معجزات الامام الحسن العسکري عليه السلام

اذا وقعت في يد الانسان قصة خرافية، أو رواية خيالية، أو تمثيلية خلاعية، أقبل علی قراءتها بشغف و تأثر بفصولها و أحداثها أشد تأثر، فمجد البطل مرة، وضحك مع الساخر أخري.. و ربما اضطرب قلبه و فار دمه مع العقدة المتأزمة - بل قد
Saturday, April 23, 2016
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
معجزات الامام الحسن العسکري عليه السلام
 معجزات الامام الحسن العسکري عليه السلام

 






 

اذا وقعت في يد الانسان قصة خرافية، أو رواية خيالية، أو تمثيلية خلاعية، أقبل علی قراءتها بشغف و تأثر بفصولها و أحداثها أشد تأثر، فمجد البطل مرة، وضحك مع الساخر أخري.. و ربما اضطرب قلبه و فار دمه مع العقدة المتأزمة - بل قد يبكي و تسيل دموعه للكارثة التي يقرأها - مرة ثالثة ثم يخرج من قراءته و هو يندد بالمعتدي، و يشفق علي المظلوم، و لا يفارقه الاحساس بها و التحدث عن وقائعها مدة من الزمن..
أما اذا وضع بين يديه، و في خدمته، تقرير حقائق هامة ذات مساس بسعادته في الدارين، تتعلق بمعرفة «امام» تؤدي معرفته، أو الجهل به، الي جنة لا ينقضي نعيمها، أو نار لا يخمد جحيمها، فانه يزور و يصعر خده و تأخذه عزة اثم، فيشيح بوجهه عنها، و ينصرف عن رؤية ما بذله الكاتب من جهد لصالح اخوانه، و ليخلصهم من حبائل ابليس الذي يجري من الانسان مجري النفس و الدم!. الامامة وظيفة الهية لا شأن للعباد في استصدار مرسومها؛ قد فرض الله تعالي علي العباد معرفتها فرضا، و أوجبها كالصلاة و الصوم و الحج و غيرها، و قضي سبحانه بأن لا يعذر لأحد في جهلها، لأن الامام يكون حجة علي العباد في الدنيا، و شاهدا عليهم في الآخرة بل (يوم ندعوا كل أناس باممهم) (1)
ليكون شفيعهم لدي الله تبارك و تعالي يوم الحشر و الحساب فيقول للجنة هذا لك فاسقبليه، أو خصيمهم فيقول للنار: هذا لك فخذيه!. الأمر الذي يقتضي من الانسان وقفة تفكر بمصيره و هو حي قادر علي العمل، قبل أن يقف وقفة ذل و صغار يوم لا تفيد التوبة و لا طلب العودة الي الحياة الدنيا ليعمل ما يرضي ربه، كما أنه لم ينفعه قوله حين يأتيه الموت: (رب ارجعون، لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا انها كلمة هو قآئلها و من ورآئهم برزخ الي يوم يبعثون) (2)
و في ذلك البرزخ عذاب أو نعيم، الي أن يقوم الناس لرب العالمين.. و بعدها يكون الخلود الأبدي، اما في نعيم، و اما في جحيم سرمدي!. هذه واحدة، و الثانية أن الشي‌ء المستهجن عند سائر الناس: هو أن يتكلم الانسان حول الآيات و المعجزات. فانهم عند ذلك يستغربون سفاهته، و يقلبون الشفاه و يسخرون!. مع أن الرسول الذي يأتي من عند السلطان بأمر هام لا يصدق اذا لم يكن بيده مستند يقرر مهمته، و لا يعبأ به ان لم يقدم دليلا علي صحة تكليفه، مع أن السلطان حاضر منظور يخاف بطشه. فيكف بالنبي و الوصي اللذين يتكلمان عن غيب غير مرئي، و عن رب غير منظور؟!. النبي و الوصي لا بد لهما من دلائل تثبت صحة أقوالهما، و لا يستغنيان عن الاتيان بخوارق تبين صدق انتدابهما من قبل رب عظيم قادر لا يري، و لكنه ينقذهما في ساعة العسرة، و ينجدهما بالبينات و الآيات التي توضح علاقة اله عظيم قادر بمخلوق مختار للعباد يأتي بما لا يستطيع أن يأتي به العباد.
و بذلك يحرك التفكير عند المفكر البصير، و يهدي الله به من كان يخشي سوء المصير و يطمع برضوان خالقه و رازقه جل و علا. فالمعجزة ضرورة للنبي و الوصي، و لا غني لهما عنها، و محتوم عليهما الاتيان بها في مناسبتها و عند تحدي أهل العناد. و اذا هما عجزا عنها، لا يكونان علي حق في دعواهما، و ان هي لم تكن ميسورة لهما بقدرة ربهما فما هما بنبي و لا وصي، لأن الآية و المعجزة من الأجهزة الضرورية في الخلافة الأرضية، أو السفارة السماوية، التي لا تتكلم الا عن غيب لا يثبته الا المعجز. و ان «آلة» تلك السفارة هي الشاهد علي صحة الانتداب الرباني، و البرهان القاطع علي صحة دعوي المنتدب. و قد قال الامام أبوالحسن الهادي عليه‌السلام. «ان الله جعل قلوب الأئمة موردا لارادته، فاذا شاء الله شيئا شاؤوه. و هو قول الله: (و ما تشآءون الا أن يشآء الله!)» (3) . فيكف بقلوب الرسل و الأنبياء؟!.
فالآية المعجزة لا تكون من النبي أو الوصي الا باذن الله تعالي و مشيئته و قدرته، و لا يتسني لأحدهما أن يأتي بها في كل حين، بل في موضعها اللائق حيث تترتب المصلحة أو المفسدة و حيث يلهمه الله سبحانه ذلك.. (و ما كان لرسول أن يأتي بأية الا باذن الله..) (4) .
و مما لا شك فيه أن الكاتب اذا أراد أن يتكلم في موضوع معجزات امام منصب من الله تعالي، يعجز قلمه، و يكل فهمه و علمه عن ابتداع لغة أو اختيار ألفاظ تنهض بتحليل المعجزة و تعليلها، لأن محاولة بيان حقيقة المواهب الربانية ليست في متناول الفكر المحدود، و لا العقل المحصور في هذه الجمجمة المقفلة بعظام صلبة، و لا الفكر المحبوس في اهاب هذا الجسد الترابي الذي هو أحقر من أن يطال أمور السماء و يصل الي فلسفة الظواهر الغيبية، اذ لا يستطيع أن يثب الي آفاق ما وراء الطبيعة البشرية، بل يقف خاسئا حسيرا مخيرا بين أن يؤمن بغيب، أو أن يتقوقع مع ذوي العقول المتحجرة التي تتيه في الشك، لأنها لا تريد أن تسمع كلام الله. و لا تحاول التصديق بقدرته التي لا يعجزها شي‌ء!.
فأين للعقل و الفهم و اللغة و القلم، عن فلسفة ما قاله أبوبصير - مثلا - حين قال: «دخلت علي - كل من - أبي‌عبدالله و أبي‌جعفر عليه‌السلام‌هما، و قلت: أنتما ورثة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟. قال: نعم. قلت: فرسول الله وارث الأنبياء، و علم كل ما علموا؟!. فقال لي: نعم. فقلت: أنتم تقدرون أن تحيوا الموتي، و تبرئوا الأكمه و الأبرص؟!. فقال لي: نعم، باذن الله. ثم قال: أدن مني يا أبامحمد - و هو أعمي كما هو معلوم -. فمسح يده علي عيني و وجهي، و أبصرت الشمس، و السماء، و الأرض و البيوت، و كل شي‌ء في الدار!. قال: أتحب أن تكون هكذا و لك ما للناس و عليك ما عليهم يوم القيامة، أو تعود كما كنت و لك الجنة خالصا؟. قلت: أعود كما كنت. فمسح علي عيني، فعدت كما كنت» (5) .
«و قال علي بن الحكم: حدثت بن ابن عمي فقال: أشهد أن هذا حق، كما أن النهار حق» (6). فأثر مسح يد الامام علي عيني صاحب له أعمي العينين لا يفلسف و لا يعلل. و رؤية هذا الأعمي العينين لقسم كبير من الكون و هو في الدار، لا تفسر و لا تؤول. و كذلك شفاء الأكمه و الأبرص، و احياء الموتي و ما شابهه، لا يمكن ايضاح حقيقته. و أبوبصير - الضرير! - الراسخ الايمان، الواسع المعرفة بماهية الامام، قد سمع و رأي، و اقتنع و وعي..
و كان علي حق حين طلب أن يعود الي العمي مع ضمان الجنة، اذ خاف أن يأخذه غرور السامري الذي خوله الله تعالي صفة معجزة فأضل بها بني اسرائيل في غياب موسي عليه‌السلام، و جعلهم يعبدون العجل الذي صنعه من ذهبهم و حليهم بآية سماوية لم يكن أهلا لأن يحمل ثقلها و مسؤوليتها!. فقد فضل صاحب امامنا عليه‌السلام فقبل بليته في هذه الدنيا مع ضمان الجنة، علي أن يكون سامري هذه الأمة و يقف للحساب موقفا متأرجحا بين رضوان ربه و غضبه. فلا جرم أن تقبل المعجزة دون محاولة تحليلها عقليا و علميا، لأنها لا تقع تحت حس العقل المرهف، و لا تحت مجهر المختبر العلمي، و لا تشبه ما يجري في العرف و العادة، بل هي فوق ذلك كله، لأنها نازلة من فوق!. من الكبير المتعالي الذي لا يدرك بتصور و لا يتخيل بخيال، و لا تفلسف أفعاله، و لا تحدد قدرته، ان ذلك يهبط بأسهم ربوبيته و يخترق حجب قدسيته، تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا.
وندخل الآن الي محراب قدس سفارة امامنا أبي‌محمد، الحسن العسكري عليه‌السلام، لنستعرض في بعض الملفات المحفوظة في أدراج مكاتبها مما تركه الرواة لنا رغم ضيق الزمان و ظلم السلطان: فقد قال أبويعقوب اسحاق بن أبان: «كان أبومحمد عليه‌السلام يبعث الي أصحابه و شيعته: صيروا الي موضع كذا و كذا، و الي دار فلان، و فلان، العشاء و العتمة، في ليلة كذا، فانكم تجدوني هناك!. و كان الموكلون به - في الحبس - لا يغادرون باب الموضع الذي حبس فيه عليه‌السلام بالليل و النهار.
و كان - الخليفة - يعزل في كل خمسة أيام الموكلين، و يولي آخرين بعد أن يجدد عليهم الوصية بحفظه - أي محبوسا مضيقا عليه - و التوفر علي ملازمة بابه. فكان أصحابه و شيعته يصيرون الي الموضع، و كان عليه‌السلام قد سبقهم اليه، فيرفعون حوائجهم اليه، فيقضيها لهم علي منازلهم و طبقاتهم، و ينصرفون الي أماكنهم بالآيات و المعجزات.. و هو عليه‌السلام في حبس الأضداد!» (7) .
و انها لمعجزة خارقة حقا!. اذ كيف يتأتي للامام السجين الموضوع تحت الرقابة الشديدة العنيدة، أن يخرج من الحبس الثقيل الأقفال، الموصود الأبواب، المرصود بالحرسة الشرسين، ثم لا يراه أحد ذاهبا، و لا آيبا؟!. فمن أين كان يخرج، و يدخل؟!. و كيف كانوا يسهون عنه طيلة غيابه، و هم ساهرون علي حراسته و التضييق عليه؟!. لا جواب يفي بكل هذه الأسئلة، الا اذا استطعنا أن نجيب علي عمل برخيا وصي سليمان عليه‌السلام حين أتاه بعرش بلقيس من اليمن الي القدس بأقل مما تطرف العين.. فالآية عمل رباني ينسحب تحت قوله عزوجل للشي‌ء: كن، فيكون. و لا يوصل الي فهمها تفكير و لا تقدير لأنها فوق المعقول.. و بهذا كانت معجزة.
و كما أنه سبحانه و تعالي لا تدركه الأبصار، و لا تحدد كنهه العقول، فكذلك ما يجري باسمه الأعظم علي أيدي عباده المنتجبين. فصدقني و أرح نفسك من البحث عن تعليلها، ثم آمن بها أو ارفضها اذا شئت.. و قد حدث الثقات الأبدال: يونس بن ظبيان، و المفضل بن عمر، و أبوسلمة السراج، و الحسين بن نوير بن أبي‌فاختة، قالوا: «كنا عند أبي‌عبدالله عليه‌السلام، فقال: لنا خزائن الأرض و مفاتيحها؛ ولو شئت أن أقول برجلي: أخرجي ما فيك من الذهب لأخرجت!. فمال باحدي رجليه، فخطها في الأرض خطا، فانفجرت الأرض!. ثم مال بيده، فأخرج سبيكة ذهب قدر شبر، فتناولها!. فقال: انظروا فيها جسا و حسا، لا تشكوا!. - أي تيقنوا من صحة ما ترون -. ثم قال: انظروا في الأرض.. فاذا سبائك في الأرض كثيرة، بعضها علی بعض يتلألأ!. فقال له بعضنا: جعلت فداك، أعطيتم كل هذا، و شيعتكم محتاجون!. فقال: ان الله سيجمع لنا و لشيعتنا الدنيا و الآخرة، فيدخلهم جنات النعيم، و يدخل عدونا الجحيم» (8) .
و مثل هذه المعجزة، ما رواه علي بن راشد، عن أبي‌هاشم الجعفري قدس الله روحيهما، حين قال: «شكوت الي أبي‌محمد، الحسن بن علي عليه‌السلام الحاجة، فحك بسوطه الأرض فأخرج منها سبيكة فيها نحو الخمسمائة دينار، فقال: يا أباهاشم، خذ، واعذرنا» (9) .
فبوركت تلك الأيدي التي تعمل بمشيئة ربها و قدرته ما يجعل الناس بين مصدق مؤمن، و مكذب كافر بما يصدر عن ارادة الله العزيز الجبار الذي يرعي أولياءه المقربين ليميز بينهم و بين الآخرين، و تكون كلمتهم هي العليا و المسموعة التي تهدي للتي هي أقوم. و روي أبوهاشم الجعفري - المذكور - أنه ركب أبومحمد الي الصحراء فركبت معه، فبينما كان يسير قدامي و أنا خلفه، اذ عرض لي فكر في دين كان علي قد حان أجله، فجعلت أفكر في أي وجه قضاءه؟.
فالتفت الي و قال: الله يقضيه. ثم انحني علي قربوس سرجه فخط بسوطه خطة في الأرض، فقال: يا أباهاشم، انزل فخذ واكتم. فنزلت و اذا سبيكة ذهب، فوضعتها في خفي و سرنا!. فعرض لي الفكر فقلت: ان كان فيها تمام الدين، و الا فاني أرضي صاحبه بها، و يجب أن ننتظر في وجه نفقة البيت، و ما نحتاج اليه من كسوة و غيرها. فالتفت الي، ثم انحني ثانية فخط بسوطه مثل الأول، ثم قال: انزل و خذ واكتم. فنزلت فاذا بسبيكة - فضية - فجعلتها في الخف الآخر و سرنا يسيرا، ثم انصرف الي منزله. و انصرفت الي منزلي، فجلست فحسبت ذلك الدين و عرفت مبلغه ثم وزنت سبيكة الذهب فخرج بقسط الدين ما زادت و لا نقصت!. ثم نظرت ما نحتاج الي لشتوتي من كل وجه، و تعرفت مبلغه الذي لم يكن بد منه علي الاقتصاد بلا تقتير و لا اسراف، ثم وزنت سبيكة الفضة فخرجت علي ما قدرته، ما زادت و لا نقصت» (10) .
فعلل و حلل، و فسر اذا استطعت أن تبلغ الأسباب!. أو أذعن و سلم فان فرعون لم يستطع أن يطلع الي اله موسي، بل ابتلعه بحر عناده و كفره بآيات ربه!. ثم لا تنس تذكر أشياء في هذه الرواية، منها: ان الامام عرف ما فكر به صاحبه، و علم مقدار دينه، و أن سبيكة الذهب كانت بمقدار الدين، ما زادت و لا نقصت!. و أن سبيكة الفضة كانت كفاء لوازم الشتاء دون زيادة و لا نقصان!. فكيف قدر ذلك الامام يا تري؟!. و كيف جاءت كل سبيكة وافية بالحاجة بلا أكثر و لا أقل؟!. و بالأخير، ان ذلك كان بلا طلب.. و دون اعمال فكر و اجراء حسابات قام بها الامام لتسديد حاجة صاحبه.. بل تم كله بعلم الله الذي يعلم السر و أخفي.. صدق أن هذا الفعل لا يصدر عن رجل عادي.. و لا يكون الا بتدخل سماوي مائة بالمائة!. أو كذب بذلك و خذ مقعدك بين صفوف المكابرين (الظآنين بالله ظن السوء) (11) .
و قال محمد بن عياش: «تذاكرنا آيات الامام عليه‌السلام، فقال ناصبي - أي مبغض للامام و الاماميين -: اذا أجاب عن كتاب أكتبه بلا مداد - أي بلا حبر -. علمت أنه حق. فكتبنا مسائل، و كتب الرجل بلا مداد علي ورق و جعله في الكتاب، و بعثنا اليه. فأجاب عن مسائلنا، و كتب علي ورقته اسمه و اسم أبويه. فدهش الرجل!. - أي ذهل و غاب كالمغمي عليه - فلما أفاق اعتقد الحق»(12) .
فبأي نظر أمد الله سبحانه هاتين العينين الشريفتين اللتين تريان ما لا يري؟!. و كيف اخترق بصر الامام صلوات الله و سلامه عليه، حجب الظلال الوهمية التي رسمها الناصبي علي ورقته البيضاء؟!. و لم لم يشتبه و يكتب غير اسم أمه و أبيه بعد اسمه؟!. و كيف عرف أن تلك الورقة البيضاء كانت كتابا مسطورا بلا مداد، و ينبغي أن يجاب عليه؟!. و كيف عرف أنه طلب منه كتابة اسمه و اسم أبويه؟!. و بأي آلاء هذا الامام يكذب الناصبي بعد حدوث هذه الآية منه، ولو كان نصبه أعظم من جبل قاف؟!. فاعذر معي هذا الناصبي اذا ذهل و غاب كالمغمي عليه حين رأي جواب رسالته.. وثق - يا أخي - أن الأئمة يؤتون بالكلام ولو همس به في الظلام، و كان في طي الغيم؛ و أن خدم سفارتهم الالهية يعملون بين أيديهم بسرعة فوق الالكترونية، و بأشد من سرعة النور والكهرباء، ليظلوا مسددين من ربهم، و مؤيدين بنصره!. و من العجيب مثلا أن يقرأ الامام رسالة كتبت علي ورق بلا حبر!. و من سمع بذلك يحتاج الي تأمل طويل و تفكر عميق في فضل الله تعالي الذي حبا به ذلك الامام العظيم!. فان السامع ان استطاع أن يتهضم هذه القدرة الخارقة التي وهبه الله تعالي اياها، استطاع أن يطمئن الي صدق وقائع السماء و أن يؤمن بالمعاجز ايمان عجائز، و يناقش فيه نقاش عارفين.
أما اذا عبس و بسر، و أدبر و استكبر عن سماع أمثالها، فانه - حينئذ - لا يكون ممن نتعاطي معه الكلام علي أساس أن الله سبحانه قادر علي فعل ما يشاء كما يشاء. أما آية الآيات العظمي في موضوعنا، هذا، فهي في ما حكاه أبوهاشم الجعفري الذي قال: «دخلت علي أبي‌محمد عليه‌السلام و هو يكتب كتابا، فحان وقت الصلاة الأولي، فوضع القلم من يده و قام عليه‌السلام الي الصلاة، فرأيت القلم يمر علي باقي القرطاس من الكتاب و يكتب، حتي انتهي الي آخره، فخررت ساجدا!. فلما انصرف من الصلاة - أخذ القلم بيده، و أذن للناس» (13) .
فزت يا أباهاشم بسجودك للحق لما رأيته، كما فاز سحرة فرعون حين جاؤوا متحمسين لظهور انتصارهم أمام فرعونهم (فألقوا حبالهم و عصيهم و قالوا بعزة فرعون انا لنحن الغالبون) (14)فتحركت الحبال و العصي بسحرهم و خاف الناس (فألقي موسي عصاه فاذا هي تلقف ما يأفكون) (15)فعرف السحرة أن عمله ليس سحرا بل معجزة (فألقي السحرة ساجدين، قالوا ءامنا برب العالمين) (16).
فما أحسن العقل اذا قاد صاحبه الي الهدي!. و ما أقبحه اذا أورده موارد الردي!. و ان قلما يمر علي الورق وحده و تديره أنامل الغيب، لهو أدعي للتبصر و التفكر بآيات مخلوق أعطاه ربه تعالي ما لم يعط غيره من معاصريه.. ولتريح بالك نقول: ان سكرتير السفارة الالهية قد تولي اتمام الرسالة حين انصرف الامام عليه‌السلام الي صلاته، و قد يكون ملكا موكلا لا قدرة لعيوننا علي رؤيته كما أنها لا قدرة لها علي رؤية ملكين كريمين يرافقان كل واحد منا، و يسجلان علينا أعمالنا و أفعالنا صوتا و صورة كتصوير الفيديو - يكون كتابا منشورا بين أيدينا يوم القيامة، فقد قال سبحانه في كتابه الكريم: (انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون) (17) .
و علي كل حال، فان حكاية قراءة رسالة كتبت علي الورق بلا مداد، و حكاية قلم يكتب علي الورق وحده و دون يد تمسكه، آيتان جديرتان بأن يؤخذا بعين الاعتبار عند كل مؤمن بقدرة الله تبارك و تعالي!. روي عن علي بن جعفر، عن حلبي - هكذا بالأصل - قال: «اجتمعنا بالعسكر، و ترصدنا لأبي‌محمد عليه‌السلام يوم ركوبه - أي يوم خروجه الي دار السلطان - فخرج توقيعه: ألا لا يسلمن علي أحد، و لا يشير الي بيده، فانكم لا تأمنون علي أنفسكم!. قال: و الي جانبي شاب، فقلت: من أين أنت؟. قال: من المدينة. قلت: ما تصنع هاهنا؟. قال: اختلفوا عندنا في أبي‌محمد عليه‌السلام، فجئت لأراه و أسمع منه، أو أري منه دلالة ليسكن قلبي، و اني لولد أبي‌ذر الغفاري. - أي من ذريته رضوان الله عليه -. فبينما نحن كذلك، اذ خرج أبومحمد عليه‌السلام مع خادم له. فلما حاذانا نظر الي الشاب بجنبي فقال: أغفاري أنت؟. قال: نعم. قال: ما فعلت أمك حمدوية؟. فقال: صالحة. و مر..، فقلت للشاب: أكنت رأيته قط، و عرفته بوجهه قبل اليوم؟!. قال: لا. قلت: فينفعك هذا؟. - أي هل تكفيك هذه الدلالة علي امامته؟. -. قال: و دون هذا» (18) .
أتري أنه كان بين الامام عليه‌السلام و بين حمدوية خبز و ملح؟!. يقينا، لا.. و اذن، فقد أعطي الغفاري دلالة كافية قاطعة.. و بحسب الظاهر أن أم الغفاري كانت مؤمنة صالحة و ربما كانت قد ناقشت ابنها كثيرا بشأن امامة العسكري عليه‌السلام فلم يقتنع، أو أنها هي التي دفعته الي قطع هذه المسافة بين الحجاز و العراق ليستطلع أمر الامام و لئلا تبقي متوقفة علي امامة غيره. و لم يفتك - طبعا - أن أبامحمد عليه‌السلام قد عرف الشاب الغفاري من بين مئات الواقفين علي جانبي الطريق، و انتقاه بذاته من بينهم و ذكر هويته مع أنه لم يره قبل ذلك مطلقا لأنه في اقامة جبرية داخل حرم سامراء في السجن الكبير، اذ هو في بيته، أو في سجن الحاكم الظالم.
و حدث محمد بن الحسن بن ذوير، عن أبيه، قال: «كان يغشي أبامحمد العسكري بسر من رأي كثيرا. و أنه أتاه يوما فوجده قد قدمت اليه دابته ليركب الي دار السلطان و هو متغير اللون من الغضب. و كان بجنبه رجل من العامة اذا ركب دعا عليه و جاء بأشياء يشنع بها عليه. و كان عليه‌السلام يكره ذلك. فلما كان في ذلك اليوم، زاد الرجل في الكلام و ألح، فسار الي مفرق الطريقين، و ضاق علي الرجل أحدهما - أحد الطريقين - من كثرة الدواب، فعدل الي طريق يخرج منه و يلقاه فيه. - أي يلقي الامام عليه‌السلام ليتابع التشنيع عليه -. فدعا عليه‌السلام بعض خدمه و قال له: امض و كفن هذا. - أي غطه بثوب حين يموت -!. فتبعه الخادم. فلما انتهي عليه‌السلام الي السوق، خرج الرجل من الدرب ليعارضه، و كان في الموضع بغل واقف، فضربه البغل فقتله!. و وقف الغلام فكفنه كما أمره، و سار عليه‌السلام، و سرنا» (19) .
و هكذا قتل البغل النغل، العتل الزنيم!. و ليس لهذا النغل الذي يكايد ولي الله، الا هذا البغل الذي لبطه فأرداه قتيلا شهيد حافر أوردته سوء عقباه!. و قالت له الحافر: هذا جزاء من افتري من اللؤماء علي الأولياء و الأصفياء!. فما أرخص قوتك أيها الرجل، و ما أهونك علي رجل بغل أوردتك حافرها حفرة من حفرة من حفر جهنم!. و مع ذلك فقد أمهلك الله تعالي كثيرا حين كنت تترصد باب علمه و خازن معرفته لتعيبه و تشتمه، و لكن البغل الكريم لقاك حتفك و لم يطق صلفك، حين رأي الامام يبعث الغلام ليكفنك بعد موتك بضربة حافره!. فما أشقاها ميتة تحت حافر بغل!. و ما أسوأ جراء من نصب اختياره في مقابل اختيار ربه!. (ان في ذلك لآية و ما كان أكثرهم مؤمنين)(20) .
و كنا نقول بموت ذلك الرجل صدفة - كما يقول الطبيعيون - لولا أن الامام عليه‌السلام قد أعد لتكفينه سلفا، وأمر خادمه بذلك مسبقا. و ننتقل بك الي قتيل آخر من أعداء الحق، أرداه دعاء الامام - عليه‌السلام - فقد قال علي بن سليمان بن رشيد العطار البغدادي: «كان عروة بن يحيي يلعنه أبومحمد عليه‌السلام. و ذلك أنه كانت لأبي‌محمد عليه‌السلام خزانة و كان يليها علي بن راشد رضي الله عنه، فسلمت الي عروة فأخذها لنفسه، ثم أحرق باقي ما فيها، يغايظ بذلك أبامحمد عليه‌السلام. فلعنه و بري‌ء منه و دعا عليه، فما أمهل يومه ذلك و ليلته حتي قبضه الله الي النار!. فقال عليه‌السلام: جلست لربي في ليلتي هذه كذا و كذا جلسة - أي صلي و قام و قعد و دعا - فما انفجر عمود الصبح، و لا انطفأ ذلك النهار حتي قتل الله عروة لعنه الله» (21).
و ان جلسة الامام لربه، لتخيف العاقل و تطيح بالجاهل، اذ ليس لها من الله من واق و لا دافع!. فمذ حاول عروة مغايظة الامام، رفع سلام الله يديه لربه داعيا مبتهلا، فأذاق عدوه طعم الموت الزؤام.. و بعث به الي سعير كلما نضج فيه جلده بدله الله سبحانه جلدا غيره ليذوق و بال أمره بلا انقضاء أمد.. و الي أبد الأبد!. و قد كان هذا العتل الزنيم قد كذب علي امامنا عليه‌السلام، و علي أبيه من قبله، و اختلس أموالهما و أظهر من النصب ما لا يوصف. و كان الأولي بعروة أن يستمسك بالعروة التي لا انفصام لها، فان أهل البيت عليهم‌السلام هم حبل الله الممدود بين السماء و الأرض و من أخذ به نجا، و من استنكف و أبي ضل و هوي!.
و لقد اختارهم الله تعالي علي علم، و جعلهم هداة للناس و شفعاءهم في يوم الجزاء، فما فارقوا كتابه المجيد،و لا رسوله الكريم، و لا حادوا عن أمر ربهم في أشد ظروفهم ضيقا و حرجا، و لم يصانعوا حاكما و لا هابوا ظالما، و لم يدوروا الا في فلك مرضاته سبحانه و طاعته. و قال أحمد بن محمد الأقرع: «حدث أبوحمزة، نصر الخادم فقال: سمعت مولاي أبامحمد عليه‌السلام غير مرة - أي أكثر من مرة - يكلم غلمانه، و فيهم ترك، و روم، و صقالبة!. فتعجبت من ذلك و قلت: هذا ولد بالمدينة و لم يظهر لأحد حتي مضي أبوالحسن - أبوه - عليه‌السلام و لا رآه أحد، فكيف هذا؟! أحدث نفسي بذلك. فأقبل علي فقال: ان الله تبارك و تعالي أبان حجته من سائر خلقه، و أعطاه معرفة كل شي‌ء، و هو يعرف اللغات و الأنساب، و الآجال و الحوادث، و لولا ذلك لم يكن بين الحجة و المحجوج فرق»(22).
و بهذا أبان الامام عليه‌السلام السر و جلا الشك و الارتياب، و انقطع كل سؤال و جواب.. فالله تعالي خير المعلمين (علم الانسان ما لم يعلم) (23) و هو قادر علي أن يخلق عالما مثلما هو قادر علي أن يخلق جاهلا أميا. و لو كان حجة الله علي خلقه مثلي و مثلك - يا قارئي العزيز - ما كان من فرق بين الجاهل و بين من ترعرع في أحضان المدارس و الكليات و الجامعات، و لكانت الدولة الكبري تأتي براعي البقر و ترسله سفيرا لها في دولة كبري أخري، و لما احتاجت الي واحد يتقن عدة لغات، و يحسن جملة علوم و ثقافات، و يتمتع بشخصية فذة و وجه مقابلة لائق.. فنحن نعيش هذه الوقائع و نعرف أن المنتدب لتمثيل دولته يكون من خيرة رجالها علما و معرفة و عقلا و تدبيرا و حنكة، فلا يجوز أن نتعجب من اختيار الله لتمثيل ملكوته العظيم، عظيما لا يشبهه أحد من معاصريه الذين يعاشرهم و يحيا معهم.. و لا بد - اذا- من وجود فرق بين اختيار الله تعالي و اختيار الخلق،كما أنه لا بد أن يختلف الفارق بين الاختيارين، لاختلاف قدرة الخالق عزوجل و قدرة المخلوق!. و اذن، فلو كان في الأرض ألف لغة، لوجب أن يخلق الله حجة له علي أهل الأرض يعرف الألف لغة و أن يجعله مفطورا علي النطق بها جميعا كما خلق مفطورا علي امتصاص ثدي أمه اذا جاع: أو علي الأكل والشرب اذا جاع و عطش، أو علي النوم اذا نعس..
أما كون الامام عليه‌السلام ولد بعيدا عن أبيه، و لم يظهر علي أحد من معاصريه، و لم يره بشر و لا جلس بين يدي أستاذ، فان ما ينسحب علي غيره من الخلق لا ينسحب عليه، لأن علمه موهوب له من ربه، غير مستفاد من غيره، و هو يزقه زقا بقدرة ربه. قال أحمد بن اسحاق: «دخلت علي أبي‌محمد عليه‌السلام، فسألته أن يكتب لأنظر الي خطه فأعرفه اذا ورد. فقال: نعم. ثم قال: يا أحمد، ان الخط سيختلف عليك ما بين القلم الغليظ و القلم الدقيق، فلا تشكن. ثم دعا بالدواة، فقلت في نفسي: أستوهبه القلم الذي كتب به. فلما فرغ من الكتابة أقبل يحدثني و هو يمسح القلم بمنديل الدواة ساعة، ثم قال هاك يا أحمد، فناولنيه. - أي أعطاه القلم قبل أن يطلبه منه -!. فقلت: جعلت فداك: اني أغتم بشي‌ء يصيبني في نفسي.
و قد أردت أن أسأل أباك فلم يقض لي بذلك. فقال: و ما هو يا أحمد؟. فقلت: سيدي، روي لنا عن آبائك أن نوم الأنبياء، علي أقفيتهم، و نوم المؤمنين علي أيمانهم. و نوم المنافقين علي شمائلهم، و نوم الشياطين علي وجوههم. فقال عليه‌السلام: كذلك هو. فقلت: يا سيدي، اني أجهد أن أنام علي يميني فلا يمكنني، و لا يأخذني النوم عليها. فسكت ساعة، ثم قال: يا أحمد ادن مني. فدنوت منه، فقال: أدخل يدك تحت ثيابك - أي أخرج يدك من الكم -. فأدخلتها. فأخرج يده من تحت ثيابه و أدخلها تحت ثيابي، فمسح بيده اليمني علي جانبي الأيسر، و بيده اليسري علي جانبي الأيمن، ثلاث مرات. فقال أحمد: فما أقدر أن أنام عن يساري منذ فعل بي ذلك عليه‌السلام، و ما يأخذني نوم عليها أصلا!» (24).
و اذا قال أحمد بن اسحاق ذلك، فقد قاله الثقة الجليل الذي كان موفد القميين علي الامام عليه‌السلام، و علي أبيه من قبله؛ و قد روي عنهما. مضافا الي أنه اعتني به صاحب العصر و الزمان عجل الله تعالي فرجه فشرفه بأن كتب اليه أكثر من مرة.. فقد علم امامنا عليه‌السلام ما في نفس ابن‌اسحاق من الرغبة في أخذ القلم الذي كتب به للتبرك به، فمسحه بعد الكتابة و قدمه اليه دون طلب!. ثم لما شكا اليه عدم استطاعته أن ينام علي جنبه الأيمن. أمر يديه الشريفتين علي جنبيه، فتغيرت بذلك طبيعته و لم يأخذه نوم علي يساره بعد ذلك أصلا!. فبوركت يد المسيح عليه‌السلام التي كانت تشفي المرضي و تحيي الموتي باذن الله!. و بوركت معها أيدي سائر أولياء الله و أصفيائه التي تحمل مواريث السماء و تفعل بقدرة ربها ما تشاء اذ يشاء!.
و ان لسانا جعله الله تعالي يستمر علي التلفظ باسم الله الأعظم، لتنجده حكومة السماء عند اللأواء، و ترفده قدرة رافع السماء و باسط الأرض بما لا يقدر عليه الا هو تبارك و تعالي.. فلا تذهبن بك المذاهب.. و لا تشرق، و لا تغرب، لئلا تعيش في ضياع، و تدور في فراغ.. و قال محمد بن الحسن بن شمون: «كتب اليه ابن عمنا محمد بن زيد يشاوره في شراء جارية نفيسة، بمائتي دينار لابنه. فكتب: لا تشترها، فان بها جنونا، و هي قصيرة العمر مع جنونها. فأضربت عن أمرها، ثم مررت بعد أيام و معي ابني علي مولاها، فقلت: أشتهي أن أستعيد عرضها و أراها. فأخرجها الينا. فبينما هي واقفة بين أيدينا، حتي صار وجهها في قفاها!. فلبثت علي تلك الحال ثلاثة أيام و ماتت» (25) .
فمن الذي كشف للامام عليه‌السلام عن جنون الجارية؟. و كيف عرف قصر عمرها؟. لا جواب علي جميع الأسئلة المتشابهة حول علم الامام و آياته الا جواب واحد، و هو أن ولي الله علي العباد ليس ساحرا و لا عرافا و لا ضاربا بالرمل، بل هو عالم متخرج من جامعة السماء الالهية الكبري؛ و هو من جملة علمائها المنتجبين الأصفياء، يحمل منها شهادة كفاءة لمركزه كأمين في الأرض علي تركة السماء، لا يكون الا فوق مستوي أهل زمانه مهما كان فيهم من علماء و فقهاء و فلاسفة و جهابذة فنون. و مما لا شك فيه أن ابن‌شمون قد امتثل أمر الامام العسكري صلوات الله عليه، و كذلك ابنه الذي كان له هوي بالجارية التي لا ريب أنها كانت جميلة فاتنة بالنظر الي ثمنها الغالي، و لأن الجنون غالبا ما يحل بالفاتنات.
أما لماذا اشتهيا أن يستعيدا عرضها ليرياها مرة ثانية، فان الدافع الی ذلك كان الهيا محضا لينكشف صدق ما قاله الامام عليه‌السلام. و لولا أنهما عادا لرؤيتها، لما عرفنا أنها مجنونة، و قصيرة العمر، و لبقيت الحكاية مجهولة عندنا، و لما اشتهرت هذه الآية الكريمة المدهشة عبر الدهور. آيات الامام - كل امام - من آيات الله، و معاجزه لا تحدث الا باذن ربه و قدرته، و قبل أن تنكر عليه شيئا من ذلك، أنكره علي الله!. و العياذ به سبحانه من هجر القول -.
و روي أبويعقوب يوسف بن زياد، و علي بن زياد رضي الله عنهما، قالا: «حضرنا ليلة علي غرفة الحسن بن علي بن محمد عليهم‌السلام، و قد كان ملك الزمان له معظما، و حاشيته له مبجلين، اذ مر علينا والي البلد، والي الجسرين، و معه رجل مكفوف، و الحسن بن علي مشرف من روزنته - أي نافذته - فلما رآه الوالي ترجل عن دابته اجلالا له. فقال له الحسن بن علي عليه‌السلام: عد الي موضعك. فعاد و هو معظم له، و قال: يابن رسول الله، أخذت هذا في هذه الليلة علي باب حانوت صيرفي، فاتهمته بأنه يريد نقبه و السرقة منه، فغضبت عليه. فلما هممت بأن أضربه خمسمائة، و هذا سبيلي في من أتهمه ممن آخذه ليكون قد شقي ببعض ذنوبه قبل أن يأتيني من لا أطيق مدافعته. فقال لي: اتق الله، و لا تتعرض لسخط الله، فاني من شيعة أميرالمؤمنين و شيعة هذا الامام أبي‌القائم بأمر الله. فكففت و قلت: أنا مار بك عليه، فان عرفك بالتشيع أطلقت عنك، و الا قطعت يدك و رجلك بعد أن أجلدك ألف سوط!. وجئتك يابن رسول الله، فهل هو من شيعة علي كما ادعي؟.
فقال الحسن بن علي عليهماالسلام: معاذ الله، ما هذا من شيعة علي، و انما ابتلاه في يدك لاعتقاده في نفسه أنه من شيعة علي عليه‌السلام. (فقلت:) كفيتني مؤنته الآن، أضربه خمسمائة ضربة لا حرج علي فيها. فلما نحاه بعيدا قال: ابطحوه!. فبطحوه، و أقام عليه جلادين: واحدا عن يمينه، و آخر عن شماله، و قال: أوجعاه. فأهويا عليه بعصيهما، فكانا لا يصيبان استه شيئا، انما يصيب الأرض. - أي لا يصيبان مؤخرته -. فضجر - الوالي - من ذلك و قال: ويلكم، تضربون الأرض!. اضربوا استه. فذهبوا يضربون استه، فعدلت أيديهم فجعل يضرب بعضهم بعضا و يصيح و يتأوه!. فقال لهم: ويحكم، أمجانين أنتم، يضرب بعضكم بعضا؟. اضربوا الرجل. فقالوا: ما نضرب الا الرجل و ما نقصد سواه، و لكن تعدل أيدينا حتي يضرب بعضنا بعضا. فقال: يا فلان، و يا فلان، و يا فلان، حتي دعا أربعة، و صاروا مع الأولين ستة، و قال: أحيطوا به. فأحاطوا به فكان يعدل بأيديهم و ترفع عصيهم الي فوق، و كانت لا تقع الا بالوالي. فسقط عن دابته و قال: قتلتموني، قتلكم الله.. ما هذا؟!قالوا ما ضربنا الا اياه.
ثم قال لغيرهم: تعالوا فاضربوا هذا. فجاؤوا يضربونه بعد. فقال: يا ويلكم، اياي تضربون!. قالوا: لا و الله لا نضرب الا الرجل. قال الوالي: فمن لي هذه الشجات برأسي و وجهي و بدني ان لم تكونوا تضربوني؟!. قالوا: شلت أيماننا ان كنا قصدناك بضرب. و شيعة علي هم الذين يقتدون بعلي في اكرام اخوانهم المؤمنين، ما عن قولي أقول لك هذا، بل عن قول محمد عليه‌السلام؛ فذلك قوله: (و عملوا الصلحات) قضوا الفرائض كلها بعد التوحيد و اعتقاد النبوة و الامامة، و أعظمها فرضان: قضاء حقوق الاخوان في الله، و استعمال التقية من أعداء الله» (26).
و لا اخال قارئي الكريم يخفي عليه ما في هذه الحادثة من اعجاز ظاهر، قد قضي الله تعالي بأن يكون، ليبين الامام عليه‌السلام تأويله من جهة، و ليكشف عن أسراره من جهة ثانية، و ليعرف سائر العالمين - لا الوالي فقط - أنه صلوات الله عليه هو حجة الله تعالي في أرضه من جهة ثالثة، ثم - بالأخير- ليوضح الفرق بين الشيعي و المولي - المحب الذي يهوي الامام و لا يعمل بما يأمر و ينهي - و ليهدي الناس الي الصراط السوي.
المصادر :
1- سورة الاسراء: 71.
2- سورة المؤمنون: 99 و 100.
3- سورة الانسان: 30 و التكوير: 29 و الخبر في بصائر الدرجات ج 10 ص 517.
4- سورة المؤمن: 78.
5- بصائر الدرجات ج 6 ص 269.
6- المصدر السابق.
7- بحارالأنوار ج 50 ص 340 و مدينة المعاجز ص 572.
8- بصائر الدرجات ج 8 ص 374.
9- الارشاد ص 192 و حلية الأبرار ج 2 ص 391 و كشف الغمة ج 3 ص 202 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 431 و المحجة البيضاء ج 4 ص 325 و اثبات الهداة ج 6 ص 282 و مدينة المعاجز ص 562 و هو في الكافي ج 1 ص 507 بلفظ قريب، و كذلك في بحارالأنوار ج 50 ص 279.
10- بحارالأنوار ج 50 ص 259.
11- سورة الفتح: 6.
12- مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 440 و بحارالأنوار ص 289 - 288 و فيه: محمد بن عباس، بدل: محمد بن عياش و مدينة المعاجز ص 581 - 578 - 577 و الأنوار البهية ص 254.
13- بحارالأنوار ج 50 ص 504 و الأنوار البهية ص 255 - 254 و مدينة المعاجز ص 571 و اثبات الهداة ص 342.
14- سورة الشعراء: 44.
15- سورة الشعراء: 45.
16- سورة الشعراء: 47 - 46.
17- سورة الجاثية: 29.
18- بحارالأنوار ج 50 ص 270.
19- بحارالأنوار ج 50 ص 277 - 276 و اثبات الهداة ج 6 ص 244 - 243 و ص 306 - 305 و مدينة المعاجز ص 579 و في مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 430 روي الحديث عن أبي‌الحسن الموسوي الخيري، عن أبيه.
20- سورة الشعراء: 8 و 67 و 103 و مكررة فيها مرارا.
21- بحارالأنوار ج 50 ص 301 عن رجال الكشي ص 180 و في مدينة المعاجز ص 579 روي عن الفضل بن الحارث.
22- كشف‌الغمة ج 3 ص 203 - 202 و الكافي ج 1 ص 509 و اثبات الوصية ص 214 و بحارالأنوار ج 50 ص 268 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 428 و اعلام‌الوري ص 357 - 356 و الارشاد ص 323 - 322 و الأنوارالبهية ص 259 و المحجة البيضاء ج 4 ص 326 و مدينة المعاجز ص 563 و اثبات الهداة ص 287 - 286.
23- سورة العلق: 5.
24- الكافي ج 6 ص 214 - 213 و هو في الأنوار البهية ص 220 الي نصفه الأول، و كذلك في بحارالأنوار ج 50 ص 287 - 286 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 434 و اثبات الهداة ج 6 ص 295 و مدينة المعاجز ص 565.
25- اثبات الوصية ص 213 و اثبات الهداة ج 6 ص 349 - 348.
26- مدينة المعاجز ص 570.


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.