تحتوي الشريعة اليهودية على منظومة قوانين وأحكام وتشريعات منها ما يتعلق بالفرد، ومنها ما يرتبط بالإطار الجماعي بهدف التماسك وتمتين اللحمة فيما بين الأفراد من خلال تلك الشعائر والطقوس التي ترتبط بأحداث جماعية لها صلة بالماضي السحيق . . . ومعرفة ذلك له أهمية من جهة الاطلاع على ما عند الآخر، ويصب في الرضى المعرفي .
الصلاة عند اليهود
الصلاة عندهم فريضة واجبة على النساء والرجال . . . وكانوا يصلون جلوساً ووقوفاً، يركعون ويسجدون، ويبوقون، ويصوتون، ويبكون في تضرعاتهم واعترافاتهم حتى يومنا هذا (1).من الصلاة ما هو فردي، ومنها ما هو جماعي يشترك فيها كثيرون ويقودها أحد الكهنة .
أما الفردية فهي صلوات ارتجالية من أفراد، تتلى حسب الظروف والاحتياجات الشخصية، ولا علاقة لها بالطقوس والمواعيد والمواسم . . . وهناك نماذج من تلك الصلوات الواردة في النصوص .
منها ما في سفر الخروج عند صلاة موسى على طور سيناء بعد خروج بني إسرائيل بقيادته من مصر، وبعد أن ظهر فساد من قومه أغضب الرب الذي أراد أن يعاقبهم على فعلهم . . .
ومنها صلاة إبراهيم عليه السلام من أجل خلاص أهل سدوم من الهلاك . ومعلوم ما كان يفعل أهل سدوم بلد لوط عليه السلام من الشذوذ مما أغضب الرب عليهم . فتدخل إبراهيم بصلاته الفردية متضرعاً للرب كي يعفو عنهم . وقد ورد ذلك في سفر التكوين الاصحاح 18 .
أما الصلاة الجماعية المشتركة فمن أنواعها، التي ورد الحديث عنها في التوراة، وكانت للبركة، وقد وردت في سفر العدد الاصحاح 6 . وهي تحتاج إلى استعداد وتحضير حتى تؤدى على وجه صحيح .
وللصلاة هذه مواقيت ثلاثة :
1ـ صلاة الفجرة ويسمونها صلاة السحر شحاريت ووقتها بحسب المشنا منذ أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأزرق إلى ارتفاع عمود النهار .2ـ صلاة نصف النهار أو القيلولة منحه وتجب منذ انحراف الشمس عن نقطة الزوال إلى ما قبل الغروب .
3ـ صلاة المساء ويسمونها صلاة الغروب عربيت ووقتها من غروب الشمس وراء الأفق إلى أن تتم ظلمة الليل الكاملة (2).
وللرجال لباس مميز خاص يرتديه الواحد منهم عند تأدية الصلاة، أهم ما فيه الخيوط الزرقاء المتدلية من الشال . والأزرق هو لون الراية الإسرائيلية اليوم، وهو لون سقف القبة في هياكلهم .
وعندما يريدون تأدية الصلاة، وبعد غسل اليدين يوضع الشال الصغير على الكتفين أو الشال الكبير في الصلوات التي تتم جماعة في المعبد كصلاة السبت والأعياد، وهذا الشال يكون من نسيج أبيض مستطيل أو مربع .
وفي كل زاوية من زواياه حلية مؤلفة من ثمانية أهداب من الخيط أربعة بيضاء وأربعة زرقاء، رمزاً للتعرف على طلوع الفجر بتمييز الخيط الأبيض من الخيط الأزرق .
ولهذا الشال في طهارته أحكام خاصة أهمها أنه لا تلمسه النساء، ويخصص له موضع معلوم في المنزل، ويجب على اليهودي لبسه منذ أن يبلغ سن التكليف والعبادة وهي ثلاث عشرة سنة، ويبقى عنده إلى أن يموت فيكفن عادة فيه .والصلاة اليهودية تجب فيها تغطية الرأس (3).
الصوم
الصوم عبادة فيها تعبير عن الالتزام بطاعة اللَّه وطلب القرب منه . والصوم عندهم قد يؤديه بعض الأتقياء بمفردهم، وقد يؤدونه جماعة في موقف أو في مناسبات معينة .والصوم الكبير عندهم في يوم الكفارة، وهو يوم نجاة موسى مع قومه بني إسرائيل من فرعون في البحر .
وقد جاء في قاموس الكتاب المقدس عن هذا اليوم : هو يوم صوم واتضاع وتكفير عن خطايا الأمة . . . وكان العبرانيون يمتنعون فيه عن أي عمل، وكانوا يجتمعون في احتفال مقدس يصومون في أثنائه، وكان هذا هو الصوم الوحيد المطلوب منهم حسب الناموس ص782 .
ومن أنواع الصوم عندهم ما يكون في اطار شفاء مريض، وقد يكون تعبيراً عن الحزن .
في سفر صموئيل الأول : فاجتمعوا إلى المصفاة واستقوا ماءً وصبّوا أمام الرب وصاموا في ذلك اليوم وقالوا هناك قد خطئنا إلى الرب وقضى صموئيل لبني إسرائيل في المصفاة (4).
بعض التشريعات الأخرى
وهذه بعض الأمور الواردة في شرعهم :أ ـ الطهارة :
كان لموضوع الطهارة والنجاسة شأن في الشريعة اليهودية والمجتمع اليهودي على أساس أن طبيعة القداسة التي يتصف بها اللَّه ترفض وتنبذ ما هو غير قدوس، أي غير جاهز (5)
هناك نصوص في العهد القديم جاءت تأمر بالطهارة من خلال غسل بعض الأعضاء قبل مباشرة الأعمال التعبدية من ذلك : " وكلم الرب موسى قائلاً : اصنع مغتسلاً من نحاس مقعده من نحاس للغسل واجعله بين خباء المحضر والمذبح واجعل فيه ماء، فيغسل هارون وبنوه منه أيديهم وأرجلهم إذ دخلوا خباء المحضر فليغسلوا لئلا يموتوا وإذا تقدموا إلى المذبح ليخدموا ويقتروا وقيدة للرب فليغسلوا أيديهم وأرجلهم لئلا يموتوا، يكون ذلك لهم رسم الدهر له ولنسله مدى أجيالهم (6).
والطهارة تستلزم عزل من ليس بطاهر، وأن لا يشترك مع الجماعة بعمل قبل أن يتطهر بالاغتسال، وقد جاء نص حول هذا الأمر فيه : إذا كان فيكم رجل ليس بطاهر من عارض الليل فليخرج إلى خارج المحلة ولا يدخل داخلها . وعند إقبال الليل يغتسل بالماء وعند غروب الشمس يدخل داخل المحلة "(7).
والجنابة التي تحصل بموافقة الرجل لزوجته هي نجاسة تستلزم الطهر : " وأي رجل خرجت منه نطفة مضاجعة فليغسل جميع بدنه بالماء ويكون نجساً إلى المغيب .
وأي امرأة ضاجعها رجل بنطفة فليرتضحا بالماء ويكونان نجسين إلى المغيب " (8).
ب ـ القرابين :
وكانت القرابين تقدم من الحيوانات المستأنسة الطاهرة والحبوب وبعض السوائل الزراعية (9)
لكن تنفيذ القرابين والنذور لا يكون في أي مكان يختاره الشخص إنما يجب أن يكون في الهياكل وبيوت العبادة حيث يوجد مكان خاص لذلك هو المذبح . وقد جاء في سفر تثنية الاشتراع : " لا يجوز لك أن تأكل في مدنك أعشار بُرّك وعصيرك وزيتك، ولا أبكار بقرك وغنمك، ولا شيئاً من نذورك التي تنذرها وتطوعاتك وتقدمة يديك .
ولكن أمام الرب إلهك تأكلها في الموضع الذي يختاره الرب أنت وابنك وابنتك وعبدك وأمتك واللاوي الذي في مدنك، وتفرح أمام الرب إلهك بما امتدت إليه يدك " (10).
ج ـ الختان :
وفق نصوص العهد القديم كان أول من اختتن إبراهيم عليه السلام ومعه ابنه إسماعيل وسائر الذكور من بيته كما ورد في سفر التكوين : " فأخذ إبراهيم إسماعيل ابنه وجميع مواليد بيته وسائر المشترين بفضته كل ذكر من أهل منزله مختن القلفة من أبدانهم في ذلك اليوم عينه بحسب ما أمره اللَّه به . . ." (11).
والختان عند اليهود هو " العلامة الجسدية للعهد، والتي يجب على كل إسرائيلي ذكر أن يحملها في جسده منذ اليوم الثامن لولادته . . . وهو الشرط الذي لا بد منه لإمكان الاحتفال بالفصح، حيث يعلن بنو إسرائيل أنهم شعب مختار . . ." (12).
د ـ المأكولات والمشروبات :
الدم والذبائح ولحم الخنزير : الدم هو الحياة، لذلك يحمل طابعاً قدسياً عند اليهود ولذلك عد من أعمال التكفير الهامة، ومن أساليب تقديم القرابين من الذبائح أن يراق دم الذبيحة فيصب قسم منه على المذبح، والقسم الآخر يرش على الشعب بقصد البركة .
ولأن الدم هو الحياة حرمت الشريعة الموسوية أكل الدم المسفوح من المواشي عند ذبحها .
جاء في سفر الأحبار اللاويين : "لأن نفس الجسد هي في الدم ولذلك جعلته لكم على المذبح ليكفر به عن نفوسكم، لأن الدم يكفر عن النفس، لذلك قلت لبني إسرائيل لا يأكل أحد منكم دماً . . ." (13).
أما بالنسبة للحيوان فقد حرمت الشريعة أكل كل حيوان لا يكون ظفره مشقوقاً وكل حيوان غير مجتر :" كل حيوان ذي ظفر غير مشقوق، وكل ما لا يجتر فهو نجس لكم، كل من مسه يكون نجساً" (14).
ويحرمون أيضاً من الحيوانات المجترة الأرنب، لأن ظفره غير مشقوق :" والأرنب فإنه يجتر ولكنه غير مشقوق الظفر فهو رجس لكم " (15).
والتحريم المغلّظ في الشريعة اليهودية، هو تحريم أكل لحم الخنزير . وقد جاء في سفر الأحبار :" والخنزير فإنه ذو ظفر مشقوق ولكنه لا يجتر فهو رجس لكم . لا تأكلوا شيئاً من لحمها وميتتها ولا تمسوا فإنها نجسة لكم" (16).
الوصايا العشر
لقد اقترن هذا الاسم بالتوراة حتى أصبحت التوراة هي الوصايا . . . ولقد أكثر علماء اليهود الكلام حولها واعتبروها من أعظم ما ابتدعته الشريعة الموسوية . والأصل فيها كما يذكر سفر الخروج أن موسى عليه السلام قد صام عندما كان على طور سيناء طيلة الأيام الأربعين التي كان فيها بين يدي اللَّه " وأقام هناك عند الرب أربعين يوماً وأربعين ليلة لم يأكل خبزاً ولم يشرب ماءً فكتب على اللوحين كلام العهد الكلمات العشر" (17).وقد ورد ذكر الوصايا العشر في مكانين من التوراة : الأول في سفر الخروج، وتكرر ذكرها في التثنية، ونصها كما ورد في سفر الخروج : " تكلم اللَّه بجميع هذه الكلمات قائلاً : أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من دار العبودية، لا يكن لك آلهة أخرى أمامي . لا تصنع تمثالاً منحوتاً ولا صورة ما مما في السماء من فوق ولا مما في الأرض من تحت ولا مما في الماء من تحت الأرض لا تسجد لها ولا تعبدها لأني أنا الرب إلهك إله غيور، أتعقب ذنوب الآباء في الأبناء إلى الجيل الثالث والرابع من أعدائي وأصنع إحساناً إلى ألوف من أحبائي وحافظي وصاياي . لا تحلف باسم الرب إلهك باطلاً .
اذكر يوم السبت لتقدسه، في ستة أيام تعمل وتنجز كل أعمالك، واليوم السابع سبت الرب إلهك، لا تصنع فيه عملاً أنت وابنك وابنتك عبدك وأمتك وبهيمتك ونزيلك الذي في داخل أبوابك، لأن الرب خلق السموات والأرض والبحر وكل ما فيها في ستة أيام وفي اليوم السابع استراح، ولذلك بارك الرب يوم السبت وقدسه .
أكرم أباك وأمك لكي يطول عمرك في الأرض التي يعطيك الرب إلهك .
لا تقتل، لا تزن لا تسرق، لا تشهد على قريبك شهادة زور، لا تشتهِ بيت قريبك، لا تشتهِ امرأة قريبك، ولا عبده ولا أمته ولا ثوره ولا ثماره ولا شيئاً مما لقريبك " (18)
وهذه الوصايا العشر تدور حول موضوعين رئيسيين :
الأول : وظيفة المخلوق تجاه خالقه، ويحتوي على أربع وظائف .
الثاني : وظيفة المخلوق تجاه سائر المخلوقين من أبناء جنسه .
ونحن إذا رجعنا إلى وظائف القسم الأول ودققنا النظر فيها نجد أن فحواها يدور في محور واحد، وهو اتخاذ إله واحد والنهي عن عبادة الأصنام والسجود لها والحلف به باطلاً وما شابه ذلك، ورغم أحقية هذه الوصايا ولكن التعليل الوارد لها وما يتبعه لا ينسجم مع صفات رب العالمين، كتعقب ذنوب الآباء في الأبناء . . .
وأما بقية الوصايا، فإنها من أروع ما تتحلى به التوراة لو أن تلك الوصايا كانت عامة وليست عنصرية وقبلية . . . فتخصيص الحكم بالقريب، ومن كان من بني إسرائيل كما في النهي عن السرقة وشهادة الزور واشتهاء امرأة القريب . غاية في العنصرية، فالغريب من سائر الأمم الأخرى لا حرج بالشهادة عليه زوراً، كما أنه لا حرج في أن يشتهي الإنسان امرأة الغريب . . . !
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن هذه الوصايا تتناقض مع التوراة بأسرها لأن هذه الوصايا لا تشكل واحداً من ألف بالنسبة إلى التوراة، وأعمال الأنبياء وبني إسرائيل تتناقض مع هذه الوصايا تماماً .
المصادر :
1- الفكر الديني الإسرائيلي، ص171.
2- الفكر الديني الإسرائيلي، ص181.
3- د . أسعد السحمراني : من اليهودية إلى الصهيونية، ص124.
4- الإصحاح 7، فقرة6.
5- المجتمع اليهودي : زكي شنودة، ص200.
6- سفر الخروج الاصحاح 30، فقرة : 17-21.
7- سفر تثنية الاشتراع، الاصحاح 23، فقرة 10-11.
8- سفر اللاويين، الاصحاح فقرة : 16ـ 18.
9- قاموس الكتاب المقدس ص721.
10- سفر التثنية، الاصحاح 12، الفقرات : 17-18.
11- سفر التكوين الاصحاح 17، فقرة 23.
12- معجم اللاهوت الكتابي، ص297.
13- سفر الأحبار، الاصحاح 17، فقرة11.
14- سفر الأحبار، الاصحاح 11، فقرة36.
15- سفر الأحبار، الاصحاح 11، فقرة 6.
16- سفر الأحبار، الاصحاح 11، فقرة 7.
17- سفر الخروج الاصحاح 34، فقرة 28.
18- سفر الخروج الاصحاح 20، الفقرات 2-17، وسفر التثنية، الاصحاح 5، الفقرات6-21.