لماذا الطلاق

لما كان الطلاق من اهم اسباب اضطراب العائلة وتحللها في النظام الاجتماعي ، لانه يتعلق بحقوق الزوج والزوجة والاولاد ، وما يترتب على انفصام العلاقة الزوجية من مشاكل اجتماعية وحقوقية بين عائلتي الزوجين ، كان لابد من تنظيم دقيق
Tuesday, May 3, 2016
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
لماذا الطلاق

 لماذا الطلاق
 

 






 

لما كان الطلاق من اهم اسباب اضطراب العائلة وتحللها في النظام الاجتماعي ، لانه يتعلق بحقوق الزوج والزوجة والاولاد ، وما يترتب على انفصام العلاقة الزوجية من مشاكل اجتماعية وحقوقية بين عائلتي الزوجين ، كان لابد من تنظيم دقيق لشروطه وعناصره الاخرى المتمثلة بالمطلِّق والمطلِّقة والعدة والنفقة والرضاع والحضانة ونحوها .
ويقسم الفقهاء الطلاق الى قسمين : طلاق السنة وهو الطلاق الذي يلتزم به الفرقاء بالشروط الشرعية المقررة ، وطلاق البدعة وهو الطلاق غير المشروع ويدخل فيه طلاق الحائض والنفساء بعد الدخول ، والتطليق بعد المواقعة في طهرها ، والتطليق ثلاثاً بصيغة واحدة ، والتطليق بغير شهود . وللطلاق الشرعي اركان اربعة هي : المطلِّق ، والمطلَّقة ، وصيغة الطلاق ، والشهود .
ويشترط في شخصية المطلِّق اربعة شروط ،
اولاً : البلوغ ، فلا يصح طلاق الصبي حتى او كان مميزاً .
ثانياً : العقل .
ثالثاً : الاختيار ، لما ورد في حديث لرسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم): ( رفع عن امتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) (1) . و « تؤيده رواية عائشة عنه (صلی الله عليه وآله وسلم): لاطلاق ولاعتاق ولا اغلاق (2) .
قال ابو عبيد : الاغلاق الاكراه ، وهو مذهب علي (عليه السلام)وابن عمر وابن عباس . وحكم المغضب حكم المكره مع ارتفاع قصده ، لاشتراكهما في العلة » (3) .
رابعاً : القصد ، اي تطابق اللفظ مع النية « للاجماع ، وصحيح هشام عن الامام الصادق (عليه السلام): ( لاطلاق الا لمن اراد الطلاق ) ، وقول الباقر (عليه السلام): لا طلاق على سنة وعلى طهر بغير جماع الا بنية ، ولو ان رجلاً طلق ، ولم ينو الطلاق لم يكن طلاقه طلاقاً : الى غير ذلك من النصوص المعتضدة بعموم ( لاعمل الابنية ) و ( انما الاعمال بالنيات ) بناء على ارادة القصد منها لا خصوص القربة » (4) .
وليس للاب ان يطلق ابنه غير البالغ ، لليص الوارد عن رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم): ( الطلاق بيد من اخذ بالساق ) (5) . وقد ذهب المشهور ان للزوج الحق ، غائباً كان او حاضراً ، في توكيل من يشاء بطلاق زوجته ، لإطلاق ادلة الوكالة الشرعية .
ولاشك ان الطلاق لا يتم ما لم تتوفر كل الشروط الشرعية في المطلَّقة . وهذه الشروط هي ،
اولا : ان تكون بالفعل زوجة دائمة .
ثانياً : ان يعينها بالذات ، فيقول مثلاً : فلانة طالق.
ثالثاً : ان تكون في طهر لم يواقعها فيه ، فلو طلقت وقت الحيض او النفاس او في طهر المواقعة فسد الطلاق ، لقوله تعالى : ( يااَيُّها النَّبي اِذا طَلَّقتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) (6) ، وزمان العدة في الآية الشريفة هو الطهر اجماعاً، فمعنى ( طلقوهن لعدتهن ) اي « لزمان عدتهن : وذلك ان يطلقها في طهر لم يجامعها فيه .. عن ابن عباس وابن مسعود والحسن ومجاهد وابن سيرين وقتادة والضحاك والسدي . فهذا هو الطلاق للعدة لانها تعتد بذلك الطهر من عدتها وتحصل في العدة عقيب الطلاق .
فالمعنى فطلقوهن لطهرهن الذي يحصينه من عدتهن ولا تطلقوهن لحيضهن الذي لا يعتددن به من قرئهن ، فعلى هذا يكون العدة الطهر على ما ذهب اليه اصحابنا » (7) . ويدل على ذلك ايضاً قوله (عليه السلام): ( اما طلاق السنة فاذا اراد الرجل ان يطلق امرأته فلينتظر بها حتى تطمث وتطهر فاذا خرجت من طمثها طلقها تطليقة من غير جماع ويشهد شاهدين ) (8) .
فشرط صحة الطلاق هو ان تستبرئ بحيضة بعد المواقعة ، الا في حالة المسترابة ، وهي غير الآيس التي لا يأتيها الحيض لسبب مرضي ، فيمسك عنها زوجها ثلاثة اشهر على الاقل .
ويستثنى في بطلان طلاق الحائض خمسة اصناف : « الحامل المتيقن حملها ، والتي لم يدخل بها زوجها . والغائب عنها زوجها ، والتي لم تحض ، والتي قد يئست من المحيض » (9)
ولا يقع الطلاق الا بصيغة معينة حددها الشارع ، وهي لفظ « الطلاق » ، لرواية بكير بن أعين عن الامام (عليه السلام)« ان يقول لها ، وهي في طهر من غير جماع : انت طالق ، ويشهد شاهدي عدل ، وكل ما سوى ذلك فهو ملغى »
ولا يقع الطلاق الا بالاشهاد ، وهو حضور شاهدين عدلين من الذكور ، لقوله تعالى بعد ذكر انشاء الطلاق وجواز الرجعة : ( وَاَشهِدُوا ذَوي عَدلٍ مِنكُم وَاَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ ذلِكُم يُوعَظُ بِهِ مَن كانَ يُؤمِن بِاللّهِ وَاليَومِ الآخِر ) ، ولقوله (عليه السلام): ( وان طلقها في استقبال عدتها طاهراً من غير جماع ، ولم يشهد على ذلك رجلين عدلين فليس طلاقه اياها بطلاق )
ويقسم الفقهاء طلاق السنة الى قسمين ، الطلاق الرجعي والطلاق البائن . فالرجفي يملك فيه المطلِّق الحق الرجوع الى مطلقته المدخول بها ما دامت في العدة ، رضيت بذلك ام لم ترض ، لانها تعتبر شرعاً بحكم الزوجة اولاً ، ولانه هو الذي طلقها كرها لها ، ثانياً . ولايترتب على الطلاق الرجعي اي اثر على الحياة الزوجية سوى عدُّه من التطليقات الثلاث ، للنص الوارد عن الامام الصادق (عليه السلام): ( المطلقة [ الرجعية ] تكتحل وتختضب وتتطيب ، وتلبس ما شاءت من الثياب ، لان الله عز وجل يقول : ( لَعَلَّ الله يحُدِثُ بَعدَ ذلِكَ اَمراً ) لعلها تقع في نفسه فيراجعها )
والطلاق البائن هو الذي تنقطع فيه الرجعة الى المطلَّقة . ويشمل المطلَّقة ثلاثاً ، والمطلَّقة غير المدخول بها ، والآيسة ، والمطلَّقة خلعياً .
فاذا طلق المرء زوجته ثلاث مرات فلا تحل له ، حتى تنكح زوجاً غيره نكاحاً دائمياً صحيحاً ويدخل بها ، بدليل النص القرآني الشريف : ( فَاِن طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعد ، حَتّى تَنكح زَوجاً غَيرَه فَاِن طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيهِما اَن يَتَراجَعا ) ، وما روي عن الامام (عليه السلام): ( المطلقة التطليقة الثالثة لا تحل له ، حتى تنكح زوجاً غيره ، ويذوق عسيلتها ) . وتحرم المطلقة تسع مرات للعدة مؤبداً على زوجها . بمعنى ان طلاق العدة وهو ان يطلقها ثم يراجعها ويطأها ثم يطلقها في طهر آخر ثم يراجعها ويطأها ، ويحللها الزوج الثاني ، ثم يتزوجها الاول بعقد جديد ، وهكذا الى ان يتم طلاق العدة تسع مرات ، يثبت الحرمة المؤبدة بين المطلَّقين . فلا يحل لهما بعدئذ الزواج من بعضهما مرة اُخرى .
واذا ادعت المرأة المطلقة ثلاثاً بانها تزوجت من زوج آخر يقبل قولها بلا يمين ، وللزوج الاول ان يتزوجها اذا اطمأنَّ الى صدق ادعائها « لرواية حماد الصحيحة عن ابي عبد الله (عليه السلام)في رجل طلق امرأته ثلاثاً ، فبانت منه ، فاراد مراجعتها ، فقال لها : اني اريد مراجعتك فتزوجي زوجاً غيري ، فقالت : قد تزوجت زوجاً غيرك ، وحللت لك نفسي ؟ أتصدَّق ويراجعها ، وكيف يصنع ؟ قال (عليه السلام): اذا كانت المرأة ثقة صُدِّقَت في قولها بناء على عدم ارادة الشرطية بذلك »
والطلاق البائن ، خلعي ومبارأة ، فالطلاق الخلعي ناتج عن ابانة الزوجة على مال تفتدي نفسها به ، بسبب كرهها له ، لقوله تعالى : ( فَاِن خِفتُم اَلاّ يُقِيما حُدودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيهِما فيما افتَدَت بِه تِلكَ حُدود اللهِ فَلا تَعتَدُها ) ، وقوله ايضاً : ( فَاِن طِبنَ لَكُم عَن شَيء مِنهُ نَفساً فَكُلُوهُ هَنيئاً مَريئاً ) (10) .
وقيل في صيغة الطلاق الخلعي ، ان الافضل ان يجمع بين لفظي الخلع والطلاق ، فيقول مثلاً : خلعتك على كذا فانت طالق . واتفق الفقهاء على ان الخلع يجب ان يعقب البذل فوراً لأن المعاوضة تقتضيه . واذا تراخى في الطلاق بعد ان بذلت له المال لم يستحق العوض ، ووقع الطلاق رجعياً ان كان قد دخل بها ، ولم تكن آيسة .
والمعروف ان الفدية هو العوض الذي تبذله الزوجة لزوجها كي يطلق سراحها ؛ فيمكن ان يكون بمقدار المهر او اقل او اكثر ، بدليل قول الامام الصادق (عليه السلام): ( يخلعها بما تراضيا عليه من قليل او كثير ) .
ويشترط في الطلاق الخلعي ما يشترط في غيره ، من وجود العقل والبلوغ والاختيار والقصد عند كلا الطرفين . ويشترط في المختلعة ايضاً ان تكون في طهر لم يواقعها فيه اذا كان قد دخل بها ، وان تكون غير آيسة ، ولا صغيرة ، ولا حامل . ويشترط في صحة الخلع حضور شاهدي عدل . ولا يصح الخلع ولا يجوز للرجل اخذ العوض الا اذا كانت هي وحدها كارهة للزوج ، للنص الشرعي الصريح بذلك : ( لا يكون الخلع ، حتى تقول : لا اطيع لك امراً ، ولا ابر لك قسماً ، ولا اقيم لك حداً ، فخذ مني وطلقني ، فاذا قالت ذلك فقد حل له ان يخلعها بما تراضيا عليه من قليل او كثير ) . والمختلعة تعتد اينما شاءت ، ولا نفقة لها الا اذا كانت حاملاً .
وطلاق المبارأة ، « تطليقة بائنة ، وليس فيها رجعة » حسب ما ورد في الرواية . ومن شروطها تبادل الكراهية من قبل الزوجين ، وقد ثبت الاجماع على ذلك « مضافاً الى موثق سماعة عن ابي عبد الله وابي الحسن (عليه السلام): سألته عن المبارأة ، كيف هي ؟ فقال : يكون للمرأة شيء على زوجها من صداق او من غيره ، ويكون قد اعطاها بعضه ، فيكره كل منهما صاحبه ، فتقول المرأة لزوجها : ما أخذته منك فهو لي ، وما بقي عليك فهو لك ، وابارئك ، فيقول لها الرجل : فان انت رجعت في شيء مما تركت فانا احق ببضعك » . وصيغة المبارأة تصح بلفظ : « بارأتك ، انت طالق » ، حيث « لابد هنا من الاتباع بالطلاق على المشهور ، بل لا نعلم فيه مخالفاً ، وادعى جماعة انه اجماع » (11) . ويجب ان تكون الفدية بمقدار المهر او اقل ، ولا تجوز الزيادة ، للنص عنه (عليه السلام): « لا يحل لزوجها ان يأخذ منها الا المهر فما دونه » .
والعدة ، هي الفترة التي حددها الشرع للمطلقة للدخول في زواج آخر ، للنص المجيد : ( وَالمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصنَ بِاَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوء ) ، والمقصود شرعاً بالقرء هو الطهر ، او ما بين الحيضتين ، وقوله تعالى ايضاً : ( وَالَّذينَ يَتَوَفَّونَ مِنكُم وَيَذَرُونَ اَزواجاً يَتَرَبَّصنَ بِاَنفُسِهِنَّ اَربَعَة اَشهُرٍ وَعَشراً ). وقد اجمع الفقهاء على انه لا اثر للعدة ما لم يحصل الدخول ، كما جاء في قوله تعالى : ( اَذا نَكَحتُم المُؤمِنات ثُمَّ طَلَّقتُمُوهُنَّ مِن قَبل اَن تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُم عَلَيهِنَّ مِن عِدَّةٍ تَعتَدّونَها ) ، والرواية الواردة عن ائمة اهل البيت (عليه السلام): ( اذا طلق الرجل امرأته ، قبل ان يدخل بها تطليقة واحدة فقد بانت منه ، وتزوج من ساعتها ان شاءت).
ولا عدة على المطلقة التي بلغت سن اليأس ، وهو الخمسين بالنسبة لغير القرشية ، والستين بالنسبة للقرشية ، للعوامل الجينية الوراثية . والمطلقة الحامل تعتد بوضع الحمل نصاً واجماعاً لقوله تعالى : ( وَاُولاتِ الاَحمالِ أجَلهُنَّ اَن يَضَعنَ حَملَهُنَّ ) ، « قال ابن عباس هي في المطلقات خاصة وهو المروي عن ائمتنا (عليه السلام)؛ فعدتهن وضع الحمل ».
اما المطلقة الشابة التي لا يأتيها الحيض لسبب مرضي ، وتسمى بالمسترابة ، فانها تعتد مع الدخول وعدم الحمل بثلاثة اشهر ، بدليل النصوص الشرعية ، ومنها : ( عدة المرأة التي لا تحيض والمستحاضة التي لا تطهر ثلاثة اشهر ، وعدة التي تحيض ويستقيم حيضها ثلاثة قروء ... والمسترابة [ وهي التي يأتيها الحيض ما زاد على شهر ] فلتعتد ثلاثة اشهر ولتترك الحيض )
وعدة المتمتع بها اذا كانت حاملاً هو وضع الحمل ، ومع الدخول وعدم الحمل حيضتان ، للرواية المروية عن الامام جعفر بن محمد (عليه السلام): ( اذا انقضى الاجل بانت منه بغير طلاق ، ويعطيها الشيء اليسير ، وعدتها حيضتان ) . واذا كانت غير قادرة على الحيض فعدتها خمس واربعون يوماً « اجماعاً ونصوصاً ، بل في خبر البزنطي عن الامام الرضا (عليه السلام)انه قال : ( قال ابو جعفر (عليه السلام): عدة المتمتعة خمسة واربعون يوماً ، والاحتياط خمس واربعون ليلة ) ، بمعنى خمسة واربعون يوماً بلياليها ، بل الاولى عدم اعتبار التلفيق » . والآيسة لا عدة لها .
ولو توفي زوجها فعدتها اربعة اشهر وعشرة ايام ، دخل بها ام لم يدخل ، دائمة كانت أو منقطعة ، لقوله تعالى : ( وَالَّذينَ يُتَوَفَّونَ مِنكُم ، وَيَذَرُونَ اَزواجاً يَتَرَبَّصنَ بِاَنفُسِهِنَّ اَربَعَة اَشهُرٍ وَعَشراً ) . اما اذا كانت حاملاً وتوفي زوجها فعدتها ابعد الاجلين . واتفق الفقهاء على وجوب الحداد خلال فترة العدة ، اذا توفي زوجها ؛ للرواية المروية عن الامام (عليه السلام): ( المتوفى عنها زوجها لا تكتحل للزينة ، ولا تتطيب ، ولا تلبس ثوباً مصبوغاً ، ولا تبيت عن بيتها ، وتقضي الحقوق )
ويكون للمعتدة من الطلاق الرجعي النفقة حاملاً كانت او غير حامل ، وكذلك المعتدة من الطلاق البائن فان لها النفقة ان كانت حاملاً فقط ، ولا نفقة لها ان كانت حائلاً . اما المعتدة من الوفاة فلا نفقة لها وان كانت حاملاً ، بسبب وجود التركة المالية التي لها حق ثابت فيها . واتفق الفقهاء على ان المطلقة الرجعية تعتد في بيت الزوج ، ولا يجوز للزوج اخراجها منه ، ولا يجوز لها الخروج من البيت الا باذنه ، والا تعدّ ناشزة وتسقط نفقتها . اما المطلقة البائنة فانها تعتد في اي مكان ، لانقطاع العصمة بينها وبين زوجها اولاً ، وسقوط نفقتها الا إذا كانت حاملاً ثانيا ، وانتفاء التوارث بينهما ثالثاً .
ويستطيع الزوج في الطلاق الرجعي ان يستبقي زوجته المطلقة ، في عصمته خلال عدتها وردها اليه دون عقد جديد ، لقوله تعالى : ( وبُعُولَتهُنَّ اَحَقُّ بِرَدهنَّ ) ، ( فَاِذا بَلَغنَ اَجَلَهُنَّ فَأمسِكُوهُنَّ بِمَعرُوفٍ اَو فارِقُوُهُنَّ بِمَعرُوفٍ ) ، والمعنى انه عند الاشراف على انتهاء العدة لا ضير في ان يراجع مطلَّقته بقصد المعاشرة بالمعروف . وتتحقق الرجعة بالفعل المقصود ، و « تصح نطقاً كقوله (رجعت ) و ( راجعت ) و ( ارتجعت ) مع اتصالها باسم ظاهر ، كقوله ( راجعت فلانة ) او ( ارتجعت فلانة ) او مضمر كقوله ( راجعتك ) او ( ارتجعتك ) ، وفعلاً كالوطء والقبلة واللمس بالشهوة » (12) .
وتتحقق الرجعة ايضاً بانكار الطلاق اثناء العدة . و « الاجماع على ذلك ، لانه يتضمن التمسك بالزوجية ، بل في المسالك هو ابلغ من الرجعة بالفاظها المشتقة منها وما في معناها . ويستدل على ذلك بصحيحة ابي ولاد عن ابي عبد الله (عليه السلام): ( ان كان انكر الطلاق قبل انقضاء العدة فان انكاره للطلاق رجعة لها ، وان كان انكر الطلاق بعد انقضاء العدة فان على الامام ان يفرق بينهما بعد شهادة الشهود ) . وعن الفقه المنسوب الى الرضا (عليه السلام): ( وادنى المراجعة ان يقبّلها او ينكر الطلاق ) ، فيكون انكار الطلاق رجعة » (13)
خصائص النظام العائلي الاسلامي بالمقارنة مع النظام العائلي الرأسمالي ومن اجل فهم الابعاد الحقيقية للمؤسسة العائلية في المجتمع الاسلامي ، ودور الشريعة في إحكام بنائها العلوي ، لابد لنا من دراسة الفوارق الفكرية والفلسفية المتوقعة بينها وبين نظيرتها في النظام الاجتماعي الرأسمالي . وفي سبيل تحقيق ذلك الفهم ، لابد من ترتيب النقاط التالية :
اولاً : اقرار الضمان المالي للعائلة في المجتمع الاسلامي ؛
فتنصبّ مسؤولية الزوج على اعالة زوجته ووالديه وابنائه ، حيث اوجبت الشريعة نفقة الزوجة الدائمة على زوجها ، حتى لو كانت الزوجة ثرية ؛ وجعلت المسؤولية مشتركة بينهما ، فعليه النفقة وعليها الطاعة والتمكين . ولا شك ان تحديد النفقة الشرعية مرهون بالعرف ، الا ان الاصل فيها هو اشباع حاجاتها الاساسية من المأكل والملبس والمسكن والعلاج ونفقة الحمل والوضع والرضاعة والحضانة . وبطبيعة الحال ، فان وجوب الانفاق لا يقتصر على الزوجة فحسب ، بل يجب على الآباء نفقة ابنائهم وان نزلوا ذكوراً واناثاً ، وعلى الابناء نفقة آبائهم وان علوا ذكورا واناثاً ، وهو ما عبر عنه فقهياً بنفقة الاصول والفروع ، حتى لو كان الاصل فاسقاً او كافراً بلا خلاف .
اما في النظام الرأسمالي ، فان النظام العائلي مصمم نظرياً على اساس ان الفرد المنتج في العائلة الواحدة هو المسؤول عن اعالة الآخرين الذين لا يقدرون على القيام بعمل منتج بسبب السن او المرض او العجز الطبيعي . ولكن الواقع يفصح عن ان وجوب النفقة على الزوج ـ من الناحية القانونية ـ منحصر بنفقة القاصرين من الاولاد فقط ؛ لان الزوج غير مكلف باعالة زوجته القادرة على العمل والانتاج . وليس غريباً اذن ، ان نجد ان نصف نساء الولايات المتحدة مثلاً يعملن على الساحة الانتاجية الاجتماعية خارج البيوت ، من اجل المساهمة في النفقة العائلية . ولا يلزم القانون الرأسمالي الابناء البالغين بالنفقة على آبائهم العاجزين عن العمل ، لان الدولة والنظام الاجتماعي والسياسي كلِّفا باشباع حاجات الشيوخ والمسنين . ولا يخفى ان روح هذا النظام مستمدة من فكرة « المذهب الفردي » التي تنادي بالتحلل من الالتزامات العائلية التي نادت بها جميع الاديان السماوية .
ولكن الدولة لا تستطيع سد كل حاجات الشيوخ والمسنين والعاجزين عن العمل . وخروج الزوجة للعمل خارج البيت ، يترك الابناء والبنات القاصرين دون رعاية ابوية هم بأمس الحاجة اليها وقت نموهم العقلي والبدني . ولذلك ، فان تحميل المسؤولية المالية على الزوج للانفاق على زوجته ووالديه وابنائه يعتبر من افضل الحلول الاجتماعية لمشكلة تحلل الاسرة وتدهورها الاخلاقي والاقتصادي ، والتي يشهدها النظام الرأسمالي بكل ضراوة بعد أكثر من ثلاثة قرون على انشائه وتطوره في المجالات الاقصادية والصناعية .
ثانياً : الضمان المالي للزوجة المتمثل بالصداق .
وهو الذي شرعه الاسلام لمصلحتها ، واعتبره حقاً من حقوقها المالية ، ان كان مهراً مسمى ، او مهر مثل ، او مهر تفويض . وفي جميع الحالات ، يجب ان يكون المهر نقداً او عقاراً او منفعة لها قيمة معتبرة في العرف الاجتماعي والاقتصادي . فاذا طلقها قبل الدخول كان لها نصف المهر ، ولها المهر كاملا بعد الدخول . ولا شك ان الصداق يعتبر ـ حسب النظرية الاسلامية ـ ضماناً مالياً كاملاً للمرأة خصوصاً بعد الطلاق ، حيث تتوقف نفقة الزوج عليها . فلابد لها حينئذٍ ، من الاستقلال مالياً دون الحاجة الى مد يدها طلباً للمساعدة في سد حاجاتها الاساسية ؛ وهو تشريع تفتقده النظرية الرأسمالية تماماً .
فاذا تم الطلاق حسب النظرية الرأسمالية ، فان المطلَّقين يتقاسمان الثروة التي جهدا في تحصيلها خلال سنوات الزواج ، ولكن اذا بددت الثروة المالية خلال ايام الزواج لسبب من الاسباب ، او كان الزوج عاجزاً عن توفيرها ، اصبحت المطلَّقة ريشة في مهب الرياح الاجتماعية ، لا تملك لنفسها مالاً تشبع فيه حاجاتها الاساسية . ولما كانت النظرية الرأسمالية لا ترى في المهر حقاً من حقوق الزوجة الرئيسية ولا شرطاً في صحة الزواج ، انحدرت اغلب المطلقات واولادهن الى مستوى الطبقة الفقيرة . ولذلك ، فانك ترى ان اغلب فقراء النظام الرأسمالي هم من المطلَّقات ، والارامل ، والاولاد من العوائل المطلَّقة .
ثالثاً : ان الشروط الشرعية التي يشترطها الزوج او الزوجة ضمن العقد ،
في النظام الاسلامي ، ليس لها ما يقابلها في النظام العائلي الرأسمالي . فالشروط الصحيحة التي لا تفسخ العقد يترتب عليها الالزام وصحة العقد ، كاشتراط الصفات الجسدية او الخلقية في احدهما ، فيثبت خيار الفسخ مع تخلف تلك الصفات ، لعموم « المؤمنون عند شروطهم » . اما الشروط غير الشرعية فهي اما ان تبطل العقد كالاقالة ، او تبطل الشرط ويبقى العقد صحيحاً كاشتراط عدم المس مطلقاً. وبالجملة ، فان الشروط الشرعية ضمن عقد الزواج ، توفر للزوج او الزوجة ضماناً اخلاقياً او جسدياً يساهم في ادامة البيت الزوجي ، وتحقيق سعادته ضمن اطار النظام الاجتماعي .
رابعاً : لا يصح الزواج ، حسب الشريعة الاسلامية ، الاّ بالخلو من المحرمات النسبية والسببية للزوج والزوجة .
ومع ان النظريتين ، الرأسمالية والاسلامية ، تتطابقان في حرمة التزاوج بسبب المحرمات النسبية كالام والبنت والاخت والعمة والخالة وبنت الاخ وبنت الاخت . الا انهما يفترقان في المحرمات السببية . ففي حين توجب النظرية الاسلامية حرمة التزويج بسبب آثار المصاهرة ، كحرمة زوجة الاب على الابن ، وزوجة الابن على الاب ، وام الزوجة على زوج ابنتها وبنت الزوجة على الزوج ؛ وحرمة التزويج بسبب آثار الزنا ، فليس لابيه ولا لابنه العقد على الزانية التي زنى بها : والحرمة المؤبدة للدخول بالمعتدة والمتزوجة ؛ وحرمة الجمع بين الاختين المتولدتين من اب وام ، او لاحدهما ؛ وحرمة الرجوع بعد التطليقة الثالثة ما لم تنكح زوجاً غيره ، ونحوها ؛ ففي كل هذه الحالات تنفرد النظرية الاسلامية عن بقية النظريات الاجتماعية في الاهتمام بنظافة العلاقات الاجتماعية والاسرية المبنية على طهارة النسل وعدم اختلاط الانساب . وهذا يفضي بالتأكيد الى صلابة البنية التحتية للمجتمع الاسلامي ، حيث تشكل سلامة الاسرة وصحة مقوماتها ، سلامة النظام الاجتماعي كلياً .
خامساً : العيوب الموجبة للخيار بين فسخ العقد وامضائه ،
وهي العيوب المكتشفة بعد تمام اجراء العقد كالاضطراب العقلي والخصاء والجب والعنن بالنسبة للرجل ، والاضطراب العقلي والبرص والجذام والعمى والعرج والقرن والعفل والافضاء والرتق بالنسبة للمرأة ؛ فيثبت في هذه الحالات ، حسب النظرية الاسلامية ، خيار الفسخ على الفور . وكذلك الخيار بالتدليس وهو التمويه باخفاء نقص او عيب موجود او ادعاء كمال غير متحقق قبل اتمام العقد . وكذلك الخيار لتخلف الشروط ، كأن تكون صفة عدم النقص من شروط العقد ، او كون عدم النقص وصفاً لا شرطاً ، او كون العقد مبنياً على اساس عدم النقص . ولكن اذا لم يبادر احدهما الى الفسخ لزمها العقد . ولاشك ان هذا التشريع يعكس عدالة النظام القضائي الاسلامي بين الرجل والمرأة تماماً ، على عكس ما يروجه اعداء النظرية الدينية ويتهمون فيها الاسلام بعدم المساواة بينهما في القضايا الزوجية .
اما في النظام الرأسمالي ، فان خيار الفسخ مرهون بحكم قضاة المحاكم البلدية ، حيث يرجعون الى العرف واهل الخبرة في تحديد ذلك ، ولا يوجد في القانون الرأسمالي ما يشير الى دقة تفاصيل العيوب الموجبة للخيار بين فسخ العقد وامضائه ، كما هو معمول به في النظرية الاسلامية .
سادساً : ان عقد الزواج والصداق في الاسلام لا يقصد منه المعاوضة التي لابد فيها من العلم الرافع للغرر .
ففي المعاملات التجارية والبيع والشراء يجوز للفرد فحص المادة المراد شراؤها باغلب الاوجه المتعارف عليها اجتماعيا ، حتى تكتمل قناعة ذلك الفرد بالشراء . الا ان الاسلام لما ارجع للمرأة حقوقها ، حرّم ذلك في الزواج ، لان ذلك العلم الرافع للغرر يهين المرأة ويضع المجتمع امام اضطراب اخلاقي خطير ؛ ولكنه في نفس الوقت نظّم حدود العيوب الموجبة لخيار الفسخ والخيار بالتدليس . ومن الملفت للنظر ان العرف الغربي الحديث في الوقت الذي استنكر فيه على الاسلام تشريعه لصداق المرأة بزعم انها تعكس الطبيعة التجارية للزواج ، أقر في قضايا الزواج بين افراد نظامه بالمعاوضة التي لابد فيها من العلم الرافع للغرر : وهو ما يشجع الفرد على الاختبار الجسدي والنفسي للشريك المتوقع حتى قبل مجرد التفكير بالعقد .
سابعاً : ولاشك ان للعقد المنقطع الذي شرعه الاسلام ،
اهمية كبرى في حل المشاكل الاجتماعية في المجتمع الصناعي ، بسبب انتقال الافراد المستمر بحثاً عن الاعمال . فللعقد المنقطع هدفان ، الاول : الاستعفاف به لمن لم يرزق النكاح الدائم لسبب من الاسباب . والثاني : محاربة الرذيلة والفجور في المجتمع الانساني . ولا يختلف الزواج المنقطع عن الدائم الا في ذكر الاجل ، وتحديد المهر ، والعدة ، والتوارث ، والنفقة . بمعنى آخر ان الزواج المنقطع والدائم يشتركان في خلو الموانع النسبية والسببية ، وصيغة العقد ، ونشر الحرمة ، وحقوق الولد ولحوقه بالاب ، وقيمة المهر ، والعدة بعد الدخول ، والشروط السائغة في العقد . وهو يمثل نظرة الاسلام الرحيمة تجاه العلاقات الغريزية الشرعية بين الرجل والمرأة ، وحلا للمشاكل الاجتماعية التي يتعرض لها النظام الاجتماعي في الظروف الاستثنائية . ولما كان الشرع يسلط عيناً فاحصة على هذه العملية ، فان العديد من حالات العقد المنقطع تنتهي الى عقد دائم وسعادة اسرية . ولكن لابد من التأكيد على نقطة مهمة واعادتها مراراً ، وهي ان العقد المنقطع يمثل استثناءً في عملية التزاوج الانساني وليس الاصل ، لان الاصل هو العقد الدائم في النظرية الاسلامية .
اما النظرية الاجتماعية الرأسمالية ، فانها تدعو الى احترام حرية الفرد في انشاء علاقات خاصة مع الجنس الاخر دون توجيه الضابط الاجتماعي لفحص شرعية تلك العلاقات ؛ بمعنى آخر : ان « المذهب الفردي » والنظرية الرأسمالية تدعوان الافراد الى ممارسة الزنا والانحرافات الجنسية الاُخرى ، خلافاً للفكرة الدينية التي تدعو الى التمسك بالزواج فيما يخص العلاقات الجنسية بين الذكور والاناث . فليس غريباً اذن ، ان تعاني ثلاثة ارباع الحالات الزوجية الامريكية في نهاية القرن العشرين من خيانات زوجية من كلا الطرفين في العائلة الواحدة ، بسبب اعتناق فكرة « المذهب الفردي » . وبسبب انتشار المصانع في رقعة جغرافية واسعة ، وانتقال الافراد بشكل مستمر نحو العمل ، وضعف الرقابة الاجتماعية على الافراد ، فان الاطار الشرعي الذي جاء به الاسلام في العقد المنقطع يعتبر اسلم الطرق نحو تحقيق السعادة الزوجية في المجتمع الصناعي المعاصر . ولما كان الاسلام تشريعاً عالمياً ، فان العقد المنقطع قد يخدم المجتمع الغربي اكثر مما يخدم المجتمع الشرقي بسبب الاعراف المتباينة بين المجتمعات الانسانية . ولاريب ان تجويزه من قبل الاسلام يعطي الفرد حرية الاختيار بما يناسب المشاكل الاجتماعية التي يواجهها ذلك الفرد في المجتمع الذي يعيش فيه .
ثامناً : وحفظاً لسلامة الانساب وطهارتها ،
فان الشريعة الاسلامية ، تلحق المولود بالزوج بسبب الفراش لا مجرد العقد ، استناداً على قاعدة ( امكان الالحاق ) التي تسالم الفقهاء على صحتها . وكذلك المولود بسبب وطء الشبهة ، فيلحق بالزوج ، ان كانت شبهة العقد مع الوطء ، او شبهة الوطء من غير عقد . ولا يكون الالتقاط وهو ضم الفرد الملتقط الى الملتقط نسباً ، ولا التبني وهو نسبة ولد معروف النسب الى نفسه ، عملاً شرعياً . فقد حرمت النظرية الاسلامية ، فسخ النسب الاصلي للفرد وما يتبعه من التوارث المالي عن طريق التبني او الالتقاط ، اكراماً للفرد ولابويه .
وهذا التشريع الاسلامي يناقض تماماً قانون النظرية القضائية الرأسمالية في التبني . حيث تقر شرعية فسخ النسب الاصلي للفرد ، وما يتبعه من التوارث المالي ، فتزعم بان الابوة المعترف بها هي الابوة القانونية وليس الابوة البيولوجية . فلو وجد الفرد طفلاً رضيعاً متروكاً على قارعة الطريق مثلاً ، فله مطلق الحق في تبنيه ونسبته الى نفسه ، فتترتب على ذلك العمل حينئذٍ ، كل الاثار القانونية الملزمة للابوين القانونيين . اما المولود بسبب وطء الشبهة ، فان تشخيص نسبه عن طريق الجينات الوراثية قد اصبح عملاً ممكناً من الناحية المختبرية الحديثة ، ولذلك فهو ينسب الى ابيه البيولوجي . وبطبيعة الحال ، ان انتشار ظاهرة التبني ، مع انها خففت عاطفياً واقتصادياً عن الاطفال المشردين ، الا انها ساهمت من جانب آخر في تمزيق النظام العائلي والعشائري في المجتمع الصناعي بسبب ضياع الانساب اولاً ، واستحالة احتلال الاب القانوني دور الاب البيولوجي في شخصية الفرد المتبنى ثانياً .
تاسعاً : النسب ، حسب النظرية الاسلامية ،
هو حق ثابت لكل شخص . والاقرار به هو اعتراف صريح بذلك الحق . فالاقرار بالنسب هو ثبوت نسب الفرد الى فرد آخر . ويشترط في الاقرار ان يكون بين المولود والمقر تفاوت صحيح في السن ، كالتفاوت العرفي بين الاب والابن ، وان يكون الصغير مجهول النسب ، وان لا ينازع المقر في اقراره بنوة الصغير منازع آخر ، والا حكم بالولد لصاحب البينة . ومن الطبيعي ، فان الاقرار بالنسب يعتبر شكلاً آخراً من اشكال ترسيخ العلاقات الاسرية والاجتماعية بين الافراد ، وتأكيداً على رابطة الدم والولاء في النظام الاجتماعي الاسلامي .
اما في النظرية الاجتماعية الغربية ، فان الاقرار وحده لا يعتبر اثباتاً لنسب المقر . ويرجع الحكم في ذلك الى قضاة المحاكم البلدية .
عاشراً : الرضاع في النظرية الاسلامية هو امتصاص الرضيع اللبن من ثدي امه او مرضعته .
وآثاره الشرعية ، هو ان الرضاع من غير الام ينشر تحريماً للزواج ، فيحرم من الرضاع ما يحرم من النسب . بالشروط التالية :
1 ـ ان تكون المرضعة ، متزوجة زوجاً شرعياً .
2 ـ ان تدره بسبب الحمل او الولادة .
3 ـ ان يمتص الرضيع اللبن من ثديها مباشرة .
4 ـ ان يؤدي الرضاع الى شد العظم وانبات اللحم ، وهو اما خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد او رضاع يوم وليلة .
5 ـ واستيفاء المرتضع عدد الرضعات الشرعية قبل ان يكمل الحولين.
6 ـ وحياة المرضعة عند جميع الرضعات .
7 ـ وان يكون اللبن لفحل واحد وهو زوج المرضعة .
ولا يوجد في النظرية القضائية الرأسمالية ما يشير الى تفصيل الرضاع وآثاره الشرعية المذكورة آنفاً .
حادي عشر : الحضانة ،
وهي رعاية مصلحة الصبي ، للام والاب ما لم يقع الطلاق . فاذا وقع الطلاق اصبحت الام احق بالولد . ويرجع في تحديد عمر مستحق الحضانة لاحد الابوين ، الى الحاكم الشرعي ؛ لانه هو القادر على تشخيص المصلحة الشخصية للصبي او الصبية دون تحيز . ويشترط في الحاضنة ان تكون حرة ، مسلمة ، عاقلة ، وغير متزوجة بعد طلاقها من الزوج الاول . فاذا تزوجت سقطت حضانتها ، لان الاهتمام بحقوق الزوج الجديد اولى من اهتمامها بولدها ، فتنتقل عندها حضانة الطفل الى الاب .
ولا تختلف النظرية الرأسمالية عن الاسلامية في ذلك ، الا في مسالة زواج الحاضنة ، حيث يبقى الولد مع الام حتى مع زوجها الجديد ، الا ان يحدد القاضي ما يبرر وجوب انتقال الحضانة الى الاب .
ثاني عشر : احكام الصبي في النظرية الاسلامية ،
تشمل حقوقاً في الولاية والوصاية والمعاملات والعبادات . فعلى صعيد العبادات ، فان عبادة الصبي عند فقهاء الامامية شرعية لا تمرينية ، ووصيته وصدقته جائزة وصحيحة اذا بلغ حد التمييز . وعلى صعيد المعاملات ، فله ان يتملك مايحوزه من المباحثات ، ويغرم في ماله ما يحدثه في مال الغير من تلف او عيب لانها من الاحكام الوضعية . والصغير غير المميز يمنع من التصرفات المالية حتى يحصل له البلوغ والرشد ، وهو ما يسمى شرعاً بالحجر الشرعي . وعلى صعيد الولاية الشرعية ، فان الحجر لا يتم الا بوجود ولي يرعى مصلحة الصبي . وتثبت الولاية اولاً للاب والجد في مرتبة واحدة . واذا فقدا معاً تكون الولاية لوصي احدهما . ويشترط في الولي البلوغ والرشد والاتحاد في الدين ، وعليه مراعاة مصلحة القاصر مراعاة تامة . وعلى صعيد الوصاية العهدية ، فان الولي ينصب قبل موته وصياً قيماً على اطفاله لرعايتهم بعد الممات ، فتصبح الوصاية ملزمة للوصي اذا علم بها ولم يعارضها ، ويشترط فيه نفس ما يشترط في الولي . ولكن اذا خان الوصي لسبب من الاسباب ، فقد انعزل تلقائياً وبطلت جميع تصرفاته دون تدخل الحاكم الشرعي . وعلى صعيد آخر ، فاذا مات الاب بلا وصية ، او مات الوصي ، ارجع امر الاطفال الى الحاكم الشرعي ، لانه ولي من لا ولي له .
اما احكام الصبي في النظرية الاجتماعية الرأسمالية ، فانها تتعلق بالولاية القانونية فقط ، دون الوصاية والعبادات والمعاملات . فبعد موت الاب ، تصبح الام ولياً شرعياً على الاطفال . واذا ماتت الام ، انتقلت الولاية الى العائلة الجديدة التي تعيل هؤلاء الاطفال . فاذا تم التبني ، فانهم يلتحقون نسباً ، بالاب في الاسرة الجديدة . وهو ما يؤدي بالتأكيد الى ضياع الانساب في الاجيال اللاحقة . اما معاملات الصبي ، فانها غير نافذة ، ما عدا التملك ، حيث يحفظ له المال الخاص به الى حد البلوغ القانوني وهو سن الثامنة عشرة بالنسبة للذكر والانثى على حد سواء .
ثالث عشر : الولاية الشرعية في الزواج ،
حسب النظرية الاسلامية ، مختصة فقط بالصغير والسفيه والمجنون من الذكور والاناث . بمعنى ان البالغة الرشيدة والبالغ الرشيد يستقل في زواجه او زواجها ولا ولاية لأحد عليه او عليها . وهذا الاستقلال يعكس احترام الاسلام للمرأة ، ورأيها في اختيار شريك حياتها . ولا شك ان الاطار الاخلاقي العام الذي جاء به الاسلام يضمن عفة المرأة ، ويجعلها في موضع اجتماعي افضل لخدمة حياتها الزوجية اللاحقة .
وفي هذا الحقل تؤيد النظرية الاجتماعية الرأسمالية ، اقرار الشريعة الاسلامية استقلال البالغين في اختيار شركاء حياتهم الزوجية . ولكنها تنحرف لاحقاً ، وتقر استقلال المنحرفين جنسياً في اختيار شركاء حياتهم الزوجية من نفس الجنس ايضا . بمعنى انها لا تمانع من قانونية اللواط والسحق بدعوى الايمان بـ « المذهب الفردي » ، وتزعم بان للافراد مطلق الحرية في اختيار شركاء حياتهم حتى لو كانوا من جنس واحد .
رابع عشر : الوصية الشرعية ، حسب النظرية الاسلامية ،
تفويض الفرد بتصرف معين بعد موت الولي . وهي عهدية وتمليكية ، فالعهدية ايقاع يوصي به لآخر برعاية اطفاله ووفاء ديونه او استيفائها ونحوها ، والتمليكية عقد يتم من خلاله تمليك فرد آخر بمال منقول او غير منقول . ويشترط في الموصي ان يكون أهلاً للتصرفات المالية ، فلا تصح من الصغير ولا المجنون ولا المكره ولا السفيه لانهم ليسوا اهلاً لها لانعدام ارادتهم وفقدان قدرتهم على التمييز ما بين المصلحة والمفسدة الشخصية والعائلية . وتخرج الوصية من اصل التركة اذا كانت واجباً مالياً كالزكاة والخمس ورد المظالم والكفارات والديون ، او واجباً مالياً ـ بدنيا كالحج . وتخرج من الثلث فقط في الواجب البدني كالصوم والزكاة . واذا كانت الوصية على وجه من وجوه التبرع والمحاباة ، فانها تنفذ بمقدار الثلث فقط مع وجود الوارث . وهذا التشريع يحفظ للورثة من المراتب الثلاث حقوقهم الشرعية في ثلثي الثروة المتروكة . فالزوجة تشترك في استلام جزء من الارث مع جميع المراتب ، وهو ضمان مالي آخر لها بعد وفاة الزوج . وتضمن المرتبة الاولى وتضم الاولاد والوالدين بالاضافة الى الزوجة بحجبها بقية المراتب ، مبلغاً مالياً يعينها على العيش ما بعد وفاة رب الاسرة .
اما النظرية الاجتماعية الرأسمالية ، فانها تترك للزوج حرية تقرير حجم الوصية ومصيرها قبل الموت عن طريق كاتب عدل معترف به رسمياً .
فيستطيع الزوج ، عملياً ، ان يوصي بكامل تركته لفرد واحد من الاسرة التي ينتمي لها او من غيرها ، مسبباً بذلك حرمان بقية الافراد من اسرته من استلام التركة المالية التي تساعدهم على ضمان مستقبلهم المالي لاحقاً .
خامس عشر : احكام الارث في النظرية الاسلامية ،
تعكس اهتمام الاسلام بالجانب الاجتماعي ، فبعد اخراج مصاريف الكفن والغسل والدفن ، تخرج الديون الواجب وفاؤها ، ثم تقسم التركة بعد ذلك اثلاثاً ، فتخرج الوصايا بغير الواجب لمالي من الثلث ، ويقسم الثلثان بين الورثة . فالقرابة او النسب لها ثلاث مراتب غير متداخلة وهي اولاً : الابوان والاولاد . ثانياً : الاجداد والاخوة . ثالثاً : الاعمام والاخوال . وفي السبب ، فان الزوجية تجتمع في الميراث مع جميع المراتب .
ولاشك ان النظام الدقيق في الارث يضمن قضيتين في غاية الاهمية في النظام الاجتماعي : الاولى : حرمة كنز المال بين الاجيال المتعاقبة ، بمعنى ان الجهود العضلية والفكرية التي يبذلها الجيل السابق لابد وان تصب في خدمة الجيل اللاحق ، اختياراً او اجباراً ؛ لان المال المتروك ، لابد وان يوزع على المستحقين من الورثة ، عن طريق الوصية والارث . الثانية : ان المراتب الثلاث في الارث والزوجية تحقق قدراً عظيماً من العدالة الاجتماعية بين الافراد في توزيع التركة المالية ، خصوصاً اذا ما لاحظنا ان المرتبة السابقة تحجب المرتبة اللاحقة في استلام الارث .
اما احكام الارث في النظرية الاجتماعية الرأسمالية ، فانها متعلقة ، كما ذكرنا سابقاً ، بالوصية الرسمية التي يتركها الفرد . فله مطلق الحرية في محاباة من يشاء وحرمان من يشاء في وصيته .
سادس عشر : واحكام الطلاق في الشريعة الاسلامية لاتتم الا بشروط خاصة بشخصية المطلِّق ،
وشخصية المطلَّقة . فينبغي ان يكون المطلِّق بالغاً عاقلاً ، مختاراً ، قاصداً نية الطلاق . وينبغي ان تكون المطلقة زوجة دائمة ، معينة بالذات ، وفي طهر لم يواقعها فيه . ولا يقع الطلاق الا بحضور شاهدين عدلين من الذكور . وبسبب اختلاف الاسباب الداعية لانفصال الزوجين ، فلابد ان ينفسم الطلاق الشرعي على ضوء تلك الاسباب . فالطلاق في النظرية الاسلامية ، رجعي وبائن خلعي وبائن مبارأة . فالرجعي ، وهو الذي يملك فيه المطلِّق حق الرجوع الى مطلَّقته المدخول بها ما دامت في العدة . والبائن الخلعي ، وهو الناتج عن ابانة الزوجة على مالٍ تفتدي به نفسها بسبب كرهها له .
والبائن المبارأة ، وهو الناتج عن كراهية متبادلة بين الزوجين . ولابد للمطلقة من اتمام العدة الشرعية حتى تستطيع الزواج مرة اخرى ، وهي ثلاثة قروء للحائل ، او وضع الحمل بالنسبة للحامل . وعدة الوفاة اربعة اشهر ةعشرة ايام . والاصل في العدة ، طهارة الانساب في الحالات الطبيعية للطلاق ، واحترام الميت في حالة عدة الوفاة . ولابد للزوج من الانفاق على مطلقته الرجعية حتى انتهاء العدة . وهذه الاحكام الشرعية الخاصة بالطلاق ، بالاضافة الى تنظيمها سلوك الافراد فيما يخص العلاقات الشرعية بين الرجال والنساء ، تساهم في ضمان حقوقهم المعنوية والمالية في العلاقات الزوجية ، وتعطي الحق لكليهما في الانفصال والبدء بحياة جديدة سعيدة ، اذا فشلت الحياة الزوجية الاولى .
وتفتقر النظرية الاجتماعية الرأسمالية لبفاصيل مثل هذه الاحكام الشرعية : فلا تشترط في اجراء الطلاق شروطاً خاصة ما عدا القصد بنية الطلاق : لان الطلاق من مسؤولية الزوجين الفردية لايمانها بشرعية الحرية الفردية في الحياة الاجتماعية .
سابع عشر : ان فكرة تعدد الزوجات التي شرعها الاسلام ،
افضل للنظام الاجتماعي من الزواج المتعدد ، الذي لاحظنا مساوئه الاجتماعية في تمزيق العوائل المطلَّقة وما يتبعه من تشرذم الاطفال وتحطيم نفسياتهم وقابلياتهم الابداعية. ولكن فكرة تعدد الزوجات استثنائية في الاساس ، لان الاصل هو الزوجة الواحدة ، ولذلك فان هذه الفكرة تعتبر حلاً آخر للمشاكل الاستثنائية التي تبتلى بها المجتمعات الانسانية في العصور المتلاحقة .
المصادر:
1- الخصال : ج 2 ص 184 .
2- سنن ابن ماجة : ج 1 ص 660 .
3- التنقيح الرائع : ج 3 ص 294 .
4- الجواهر : ج 32 ص 17 .
5- المستدرك ، مقدمات الطلاق ، باب 25 خبر3 .
6- الطلاق : 1 .
7- مجمع البيان : ج 28 ص 102 .
8- الكافي : ج 2 ص 99 .
9- من لا يحضره الفقيه : ج 2 ص 169 .
10- النساء : 4 .
11- شرح اللمعة للشهيد الثاني : ج 6 ص 112 .
12- التنقيح الرائع : ج 3 ص 329 .
13- الجواهر : ج 32 ص 182 .


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.