لم ير مثل الامام الهادي عليه السلام في عبادته وتهجده وطاعته لربه بالإضافة إلى زهده وتقواه، وحسن سيرته، وسلوكه القويم، ورسوخ اليقين في نفسه، وعلمه الجم وحكمته، وفصاحته وبلاغته. وإليك بعض صفاته وسجاياه على سبيل المثال لا الحصر.
ويكفي فخرا إنشاؤه زيارة الجامعة الكبيرة وبعض الأدعية المأثورة عنه. لقد انتزع الإمام الهادي (عليه السلام) إعجاب كبار العلماء والمؤرخين من مسلمين وغيرهم على اختلاف نزعاتهم ونحلهم وميولهم من عبارات التقدير والإكبار لشخصه الكريم وشخصيته الفذة، والتي تمثل بعض صفاته الرفيعة وسجاياه الحميدة، وتفوقه على سائر المعاصرين له، وفي ما يلي نذكر شذرات مما قالوا فيه:
- قال الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام):
إن الإمام بعدي ابني علي، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي (1).
- وقال الشيخ محمد بن محمد بن النعمان المفيد، المتوفى سنة 413 ه: كان الإمام بعد أبي جعفر (عليه السلام) ابنه أبا الحسن علي بن محمد الهادي (عليه السلام)، لاجتماع خصال الإمامة فيه، وتكامل فضله، وأنه لا وارث لمقام أبيه سواه، وثبوت النص عليه بالإمامة والإشارة إليه من أبيه بالخلافة
- وقال القطب الراوندي، المتوفى سنة 573 ه: وأما علي بن محمد الهادي (عليه السلام)، فقد اجتمعت فيه خصال الإمامة، وتكامل فضله وعلمه وخصاله الخيرة، وكانت أخلاقه كلها خارقة للعادة كأخلاق آبائه (عليهم السلام)، وكان بالليل مقبلا على القبلة لا يفتر ساعة، وعليه جبة صوف وسجادته على حصير، ولو ذكرنا محاسن شمائله لطال بها الكتاب
- وقال ابن شهرآشوب، المتوفى سنة 588 ه: كان (عليه السلام) أطيب الناس مهجة، وأصدقهم لهجة، وأملحهم من قريب، وأكملهم من بعيد، إذا صمت عليه هيبة الوقار، وإذا تكلم عليه سيماء البهاء، وهو من بيت الرسالة والإمامة، ومقر الوصية والخلافة، شعبة من دوحة النبوة منتضاة مرتضاة، وثمرة من شجرة الرسالة مجتناة مجتباة (2).
- وقال كمال الدين بن طلحة، المتوفى سنة 652 ه: وأما مناقبه فمنها ما حل في الآذان محل حلاها بأشنافها، واكتنفه شغفا به اكتناف اللآلئ الثمينة بأصدافها، وأشهد لأبي الحسن أن نفسه موصوفة بنفائس أوصافها، وأنها نازلة من الدوحة النبوية ذرى أشرافها، وشرفات أعرافها
- وقال الشيخ علي بن عيسى الإربلي، المتوفى سنة 692 ه: شرف مولانا الهادي (عليه السلام) قد ضرب على المجرة قبابه، ومد على النجوم أطنابه، ووصل بأسباب السماء أسبابه، فما تعد منقبة إلا وله نخيلتها، ولا تذكر كريمة إلا وله فضيلتها، ولا تورد حسنة إلا وله تفصيلها وجملتها، ولا تستعظم حالة سنية إلا وتظهر عليه أدلتها، استحق ذلك بما في جوهر نفسه من كرم تفرد بخصائصه، ومجد حكم فيه على طبعه الكريم،
فحفظه من الشوب حفظ الراعي لقلائصه فكانت نفسه مهذبة، وأخلاقه مستعذبة، وسيرته عادلة، وخلاله فاضلة، ومباره إلى العفاة واصلة، ورباع المعروف بوجوده وجوده آهلة، جرى من الوقار والسكينة والسكون والطمأنينة، والعفة والنزاهة والنباهة، والشفقة والرأفة، والحزم والحصافة، والحنو على الأقارب والأباعد، والحدب على الولي والحاسد، على وتيرة نبوية، وشنشنة (3) علوية، ونفس قدسية، لا يقاربها أحد من الأنام ولا يدانيها، وطريقة لا يشاركها فيها خلق ولا يطمع فيها.
إن السري إذا سرى فبنفسه * وابن السري إذا سرى أسراهما
إذا قال بذ الفصحاء، وحير البلغاء، وأسكت العلماء، إن جاد بخل الغيث، وإن صال جبن الليث، وإن فخر أذعن كل مساجل، وسلم إليه كل مناضل وأقر لشرفه كل شريف، وإن طاول الأفلاك ونافر الأملاك واعترف أنه ليس هناك، وإن ذكرت العلوم فهو (عليه السلام) موضح إشكالها، وفارس جلادها وجدالها، وابن نجدتها، وصاحب أقوالها، واطلاع نجادها، وناصب أعلام عقالها.
هذه صفاته التي تتعلق بذاته، وعلاماته الدالة على معجز آياته، فإن أتى الناس بآبائهم أتى بقوم أخبر بشرفهم هل أتى، ودلت على مناصبهم آية المباهلة، وإن عنا عن قبولها من عنا، ونطق القرآن الكريم بفضلهم، ونبه الرسول (صلى الله عليه وآله) على نبلهم، ولم يسأل على التبليغ أجرا إلا ودهم، وبالغ في العهد بهم:
أن أحسنوا خلافتي في أهلي، فما حفظوا عهده ولا عهدهم. فهم (عليهم السلام) أمناء الله وخيرته، وخلفاؤه على بريته وصفوته، المشار إليهم بآداب القرآن المجيد، المخاطبون ب*(إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد)* الذين هم على أولياء الله أرق من الماء، وعلى أعدائه أقسى من الحديد.
وأجواد والسحاب باخل، أيقاظ في اللقاء والليث ذاهل، قلوبهم حاضرة، ووجوههم ناضرة، وألسنتهم ذاكرة، وإذا كان لغيرهم دنيا فلهم دنيا وآخرة، صلى الله عليهم صلاة يقتضيها كرم الله، واستحقاقهم الكامل، وهذان سببان يوجبان الحصول لوجود الفاعل والقابل
- وقال الذهبي، المتوفى سنة 748 ه: علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن زين العابدين، السيد الشريف، أبو الحسن العلوي الحسيني الفقيه، أحد [الأئمة] الاثني عشر، وتلقبه الإمامية الهادي
- وقال ابن عنبة، المتوفى سنة 828 ه: أما علي الهادي، فيلقب بالعسكري، لمقامه بسر من رأى، وكانت تسمى العسكر، وأمه أم ولد، وكان في غاية الفضل ونهاية النبل
- وقال ابن حجر الهيتمي، المتوفى سنة 979 ه: علي العسكري، سمي بذلك لأنه لما وجه المتوكل لإشخاصه من المدينة المنورة إلى سر من رأى، أسكنه بها، وكانت تسمى العسكر، فعرف بالعسكري، وكان وارث أبيه علما وسخاء... - ويقول ابن العماد الحنبلي، المتوفى سنة 1089 ه: أبو الحسن علي بن الجواد محمد بن الرضا علي بن الكاظم موسى بن جعفرالصادق العلوي الحسيني المعروف بالهادي، كان فقيها إماما متعبدا، وهو أحد الأئمة الاثني عشر (4)
- وقال اليافعي: أبو الحسن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق العلوي الحسيني، عاش أربعين سنة، وكان متعبدا فقيها إماما
- وقال الشيخ آغا برزك الطهراني، المتوفى سنة 1389 ه: كان الإمام الهادي أجل إخوته، وارث علم آبائه وسخائهم، وإنما انتقلت وانحصرت الإمامة فيه خاصة دون إخوته المذكورين، لتوفر شروط الإمامة فيه، وهي العلم والعدالة والكفاية وسلامة الحواس والأعضاء مما لا يؤثر في الرأي والعمل، والنسب القرشي العربي
- وقال خير الدين الزركلي، المتوفى سنة 1396 ه: أبو الحسن العسكري، علي الملقب بالهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى بن جعفر الحسيني الطالبي، عاشر الأئمة الاثني عشر عند الإمامية، وأحد الأتقياء الصلحاء (5).
المصادر :
1- بحار الأنوار 50: 118.
2- الإرشاد 2: 297. /الأنوار البهية: 246. / المناقب 4: 401، بحار الأنوار 50: 114.
3- كشف الغمة 3: 164. / القلائص: جمع قلوص. / الشنشنة: العادة الغالبة.
4- تأريخ الإسلام، وفيات سنة 251 - 260: 218. / عمدة الطالب: 199. / الصواعق المحرقة: 207.
5- شذرات الذهب 2: 128. / مرآة الجنان 2: 119. /حياة الإمام الهادي (عليه السلام): 32، عن شجرة السبطين. /الأعلام 5: 140.