الصحابة و التفسير

لا شكّ أنّ الصحابة، ممّن ﴿رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ﴾ كانوا هم مراجع الأمّة بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إذ كانوا حاملي لوائه ومصادر شريعته إلى الملأ، نعم كانوا على درجات من العلم والفضيلة، ولا يشكّ أحد بأنّ الإمام عليّ
Thursday, April 28, 2016
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
الصحابة و التفسير

 الصحابة و التفسير
 

 






 

لا شكّ أنّ الصحابة، ممّن ﴿رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ﴾(1) كانوا هم مراجع الأمّة بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إذ كانوا حاملي لوائه ومصادر شريعته إلى الملأ، نعم كانوا على درجات من العلم والفضيلة، ولا يشكّ أحد بأنّ الإمام عليّ عليه السلام الّذي ينحدر عنه السيل ولا يرقى إليه الطير (2) كان في صدارة هؤلاء الصحابة والتلامذة النجباء لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وعرف من أسباب النزول ما لا يعرفه أحد لملازمته للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.

المفسّرون من الصحابة

اشتهر بالتفسير من الصحابة أربعة، لا خامس لهم في مثل مقامهم في العلم بمعاني القرآن، وهم؛ عليّ بن أبي طالب عليهما السلام: وكان رأساً وأعلم الأربعة، وعبد الله بن مسعود، وأُبيّ بن كعب، وعبد الله بن عباس، كان أصغرهم وأوسعهم باعاً في نشر التفسير.
ولهذا نرى أنّه من الضروري الإطلالة الإجمالية على دور هذه الشخصيّات في علم التفسير، ونختم الكلام بنموذج شبه تفصيلي.

من أعلم الصحابة بمعاني القرآن

1ـ الإمام عليّ بن أبي طالب عليهما السلام

قال ابن عباس: جلّ ما تعلّمت من التفسير، من عليّ بن أبي طالب عليه السلام. وقال: عليٌّ عَلِمَ علماً علّمه رسول الله، ورسول الله علّمه الله فعِلم النبيّ من عِلم الله، وعلم عليّ من علم النبيّ، وعلمي من علم عليّ عليه السلام. وما علمي وعلم أصحاب محمّد صلى الله عليه وآله وسلم في علم عليّ إلّا كقطرة في سبعة أبحر(3).
وقال ابن مسعود: إنّ القرآن أُنزل على سبعة أحرف، ما منها حرف إلّا وله ظهر وبطن، وإنّ عليّ بن أبي طالب عنده من الظاهر والباطن(4).
ويصف الإمام عليه السلام نفسه وموضعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيقول: "سلوني عن كتاب الله، فإنّه ليست آية إلّا وقد عرفت بليل نزلت أم بنهار، في سهل أو جبل"(5) "والله ما نزلت آية إلّا وقد علمت فيمَ نزلت، وأين نزلت إنّ ربّي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً سؤولاً"(6).

2ـ عبد الله مسعود

هو من السابقين إلى الإيمان، وأوّل من جهر بالقرآن بمكّة، وأوذي في الله من أجل ذلك، وكان من أحفظ الناس لكتاب الله، وكان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يُحبُّ أن يسمع القرآن منه، وكانت له مكانة سامية في التفسير لذا كان يقول: "والّذي لا إله غيره، ما نزلت آية من كتاب الله إلّا وأنا أعلم فيم نزلت وأين نزلت" وروي عنه الكثير لا سيّما من قبل كبار المفسِّرين من التابعين، والمتّفق عليه أنّه أخذ العلم من عليّ عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وليس من غيره بتاتاً. وكان ابن مسعود ممّن شدّ وثاقه بولاء آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لم يشذّ عن طريقتهم المُثلى منذ أوّل يومه إلى آخر أيّام حياته(7).

3ـ أُبيّ بن كعب

أبيّ بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجّار.
عدّه الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله (8)بهذا العنوان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال يكنّى أبا المنذر شهد العقبة مع السبعين وكان يكتب الوحي، آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينه وبين سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل. شهد بدراً والعقبة وبايع لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ومثله بحذف اسم آبائه إلى كنيته ما في الخلاصة في قسم المعتمدين156 ، وقد نقل عنه في التفسير الكثير.

4ـ عبد الله بن عباس

حبر الأمّة وترجمان القرآن وأعلم الناس بالتفسير تنزيله وتأويله تلميذ الإمام عليّ عليه السلام ، وقد بلغ من العلم مبلغاً قال في حقّه الإمام عليّ عليه السلام: "كأنّما ينظر إلى الغيب من ستر رقيق"(9). ولا غرو في ذلك فإنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد دعا له بقوله: "اللهم فقّهه في الدِّين وعلّمه التأويل" (10)وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "ولكلّ شيء فارس، وفارس القرآن ابن عباس"(11).
ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، وتربّى في حِجر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ثمّ الإمام عليّ عليه السلام ، ومن ثمّ كان من المتفانين في ولاء الإمام عليه السلام.
وكان يراجع سائر الاصحاب ممّن يحتمل عنده شيء من أحاديث الرسول وسُننه، فكان يأتي أبواب الأنصار ممّن عنده علم من الرسول، ويستطرق الأبواب لكبار الصحابة ليسأل عمّا يريد. قيل لطاووس (12): لزمْتَ هذا الغلام يعني ابن عباس لكونه أصغر الصحابة يومذاك وتركْتَ الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال: "إنّي رأيت سبعين رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إذا تدارؤوا في أمر صاروا إلى قول ابن عباس"(13).
وله في فضائل أهل البيت ولا سيّما الإمام عليّ عليه السلام أقوال وآثار باقية، إلى جنب مواقفه الحاسمة، ويكفيك أنّه من رواة حديث الغدير، مفسِّراً له بالخلافة والوصاية بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وكان الإمام الباقر عليه السلام يحبّه حبّاً شديداً، وقد كُفّ بصره بعد واقعة الطّف، لكثرة بكائه على مصائب أهل البيت عليهم السلام ، وكانت وفاته سنة (68هـ)(14).

ألف - توسّعه في التفسير

لم تمض العشرة الأولى من وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلّا ونرى ابن عبّاس قد تفرّغ للتفسير واستنباط معاني القرآن. بينما سائر الصحابة كانت قد أشغلتهم شؤون شتّى، نراه صارفاً همّته في فهم القرآن وتعليمه واستنباط معانيه وبيانه، فكان يستطرق أبواب العلماء من الصحابة الكبار ولا سيّما من الإمام عليّ عليه السلام باب علم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان يعقد الحلقات القرآنية في مسجد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بأمر من الإمام عليّ عليه السلام.
لكن بموازاة انتشار العلم منه في الآفاق، راج الوضع على لسانه ونسبت إليه الكثير من الروايات، لمكان شهرته ومعرفته في التفسير. ومن ثمّ فإنّ التشكيك في أكثر المأثور عنه أمر محتمل.

ب- منهجه في التفسير

أخذ ابن عباس العلم عن الإمام عليّ عليه السلام وتتلمذ على يديه وتلقّى التفسير عنه سواء في أصول مبانيه أم في فروع معانيه. وسار على منهج مستقيم في استنباط معاني القرآن، ولم يَحد عن منهج السلف الصالح في تفسير القرآن وفهم معانيه.
وحدّد ابن عباس معالم منهجه في التفسير بقوله: "التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يُعذَر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلّا الله"(15)
فالقرآن فيه مواعظ وتكاليف يجب على المسلمين معرفتها والعمل بها، وفيه غريب اللغة ومشكلها، ممّا يمكن فهمها وحلّ مُعضلِها، بمراجعة الفصيح من كلام العرب، وفيه مسائل عن المبدأ والمعاد وفلسفة الوجود لا بدّ من الرجوع في تفسيرها إلى أهل العلم والمعرفة، وبقي المتشابه ما لا يعلمه إلّا الله أو من أطلعهم الله عليها وهم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والصفوة من أهل بيته عليهم السلام.
وعلى ضوء هذا التقسيم الرباعي يمكننا الوقوف على مباني التفسير الّتي استند إليها ابن عباس في تفسيره للقرآن الكريم:

1- مراجعة ذات القرآن في فهم مراداته

إذ خير دليل على مراد أيّ متكلّم، هي القرائن اللفظيّة الّتي تحفّ كلامه، والّتي جعلها مسانيد نطقه وبيانه، وهكذا بالنسبة إلى القرائن المنفصلة (من دلائل العقل..)، والقرآن فيه من العموم ما كان تخصيصه في بيان آخر، أوتقييد لمطلقاته، وليس لأيّ مفسِّر أن يأخذ بظاهر آية ما لم يفحص عن صوارفها وسائر بيانات القرآن الّتي جاءت في غير آية.
ومن هذا القبيل ما رواه السيوطي عن ابن عباس، في قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ﴾(16) قال: "كنتم أمواتاً قبل أن يخلقكم؛ فهذه ميتة، ثمّ أحياكم؛ فهذه حياة، ثمّ يميتكم فترجعون إلى القبور؛ فهذه ميتة أخرى، ثم يبعثكم يوم القيامة؛ فهذه حياة. فهما ميتتان وحياتان، فهو قوله تعالى: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُون﴾(17)

2- رعايته لأسباب النزول

والّتي لها دورها الخطير في فهم معاني القرآن؛ حيث الآيات والسور نزلت نجوماً، وفي فترات وشؤون يختلف بعضها عن بعض، ولولا الوقوف على تلك الأسباب الواردة في شأن النزول لما أمكن فهم مرامي الآيات. ولهذا اهتمّ ابن عباس واعتمد لفهم معاني القرآن على معرفة أسباب النزول، وكان يسأل ويستقصي عن الأسباب والأشخاص الّذين نزل فيهم قرآن وسائر ما يمسّ شأن النزول.
عن ابن عباس قال: لم أزل حريصاً أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم اللّتين قال الله تعالى بشأنهما: ﴿إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا.....﴾(18) حتّى حجّ عمر وحججت معه... فقال: واعجباً لك يا ابن عباس! هما: عائشة وحفصة(19).
وبلغ به الأمر في تقصّيه لأسباب النزول أن يعرف الحضريّ من السفريّ، والنهاريّ من الليليّ، وفيم أُنزل، وفيمن أُنزل، ومتى أُنزل، وأين أُنزل، وأوّل ما نزل، وآخر ما نزل...(20)

3- اعتماده المأثور من التفسير المرويّ

وهذا واضح من خلال تتبّعه آثار الرسول وأحاديثه، واستطراقه لأبواب الصحابة العلماء، ليأخذ منهم ما حفظوه من سنّة النبيّ وسيرته الكريمة، وقوله: "ما أخذت من تفسير القرآن فعن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام "، إنّما يعني اعتماد المأثور من التفسير(21).

4- اضطلاعه بالأدب الرفيع

فقد نزل القرآن بالفصحى من لغة العرب، فما أشكل من فهم معاني كلماته، لا بدّ لحلّها من مراجعة الفصيح من كلام العرب المعاصر لنزول القرآن.
وكان ابن عباس صاحب ذوق أدبي رفيع وثقافة لغويّة عالية، فكان يقول: الشعر ديوان العرب، فإذا خفي علينا الحرف من القرآن، الّذي أنزله الله بلغة العرب، رجعنا إلى ديوانها، فالتمسنا معرفة ذلك منه2 (22). فقد سُئِل ابن عباس عن قوله تعالى: ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ﴾(23). قال: العزون: الحِلَق الرقاق، وعن قوله تعالى: ﴿إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِه﴾(24) قال: نُضجه وبلاغه، وعن﴿الْفُلْكِ الْمَشْحُون﴾(25) ، قال: السفينة الموقرة الممتلئة، وعن ﴿جَدُّ رَبِّنَا﴾(26) ، قال: عظمة ربّنا، وفي كلّ ذلك استشهد بقول الشعراء(27).

تفسير ابن عباس

هناك تفاسير منسوبة إلى ابن عباس، منها: ما رواه مجاهد بن جبر بروايةحميد بن قيس، وأبي نجيع يسار الثقفي، وقد طُبع أخيراً باهتمام مجمع البحوث الإسلامية بباكستان سنة (1367هـ)، والثاني: تفسير ابن عباس عن الصحابة، لأبي أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلوديّ المتوفى سنة (332هـ)، والثالث: تفسير ابن عباس الموسوم بـ "تنوير المقباس" من تفسير عبد الله بن عباس، في أربعة أجزاء، من تأليف محمّد بن يعقوب الفيروز آباديّ صاحب القاموس (729 817هـ) (28).
المصادر :
1- أنظر سور: المائدة، الآية:119، المجادلة، الآية: 22، البيّنة، الآية:8، التوبة، الآية:100.
2- نهج البلاغة، الخطبة: 3 (الشقشقية).
3- بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج 89، ص 105 106.
4- الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، ج 2، ص 509، دار الكتب العلمية، بيروت، 1415هـ.
5- تفسير العيّاشي، محمّد بن مسعود العيّاشي، ج 8، ص 283، المكتبة العلمية الإسلامية، طهران.
6- التفسير والمفسّرون، الشيخ محمّد هادي معرفة، ج 1، ص 190.
7- التفسير والمفسّرون، الشيخ محمّد هادي معرفة، ج 1، ص 193.
8- رجال الطوسي، ص22، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1415هـ.
9- خلاصة الأقوال، العلّامة الحلّي، ج1، ص66، مؤسّسة نشر الفقاهة، ط1، 1417هـ.
10- م. ن، ج 3، ص 19.
11- م. ن.
12- بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج 22، ص 343.
13- هو طاووس بن كيسان اليماني، وروي أنّه أدرك خمسين من الصحابة. عدّة الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب السجّاد عليه السلام، مات رحمه الله تعالى سنة 106 هـ. أنظر: رجال الطوسي، ج3، ص 94.
14- الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، ج 2، ص 330 334 رقم: 4781.
15- التفسير والمفسّرون، الشيخ محمّد هادي معرفة، ج 1، ص 198ـ 203.
16- تفسير الطبري، أبو جعفر بن جرير الطبري، ج 1، ص 26.
17- سورة غافر، الآية: 11.
18- سورة البقرة، الآية: 28، وراجع الدّر المنثور في التفسير بالمأثور، جلال الدين السيوطي: ج5، ص347، دار الفكر، ط1، 1403هـ.
19- سورة التحريم، الآية: 4.
20- الدّر المنثور، جلال الدين السيوطي، ج 6، ص 242.
21- الإتقان في علوم القرآن، السيوطي، ج 1، ص 51ـ 57 و60ـ 64، و68ـ 76 وغير ذلك.
22- التفسير والمفسّرون، الشيخ محمّد هادي معرفة، ج 1، ص 210.
23- م. ن، ص 212.
24- سورة المعارج، الآية:37.
25- سورة الأنعام، الآية: 99.
26- سورة الشعراء، الآية: 119.
27- سورة الجن، الآية: 3.
28- الإتقان في علوم القرآن، السيوطي، ج 2، ص 56ـ 88.


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.