
لما كان الاصل في الزواج ، المتعة الجسدية وانجاب الاطفال ، اصبحت قضية اختيار الشريك للمضاجعة من اهم القضايا التي تهم النظام الاجتماعي بجميع افراده ، وعلى كل المستويات .
ولاشك ان الانسان ـ مهما كانت درجة التزامه بالاحكام الشرعية ـ يدرك اهمية المحرمات النسبية والسببية في الزواج ، فيضع بشكل طبيعي حاجزاً نفسياً لا شعورياً امامها . وبكلمة ، فان قضية المحرمات النسبية والسببية هي قضية فطرية اكثر مما هي قضية فلسفية او منطقية : ولذلك كان تأكيد الدين عليها .
وعلى ضوء ما سبق ، فقد اشترطت الشريعة ان يكون الفرد مؤهلاً للزواج حتى يصح العقد منه . ومثال ذلك ، ان المرأة او الرجل المراد تزويجه او تزويجها يجب ان يكونا فردين صالحين للعقد ، وجامعين للشروط ، كالعقل والبلوغ والرشد ، وخاليين من الموانع النسبية والسببية .
وما يمنع الفرد من الزواج بسبب المحرمات النسبية هو سبعة اصناف :
1 ـ الأم ، ويدخل معها الجدات من جهة الام .
2 ـ البنات ، ويدخل معهن بنات الابن ، وبنات البنت وان نزلن .
3 ـ الاخوات للأب او للأم ، او لهما معاً .
4 ـ العمات ، وتشمل عمات الاباء والاجداد .
5 ـ الخالات ، وتشمل خالات الاباء والاجداد .
6 ـ بنات الاخ وان نزلن .
7 ـ بنات الاخت وان نزلن .
والاصل في التحريم قوله تعالى :( ولاتَنكحُوا مانَكَجَ آباؤُكُم مِنَ النِّساءِ اِلاّ ما قَد سَلَف اِنَّهُ كان فاحِشَةً وَمَقتاً وَساءَ سَبيلاً ، حُرِّمَت عَلَيكُم اُمَّهاتُكُم وَبَناتُكُم وَاَخَواتُكُم وَعَمّاتُكُم وَخالاتُكُم وَبَناتُ الاَخ وَبَناتُ الاُخت وَاُمَّهاتكُم اللاتي اَرضَعنَكُم وَاَخَواتكُم مِنَ الرِّضاعَةِ وَاُمَّهاتُ نِسائِكُم وَرَبائِبكُم اللاتي في حُجُورِكُم مِنَ نِسائِكُم اللاتي دَخَلتُم بِهُنّ فَاِن لَم تَكُونُوا دَخَلتُم بِهنَّ فَلا جُناحَ عَلَيكُم وَحَلائِل اَبنائِكُم الَذينَ مِن اَصلابِكُم وَاَن تَجمَعُوا بَينَ الاُختَينِ اِلاّ ما قَد سَلَف اِنَّ اللهَ كانَ غَفُورأ رَّحيماً ، وَالمُحصَنات مِنَ النِّساءِ اِلاّ ما مَلَكَت اَيمانكُم كِتابَ اللهِ عَلَيكُم وَاُحِلَّ لَكُم ما وَراءَ ذلِكُم ) (1) .
و « اذا خاطب تعالى المكلفين بلفظ الجمع ، كقوله : ( حرمت عليكم ) ثم اضاف المحرمات بعده اليهم بلفظ الجمع ، فالآحاد يقع بازاء الآحاد ، فكأنه قال : حرم على كل واحد منكم نكاح أمّه ومن يقع عليها اسم الام ، ونكاح ابنته ومن يقع عليها اسم البنت ، وكذلك الجميع . وهؤلاء السبع هي المحرمات بالنسب ، وقد صح عن ابن عباس انه قال : حرم الله من النساء سبعاً بالنسب ، وتلا الآية » (2) .
اما المحرمات السببية وهي المذكورة في الآية الشريفة السابقة : ( وَاُمَّهاتكُم اللاتي اَرضَعنَكُم ... )(3)وبقية النصوص الشرعية ، فهي ثمانية اصناف :
1 ـ ما يحرم من آثار المصاهرة .
2 ـ ما يحرم من آثار الزنا .
3 ـ الدخول بالمعتدة والمتزوجة .
4 ـ الجمع بين الاختين .
5 ـ الزواج باكثر من اربع حرائر .
6 ـ الملاعنة .
7 ـ التطليقة الثالثة .
8 ـ الارتداد الفطري او الملي عن الاسلام .
فالمصاهرة ، عملية تستهدف صهر العلاقات الاجتماعية وانشاء علاقات جديدة على ضوء عملية التزويج ، حيث يترتب عليها بسبب العلاقة الجديدة تحريم لبعض اقارب الزوج او الزوجة . فتحرم زوجة الاب على الابن وان نزل تحريماً مؤبداً بمجرد العقد ـ نصاً واجماعاً ـ لقوله تعالى : ( وَلا تَنكِحُوا ما نَكَحَ آباؤكُم مِن النِّساءِ ) (4) .
وتحرم زوجة الابن على الاب وان علا تحريماً مؤبداً بمجرد العقد ، لقوله تعالى : ( وَحَلائِل اَبنائكُم الَّذينَ مِن اَصلابِكُم ) (5) .
وتحرم أم الزوجة وان علت على زوج ابنتها تحريماً مؤبداً ، ولكنه اختلف هل ان التحريم يقع بمجرد العقد او بالدخول . وقيل « فيه روايتان اشهرهما رواية وفتوى انها تحرم بمجرد العقد ، بل في كتاب الغنية وكتاب الناصريات الاجماع على ذلك ، لعموم قوله تعالى : ( وَاُمَّهات نِسائِكُم ) ، وللاخبار وللاحتياط » (6) .
وتحرم بنت الزوجة اذا دخل بالأم لقوله تعالى : ( وَرَبائِبكُم اللاتي في حُجُورِكُم مِنَ نِسائِكُم اللاتي دَخَلتُم بِهنّ ) ولاتحرم بمجرد العقد ، فيجوز للزوج ان ان طلق الام قبل الدخول العقد على ابنتها ، بالاجماع .
ويترتب على الزنا آثار شرعية ايضاً ، منها : ان الزنا قبل العقد يوجب تحريم المصاهرة ، فليس لابيه ولا لابنه العقد عليها « وفاقاً للاكثر بل هو المشهور » (7) .
ولو « زنى بذات بعل او في عدة رجعية حرمت عليه ابداً في قول مشهور » (8) .
و « اذا زنى بها وهي خلية [ غير متزوجة ] لم يحرم عليه زواجها ، وان لم تتب ، وفاقاً للمشهور شهرة عظيمة ، بل عن كتاب الخلاف الاجماع عليه للعمومات التي منها ان الحرام لا يحرّم الحلال ، وخصوص صحيح الحلبي عن ابي عبد الله (عليه السلام) : ايما رجل فجر بامرأة ، ثم بدا له ان يتزوجها حلالاً [ جاز ] قال : اوّله سفاح وآخره نكاح ، ومثله مثل النخلة اصاب الرجل من ثمرها حراماً ، ثم اشتراها بعد ذلك ، فكانت حلالاً » (9) .
ويفسد العقد اذا عقد الفردعلى امرأة معتدة من وفاة او طلاق بائن او رجعي او شبهة ، سواء كان عالماً بالحكم والموضوع او جاهلاً بهما . واذا دخل بها وهي في العدة وهو عالم بذلك فانها تحرم عليه مؤبداً (10) .
اما اذا كان جاهلاً بانها في العقد ، او جاهلاً بانه يحرم عليه ذلك ، وتزوجها ولكن لم يدخل بها فانها لا تحرم عليه مؤبداً بل يستطيع ان يستأنف العقد بعد انتهاء العدة » بلا خلاف اجده في شيء من ذلك ، بل الاجماع عليه ، وهو الحجة بعد الروايات المعتبرة المستفيضة . قال الصادق (عليه السلام): الذي يتزوج المرأة في عدتها وهو يعلم ، لا تحل له ابدا ... وقال ايضاً : اذا تزوج الرجل المرأة في عدتها ودخل بها ، لم تحل له ابداً عالماً كان او جاهلاً ، وان لم يدخل بها حلت للجاهل ، ولم تحل للآخر « (11) .
وينطبق نفس الحكم على المتزوجة من باب مفهوم الموافقة ، فيثبت التحريم مؤبداً .
ويحرم الجمع بين الاختين المتولدتين من أب وام ، او لاحدهما ، كتاباً وسنة واجماعاً ، وقوله تعالى : ( وَاَن تَجمَعُوا بَينَ الاُختَينِ ) ظاهر . واذا فارق الاخت بطلاق او موت جاز العقد على اختها بعد زوال المانع من عدة وغيرها .
ويجوز للرجل الجمع بين اربع نسوة ، اتفاقاً ، شريطة عدم مجانبة العدل لقوله تعالى : ( فَانكَحُوا ما طابَ لَكُم مِنَ النِّساءِ مَثنى وَثلاث وَرُباع فِاِن خِفتُم اَن لا تَعدِلُوا فَواحِدَة ) (12) ، والرواية الواردة عن الامام الصادق (عليه السلام): ( لا يحل لماء الرجل ان يجري في اكثر من اربعة ارحام ) (13) .
وعلى صعيد الخلافات الزوجية ، تحرم الزوجة على زوجها في بعض الوقائع . ومثالها اذا ادعى الزوج ان زوجته قد زنت وادعى المشاهدة ولكنه لم يتمكن من اثبات البينة ، وكانت زوجته معاقة بالخرس او الصمم مثلاً حيث لم تتمكن من الكلام او السمع ولم تستطع الدفاع عن نفسها ، فانها حينئذ تحرم عليه مؤبداً .
و « لا يسقط الحد بتحريمها عليه ، بل يجمع بينهما ان ثبت القذف عند الحاكم ، والا حرمت بينه وبين الله تعالى ، وبقي الحد في ذمته على ما دلت عليه رواية ابي بصير التي هي الاصل في الحكم » (14) .
وتحرم الزوجة على الزوج عموماً اذا قذفها بالزنا ولم يتمكن من تقديم البينة . فيجوز له حينئذ ان يلاعنها ، واذا تمت الملاعنة فانها تحرم عليه تحريماً مؤبداً .
وعلى صعيد الطلاق ، فاذا طلق الرجل زوجته ثلاث مرات بينهما رجعتان تحرم عليه بعد انتهاء عدة الطلاق الثالث ، ولا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره . واذا فارقها الزوج الثاني بموت او طلاق ، وانتهت عدتها جاز للزوج الاول ان يعقد عليها ثانية ، فاذا عاد وطلقها ثالثاً حرمت عليه حتى تنكح زوجاً آخر ، وهكذا . والاصل في ذلك قوله تعالى : ( الطَلاقُ مَرَّتانِ فَاِمساكٌ بِمَعرُوفٍ اَو تَسريحٌ بِاِحسانٍ ... ) (15) ، وقوله : ( فَاِن طَلَّقَها فَلا تَحِلّ لَه مِن بَعد حَتّى تَنكحَ زَوجاً غَيرَه ) (16) .
ويقع التحريم المؤبد عند فقهاء الامامية في طلاق العدة . وهي حالة اسثنائية تتم باكمال تسع تطليقات في العدة بينها زوجان من رجل آخر . وطلاق العدة هو « ان يطلقا على الشرائط ثم يراجع في العدة ويطأ ثم يطلق في طهر آخر ثم يراجع في العدة ويطأ ، ثم يطلق الثالثة فينكحها بعد عدتها زوج آخر ثم يفارقها بعد ان يطأها فيتزوجها الاول بعد العدة ، ويفعل كما فعل اولاً الى ان يكمل لها تسعاً كذلك ، ينكحها رجلاً بعد الثالثة والسادسة فانها تحرم ابداً » (17) . وقد ورد « الاجماع على ذلك » (18) .
واختلف الفقهاء في وحدة دين الاسرة ، فهل يجوز للمسلم الزواج من اهل الكتاب ام لا ؟ وقد تراوحت الاقوال بين عدم الجواز مطلقاً الى الجواز مطلقاًعلى كراهية . واستدل الذين قالوا بكراهية الزواج من اهل الكتاب وليس التحريم , ان الادلة الدالة على اباحة الزواج عموماً خرج منها زواج المسلم بالمشركة ، والمسلمة بالمشرك الكتابي فقط . وقوله تعالى : ( اَليَوم اُحِلَّ لَكُم الطَيِّباتِ وَطَعامُ الَّذينَ اُوتُوا الكِتابَ حِلٌّ لَكُم وَطَعامكُم حِلٌّ لَهُم وَالمُحصَنات مِنَ المُؤمِناتِ وَالمُحصَنات مِنَ الَّذين اُوتُوا الكِتابَ ) (19) ظاهر في حلية الزواج من أهل الكتاب زواجاً دائماً ومؤقتاً وملك اليمين ، والمراد بالمحصنات هنا العفيفات .
وقوله تعالى : ( وَلا تَنكحُوا المُشرِكات حَتّى يُؤمِنَّ ) (20) خاص بالمشركات وهن غير الكتابيات . واستدلوا ايضاً بالروايات المستفيضة عن اهل البيت (عليه السلام)، ومنها ان رجلاً سأل الامام جعفر بن محمد (عليه السلام)عنرجل مؤمن يتزوج اليهودية والنصرانية ؟ فقال الامام (عليه السلام): ( اذا أصاب المسلمة فما يصنع باليهودية والنصرانية ؟ قال السائل : يكون له فيها الهوى . قال : ان فعل فليمنعها من شرب الخمر واكل لحم الخنزير ، واعلم ان عليه في دينه غضاضة ) (21) .
و « ان هذه الرواية اوضح ما في الباب سنداً ، لان طريقها صحيح ، وفيها اشارة الى كراهية التزويج المذكور ، فيمكن حمل النهي الوارد عنه على الكراهة جمعاً بين الروايات » (22) .
واتفق الفقهاء على حرمة زواج المسلم او المسلمة بمن يدين بالديانات الوضعية غير السماوية كالبوذية والهندوسية والسيخية وغيرها . وكذلك حرمة زواج المسلمة بالرجل الكتابي .
والارتداد عن الاسلام بقسميه الفطري والملي مانع من الزواج ايضاً . فالمرتد الفطري وهو الذي كان احد ابويه او كلاهما مسلماً ، او المرتد الملي وهو من كان ابواه غير مسلمين ثم دخل هو في الاسلام ، ثم ارتد عنه ، لا يحل زواجه مطلقاً رجلاً كان ام امرأة ؛ لان الارتداد ضرب من ضروب الكفر الذي لا يباح التناكح معه .
اما انكحة غير المسلمين فهي كلها صحيحة ، شرط ان تقع على الطريقة التي يعتقدونها في دينهم ، وقد ثبت في الروايات المتعلقة بالاحكام عن اهل البيت (عليه السلام)انه : ( تجوز على أهل كل ذوي دين ما يستحلون ) (23) ، و ( الزموهم بما ألزموا انفسهم ) (24) . وحكم فقهاء الامامية « بصحة ما في ايديهم من النكاح وغيره ، بمعنى ترتب الآثارعليه ، وان كان فاسداً عندنا » (25) .
ويبطل عقد المحرم للحج او العمرة وجوباً او ندباً ، فليس له ان يزوج او يتزوج ، كما ورد في صحيح ابن سنان عن ابي عبد الله (عليه السلام): ( ليس للمحرم ان يتزوج ولا يزوج وان تزوج او زوج محلاً فتزويجه باطل ) (26) .
واذا كان العاقد عالماً بالتحريم يفرق بينهما وتحرم عليه مؤبداً ، وان كان جاهلاً بالتحريم تحرم عليه مؤقتاً فاذا احلا جاز له استئناف العقد عليها .
وتحرّم الشريعة نكاح الشغار ، للنص الوارد عن رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم) : ( لاشغار في الاسلام ) (27) ، وهو ان يزوج الرجل ابنته او اخته ويتزوج هو ابنة المتزوج او اخته ولا يكون بينهما مهر غير تزويج هذا وهذا ، وهذا هذا (28) .
بمعنى ان يقول احد الوليين للآخر : ( زوجني ابنتك حتى ازوجك ابنتى على ان لا مهر بينهما ) ، ويقبل الآخر ، بحيث يكون بضع كل امرأة ـ نظرياً ـ مهراً للاخرى .
وهذا النوع من التزويج كان سائداً في العصور الجاهلية للعرب ، فلما جاء الاسلام حرّم هذا اللون من النكاح الذي يحرم المرأة من حقوقها المالية والمعنوية .
المصادر :
1- النساء : 22 ـ 24 .
2- مجمع البيان : ج 3 ص 61 .
3- النساء : 23 .
4- النساء : 23 .
5- النساء : 23 .
6- الجواهر : ج29 ص 366 .
7- الجواهر : ج 29 ص 366 .
8- شرائع الاسلام : ج 2 ص 292 .
9- الجواهر : ج 29 ص 439 .
10- الانتصار للسيد المرتضى : ص 28 .
11- الجواهر : ج29 ص 450 .
12- النساء : 3 .
13- مجمع البيان : ج 2 ص 6 .
14- شرح اللمعة الدمشقية : ج 5 ص 224 .
15- البقرة : 229 .
16- البقرة : 230 .
17- شرح اللمعة : ج 5 ص 211 .
18- الجواهر : ج 30 ص 119 .
19- النساء : 5 .
20- البقرة : 221 .
21- الكافي : ج 12 ص 13 .
22- المسالك ـ كتاب النكاح .
23- التهذيب : ج 9 ص 322 .
24- الاستبصار : ج 4 ص 148 .
25- الجواهر ـ كتاب النكاح .
26- التهذيب : ج 1 ص 541 .
27- معاني الاخبار للصدوق : ص 79 .
28- الكافي : ج 2 ص 15 .