الشيعة الإمامية والرجعة

يُطلق علىٰ الرجعة الكرّة أيضاً ، وهو من الألفاظ المرادفة لها ، قال الجوهري : الكرّ : الرجوع ، يقال : كرّه وكرّ بنفسه ، يتعدّىٰ ولا يتعدّىٰ.
Wednesday, April 27, 2016
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
الشيعة الإمامية والرجعة

 الشيعة الإمامية والرجعة
 

 






 

يُطلق علىٰ الرجعة الكرّة أيضاً ، وهو من الألفاظ المرادفة لها ، قال الجوهري : الكرّ : الرجوع ، يقال : كرّه وكرّ بنفسه ، يتعدّىٰ ولا يتعدّىٰ.
وفي حديث أمير المؤمنين علي عليه‌السلام : «‎ وإنّي لصاحب الكرّات ودولة الدول ». وجاء في زيارته عليه‌السلام : «‎ السلام عليك يا صاحب الكرة والرجعة » (1).
إنَّ الذي تذهب إليه الإمامية أخذا بما جاء عن آل البيت عليهم‌السلام ، هو نفس المعنىٰ المحقّق في اللغة ، وهو أنَّ الله تعالىٰ يُعيد قوماً من الأموات إلىٰ الدنيا قبل يوم القيامة في صورهم التي كانوا عليها ، فيعزّ فريقاً ويذلُّ فريقاً آخر ، ويديل المحقين من المبطلين ، والمظلومين منهم من الظالمين ، وذلك عند قيام مهدي آل محمد ( عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام ) الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن مُلئت جوراً وظلماً ، ولذلك تعدُّ الرجعة مظهرا يتجلىٰ فيه مقتضى العدل الإلهي بعقاب المجرمين علىٰ نفس الأرض التي ملأوها ظلماً وعدوانا.
ولا يرجع إلاّ من علت درجته في الإيمان ، أو من بلغ الغاية من الفساد ، ثم يصيرون بعد ذلك إلىٰ الموت ، ومن بعده إلىٰ النشور ، وما يستحقونه من الثواب أو العقاب ، كما حكىٰ الله تعالىٰ في قرآنه الكريم تمنّي هؤلاء المرتجعين الذين لم يصلحوا بالارتجاع ، فنالوا مقت الله ، أن يخرجوا ثالثاً لعلهم يصلحون : ( قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ ) (2) ولكن أنّىٰ لهم ذلك وهم في عذاب مقيم ؟

إمكان الرجعة وأدلّتها

إنَّ الرجعة من نوع البعث والمعاد الجسماني ، غير أنها بعث موقوت في الدنيا ومحدود كماً وكيفاً ، ويحدث قبل يوم القيامة ، بينما يُبعث الناس جميعاً يوم القيامة ليلاقوا حسابهم ويبدأوا حياتهم الخالدة ، وأهوال يوم القيامة أعجب وأغرب وأمرها أعظم من الرجعة.وبما أنَّ الرجعة والمعاد ظاهرتان متماثلتان من حيث النوع ، فالدليل علىٰ إمكان المعاد يمكن أن يقام دليلاً علىٰ إمكان الرجعة ، والاعتراف بإمكان بعث الحياة من جديد يوم القيامة يترتب عليه الاعتراف بإمكان الرجعة في حياتنا الدنيوية ، ولا ريب أنّ جميع المسلمين يعتبرون الإيمان بالمعاد من أُصول عقيدتهم ، إذن فجميعهم يذعنون بإمكانية الرجعة.
يقول السيد المرتضى قدس‌سره : إعلم أنّ الذي يقوله الإمامية في الرجعة لا خلاف بين المسلمين ـ بل بين الموحدين ـ في جوازه ، وأنّه مقدور لله تعالىٰ ، وإنّما الخلاف بينهم في أنّه يوجد لا محالة أو ليس كذلك.ولا يخالف في صحة رجعة الأموات إلاّ خارج عن أقوال أهل التوحيد ، لأنَّ الله تعالىٰ قادر علىٰ إيجاد الجواهر بعد إعدامها ، وإذا كان عليها قادراً ، جاز أن يوجدها متىٰ شاء.
فإذا كان إمكان الرجعة أمرا مسلّماً به عند جميع المسلمين ـ حتىٰ قال الآلوسي : وكون الإحياء بعد الإماتة والإرجاع إلىٰ الدنيا من الاُمور المقدورة له عزَّ وجلَّ ممّا لا ينتطح فيه كبشان ، إلاّ أنّ الكلام في وقوعه ـ إذن فلماذا الشكّ والاستغراب لوقوع الرجعة ؟ ولماذا التشنيع والنبز بمن يعتقد بها لورود الأخبار الصحيحة المتواترة عن أئمة الهدىٰ عليهم‌السلام بوقوعها ؟
يقول الشيخ محمدرضا المظفر : ( لا سبب لاستغراب الرجعة إلاّ أنّها أمر غير معهود لنا فيما ألفناه في حياتنا الدنيا ، ولا نعرف من أسبابها أو موانعها ما يُقرّ بها إلىٰ اعترافنا أو يبعدها ، وخيال الإنسان لا يسهل عليه أن يتقبّل تصديق ما لم يألفه ، وذلك كمن يستغرب البعث فيقول : ( مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ) فيقال له : ( يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ) (3).
نعم في مثل ذلك ، مما لا دليل عقلي لنا علىٰ نفيه أو إثباته ، أو نتخيّل عدم وجود الدليل ، يلزمنا الرضوخ إلىٰ النصوص الدينية التي هي من مصدر الوحي الإلهي ، وقد ورد في القرآن الكريم ما يثبت وقوع الرجعة إلىٰ الدنيا لبعض الأموات ، كمعجزة عيسىٰ عليه‌السلام في إحياء الموتىٰ
( وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللهِ ) وكقوله تعالىٰ :
( أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ )
يضاف إلىٰ ذلك أنَّ نفوس الظالمين تأبىٰ إقامة العدل وإحقاق الحق لما اقترفته أيديهم الآثمة من الظلم والجور والمنكرات ، والرجعة تنطوي علىٰ أمرٍ يحقق العدالة الإلهية في أرض الواقع بانتصاف الظالم من المظلوم وإدالة أهل الحق من أهل الباطل ، ولهذه العلة أبت نفوس المكابرين من أهل الجاهلية الاعتقاد بالمعاد والنشور رغم أنّهم عاينوا المعجزات وضربت لهم الأمثال الواضحة وأقيمت لهم الدلائل البينة والبراهين الساطعة ، لأنّ قبول هذا الاعتقاد يعني الانصياع للحق والعدل بالوقوف أمام المحكمة الإلهية الكبرىٰ ( يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (4).

أدلة الرجعة :

أورد الحر العاملي في الباب الثاني من كتابه ( الايقاظ من الهجعة بالبرهان علىٰ الرجعة ) اثني عشر دليلاً علىٰ صحة الاعتقاد بالرجعة ، وأهم ما استدل به الإمامية علىٰ ذلك هو الأحاديث الكثيرة المتواترة عن النبي والأئمة عليهم‌السلام المروية في الكتب المعتمدة ، وإجماع الطائفة المحقة علىٰ ثبوت الرجعة حتىٰ أصبحت من ضروريات مذهب الإمامية عند جميع العلماء المعروفين والمصنفين المشهورين ، كما استدلوا أيضاً بالآيات القرآنية الدالة علىٰ وقوع الرجعة في الاُمم السابقة ، أو الدالة علىٰ وقوعها في المستقبل إما نصاً صريحاً أو بمعونة الأحاديث المعتمدة الواردة في تفسيرها .
قال الشيخ المفيد قدس‌سره : قال سبحانه مخبرا عمّن يحشر من الظالمين أنّه يقول يوم الحشر الأكبر : ( رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ ) الآية ، وللعامة في هذه الآية تأويل مردود ، وهو أن قالوا : إنَّ المعني بقوله تعالىٰ : ( رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ ) أنّه خلقهم أمواتاً بعد الحياة ، وهذا باطل لا يجري علىٰ لسان العرب ، لأنَّ الفعل لا يدخل إلاّ علىٰ ما كان بغير الصفة التي انطوىٰ اللفظ علىٰ معناها ، ومن خلقه الله مواتا لا يقال إنّه أماته ، وإنّما يدخل ذلك فيمن طرأ عليه الموت بعد الحياة ، كذلك لا يقال أحيا الله ميتا ، إلاّ أن يكون قبل إحيائه ميتاً ، وهذا بيّن لمن تأمله.
وقد زعم بعضهم أنَّ المراد بقوله : ( رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ ) الموتة التي تكون بعد حياتهم في القبور للمُساءلة ، فتكون الاُولىٰ قبل الإقبار والثانية بعده ، وهذا أيضاً باطل من وجه آخر ، وهو أنَّ الحياة للمساءلة ليست للتكليف فيندم الإنسان علىٰ ما فاته في حياته ، وندم القوم علىٰ ما فاتهم في حياتهم المرتين يدلُّ علىٰ أنّه لم يرد حياة المساءلة ، لكنه أراد حياة الرجعة التي تكون لتكليفهم والندم علىٰ تفريطهم فلا يفعلون ذلك فيندمون يوم العرض علىٰ ما فاتهم من ذلك (5).
إذن فالمراد بالموتتين موتة عند انتهاء آجالهم ، والموتة الثانية بعد عودتهم إلىٰ الحياة ، وتفسير منكري الرجعة بأنَّ الموتة الثانية قبل خلقهم حين كانوا عدماً لا يستقيم ، لأنّ الموت لا يكون إلاّ للحي ، ويلزم هذا وجودهم أحياء وهم في العدم ، فلا يبقىٰ إلاّ ما بيّناه للخروج من هذا التناقض.
قوله تعالىٰ : ( وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللهُ مَن يَمُوتُ )
إلىٰ قوله تعالىٰ : ( لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ )
روىٰ الشيخ الصدوق والكليني وعلي بن إبراهيم والعياشي وغيرهم أنّها نزلت في الرجعة ، ولا يخفىٰ أنّها لا تستقيم في إنكار البعث ، لأنّهم ما كانوا يقسمون بالله بل كانوا يقسمون باللات والعزىٰ ، ولأنّ التبيين إنّما يكون في الدنيا لا في الآخرة.
قوله تعالىٰ : ( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ).
قال ابن شهرآشوب : ( هذه الآية تدلُّ علىٰ أنَّ بين رجعة الآخرة والموت حياة أُخرىٰ ، ولا ينكر ذلك لأنّه قد جرىٰ مثله في الزمن الأول ،
قوله في قصة بني إسرائيل : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ ) ، وقوله في قصة عزير أو أرميا : ( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ ) ، وقوله في قصة إبراهيم : ( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ) ) (.
وقال الشيخ الحر العاملي : وجه الاستدلال بهذه الآية أنّه أثبت الإحياء مرتين ، ثم قال بعدها ( ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) والمراد به القيامة قطعاً ، والعطف ـ خصوصاً بثمّ ـ ظاهر في المغايرة ، فالإحياء الثاني إما في الرجعة أو نظير لها ، وبالجملة ففيها دلالة علىٰ وقوع الإحياء قبل القيامة (6).
قوله تعالىٰ : ( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) إلىٰ قوله تعالىٰ : ( مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ ).
روىٰ الشيخ الكليني والصدوق بالاسناد عن الباقر والصادق عليهما‌السلام :
‎« أنّ المراد بالذين استضعفوا هم الأئمة من أهل البيت عليهم‌السلام وأنَّ هذه الآية جارية فيهم عليهم‌السلام إلىٰ يوم القيامة ».وروى السيد الرضي قدس‌سره بالاسناد عن الصادق عليه‌السلام ، قال : ‎« قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لتعطفنَّ علينا الدنيا بعد شماسها عطف الضروس علىٰ ولدها ، ثم تلا قوله تعالىٰ : ( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا ) » ، وفي روايات عديدة أنَّ ذلك يكون إذا رجعوا إلىٰ الدنيا وقتلوا أعداءهم وملكوا الأرض.(7)
قال الحر العاملي : وهذه الآية تدلُّ علىٰ أنَّ المنّ علىٰ الجماعة المذكورين وجعلهم أئمة وارثين والتمكين لهم في الأرض وحذر أعدائهم منهم ، كلّه بعدما استضعفوا في الأرض ، وهل يتصور لذلك مصداق إلاّ الرجعة ، وهل يجوز التصدي لتأويلها وصرفها عن ظاهرها ودليلها بغير قرينة ، وضمائر الجمع وألفاظه في المواضع الثمانية يتعين حملها علىٰ الحقيقة ، ولا يجوز صرفها إلىٰ تأويل بعيد ولا قريب ، إلاّ أن يخرج الناظر فيها عن الانصاف ويكذّب الأحاديث الكثيرة المتواترة في تفسير الآية بالرجعة.
قوله تعالىٰ : ( وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ).
روى علي بن إبراهيم والطبرسي وغيرهما بالاسناد عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : ‎« كلُّ قرية أهلك الله أهلها بالعذاب لا يرجعون في الرجعة ، وأمّا في القيامة فيرجعون ، ومن محض الإيمان محضاً وغيرهم ممن لم يهلكوا بالعذاب ، ومحضوا الكفر محضاً يرجعون » وهذه الآية أوضح دلالة علىٰ الرجعة ، لأنّ أحداً من أهل الإسلام لا ينكر أنّ الناس كلهم يرجعون إلىٰ القيامة ، من هلك ومن لم يهلك ، فقوله : ( لَا يَرْجِعُونَ ) يعني في الرجعة ، فأما إلىٰ القيامة فيرجعون حتىٰ يدخلوا النار
قوله تعالىٰ : ( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ )
روي عن الإمام الباقر والصادق عليهما‌السلام من عدّة طرق «‎ أنّ هذا النصر يكون في الرجعة ، ذلك لأنَّ كثيراً من الأنبياء والأوصياء قُتِلوا وظُلمِوا ولم ينصروا ، وأنّ الله لا يخلف الميعاد » (8).
وسئل الشيخ المفيد قدس‌سره في المسائل الحاجبية عن هذه الآية ، حيثُ قيل له : في هذه الآية تأكيد ، فقد أوجب تعالىٰ بأنّه ينصرهم في الحالين جميعاً في الدنيا والآخرة ، وهذا الحسين بن علي عليهما‌السلام حجة الله قتل مظلوماً فلم ينصره أحد ؟
فأجاب الشيخ المفيد قدس‌سره بوجوه ، إلىٰ أن قال : وقد قالت الإمامية أنَّ الله تعالىٰ ينجز الوعد بالنصر للأولياء قبل الآخرة عند قيام القائم عليه‌السلام والكرة التي وعد بها المؤمنين ، وهذا لا يمنع من تمام الظلم عليهم حيناً مع النصر لهم في العاقبة.

الحديث :

مما لاريب فيه أنّ صحة الأحكام والعقائد تتوقف علىٰ ورود أحاديث شريفة ثابتة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته المعصومين عليهم‌السلام سيما ما يتعلق بالاعتقاد بالاُمور الغيبية وحوادث المستقبل ، روىٰ الشيخ الكليني قدس‌سره في باب الضلال ، بالاسناد عن هاشم صاحب البريد ، قال : قال أبو عبدالله عليه‌السلام :
«‎ أما والله إنّه شر عليكم أن تقولوا لشيء ما لم تسمعوه منّا » (9) ، والأحاديث في ذلك أكثر من أن تحصى وأوفر من أن تستقصىٰ.
وممّا يؤيد الرجعة الروايات الكثيرة المتواترة التي نقلها الثقات عن أئمة الهدىٰ عليهم‌السلام ، حتىٰ إنّها وردت في الأدعية والزيارات المأثورة عنهم عليهم‌السلام ، وحيث لا يسع بحثنا نقلها والتحقيق فيها ، فيكفي أن نذكر أنَّ السيد محمد مؤمن الحسيني الاسترآبادي الشهيد بمكة سنة 1088 ه‍ قد جمع في رسالته المختصرة في الرجعة نحو 111 حديثاً من الكتب المعتمدة وجميعها تنصُّ علىٰ الرجعة.
وأخرج الحر العاملي ( ت 1104 ه‍ ) في كتابه ( الايقاظ من الهجعة بالبرهان علىٰ الرجعة ) ما يزيد علىٰ 620 بين آية وحديث صريح في الرجعة نقلها عن سبعين كتاباً قد صنفها عظماء علماء الإمامية ، وقال :
إنَّ أحاديث الرجعة ثابتة عن أهل العصمة عليهم‌السلام لوجودها في الكتب الأربعة وغيرها من الكتب المعتمدة ، وكثرة القرائن القطعية الدالة علىٰ صحتها وثبوت روايتها ، علىٰ أنّها لا تحتاج إلىٰ شيءٍ من القرائن لكونها قد بلغت حدّ التواتر ، بل تجاوزت ذلك الحدّ ، وكل حديث منها يفيد العلم مع القرائن المشار إليها ، فكيف يبقى شك مع اجتماع الجميع ؟ (10).

الاجماع :

نقل جماعة من علمائنا إجماع الإمامية علىٰ اعتقاد صحة الرجعة وإطباقهم علىٰ نقل أحاديثها وروايتها ، وعلىٰ أنّها من اعتقادات أهل العصمة عليهم‌السلام ، وكل ما كان من اعتقاداتهم فهو حقّ ، وتأولوا معارضها علىٰ شذوذ وندور :
قال الشيخ الجليل رئيس المحدثين أبو جعفر ابن بابويه رحمه‌الله في كتاب ( الاعتقادات ) باب الاعتقاد بالرجعة : اعتقادنا ـ يعني الإمامية ـ في الرجعة أنّها حق
وقال الشيخ المفيد رحمه‌الله : اتفقت الإمامية علىٰ رجعة كثير من الأموات إلىٰ الدنيا قبل يوم القيامة ، وإن كان بينهم في معنىٰ الرجعة اختلاف.
ونقل الاجماع السيد المرتضىٰ علم الهدىٰ رحمه‌الله في أكثر من موضع من رسائله ، قال في ( الدمشقيات ) : قد اجتمعت الإمامية علىٰ أنَّ الله تعالىٰ عند ظهور القائم صاحب الزمان عليه‌السلام يعيد قوماً من أوليائه لنصرته والابتهاج بدولته ، وقوماً من أعدائه ليفعل بهم ما يستحق من العذاب ، وإجماع هذه الطائفة قد بيّنا في غير موضع من كتبنا أنّه حجة ، لأنَّ المعصوم فيهم ، فيجب القطع علىٰ ثبوت الرجعة مضافاً إلىٰ جوازها في القدرة.
وقال في جواب المسائل التي وردت إليه من الري : الطريق إلىٰ إثبات الرجعة إجماع الإمامية علىٰ وقوعها ، فإنّهم لا يختلفون في ذلك ، وإجماعهم قد بيّنا في مواضع من كتبنا أنّه حجة لدخول قول الإمام فيه ، وما يشتمل علىٰ قول المعصوم من الأقوال لا بدَّ فيه من كونه صواباً ونقل هذا عنه الشيخ ابن شهر آشوب رحمه‌الله في ( متشابه القرآن ).
وقال الشيخ الطبرسي قدس‌سره في تفسيره : إنَّ الرجعة لم تثبت بظواهر الأخبار المنقولة فيتطرق إليها التأويل عليها ـ أي علىٰ رجوع الدولة دون رجوع أعيان الأشخاص ـ وإنّما المعوّل في ذلك علىٰ إجماع الشيعة الإمامية ، وإن كانت الأخبار تعضده وتؤيده.
وألف الشيخ الحسن بن سليمان بن خالد القمي رسالة في الرجعة قال فيها : الرجعة مما أجمع عليه علماؤنا بل جميع الإمامية (11).
ونقل الإجماع علىٰ ذلك من علمائنا المتأخرين الشيخ الحر العاملي ، قال : الذي يدلُّ علىٰ صحة الرجعة إجماع جميع الشيعة الإمامية وإطباق الطائفة الاثنىٰ عشرية علىٰ اعتقاد صحة الرجعة ، فلا يظهر منهم مخالف يعتدّ به من العلماء السابقين ولا اللاحقين ، وقد علم دخول المعصوم في هذا الاجماع بورود الأحاديث المتواترة عن النبي والأئمة عليهم‌السلام الدالة علىٰ اعتقادهم بصحة الرجعة ، حتىٰ إنّه قد ورد ذلك عن صاحب الزمان محمد ابن الحسن المهدي عليه‌السلام في التوقيعات الواردة عنه وغيرها ومما يدلُّ علىٰ ثبوت الاجماع اتّفاقهم علىٰ رواية أحاديث الرجعة حتىٰ إنّه لا يكاد يخلو منها كتاب من كتب الشيعة.
وكذلك العلاّمة المجلسي في ( البحار ) ، قال : أجمعت الشيعة علىٰ الرجعة في جميع الأعصار ، واشتهرت بينهم كالشمس في رابعة النهار ، حتىٰ نظموها في أشعارهم واحتجوا بها علىٰ المخالفين في جميع أمصارهم ، وشنّع المخالفون عليهم في ذلك ، وأثبتوه في كتبهم وأسفارهم ، منهم الرازي والنيسابوري وغيرهما (12).

الضرورة :

ممّا يدلّ علىٰ ذلك ، الروايات الكثيرة الواردة عن أئمة الهدىٰ عليهم‌السلام والتي هي نصّ صريح في ضرورة الاعتقاد بالرجعة ، ومنها : ما رواه الشيخ الصدوق في كتاب صفات الشيعة بالاسناد عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، قال :
«‎ من أقرّ بسبعة أشياء فهو مؤمن ـ وذكر منها ـ الإيمان بالرجعة ».
وروىٰ عن الإمام الرضا عليه‌السلام أنّه قال : «‎ من أقرّ بتوحيد الله ـ وساق الكلام إلىٰ أن قال ـ وأقرّ بالرجعة والمتعتين ، وآمن بالمعراج ، والمُساءلة في القبر ، والحوض ، والشفاعة ، وخلق الجنة والنار ، والصراط والميزان ، والبعث والنشور ، والجزاء والحساب ، فهو مؤمن حقاً ، وهو من شيعتنا أهل البيت عليهم‌السلام ».
ومما يدلُّ علىٰ أنّ الاعتقاد بالرجعة من ضروريات مذهب الإمامية ، ورودها في الأدعية والزيارات المروية عن الأئمة الهداة من عترة المصطفىٰ عليهم‌السلام ، والتي علّموها لشيعتهم منها زيارة الإمام الحسين عليه‌السلام المروية في المصباح عن الإمام الصادق عليه‌السلام وفيها : « وأُشهد الله وملائكته وأنبياءه ورسله أني بكم مؤمن ، وبإيابكم موقن » ، والمراد بالإياب : الرجعة.
وفي الاقبال والمصباح في الدعاء في اليوم الذي ولد فيه الإمام الحسين عليه‌السلام المروي عن الهمداني وكيل الإمام أبي محمد العسكري عليه‌السلام وفيه : « المُعوَّض من قتله أنّ الأئمة من نسله ، والشفاء في تربته ، والفوز معه في أوبته ـ إلىٰ قوله ـ فنحن عائذون بقبره نشهد تربته وننتظر أوبته » ، والأوبة : الرجعة.
وفي زيارات الإمام القائم عليه‌السلام التي ذكرها السيد ابن طاووس فقرات كثيرة تدلّ علىٰ ذلك ، ففي بعضها : « فاجعلني يا ربِّ فيمن يكرّ في رجعته ، ويملك في دولته ، ويتمكّن في أيامه ».
وروىٰ السيد ابن طاووس بالاسناد عن الإمام الصادق عليه‌السلام في زيارة النبي والأئمة عليهم‌السلام ومنها : « إنّي من القائلين بفضلكم ، مقرٌّ برجعتكم ، لا أنكر لله قدرة ».
قال الحر العاملي : والذي يدلّ علىٰ صحة الرجعة الضرورة ، فإنّ ثبوت الرجعة من ضروريات مذهب الإمامية عند جميع العلماء المعروفين والمصنفين المشهورين ، بل يعلم العامّة أنّ ذلك من مذهب الشيعة ، فلا ترىٰ أحداً يعرف اسمه ويعلم له تصنيف من الإمامية يصرّح بإنكار الرجعة ولا تأويلها.. والذي يُعلم بالتتبّع أنَّ صحّة الرجعة أمر محقق معلوم مفروغ منه مقطوع به ضروري عند أكثر علماء الإمامية أو الجميع ، حتىٰ لقد صنفت الإمامية كتباً كثيرة في إثبات الرجعة ، كما صنفوا في إثبات المتعة وإثبات الإمامة وغير ذلك.
وممّا يدل علىٰ أنَّ صحة الرجعة أمرٌ قد صار ضرورياً ما نقل عن ( كتاب سليم بن قيس الهلالي ) الذي صنفه في زمان أمير المؤمنين عليه‌السلام وقوله : حتىٰ صرت ما أنا بيوم القيامة أشد يقيناً مني بالرجعة (13).
المصادر :
1- الصحاح 3 : 1216. والقاموس المحيط 3 : 28./ الصحاح 2 : 805./الكافي 1 : 198 / بحار الأنوار 100 : 349.
2- عقائد الإمامية ، للمظفر : 108 تحقيق مؤسسة البعثة. والآية من سورة غافر 40 : 11.
3- رسائل الشريف المرتضى 3 : 135/روح المعاني 20 : 27 دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.و سورة يس 36 : 78 ـ 79. 
4- عقائد الإمامية ، للشيخ المظفر : 111 ـ 112. والآية من سورة البقرة 2 : 259.
5- المسائل السروية : 33.
6- الكافي 8 : 50 / 14. وتفسير القمي 1 : 385. وتفسير العياشي 2 : 259 / 26. والاعتقادات ، للصدوق : 62./الايقاظ من الهجعة ، للعاملي : 84و76. /متشابه القرآن 2 : 97. والآيات من سورة البقرة 2 : 243 ، 259 ، 260 علىٰ التوالي.
7- سورة القصص 28 : 5 ـ 6./ الكافي ، للكليني 1 : 243 / 1. ومعاني الأخبار ، للصدوق : 79./خصائص الأئمة ، للسيد الرضي : 70 / تفسير القمي 1 : 25 و 106 و 2 : 297. ومختصر بصائر الدرجات ، للحسن بن سليمان : 42 و 46 و 167. والرجعة ، للاسترآبادي : 129 دار الاعتصام.
8- الايقاظ من الهجعة ، للحر العاملي : 75.89 /تفسير القمي 1 : 24. ومختصر بصائر الدرجات ، للحسن بن سليمان : 41. و45 وبحار الأنوار ، للمجلسي 53 : 60 / 49. / تفسير القمي 2 : 258. وكامل الزيارات ، لابن قولويه : 63 / 3.
9- الكافي ، للكليني 2 : 401 / 1. 
10- الايقاظ من الهجعة : 450 و 430.
11- رسائل الشريف المرتضى 3 : 136 و 1 : 125./ متشابه القرآن ومختلفه ، لابن شهر آشوب 2 : 97./مجمع البيان ، للطبرسي 7 : 367./ الايقاظ من الهجعة ، للحر العاملي : 43.
12- الايقاظ من الهجعة ، للحر العاملي : 33.و43./ بحار الأنوار ، للمجلسي 53 : 122. 
13- حق اليقين ، للسيد عبدالله شبر 2 : 20و 15.


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.