
قال ابن بابويه : والمفوّضة رووا أخبارا وضعوها في الأذان : « محمد وآل محمد خير البرية » ، و « أشهد أنّ عليّا ولي اللّه » ، وأنّه أمير المؤمنين حقّا حقّا ، ولا شكّ أنّ عليّا وليّ اللّه ، وأنّ آل محمد خير البريّة ، وليس ذلك من أصل الأذان.
وقال في البيان :قال الشيخ : فأمّا قول : أشهد أنّ عليّا وليّ اللّه ، وأنّ محمّدا خير البرية على ما ورد في شواذّ الأخبار فليس بمعمول عليه في الأذان ، ولو فعله الإنسان لم يأثم به ، غير أنّه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله (1).
وقال في « الدروس الشـرعية » :قال الشيخ : أمّا الشهادة لعلي عليه السلام بالولاية وأنّ محمدا وآله خير البرية فهما من أحكام الإيمان لا من ألفاظ الأذان ، وقطع في النّهاية بتخطئة قائله ، ونسبه ابن بابويه إلى وضع المفوّضة ، وفي المبسوط : لا يأثم به.
فالشـهيد الأوّل في هذه النصـوص حكى كلام الشيخ الطوسي ، وليس في كلامه ; ما يشير إلى أنّه قد وقف على تلك الأخبار بنفسه ـ كما استظهرنا ذلك من كلام يحيى بن سعيد الحلي ، والعلاّمة الحلي واحتملناه بقوّة ، مؤكّدين أنّهما وقفا على أخبار الشهادة الثالثة كالشيخ ; ـ لكنّ الشيخ التقيّ المجلسي (2) عدّه مع الشيخ الطوسي والعلاّمة ضمن من وقفوا على تلك الأخبار ، وهذا لا يمكن استفادته من « الذكرى » و « البيان » بوضوح ، فقد يكون الشهيد صرّح بما يشير إلى وقوفه عليها ضمن كتبه المفقودة ، أو أنّ المجلسيّ عدّه مع الشيخ الطوسي لتبنّيه قول الشيخ وأخذه به في كتابَيْه « ذكرى الشيعة » و « البيان ».
وأمّا ما قاله ; : « فهما من أحكام الإيمان لا من ألفاظ الأذان » ، فهذا ما لا نخالفه ، بل إنّا نقول بما قاله الشيخ الطوسي من عدم الإثم في الإتيان بها ، وأمّا كونها من ألفاظ الأذان فلا نقول به.
والحاصل : أنّ الذي يظهر من الشـهيد الأوّل هو أنّه يفتي بعدم إثم قائل الشهادة الثالثة في الأذان بشرط عدم اعتقاد الجزئية فيها ، على غرار فتوى الشيخ الطوسي ، ويشير إلى ذلك نقله لقول الشيخ الطوسي وعدم تعليقه عليه بشيء ، وهذا يعني التزامه به ، وإلاّ فمن غير المعقول أن تكون كتبه الذكرى والدروس والبيان ، وهي تجمع فتاويه ساكتة عن الشهادة الثالثة مع أنّها مسألة فقهية لها علاقة وثيقة بالعقيدة وقد تكون التقيّة العامل الاقوى في ذلك ، لأنّ الشهيد قتل بأيدي العامة.
وفي الجملة فنقل العالِمِ لقولٍ في كتبه الفتوائية وسـكوته عن التعليق عليه يدلّ على التزامه به ، خاصّة إذا اخذنا بنظر الاعتبار ان كتبه قد صُنّفت على أساس البحث والتمحيص والنقض والإبرام.
القرنان التاسع والعاشر الهجريَّان
يوجدُ في هذين القرنين علماء ، وفقهاء ، ومحدّثون ومتكلّمون ، عظام ، لكنّ غالب كتب هؤلاء العلماء مفقودة ، والموجود منها لم يصرّح بما يرتبط ببحثنا ، فاقتصرنا على ذكر من وقفنا على كتبهم ، وخصوصا البارزين منهم :فقد ذكر ابن فهد الحلي ( ت 757 ـ 841 ه ) ، والمقداد السيوري الحلي ( ت 826 ه ) ، وشمس الدين محمد بن شجاع القطان الحلي ( كان حيّا عام 832 ه ) الأذانَ والإقامةَ في كتبهم ، ولم يتعرضوا لموضوع الشهادة بالولاية اصلاً.
الشهيد الثاني ( 911 ـ 965 ه )
وأما الشـيخ الجليل زين الدين بن علي العاملي الشهير بـ « الشهيد الثاني » فلم يتعرّض إلى الأذان في كتابه « المقاصد العليّة في شرح الألفية » ، لكنّه أشار إلى الاختلاف الواقع في فصوله في ( حاشية المختصر النافع ) و ( فوائد القواعد ) و ( حاشية شرائع الإسلام ) دون الإشارة إلى الشهادة بالولاية لعلي.
وقال في ( الفوائد الملية لشرح الرسالة النفلية ) :( والدُّعاء عند الشهادة الأولى ).
بقوله : « أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّدا رسول اللّه ، أُكفى بها عن كُلِّ من أبى وجحد ، وأُعِينُ بها من أَقَرَّ وشهد » ، ليكون له من الأجر عدد الفريقين ؛ روي ذلك عن الصادق عليه السلام.
وليقل عند سـماع الشهادتين : وأنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، وأنّ محمدا عبده ورسوله ، رضيت باللّه ربّا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمّد رسولاً ، وبالأئمّة الطاهرين أئمّةً ، اللّهّم صل على محمدٍ وآل محمد ، اللّهّم ربّ هذه الدعوة التامّة والصلاة القائمة ، آتِ محمّدا الوسيلةَ والفضيلةَ ، وابعثه المقامَ المحمود الذي وعدته ، وارزقني شفاعته يوم القيامة. وإسرارُ المتّقي بالمتروك. لا تركُهُ ، إذ لا تقية في الإِسرار ، نعم لو خافَ من التلفّظ به ـ وإن كان سرا بسبب ظهور حركة شفتيه أو طول زمانه ـ أجراه على قلبه.
وكان قد قال قبله : ( وروي التعميل ). وهو ( حيّ على خير العمل ) مرّتين قبلها ، أي قبل ( قَد قامت ) ، لأنّ مؤذّنهم لم يقل ذلك.
وقال بعدها : وترك ( الحيعلتين بين الأذان والإقامة ) لأ نّه بدعـة أحدثها بعض العامّة ، وهذا إذا لم يعتقد توظيفها وإلاّ حرم ( والكلامُ فيهما مطلقا ) أي بعد قوله : « قد قامت الصلاة » وقبلها (3).
وهذه النصوص الثّلاثة توحي لنا ما كان يعيشه هو والشـيعة آنذاك من ظروف قاسية ونزاعات تؤدّي إلى التقية ، فهو ; لم يتعرّض إلى الشهادة الثالثة إلاّ في كتابيه ( شرح اللمعة الدمشقية ) و ( روض الجنان ) ، وبلحن اعتراضي شديد ؛ إذ قال في « اللمعة » ما نصه :
( ولا يجوز اعتقاد شرعيّة غير هذه ) الفصول ( في الأذان والإقامة كالتشهّد بالولاية ) لعلي عليه السلام( وأنّ محمّدا وآله خير البرية ) أو خير البشر ( وإن كان الواقع كذلك ) فما كلّ واقع حقّا يجوز إدخاله في العبادات الموظَّفه شرعا ، المحدودة من اللّه تعالى ، فيكون إدخال ذلك فيها بدعةً وتشريعا ، كما لو زاد في الصلاة ركعة أو تشهّدا ، أو نحو ذلك من العبادات ، وبالجملة فذلك من أحكام الإيمان لا من فصول الأذان.
قال الصدوق : إنّ إدخال ذلك فيه من وضع المفوّضة ، وهم طائفة من الغلاة ، ولو فعل هذه الزيادة ، أو إحداها بنّية أنّها منه أثم في اعتقاده ، ولا يبطل الأذان بفعله ، وبدون اعتقادِ ذلك لا حرج.
وقال ; في ( روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان ) :
وأمّا إضافة « أنّ عليا وليّ اللّه » و « آل محمد خير البرية » ونحو ذلك فبدعة ، وأخبارُها موضوعة وإن كانوا خيرَ البرية ؛ إذ ليس الكلام فيه ، بل في إدخاله في فصول الأذان المتلقَّى من الوحي الإلهي ، وليس كلُّ كلمةِ حقٍّ يسوغ إدخالها في العبادات الموظّفة شرعا (4).
وقال في ( مسالك الإفهام ) ـ معلّقا على كلام صاحب ( شرائع الإسلام ) « وكذا يكره قول الصلاة خير من النوم » ـ :
بل الأصحّ التحريم ، لأنّ الأذان والإقامة سنّتان متلقَّيتان من الشرع كسائر العبادات ، فالزيادة فيهما تشريع محرّم ، كما يحرم زيادة « محمد وآله خير البرية » وإن كانوا : خير البرية ، وما ورد في شذوذ أخبارنا من استحباب « الصلاة خير من النوم » محمولٌ على التقية (5).
فنحن نوافق الشهيد الثاني فيما قاله معترضا على الذين يأتـون بها على أنّها جزءٌ ، لأ نّه « ليس كلّ كلمة حقّ يسوغ إدخالها في العبادات الموظّفة شرعا » ، لكن لو قالها من دون اعتقاد الجزئية ولمطلق القربة لكونها كلمة حق في نفسها فلا حرج في ذلك عند الشهيد الثاني ؛ لقوله : « وبدون اعتقادِ ذلك لا حرج » ، وهذا ما نريد التأكيد عليه ، لأنّ الأذان أمرٌ توقيفيّ وشرعيّ فلا يجوز إدخال شيء فيه بقصد التشريع.
لكن يبقى قوله ; « وأخبارها موضوعة » أو « فذاك من أحكام الإيمان لا من فصول الأذان » ، وهذا القول لا نرتضيه على عمومه ، وذلك لاعتبار الشيخ الطوسي تلك الأخبار شواذَّ لا موضوعة ، أي عدم استبعاد العمل به وعدم اثم فاعلها.
إذن دعوى الشهيد الثاني الوضعَ وجزمه بها في غاية الإشكال ، إلاّ أن نقول أنّه جزم بذلك تبعا للشيخ الصدوق والذي وضّحنا كلامه وما يمكن أن يرد عليه.
وعلى هذا ، فما يجب أخذه بنظر الاعتبار هو ورود أخبار كثـيرة دالّة على محبوبية الشهادة بالولاية تلو يحا وإيماء وإشارة ، كما جاء عن الأئمة في معنى «حي على خير العمل» وفي علل الأذان ، وما قلناه من اقتران الشهادات الثلاث في الأدعية والأذكار وسائر الأحكام ، ولحاظ وحدة الملاك بين الشهادة بالنبوّة والشهادة بالولاية ، إلى غيرها من العمومات التي ذكرناها ، والتي فيها جملة : « أشهد أن عليا ولي اللّه » « ومحمد وآل محمد خير البرية » ونحوها.
فإن أتى شـخص بجملة : « علي ولي اللّه » أو « آل محمّد خـير البرية » طبقا لامثال هذه الروايات التي حكاها الشيخ الطوسي في باب فصول الأذان ، أو طبقا لما جاء في تفسير معنى الحيعلة الثالثة عن المعصومين فلا يجوز القول عنها بأ نّه عمل بروايات موضوعة ، إذ الروايات في هذا المجال عامة ـ وقد تكون خاصة ـ وردت عن الأئمّة في جواز القول بها مقرونة مع النبوة ، ولا يمكن انتسابها إلى الوضع.
ثمّ إنّ ما قاله ; عن الشهادة بالولاية وأنّها من « أحكام الإيمان لا من فصول الأذان » فهو كلام سديد ، لكنّه في الوقت نفسه لم يمنع الشهيد الثاني أن يفتي بجواز أن يأتي المكلّف بأمر إيمانيّ في الأذان لا بقصد الجزئية ، فالاستغفار أو القنوت مثلاً هما أمران مستحبّان ، ويا حبّذا أن يُؤتى بهما في الصلاة كذلك ، لا باعتبارهما جزءا من الصلاة ، بل لمحبوبيّتهما النفسية ، وهذا ما التزم به ; في قوله في الروضة : « ولو فعل هذه الزيادة ، أو إحداها بنيّة أنّها منه أثم في اعتقاده ، ولا يبطل الأذان بفعله ، وبدون اعتقاده لا حرج ».
على أننا لا يمكن أن نغفل احتمال كون الشهيد الثاني قد قالها انسياقا مع مجريات الأحداث الّتي أدّت إلى شهادته ، أو أنّه قالها لوحدة الكلمة بين المسلمين ، أو أنّه عنى الذين قالوها على نحو الجزئية ، لكنّ المتيقّن حسبما جزم به نفسه هو أنّه لا حرج من قولها بدون اعتقاد.
المولى أحمد الأردبيلي ( ت 993 ه )
وهكذا هو الحال بالنسبة إلى نصّ المقدّس الأردبيلي الآتي ، فإنّ الأردبيلي لم يحكم بحرمة الإتيان بها إذا جيء بها من باب المحبوبيّة الذاتية ، بل أشار ; إلى قضية موضوعية يجب أخذها بنظر الاعتبار مع الموافق والمخالف ، فإنه ; وبعد أن نقل كلام الصدوق في الفقيه قال :
فينبغي اتّباعه لأ نّه الحقّ [ أي كلام الصدوق حقّ ] ، ولهذا يُشَنَّع على الثاني بالتغيير في الأذان الذي كان في زمانه ، فلا ينبغي ارتكاب مثله مع التشنيع عليه.
ولا يتوهّم عن المنع الصلاة على النبيّ صلی الله عليه وآله وسلم فيه ، لظهور خروجه منه وعموم الأخبار الدالّة بالصلاة عليه مع سماع ذكره ، ولخصوص الخبر الصحيح المنقول في هذا الكتاب عن زرارة الثقة :
وصَلِّ على النبيّ صلی الله عليه وآله وسلم كلّما ذكرته ، أو ذكره ذاكر عنده في أذان أو غيره ، ومثله في الكافي في الحسن ( لإبراهيم ) كما مر.
فالمقدّس الأردبيلي لا يتعامل مع الشهادة الثالثة كما تعامل مع مسالة « الصلاة خير من النوم » ، حيث قال في الأخيرة :
والعمدة أنّه تشريع ، وتغيير للأذان المنقول ، وزيادة بدل ما هو ثابت شرعا ، فيكون حراما ، ولو قيل من غير اعتقاد ذلك ، بل مجرّد الكلام ، فلا يبعد كونه غير حرام (6).
ولا ريب في أنّ كلمة المقـدّس الأردبيلي تصبّ في مجرى ما استظهرناه عن الشهيدين الأوّل والثاني رحمهما اللّه تعالى علاوة على الشيخ الطوسي ، فالتشنيع منه يدور مدار القول بالجزئية ، وفيما عدا ذلك لا تشنيع ، فالمقدّس الأردبيلي صرّح في خصوص التثويب بقوله : ولو قيل من غير اعتقاد الجزئية بل بمجرد الكلام فلا يبعد كونه غير حرام ، وهو المقصود والمفتى به عند علمائنا قديما وحديثا.
فلو كان هذا هو كلامه ; في التثو يب فمن الطبيعي أن يجيز الاتيان بالشهادة الثالثة أو ما يقال في تفسير معنى الحيعلة الثالثة من باب أولى ، لأن غالب الفقهاء يأتون بها من غير اعتقاد الجزئية بل لمجرد أنّه كلام حق « فلا يبعد أن يكون غير حرام » حسب تعبير المقدس الاردبيلي.
القرن الحادي عشر الهجري
وفق تتبّعي ورصدي لأقوال الفقهاء في هذه المسـألة لم أقف ـ فيما بين يدي من التراث الفقهي لفقهائنا العظام في القرن العاشر الهجري ـ على ما يدل على الشهادة بالولاية لعليّ في الأذان ، وقد يعود ذلك إلى أنّ غالب الكتب المصنّفة في هذا القرن هي شروح على كتب لم يتطرّق أصحابها إلى هذه المسألة. وقد يعود اهمالهم لذكرها هو تجنب اثارة الحكومة العثمانية والتي كانت تسعى للحصول على احجية لاثارة العامة ضد الشيعة.فمثلاً الشيخ مفلح الصيمري البحراني هو من أعلام القرن التاسع والعاشر الهجريين لا نراه يشير إلى موضوع الشهادة بالولاية في كتابه ( غاية المرام في شرح شرائع الإسلام ).
وكذلك في كتابه الآخـر ( تلخيص الخلاف ) (7) مع أنّه قد ذكر مضمون الأذان وما فيه من مسائل فقهية وخلافية.
ومثله المحقّق الكـركي ( ت 940 ه ) ، الذي لم يتعرّض لهذه المسألة في كتابه ( جامع المقاصد في شرح القواعد ) ، و ( حاشية المختصر النافع ) ، و ( حاشـية شرائع الإسلام ) ، و ( حاشية إرشاد الأذهان ).
ونحو ذلك السيّد محمد بن علي الموسوي العاملي ( ت 1009 ه ) في ( مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام ) وغيرهم من فقهاء القرن العاشر الهجري.
لكنّ هذا لا يشير إلى أنّ موضوع الشهادة بالولاية في الأذان لم يكن منتشرا ورائجا عند الشيعة آنذاك.
إذ فيما حكاه المجلسيّ الأوّل ممّا دار بينـه وبين أستاذه الملاّ عبداللّه ما يؤكّد بأن هذه السيرة كانت منتشرة بأعلى صورها في ذلك العصر لأن شيوع أمر الشهادة ـ أو أي امر آخر ـ لا يمكن أن يكون وليد ساعته ، بل لابدّ أن تكون له جذور سابقة من القرون الماضـية وهذا ما اكدنا ونؤكد عليه.
قال المجلسيّ الأوّل ما ترجمته : وبناءً على هذا ، فالقولُ بأنّ هذه الأخبار موضوعة أمرٌ مشكل ، إلاّ أن يَرِدَ ذلك عن أحد المعصومين : ، وإذا قال بها بعنوان التيمّن والتبرّك فلا بأس به ، وإن لم يقلها كان أَفْضَلَ [ حتى لا يتوهّم فيها الجزئية ] إلاّ أن يخاف من عدم ذكرها ، لأنّ الشائع في أكثر البلدان [ ذكرها ] ، وقد سمعتُ كثيرا أنّ من تركها قد اتُّهِمَ بأ نّه من العامّة.
وأمّا القرن الحادي عشـر الهجري فقد عاش فيه فقهاء وحكماء ومتكلّمون كُثُرٌ ، فمن كبار الفقهاء والمحدّثين الذين عاشوا في هذا العصر الشيخ حسن بن زين الدين العاملي « ابن الشهيد الثاني » ( ت 1011 ه ) صاحب ( منتقى الجمان ) ، وابنه الشيخ محمد بن الحسن ( ت 1030 ه ) صاحب ( استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار ) ، والشـيخ البهائي ( ت 1031 ه ) صاحب المصنفات المتعدّدة والكثيرة ، منها ( الحبل المتين ) ، و ( الإثنا عشرية ) ، و ( الجامع العباسي ) ، و ( مفتاح الفلاح ) وغيرها ، فإنّ هؤلاء الأعاظم لم يتعرّضوا إلى الشهادة بالولاية في كتبهم السـابقة رغم أنّهم تعـرّضوا إلى الأذان والإقامة وفصـولهما وأحكامهما.
لكنّ هناك فقهاء آخرين ، كالشـيخ محمد تقي المجلسيّ ( ت 1070 هـ ) ، والمحقّق السبزواري ( ت 1090 ه ) ، والفيض الكاشاني ( ت 1091 ه ) ، قد أشاروا إلى موضوع الشهادة بالولاية في الأذان ضمن ما كتبوه ، بفارق أنّ التقيّ المجلسي قال بعدم اثم فاعلها من دون قصد الجزئية ، وقد يكون بنظره أنّها شرعت واقعا وتركت تقية ، والمحقق السبزواري والفيض الكاشاني كانا مخالِفَين في الإتيان بها ، وإليك الآن قول المولى محمد تقي المجلسي.
الشيخ محمد تقي المجلسي ( ت 1070 ه )
قال المولى محمد تقي المجلسي في ( روضة المتّقين في شـرح من لا يحضره الفقيه ) معلّقا على كلام الصدوق : الجزم بأنّ هذه الأخبار من موضوعاتهم مشكلٌ ، مع ان الأخبار الّتي ذكرنا في الزيادة والنقصان ، وما لم نذكره كثيرةٌ ، والظاهر أنّ الأخبار بزيادة هذه الكلمات أيضا كانت في الأُصول ، وكانت صحيحةً أيضا ، كما يظهر من المحقّق والعلاّمة والشهيد الرابع ، فإنّهم نسبوها إلى الشذوذ ، والشاذُّ : ما يكون صحيحا غير مشهور ، مع أنّ الذي حكم بصحّته أيضا شاذٌّ كما عرفت ، فبمجرّد عمل المفوّضة أو العامّة على شيء لا يمكن الجزم بعدم ذلك ، أو الوضع إلاّ أن يرد عنهم صلوات اللّه عليهم ما يدلّ عليه ، ولم يَرِدْ ، مع أنّ عمل الشيعة كان عليه في قديم الزمان وحديثه.
والظاهر أنّه لو عمل عليه أحدٌ لم يكن مأثوما إلاّ مع الجزم بشرعيّته فإنّه يكون مخطئا ، والأَولى أن يقوله على أنه جزء الإيمان لا جزء الأذان ، ويمكن أن يكون واقعا ، ويكون سبب تركه التقيّة ، كما وقع في كثير من الأخبار ترك « حيّ على خير العمل » تقية.
على أنّه غير معلوم أنّ الصدوق ، أيَّ جماعةٍ يريد من المفوِّضة ، والذي يظهر منه ـ كما سيجيء ـ أنّه يقول : كلُّ من لم يقل بسهو النبي فإنّه [ من ] المفوّضة ، وكلّ من يقول بزيادة العبادات من النبيّ فإنّه من المفوّضة ، فإن كان هؤلاء ، فهم كلُّ الشيعة غيرَ الصدوق وشيخه .
الملا محمد باقر السبزواري ( ت 1090 ه )
قال المحقق السبزواري في « ذخيرة المعاد في شرح الارشاد » :
واما اضافة ان عليا ولي اللّه وآل محمد خير البرية وامثال ذلك ، فقد صرح الاصحاب بكونها بدعة وان كان حقا صحيحا ، إذ الكلام في دخولها في الأذان ، وهو موقوف على التوقيف الشرعي ، ولم يثبت (8).
ولا يخفى أنّ حاصل عبارتـه ; أنّ الشهادة الثالثة لا يمكن أن تدخل في ماهية الأذان حتى تصير جزءا منه ؛ لأنّ مثل هذا يحتاج إلى دليل شرعيّ معتبر ، ولم يثبت ، فالمحقّق السبزواري تحدّث عن جهة ، وسكت عن الجهة الثانية ؛ وهي جواز الشهادة الثالثة من باب التيمّن والتبرّك وبقصد القربة المطلقة ، فبعض الفقهاء كانوا يشيرون إلى الجهة المانعة للشهادة بالولاية فقط خوفا من وقوع الناس في ذلك دون الإشارة إلى الجهة الأُخرى ، لكن منهج غالب الفقهاء كان الإشارة إلى الأمرين معا ابتـداءً من الشيخ الطوسي حتّى يومنا هذا ، فهم يجمعون بين الجهتين في كلامهم.
الفيض الكاشاني ( ت 1091 ه )
قال الفيض الكاشاني في المفتاح 135 من ( مفاتيح الشرائع ) : « ما يكره في الأذان والإقامة » :
وكذا التثويب سواء فُسِّر بقول « الصلاة خير من النوم » أو بتكرير الشهادتين دفعتين ، أو الإتيان بالحيعلتين مثنى بين الأذان والإقامة ، وكذا غير ذلك من الكلام وإن كان حقّا ، بل كان من أحكام الإيمان ، لأنّ ذلك كلّه مخالف للسنة ، فإن اعتقده شرعا فهو حرام.
فالفيض الكاشاني قال بهذا في ( مفاتيح الشرائع ) ولم يقله في كتابه ( النخبة في الحكمة العملية والأحكام الشرعية ) ، مع أنّه كان قد أشار في ( النخبة ) إلى الأذان والإقامة واستحباب حكايتهما وعدد فصولهما.
بلى ، علّق الفيض في ( الوافي ) على ما جاء في ( التهذيب ) عن أبي عبداللّه : سئل عن الأذان هل يجوز أن يكون من غير عارف؟
قال عليه السلام : لا يستقم الأذان ولا يجوز أن يؤذّن به إلاّ رجل مسلم عارف ، فإن عَلِمَ الأذان فأذّن به ولم يكن عارفا لم يجزئ أذانه ولا إقامته ولا يقتدى به.
قال ; : المراد بالعارف ، العارف بإمامة الأئمّة كما مرّ مرارا فإنّه بهذا المعنى في عرفهم : ، ولعمري إنّ من لم يعرف هذا الأمر لم يعرف شيئا كما في الحديث النبوي : من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ، ومن عرفه كفاه به معرفةً إذا عرفه حقّ معرفته ... (9)
فكلامـه في ( الوافي ) كان عن شرائط المؤذّن ، وأمّا وجود معنى الولاية في الأذان وعدمه فهو مما لم يتطرّق إليه فيه.
ولا يفوتنك أنّ عبارات المجلسي والسبزواري والفيض الكاشاني وان اختلفت في الظاهر لكنّها جاءت في إطار واحد وهو حرمة الإتيان بالشهادة بالولاية على نحو الجزئية والشطرية ، لأن الأذان أمرٌ توقيفيٌّ.
أمّا لو أتى بها تيمّنا وتبـرّكا فالظاهر أنّ هذا ما يقبله المحقّق السبزواري والفيض الكاشاني ، لأ نّك لو تأمّلت في عباراتهم لرأيتهم يؤكّدون على بدعية وحرمة الإتيان بها جزءا ، لقول السبزواري « إضافة » « بدعة » « إذ الكلام في دخولها في الأذان وهو موقوف على التوقيف الشرعيّ ولم يثبت » ، وقول الفيض الكاشاني « فإن اعتقده شرعا فهو حرام » وكلّ هذه التعابير تشبه ما جزم به الشهيد الثاني والمقدّس الأردبيلي وغيرهما حيث ذكروا جواز الإتيان بها بشرط أن لا تكون على نحو الجزئيّة ، فالعبارات واحدة المؤدّى عند كلّ العلماء ابتداءً من الشيخ الطوسي حتّى الفيض الكاشاني.
نعم ، في كلام السـيّد عبداللّه بن نور الدين الجزائري ( ت 1114 ه ) ـ عند شرحه لكلام الفيض في كتابه ( التحفة السنية في شرح النخبة المحسنية ) ـ ما يفهم منه بأنّ بعض فقهاء الشيعة كانوا يأتون بها على أنّها جزءٌ ، ولأجله قال ; : زلّة العالِم زلّةُ العالَم.
في حين لو تأ مّلت فيما قلناه سابقا ، لعرفت بأنّ غالب الشيعة لم يأتوا بهذه الصيغ على أنّها جزءٌ وشطرٌ في الأذان ، بل كانوا يأتون بها على نحو الذكر المحبوب تيمّنا وتبرّكا ، وأنّ اختلاف الصيغ الرائجة عند الشيعة آنذاك ، ومنذ عهد الصدوق إلى يومنا هذا ، يؤكّد بأ نّهم لا يأتون بها إلاّ على هذا النحو ، وقد صرّح الفقهاء بذلك من قديم الزمان إلى يومنا هذا في رسائلهم العملية.
فلا تخالف إذن بين من يقول بجوازها وبين من يقول بحرمتها وبدعيتها حسب التوضيح الّذي قلناه.
القرن الثاني عشر الهجري
وهو قرن حافل بالأعلام والفقهاء العظام ، ولو راجعت كتاب « طبقات أعلام الشيعة » لوقفـت على أسمائهم ، وفي هذا القرن لم يتعرّض الفاضل الهندي ( ت 1137 ه ) في ( كشف اللثام ) ، ولا جدّي السيّد محمد إسماعيل المرعشي الشهرستاني في ( المقتضب ) ، ولا الحرّ العاملي ( ت 1104 ه ) في ( هداية الامة ) إلى موضوع الشهادة بالولاية في الأذان ، وإن كان المحدّث الحرّ العاملي قد أشار إلى هذا الموضوع تلويحا بعد أن ذكر الروايات المختلفة في عدد فصول الأذان والإقامة .لكنّ بعض الأعـلام في هذا القرن تطرّقوا إلى موضوع الشهادة الثالثة في كتبهم ورسائلهم العملية بشيء من التفصيل ، وهو يشير إلى جواز هذا العمل عندهم وعدم لزومه ، وان اشارة هؤلاء إلى هذه المسألة كاف للدلالة على امتداد السيرة بالشهادة بالولاية في هذا القرن ، وهم :
علي بن محمّد العاملي ( ت 1103 ه ) سبط الشهيد الثاني
أتى الشيخ علي بن محمد بن الحسن العاملي « سبط الشهيد الثاني » ـ في حاشيته على شرح اللمعة الدمشقية لجدّه الشهيد الثاني ، المسمى : بـ ( الزاهرات الرويّة في الروضة البهية ) ـ بكلام الشيخ في المبسوط ، ثمّ قال :
وأطلق عدم الإثم به ، أي لم يقيّده بعدم الاعتقاد ، أو بعدم نيّة أنّه منه ، وفي البيان : قال الشيخ : فأمّا قول أشهد أنّ عليّا ولي اللّه ... وفي الذكرى نقل عدم الإثم عن المبسوط بعد قول الشيخ : ومن عمل به كان مخطئا (10).
فالشـيخ العاملي أراد من مجموع كلامه السابق الإشارة إلى جواز الإتيان بها ، لكن ربّما يظهر من عبارته أنّه فهم من كلام الشيخ الطوسي أنّ القائل بالشهادة الثالثة بنيّة أنّها جزء الأذان جائز لقوله ; : « واطلق عدم الاثم به ، أي لم يقيده بعدم الاعتقاد ، أو بعدم نية أنّه منه ».
لكن يـردّه أن الشيخ حكم بخطأ ذلك في النّهاية ، بحسب الجمع بين قوليه والذي تقدّم التفصيل فيه.
والحاصل : أنّ سـبط الشهيد الثاني قائل بأنّ الشهادة الثالثة من الأذان ، وأنّ من عمل بشواذ الأخبار هنا ليس مأثوما وان كان مخطئا للأخذه بالمرجوح وترك الراجح.
الشيخ محمد باقر المجلسي ( ت 1111 ه )
قال الشيخ محمد باقر المجلسي في ( بحار الأنوار ) :لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبّة للأذان ، لشهادة الشيخ والعلاّمة والشهيد وغيرهم بورود الاخبار بها.
قال الشيخ في المبسوط : فأمّا قول «أشهد أنّ عليا أمير المؤمنين» ، و «آل محمد خير البرية» على ما ورد في شواذّ الأخبار ، فليس بمعمول عليه في الأذان ، ولو فعله الإنسان لم يأثم به ، غير أنّه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله.
وقال في النّهاية : فأمّا ما روي في شواذّ الأخبار من قول : « أنّ عليا ولي اللّه » و «أنّ محمدا وآله خير البشر » ، فمما لا يعمل عليه في الأذان والإقامة ، فمن عمل به كان مخطئا.
وقال في المنتهى : وأمّا ما روي في الشاذّ من قول : « [ أشهد ] أنّ عليا ولي اللّه » ، و « آل محمد خير البرية » ، فمما لا يعوّل عليه.
ويؤيّده ما رواه الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي ; في كتاب الاحتجاج عن القاسم بن معاوية ، قال : قلت لأبي عبداللّه 7 : هؤلاء يروون حديثا في معراجهم أنّه لمّا اُسري برسول اللّه رأى على العرش لا إله إلاّ اللّه ، محمّد رسول اللّه ، أبو بكر الصدّيق.
فقال : سبحان اللّه!! غيرّوا كلّ شيءٍ حتّى هذا؟!
قلت : نعم.
قال : إنّ اللّه عزّ وجلّ لمّا خلق العرش كتب عليه « لا إله إلاّ اللّه ، محمد رسول اللّه ، علي أمير المؤمنين » ، ثمّ ذكر كتابة ذلك على الماء ، والكرسي ، واللوح ، وجبهة إسرافيل ، وجناحي جبرئيل ، وأكناف السماوات والأرضين ، ورؤوس الجبال والشمس والقمر ، ثم قال عليه السلام : « فإذا قال احدكم : لا إله إلاّ اللّه ، محمد رسول اللّه ، فليقل : علي أمير المؤمنين » ، فيدلّ على استحباب ذلك عموما ؛ والأذان من تلك المواضع ، وقد مرّ أمثال ذلك في أبواب مناقبه عليه السلام، ولو قاله المؤذّن أو المقيم لا بقصد الجزئيّة ، بل بقصد البركة ، لم يكن آثِما ، فإنّ القوم جوّزوا الكلام في أثنائهما مطلقا ، وهذا من أشرف الأدعية والأذكار (11).
ولا يخفى ان الشيخ المجلسي كان لا يستبعد القول بأنّها من الاجزاء المستحبة لورود الأخبار الشاذه بها لقوله في بداية كلامه : ( لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الاجزاء المستحبة للأذان لشهادة الشيخ والعلاّمة وغيرهم بورود الأخبار بها ) وأنّ فتواه في قوله « فيدل على استحباب ذلك عمـوما » مبنيّ على أساس قاعدة التسامح في أدلّة السنن الّتي تسوّغ لبعض الفقهاء أن يحتجوا بالأخبار المرسلـة ، كمرسلة القاسم بن معاوية الآنفة.
السيّد نعمة اللّه الجزائري ( ت 1112 ه )
قال السيّد نعمة اللّه الجزائـري في ( الأنوار النعمانية ) معلّقا على خبر القاسم بن معاو ية :
ويستفادُ من قوله عليه السلام : « إذا قال أحدكم : لا إله إلاّ اللّه ، محمّد رسول اللّه ، فليقل علي أمير المؤمنين » عمومُ استحباب المقارنة بين اسميهما علیهما السلام إلاّ ما أخرجه الدليل كالتشهّدات الواجبة في الصّلوات ، لأ نّها وظائف شـرعية ، وأمّا الأذان فهو وإن كان من مقدّمات الصلاة إلاّ أنّه مخالف لها في أكثر الأحكام ، فلا يبعد القول من هذا الحديث باستحباب لفظ « علي ولي اللّه » أو « أميرالمؤمنين » أو نحو ذلك في الأذان ، لأنّ الغرض الإتيان باسمه كما لا يخفى.
ثم ذكر السيّد الجزائري مناما بهذا الصدد فقال :
فلمّا تيقّظت رأيت ذلك الدعاء في بعض الكتب وفيه اسم علي عليه السلام ، والّذي يأتي على هذا أن يذكر اسم علي عليه السلام في الأذان وما شابهه ، نظرا إلى استحبابه العامّ ولا يقصد أنّه وظيفة شرعية في خصوص هذا الموضع ، وهكذا الحال في أكثر الأذكار ، مثلاً « قول لا إله إلاّ اللّه » مندوب إليه في كلّ الأوقات ، فلو خُصّ منه عدد في يوم معيّن لكان قد ابتدع في الذكر ، وكذا سائر العبادات المستحبّة ، فتأمّل (12).
فالملاحظ أنّ الجزائـري قدسسره قد أفتى باستحباب الشهادة الثالثة في الأذان لا بعنوان أنّها وظيفة شرعية فيه ، ولا أنّها من فصوله أو جزءٌ منه ، غاية ما في الأمر هو اسـتحباب الاقتران العامّ في ذكر عليٍّ بعد ذكر النبيّ استنادا لخبر القاسم بن معاوية ، وهذا يعني أنّ الاسـتحباب على قسمين :
الأول : أن يبتـني على نصّ خاصّ في خصوص الأذان ، وهو مفقود في المقام إلاّ ما ذكره الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي ، وقد تقدّم البحث في ذلك.
والثاني : ينطلق من منطلق الاسـتحباب النفسي للشهادة بالولاية ، وهذا ثابت لا كلام فيه.
وقيل أنّ هذا الاستحباب يمكن تعميمه لكن بشرط أن لا يدخل في ماهيّة العبادات الأخرى ؛ وعلى هذا الأساس فالشهادة بالولاية مستحبّة في كلّ حال ، لكنّها ليست جزءا من الأذان ؛ أي ليست داخلة في ماهيّته ، وعلى هذا الأساس يتفرّع التفصيل : فإن كانت الشهادة الثالثة تدور مدار الأول فهي بدعة عند السيّد الجزائري ، وإذا دارت مدار الثاني فهي مستحبة لعموم الاقتران لا غير ، ولا دخل لها في الأذان ، ألا كونها مما ينطبق عليها ذلك العموم لا غير.
محمد بن حسين الخونساري ( ت 1112 ه )
قال آقا جمال الدين محمد بن حسين الخونساري في ( آداب الصلاة ) :
ويكره الكلام في أثنائهما ، وخصوصا في الإقامة بعد الإتيان بـ « قد قامت الصلاة » ، وإذا أتى شخص بعد الشهادتين ـ بقصد التيمّن والتبرّك ، ولتجديد الإيمان لا اعتقادا منه أنّها جزء الأذان ، مرة أو مرتين ـ بـ « أشهد أنّ عليّا ولي اللّه » ، فلا اشكال فيه (13).
ولا ريب في أنّ زبدة فتـواه هي الجواز ، لكن لا بعنوان الجزئية بل بعنوان التيمّن والتـبرّك وتجديد الإيمان ، وقد مرّ عليك كلام المجلسي الثاني الذي أكّد بأنّ ذكر علي مقترنا بذكر النبيّ من أشرف الأذكار ، لِما في ذلك من التيمّن والتبرّك والثبات على الإيمان.
القرن الثالث عشر الهجري
وإليك الآن كلمات علماء هذا القـرن حول الشهادة بالولاية مع بعض تعليقاتنا عليها.
الوحيد البهبهاني ( 1117 ـ 1205 ه )
قال جدّي لأمي المولى محمد باقـر الوحيد البهبهاني ـ معلّقا على قول أنا علي بن عبدالرضا بن زين العابدين بن محمد حسين بن محمد علي الحسيني المرعشي صاحب المدارك : « فتكون الزيادة فيه تشريعا محرما » ـ :
التشريع إنَّما يكون إذا اعتقد كونه عبادة مطلوبة من الشرع من غير جهةٍ ودليلٍ شرعيِّ ، والترجيعُ على ما حقّقه ليس إلاّ مجرّد فعل وتكرار ، أمّا كونه داخلاً في العبادة ومطلوبا من الشارع فلا ، فيمكن الجمع بين القولين بأنّ القائل بالتحريم بناؤه على ذلك ، والقائل بالكراهة بناؤه على الأوّل ، وكونُهُ مكروها لأ نّه لغوٌ في أثناء الأذان وكلامٌ ، أو للتشبّه بالعامّة أو بعضهم ، فتأمّل.
وممّا ذكرنا ظهر حال « محمّد وآله خير البريّة » و « أشهد أنّ عليا ولي اللّه » بأ نّهما حرامان بقصد الدخول والجزئية للأذان لا بمجرّد الفعل.
نعم ، توظيف الفعل في أثناء الأذان ، ربّما يكون مكروها ( بكونه مغيِّرا لهيئة الأذان ) بحسب ظاهر اللفظ ، أو كونه كلاما فيه ، أو للتشبّه بالمفوّضة ، إلاّ أنّهُ ورد في العمومات : أنّه متى ذكرتم محمّدا فاذكروا آله ، أو متى قلتم : محمد رسول اللّه ، فقولوا : علي ولي اللّه ، كما رواه في الاحتجاج (14) ، فيكون حاله حال الصلاة على محمد وآله بعد قوله : « أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه » في كونه الشهرستاني ، وقد تزوج جدّي السيّد محمد علي فاطمة ابنة الشيخ أحمد بن محمد علي بن محمد باقر البهبهاني ، فأنا سبط الوحيد وهو جدّي من جهة الأمّ ، وعن طريقه نرتبط بشيخنا المفيد ، لأنّ الوحيد من أحفاده حسبما ذكرته كتب التراجم ، وبالتقي المجلسي ، لان ام الوحيد هي بنت آمنة بنت المجلسي الاول والتي تزوجها ملا صالح المازندراني ـ شارح الكافي ـ.خارجا عن الفصول ومندوبا إليه عند ذكر محمّد ، فتأ مّل جدّا (15).
وقال في ( مصابيح الظلام في شرح مفاتيح الشرائع ) :
السابع : قد عرفت كيفيّة الأذان والإقامة وهيئتهما ، وأنّه ليس فيهما « أشهد أنّ عليّا وليّ اللّه » ، ولا « محمّد وآله خير البريّة » وغير ذلك ، فمن ذكر شيئا من ذلك ، بقصد كونه جزء الأذان ، فلا شكّ في حرمته ، لكونه بدعة.
وأمّا من ذكر لا بقصد المذكور ، بل بقصد التيمّن والتبرّك ، كما أنّ المؤذّنين يقولون بعد « اللّه أكبر » ، أو بعد « أشهد أن لا إله إلاّ اللّه » : جلَّ جلاله ، وعَمَّ نواله ، وعظم شأنه ، وأمثال ذلك تجليلاً له تعالى ، وكما يقولون : 9 بعد « محمّد رسول اللّه » ، لِما ورد من قوله عليه السلام : «من ذكرني فليصلّ عليّ » ، وغير ذلك ممّا مرّ في شرح قول المصنّف : « والصلاة على النبي صلی الله عليه وآله وسلم ، إذ لا شكّ في أنّ شيئا من ذلك ليس جزءً من الأذان ».
فإن قلت : الصلاة على النبي وآله : ورد في الأخبار (16) ، بل احتُمِل وجوبهما ، لما مرّ ، بخلاف غيره.
قلت : ورد في الأخبار مطلوبيّتهما عند ذكر اسمه صلی الله عليه وآله وسلم ، لا أنّهما جزء الأذان ، فلو قال أحد بأ نّه جزء الأذان ، فلا شكّ في حرمته ، وكونه بدعة ، وإن قال بأ نّه لذكر اسمه صلی الله عليه وآله وسلم فهو مطلوب.
والالتزام به أيضا ، ممّا يصير منشأً لتوهّم الجاهل الجزئيّة ، بل كثير من المستحبّات والآداب في الصلاة وغيرها من العبادات يتوهّم الجاهل كونها جزء.
وكان المتعارف من زمان الرسول صلی الله عليه وآله وسلم إلى الآن يرتكب في الأعصار والأمصار من دون مبالاة من توهّم الجاهل ، فإنّ التقصير إنّما هو من الجاهل ، حيث لم يتعلّم فتخرب عباداته ، ويترتّب على جهله مفاسد لا تحصى ، منها استحلاله كثيرا من المحرّمات من جهة عدم فرقه بين الحرام من شيء والمباح منه. وربّما يعكس الأمر .. إلى غير ذلك من الأحكام.
هذا ؛ مع أنّه يمكن تعبيره بنحو يرتفع توهّم المتوهّم ، بأن يذكر مرّة ، أو ثلاث مرّات ، أو يجعل من تتمّته صلی الله عليه وآله وسلم ، وغير ذلك (17).
وشـيخنا الوحيد البهبهاني قدسسره أراد بكلامه في ( حاشـية المدارك ) و ( مصابيح الظلام ) نفي الجزئية عن الشهادة الثالثة ، لأنّ الإتيان بها بهذا القصد بدعة محرمة ، لكنّه فرّق بين الإتيان بالترجيع وبين الإتيان بالشهادة بالولاية ، فقال بكراهة الأوّل ، لأ نّه لغو في أثناء الأذان ، وأنّه كلام آدمي ، أو للتشبّه بالعامة أو ببعضهم ، بعكس الشهادة بالولايه لعلي فهي مستحبّة ومندوبة لما دلّت عليه أدلّة الاقتران ، لقوله ; في حاشية المدارك : « إلاَّ أنَّه ورد في العمومات : أنّه متى ذكرتم محمدا فاذكروا آله ، أو متى قلتم : محمد رسول اللّه فقولوا : علي ولي اللّه كما رواه في الاحتجاج فيكون حاله حال « الصلاة على محمد وآله » بعد قوله : أشهد ان محمدا رسول اللّه في كونه خارجا عن الفصول ومندوبا إليه عند ذكر محمد صلی الله عليه وآله وسلم ).
ثمّ ذكر الوحيد البهبهاني هذا الأمر بتفصيل أكثر في ( مصابيح الظلام ) متعرّضا للشبهات التي قيلت أو يمكن أن تقال في الشهادة بالولاية ، كشبهة توهّم الجزئية للمكلّفين ، وَرَدَّ جميعَ تلك الشبهات ، وهو يؤكّد بنحو الجزم ذهابه إلى رجحان الإتيان بها لا بقصد الجزئية. لأ نّه ذكر مستحب في نفسه للاقتران المذكور.
السيّد مهدي بحر العلوم ( 1155 ـ 1212 ه )
قال السيّد بحر العلوم في منظومته المسمّاة ( الدرة النجفية ) في الفصل المتعلّق بالأذان والإقامة « السنن والاداب » :
صلِّ إذا ما اسمُ محمَّدٍ بدا***عليه والآلَ فَصِلْ لِتُحْمَدا
وأكمِلِ الشَّهادتين بالَّتي *** قد أُكمِل الدّينُ بها في الملَّةِ
وإنّها مثل الصلاة خارِجَه *** عن الخصوصِ بالعمومِ والِجَه (18)
فالسيّد بكلامه هنا اعتبر الشهادة بالولاية مكمّلة للشهادتين في الأذان ؛ استنادا لقوله تعالى ( ألْيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينا ) وجريا مع الصلوات على محمد وآل محمد ، والذي فيه التوحيد والنبوة والإمامة ، لأنّ جملة « اللهم صَلِّ على محمد وآل محمد » فيه طلب ودعاء من اللّه لنزول الرحمة على النبي محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
فقوله :
صَلِّ إذا ما اسمُ محمّد بدا *** عليه والآلَ فَصِلْ لِتُحْمَدا
هو إشارة إلى هذه المقارنة بين الشهادة بالولاية في الأذان مع الصلاة على محمد وآله عند ذكر اسمه.
فكما يسـتحبّ للمؤذن عند قوله « أشهد أنّ محمدا رسول اللّه » أن يقول : « اللهم صل على محمد وآله » ، فكذلك يُستحبّ أن يقول : « أشهد أنّ عليّا ولي اللّه » ، وكما أنّ الصلاة على محمّد وآله عند شهادة المؤذّن بالرسالة لا تخلّ بالأذان ، فكذلك الشهادة لعليّ لا تخلّ فيه لأ نّه ذكر محبوبٌ دعا إليه الشارع من خلال العمومات الواردة في الذكر الحكيم والحديث النبويّ الشريف.
وعليه فالسيّد بحر العلوم ; عدّ الشهادة الثالثة من كمال فصول الأذان خلافا للشيخ الطوسي ، وكان القائل بكونها مكملة للشهادتين يلزم من كلامه كونها جزءا مستحبا ، فلو ثبتت هذه الملازمة فسيكثر القائلون بالجزئية المستحبة.
هذا وإني راجعت كتاب السيّد بحر العلوم « مصابيح الاحكام المخطوط » للوقـوف على رأيه في الشهادة الثالثة فلم اجد فيه شيئاً عنها مكتفياً بالقول: يستحبّ الأذان في الفرائض اليوميّة والجمعة استحباباً مؤكداً في حقّ الرجال وخصوصاً في الجماعة ، وصلاتي الغداة والمغرب كما هو المشهور.
الشيخ محمد علي الكرمانشاهي ( ت 1216 ه )
قال جدّي الأمّيّ الشـيخ محمد علي الكرمانشاهي بن محمد باقر البهبهاني المعروف بـ « الوحيد البهبهاني » في ( مقامع الفضل ) ما ترجمته :
لا مانع أن يقول القائل بعد « أشهد أنّ محمدا رسول اللّه » : « أشهد أنّ عليّا ولي اللّه » مرتين ، والأولى أن يقولها بقصد التبرّك لا بقصدِ الأذان .... والإقامة مثل الأذان (19).
وقد يستفاد من كلمة « والاولى » امكان الاتيان بها بقصد الجزئية المستحبة ، وان كان الاولى قولها بقصد التبرك ، وعليه فهو من المجيزين للاتيان بها في الأذان والإقامة.
الشيخ حسين البحراني ( ت 1216 ه )
قال الشـيخ حسين البحراني في كتابه ( الفرحة الأُ نْسيّة في شرح النّفحة القُدسيّة في فقه الصّلوات اليوميّة ) :
وأمّا الفصل المرويّ في بعض الأخبار المرسلة وهو « أشهد أنّ عليّا ولي اللّه » أو « محمّدا وآله خير البرية » فممّا نفاه الأكثر ، وظاهر الشيخ في المبسوط ثبوته وجواز العمل به وإن كان غيرَ لازم ، وهو الأقوى ، والطعنُ فيه بأ نّه من أخبار المفوّضة والغلاة كما وقع للصّدوق في الفقيه ممّا يشهد بثبوته وهو غير محقّق فلا باس بما ذهب إليه الشيخ ، وليس من البِدَعِ كما زعمه الأكثر ، ويؤيّده وجود أخبار عديدة آمرة بأ نّه كلّما ذُكِرَ محمّد صلی الله عليه وآله وسلم وشهد له بالنبوة فليُذْكَر معه علىٌّ عليه السلام ويُشهَد له بالولاية (20).
فالشيخ البحراني ; استفاد من ظاهر الشيخ في المبسوط ثبوته وجواز العمل به وان كان غير لازم وهو الاقوى عنده.
ثم جاء ليرد الطعن الوارد فيه بأ نّه من اخبار المفوّضة والغلاة بأن طعن الصدوق يشهد بالثبوت ، لان الطعن فرع الورود والثبوت ولذلك قال : « وهو غير محقق » أي طعن الصدوق غير محقق.
حسين آل عصفور البحراني ( ت 1226 ه )
قال الشيخ حسين بن محمد آل عصفور البحراني ـ ابن أخ الشيخ يوسف صاحب الحدائق في ( سداد العباد ورشاد العُبّاد ) ما نصه :
وأمّا قول : « أشهد أنّ عليا أمير المؤمنين » أو « وليّ اللّه » و « أنّ آل محمد خير البرية» على ما ورد في بعض الأخبار ، فليس بمعمول عليه في الاشهر ، وفاعله لا يأثم ، غير أنّه ليس من فصولهما المشهورة ـ وإن حصل به الكمال ، وليس من وضع المفوّضة ـ سيّما إذا قصد التبرُّك بضمّ هذه الفصول.
فالشـيخ آل عصفور أراد بكلامه هذا التعليق على ما قاله الشيخ الطوسيّ في المبسوط : « غير أنّه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله » ، وكذا التعليق على كلام الشيخ الصدوق القائل بأنّها من وضع المفوّضة ، والقول بأنّ الشهادة الثالثة وإن حصل بها كمال الأذان إلاّ أنّها مع ذلك ليست جزءا واجبا داخلاً في ماهيته ، وعليه فإنّه ; وإن كان يقول بمثل كلام الشيخ الطوسي بعدم إثم فاعلها ، إلاّ أنّه لا يقول بها من خلال الأخبار الشـاذّة بل للعمومات ، ولا سـيّما إذا قصد بعمله التبرّك والتيمّن.
الشيخ جعفر كاشف الغطاء ( ت 1228 ه )
قال الشيخ جعفر كاشف الغطاء في كتابه ( كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء ) ما نصه :
وروي : أنّه [ أي الأذان ] عشرون فصلاً ؛ بتربيع التكبير في آخره.
( والمرويّ عن النبيّ صلی الله عليه وآله وسلم مرّة قول : « أشهد أنّ محمّدا » ـ واُخرى : أنّي ـ رسول اللّه » ، والظاهر نحوه في الإقامة ، والتشهّد ).
وليس من الأذان قول : « أشهد أنّ عليّا وليّ اللّه » أو « أنّ محمّدا وآله خير البريّة » ، و « أنّ عليّا أمير المؤمنين حقّا » مرّتين مرّتين ؛ لأ نّه من وضعِ المفوّضة ـ لعنهم اللّه ـ على ما قاله الصدّوق.
ولما في النّهاية : أنّ ما روي أنّ منه : « أنّ عليّا وليّ اللّه ، و « أنّ محمّدا وآله خير البشر أو البرية » من شواذّ الأخبار ، لا يعمل عليه.
وفي المبسوط : قول : « أشهد أنّ عليّا أمير المؤمنين عليه السلام » و « آل محمّد خير البريّة » من الشّـاذّ لا يعول عليه.
وما في المنتهى : ما روي من أنّ قول : « إنّ عليّا وليّ اللّه ، و « آل محمّد خيرالبريّة » من الأذان من الشاذّ لا يعوّل عليه.
ثمّ إنّ خروجه من الأذان من المقطوع به ( لإجماع الإماميّة من غير نكير ، حتّى لم يذكره ذاكرٌ بكتاب ، ولا فاه به أحد من قدماء الأصحاب ).
ولأ نّه وضع لشعائر الإسلام ، دون الإيمان ، ( ولذا ترك فيه ذكر باقي الأئمّة : ).
ولأنّ أمير المؤمنين عليه السلام حين نزوله كان رعيّة للنبيّ صلی الله عليه وآله وسلم ، فلا يذكر على المنابر.
( ولأنّ ثبوت الوجوب للصّلاة المأمور بها موقوف على التوحيد والنبوّة فقط ).
على أنّه لو كان ظاهرا في مبدأ الإسلام ، لكان في مبدأ النبوّة من الفترة ما كان في الختام ، وقد أُمِرَ النبيّ صلی الله عليه وآله وسلم مكرّرا في نصبه للخلافة ، والنبيُّ صلی الله عليه وآله وسلم يستعفي حذرا من المنافقين ، حتّى جاءه التشديد من ربّ العالمين.
ومَن حاول جعله من شعائر الإيمان ، لزمه ذكر الأئمّة : ، ( ولأ نّه لو كان من فصول الأذان ، لنُقل بالتواتر في هذا الزمان ، ولم يخفَ على أحدٍ من آحادِ نوع الإنسان).
وإنّما هو من وضع المفوّضة الكفّار ، المستوجبين الخلود في النّار ، كما رواه الصدوق ، وجعله الشيخ والعلاّمة من شواذّ الأخبار كما مرّ.
وروي عن الصادق عليه السلام : « أنّه من قال : لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه ، فليقل : عليّ أمير المؤمنين »
ولعلّ المفوّضة أرادوا أنّ اللّه تعالى فوّض الخلقَ إلى عليّ عليه السلام ، فساعَدَهُ على الخلق ، فكانَ وليّا ومُعينا.
فمَن أتى بذلك قاصدا به التأذين ، فقد شرّع في الدّين. ومَن قصدَهُ جزءا من الأذان في الابتداء ، بطل أذانه بتمامه ، وكذا كلُّ ما انضمّ إليه في القصد ، ولو اختصَّ بالقصد ، صحّ ما عداه.
ومن قصد ذِكر أمير المؤمنين عليه السلام ( لرجحانه في ذاته ، أو مع ذكرسيّد المرسلين ) أُثيب على ذلك.
لكنّ صفة الولاية ليس لها مزيد شرفيّة ( إذا لم تُقرن مع اللّه ورسوله في الآية الكريمة ؛ لحصول القرينة فيها ) لأنّ جميع المؤمنين أولياء اللّه ، فلو بدّل بـ « الخليفة بلا فصل » ، أو بقول : « أمير المؤمنين » ، أو بقول : « حجّة اللّه تعالى » ، أو بقول : « أفضل الخلق بعد رسول اللّه صلی الله عليه وآله وسلم » ونحوها ، كان أولى.
ثمّ قول : « وإنّ عليّا وليّ اللّه » ، مع ترك لفظ « أشهد » أبعد عن الشُبهة ، ولو قيل بعد ذكر رسول اللّه : « صلى اللّه على محمد سيّد المرسلين ، وخليفته بلا فصل عليّ وليّ اللّه أمير المؤمنين » لكان بعيدا عن الإيهام ، وأجمع لصفات التعظيم والاحترام.
ويجري في وضعه في الإقامة نحو ما جرى في الأذان.
ويجري في جميع الزيادات هذا الحكم ، كالترجيع ، وهو زيادة الشّهادة بالتوحيد مرّتين ، فيكون أربعا ، أو تكرير التكبير ، والشّهادتين في أوّل الأذان ، أو تكرار الفصل زيادة على الموظّف ، أو تكرار الشّهادتين جهرا بعد إخفاتهما ، وفي تكرير الحيعلات ، أو « قد قامت الصّلاة » ، وجميع الأذكار المزادة فيه ، فيختلف حكمها باختلاف القصد ، ولا بأس بها ما لم يقصد بها الجزئيّة أو التقريب بالخصوصية ما لم يحصل فصل مخلّ بهيئة الأذان (21).
قد يتصور البعض بأنّ الشيخ كاشف الغطاء بكلامه هذا كان يعتقد بصحة كلام الشيخ الصدوق ، وذلك لقوله : وليس من الأذان قول : « أشهد أن عليّا ولي اللّه » ... إلى آخره ، ثم قوله بعد ذلك : « وإنما هو وضع المفوضة الكفار ، المستوجبين الخلود في النار ، كما رواه الصدوق ، وجعله الشيخ والعلاّمة من شواذّ الأخبار كما مر » ، وهذا التصوّر غير صحيح ؛ وذلك لأمور :
الأوّل : إنّ ما قاله ; كان حكاية عن قول الصدوق وليس تبنّيا منه لذلك ؛ لقوله ; : « على ما قاله الصدوق » وفي الآخر : « كما رواه الصدوق ، وجعله الشيخ والعلاّمة من شواذّ الأخبار ».
الثاني : إنّ الشيخ كاشف الغطاء قد أتى بغالب الصيغ التي قيلت في الشهادة الثالثة وأضاف عليها المزيدَ ؛ لقوله ; : « لكنّ صفة الولاية ليس لها مزيد شرفيّة ، لأنّ جميع المؤمنين أولياء اللّه ، فلو بدّل بالخليفة بلا فصل له ، أو بقول : أمير المؤمنين ، أو بقول : حجّة اللّه تعالى ، أو بقول : أفضل الخلق بعد رسول اللّه صلی الله عليه وآله وسلم ، ونحوها كان اولى ».
الثالث : إنّه ; مع الشيخ الصدوق ; إن صحّ وضعها من قبل المفوّضة ، كما نحن وجميع المسلمون معه ، لأ نّها ليست من أصل الأذان ، لكنّ إفتاء الشيخ بالصيغ المحكيّة عن الصدوق ، وإضافته جُمَلاً جديدة عليها تؤكّد سماحه بالإتيان بها لا على نحو الجزئيّة ؛ لقوله : « ومن قصد ذكر أمير المؤمنين عليه السلام لرجحانه في ذاته أو مع ذكر سيّد المرسلين أثيب على ذلك ».
أمّا قوله ; «لأ نّه وضع لشعائر الإسلام ، دون الإيمان » فهو صحيح ان كان يعني الإسلام الصحيح الكامل وهو المتمثل بالشهادة بالولاية لعلي ، لان ليس هناك إسلام صحيح كامل دون الولاية باعتقاد الشيخ تبعا لائمته ، وقد وقفت سابقا على اعتراض الإمام الحسين عليه السلام لمن اعتبر الأذان رؤيا بقوله عليه السلام : « الأذان وجه دينكم » ، فلا يتحقق الوجهية للدين إلاّ من خلال الولاية ، ولا معنى للدين عند الأئمة إلاّ مع الولاية ، ولاجل ذلك نرى الإمام الرضا حينما يروي حديث السلسلة الذهبية يقول : « بشرطها وشروطها وأنا من شروطها » ، فقد يكون الشيخ ; أراد الوقوف امام الذين يريدون ادخال الشهادة الثالثة على نحو الجزئية ، وان قوله الانف جاء لهذا الغرض ، لأ نّه ; وحسبما عرفت لا يخطا من يأتي بها لرجحانها في ذاته أو مع ذكر سيد المرسلين بل يعتقد بأن الذي يأتي بها يثاب على فعله ; ، لقوله « فمَن أتى بذلك قاصدا به التأذين ، فقد شرّع في الدّين. ومَن قصدَهُ جزءا من الأذان في الابتداء ، بطل أذانه بتمامه ، وكذا كلُّ ما انضمّ إليه في القصد ، ولو اختصَّ بالقصد ، صحّ ما عداه. ومن قصد ذِكر أمير المؤمنين عليه السلام ... ».
وعليه فالإسلام لا يتحقّق ولا يكمل إلاّ بالولاية لعلي ، لأنّ ( فِطْرَتَ اللَّهِ ألَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) تشهد بذلك ، وذلك لما روي عن الباقر والصادق عليهما السلام في تفسير قوله تعالى « فِطْرَتَ اللَّه » قالا : هو لا إله إلاّ اللّه ، محمد رسول اللّه ، عليّ أمير المؤمنين ولي اللّه ، إلى ها هنا التوحيد (22).
فإذن الولاية هي كالتوحيد والنبوة ؛ إذ لا يمكن فهم الإسلام إلاّ من خلال الاعتراف باللّه ورسوله ووليه ، وقد مرّ عليك أنّ الشارع كان يحبّذ الدعوة إلى الولاية مع الشهادتين في الأذان ، لما جاء في العلل عن ابن أبي عمير أنّه سال أبا
الحسن « الكاظم » عن « حيّ على خير العمل » لم تركت؟ ... فقال عليه السلام أن الذي أمر بحذفها [ أي عمر ] لا يريد حثا عليها ودعوةً إليها.
فالشيخ ; بكلامه لا يريد المنع من المحبوبية بل يريد المنع من الجزئية ، ومعنى كلامه أن الأذان بدون ذكر الولاية لا يخل به ولا يبطله.
بل يمكننا أن نتجاوز هذا الكلام ونقول بامكان لحاظ معنى الولاية في الأذان لأ نّه إعلام وإشعار للصلاة ولا يتحقّق الأذان الصحيح إلاّ من المؤمن الموالي.
ويؤيّد ذلك ما جاء عن الإمام الرضا : « من أقرّ بالشّهادتين فقد أقر بجملة الإيمان » لا كلّه ، وسبق أن قلنا بأنّ في كلامه عليه السلام إشارة إلى أنّ في الأذان معنى الولاية ، وبه يكون الأذان هو شعار الإسلام والإيمان معا ، وقد استظهر هذا ـ من الرواية ـ قَبْلَنا جدُّنا الأُمّي التقيّ المجلسي .
المصادر :
1- ذكرى الشيعة 3 : 202 ـ 203 / البيان : 73 ، ط حجري. وفي تحقيق الشيخ محمد الحسون للكتاب : 144 .
2- الدروس الشرعية في فقه الإمامية 1 : 162 ، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي. روضة المتقين 2 : 245 ، و في صفحة 339.
3- الفوائد الملية : 152./الفوائد الملية : 142./الفوائد الملية : 155.
4- شرح اللمعة الدمشقية 1 : 571 تحقيق السيّد الكلانتر/روض الجنان 2 : 646 .
5- مسالك الإفهام 1 : 190.
6- مجمع الفائدة 2 : 181 ـ 182.(2) مجمع الفائدة 2 : 178.
7- غاية المرام في شرح الشرائع الإسلام 1 : 139/ تلخيص الخلاف 1 : 95.
8- ذخيرة المعاد 2 : 254 وصفحة 254 راجع صفحه 87 ـ 88 ، من المجلد الأول ، طـ جامعة المدرسين / قم.
9- مفاتيح الشرائع 1 : 118./النخبة : 108. /مفاتيح الشرائع 1 : 116 / المفتاح 132. (3) الوافي 7 : 591.
10- الزهرات الروية في الروضة البهية ، نسخة خطية برقم 801.
11- بحار الانوار 81 : 111 ـ 112 وانظر تمام الخبر في الاحتجاج 1 : 230.
12- الانوار النعمانية 1 : 169.
13- آداب الصلاة باللغة الفارسية ، المطبوع ضمن « رسائل / ست عشرة رسالة » : 421.
14- الاحتجاج 1 : 231 ، البحار 81 : 112.
15- حاشية المدارك 2 : 410.
16- وسائل الشيعة 5 : 451 / الباب 42 / وسائل الشيعة 5 : 451 / الباب 42
17- مصابيح الظلام 7 : 31 ـ 34.
18- الدرة النجفية : 112 ، منشورات مكتبة المفيد.
19- مقامع الفضل 2 : 203.
20- الفرحة الأنسية : 227 ـ 228.
21- كشف الغطاء 3 : 143 ـ 145.
22- تفسير القمي 2 : 155 ، وعنه في بحار الانوار 3 : 277.