج المختصرة التِّي صدرت عنهم عليهم السلام:
(لأنَّك غاية أمنيتي ومنتهى بلوغ طلبتي فيا فرحه لقلوب الواصلين ويا حياة لنفوس العارفين ويا نهاية شوق المحبين أنت الذي بفنائك حطت الرحال وإليك قصدت الآمال)(37)
(يا رباه يا سيداه يا غاية رغبتاه)(38)
(يا غاية أمل الآملين)(39)
(يا غاية الطالبين)(40)
(يا غاية الراغبين ومنتهى أمل الراجين).(41)
المصادر :
1- بحار الأنوار ج 74 ص 271 رواية 10 باب 16.
2- البقرة 36 والأعراف 24.
3- الانسان1.
4- الجاثية 24.
5- يس 41-44.
6- النحل 80.
7- ص79.
8- الإسراء 62.
9- القصص 61.
10- بحار الأنوار ج 53 ص 76 رواية 79 باب 29.
11- بحار الأنوار ج 9 ص 294 رواية 5 باب 2.
12- بحار الأنوار96 ص 368 رواية 49 باب 46.
13- الآداب المعنوية للصلاة136-138.
14- البحار ج5 ص245 رواية35 باب10.
15- بحار الأنوار ج 99 ص 33 رواية 10 باب 4.
16- بحار الأنوار ج 10 ص 75 رواية 1 باب 5.
17- الكافي ج6 ص393 رواية2.
18- البقرة 213.
19- البقرة 156.
20- بحار الأنوار ج 2 ص 270 رواية 28 باب 33 و ج 3 ص 17 رواية 2 باب 3.
21- البقرة22.
22- البقرة 29.
23- المؤمنون 19.
24- فاطر 8.
25- لقمان 19.
26- إبراهيم 32.
27- النحل 14.
28- 4النحل 14.
29- الأربعون حديثاً.
30- المؤمنون 115.
31- الحديد3.
32- بحار الأنوار ج 95 ص 423 رواية 43 باب 129.
33- الشورى 53.
34- البقرة 156.
35- النجم 42.
36- طه 41.
37- بحار الأنوار ج 94 ص 111 رواية 16 باب 32.
38- بحار الأنوار ج 86 ص 75 رواية 10 باب 39.
39- بحار الأنوار ج 90 ص 171 رواية 19 باب 9.
40- بحار الأنوار ج 95 ص 281 رواية 4 باب 108.
41- بحار الأنوار ج 98 ص 223 رواية 3 باب 2.خُلقنا للبقاء


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.